ذاتية وكفاحسليم المبيض رمز رابع من رموز انتفاضة الأقصى، لكنه الرمز الأشد إيلاماً، وأعنف خنقاً على أوسع مساحة سكنية. فرضته الجغرافيا السياسية الصهيونية التي تنفرد بعنوة الجشع في التهام الأرض بقوة السلاح، متكئة ومنتقية لجغرافية الإستيطان بل الإستخراب التدميرية الدموية فاصطنعت عنوةً، ما أطلق عليها مستخربة "نفيه دكاليم" عام 1983 إلى الغرب من مدينة خان يونس، وبالتحديد ملاصقة للحدود الغربية لمعسكر خان يونس للاجئين، أي في موضع استفزازي يزاحمون فيه ويلاحقون من اخرجوهم من ديارهم. أخذت هذه المستخربة في النمو في عام 1995، حيث تم إنشاء موقع عسكري محصن يقطع الطريق الواصل بين مدينة خان يونس وبحرها ويعيق الإتصال بحجة الأمن، حتى جاءت إنتفاضة الأقصى، ليصبح موقعاً عسكرياً مدججاً بكل أنواع السلاح، ينفث الموت على من حوله ويصبح حاجزاً يطلق عليه ولأول مرة سكان المنطقة "حاجز التفاح" رمزاً رابعاً من رموز التضحية. خان يونس النواة والوظيفة: فإذا بدأنا الذاتية لمدينة خان يونس مدينة حاجز التفاح من مولدها، متتبعين حركة تكوينها العربية الفلسطينية ونموها، وما حولها، نجد أن "الجذر" والنواة النووية للمدينة هو "خان" تجاري على هيئة قلعة عسكرية يقطنها "آغا" كقائد يتولى أمرها، تحرسه قوة من جنده. أضغمت هذه الألقاب جميعا فأصبحت مدينة "خان يونس" كأكبر قرية ومدينة فيما بعد، تقع جنوب السهل الساحلي الفلسطيني في موضع سهلي مُنبسط يرتفع نحو خمسين مترا فوق سطح البحر، أما من هو يونس؟ فإنه الكاتب والسكرتير للسلطان الملك "برقوق" الذي تسلم مقاليد الحكم في العصر المملوكي عام 784 هـ 1382 م، وقد تميز عصره بإزدهار التجارة لإبطاله المكوس وإنخفاض أسعار السلع والمواد التي تستورد من خارج البلاد، مما جذب معه العديد من التجار الأجانب للإتجار مع مصر ومنطقة بلاد الشام.(1) وكان لابد لهذا الإزدهار من أمن واستقرار يحميه، ونتيجة لذلك كان لابد من إقامة حامية تحمي طريق القوافل التجارية القادمة من غزة ومتجهة لمصر، خاصة في منطقة واقعة على حافة صحراء سيناء بين غزة ورفح. فكان ما أمر به السلطان "برقوق" لكاتبه "يونس النوروزي" ببناء "خان" يفي بالغرض التجاري والأمني بحيث تحرسه أربعة قلاع، وذلك عام 789 هـ الموافق لعام 1387 ميلادية(2).فكان هذا الخان في تقييمه المعماري عبارة عن "منامة" للتجار وبورصة لهم مزوداً بقلاع أربعة للحراسة ومسجداً. حتى أصبح سكانها يطلق عليهم "قلاعية" وعليه أصبح "خان يونس" مُجمَّعاً وظائفيا جاذباً لما حوله من القرى التي سبقته في التكوين، والواقعة إلى الشرق منه" خزاعة وعبسان وبني سهيلا" ليندفع ابناؤها طلبا للرزق نحوها، ويتحلقون الخان في نمو وتكاثر فيتحول الخان لبؤرة قرية ومن ثم مدينة، وامتهنوا جميعا خدمة التجار والمسافرين بما يطلق عليه اليوم "صناعة الفندقة". إذاً أضحت "خان يونس" في العرف الإستراتيجي حربية النشأة تجارية الوظيفية، تتبادل هذه الوظائف في السلم "تجارية" وفي الحرب ساحة وميدان وموقع متقدم لمدينة غزة. وهي الوظيفة التي تجذرت في الوجدان العربي الفلسطيني لأهل المنطقة حتى غدت مثلا شعبيا يتردد على الْسِنة المواطنين بقولهم "غزة تجارية وخان يونس حربية" منذ ستمائة عام تاريخياً. كما أن موقعها الجغرافي في جنوب السهل الساحلي الفلسطيني جنوب غزة وشمال رفح وعلى يمينها شرقا عاصمة النقب "بئر