عاطف المسلمي جاءت نتائج انتخابات حزب العمل الأخيرة التي جرت في (19/11/2002)، والتي حملت عميرام متسناع إلى زعامة الحزب، كتعديل لخلل جرى في الانتخابات السابقة. فكما كان متوقعاً، لم تؤد انتخابات زعامة الحزب التي جرت في أيلول سبتمبر 2001، وانتخابات الإعادة التي جرت في ديسمبر من نفس العام التي أفرزت بنيامين بن اليعازر زعيماً للحزب، إلا لمزيد من التشرذم والانحدار في مكانة الحزب، ذلك الانحدار الذي بدأ بهزيمة رئيس الحكومة السابق إيهود باراك في انتخابات رئاسة الحكومة (6/2/2001)، وتعزز بمشاركة الحزب في حكومة أرئيل شارون اليمينية المتطرفة، ضارباً عرض الحائط بالمعارضة الشديدة للدخول في الحكومة من داخل الحزب، الأمر الذي عزز الانقسامات العميقة داخل صفوف النخبة القيادية في الحزب، وأدى إلى تدهور مكانة الحزب على الصعيد الشعبي. فكانت أكثر الاستطلاعات تفاؤلاً لا تعطي حزب العمل أكثر من 17 مقعداً في الانتخابات القادمة، مقابل 35-40 مقعداً لليكود، الأمر الذي بات يهدد بإندثار الحزب وتلاشيه. فكان لزاماً واسرائيل تقف على أبواب انتخابات عامة بعد حل حكومة الوحدة الوطنية، أن يعيد حزب العمل ترتيب أوراقه للعودة بقوة للساحة السياسية الإسرائيلية، ووقف هذا التدهور المتواصل في مكانته، والعودة إلى قيادة معسكر اليسار للوقوف أمام المد اليميني الجارف الذي تعيشه إسرائيل، والذي سيؤدي لو استمر على ما هو عليه الآن إلى إفراز كنيست يمينية متطرفة لا تأثير للمعارضة اليسارية فيها. ومن أجل ذلك كان لابد من البحث عن شخصية لامعة جذابة بعيدة عن التلويث السياسي لوضعها على رأس العمل تمهيداً للانتخابات القادمة، يكون بمقدورها ترتيب البيت العمالي بشكل خاص واليساري بشكل عام، وجذب أكبر عدد من الأصوات لصالح الحزب. وقد وقع الاختيار على رئيس بلدية حيفا عميرام متسناع، ليكون رئيساً للحزب ومرشحه في الانتخابات القادمة. في هذا التقرير سنلقي الضوء على وضع حزب العمل، خلال ولاية بن اليعازر وبروز عميرام متسناع كمرشح جديد يعطي الأمل للناخب العمالي واليساري، وعلى نتائج انتخابات الحزب التي جرت يوم الثلاثاء 19/11/2002. أولاً: "الحزب تحت قيادة بن اليعازر" رسخت نتائج الانتخابات التمهيدية السابقة في حزب العمل، التي جرت في (4/9، 26/12/2001) الانقسامات والتدهور في حزب العمل وذلك على مستويي القيادة والقاعدة، وبدا للمتابعين أن الحزب يسير بسرعة نحو الاندثار. فمن جهة، كان زعيم الحزب المنتخب (بن اليعازر) الذي ينبغي له أن يكون زعيماً لمعسكر السلام يشارك كوزير دفاع في حكومة شارون التي تضع على سلم أولوياتها تدمير عملية السلام وإلغاء اتفاقات أوسلو. ومن جهة أخرى نشطت في معسكر السلام تيارات تحاول أن تنشئ كتلة يسارية جديدة تقود هذا المعسكر بدلاً عن حزب العمل، الذي بدا أنه تحت قيادة بن اليعازر قد انحرف تماماً عن برنامجه الذي أوصله إلى سدة الحكم عام 1999. وقد تزعم هذه التحركات بعض النخب من الحزب وعلى رأسهم يوسي بيلين الذي رأى في أسلوب إدارة بن اليعازر للحزب بمثابة كارثة. خلال الفترة التي أعقبت انتخابات الاعادة في 26/12/2001، ساد الهدوء أروقة حزب العمل، حيث بدا أن الجميع يحتاج إلى بعض الوقت ليعيد حساباته من جديد، وبخاصة أن اشتداد المواجهة مع الفلسطينيين جعل الانشغال بالأمور الحزبية أمراً هامشياً لن يلقى