المصدر: (Merip Reports) May10.2003
ترجمة: زهير عكاشة لقد بدأت مرحلة إعادة ترميم الشرق الأوسط التي طالما تمناها البيت الأبيض. فلقد اطاحت القوات الأمريكية والبريطانية بالرئيس العراقي صدام حسين، وها هي الآن تقوم بأعمال الدورية في شوارع بعداد. وعلى بعد مئات قليلة من الأميال ازيح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من طريق محمود عباس أبو مازن، الذي يحظى بصداقة واشنطن. في ظل هذه التحولات التكتونية التي هيمنت على اديم الشرق الأوسط، يهيئ رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون لأعادة ترتيب المنطقة، ولكن على نطاق اصغر متمنيا أن يفلت من تسليط الأضواء عليه. لقد اعد شارون خطته لتخليص منطقة النقب الشاسعة شبه الصحراوية الواقعة جنوب إسرائيل من المزارعين البدو. ينقسم البدو الذين يشكلون 15% من المواطنين العرب في إسرائيل إلى فئتين رئيسيتين. إذا ينحدر عشرات الألوف الذين يعيشون في الجليل شمال إسرائيل من قبائل وفدت من سيناء وشبه الجزيرة العربية. كان النقب قبل عام 1948، أي قبل إنشاء الدولة، مأهولاً تقريبا بقبائل بدوية حظي مطلب ملكيتها التاريخية في الأرض باعتراف الإمبراطورية العثمانية والإنتداب البريطاني. لقد حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة زرع بذور الشقاق بين أوساط السكان العرب لمنع رص الصفوف لمواجهة سياسة التمييز التي تنتهجها الدولة ضدهم. وجد السكان البدو على وجه الخصوص أنفسهم في معزل جغرافيا واجتماعيا عن المواطنين العرب. استخدمت وسيلة ناجعة لسلخ البدو عن الطائفتين المسيحية والإسلامية، وتتمثل في الضغط عليهم لأداء الخدمة العسكرية في الجيش كقصاصي اثر في الصحراء علما بان أبناء الطائفة الدرزية الصغيرة مجندين في الجيش.
البدو والترانسفير: ظلت إسرائيل منذ نشئتها عام 1948، تضع على سلم اولوياتها تطهير منطقة النقب من السكان البدو. فقبل احد عشر عاماً من قيام دولة إسرائيل، بعث ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل برسالة إلى إبنه يقوله فيها "أراضي النقب محفوظة للمواطنين اليهود متى شاءوا واينما شاءوا. لابد من طرد العرب واخذ مكانهم". لم يبق في عام 1951 من الوسط البدوي إلا 13 ألف نسمة مع أن عددهم كان يتراوح أواخر الأربعينيات ما بين 70 إلى 90 ألف نسمة. في أواخر عام 1953 أصدرت الأمم المتحدة تقريراً ذكرت فيه أن سبعة آلاف بدوي من النقب جرى ترحيلهم إلى مناطق قريبة من الأردن والى غزة وسيناء اللتين كانتا خاضعتين للحكم المصري مع أن الكثير منهم إنسل عائداً عبر الحدود دون أن يتمكن احد من اكتشافهم. تحدث موشيه دايان، قائد القوات الإسرائيلية، في حرب عام 1967 وأكثر القادة العسكريين شهرة عما يدور في خلد الإسرائيليين عندما تنبأ بقرب زوال ظاهرة البدو عن الوجود. أسباب هذا العداء الذي يكنه القادة الإسرائيليون للبدو ذو شقين. فالحكومات الإسرائيلية التي كانت تسعى إلى بسط سيطرتها على الأرض والسكان، كان يساورها القلق حيال نسبة الإنجاب عند البدو وهي من أعلى نسب الإنجاب في العالم. كما أن نمط حياة البادية القائم على الترحال يجعل من المستحيل ضبط تحركاتهم ومراقبة أنشطتهم كما هو حاصل بالنسبة للتجمعات السكنية العربية الثابتة. يرى اليهود أن الزراعة التي هي ماء الحياة الإقتصادي للبدو مناسبة لليهود فقط، فحسب اخلاقيات الرواد الأوائل في الحركة الصهيونية فإن فلاحة الأرض والفداء من اجلها شيئان مترادفان. تعتبر النقب التي