الكاتب/ د. نضال رشيد صبري(*) الناشر/ مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية رام الله 2003/244 صفحة مراجعة: اسامة نوفل يعتبر الهدف الأساسي من هذا الكتاب مناقشة القطاع العام الفلسطيني الهادف إلى الربح، مع التركيز على واقع ومشاكل الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي الخروج بتوصيات تخدم جدوى مشاريع القطاع العام الهادفة إلى الربح. ومن الملاحظات العامة على الكتاب، أنه استعرض وبشكل موسع خصائص وتقسيمات الاقتصاد الفلسطيني، مع موجز لتحليل قطاع الأعمال الحكومي، والذي جاء في نحو 40 صفحة فقط من أصل 244 صفحة هي عدد صفحات الكتاب. كما لم يقم المؤلف بوضع خطط لمشاريع يمكن للسلطة الفلسطينية التركيز عليها ضمن القطاع العام بالتزامن مع تقييم المشاريع القائمة، بدلاً من توجيه النقد للمشاريع القائمة. بالإضافة إلى أن الكاتب لم يركز على المشاريع الناجحة والتي تحتاج إلى تدخل من قبل السلطة الفلسطينية، وبخاصة في فترات الأزمات مثل بعض السلع الأساسية (الاستراتيجية ) والتي يتطلب توفرها بشكل مستمر. وتجربة الإغلاقات تعكس مدى الحاجة إلى ذلك. تم تقسيم الكتاب إلى أربعة أبواب، استعرض، الأول منها فلسفة القطاع العام والآراء المؤيدة والمعارضة له، ثم تناول الباب الثاني النظام الاقتصادي في فلسطين، كما تناول الباب الثالث القطاع العام في فلسطين، وأخيراً تناول الباب الرابع قطاع الأعمال الحكومي. وفي معرض حديثه عن مفهوم القطاع العام الهادف إلى الربح ضمن الأنظمة الاقتصادية المختلفة، منها النظام الاشتراكي والذي ركز على القطاع العام كأساس للنشاط الاقتصادي. وفي المقابل يرى النظام الرأسمالي ضرورة عدم وجود قطاع عام واقتصار دور الدولة على توفير الأمن، ولكن هذا المفهوم تطور وأصبحت الدولة تتدخل في بعض المشاريع وخاصة مشاريع القطاع المالي (البنوك وشركات التأمين). ثم استعرض الكاتب تجارب الدول العربية في القطاع العام والتي تركزت في تأميم بعض المشاريع، مثل قطاع الاتصالات وشركات التأمين وبعض المشاريع التجارية، والتي سرعان ما ثبت فشلها بحيث لم تحقق الأهداف المرجوة منها، والمتمثلة في دفع الاقتصاد القومي إلى الأمام، وذلك بسبب فشل السياسات الاقتصادية. ومن حيث فلسفة القطاع العام، يرى الكاتب أن الفكر السياسي والإداري لمفهوم القطاع العام لقي ترحيباً تحت تأثير الفكر الاشتراكي، ثم تعرض لانتكاسة شديدة حيث أن كثيراً من الشركات التي أممت أعيد خصخصتها. ويرى مؤيدو فكرة القطاع العام، أن مشاريع القطاع العام تكملة للتحرر السياسي والوطني، بالإضافة إلى السيطرة على قطاعات مهمة واستراتيجية مثل البنية التحتية والصناعات الثقيلة والقطاع المالي، وذلك بسبب عدم قدرة القطاع الخاص على تجنيد الاستثمارات المطلوبة لهذه القطاعات، كما أن مشاريع القطاع العام توفر الخدمات والسلع الأساسية بأسعار منخفضة مما يخدم طبقة الفقراء. كما أن نجاح المشاريع العامة يؤدي إلى توفير مورد مالي للدولة يساعدها على الانفاق. أما معارضو فكرة القطاع العام، فيرون أن أسباب فشل