قبولاً لدى الجمهور الإسرائيلي، الذي يعاني شعوراً بإنعدام الأمن، ويؤيد في الوقت ذاته وبشدة الخطوات المتشددة التي تنفذها الحكومة ضد الفلسطينيين. إلا أن العنصر الوحيد الذي لم يهدأ في تلك الفترة، كان يوسي بيلين الذي رأس هيئة من داخل الحزب تسعى إلى اخراج الحزب من حكومة شارون، وعندما بدا له أن مقربه رئيس الكنيست أبراهام بورغ لن ينافس على زعامة الحزب ثانية، لم يستبعد بيلين احتمال ترشيح نفسه للمنافسة أمام بن اليعازر وتحويل هذه الهيئة إلى هيئة انتخابية خاصة به. هذه الهيئة التي جعلت على رأس أولوياتها اخراج الحزب من الحكومة، كانت تدرك أنه من الصعوبة بمكان اقناع وزراء حزب العمل في الحكومة بالتنازل عن بذخ الحكم ومناعمه، رغم أنهم يدركون أنهم يعاملون كوزراء من الدرجة الثانية، فزعيم الحزب وزير الدفاع "بنيامين بن اليعازر" لن يعترف علناً أن رئيس الحكومة آرئيل شارون ورئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، لم يكونا يشاورانه في كثير من الخطوات التي أقدم عليها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وإنما كانا يطلبان موافقته في اللحظات الأخيرة، أو لا يسألانه رأيه، ومع ذلك ظل متشبثاً بالبقاء في حكومة الوحدة الوطنية. كما أن شمعون بيريس لن يعترف أبداً أن انضمامه لحكومة شارون كان مراهنة خاطئة. ورغم أن الهيئة استطاعت اغراق شوارع إسرائيل بلافتات تطالب بخروج حزب العمل من الحكومة، إلا أنها فشلت في ترجمة ذلك خلال التصويت الذي جرى في مركز حزب العمل (17/1/2002)، حيث صوتت الأغلبية إلى جانب البقاء في الحكومة، معززة موقف زعيم الحزب بنيامين بن اليعازر وموقف الوزراء المشاركين في الحكومة، والذين تذرعوا في معارضتهم الخروج من الحكومة بأن خطوة كهذه تعني التوجه إلى انتخابات عامة خلال ثلاثة أشهر، وهذه كارثة بالنسبة لحزب يعاني من الانقسام والتشرذم، وأن الجمهور الإسرائيلي لن يغفر لحزب العمل تركه للحكومة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها إسرائيل، وهو بدون شك سوف يترجم ذلك من خلال صناديق الاقتراع. واعتبر المعارضون لبقاء الحزب في الحكومة، أن الثمن المدفوع نتيجة الاستمرار في حكومة شارون أكبر من الثمن الذي سيدفع في حال الخروج منها. فبالاضافة لخسارة الحزب تأييد جل ناخبيه المؤيدين لاستمرار عملية السلام مع الفلسطينيين، وتنحيه طوعاً عن قيادة معسكر السلام من خلال صفوف المعارضة، فإنه أيضاً لم يسجل أي فائدة من دخوله الحكومة على الصعيد الداخلي، وذلك بسبب تخليه عن حقيبة المالية. فقد أشارت معطيات كانت متوفرة لدى سكرتير الحزب رعنان كوهين "أن الحزب فقد سيطرته نهائياً في منظمات العمال لصالح حركة عمير بيرتس"…..(1) وهذا ليس الثمن الوحيد الذي دفعه حزب العمل نتيجة تخليه عن الحقائب الهامة وبخاصة حقيبة التربية والتعليم. كما أن بن اليعازر ورفاقه في الحكومة كانوا يصمون آذانهم عن الاستماع لنتائج الاستطلاعات الأخيرة التي أشارت معظمها إلى انهيار تام في تأييد الحزب داخل معسكر السلام وفي الوسط العربي، والتآكل الكبير لما تبقى من التأييد في أوساط المهاجرين الروس. لذلك، فالحجج التي ساقها بن اليعازر وبيريس للبقاء في حكومة شارون لم تعد تقنع أحداً في معسكر اليسار. لقد كانت المراهنة والتساؤل خلال النصف الأول من هذا العام حول الخطوات التي سيتخذها