عاطف المسلمي بإنتهاء الحرب الأمريكية على العراق، توجهت الأنظار كما كان متوقعاً إلى الموضوع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث توقع الكثير من المحللين أن تسعى الإدارة الأمريكية جاهدةً إلى دفع عملية السلام بين الطرفين قدماً، وذلك بهدف إضفاء شيء من المصداقية على تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، وتنفيذ ما كان تعهد به الرئيس بوش بتطبيق خطة خارطة الطريق، التي عرضها في الرابع والعشرين من يونيو 2002، ورحب بها الإتحاد الاوروبي وروسيا والأمم المتحدة. وإزاء إحساس الجمهور الإسرائيلي بأن حكومته لا تستطيع التملص من الموافقة على خارطة الطريق نتيجة للضغط الأمريكي المباشر، برزت أغلبية واضحة لدى الجمهور في إسرائيل تؤيد هذه الخطة، رغم عدم قناعتها بقدرتها على إنهاء الصراع التاريخي بين الشعبين، وذلك راجع لعدة أسباب من وجهة نظرهم تتعلق جلها بالجانب الفلسطيني والقليل منها بالجانب الإسرائيلي. في هذا التقرير سنلقي الضوء على مواقف الجمهور الإسرائيلي من خارطة الطريق، باعتبار أنها المشروع السلمي الوحيد المتداول الآن لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ومدى ثقة هذا الجمهور بهذه الخطة بعد عامين ونصف من المواجهات مع الفلسطينيين، وفشل ذريع للإتفاقات المرحلية السابقة، الأمر الذي ترك آثاره لدى شريحة واسعة من المستطلعين الإسرائيليين، التي بات الشك يسيطر على مساحة واسعة من آرائها. أولاً: الضغط الأمريكي في نهاية مارس الماضي وقبل أن تضع الحرب الأمريكية على العراق أوزارها، توقع الجمهور الإسرائيلي أنه فور إنتهاء إدارة الرئيس الأمريكي بوش من الملف العراقي، ستقوم بالضغط على إسرائيل بهدف التوصل إلى حل للصراع مع الفلسطينيين، وذلك حتى لا تتهم بأنها تكيل بمكيالين. ومع تقدير نسبة عالية من هذا الجمهور (67%)، أن بوش سيمارس ضغطاً قوياً على إسرائيل، فإن (58%) من هذا الجمهور لم توافق على ممارسة أي ضغط أمريكي على إسرائيل. مقابل 36% يؤيدون ممارسة مثل هذا الضغط إذا كان ضرورياً للتوصل إلى حل. وهذا في باطنه يعتبر تأييداً ضمنياً لمواقف الحكومة السياسية. وبحسب النتائج الواردة في مقياس السلام لشهر مارس 2003، أعرب 49% (نسبة عالية جداً)، عن خشيتهم أن تدفع إسرائيل ثمن الحرب على العراق، مقابل 44% ليس لديهم مثل هذه الخشية. وبمقارنة الإجابات في مسألة معارضة وتأييد الضغط من جهة، والخشية وعدم الخشية من دفع الثمن من جهة أخرى، يتضح أن مؤيدي الضغط وهم في معظمهم من ناخبي ميرتس والعمل، لا يخشون من الثمن الذي سيطلب من إسرائيل دفعه على أمل التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. فيما يخشى معارضو الضغط وهم في معظمهم من ناخبي شاس والليكود، أن يكون على إسرائيل أن تدفع ثمناً كبيراً للحرب على العراق. فيما إنقسم ناخبو شينوي بالتساوي بين الطرفين، وجاءت مواقف الجمهور العربي في إسرائيل مغايرة تماماً لمواقف الجمهور اليهودي في هذه القضية، حيث أعرب 76% من العرب في إسرائيل عن تأييدهم لممارسة الضغط من جانب الرئيس بوش على إسرائيل من أجل التوصل إلى حل، إلا أن الأغلبية 62%، خلافاً للجمهور