مشاريع القطاع العام تعود إلى غياب الحوافز على المستوى الشخصي للعاملين، وغياب الإدارة الكفؤة، وأن أية خسائر في هذه المشاريع تستنزف اقتصاد الدولة كما حدث في مصر، هذا بالإضافة إلى صعوبة تصفية هذه المشاريع في حالة فشلها، كما أنها تحتاج إلى مخصصات ضخمة لتجديد الاستثمارات فيها. لقد استعرض الكاتب الآراء المؤيدة والمعارضة لفكرة القطاع العام دون التفريق بين القطاع العام الهادف إلى تقديم خدمات مجانية، وهي مشاريع لا يؤخذ فيها الربح كأساس لتقييم المشاريع ذات المردود المالي والتي يؤخذ فيها معيار الربح كأساس للتقييم. كما أن الكاتب لم يعط رأيه في تأييد أو معارضة هذه الفلسفة. أما الباب الثاني، فاستعرض فيه النظام الاقتصادي في فلسطين وركز الكاتب على خصائص النظام والتي من أهمها، تراجع الاقتصاد الفلسطيني بشكل ملحوظ منذ اندلاع الانتفاضة بعد التطور الايجابي، خلال الفترة الممتدة من عام 1994-2000، واستعرض في هذا البند تطور الناتج المحلي والدخل القومي، واللذان نميا بمعدل 17%، و6% على التوالي في عام 2000. وهذه المعدلات مبالغ فيها، حيث تشير الاحصائيات الخاصة بالجهاز المركزي إلى أن الناتج المحلي في عام 2000 قد تراجع بمعدل 11% والدخل القومي تراجع بمعدل 20% خلال نفس العام. ويستطرد الكاتب خصائص النظام الاقتصادي الفلسطيني ومنها أيضاً تنوع مكونات الناتج المحلي مع التركيز على قطاع الخدمات، والتفوق النسبي في مؤشرات التعليم والصحة مقارنة بالدول متوسطة الدخل، كما يلاحظ تزايد العجز في الميزان التجاري، مع انتظام معظم نشاط الأعمال في وحدات صغيرة، وارتفاع التحويلات المالية الداخلة إلى فلسطين، بالإضافة إلى تزايد أهمية القطاع العام في الاقتصاد الفلسطيني، وشمل ذلك زيادة مساهمة الإنفاق العام من مجمل الانفاق الكلي، وكذلك زيادة مساهمة الإنفاق العام والتحويلات الخارجية في الناتج المحلي، حيث تشير الاحصائيات إلى أن نسبة القطاع العام من مجمل الانفاق قد بلغت في عام 1999 نحو 22% مقارنة مع 5% في عام 1968. وساهم القطاع العام بما نسبته 25% من الاستثمارات، و20% من الناتج المحلي، 22% من العمالة، 65% من التحويلات خلال الفترة 1995-2000. من الملاحظ أن معظم الاحصائيات التي استدل بها الكاتب أرقامها لا تتعدى عام 2000 مع أن سنة إصدار الكتاب كانت في بداية عام 2003، وبالتالي فإن الخصائص السابقة الذكر قد تغيرت بعد اندلاع الانتفاضة، فتراجعت التحويلات، وكذلك القطاع العام الفلسطيني بسبب انخفاض حجم الموازنات الخاصة به، حيث تبين أن الموازنة الاستثمارية قد بلغت صفر في عامي 2001، 2002. وتابع الكاتب تحليله لخصائص الاقتصاد الفلسطيني وركز على غياب النظام التعاوني، حيث وباستثناء قطاع الاسكان التعاوني والذي يشكل نصف القطاع التعاوني نجد أنه لا توجد أهمية تذكر للتعاونيات الأخرى. أيضاً يفتقر الاقتصاد الفلسطيني إلى الاستثمارات الكبيرة في مجال البنية التحتية، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وتزايد الدين العام، وضعف البيئة القانونية، حيث ما زالت العديد من