بيلين ورامون وبورغ بعد أن قرر الحزب أن لا خروج من الحكومة، ذلك القرار الذي يعني ضمناً استمرار بن اليعازر في رئاسة الحزب. فهل سيواصلون التشبث بأمل إخراج الحزب من حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي يكون من السهل إزاحة بن اليعازر عن زعامة الحزب، أم سينضمون بشكل مكشوف إلى المبادرة التي أخذت في التبلور في بداية هذا العام لانشاء حركة سلام اشتراكية ديمقراطية، توحد في صفوفها الخارجين من حزب العمل وميرتس وشعب واحد وحركة الخيار الديمقراطي بزعامة رومان برونفمان؟ بات من الملح على هذه المجموعة أن تقرر، في أي من الاتجاهين ستسير. فليس منطقياً في الثقافة الإسرائيلية التصرف كمعارضة يسارية ضد سياسة الاحتلال وضد المستوطنات، بما فيها المشاركة في تظاهرات إلى جانب قادة الجمهور الفلسطيني، وبعد ذلك المشاركة في جلسات الحزب إلى جانب وزراء مشاركين في رسم وتنفيذ تلك السياسات. وقد كان يوسي ساريد محقاً حين قال في إحدى جلسات "إئتلاف السلام" إن أعضاء قيادة حزب يشارك في الحكومة يتحملون المسؤولية عن سياسة تلك الحكومة"….(2) إلا أن هذه المجموعة لم تكتف بهذين الخيارين، بل أخذت تفتش عن شخصية مقبولة يمكن الدفع بها للتنافس أمام بن اليعازر في الانتخابات التمهيدية لحزب العمل، ولم يخف يوسي بيلين وأبراهام بورغ أنهما يبحثان عن مرشح أكثر ملائمة لرئاسة الحكومة، حيث يدرك بيلين عدم وجود مكان لحزب جديد في الهامش الضيق بين حمائم حزب العمل وبين حزب ميرتس. كما أن حزباً برئاسة يوسي سريد أو يوسي بيلين لا يملك فرصة النفاذ للمركز السياسي والتحول إلى حزب حاكم….(3) لذلك سار بيلين وبورغ بجدية نحو هذا الخيار ومعيارهم في ذلك، أن الشخص الذي سيطرحونه في مواجهة بن اليعازر هو الذي تتوقع له استطلاعات الرأي الفرصة الأفضل لإعادة معسكر السلام إلى الحكم. ومن بين الأسماء التي جرى تداولها، عوزي برعام، دوف لاتمان، عميرام متسناع، والبروفيسور أفيشاي بارفرمان. في ذات الوقت استمر بن اليعازر في مناوراته للتملص من ضغوطات جماعة بورغ وبيلين للخروج من الحكومة. فقد أجرى الحزب (7/3/2002) نقاشاً سياسياً حول الانسحاب من حكومة الوحدة الوطنية عقب تصريحات رئيس الحكومة أرئيل شارون، التي قال فيها "على الفلسطينيين أن يتلقوا الضربات وأنه لا يوجد أفق سياسي اليوم بل فقط أفق أمني"…(4) وبدا أن معظم أعضاء كتلة العمل يؤيدون الانسحاب من حكومة الوحدة الوطنية، باستثناء زعيم الحزب بن اليعازر غير المعنى بالانسحاب من الحكومة باعتبار أن الانسحاب من الحكومة الآن مبكر جداً حسب تقديره، حيث كان بن اليعازر ورئيس حكومته شارون في خضم التحضير للاجتياحات ضد المدن الفلسطينية في الضفة الغربية خلال إبريل ومايو الماضيين. إن بن اليعازر وبيريس لا يستطيعان أن ينفيا مسؤوليتهما عن دمار الحزب من أجل بقائهما في الحكومة رافعين لواء الأنا وحب البقاء. إن غياب حزب العمل عن المعارضة في الكنيست ليس فقط تسبب في تدهور وضع الحزب في الاستطلاعات، بل أفقد الجمهور الإسرائيلي الأمل في التغيير، فكل ما هو مطروح أمامه هو المزيد من التطرف والعنف. لقد دهور بن اليعازر وبيريس حزب العمل إلى الأعماق ومنحا شارون واليمين الفرصة للاطباق على السلطة لسنوات طويلة قادمة، وهما يدركان أنهما لن ينجحا في قيادة حزب العمل في الانتخابات القادمة لأنهما لا