اليهودي، لا تعتقد أن هذا الضغط سيمارس فعلاً(1). ثانياً: تأييد لخارطة الطريق حملت نتائج إستطلاعات الرأي الإسرائيلية التي أجريت في أبريل الماضي وأعقبت إنتهاء الحرب على العرق، تأييداً كبيراً وسط الجمهور الإسرائيلي لخطة خارطة الطريق، رغم الإنقسام الواضح بشأن قدرة هذه الخطة على إنهاء الصراع التاريخي بين اسرائيل والفلسطينيين، ومدى إستعداد الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للتوصل إلى حل. فقد أشار مقياس السلام لشهر أبريل 2003، أن هناك تفاؤلاً حذراً في أوساط الجمهور الإسرائيلي (اليهودي)، بإحتمال إنهاء الصراع التاريخي بين اسرائيل والفلسطينيين، وذلك إثر الإنتصار الأمريكي في العراق، وتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة. ويتغذى هذا التفاؤل الحذر، من تأييد الأغلبية الكبيرة 65% من اليهود في اسرائيل لخارطة الطريق، رغم أن الجمهور اليهودي منقسم في مسألة تطابق الرؤى بين إدارة بوش وحكومة شارون لمصالح إسرائيل الحيوية، والرأي السائد لدى الجمهور الإسرائيلي، أن الإدارة الأمريكية ستمارس ضغوطاً قوية على الجانبين، لإجبارهم على قبول الخطة. وقد إرتبط توقع الأغلبية لممارسة الضغط على إسرائيل، بتدني إحتمالات تبنى حكومة شارون لخارطة الطريق. وبحساب الأرقام، أشار الإستطلاع إلى أن 48% من المستطلعين قالوا، إن إحتمالات السلام وإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، قد زادت بعد حرب العراق وتغيير الحكومة الفلسطينية، مقابل 39% إعتبروا أن الإحتمالات بقيت على حالها. وهذا يعني أن هناك أغلبية تعتقد أن الأحداث الأخيرة قد أثرت إيجابياً على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولكن كيف يمكن تفسير الفجوة في حجم التأييد لخارطة الطريق، والقناعة باحتمالات نجاحها في إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟، التفسير الجزئي لذلك مرده إلى حجم التوقعات المنخفضة من جانب الجمهور الإسرائيلي إزاء تبني الطرفين للخطة وتطبيقها. فبالنسبة لإسرائيل، قال 40% فقط إنهم يعتقدون أن إحتمالات تبني حكومة شارون للخطة عالية، مقابل 54% قالوا إنها إحتمالات ضئيلة. وفيما يتعلق بالموقف الفلسطيني، أعرب 71% من المستطلعين اليهود عن إعتقادهم أن إحتمالات تبني الحكومة الفلسطينية الجديدة للخطة وتطبيقها متدنية، مقابل 22% قالوا إنها إحتمالات عالية. على خلفية الموقف المشكك في إستعداد حكومة شارون والسلطة الفلسطينية لتطبيق خارطة الطريق، سُئل المستطلعون عن إحتمالات ممارسة ضغوط أمريكية على الجانبين من أجل تطبيق هذه الخطة، فجاءت الإجابات أن 72% اعتقدوا أنها إحتمالات عالية جداً، أو عالية بدرجة كافية، مقابل 22% فقط اعتقدوا بان الإدارة الأمريكية لن تمارس مثل هذه الضغوط. وعلى خلفية تأييد الوسط اليهودي لخارطة الطريق من جهة، والتشكيك في إستعدادت الجانبين لتطبيق الخطة من جهة أخرى، فإلى أي مدى هناك قبول لإحتمالات ممارسة الإدارة الأمريكية ضغوطاً على إسرائيل. في هذه النقطة ظهر إنقسام واضح في مواقف الوسط اليهودي، حيث أبدى 50% من المستطلعين معارضة قوية لأي نوع من أنواع الضغوط الأمريكية على