معين الطناني إنسحبت القوات الإسرائيلية من محيط مقر الرئيس ياسر عرفات، في رام الله في صباح يوم 1/5/2002، منهية بذلك الحصار المشدد المفروض عليها منذ 29/3/2002، مبقية على الحصار الذي بدأ منذ أوائل ديسمبر 2001، الذي منع الرئيس عرفات بموجبه من مغادرة رام الله أو الأراضي الفلسطينية ما لم يقبل بإحتمال منعه من العودة من قبل إسرائيل. ولم يكن هذا نهاية المطاف فيما يتعلق بحصار الرئيس والاجتياح الشامل لجميع مدن وقرى الضفة الغربية، باستثناء مدينة أريحا، حيث واصلت القوات الإسرائيلية على الرغم من إعلانها إنتهاء عملية السور الواقي في 21/4/2002، عملية إعادة اجتياح المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، وفرض حظر التجول داخلها لعدة أيام والقيام بعمليات تدمير واعتقال واغتيال، ثم الانسحاب وإعادة الكرة ثانية. واستمر الوضع كذلك إلى أن بدأت في 20/6/2002، بعملية اجتياح جديدة أطلقت عليها اسم "الطريق الحازم" والتي يبدو واضحاً من مقدماتها أنها عملية إجتياح جديدة طويلة الأمد(1). فقد قامت قوات الجيش الإسرائيلي في 2/7/2002، بإعادة إجتياح مدينة قلقيلية بعد ساعات قليلة من إعلانها سحب دباباتها من وسط المدينة وتمركزها على مداخلها الرئيسية. كما واصلت هذه القوات حصارها لمقر الرئيس ياسر عرفات، حيث عمدت دباباتها إلى إحاطة المقر الرئاسي في رام الله من كافة الإتجاهات(2). ولم تكتف الحكومة الإسرائيلية بذلك، بل وسعت كعادتها هجومها على الشعب الفلسطيني وقامت في 4/7/2002، باغتيال قائد كتائب شهداء الأقصى في غزة جهاد العمارين ومرافقه وائل النمرة، بواسطة عبوة ناسفة وضعت في سيارتهما(3). كما ارتكبت مجزرة بشعة في مدينة غزة عند منتصف ليل 22/7/2002، اغتالت فيها قائد الجناح العسكري لحركة حماس صلاح شحادة، إضافة إلى إغتيال 15 شهيدا بينهم 11 طفلاً، وقد نفذت هذه المجزرة بواسطة طائرات إف16 من سلاح الجو الإسرائيلي(4). ووصف الرئيس ياسر عرفات، عملية سلاح الجو الإسرائيلي هذه، والقصف الإسرائيلي لحي سكني بمدينة غزة وارتكاب مجزرة فيه بأنها "مذبحة لا يمكن أن يتصورها إنسان لديه جزء من العقل أو الضمير أو الوجدان"، وشدد الرئيس عرفات، على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون "لا يريد السلام وإنما الإستمرار في ممارسته لسياسته التي ينفذها منذ قبية ونحالين وعملية قتل الأسرى المصريين ومذبحة خانيونس ومذبحة صبرا وشاتيلا، وتابع هذه المذابح ليكمل تاريخه الخطير ضد الأمة العربية وضد الشعب الفلسطيني وضد الأحرار والشرفاء في العالم"(5). وفي خضم العربدة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بكافة وسائلها القتالية، كانت العملية التفجيرية التي وقعت داخل مطعم الجامعة العبرية في القدس بتاريخ 31/7/2002، وأدت إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة 86 آخرين. وإنتقاما لذلك وسعت قوات الإحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها بشكل غير مسبوق في عدة مناطق بالضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تعرضت نابلس في 2/8/2002، لأكبر اجتياح بمشاركة أكثر من 150 دبابة وآلية عسكرية مدرعة استهدفت بشكل أساسي البلدة القديمة، وبلغ عدد شهداء ذلك اليوم في كافة المحافظات 5 شهداء، كما هدمت عشرات المنازل في الضفة وغزة، واعتقلت المئات من المواطنين(6). وقد أكد ياسر عرفات، في 3/8/2002، أن ما يجري في مدينة نابلس جريمة إسرائيلية لا يمكن السكوت عليها(7). تدل الممارسات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني دلالة قاطعة، على وجود خطة معدة سلفاً لإحتلال المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وهذا ما كشف عنه منسق النشاطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية الجنرال عاموس جلعاد، حول خطة لإعادة فرض الحكم العسكري الإسرائيلي على الضفة الغربية. وأيضا ما قاله الجنرال إسحق إيتان قائد المنطقة العسكرية الوسطى التي تضم الضفة الغربية "الجيش يجب أن يكون مستعداً لمواجهة كل الفرضيات في حال تراجع الوضع ميدانياً"، وأضاف "هذا يعني إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية". واعتبر رئيس لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في البرلمان الإسرائيلي حاييم رامون، أن إسرائيل أعادت فعلا إحتلال الأراضي منذ إطلاق عملية "الطريق الحازم" في حزيران الماضي، والتي أسفرت عن إعادة إنتشار الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية الرئيسية(8). واستمراراً للممارسات الإسرائيلية قامت القوات الإسرائيلية في 21/8/2002، بعدوان واسع على مخيم خانيونس، أدى إلى استشهاد مواطن وتدمير ونسف 20 منزلاً(9). وفي مجزرة شارونية جديدة قامت بها قوات الجيش الإسرائيلي في 28/8/2002، في حي الشيخ عجلين جنوب مدينة غزة، سقط خلالها أربعة شهداء وثمانية جرحى من عائلة واحدة (عائلة الهجين)(10). وقد وصف الرئيس ياسر عرفات هذه الجريمة بأنها "جريمة متعمدة وتخريب لجهود السلام". واعتبر عرفات "أن هذه الجريمة إن دلت على شيء فإنما تدل على النوايا الحقيقية لمن يعطي هذه التعليمات، ويقوم بهذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني(11). وتستمر الحكومة الإسرائيلية برئاسة ارئيل شارون، في أوسع عدوان عسكري إسرائيلي على مدينة دير البلح خلال انتفاضة الأقصى، وفي عملية إجتياح واسعة، دمرت القوات الإسرائيلية عدداً من المقار والمنشآت المدنية والأمنية واعتقلت عدداً من المواطنين(12). وتعد هذه الممارسات إستمراراً للخطة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في كافة محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأكيداً عملياً لتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية ارئيل شارون، التي أدلى بها في مقابلة مع صحيفة معاريف في 6/9/2002، قال فيها بمنتهى الوضوح، "أن "أوسلو" و"طابا" و"كامب ديفيد" لم تعد قائمة، وأن إسرائيل لن تعود إلى هذه الإتفاقيات والتفاهمات، وهذا أول تعبير رسمي إسرائيلي يفسر الواقع الذي إستحدثته إسرائيل منذ إندلاع انتفاضة الأقصى. وفي الحقيقة، من الناحية الفعلية عملت السلطات الإسرائيلية على تدمير كل ماله علاقة بإتفاق "أوسلو" بدءاً بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومقراتها وأجهزتها ورموزها، وانتهاءاً باحتلال كل المناطق التي تخضع للسيادة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي أجزاء من قطاع غزة، بحيث أن الإتفاقات من ناحية عملية لم تعد قائمة ولم تعد الحكومة الإسرائيلية تحترم أياً من بنودها. وعادت القوات الإسرائيلية تمارس سياستها كقوات احتلال تتواجد بشكل دائم في كل المناطق الفلسطينية(13). وأصبح الوضع أكثر خطورة بعد العملية الإستشهادية التي نفذها أحد كوادر "حماس" في 19/9/2002، في أحد خطوط الحافلات الإسرائيلية وسط مدينة تل أبيب وقتل فيها 6 ركاب إسرائيليين وأصيب 66 آخرين(14)، حيث اجتمع المجلس الأمني الإسرائيلي في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب، بدعوة من رئيسه ارئيل شارون، وتناولت المناقشات مسائل امنية، وقرر المجتمعون بالإجماع عزل الرئيس ياسر عرفات في مقره العام برام الله، والمطالبة بتسليم فلسطينيين تلاحقهم إسرائيل لجأوا إلى المقر، وناقشوا احتمال إبعاد الرئيس عرفات من الأراضي الفلسطينية، لكن الحكومة الإسرائيلية استبعدت ذلك بعد أن أكد المسؤولون الأمنيون المشاركون في الإجتماع أن مثل هذا الإجراء سيعود بالضرر