يملكان سياسة أخرى غير التي عرضاها. كما أن لعب بن اليعازر على وتر الطائفية في حزب العمل لن يفيده، فحزب العمل في حاجة إلى من يعيد إليه الروح التي افتقدها لا من يعزز الانقسام والتدهور. ثانياً: اشتداد المنافسة على رئاسة الحزب 1- " تفاقم الأزمة الداخلية " بعد هدوء قرابة أربعة أشهر، عادت الأزمة الداخلية للاشتداد في حزب العمل، بعد أن بدا للجميع وبوضوح أن زعيم الحزب بن اليعازر لا ينوي البتة الخروج من حكومة الوحدة الوطنية، وأنه يناور من خلال بقاء الحزب في حكومة الوحدة لأحكام سيطرته على الحزب وتضييق الخناق على منافسيه المحتملين، حيث كان حاييم رامون أول من أعلن (أول يوليو) عن تنافسه على رئاسة حزب العمل. كما استأنف رئيس الكنيست أبراهام بورغ نشاطه السياسي بعد نصف عام تقريباً على هزيمته أمام بن اليعازر، حيث أعلن في تصريحات علنية "أنه إذا انسحب فؤاد من الحكومة حتى الـ 15 من آب أغسطس، فإنني شخصياً سأضغط على حاييم رامون من أجل الانسحاب من المنافسة، وسأقول لكل الأعضاء أنه يجب تعزيز فؤاد والوقوف وراءه…(5) إلا أن بورغ وفي اجتماعات مغلقة لم يخفِ امتعاضه الشديد من بن اليعازر واتهامه له بأنه يتسبب في تقزيم الحزب وهرب الكبار منه، بالإشارة إلى انشقاق النائب يوسي بيلين عن الحزب وتأليف حزب شاحر، وتلميحات شلومو بن عامي وداليا إيتسك عن رغبتهما في الاستقالة من الحزب والكنيست، وقد نفذ شلومو بن عامي ذلك واستقال في (8/8/2002)، موضحاً في كتاب استقالته "أنه لا يريد أن يكون عضواً في كتلة ضلت الطريق، وقال "بدل أن يكون يقود معسكر السلام، كان حزب العمل ذيلاً في خدمة الأهداف الشخصية لرئيس الحكومة….(6) لقد جاءت استقالة النائب شلومو بن عامي من حزب العمل بمثابة الكارثة على الحزب، وكان خروجه من الحزب أشبه بنزع آخر ركن من أركان المصداقية والشفافية في الحزب، حيث كان ينظر إلى بن عامي بنظرة الأمل في إعطاء الحزب شيئاً من النظافة. فهذا البروفيسور المتخصص في علم الاجتماع ذو الأصول الشرقية كان يضفي على الحزب لمحة مصداقية لدى الناخب الشرقي في إسرائيل ولدى شرائح اجتماعية مختلفة، وبخروجه خلف وراءه حزباً خاوياً يفتقد إلى القيادة الصادقة تتقاذفه مجموعة من السياسيين الممقوتين على الناخب الإسرائيلي، مما يستدعي السرعة في عمل شيء ما لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان. 2- "عميرام متسناع طوق النجاة الأخير" في الثالث عشر من أغسطس الماضي، وفي مؤتمر صحفي عقد في مقر حزب العمل في تل أبيب، أعلن رئيس بلدية حيفا عميرام متسناع، ترشيح نفسه رسمياً لرئاسة حزب العمل وقيادته في الانتخابات القادمة، في خطوة جاءت كالصاعقة على رأس معسكر رئيس الحزب بنيامين بن اليعازر، بعد أن حصل متسناع على تأييد الكثير من النخب في قيادة العمل قبل وبعد إعلانه عن ترشيح نفسه، بدءاً من رئيسي بلديتي تل أبيب وبئر السبع مروراً برؤساء أفرع الحزب وانتهاءً بأعضاء الكنيست من الحزب وبعض الوزراء ومنهم ميتان فلنائي، الذي أعلن بشكل مفاجئ أنه سيسحب ترشيحه ويدعم ترشيح عميرام متسناع قائلاً "إن متسناع هو الرجل المناسب في الوقت المناسب"….