د.خالد شعبان جرت الإنتخابات الإسرائيلية في يوم الثلاثاء 28/1/2003(*)، في ظل متغيرات محلية وإقليمية ودولية، تكاد تتشابه مع تلك المتغيرات التي جرت في ظلها الإنتخابات السابقة في العام 1999، وإنتخابات رئاسة الوزراء 2001، حيث إحتلت قضايا التسوية السلمية، وإنتفاضة الأقصى سلم أولويات الحملات الإنتخابية للأحزاب بشكل عام، يُضاف إلى ذلك تلك المتغيرات المتعلقة بعلاقة فلسطينيي 1948 بإسرائيل، تلك العلاقة التي إزدادت سوءاً نتيجة لسقوط 13 شهيداً في هبة أكتوبر 2000، وآثارها في جميع المجالات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. وهو ما أدى إلى مقاطعة فلسطينيي 1948 لإنتخابات رئاسة الوزراء في فبراير 2001، والتي أدت في حينه إلى فوز شارون بتشكيل الحكومة، الأمر الذي انعكس سلباً على مجمل الأوضاع محليا وإقليمياً. وقد أكدت نتائج إنتخابات الكنيست الـ16، التي أسفرت عن فوز اليمين بزعامة الليكود، توجهات الشارع الإسرائيلي المتزايدة نحو اليمين، مما أضاف مزيداً من التخوف لدى فلسطينيي 1948 سواء على مستقبل التسوية السلمية، أو على مجمل أوضاعهم الداخلية، وخاصة علاقتهم بالدولة. ولذلك كان من الضروري في هذه الدراسة تحليل بيئة فلسطينيي الـ1948، لمعرفة التحولات التي طرأت على توجهاتهم الإنتخابية للأحزاب المختلفة، ودراسة هذه التوجهات ضرورية لمعرفة مستقبل علاقة فلسطينيي 1948 بالدولة وأثر هذه العلاقة على مستقبل العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أولا: بيئة الإنتخابات 1-البيئة الدولية جرت إنتخابات الكنيست الـ16، في إطار بيئة دولية متأزمة، برزت فيها سيطرة الولايات المتحدة على شبكة العلاقات الدولية، من خلال إنفرادها بقيادة العالم، وذلك بعد إعتداءات 11/9/2001، وما نتج عنها من حرب أمريكية عالمية ضد ما أسمته الإرهاب. ويلاحظ أن إسرائيل قد إستفادت من تلك الأزمة الأمريكية، حيث أيدت توجهات الولايات المتحدة بشكل كامل وصريح، ولذلك كانت العلاقات بين البلدين في أحسن أحوالها، مع دعم أمريكي كامل للحكومة الإسرائيلية، ورئيس وزرائها شارون، وتبني جميع المواقف الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين والعرب. 2-البيئة المحلية: وهي تنقسم إلى عدة أقسام أ- اليمين وتقديم موعد الإنتخابات: دلت جميع إستطلاعات الرأي التي جرت قبيل الإنتخابات، على أن اليمين بقيادة الليكود متجه نحو تحقيق الفوز على قوى اليسار، ويبدو أن هذا التوجه كان أحد مبررات شارون لتقديم موعد الإنتخابات إلى 28/1/2003 بدلا من أكتوبر 2003، يُضاف إليها الدعم الأمريكي لشارون، وانحسار قوى اليسار وضعفها، وبالتالي فإن تقديم موعد الإنتخابات جاء لتوظيف التقدم الذي كان يحظى به اليمين عامة وشارون خاصة، من أجل الفوز بالأغلبية البرلمانية (وذلك بعد التحول للنظام الإنتخابي القديم)، والفوز برئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة. ب-التسوية مع السلطة الوطنية الفلسطينية: تأزمت العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك بعد أن بدأت البحث في قضايا المرحلة النهائية، في عهد حكومة باراك، وقد ترافق ذلك مع زيارة شارون للحرم القدسي الشريف (الأقصى)، الأمر الذي أدى إلى إندلاع الإنتفاضة، وقمع حكومة باراك لكل المظاهرات الفلسطينية، وكذلك تدمير بعض المؤسسات الفلسطينية. وكان إنتخاب شارون رئيساً للوزراء في فبراير 2001، تطوراً جديداً في علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل، حيث قامت حكومة شارون بشن حملة شرسة ضد الفلسطينيين، وضد السلطة الوطنية الفلسطينية، -حملة السور الواقي- في محاولة منها لإنهاء السلطة الفلسطينية، وذلك رغم الجهود الدولية والأوروبية لإنهاء حالة الصراع بين الطرفين. إلا أن كل ذلك لم يشكل رادعاً للحكومة الإسرائيلية، بل إستمرت في عدوانها على الشعب الفلسطيني، وقد جرت إنتخابات الكنيست في ظل هذا العدوان. ج- التحريض ضد فلسطينيي 1948: عاش فلسطينيو الـ1948 كمجتمع فترات عصيبة مع إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي، حيث إتسمت هذه العلاقات بكونها تحريضية من المؤسسة الإسرائيلية، وكان ذلك واضحاً خلال فترة هبة الأقصى، حيث تم وصف فلسطينيي 1948 بأنهم سرطان ينهش بالمجتمع اليهودي، وتعرض قادة الوسط العربي لعمليات تحقيق مستمرة من الشرطة الإسرائيلية، كما تم رفع الحصانة البرلمانية عن بعضهم، وتمت محاكمة البعض الآخر، بتهمة التحريض على الدولة(1). وكان مغزى هذا الأمر خطير، حيث يحاكم الإنسان على حرية التعبير، يُضاف إلى ذلك الأزمة الإقتصادية التي إستفحلت نتيجة مقاطعة اليهود للأسواق العربية، وإنعكاسات الحملات الإسرائيلية العسكرية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، وما رافقها من إجراءات تضامنية من فلسطينيي 1948، ضد الممارسات والإعتداءات الإسرائيلية. ثانيا: القوائم العربية المشاركة في الإنتخابات كان حجم المنافسة شديداً لدى فلسطينيي 1948، وذلك نتيجة للكم الكبير من القوى العربية التي شاركت في الإنتخابات، إضافة إلى الهجمة الشرسة من الأحزاب الصهيونية على المجتمع الفلسطيني للحصول على أكبر قدر ممكن من أصواته، وقد برزت في هذه الإنتخابات قوى جديدة، وإختفت أو بالأحرى إندمجت بعض القوى لتبرز في النهاية قوائم جديدة بأشكال ووجوه قديمة، وفيما يلي أهم القوائم العربية التي شاركت في هذه الإنتخابات: 1- قائمة حداش والحركة العربية للتغيير: أعلن عن تشكيل القائمة الجديدة قبيل إجراء الإنتخابات بفترة قصيرة، ويبدو أن الإندماج نتج عن وجود شخصيات فاعلة في كلا الحزبين، حداش (3 مقاعد في الكنيست السابقة)، كان لها نشاطها الملحوظ داخل أروقة الكنيست، وخلال التظاهرات العربية، وكذلك على مستوى دعم العملية السلمية، ومن المعلوم أن حداش، هي عبارة عن تجمع قوى تقدمية يسارية، عربية ويهودية، وشخصيات مستقلة، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وقد تشكلت في 1977، وحققت نجاحاً في إستقطاب الأصوات العربية، والفوز في الإنتخابات في الوسط العربي منذ الكنيست التاسعة 1977 وحتى الكنيست الحالية، ومن أهم المتغيرات على حركة حداش حالياً، هي سيطرة الحزب الشيوعي حيث أن جميع المرشحين عن الحركة هم أعضاء الحزب الشيوعي، يُضاف إليها الإتفاقات الإئتلافية مع بعض القوى العربية الأخرى، مثل: قائمة التجمع الوطني في إنتخابات الكنيست الرابعة عشرة 