القوانين المهمة والأساسية لم تقرّ في المجلس التشريعي. ثم انتقل الكاتب إلى عرض خصائص القطاعات الاقتصادية، وبدأ بالقطاع الزراعي، حيث استعرض فيه أهميته وبيّن تراجع مساهمته في الناتج المحلي والتشغيل (6% و16% على التوالي في عام 2001). كما استعرض مكونات القطاع الزراعي والذي يتمثل في الانتاج النباتي والحيواني، وأشار إلى خصائص هذا القطاع والذي يتمثل في صعوبة امتصاص الفائض من الانتاج الزراعي، والنقص في بعض المنتجات الأساسية، وتذبذب الانتاج الزراعي، كما استعرض أهم المشاكل الذي يعاني منها مثل مشاكل التسويق، والتمويل، والمياه، وضعف الإرشاد الزراعي، وضعف الانتاجية. أما القطاع الصناعي فيعتبر أفضل حال من القطاع الزراعي بسبب زيادة مساهمته في الناتج المحلي إلى 16% من عام 2000 وزيادة اهتمام السلطة الفلسطينية به، وبين خصائص الصناعة والمتمثلة في انتظامها في صورة منشآت فردية وعائلية، والمبادرة في تأسيس صناعات دون خبرات مسبقة، ووجود صراع داخل الإدارة، واستخدام آلات قديمة أو مجددة، مما أدى إلى ظهور مشاكل عديدة أهمها، صعوبة المنافسة، وعدم توافر المواقع المناسبة له، وعدم توفير البنية التحتية المطلوبة، والاعتماد بنسبة كبيرة على المواد الخام المستوردة من الخارج، ونقص النشاط التسويقي مع عدم توفر مصادر تمويل خارجية. أما القطاع التجاري فيضم الأنشطة المتعلقة بالتجارة الداخلية والخارجية، كما يتم تقسيم النشاط التجاري إلى تجارة المفرق وتجارة الجملة. ومعظم منشآت التجارة هي منشآت صغيرة فردية، ويستأثر النشاط التجاري بقسط مهم من التمويل الخارجي حيث يتمتع بما نسبته 26% من مجموع القروض التي منحتها البنوك في آذار 2001 وهي أعلى قيمة يحصل عليها قطاع اقتصادي. ويلاحظ أن التجارة الخارجية قد ازدهرت في فترة السلطة الفلسطينية وبخاصة مع توقيع اتفاقيات متعددة مع الدول المختلفة وصلت إلى احدى عشرة اتفاقية ويعاني هذا القطاع من وجود اتفاقية باريس التي تعرقل تطوره. أما قطاع الاسكان فاعتبره الكاتب أحد القطاعات الريادية، حيث شهد نمواً ملحوظاً مع قدوم السلطة، ولكن ما زال هناك نقصاً في تلبية احتياجات النمو الطبيعي للسكان، وبلغت قيمة الاستثمارات فيه في عام 1999 نحو مليار دولار مقارنة مع 618 مليون دولار في عام 1994، وتشير المعلومات أنه مع اندلاع الانتفاضة فقد تباطأ هذا القطاع. وبيّن الكاتب أن هناك قصوراً في مساهمة القطاع العام في فرع الإسكان، حيث لم تتجاوز نسبة المساهمة 4% من مجموع العرض في قطاع الاسكان، وتتمثل المساهمة في أنشطة وزارة الإسكان ومجلس الاسكان الفلسطيني وبكدار، وقد اعتمد القطاع العام في تمويل استثماراته في مجال الاسكان على المنح والقروض من الدول المانحة. ومعظم أنشطته في مجال بناء المباني العامة والمدارس والمستشفيات وبعض المساكن المحدودة. ويعاني هذا القطاع من تكلفة البناء العالية بسبب استيراد مواد البناء اللازمة لهذا القطاع من اسرائيل، كما يعاني من تراجع أداء التجربة التعاونية وعدم توفر تعليمات رسمية تضم الجوانب الفنية لعملية البناء، وارتفاع