(7) كما أعلنت النائبة ياعيل ديان عن دعمها لمتسناع. ودعت أبراهام بورغ وحاييم رامون إلى تأييد متسناع من أجل استعادة الأمل. لقد التقط متسناع وهو الحريص طوال الفترة السابقة على الابتعاد عن القضايا السياسية والصراعات داخل حزب العمل الإشارة الصادرة عن عدة جهات في الحزب ومضمونها، أنك وحدك القادر على إنقاذ الحزب من كارثة محققة وإعادة الأمل لمعسكر اليسار، وإنتقى متسناع الوقت المناسب لترشيح نفسه، فشهرين قبل موعد الانتخابات التمهيدية ليسا بالوقت الطويل حتى يخف بريقه وتكثر أخطاءه وهما أيضاً ليسا بالوقت القصير الذي لا يمكن من خلاله تجنيد المناصرين في وقت يعيش رئيس الحزب أصعب أزماته سواءً على مستوى مركز الحزب أو على مستوى القاعدة الانتخابية. عقب ترشيح متسناع، ظهرت بوادر أزمة في معسكر رئيس الحزب بن اليعازر الذي كان حتى وقت قريب يشعر أنه الأقوى بين المرشحين، وأن أياً من المرشحين الآخرين لن يستطيع الصمود أمامه "ليس لدي مشكلة للتنافس مقابل أي شخص وأنا أؤمن أنني سأنتصر"…(8) على الأرض كانت الضغوط تتعاظم على بن اليعازر للخروج من حكومة شارون، والوضع في الاستطلاعات لا يبشر بخير، وتصريحات المسؤولين الكبار في حزب العمل الذين يعلنون تأييدهم لمتسناع تشكل مشكلة كبيرة لبن اليعازر، إضافة إلى أنه كل يوم يمر وبن اليعازر يعمل كوزير دفاع في حكومة شارون يفقده مزيداً من النقاط، لذلك كان لابد من الخطوة التي أدرك بن اليعازر أنه لا مفر من الإقدام عليها وهي الخروج من الحكومة. ثالثاً: بن اليعازر يخرج من حكومة شارون في يوم الأربعاء (30/10/2002) قدم وزراء حزب العمل المشاركون في حكومة الوحدة الوطنية كتب استقالتهم إلى رئيس الحكومة آرئيل شارون، قبل خمسة دقائق من التصويت على ميزانية الدولة، حيث صوت حزب العمل ضد الميزانية، الأمر الذي يعني حل حكومة الوحدة الوطنية وعودة الحزب إلى صفوف المعارضة، تاركين رئيس الحكومة بدون أغلبية برلمانية (55 مقعداً) مما وضع شارون أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول: الإقدام على تشكيل حكومة يمينية ضيقة بالتحالف مع الاتحاد القومي بزعامة ليبرمان، وهذا ما فشل به شارون. الثاني، الاقدام على أخذ زمام المبادرة والإعلان عن تبكير موعد الانتخابات، في هذه الحالة تجري الانتخابات بعد ثلاثة أشهر. وقد ذهب شارون نحو الخيار الثاني لعدة اعتبارات يعتقد أنها تعمل لصالحه سواء بالنسبة لانتخابات الليكود والتي فاز فيها بنسبة عالية من الأصوات (58% مقابل 40% لنتنياهو) أو الانتخابات العامة. والسؤال الذي طُرح بإلحاح عقب خروج بن اليعازر من الحكومة هو، هل اختار بن اليعازر التوقيت المناسب للخروج من الحكومة، وهل كان يريد فعلاً الخروج من حكومة شارون؟ الاجابة عن هذا السؤال هي بالإيجاب، نعم كان بن اليعازر يريد الخروج من حكومة شارون وإن كان قد أخطأ في التوقيت الذي جاء متأخراً بعض الشيء. لقد أدرك بن اليعازر أن تكلفة بقائه في صفوف حكومة شارون سواء على الصعيد الحزبي أو على الصعيد العام تفوق الميزة التي يجنيها من شغله حقيبة الدفاع في وزارة شارون، وهو ليس بالغر في السياسة الحزبية الإسرائيلية حتى يدخل في معركة انتخابية على رئاسة حزب هو الأكبر حالياً في الكنيست، ولا يزال يعمل وزيراً في حكومة شارون. تلك القضية التي كانت مثار هجوم عليه من منافسيه، وهي التي تسببت في تدهور وضعه في الاستطلاعات التي جرت عشية الانتخابات على رئاسة الحزب. إن بن اليعازر كان مجبراً وبسرعة على فصل نفسه عن شارون لاستغلال ما تبقى من الوقت، لعرض نفسه أمام