1996، ثم خاضت إنتخابات الكنيست الخامسة عشرة 1999 منفردة، وفي إنتخابات الكنيست السادسة عشرة 2003، قررت الإئتلاف مع الحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي. ويعتبر احمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير من أنشط أعضاء الكنيست العرب، والذي كان له حضوراً دائماً في كل الأزمات، ومتصدراً دائماً لجميع التظاهرات سواء على المستوى الداخلي، كالمظاهرات ضد مصادرات الأراضي، أو المستوى القومي ضد عملية السور الواقي، الأمر الذي أدى إلى تعرضه لكثير من الإهانات والضرب، كما تعرض لحملة صهيونية يمينية دعت إلى شطبه، ولكنه شارك بعد أن وافقت محكمة العدل العليا على مشاركته، بتحالفه مع حداش. 2-التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة عزمي بشارة: والذي يعتبرونه اكثر أعضاء الكنيست العرب حضوراً محلياً وإقليمياً وعالمياً، وصاحب أفكار تتعلق بعلاقة فلسطينيي 1948 بإسرائيل، مثل إعادة تعريف إسرائيل، وهو ما أسماه (دولة لكل مواطنيها). كما ركز على قضايا هامة مثل المساواة الكاملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد تعرض بشارة وحزبه إلى هجمة يمينية شرسة، نجحت في رفع الحصانة عنه وتقديمه للمحاكمة، بسبب تصريحاته التي اعتبرها اليمين مساً بالأمن القومي الإسرائيلي، وتشجيعا للحركات الإرهابية. كما دعت لجنة الإنتخابات المركزية إلى شطب قائمة التجمع الوطني، وكذلك شطب عزمي بشارة، ولكنه في النهاية شارك في الإنتخابات بعد قرار محكمة العدل العليا بذلك. وقد خاض التجمع الوطني الديمقراطي الإنتخابات منفرداً بعد مشاركتين سابقتين بإئتلاف مع قوى أخرى، وذلك في إنتخابات العام 1996 مع حركة حداش وفاز بشارة بمقعد، وإنتخابات العام 1999، حيث إئتلف مع الحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي، وفاز الإئتلاف بمقعدين لبشارة والطيبي. 3- القائمة العربية الموحدة: وقد ضمت كلاً من الحركة الإسلامية بقيادة العضو عبد المالك دهامشة، والحزب الديمقراطي العربي، بقيادة العضو طلب الصانع، والحزب القومي العربي بقيادة محمد حسن كنعان، والذي كان قد إنشق عن الحزب الديمقراطي العربي، وقد سعت القائمة الموحدة بالإضافة إلى شخصيات مستقلة ولجنة الوفاء الوطني، من أجل ضم بعض القوى الأخرى، مثل الجبهة الوطنية بقيادة هاشم محاميد، الذي إنشق عن القائمة الموحدة، وحزب الإصلاح بقيادة توفيق الخطيب، الذي إنشق عن الحركة الإسلامية، وجاءت عدم موافقة هاشم محاميد وتوفيق الخطيب إلى القائمة الموحدة، بسبب تركيبة الأسماء في القائمة المرشحة للكنيست، وبالتالي فقد رفض الإثنان الموافقة على المشاركة في الإئتلاف في القائمة الموحدة، وباءت بالفشل جهود القائمة الموحدة ولجنة الوفاق الوطني لضم أكبر عدد ممكن من القوى العربية. 4- التحالف الوطني التقدمي: وهو عبارة عن تجمع لقوى مستقلة وحزب الجبهة الوطنية بقيادة هاشم محاميد، الذي إنشق عن القائمة الموحدة، والحزب برئاسة هاشم محاميد، الذي كان عضواً سابقاً في حداش، ثم إنشق عنها بعد إنتخابات 1996 وانضم إلى القائمة الموحدة في 1999، ثم إنشق عنها في الإنتخابات الحالية، كما رفض جميع الدعوات التي وجهت له من أجل عدم المشاركة منفرداً خوفاً من عدم إجتيازه نسبة الحسم، وهدر الآلاف من الأصوات العربية. ثالثاً: نسبة التصويت شارك فلسطينيو 1948، في جميع الإنتخابات العامة للكنيست، وقد إتسمت هذه المشاركة بعدة مظاهر هامة هي: 1- إرتفاع نسبة المقترعين من فلسطينيي 1948، مقارنة بالمقترعين اليهود. 