تبلغ مساحتها ثلثي مساحة الدولة، أفضل بقعة شاسعة لإستيعاب موجات الهجرة اليهودية مستقبلا، كما أن الطبيعة القاحلة لهذه الصحراء وصعوبة اختراقها أو مشاهدة التحصيانات فيها، جعلها مكانا معقولا لإنشاء القواعد العسكرية والعمليات الحساسة. فقد تم على سيبل المثال إنشاء المفاعل النووي الإسرائيلي بالقرب من بلدة ديمونا في النقب، كما تعترف ضمناً بذلك الترسانة النووية الإسرائيلية. لقد عملت الحكومات الإسرائيلية بعد عام 1948 بلا هوادة من اجل محو ظاهرة البدو عن الوجود. فالبدو الذين لم يهربوا وتعرضوا للترهيب والتهديد لترك مضاربهم إبان الحرب، فروا في الخمسينات، إما إلى وسط البلاد حيث اشتغلوا كعمال متدني الأجور، وإما إلى منطقة صغيرة المساحة نسبيا في النقب الشمالي. أما باقي منطقة النقب وتبلغ مساحتها 85% من المساحة الإجمالية هناك، فقد تم الإعلان عنها كحدود تضم كتلاً من المناطق العسكرية والمحميات الطبيعية. يطلق على المنطقة التي يتجمع فيها البدو في النقب "منطقة الحصار" حيث تم إنشاء حلقة محكمة من المستوطنات اليهودية لاحتواء البدو، حيث أخذت أراضيهم تُلتهم شيئاً فشيئاً جراء إنشاء المزيد من المناطق الصناعية والقواعد العسكرية والمحميات الطبيعية، إضافة إلى مطار. كل قرية من القرى البدوية محاصرة ومفصولة عن سائر القرى البدوية الأخرى بمزارع يهودية ومستوطنات ومدن تطوير. يعيش السكان البدو في النقب على 2% فقط من المساحة الإجمالية. القرى غير المعترف بها: ظلت إسرائيل منذ الستينات تصنف التجمعات السكنية البدوية بالنقب كتجمعات مبعثرة، حيث مارست ضغوطات شديدة على سكانها للتخلي عن نمط الحياة الزراعي. عرضت الدولة على البدو الإنتقال إلى واحد من سبعة مخيمات ريفية تم إنشاؤها في السبعينات، حيث سكن نصف البدو البالغ عددهم 130 ألف نسمة في هذه البلدات التي تتقوقع عند أدنى معدلات التطور الإقتصادي والإجتماعي. أما بالنسبة للفرد الذي يرفض عرض الدولة فقد يضطر للعيش في قرى غير معترف بها، وهذا يعني انه محروم من تلقي الخدمات العامة كالمياه والكهرباء والعيادات الصحية والمدارس. فعلى سبيل المثال يضطر الأطفال في قرية عبدة السفر 87 ميلا في اليوم ذهاباً وإياباً إلى منطقة معترف بها من اجل تلقي التعليم في المدرسة. جميع مساكن البدو غير مرخصة (ليس لهم بلديات يقدمون فيها طلب الحصول على رخصة بناء)، وبالتالي فهم عرضة لأوامر الهدم. هناك نحو 30 ألف مسكن بدوي معرض للهدم، لذلك يضطر اغلب سكان القرى البدوية للعيش في خيام أو اكواخ الصفيح المعدنية (يعاني أيضا سكان الشمال من مشكلة عدم الإعتراف بقراهم، وإن كان ذلك على نطاق اضيق). كان شارون الذي يملك مزرعة شاسعة في النقب، أول العدائين ضمن سباق طويل نحو ترحيل البدو من أرضهم التاريخية، فقد انشأ أوائل السبعينات عندما كان يشغل منصب وزير الزراعة، شرطة شبه عسكرية خاصة بالنقب، أطلق عليها إسم "مضلل" وهو الدورية الخضراء بهدف تنفيذ أوامر هدم بيوت السكان البدو ومصادرة قطعان الماشية والأغنام التي يملكونها ووعد شارون آنذاك بأن يؤدي إنشاء الدوريات الخضراء إلى إعادة انعاش النقب، وقد سنحت له الفرصة بعد أن أصبح الآن رئيساً للوزراء لإنهاء المهمة التي بدأها. شارون والأملاك العقارية: في ابريل نيسان من عام 2003، صادقت حكومة شارون على خطة خماسية متعددة رصدت لها ميزانية تقدر بنحو 200 مليون دولار "كمحاولة جادة لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الوسط البدوي, وكذلك