ناخب حزب العمل كشخصية مستقلة لها برنامجها السياسي الواضح، حيث باتت الأغلبية في الشارع الإسرائيلي لا تدرك الفواصل بين برنامج بن اليعازر السياسي وبرنامج شارون، فأصبح حزب العمل تحت قيادة بن اليعازر يلقب بالليكود ب. وأراد بن اليعازر لهذا الخروج أن يكون ذو وقع سياسي يستفيد منه على المستوى الحزبي، لذلك جاء موضوع التصويت على الميزانية بمثابة طوق النجاة لبن اليعازر يستطيع من خلاله الخروج بشرف من حكومة الوحدة الوطنية، حيث اعتقد قادة معسكر بن اليعازر أن معارضة زعيمهم لميزانية تخصص (700) مليون شيكل للمستوطنات، على حساب خلق نحو (20) ألف مكان عمل وعلى حساب مشروع التغذية في المدارس وتقليص مخصصات المتقاعدين، سيعطي بن اليعازر صفة القائد الذي يرفع راية الدفاع عن القضايا الاجتماعية على حساب البقاء في الحكومة، وكانوا يأملون بأن يقدم شارون على إقالة بن اليعازر ووزراء حزب العمل، الأمر الذي من شأنه تعزيز فرص بن اليعازر أمام الناخب العمالي، ولكن ذلك لم يحدث، حيث لم يخضع شارون لتهديدات بن اليعازر ورفض إجراء أي تعديل على الميزانية، وبادر إلى قبول كتب استقالة وزراء العمل فور تقديمها، وعلى بعد ثلاثة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات التمهيدية لحزب العمل، وهي مدة اعتقد بن اليعازر أنها كافية لسد الفجوة بينه وبين متسناع، بخاصة أنه يملك جيشاً من النشطاء سواء على مستوى المركز (مركز حزب العمل) أو على مستوى القاعدة. وقد عمل هذا الجيش بكفاءة نادرة في الانتخابات الماضية، الأمر الذي مهد إلى فوز بن اليعازر على أبراهام بورغ بعد فجوة كبيرة في الاستطلاعات، إلا أن الأمر هذه المرة لن يكون بهذه السهولة، حيث استمر متسناع في التحليق في الاستطلاعات على حساب بن اليعازر ورامون ولم تحقق خطوة الخروج من الحكومة مبتغاها، وبات بن اليعازر يأمل في حدوث معجزة تؤجل الحسم إلى الجولة الثانية. رابعاً: نتائج الانتخابات 1- متسناع رئيساً لحزب العمل في يوم الثلاثاء التاسع عشر من نوفمبر الماضي، جرت الانتخابات التمهيدية على رئاسة حزب العمل بين رئيس الحزب بن اليعازر، ورئيس بلدية حيفا عميرام متسناع والنائب حاييم رامون وذلك في نحو 240 قرية ومدينة في اسرائيل، وكانت جميع المؤشرات تدل على أن متسناع سيحسم هذه الانتخابات من الجولة الأولى، وكان الأمل الوحيد الذي يراهن عليه معسكر بن اليعازر أن يجيء معدل التصويت أقل من 50% حتى يؤجل الحسم إلى جولة ثانية، فيما خيم الوجوم على معسكر رامون الذي اشتم رائحة الهزيمة منذ فترة طويلة، حيث تعالت أصوات كثيرة داعية رامون إلى الانسحاب من السباق كي لا يتسبب في فرض جولة ثانية ويعطي بن اليعازر أملاً في الانتصار. وقد توافقت النتائج الحقيقية للانتخابات إلى حد كبير مع نتائج استطلاعات الرأي التي جرت عشية الانتخابات، حيث حصل عميرام متسناع على 53.65% من أصوات الناخبين، فيما حصل بن اليعازر على 38.42% من الأصوات، وحاييم رامون على 7.62% فقط. ويتضح من النتائج النهائية أن 59.85% من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم مائة وعشرين ألفاً قد شاركوا في الاقتراع. ومن تحليل النتائج يتضح أن متسناع فاز بنسب تصويت عالية في منطقة حيفا، حيث صوت له 74.22% مقابل 20.79% لبن اليعازر، وحصل متسناع أيضاً على نسب عالية في منطقة تل أبيب، حيث حصل على 