ضريبة الدخل، وعدم توفر الحد الأدنى للبنية التحتية، بالإضافة إلى غياب الخطط والسياسات الخاصة بالإسكان. أما قطاع الخدمات، فقد ازدادت نسبة مساهمته في الناتج المحلي إلى 20% عام 2000 وشّغل ما نسبته 35%. ويشمل هذا القطاع خدمات التعليم والصحة والثقافة، وهي قطاعات غير هادفة إلى الربح، كما يوجد قطاع خدمات يهدف إلى تحقيق الربح مثل قطاع الطاقة والكهرباء، والقطاع المالي، والمياه، والنقل، والاتصالات، والسياحة، والفنادق، وبلغ عدد العاملين في قطاع الخدمات الهادف إلى الربح نحو 37801 عامل في عام 1999 يعملون في نحو 12805 منشأة، وبلغت القيمة المضافة له نحو 27 مليون دولار خلال نفس العام. أما الباب الثالث فقد تناول القطاع العام في فلسطين، حيث يتخصص هذا القطاع في تقديم خدمات عامة غير قابلة للتسويق، أو خدمات مجانية ضرورية لضمان النظام العام أو خدمات مدعومة جزئياً أو كلياً من الموازنة العامة. قسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول تناول الأول منها القطاع العام الحكومي الذي تموله الموازنة العامة أو ما في حكمها، والفصل الثاني تناول مناقشة القطاع العام المحلي (البلديات والمجالس القروية)، وخصص الفصل الثالث للقطاعات الأخرى مثل قطاع الأنروا والقطاع الأهلي الذي يعمل لصالح القطاع العام. وفي معرض تحليله للفصل الأول، ركز الكاتب على الموازنة العامة وخصائصها ومشاكل القطاع الحكومي، واعتبر أن الجهاز الإداري الحكومي قد تطور بصورة متسارعة من حيث تأسيس الوزارات والمؤسسات الحكومية. ولكن ينقص هذه المؤسسات توفر الهيكل التنظيمي لها، بالإضافة إلى التضخم في عدد الموظفين، مما يعكس ذلك على النفقات العامة، حيث تزايدت نسبتها في الناتج المحلي من 13% في عام 1993 إلى 22% في عام 1999، كما ساهمت الإيرادات العامة في عام 2001 بنحو 25.4% من الدخل القومي فيما ساهمت النفقات العامة بنحو 24% خلال نفس العام. وتزايدت أهمية الموازنة في توظيف العمالة حيث استوعب القطاع العام ما يقارب 120 ألف موظف في عام 2000 (20% من القوى العاملة الفلسطينية) مقارنة مع 30 ألف موظف في عام 1993، ولكن هذه الزيادة تثير بعض الاعتراضات المتعلقة بخلق عبء متزايد لتمويل تكلفة الأجور والتعويضات، كما أنه يخفي بطالة مقنعة. والملاحظة الأخرى على الموازنة العامة، أنها تضم نحو 63 مركز مسؤولية ما بين وزارة ومؤسسة حكومية، بينها عشرة وحدات حكومية فقط تشكل حوالي ثلاثة أرباع مجموع نفقات الموازنة، مما يخلق تفاوت في أهمية بنود الموازنة. كما تقتصر الموازنة التطويرية على المنح والمساعدات الخارجية، بالإضافة إلى أن ثلثي النفقات الجارية مخصصة للأجور وهي في حالة تزايد بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت نسبة الأجور إلى النفقات الجارية من 55% عام 97 إلى 60% عام 2000 والى 63% عام 2001. وفي جانب الإيرادات العامة، يلاحظ أن هناك قصوراً في إيرادات السلطة، حيث نلاحظ أن نسبة الضرائب قد ارتفعت بمعدل 235% خلال الفترة من عام 1995 إلى عام 2000 ووصلت إلى 87% من مجموع الإيرادات