إسرائيل، مقابل 44% مع ضغط أمريكي على إسرائيل. وقد توافق استمرار تأييد الجمهور اليهودي لحل وسط مع الفلسطينيين على أساس خارطة الطريق، مع توقع ضغط أمريكي متزايد على الطرفين بهذا الإتجاه. ورغم أن حجم التأييد لخارجة الطريق استمر على حاله حتى منتصف شهر مايو 2003 أي نحو 65%، فقد سجلت احتمالات ضغوط أمريكية على إسرائيل زيادة واضحة، حيث أعرب 65% من المستطلعين اليهود عن رأيهم، بأنه يتعين على إسرائيل الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس خارطة الطريق. مع توقع 82% أن تقدم الإدارة الأمريكية على الضغط على إسرائيل للتوصل إلى إتفاق مع الفلسطينيين(2). الملفت للنظر أنه كلما زاد الحديث عن تطبيق خطة خارطة الطريق، زادت البلبلة في مواقف الجمهور الإسرائيلي (اليهودي)، وزادت نسبة المترددين واللا جواب. فبينما جاءت إجابات 36% من الجمهور اليهودي قاطعة بالتأييد لخارطة الطريق، أجاب 35% (نسبة كبيرة جداً) بلا جواب على سؤال، هل تؤيد ام تعارض خارطة الطريق؟ هذه النتائج التي أظهرها إستطلاع (هجال هحداش) لصالح معاريف 16/5/2003، أظهرت بعض التراجع في صفوف الجمهور الإسرائيلي (30% مع، و46% ضد)، تجاه تأييد ممارسة الإدارة الأمريكية لأي ضغط على إسرائيل لتنفيذ خارطة الطريق. كما أظهرت النتائج، أن الجمهور الإسرائيلي يعي أن رئيس وزرائه غير متحمس أو لا يؤيد خارطة الطريق. فقد أعرب 33% فقط عن اعتقادهم بأن رئيس وزرائهم يؤيد خارطة الطريق. نسبة التأييد المنخفضة لخارطة الطريق التي سُجلت في منتصف مايو، ما لبثت أن إرتفعت في نهاية الشهر،حيث سجلت 56% وفق نتائج استطلاع للرأي أجراه (داحاف) لصالح يديعوت أحرونوت (26/5/2003). ويفسر هذا التأييد في الأساس للحضور الأمريكي الكبير في المنطقة في هذه الفترة وبداية التحضير لقمة العقبة الثلاثية (بوش-ابو مازن-شارون)، والمفارقة الملاحظة عند قياس رأي الجمهور الإسرائيلي في هذه النقطة، والتي تركزت في أكثر من إستطلاع هي حجم التوقعات المنخفضة من قدرة خارطة الطريق على وقف ما يسمى بالإرهاب. فقد أشار الإستطلاع، إلى أن 13% فقط من الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) مقتنعون أن الإرهاب سينتهي، فيما اعتبر 34% أن الإرهاب سيضعف، لكن لن يتوقف، كما إستمر حجم القناعة المنخفض 43% لدى الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) من قدرة خارطة الطريق على إيجاد حل للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويعزى هذا التدني لتجارب الجمهور الإسرائيلي السابقة، في التعامل مع نتائج إتفاقات أوسلو المرحلية، وما آلت أليه هذه الإتفاقات، بعد أن حملت توقعات كبيرة عند توقيعها. كما تزامن إستمرار تأييد الأغلبية في إسرائيل لخارطة الطريق، مع تأييد نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي 62% لإنهاء الإحتلال. وقناعة 67% من جمهور المستطلعين، أن تصريحات شارون حول إنهاء الإحتلال لا تخرج عن كونها لأغراض إعلامية. ففي إستطلاع للرأي أجراه معهد (هجال هحداش)، بالتعاون مع معاريف، ونشر في 30/5/2003، عقب مصادقة الحكومة الإسرائيلية على خارطة الطريق. أبدى 55% من الجمهور