66.70% مقابل 27.31% لبن اليعازر، مقابل ذلك حصل بن اليعازر على نسب عالية في منطقة الجنوب 66.70% مقابل 27.31% لمتسناع، كذلك حصل بن اليعازر على نسب عالية 66.70% في القرى الزراعية الموشافيم مقابل 29.43% لمتسناع، فيما حقق متسناع نسبة عالية من الأصوات في الكيبوتسات، وحصل الاثنان على نسبة متساوية من الأصوات في الوسط العربي، وحقق بن اليعازر فوزاً ساحقاً في الوسط الدرزي بلغ 58.08% مقابل 35.01% لمتسناع، وذلك بفضل تحالفه مع النائب الدرزي صالح طريف…(9) 2- عميرام متسناع بطاقة هوية ومواقف سياسية * عميرام متسناع (57) عاماً ولد لأبوين من أصل ألماني في كيبوتس (دبيرت)، متزوج من عليزا، أب لثلاثة وجد لحفيد، تسرح من الجيش الإسرائيلي بعد ثلاثين عاماً من الخدمة العسكرية برتبة لواء، رئيس بلدية حيفا منذ تسعة أعوام. * خريج الكلية العسكرية يحمل شهادة بكالوريوس جغرافيا، وماجستير علوم سياسية. * يعتبر عميرام متسناع لغزاً في نظر أغلب مواطني إسرائيل، فهو مقل جداً في تصريحاته في المواضيع السياسية، وهادئ لم يتلوث سياسياً، يبتعد كثيراً عن الصراعات الشخصية والحزبية انساناً واقعياً وعملياً، وظف خبرته العسكرية في العمل الاداري، ويملك روح المغامرة، رفض عدة اقتراحات بتعيينه وزيراً في حكومات العمل السابقة. * شارك في أربعة حروب ويحمل وسام التميز، كما حظي بوسام رئيس هيئة الأركان في حرب أكتوبر 1973. * خلال حرب لبنان كان قائداً للجبهة السورية، وأصيب مرتين خلال خدمته العسكرية. * منافسته أمام شارون لن تكون هي الأولى بينهما، فأثناء حرب لبنان طالب متسناع (كان حينها عميداً) في اجتماع للضباط باستقالة شارون الذي كان وزيراً للدفاع، الأمر الذي أثار غضب آرئيل شارون، وفقط بعد تدخل رئيس الأركان الأسبق رفائيل إيتان ورئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغين، بقي متسناع في الجيش. * تلقى متسناع أثناء قيادته للمنطقة الوسطى 1986-1988، انتقادات حادة من سكان المستوطنات في الضفة الغربية، بأنه يتعامل مع الفلسطينيين بأيدي رقيقة، في حين اتهمه اليسار بأنه يسمح لجنوده بضرب الفلسطينيين دون مبرر. * شغل قبل تسريحه من الجيش منصب رئيس قسم التخطيط. * استقال من الجيش عام 1993، وتنافس على رئاسة بلدية حيفا وفاز بها. "مواقفه السياسية" * لم يتأخر عميرام متسناع كثيراً بعد ترشيح نفسه لرئاسة حزب العمل في طرح مواقفه السياسية صراحة دون غموض، وذلك في نقاط واضحة ومحددة، وهي في الأساس تقوم على ثلاث نقاط. الأولى: حل الصراع: استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة، وبدون تحديد من يقود الفلسطينيين، في حال فشلت المفاوضات يتم إقامة جدار فاصل. الثانية: المستوطنات: اخلاء فوري لجميع المستوطنات في غزة والمستوطنات المعزولة في الضفة الغربية "لن تكون هناك أي مستوطنة شرقي جدار الفصل". الثالثة: القدس: حتى نهاية المسيرة السلمية تحاط القدس بجدار، وفي نهاية المسيرة يتم ضم الاحياء اليهودية في شرق المدينة، فيما تبقى الأحياء العربية بيد الفلسطينيين…(10) وبالنسبة لغور الأردن فإن الحدود الجديدة بعد انتهاء المفاوضات مع الفلسطينيين لن تشمل غور الأردن…(11) إن إقدام عميرام متسناع على طرح تصوراته للحل مع الفلسطينيين بكل جرأة والحديث عن تقسيم القدس وإخلاء مستوطنات، في وقت تجتاح إسرائيل حمى التطرف والمواقف اليمينية المتشددة سيكلفه غالياً، فهل أدخل متسناع في حساباته الثمن الذي سيدفعه في حال استمر على هذا النهج، أم سيعتري هذه المواقف شيء من التعديل خلال الطريق إلى التنافس على رئاسة الحكومة. وهل هناك حدود معينة ليسارية متسناع لا ينبغي تجاوزها؟ في الأيام القليلة الماضية حاول متسناع التنصل من الدمغة اليسارية التي التصقت به، فهو معني بكسب تأييد قسم من الجمهور الإسرائيلي يقع من وجهة نظره في خانة يمين المركز السياسي، لذلك فهو يعتبر نفسه وطنياً لا يسارياً. يقول متسناع "أن تكون وطنياً فهذا يعني الخروج من الخليل ومن كريات أربع ومن قطاع غزة حتى آخر سنتميتر". في الآونة الأخيرة طرأ بعض التراجع على موقف متسناع من اخلاء المستوطنين، حيث قال أنه يتطلع إلى الحد قدر المستطاع من عدد المستوطنين الذين سيتم إخلائهم من الضفة الغربية، وهو بذلك يضع نفسه في خانة بعيدة عن خانة اليسار الإسرائيلي الحقيقي. وعندما يتحدث متسناع عن مفاوضات بلا شروط مسبقة، إنما يعتقد أن المفاوضات ليست مرهونة بوقف ما تسميه إسرائيل بالارهاب، إذ أن شرطاً من هذا القبيل سيُبقى في أيدي الجهات المتطرفة احتكار تحديد جدول الأعمال. خلاصة القول، إن خط متسناع السياسي وبالأساس نبرته يضعانه إلى يمين ميرتس، وهو على ما يبدو لا يشكل في هذه المرحلة خطراً على الليكود، إلا أن النقطة الأبرز التي تعزز فرصه هي إصراره على قضية الفصل عن الفلسطينيين سواء بالحل أو بدون حل وهي القضية التي تلقى تأييداً لدى معظم الجمهور الإسرائيلي. 3- "ما بعد النتائج" في أول تصريح له بعد تأكده من فوزه بزعامة حزب العمل، قال عميرام متسناع "سأقود الحزب (العمل) إلى غد جديد، هدفي هو توحيد صفوف العمل، نزاعات الأمس ستتحول إلى وحدة الغد عشية الكفاح الكبير الذي هدفه هزم الليكود…(12) من هذا التصريح، نستخلص أنه تقف أمام زعيم العمل الجديد مهمتان أساسيتان: الأولى آنية، وهي توحيد حزب العمل وإلغاء المعسكرات وإعادة ترتيب البيت من الداخل وبث الثقة بين أعضاء الحزب وناخبيه، والعمل خلال الشهرين القادمين حتى موعد الانتخابات على تحفيز الناخب اليساري للتصويت لحزب العمل، باعتبار أن الحزب عاد ليقود المعسكر اليساري في مواجهة معسكر اليمين بزعامة الليكود، وجلب أصوات من الوسط تؤيد استئناف التفاوض مع الفلسطينيين، وذلك في محاولة للتقليل من حجم الخسارة التي تشير معظم الاستطلاعات إلى أن حزب العمل سيتكبدها في الانتخابات القادمة، بهدف تشكيل معارضة يسارية قوية في الكنيست في حال فوز اليمين، وهذا أمر مرجح يكون بمقدورها بعد فترة معينة اسقاط الحكومة وفرض انتخابات جديدة. أما المهمة الثانية، فهي اعادة الهوية السياسية المفقودة لحزب العمل بعد أن عاد حزباً هامشياً يصعب تمييزه، وهذه المهمة ليست بالسهلة نتيجة للدمار الذي أحدثته مشاركة الحزب في تنفيذ سياسة شارون اليمينية، والتي تتناقض مع برامج الحزب السياسية التي على أساسها اعتلى سدة الحكم في انتخابات مايو 1999. وهذه المهمة تحتاج على أقل تقدير إلى عامين، وهي تعتمد في الأساس على قدرة زعيم الحزب على التمسك ببرنامجه السياسي الذي طرحه عشية انتخابات زعامة الحزب، حيث بدا هذا البرنامج بمثابة الأمل الذي سيدفع الكثيرين من ناخبي العمل إلى العودة إلى حظيرة الحزب، بعد أن فقدوا الأمل في الاصلاح.
المراجع: |
|