المحلية، في حين تراجعت أهمية الإيرادات غير الضريبية مثل الرسوم وإيرادات المشاريع. كما يعاب على الموازنة تعدد مرجعية الضرائب المفروضة، والى قوانين وأوامر وتعليمات وأنظمة صدرت خلال الفترات التاريخية، منذ الانتداب البريطاني مروراً بالاحتلال الإسرائيلي وحتى وقتنا الحاضر. ثم ناقش الكاتب في الفصل الثاني والذي جاء بعنوان "قطاع الإدارة المحلية" دور البلديات والمجالس القروية ولجان المشاريع والمجالس المشتركة، البالغ عددها 108 بلدية صنفت إلى أ،ب،ج، و51 مجلساً قروياً، و268 لجنة مشاريع، و9 مجالس مشتركة. وتقدم هذه المؤسسات خدمات المياه والنظافة وغيرها. وأهم خصائص هذا القطاع هو أن مجالسه معينة وليست منتخبة، وتخضع لإشراف من الحكومة المركزية، بالإضافة إلى انخفاض قيمتها المالية مقارنة بالناتج المحلي، وضعف وتعدد نظامها الضريبي. وتقتصر إيراداتها على الرسوم والمباني وأرباح المشاريع. وأخيراً انخفاض مخصصاتها الموجهة للنفقات التطويرية. من الملاحظ أن الكاتب لم يحلل أو يقيم أداء هذه البلديات. أما الفصل الثالث فتناول القطاعات الأخرى وبالتحديد الأنروا والقطاع الأهلي، وأوضح أن الأنروا تقدم خدمات اجتماعية، وقد ارتفعت موازنتها من 18 مليون دولار في عام 1972 إلى 306 مليون دولار في عامي 2000-2001. أما القطاع الأهلي فهو يقدم خدمات لا تهدف إلى الربح، وهو من أقدم القطاعات العاملة في الاقتصاد الفلسطيني، حيث يرجع تاريخ هذا القطاع إلى العهد العثماني، وشمل هذا القطاع الغرف التجارية والصناعية، النقابات المهنية، المنظمات العاملة في الصحة والتعليم والزراعة، تطوير الموارد البشرية، الجامعات، والمراكز الطبية. وبلغ عدد مؤسسات هذا القطاع نحو 976 مؤسسة تشغل نحو 8393 موظف وعامل. وبلغ مجموع الدعم المقدم للقطاع الأهلي خلال الفترة من عام 94-1998 ما مجموعه 246 مليون دولار بمعدل 60 مليون دولار سنوياً. أما الباب الرابع فقد تناول قطاع الأعمال الحكومي، وهو القطاع الهادف إلى تحقيق الربح. ويعتبر هذا الباب هو أساس وعنوان مشكلة الدراسة. يناقش هذا الباب جدوى قانونية واقتصادية قطاع الأعمال الحكومي، حيث يلاحظ التضارب في سياسة السلطة الفلسطينية، من خلال أنها تقوم في بعض الأحيان بتحويل قطاع الاتصالات إلى شركة مساهمة، وتخلت عن خدمة الكهرباء ومنحت امتيازها إلى شركة خاصة مع أنهما (الكهرباء والاتصالات) أنشطة اقتصادية مملوكة للقطاع العام في العديد من دول العالم، بمعنى أن السلطة تخلت عنها بدون وجود سياسة واضحة، وفي المقابل فإن قطاع التجارة وهو قطاع تسعى الدول إلى تجنب المشاركة فيه، كان هدفاً للسلطة الفلسطينية وبخاصة قطاع توزيع مشتقات البترول وتجارة الجملة لمعظم مواد البناء، وهي أنشطة تظهر فيها صفة الاحتكار. ويرى الكاتب أنه ليس من المانع مشاركة الحكومة في بعض الأنشطة الاقتصادية ولكن يشترط توفر الشفافية، والكفاءة الإدارية مع وجود الإطار القانوني المنظم له. ثم استعرض الكاتب التجارب المختلفة في هذا الموضوع والمتمثلة في خصخصة قطاع الاتصالات في عام 1996، واقتصرت مساهمة