2- نجاح جميع الأحزاب اليهودية (يمين، يسار، ديني)، بالحصول على نسبة معينة من الأحزاب العربية. 3- إتسمت أية مقاطعة للإنتخابات بالفردية، أكثر من كونها عملاً سياسياً منظماً(2). وقد تميزت عملية المشاركة بجدل كبير في الشارع العربي بين مؤيد ومعارض، يمكن تلخيصها كما يلي: أ- آراء المؤيدين يرى هذا الفريق بأن المشاركة حق قانوني، يجب إستغلاله من أجل طرح قضايا ومطالب المواطنين العرب في الإنتخابات، ويقوم هذا الإتجاه على عدد من الأسس منها: - تعتبر الكنيست برلماناً قومياً لإسرائيل، ويرى هذا الفريق بأن فلسطينيي الـ1948 هم مواطنون في هذا الكيان، وان ممارسة الإنتخابات هي جزء من الحقوق السياسية المشرعة. - في الكنيست هناك إمكانية كبيرة للعمل مع القوى التقدمية العربية الأخرى، والقوى التقدمية اليهودية. - تعتبر المشاركة في الكنيست (السلطة التشريعية)، أمراً ملحاً، من أجل طرح قضايا فلسطينيي 1948. وتعتبر جميع القوى الحزبية التي شاركت في الإنتخابات من مؤيدي هذا الإتجاه. ب- آراء المعارضين يرى هذا الفريق أن المشاركة في الإنتخابات غير مجدية، وبالتالي لا يمكن تحقيق المطالب العربية، وتنطلق أفكار هذا الإتجاه مما يلي: - تعتبر الكنيست مؤسسة صهيونية، هدفها تكريس الحقوق الرئيسية لليهود. - تقوم العملية الإنتخابية على أساس الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. - قيام البرلمان الإسرائيلي على أسس توراتية دينية. - أثبتت المشاركة العربية السابقة، عدم جدوى هذه المشاركة، حيث لم يتحقق من خلالها أية إنجازات تُذكر. - تمنح مشاركة فلسطينيي 1948 إسرائيل الحق بأن تصف نفسها بالديمقراطية، وهو ما يتنافى مع طبيعة إسرائيل العنصرية، وحصر نضال فلسطينيي 1948 ضمن الكنيست فقط. وتعتبر الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح، وحركة أبناء البلد بقيادة واكيم واكيم ورجا إغبارية من مؤيدي هذا الإتجاه . التصويت في الإنتخابات الحالية: أثرت المتغيرات المحلية والإقليمية على مشاركة فلسطينيي 1948، في الإنتخابات بشكل عام، وبعملية التصويت بشكل خاص، حيث تدنت نسبة التصويت إلى أدنى معدلاتها، حيث بلغت 62.8%(3)، وتعتبر هذه النسبة أدنى نسبة تصويت سجلت في عملية تصويت فلسطينيي 1948 على مدى الإنتخابات البرلمانية، (أنظر الجدول). وقد أدى ذلك إلى إنخفاض نسبة تصويت فلسطينيي 1948 في إنتخابات الكنيست(4). نسبة تصويت فلسطينيي 1948 في إنتخابات الكنيست