الإسرائيلي تأييدهم الكامل للخطة، مقابل معارضة 33%. على الرغم أن الأغلبية 52% غير مقتنعة من قدرة خارطة الطريق على الوصول إلى تسوية دائمة بين الطرفين. والشيء الملفت للنظر أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي 59% لا تعرف الا النذر القليل من تفاصيل خارطة الطريق، الأمر الذي يفسر ظهور بعض البلبلة في نتائج الإستطلاعات الأخيرة. كما أن الجمهور الإسرائيلي منقسم على نفسه تقريبا، حيال قناعته باحتمال أن يفي رئيس الحكومة شارون بتعهدات إسرائيل تجاه خارطة الطريق. 43% سيفي، 39% لن يفي. ثالثاً: مصادقة الحكومة أدت مصادقة الحكومة الإسرائيلية على خارطة الطريق، وما صاحب هذه المصادقة من تحفظات أبداها بعض الوزراء على بنودها، إلى إستمرار الجدل والتردد في صفوف الجمهور الإسرائيلي. واذا كانت هذه المصادقة قد أدت إلى إرتفاع نسبة التأييد للخطة لدى الجمهور (اليهودي)، وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أعقبت مصادقة الحكومة على الخطة وسبقت قمة العقبة، فإنها لم تعكس الإرتفاع المتوقع. فقد أبدى 59% من الجمهور الإسرائيلي (حسب مقياس السلام لشهر مايو 2003)، تأييدهم لخطة الطريق، منهم 38% يؤيدونها بدرجة مقبولة، و21% يؤيدونها بشدة، وكما هو الحال في بقية الإستطلاعات، ترافق هذا التأييد الكبير بعدم قناعة أكبر 66% لدى الجمهور اليهودي، بإمكانية أن تؤدي هذه الخطة إلى حل شامل للصراع الفلسطيني- الإسرائيل. وتفسير عدم القناعة هذا يعود بالأساس للتقدير السائد لدى الجمهور اليهودي، بأن رئيس الحكومة الفلسطينية الجديد (أبو مازن) لا يبذل جهوداً مخلصة لوقف الإرهاب الفلسطيني، وأنه يفتقد القدرة على فعل ذلك. على خلفية التشاؤم بصدد احتمالات تحقيق خارطة الطريق لأهدافها من جهة، ودعم الجمهور اليهودي لها من جهة أخرى، يبدو أن هذا الجمهور على إستعداد لتشجيع إحتمالات تحقيق هذه الأهداف، من خلال تقديم مبادرات إيجابية تجاه الفلسطينيين، حيث أظهر الإستطلاع أن 56% من الجمهور اليهودي يوافق على خطوات حسن نية تجاه الفلسطينيين، إذا كان ذلك يساهم في إنجاح خارطة الطريق، وتحقيق أهدافها مقابل معارضة 40%. الخلاصةمن خلال إستعراض آراء الجمهور الإسرائيلي، وبخاصة اليهودي، إزاء خارطة الطريق ومدى نجاعتها في حل الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، نخرج بالنقاط التالية: - الجمهور الإسرائيلي يؤيد خارطة الطريق بشكل عام، ويشكك في قدرتها على التوصل إلى حل دائم للصراع بين الطرفين. - من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي، عدم قدرة خارطة الطريق على تحقيق أهدافها عائد بالأساس على الجانب الفلسطيني. - الجمهور الإسرائيلي رغم قناعته بأن إسرائيل ستتعرض لضغط أمريكي للتعاطي مع خارطة الطريق، فأنه لا يوافق على هذا الضغط. - مصادقة الحكومة الإسرائيلية المتحفظة على خارطة الطريق، إصابت مواقف هذا الجمهور بشيء من البلبلة. - هناك إنقسام واضح في قناعة الجمهور الإسرائيلي، بإمكانية أن يفي رئيس الحكومة شارون بتعهدات إسرائيل تجاه خارطة الطريق. - الجمهور الإسرائيلي لا يفهم بنود خارطة الطريق بالقدر الكافي. المراجع: |
|