على إسرائيل(15)، علماً بأن الرد الإسرائيلي بعدوانها الجديد على مقر الرئاسة في رام الله كان قبل وقت قصير من التئام اجتماع المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر برئاسة شارون، لبحث ما يسمى بالرد الإسرائيلي على عملية تل أبيب. وقد شجبت القيادة الفلسطينية هذا العدوان، ودعت اللجنة الرباعية والقوى الدولية إلى العمل الفوري والعاجل على وقف العدوان الذي يستهدف مقر الرئاسة والرئيس ياسر عرفات والشعب الفلسطيني بأكمله في غزة والضفة، كما طالبت القيادة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالشروع الفوري في العمل الجاد بإرسال قوات دولية ومراقبين لحماية الوضع والشعب الفلسطيني وقيادته، والعمل سياسياً مع مختلف الأطراف للعودة إلى مسار السلام والمفاوضات " من أجل أطفالنا وأطفالهم (الإسرائيليين)، ومن أجل مستقبل مشرق للشعبين وللمنطقة كلها" (16). أجرت السلطة الوطنية الفلسطينية إتصالات مكثفة طوال الليل (19-20/9/2002) مع غالبية دول العالم من أجل التدخل الفوري لحماية حياة الرئيس عرفات، عقب مهاجمة قوات الإحتلال ما تبقى من مقر المقاطعة في رام الله، حيث يقيم الرئيس. ووصفت مصادر من داخل المقر الأوضاع داخل المقاطعة "بالخطيرة"، حيث قامت أعداد كبيرة من قوات الإحتلال الإسرائيلي معززة بالدبابات والمجنزرات والآليات العسكرية، الساعة السابعة والنصف من مساء يوم 19/9/2002، بمحاصرة مقر الرئاسة من كافة الإتجاهات واقتحمته وسط إطلاق كثيف للنيران الثقيلة والقذائف، ما أدى إلى تضرر المبنى وإصابة إثنين من حرس الرئيس الخاص، فيما وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى مهبط الطائرات في المقر وبدأت بهدم عدة مبان في المكان(17). وإزاء هذا الوضع الخطير الذي يواجهه الشعب الفلسطيني عامة، ومقر الرئاسة بصورة خاصة، وجهت القيادة الفلسطينية في 20/9/2002، نداءً إلى الدول العربية واللجنة الرباعية ومجلس الأمن الدولي، للتحرك الفوري لمواجهة العدوان الإسرائيلي على مقر القيادة الفلسطينية، وبخاصة أن الجيش الإسرائيلي قام بنسف وتدمير جميع المباني الملاصقة لمقر الرئيس، ومنع سيارات الإسعاف من نقل أحد عناصر حرس الرئاسة الفلسطيني، الذي استشهد صباح ذلك اليوم برصاص قناصة إسرائيليين(18). ونتيجة لخطورة الوضع حول وداخل مقر الرئاسة الفلسطيني في رام الله، عقد مجلس الأمن فجر يوم 21/9/2002، اجتماعاً طارئا بشأن الأزمة في الشرق الأوسط، بعد أن قصفت القوات الإسرائيلية المكاتب الخاصة للرئيس عرفات، وفي ختام جلسة قصيرة قرر المجلس العودة للإجتماع يوم الإثنين 23/9/2002، لمتابعة القضية(19). وبعد منتصف ليل 21/9/2002، ونتيجة لتزايد الخطر الإسرائيلي وتضييق الخناق على المقر الرئاسي في رام الله، خرج الآلاف من الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، تأييداً للرئيس ياسر عرفات، وفي رسالة واضحة لشارون وحكومته تبين فيها إلتفاف الجماهير حول قيادتها الفلسطينية(20). وقد أثمرت الهبة الجماهيرية، والإتصالات الدبلوماسية التي أجراها الرئيس ياسر عرفات، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي في 19/9/2002، مع الدول العربية والدولية وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على إسرائيل للتخفيف من وطأة الهجوم العسكري على المقاطعة، أوقفت إستخدام الطائرات الحربية والدبابات في العدوان على المقر. إلا أن الجرافات والبلدوزرات الإسرائيلية واصلت أعمال الهدم والتجريف على مدار الساعة، كما تسبب بتدمير مبان في محيط مكتب الرئيس، وهدم الجسر الواصل بين مكتب الرئيس وقاعة المؤتمرات، دون أن يكون من الواضح ما إذا كان هناك مخرج لهذه الأزمة، بعد تأكيد إسرائيل عزمها الإبقاء على عدوانها لحين