عدد الأعضاء العرب في الكنيست، ويلاحظ في هذه الإنتخابات أن نسبة الممتنعين عن التصويت قد إزدادت الأمر الذي يعتبر ظاهرة جديدة في المجتمع العربي، وكانت إستطلاعات الرأي التي جرت قبيل الإنتخابات، قد دلت على أن نسبة المصوتين من فلسطينيي 1948 ستكون حول (58%) فقط، مما أدى إلى وجود نشاط ملحوظ من الأحزاب العربية من أجل رفع نسبة التصويت، حيث أدى ذلك إلى رفعها فقط إلى (62.8%)، الأمر الذي يدلل على أن هناك إتجاه سياسي قوي يعمل على عدم التصويت. رابعاً: نتائج الإنتخابات في الوسط العربي بلغ مجموع الذين يحق لهم التصويت من فلسطينيي الـ1948، حوالي (600) ألف ناخب، وبلغت نسبة التصويت (62.8%)، وهي أقل من نسبة التصويت في الإنتخابات الماضية بحوالي (9%). وقد تعددت القوائم العربية والقوائم العربية/اليهودية التي شاركت في الإنتخابات، حيث نجحت منها ثلاث قوائم، إثنتان عربيتان والثالثة قائمة عربية/ يهودية، وهي قائمة (حداش) التي لم تضم أي مرشح يهودي فائز، وقد صوت للأحزاب العربية، ما يقدر بنحو 227 ألف ناخب توزعت على القوائم العربية كالآتي(5): - 92 ألف صوت لقائمة حداش× العربية للتغيير. - 70 ألف صوت لقائمة التجمع الوطني الديمقراطي. - 65 ألف صوت لقائمة العربية الموحدة. - 20 ألف صوت لقائمة التحالف الوطني. وقد خسر فلسطينيو 1948 أصوات قائمة التحالف الوطني بقيادة هاشم محاميد، كما خسروا من (2-3) مقاعد نتيجة لعدم إرتباط القوائم العربية بإتفاقيات لتوزيع فائض الأصوات، والتي قدرت للأحزاب العربية بنحو 43 ألف صوت(6). ولو كانت هناك إتفاقية لتوزيع فائض الأصوات بين القوائم العربية الفائزة لما فقدت حداش مقعدها الرابع. وفيما يلي توزيع الأصوات العربية حسب نسبة التصويت. نتائج الإنتخابات في الوسط العربي في إنتخابات الكنيست الـ15،16
ويلاحظ ان الإنتخابات الحالية شهدت إنخفاض عدد المصوتين للقائمة العربية الموحدة، والتي تضم الحركة الإسلامية، التي تعتبر من أكثر الحركات العربية جماهيرية، الأمر الذي يفسره البعض على انه مؤشر على تحول مؤيدي الحركة الإسلامية من فرعها الجنوبي إلى الشمالي، كما يلاحظ أن قائمة التجمع الوطني الديمقراطي، قد ضاعفت قوتها بنسبة (300%)، التي يمثلها الآن 3 أعضاء، إلا أن النقطة الهامة في هذه الإنتخابات هي عدم فوز أي عضو يهودي من قائمة (حداش+الحركة العربية للتغيير)، بإعتبارها حركة عربية/يهودية، فهل سيؤثر ذلك عليها؟ الواضح أنه من غير المحتمل أن يؤثر ذلك على تواجد حداش في الوسط اليهودي، لأنه بالأساس ضعيف، حيث أن أغلب مؤيدي حداش هم من فلسطينيي 1948، ولا تحتل أصوات اليهود إلا نسبة بسيطة جداً من مؤيدي حداش أصوات فلسطينيي 1948. ويلاحظ كذلك من الجدول، حصول القوى اليهودية على حصتها من الوسط العربي، إلا أنه يلاحظ أن هناك إنخفاضاً في نسبة فلسطينيي الـ1948 الذين يصوتون لأحزاب صهيونية، ويوضح الجدول التالي نسبة التصويت للأحزاب العربية والصهيونية. توزيع أصوات فلسطينيي الـ1948، على الأحزاب العربية واليهودية
وتعود نسبة تدني التصويت للأحزاب الصهيونية واليهودية، للأزمة التي يعيشها المجتمع العربي حالياً، والتي هي نتيجة مباشرة للسياسات الإسرائيلية، سواء من اليمين أو اليسار، وسواء من الأزمة الداخلية أو فيما يتعلق بمسار التسوية السلمية مع منظمة التحرير الفلسطينية، فقد أصبح عامل إنعدام الثقة هو العلامة البارزة بين الطرفين، ولذلك كان التصويت لهذه الأحزاب ضعيفاً، ورغم ذلك كانت النتيجة أن الأحزاب الصهيونية إستفادت من الصوت العربي، وهو ما يمكن تحديده بـ(2-3) مقاعد في الكنيست، نجد له مؤشراً