السبع"، أهّل سوقها لكي يكون مجمعاً لأبناء الحضر في الساحل والبادية شرقا وجنوبا لصحراء النقب، فأطلقوا على سوقها "سوق البرين". هكذا إزدهرت بسكانها طيلة الحقبة المملوكية "حقبة النشأة الميلادية" لتأخذ في نهاية العصر في الإنزواء كحال معظم مدن الشام، بل ومصر بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، والعالم الجديد في نهاية القرن الخامس عشر، فدبّ معه الوهن في الدولة المملوكية ليغري العثمانيين للزحف نحو مصر والإستيلاء عليها بعد معركة مرج دابق 1516. خان يونس في الحقبة العثمانية: "سرايا القافلة": بعد هزيمة المماليك في "مرج دابق" اتجهوا جنوبا وبسرعة فائقة نحو مصر ليلتقوا بالجيش المملوكي يقوده جان بردي الغزالي عند خان يونس يوم 11/12/1516. كانت المعركة الحاسمة التي تمثل خط الدفاع الأمامي لمصر-أي خط العمق- إلا أن الهزيمة كانت من نصيب الجيش المملوكي، والذي قيل بأن مساعدة البدو بقيادة شيخهم "إبن البريق" كانت عاملاً مساعداً لنصر العثمانيين(3). وقد بدت "خان يونس" على أول خريطة عثمانية قام برسمها "بيري ريسن" عام 1521م بإسم "كاربان ساري"caravan Seyrai "أي سرايا القافلة"(4). وكانت تبدو وقد أصابها الضمور الحاد إن لم يكن الخراب، فأبتعد سكانها شرقاً، حتى إذا ما اشرف القرن السادس عشر على الإنتهاء، أصبحت المنطقة الممتدة من غزة حتى قطيَّا، ما عدا العريش منطقة صحراوية شبه خالية من السكان، مما سهل على أشرار البدو مضايقة المسافرين لدى مرورهم عبر هذا الطريق وخاصة قرب أنقاض "خان يونس"(5).مما دفع السلطان العثماني بإصدار أوامره لحاكم غزة لإعادة تحصين وترميم الخان ليكون قلعة حصينة. وكذلك تزويده بالجند من قبل الوالي "علي باشا" حاكم ولاية مصر حيث وضع فيها مائة خيال(6). أدى هذا الضمور إلى طغيان إسم "السلقا" على إسم "خان يونس"، فجاء في الوثائق العثمانية بأن عدد سكانها 63 أسرة، فيما بلغ عدد سكان قرية "سوق مازن" الىالشرق منها 19 أسرة، ومنطقة "السطر إلى الشمال منها 45 أسرة، وعبسان 28 أسرة، وذلك في عام 1559م(7). وبقي حال خان يونس، على حاله الذي لا يعدو مركزا للجنود والآغا، توفر الأمن للقوافل والمسافرين نحو مصر طيلة القرن السابع عشر الميلادي، تتناثر حولها القرى السابقة الذكر. ولا أدل على ذلك ما جاء على لسان الرحالة عبد الغني النابلسي، الذي وصلها في (صيف سنة 1110هـ)، فوصفها قائلاً "دخلنا أول منزل من حكم منازل المتجه لمصر المحروسة وهو القلعة الصغيرة المسماة بخان يونس"(8). ويبدو أن الوظيفة العسكرية لخان يونس كقلعة، قد هيمنت على مركزه ونشاطه "كخان" ونُزل للمسافرين، كما أفصح بذلك أحد المسافرين ويدعى "محمد كبريت" في قصيدة له جاء في مطلعها(9): من غزة سرنا لخان يونس وهو بواد للنزيل مونس وليس فيه يا أخي خان بل قلعة يزهو بها البنيان. خان يونس ونابليون بونابرت: بعد استيلاء نابليون بونابرت على مصر، اتجه نحو فلسطين ووصل خان يونس في يوم 19/رمضان 1799، وكان راكبا جواده في مؤخرة جيشه الذي إتجه لطريق مخالف لخط سير جنوده، مما قاده لمنطقة وجد فيها نفسه وحراسه بين حشد من سكان خان يونس فجأة والذين فزعوا عند مشاهدتهم له، وفرًّ هو بالتالي منهم خوفا من إلقاء القبض عليه وهو شبه وحيد، حتى التحق بجنده صباح اليوم التالي، وهنا يثور سؤال فيما لو عرف أبناء خان يونس نابليون وألقوا القبض