تسليمها 20 فلسطينياً تقول أنهم موجودون في مقر الرئاسة، وهو ما رفضه الفلسطينيون بشكل قاطع. فبعد يومين من الإجتياح الإسرائيلي للمقاطعة في رام الله، لم يبق من هذا المعلم التاريخي الذي يعود عمره للإنتداب البريطاني، إلا بناية واحدة من ثلاثة طوابق هي ما بات يُعرف بمكتب الرئيس عرفات. ولعل ما يميز يوم 21/9/2002، الإتصالات الواسعة التي جرت على المستوى الدولي، التي قادها الرئيس عرفات مع المسؤولين العرب والأوروبيين، واتصالات أخرى مع مسؤولين إسرائيليين أجراها رئيس المجلس التشريعي "أحمد قريع"، مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين من بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون- كما قالت المصادر الإسرائيلية- وإتصال أجراه وزير الحكم المحلي د.صائب عريقات مع وزير الخارجية شمعون بيرس، إلا أنه بات واضحاً في أعقاب هذه الإتصالات أن الحكومة الإسرائيلية مصرَّة على أمرين إثنين: الأول: تسليم السلطة الفلسطينية لنحو 20 فلسطينياً على رأسهم توفيق الطيراوي مدير المخابرات العامة في الضفة الغربية، تقول أنهم مطلوبون لها كشرط للإنسحاب من المقاطعة، وهو الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون. والثاني: فهو حسب ما تقول مصادر إسرائيلية إجبار غير مباشر للرئيس عرفات على مغادرة المقاطعة بعد أن دمرت بالكامل(21). وقد أكد الأمر الثاني بالفعل نائب وزير الدفاع الإسرائيلي وايزمان شيري في 22/9/2002، عندما أعلن أن الهدف من العملية الإسرائيلية على مقر الرئيس عرفات هو دفعه إلى الرحيل. وهذه أول مرة يعلن فيها مسؤول إسرائيلي، أن الهدف من محاصرة المقاطعة هو رحيل الرئيس عرفات(22). وقد ظل العدوان الإسرائيلي مستمراً رغم المساعي الدولية والعربية لإنهاء الأزمة الخطيرة التي سببتها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، حيث استكملت قوات الإحتلال الإسرائيلي فجر يوم 23/9/2002، هدم ما تبقى من مبان في محيط مكتب الرئيس عرفات، وأكد المسؤولون الإسرائيليون تمسكهم بمطلبهم ضرورة تسليم الـ20 فلسطينياً التي تدعي وجودهم في المقر الرئاسي، وتدعي تورطهم في عمليات ضد أهداف إسرائيلية. إلا أن مستشار الرئيس نبيل أبو ردينة أكد رفض السلطة الفلسطينية تسليم أي فلسطيني، مشدداً على أن الإتفاقيات الموقعة هي الحكم بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في هذا الموضوع وعدة مواضيع أخرى(23). وبعد جملة من الوساطات الدولية، انتهى الإجتماع الفلسطيني-الإسرائيلي الأول في 23/9/2002، وهو الأول الذي يعقد منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على مقر الرئيس ياسر عرفات، دون تحقيق أية نتائج تذكر، وذلك بعد أن أصرّ الوفد الإسرائيلي على الحصول على قائمة كاملة بأسماء نحو 200 شخص يتواجدون في مقر الرئيس عرفات. وهو ما رفضه الفلسطينيون الذين طالبوا بتدخل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بعد فشل الإجتماع. وقد ضم الإجتماع الذي عقد في بيت إيل القريبة من رام الله، عن الجانب الفلسطيني د.صائب عريقات، وزير الحكم المحلي، ومحافظ رام الله مصطفى عيسى (أبو فراس)، فيما ترأسه عن الجانب الإسرائيلي رئيس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي عيبال جلعاد ومسؤول عسكري آخر. وقد سمح عقب الإجتماع للدكتور عريقات بالتوجه إلى مقر الرئيس عرفات، المحاصر لإطلاعه على الإجتماع، ليكون بذلك المسؤول الفلسطيني الأول الذي يدخل المقر بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، حيث وصف الوضع هناك بأنه "كارثي"(24). وكما هو واضح، لم يشمل العدوان الإسرائيلي الضفة الغربية فقط، بل إتسع ليشمل مدينة غزة أيضاً، حيث ارتكبت في 24/9/2002، مجزرة جديدة في حي الشجاعية