في فوز عضوي الليكود من الطائفة الدرزية مجلي وهبة وأيوب قرا فقط، حيث إنحصر تمثيل العرب في الأحزاب الصهيونية في هذه الإنتخابات في حزب الليكود فقط، علماً بأن الليكود قد حصل على (2.3%) فقط من أصوات فلسطينيي الـ1948، وبذلك يكون أعضاء الليكود الدروز قد فازوا عن طريق أصوات اليهود، بينما منح فلسطينيو الـ1948 حزب العمل(1-2) مقعداً (أنظر الجدول)، ولكنهم لم يمثلوا في الكنيست، وظل مرشحهم (غالب مجادلة، صالح طريف) خارج الكنيست. النسبة المئوية للتصويت في بعض القرى الدرزية(7):
خامساً: إتجاهات التصويت يلاحظ من تشكيلة القوائم العربية التي شاركت في الإنتخابات ونسبة التصويت، أن نتائج الإنتخابات كانت تسير وفق إستطلاعات الرأي، أي أن هذه النتائج كانت معلومة سلفاً للشارع العربي، بمعنى أنها تكرر نفسها في كل عملية إنتخابية، ويعود ذلك إلى أن إتجاهات التصويت بالنسبة لفلسطينيي الـ1948، لم تختلف كثيراً عن الإنتخابات السابقة، أو التي سبقتها… الخ. فهذه الإتجاهات وآثارها على نمط التصويت، تظل محصورة في منطقة جغرافية محدودة، وعدد الأصوات محدد، وعدد المرشحين أكثر مما تحتمله الساحة، ولذلك فإن نتائج التصويت غالباً ما يمكن التنبؤ بها سلفاً. فيما يلي أهم معايير إتجاهات التصويت لدى فلسطينيي الـ1948(8): أ- المعيار القومي-الإيدلوجي 1- العوامل الخارجية: أو مجموعة العوامل المتعلقة بالوضع العربي الإقليمي العام، حيث تصوت نسبة معينة من فلسطينيي 1948 وفقاً لما يدور في المحيط الإقليمي العربي، ولذلك فإن عملية تصويت فلسطينيي 1948 تعتبر مقياساً لدرجة إرتفاع وهبوط نسبة الإنتماء القومي لهم، وهو ما حاولت إسرائيل القضاء عليه، من خلال منع الأحزاب والحركات ذات التوجه القومي من المشاركة في الإنتخابات، ويعتبر التجمع الوطني الديمقراطي نموذجا لذلك. 2- التسوية السلمية: يعتبر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أحد أهم مؤشرات التصويت لدى فلسطينيي الـ1948، ولذلك نجد أن البرامج الإنتخابية للأحزاب العربية لفلسطينيي 1948 ذات طابع فلسطيني يؤيد الحل السلمي، ووجود دولة فلسطينية، بالإضافة إلى نقطة هامة وهي أن فلسطينيي 1948 هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وان م.ت.ف، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وان لهذا الشعب الحق في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة. ولذلك نلحظ أن هناك سعي دائم من الأحزاب العربية، نحو تسوية النزاع سلماً، وكذلك توجه الأصوات العربية نحو دعم الأحزاب الصهيونية التي تؤيد هذا التوجه، والتي يمكن تسميتها بالأحزاب ذات التوجه اليساري، وهي ما تم ملاحظتها من الإنتخابات الأخيرة، من خلال دعوة أوساط فلسطينية للتصويت إلى معسكر السلام، وكذلك بث تلفزيون المستقبل اللبناني مجموعة من الرسائل القصيرة إلى فلسطينيي 1948 للتصويت للأحزاب العربية، وخاصة التجمع الوطني الديمقراطي. يعتقد جزء كبير من فلسطينيين 1948 أن هناك صلة بينه وبين مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، وعملية التسوية، وخاصة ما يتعلق بالحصول على حقوق مدنية متساوية مع اليهود، حيث أن إستمرار الصراع الدموي يهدد