معالجة قضية الأراضي". من المفروض أن يشرع في تنفيذ الخطة أواخر عام 2003، ومع أنها من إعداد لجنة وزارية خاصة، بناء على توصية من المجالس المحلية اليهودية في النقب، فقد كانت الخطة في واقع الأمر من وحي شارون. لقد سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى وصف الخطة بأنها وسيلة نحو توفير آلية لتسوية الخلافات وتطوير البنية التحتية للسكان البدو في النقب، بما في ذلك إعداد اقتراحات خاصة بانشاء تجمعات سكنية بدوية. يقول شموئيل روفمان الذي يمثل 4500 يهودي يعيشون في النقب، اغلبهم يمتلكون مزارع خاصة، لصحيفة هآرتس الصادرة في 7 يناير كانون الثاني 2003: "إن أي إنسان يتحدث عن برميل البارود في النقب، فيما يتعلق بالبدو فلابد أن يؤيد هذه الخطة فورا دون تردد". أما وجهاء البدو فقد كانت ردة فعلهم مختلفة، إذ قالت جماعة الضغط البدوي الرئيسة المتمثلة في مجلس إقليمي القرى غير المعترف بها في بيان صحفي. "نحن نعتبر الخطة بمثابة إعلان حرب على الوسط البدوي في القرى غير المعترف بها". لم يتم مناقشة الخطة مع أي من ممثلي السكن البدو. سبب ذلك يعود لكون لجنة التخطيط الإقليمي في الجنوب التي تضم 17 عضواً وتشرف على قضايا التخطيط في النقب، لا تشمل في عضويتها ولو بدوي واحد، أو حتى ممثل عربي. أشار تقرير هآرتس أيضا إلى الأسباب الكامنة وراء القلق الذي يساور البدو. فللخطة الخماسية هدف ثانوي كشف النقاب عنه مؤخراً وهو زيادة عدد المسؤولين المكلفين بتنفيذ أوامر التخطيط والبناء في النقب زيادة كبيرة، بحيث يشمل ذلك توسيع الدوريات الخضراء وزيادة عدد موظفي وزارة العدل في المحاكم التي تبت في القضايا المرفوعة إليها. ورغم أن الخطة الخماسية هي غطاء لمحاولة معالجة الأمور القضائية المتروكة بين البدو والحكومة بالنسبة للخلافات على الأراضي، إلا أنها تعتبر من ناحية أخرى، سياسية مرتبة لإستعمال القوة لطرد كل البدو من قراهم المبعثرة إلى ثلاث مخيمات أنشئت على انقاض ثلاث قرى سابقة غير معترف بها أُنشئت على طول خط القرى السبع القائمة. على هذا الأساس تكون أراضي النقب قد تحررت بعد أن تحقق احد احلام شارون المنشودة بتوطين مهاجرين يهود جدد في هذه المنطقة القاحلة عن طريق منح امتيازات كثيرة بغية تشجيعهم على الإنتقال من المناطق السكنية المكتظة وسط البلاد، كجزء من مشروع تبنته المنظمة الصهيونية العالمية لجلب 350 ألف مهاجر لمنطقتي النقب والجليل بحلول نهاية العقد الحالي. ستمنح أيضا أراضي لمزارعين اغنياء لإقامة المزيد من المزارع على غرار مزرعة شارون، حيث تنتشر زراعة العنب والبلح انتشارا واسعا، وكذلك تربية الأغنام والماشية علماً بأنه يتم تزويد هذه المزارع بالمياه والكهرباء بأسعار مخفضة. من المقرر أن يُشرع أوائل صيف عام 2003، بانشاء 14 مستوطنة يهودية جديدة، كما جاء في الخطة التي وضع أطرها شارون عندما كان وزيرا للإسكان أوائل التسعينات، وهذه هي المرة الأولى منذ 25 عاما التي تمول فيها المنظمة الصهيونية العالمية إنشاء مستوطنات داخل إسرائيل وليس في الضفة الغربية أو قطاع غزة. سيجري إنشاء التجمع السكني اليهودي غفعات بار على أراضي القرية البدوية عراقيب التي تقع جنوب مدينة راهط البدوية، والتي صودرت أراضيها سابقا من قبيلة محلية عام 1953. كيف يتعدى الإنسان وهو في أرضه؟ الواقع هو أن إعادة ترتيب النقب ستتم على مرحلتين. أولا سيحصل أغلبية البدو البالغ عددهم 70 ألف نسمة، ويعيشون في 45 قرية غير معترف بها، على تعديل لقانون كان قد اقر عام 1981، ويتعلق بالأراضي العامة، علماً بأن الكنيست تستعجل الآن في إقرار هذا التعديل. سيمنح تعديل قانون "إخلاء المتعدين" المسؤولين صلاحية وصف الشخص "بالمتعدى" إذا كان يعيش على أراضي دولة، ولم يقم بالإجراءات القضائية المطلوبة التي تستغرق وقتا طويلا. سيتم تنفيذ وتعديل القرار بأثر رجعي كي يتسنى شمل البدو المتعدين في السنوات الثلاث الماضية. لا شك أن قانون التعدي يعتبر كل بدوي غير شرعي ويعتبر قراهم غير شرعية ومخالفة للقانون، إذا نصب خيمته أو زرع أراضي عامة وقد يواجه حكما بالسجن يصل إلى 6 شهور مع دفع غرامة مالية تضاعف قيمتها ويسجن لمدة سنتين إذا عاد وكرر المخالفة. بناء على ذلك يتوجب على القرويين البدو، اثبات عدم تعديهم وقد لا يكون سهلا على محامي الدفاع أن يجادل ويقول أن القرى كانت قائمة قبل إنشاء الدولة، أو أن هؤلاء القرويين البدو يقطنون الآن في أماكن نقلتهم إليها الحكومة عندما تمت مصادرة أراضيهم. ومن اجل أن يتجنب القرويون تصنيفهم "كمتعدين" كان لابد عليهم تسجيل أراضيهم كلٌ على حدة. وحيث أن المحكمة قررت سلفاً بأن هذه القرى غير المعترف بها أقيمت على أراضي دولة، فإن فرص كسب القضية بالنسبة للبدو تبدو معدومة. لم تولِ خطة النقب اهتماما بتخصيص ميزانية لتعويض البدو المهجرين، وإذا ما أخذت بالإعتبار موجة تسجيل الأراضي التي تمت في السبعينات فستكون التعويضات ضئيلة، وقد تأخذ شكل عروض بتخفيض أسعار المنازل في الأحياء الجديدة. لقد ألمحت جماعة الضغط من عرب إسرائيل، التي تطلق على نفسها إسم "مساواة" إلى ما تفكر به الحكومة الإسرائيلية، حيث أشار تقرير لها إلى أن الحكومة قلصت الميزانية المخصصة لتعويض البدو عن أراضيهم من 30 مليون دولار في السنة إلى 26 مليون دولار. لا يزيد المبلغ الذي خصص للسنوات الأربع المتبقية من الخطة الخماسية عن 65 مليون دولار، أي نصف ما أشارت إليه التنبؤات العادية. بناء على ذلك سيحصل كل بدوي يقطن قرية غير معترف بها على تعويض يقل عن 1000 دولار، علما بان هذا المبلغ يقل عن المبلغ الذي رصد لتدمير منازل المواطنين البدو وهو 80 مليون دولار. يستطيع البدوي في هذه الحالة تقديم طلب التماس لحل الخلاف على الأرض بينه وبين دائرة أراضي إسرائيل، وهي ذراع الحكومة في القضايا المتعلقة بالأراضي.بيد أن هذه الإلتماسات تحول إلى لجنة وزارية أو حتى وزير مسؤول، بإختصار إلى الطرف الأقوى في الخلاف. ظل وزير الداخلية لغاية وقت قريب الجهة المسؤولة قبل أن تناط هذه المهمة في ظل حكومة الوحدة الوطنية بإفراهام بوراز من حزب شينوي الحمائمي. لهذا لجأ شارون إلى نقل صلاحيات التخطيط إلى مكتب رئيس الوزراء قبل أن يسلمها لوزير الصناعة والتجارة وعضو حزبه ايهود اولمرت، الذي اشرف شخصيا على تنفيذ أوامر هدم منازل فلسطينيين في القدس، عندما كان رئيساً لبلديتها. صحيفة هآرتس نقلت يوم 11 ابريل 2003 عن اولمرت قوله: "سنجري اتصالات مع البدو مع أنني متأكد أنهم سيرفضون رفضا باتا العرض (الخطة). لن يثنينا أي شيء عن تنفيذ القرار، لأن ليس هناك سبيل أمامنا سوى ممارسة صلاحياتنا، وإذا كان الأمر يتعلق باتفاق، فلن يتم ذلك. القضية هي قضية إصرار الحكومة على تنفيذ قراراتها". زيف الإعتراف: هناك هدف ثاني للخطة الخماسية وهو إنشاء ثلاثة إحياء على انقاض ثلاثة قرى بدوية معترف بها وهي بير الحج وداريات والمدبح، والتي سيطلق عليها الأسماء العبرية بير حاييم ومرعيات وبيت فيلييت. وقع الإختيار