والزيتون بالمدينة، إستشهد خلالها 9 مواطنين وأصيب نحو 25 آخرين، في عملية إجتياح واسعة شاركت فيها عشرات الدبابات والجرافات العسكرية تساندها جواً طائرات الأباتشي(25). وبسبب الإستخدام المفرط للقوة من قبل الجيش الإسرائيلي، بأوامر من رئيس الحكومة الإسرائيلية ارئيل شارون، وتردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1435، في 24/9/2002، الذي يدعو الجيش الإسرائيلي إلى الإنسحاب من المدن الفلسطينية التي أعيد احتلال غالبيتها منذ حزيران 2002، ويطلب من إسرائيل رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني فوراً. ورحب الرئيس ياسر عرفات بهذا القرار وقال "إن السلطة الوطنية تلتزم بهذا القرار بكل عناصره وتدعو المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بتنفيذ الإنسحاب وإنهاء الحصار. كما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش، في نفس ذلك اليوم، أن حصار المقر العام للرئيس ياسر عرفات في رام الله، لا يساعد في عملية البحث عن السلام في الشرق الأوسط. وقد رحبت السلطة الفلسطينية بهذه التصريحات واعتبرتها منسجمة مع قرار مجلس الأمن الدولي الأخير لمطالبها(26). رغم إعلان الرئيس ياسر عرفات، في 28/9/2002، ومن جانب واحد لتهدئة الأوضاع في المنطقة، حيث دعا المجموعات المسلحة الفلسطينية إلى "الإلتزام بوقف النار بشكل تام، ودعا إسرائيل إلى القيام بالمثل. إلا أن المتحدث بإسم رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي كان يزور موسكو في ذلك الوقت، وفي إطار عدم الإستجابة لأي نداء نحو السلام، أعلن أن إسرائيل لا تأخذ على محمل الجد النداء الذي وجهه رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لإقرار وقف إطلاق نار تام(27). وثمرة للجهود والضغوط الدولية عامة والأمريكية خاصة، وبعد أن بعث الرئيس الأمريكي جورج بوش، برسالة شديدة اللهجة نقلها السفير الأمريكي في إسرائيل دان كيرتسر في 29/9/2002، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية ارئيل شارون، طالبه فيها بسحب قواته فوراً من المقاطعة، وأن العمليات التي قامت بها إسرائيل مؤخراً في رام الله لن تقود إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط(28)، قررت الحكومة الإسرائيلية في اجتماع مصغر، في نفس اليوم، ترأسه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون، وبمشاركة وزير الدفاع بنيامين بن إليعازر، ووزير الخارجية شمعون بيرس، ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي موشيه يعالون، ومسؤولين أمنيين آخرين، الإنسحاب من داخل المقاطعة مع إبقاء قوات الإحتلال الإسرائيلي في محيط المقاطعة، وذلك بسبب "منع المطلوبين" الموجودين في داخل المقاطعة من الفرار. وذكرت مصادر فلسطينية وإسرائيلية، أن قوات الإحتلال الإسرائيلي بدأت ظهر يوم 29/9/2002، بموجب القرار الذي تم إعتماده في جلسة الحكومة الإسرائيلية بإزالة الأسلاك الشائكة التي أقامتها بإرتفاع 6 أمتار في محيط المبنى الذي يقيم فيه الرئيس عرفات، تمهيداً لسحب القوات والدبابات والآليات العسكرية من داخل المقاطعة مساء ذلك اليوم. إلا أن نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس عرفات، أكد أن هذا القرار ينطوي على خداع وتضليل. وقال، ليس مطلوباً سحب قواتهم بضعة أمتار، وإنما الإنسحاب الكامل، كما جاء في قرار مجلس الأمن، وبالتالي فإنه مطلوب من مجلس الأمن الدولي أن يعمل على تطبيق قراره بالكامل(29). وبعد عشرة أيام على الحصار المشدد الذي فرضته عليه الدبابات الإسرائيلية، خرج الزعيم الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات، من مقره في رام الله في 29/9/2002، محمولا على أكتاف من كانوا محاصرين معه