بتبديد أي حل بين فلسطينيي 1948 و إسرائيل، والإتجاه يكون نحو الإختيار بين السلام وإنهاء الإحتلال أو النزاع و بين المساواة، ويعتبر البعض أن إنهاء الإحتلال شرط ضروري لحصول فلسطينيي 1948 على المساواة التامة(9). ب-الإعتبار التقليدي تتأثر الإعتبارات التقليدية بالمتغيرات الداخلية والتي تتمحور حول علاقة فلسطينيي 1948 بإسرائيل، وطبيعة العلاقات بينهما، والأحوال العامة لمجتمع فلسطينيي 1948، وتوجهات السياسة الداخلية الإسرائيلية، وأهم هذه الإعتبارات التي تؤثر في نمط التصويت ما يلي: 1-النظام الإنتخابي يعتبر النظام الإنتخابي، في أية دولة نتاج التفاعلات التي تحدث بين مركباتها، كما انه نتاج للتاريخ والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لهذه الدول. ولهذا تختلف النظم الإنتخابية من دولة إلى أخرى، حيث نجد النظم الرئاسية والبرلمانية، ومنها ما هو قائم على نظام الحزب الواحد أو ثنائي أو متعدد الأحزاب …الخ، وما يعتبر جيد لبلد ما ليس بالضرورة أن يكون جيداً لآخر، وتقوم النظم الإنتخابية على الموازنة بين معيارين هامين، الأول هو العدالة، والذي يقتضي أن تمثل كل طائفة مهما صغر حجمها في البرلمان. والمعيار الثاني، هو إستقرار النظام السياسي، وهو ما نجحت إسرائيل في شقه الأول، وفشلت في الثاني(10)، ويلاحظ المهتمون أن هذه المؤشرات وضعت من أجل الأكثر اليهودية، وأن مشاركة فلسطينيي 1948، في الإنتخابات متعددة بشروط قانونية أهمها، لا تشترك قائمة مرشحين في إنتخابات الكنيست إذا إنطوت غاياتها أو أفعالها صراحة أو دلالة على أحد الأمور التالية: - إنكار دولة إسرائيلي كدولة للشعب اليهودي. - إنكار الطابع الديمقراطي للدولة. - التحريض العنصري. - تأييد الكفاح المسلح الذي تخوضه دولة معادية أو منظمة إرهابية، ضد دولة إسرائيل. يتيح هذا القانون للجنة الإنتخابات المركزية ليس رفض قائمة مرشحين فقط، وإنما كذلك رفض مرشح داخل القائمة، واستحدث هذا التعديل في مايو 2002، وذلك على قانون أساس الكنيست تعديل رقم (9) والذي تم سابقاً في 1985، وهو ما طُبق فعلاً في هذه الإنتخابات على كل من أحمد الطيبي العضو في قائمة حداش-الحركة العربية للتغيير، وعلى قائمة التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة عزمي بشارة، وهو ما أثر على إتجاه تصويت فلسطينيي الـ1948. 2- إنقسام القوى العربية يعتبر إنقسام القوى العربية، نتيجة أساسية للنظام الإنتخابي الذي يقوم على قاعدة التمثيل النسبي، والتي تمنح المجال أمام أصغر الأحزاب للمشاركة في الكنيست، الأمر الذي أدى إلى وجود ظاهرة الإنشقاقات والإندماج في الساحة الحزبية الصهيونية، وقد إنتقلت هذه العدوى إلى الأحزاب العربية، وتدل الإحصائيات على أن عدد القوائم العربية هي (4)، ولكن القاعدة الحزبية لهذه القوائم تكون من (9) أحزاب، هذا بالإضافة إلى الأحزاب والقوى التي لم تشارك في الإنتخابات، أو المرشحين العرب في الأحزاب الصهيونية، ويلاحظ أن هذا التعدد يؤثر سلباً في عملية التصويت. 