على هذه القرى الثلاث لأنها تأوي أضخم القبائل البدوية والتي من الممكن أن تشكل معارضتها للخطة حجر عثرة بوجه تنفيذها. عشرات الألوف من البدو لن يجدوا مناصاً سوى الإنتقال للسكن في هذه البلدات الثلاث الجديدة، أو السكن في أي من البلدات السبع القائمة. ولإسباب تكتيكية مختلفة، تم على مدار عقد التسعينات الإعتراف بأربع قرى أخرى من اصل 45 قرية غير معترف بها، مع أن مستوى تقديم الخدمات العامة في هذه القرى لم يتحسن. لقد رفضت لجنة التخطيط الإقليمي في اللواء الجنوبي المصادقة على خطة هيكلية محلية خاصة بالقرى البدوية المعترف بها، وهذا يعني حرمان المواطن البدوي من الحصول على امدادات الماء والطاقة. كشفت حالة قرية عبدة التي حصلت على تغيير لوضعها عام 1992 زيف الإعتراف، إذ لم يتم أبدا الإعتراف بالتجمع كجسم واحد بل اعترف بمنازل سبع عائلات سيجري دمجها في المحمية، على أن تشمل قرية عبدة واطلال النباتين فيها. من المحتمل أن تكون نوايا الحكومة تجاه القرى المعترف بها جزئيا وكذلك تجاه القرى غير المعترف بها قد ظهرت في 4 مارس 2003، عندما أرسلت دائرة أراضي إسرائيل، وبدون سابق إنذار طائرات رش عمودية محملة بمبيدات اعشاب إلى قرية عبدة، حيث قامت برش 375 فدانا من المحاصيل المزروعة في القرية. كان هناك اطفالا بدو يلعبون تحت الأشجار عندما تعرضوا للرش بالخليط السام، لم يولِ الطيارون أي اهتمام لوجود الأطفال في الحقول. ورغم أن الحكومة طمأنت الأهالي فيما بعد من أن هذه المبيدات لا تشكل خطرا على حياة الإنسان، إلا أن العديد من هؤلاء الأطفال احتاج إلى العلاج من الصدمة لأنهم اعتقدوا وعائلاتهم أنهم ضحايا هجوم عراقي بالأسلحة الكيماوية. تكررت عملية إتلاف المحاصيل الزراعية في 2 ابريل عندما تم رش 1300 فدان من المحاصيل تعود ملكية 300 فدان منها لحمولة جبر أبو كف رئيس مجلس إقليمي القرى غير المعترف بها. تحديد اطر الصراع: جاءت حوادث رش المحاصيل الزراعية في أعقاب تدمير عشرات المنازل البدوية ربيع عام 2003، حيث سجل ارتفاع ملحوظ في عدد هدم البيوت، على مدار العام المنصرم، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على أن شارون عاقد العزم على تشديد الخناق على البدو أكثر فأكثر. في 5 فبراير سجلت سابقة جديدة عندما تم هدم مسجد في قرية تل الملح، وهذه هي أول مرة يتم فيها هدم دار للعبادة. شيد القرويون المسجد بطريقة غير شرعية بعد أن رفض منحهم رخصة بناء، وعرض عليهم مكان آخر للصلاة. وعندما وقف أهالي القرية وبدو آخرين ومواطنين عرب جنباً إلى جنب لإعادة بناء المسجد خلال أيام قليلة، أصدرت لجنة التخطيط الإقليمي في اللواء الجنوبي قرار هدم آخر سلم إلى دائرة أراضي إسرائيل، مع أن الأمر جمد مؤقتا من قبل المحكمة. منظمة "عدالة" وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية، تتولى تقديم الإستشارة القانونية للمواطنين العرب في إسرائيل، هددت برفع قضية ضد شارون إذا ما مضى قدما في تنفيذه الخطة الخماسية في النقب. بيد أن هذا التهديد لن يرعب شارون الذي يدرك بأن المحاكم وقفت إلى جانب الحكومة في خلافها مع البدو على الأراضي. يذكر مشروع شارون هذه الأقلية العربية في إسرائيل بان نهاية الحرب على الأرض لا تلوح في الأفق. تشير حوادث رش المحاصيل وكذلك موجة أوامر الهدم إلى أن شارون لن يبدي أي رحمة في معركته من اجل تطهير النقب. وهذه المرة يبدو أنه مصمم على زوال البدو عن أملاكه وعقاراته التي تحظى بالإمتيازات. |
|