السلطة في هذا القطاع على 8% من مجموع رأس المال، وتمتعت شركة الاتصالات الفلسطينية بامتياز لمدة عشر سنوات، وفي مقابل ذلك تحصل السلطة الفلسطينية على إيرادات سنوية تقدر بنحو 7% من إيرادات الشركة. ويؤخذ على هذه السياسة عدم صدورها من مجلس الوزراء، ولم تعرض الخصخصة على المجلس التشريعي، كما لم يتم طرحها ضمن عطاءات محلية أو خارجية، بالإضافة إلى وجود مشكلة في تحديد أسعار الخدمات. والتجربة الأخرى تتمثل في منح امتياز السوق المالي لشركة مساهمة خاصة هادفة إلى الربح وهو أمر غير مستخدم في معظم دول العالم لأن الأسواق المالية مملوكة للحكومة وتدار بصورة مستقلة، وقد تم تسجيل مخالفات قانونية وإدارية، حيث لم تعرض الشركة على المجلس التشريعي أو على الوزارة المختصة، وقد تم منح الامتياز دون رسوم، وسجلت مخالفات أخرى تمثلت في عدم تحديد حد أقصى على العائد على الاستثمار أو الأرباح الموزعة على المساهمين، كما لا يوجد إطار قانوني لعمل هذه الشركة. والمشروع الآخر الذي قامت السلطة الفلسطينية بتخصيصه كان قطاع الكهرباء، حيث منحت السلطة الفلسطينية الشركة الفلسطينية للكهرباء المساهمة العامة والمحدودة حق توليد الكهرباء وتوزيعها. ويؤخذ على ذلك عدم وجود آلية وسياسة محددة لتنظيم عملية منح الامتيازات واستدراج العروض لهذه الغاية، كما لا توجد وزارة محددة لمتابعة ذلك. ولم تعرض على المجلس التشريعي، كما أن هناك شروطاً مجحفة بحق السلطة الفلسطينية تم قبولها مثل إعفاء شركة غزة لتوليد الكهرباء وأصحابها على أرباح الأسهم، وأية ايرادات أخرى تستحق للشرطة كما أعفى مقرضي الشركة من جميع الضرائب، وحق استيراد القطع الضرورية بدون قيود أو رسوم استيراد أو جمارك. وفي المقابل يؤخذ على سياسات القطاع العام تأسيس شركات حكومية بملكية تامة أو جزئية، بهدف ممارسة النشاط التجاري والسيطرة على بعض أنواع التجارة بصفة كاملة، ويلاحظ على هذه الشركات عدم اهتمامها أو تركزها في صناعات استراتيجية أو بنية تحتية تبرر مشاركة القطاع العام فيها باستثناء شركة المطاحن. وفي اعتقادي، أن سبب خصخصة بعض الشركات يعود إلى العبء المالي والاداري في حالة وجودها ضمن هيكلية السلطة الفلسطينية، كما تهدف هذه السياسة برأيي إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع حيوية تعود بالمردود المالي وتحسين الجودة، وبخاصة إذا علمنا أن قطاع الكهرباء وقطاع الاتصالات قد يحققان خسائر في حالة وجودهما ضمن القطاع العام. ومن حيث مشاركة القطاع العام في بعض المشاريع التجارية، فأعتقد أن هناك حاجات ملحة يستلزم توفرها بانتظام وبعيداً عن احتكار القطاع الخاص وخاصة السلع الاستراتيجية، ولكن يتطلب ذلك توفر مبدأ المنافسة الكاملة الذي يهدف إلى تحقيق أقل الأسعار للمستهلكين. ثم استعرض الكاتب مؤسسات قطاع الأعمال، وهي مؤسسات عامة مملوكة ملكية كاملة أو جزئية للسلطة الفلسطينية، وتتركز هذه المؤسسات في عدة قطاعات هي، القطاعات المالية، مثل سلطة النقد وشركة الخدمات المالية، وقطاع الصناديق العامة، مثل صندوق التعويضات وصندوق