3- مكانة أعضاء الكنيست العرب أدى إعتماد إسرائيل على أسلوب القائمة، إلى حرص الأحزاب على وجود الشخصيات القيادية والجماهيرية في قوائمها المرشحة للإنتخابات، وبتطبيق ذلك على فلسطينيي 1948، نجد أن بعض الشخصيات إستمرت مشاركتها لكنيست عدة عقود، وبعضهم إستمر عدة دورات برلمانية مخالفاً بذلك نصوص قد وضعها بنفسه، ولكن ما يميز أعضاء الكنيست العرب، هو إستمرار وجودهم في مقاعد المعارضة، ولذلك فإن دورهم ومكانتهم غير ملحوظة، فهم ليسوا شركاء في عملية صنع القرار، نتيجة للرفض الإسرائيلي العام لمشاركة أعضاء الكنيست العرب في الحكومة، أو في لجان الكنيست المتخصصة، ولذلك فإن هذه الحالة أدت إلى تعزيز الرافضين في عملية التصويت. 4-عامل الشخصية في القيادة العربية يبرز الجانب الشخصي في علاقات الأحزاب العربية/العربية، خاصة فيما يتعلق بعملية تركيب القوائم الإنتخابية، حيث تلعب هذه الشخصيات دوراً حاسماً، سواء في الوحدة أو التشرذم، والملاحظ بأن الشخصيات القيادية لفلسطينيي 1948، غير قادرة على إيجاد قيادة مشتركة، ولذلك فإن هناك تخوف كبيرة لدى فلسطينيي 1948، كبروز قيادات حمائلية وطائفية، مما يؤدي إلى تعزيز التقسيم في المجتمع العربي، وبالتالي إلى هدر كم كبير من الأصوات العربية. خاتمة تؤكد نتائج إنتخابات الكنيست في الوسط العربي، وإتجاهات تصويت فلسطينيي 1948 على أمور عديدة هامة: 1- يؤدي تعدد القوائم العربية المشاركة في إنتخابات الكنيست، إلى تشرذم في عملية التصويت، والى وجود نسبة عالية من الممتنعين عن التصويت إعتراضاً على هذا التعدد غير المعقول، حيث أن معظم هذه القوى متشابهة البرامج والمبادئ، ولا توجد بينها أية خلافات تذكر، كما أن فعاليتها ودورها في النظام السياسي الإسرائيلي بشكل عام محدود وهامشي، كما أن زيادة عدد مقاعد حزب، لا يعني في العادة نقصاً في عدد مقاعد حزب عربي آخر، وان وجود حزب عربي جديد في الكنيست يعني إختفاء حزب عربي آخر من الكنيست، وقد أدى هذا إلى مقاطعة جزء من فلسطينيي 1948 الإنتخابات. 2- ترتبط دعوات الوحدة التي تظهر في فترة الإنتخابات، للدعوة إلى عدم التشرذم، ولكنها لا تحمل نفس الفكرة والتوجه بعد إنتهاء الإنتخابات، فما المانع بعد إنهاء الإنتخابات أن تتجه القوى العربية الفائزة لإقامة كتلة برلمانية عربية موحدة في الكنيست، حيث سيكون لهذه الكتلة آثارها الإيجابية على هذه الأحزاب من خلال تمثيلها في لجان الكنيست، كما ستكون مؤشراً نحو إخراج الوحدة من مستوى الشعارات إلى مستوى العمل المشترك، كما أن إيجاد هذه الكتلة البرلمانية قد شكل دافعاً قوياً نحو الوحدة مستقبلاً قبيل الإنتخابات. المراجع (*) تجري الإنتخابات العامة في إسرائيل، حسب الدستور يوم الثلاثاء فقط. (*) حداش منفردة. (**) التجمع الوطني والحركة العربية للتغيير. (***) يضاف إليها هاشم محاميد. (1) د.مصطفى كبها-الأيام-المشهد الإسرائيلي، 3/12/2002. (2) www.fasl-almaqal. ، مرزوق حلبي. (3) الأيام، 30/1/2003. (4) هآرتس، 30/1/2003. (5)www.arabs48.com (6) غازي الخليلي-الأيام،2/2/2003. (8) د.أسعد غانم، الأيام-المشهد الإسرائيلي،28/1/2003. (9) د.عادل مناع، الأيام – المشهد الإسرائيلي، 19/11/2002. (10) خالد شعبان، قراءة في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة1996-سلسلة دراسات وتقارير، عدد (2)، مايو 1995، ص3. |
|