وسط أنقاض مباني المقاطعة التي لم يبق منها سوى بناء واحد صالح للسكن. وفي أول رد فعل على الإنسحاب الإسرائيلي قال الرئيس عرفات، أن إسرائيل لم تطبق قرار مجلس الأمن رقم 1435، متهماً الدولة العبرية بالتلاعب بالرأي العام الدولي. وقد أكد الرئيس ياسر عرفات، على ضوء الخروج الجزئي لقوات الإحتلال من مقر المقاطعة في رام الله على ما يلي: 1- ضرورة تقيد إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1435 بكامله، بما يشمل الإنسحاب الكامل غير المشروط من المقاطعة ورام الله، والعودة إلى الخطوط والمناطق التي كان عليها الإحتلال في 28 أيلول 2002. 2- الإلتزام بما أعلنه دائما في الماضي، بضرورة وقف النار بشكل تام، وأن تقوم حكومة إسرائيل بالإلتزام المماثل في المقابل. 3- ضرورة وجود اللجنة الرباعية للإشراف على تنفيذ جميع عناصر قرار مجلس الأمن، واستعدادنا دائما للقاء والتعاون الكامل معها. 4- التوجه نحو المفاوضات السياسية من أجل تنفيذ القرارات الشرعية الدولية وتوجهات اللجنة الرباعية ورؤية الرئيس بوش وقرارات القمة العربية في بيروت(30). وعقب إنهاء الحصار والإنسحاب الجزئي عن المقاطعة في رام الله أجمعت الصحف الإسرائيلية في 30/9/2002، على أن الحصار الإسرائيلي إنتهى بنكسة حقيقية وبشكل مخجل. كما إعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر في أول تصريح علني له في 1/10/2002، أن إسرائيل رفعت الحصار عن الرئيس ياسر عرفات في مقره في رام الله تحت ضغط الولايات المتحدة(31). واستمرارا للغة التهديد الإسرائيلي للفلسطينيين في كافة المحافظات الفلسطينية، اعتبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال موشيه يعلون في صحيفة (هآرتس) في 5/10/2002، أن الطريق لاتزال طويلة في قطاع غزة من أجل التصدي لما سماه "الإرهاب". كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون في 8/10/2002، غداة الهجوم الإسرائيلي على مدينة خانيونس، الذي أوقع 14 شهيدا فلسطينياً، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ستتواصل. هذه التصريحات من المسؤولين الإسرائيليين، وممارسات قوات الجيش الإسرائيلي ما هي إلا "إعلان حرب"، وعدوان على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وتحدٍ سافر لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية. وأن ما يتفاخر به شارون بإرتكاب جرائم حرب واعتبارها إنتصارات لجيشه، يؤكد أن لدى شارون مخططا واضحاً لإعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل، وما تلك الجرائم والإجتياحات إلا البداية وليست النهاية. المراجع: (1) مجلة مركز التخطيط الفلسطيني.العدد، 5،6/2002. (2) صحيفة الأيام، 3/7/2002. (3) صحيفة القدس، 5/7/2002. (4) صحيفة الأيام، 24/7/2002. (5) صحيفة الأيام، 24/7/2002. (6) صحيفة الأيام، 3/8/2002. (7) صحيفة الأيام، 4/8/2002. (8) صحيفة الأيام، 8/8/2002. (9) صحيفة الأيام، 22/8/2002. (10) صحيفة الأيام، 29/8/2002. (11) صحيفة الأيام، 30/8/2002. (12) صحيفة الأيام، 8/9/2002. (13) صحيفة الأيام، 9/9/2002. (14) صحيفة الأيام، 20/9/2002. (15) صحيفة الأيام، 20/9/2002. (16) صحيفة الأيام، 20/9/2002. (17) صحيفة الأيام، 20/9/2002. (18) صحيفة الأيام، 21/9/2002. (19) صحيفة الأيام، 21/9/2002. (20) صحيفة الأيام، 22/9/2002. (21) صحيفة الأيام، 22/9/2002. (22) صحيفة الأيام، 23/9/2002. (23) صحيفة الأيام، 23/9/2002. (24) صحيفة الأيام، 24/9/2002. (25) صحيفة الأيام، 25/9/2002. (26) صحيفة الأيام، 26/9/2002. (27) صحيفة الأيام، 29/9/2002. (28) صحيفة الأيام، 30/9/2002. (29) صحيفة الأيام، 30/9/2002. (30) صحيفة الأيام، 30/9/2002. (31) صحيفة الأيام، 2/10/2002. |
|