التأمين والمعاشات أو قطاع الاسكان، مثل شركة فلسطين لتمويل الرهن العقاري وشركة تطوير فلسطين، وقطاع البترول ويتمثل ذلك في هيئة البترول، وقطاع التبغ المتمثل في هيئة التبغ، والشركات التجارية مثل شركة البحر، وقطاع المياه المتمثل في سلطة المياه، وقطاع الطيران، المتمثل في شركة الخطوط الجوية الفلسطينية. ونود أن ننوه إلى أن هذه المؤسسات كانت تعاني من عدم توفر الشفافية المالية، بحيث لم يتم توريد ايراداتها إلى الموازنة العامة، ولكن وفي خطوة غير مسبوقة أصدر وزير المالية تعليماته في فبراير 2003 بتحويل معظم إيرادات هذه المؤسسات إلى وزارة المالية، بحيث تذهب أرباحها إلى حساب الخزينة الموحد. وقد كشف النقاب عن التفاصيل الكاملة لاستثمارات السلطة الفلسطينية وأعمالها التجارية المقدرة بما يزيد عن 600 مليون دولار مقسمة على 79 استثماراً تجارياً، وتعتبر هذه الخطوة ثورة في الشفافية، وتم انشاء صندوق يجمعها سمي بصندوق الاستثمار الفلسطيني، ولكن لا يشمل هذا الصندوق جميع الاستثمارات السابقة الذكر، بحيث يتركز في مجال الخدمات التجارية ونشاط الهيئة العامة للبترول وشركة البحر والصخرة والتبغ، وباديكو. ولكن يؤخذ على هذه السياسة أن هذه المشاريع لا زالت ضمن القطاع العام، ومن الأجدى في رأي الكثير من الاقتصاديين أن يتم خصخصتها بالتدريج. وخلصت الدراسة بعدة ملاحظات تمثلت في تزايد أهمية القطاع العام ضمن الاقتصاد الفلسطيني، سواء ذلك المتعلق بالقطاع الحكومي الذي يشكل جزءاً من الموازنة الحكومية، أو الذي يتعلق بالقطاعات الأخرى التي تساهم في الخدمة العامة. كذلك تزايد دور القطاع العام المملوك ملكية كاملة أو جزئية والهادف إلى تحقيق الربح. ويلاحظ أيضاً أن التدخل أو عدم التدخل في القطاع الخاص قد تم في معظمه بدون تخطيط مسبق ولم تكن هناك سياسة واضحة في هذا المجال، كما لا توجد مؤسسة حكومية أو وزارة مختصة تتولى رسم سياسة القطاع العام الهادف إلى الربح وخرجت الدراسة بعدة توصيات أهمها: 1- تعديل قانون الشركات بحيث يتضمن فصلاً يتعلق بتأسيس الشركات المساهمة العامة الحكومية الهادفة إلى الربح. 2- توضيح الإطار القانوني لمساهمة السلطة الفلسطينية في شركات المساهمة الخاصة. 3- اصدار قانون ينظم منح الامتيازات والاحتكارات للقطاع الخاص ووضع آلية للرقابة عليه. 4- وضع نظام يوضح آلية وشروط مشاركة مسؤولي السلطة الفلسطينية في عضوية المجالس الإدارية في الشركات الحكومية. 5- إصدار نظام داخلي يوضح تعريف المسميات المختلفة للوحدات الحكومية وخصائصها القانونية والمالية والإدارية. 6- إلزام شركات القطاع العام والهيئات العامة بالإعلان عن حساباتها الختامية بصورة دورية. 7- إعادة النظر في قانون هيئة الرقابة وتعيين محاسب قانوني خارجي يتولى مراقبة الشركات الحكومية، بما يعزز مفهوم استقلالية الوحدات الحكومية. 8- الرقابة على قرارات سياسات الاستثمارات الخاصة بأنشطة القطاع العام. (*) المؤلف يعمل استاذاً ورئيس برنامج ماجستير إدارة الأعمال، وعميداً لكلية التجارة والاقتصاد في جامعة بيرزيت. |
|