عليه ربما تغيرت أشياء كثيرة في مجرى التاريخ(10). كما هو معلوم، عاد نابليون مهزوماً في فلسطين، فطاردت فلول جنوده، القبائل العربية القاطنة حول خان يونس من قبائل الترابين والتياها وعرب أبن البرانق والذين بلغ تعداد فرسانهم وفق ما جاء في إحصاء الحملة الفرنسية نفسها ما بين 2000-3000 فارس، في حين بلغ عدد فرسان قبيلة الوحيدات وحدها ثلاثة آلاف فارس(11). تمرد آغاوات خان يونس: هذا الموقع الحساس لقلعة خان يونس وقراها وما حولها من قبائل لها فرسانها المتمرسين على الكر والفر ضد السلطة، أو معها إذا ما أوفت بعطاياها لهم، ممثلة في سلطة آغا القلعة، وكثيراً ما خلقت وضعاً دفعت معه "أغا" القلعة للتمرد والعصيان وترك القلعة، كما حدث في أوائل القرن التاسع عشر، مما دفع السلطة العثمانية لإعدام أثنين منهم كان آخرهم عبد الرحمن آغا وتعيين عثمان آغا عبد الله، كما ورد في كتاب التعيين الذي حدد واجباته ]حفظ الطرقات من العربان وخلافهم من وادي غزة إلى الشيخ زويد… وصد كل من عارضك أن تضربه بالرصاص وتهدر دمه، وإن ظهر منك غير ذلك يحل بك الندم….[(12). وهكذا ترسخت في الذهنية العربية الفلسطينية الوظيفية "الحربية" لخان يونس، والتي أضحت بتعبير أدق "قلعة" فسجلت مثلا شعبيا وقولاً سائراً على ألسنتهم، بأن "خان يونس حربية" مقارنة بوظائف المدن في شمالها وجنوبها كغزة ورفح. خان يونس وحملة إبراهيم باشا 1831-1840: إستولت جيوش إبراهيم باشا، على خان يونس عام 1831، متجهة نحو الشمال في حملة دكت فيها حصون تركيا نفسها، وعندما تحالفت الدول الأوروبية جميعاً للقضاء على هذه القوة الوليدة، رغم صراعها مع تركيا التي لقبوها بالرجل المريض، أصرت على إنسحاب قوات إبراهيم باشا من جميع الأراضي التي استولت عليها، فإنسحبت مخلفة وراءها مئات، بل آلاف الجنود والأسر التي آثرت البقاء في مدن وقرى فلسطين ومنها خان يونس، وبخاصة لو علمنا بأن التنقل الأُسري بين خان يونس والأراضي المصرية لم يكن محظوراً، وبالذات في هذه المناطق الجنوبية من فلسطين، التي كانت تحت نفوذ "آغا" خان يونس، والممتدة كما سبق ذكره، من وادي غزة إلى الشيخ زويد (13). كذلك كانت بعض العائلات من قرى شرق خان يونس (بني سهيلا-عبسان)، النواة الديمغرافية الأولى لسكان قرية الشيخ زويد في ثمانينات القرن التاسع عشر(14). إلا أن الوهن العثماني في شتى مجالات الحياة، خاصة الإقتصادية منها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين حوّل "خان يونس" إلى قرية صغيرة منكمشة على نفسها. خان يونس وجورة اللوت "في الحرب العالمية الأولى: بعد إنتهاء المعركة الضارية في رفح 10/1/1917، قام جنود الحلفاء بأسر جميع سكان رفح، ومعهم بعض سكان خان يونس ممن يسكنون أطرافها، وجعلوا منهم درعاً بشرياً أمامهم ووضعوهم جميعا في "جورة اللوت"، واحاطوهم بأسلاك شائكة(15). وبقوا جميعا على هذا الحال حتى أكملوا الإستيلاء على خان يونس في أوائل مارس 1917. مصطحبين معهم خط سكة حديد يربط مصر بفلسطين، مخترقا صحراء سيناء لأول مرّة في تاريخ المنطقة، محدثاً طفرة نوعية فائقة في عصر المواصلات، مختزلاً المسافة بين المدن الفلسطينية ومصر في يوم واحد بدلاً من سبعة أيام، مما يسر معه العديد من مجالات الحياة الإقتصادية والعلمية والإجتماعية، لكن الصبغة العسكرية بقيت مسيطرة عليه إلى حين، حتى أطلقوا عليه "القطار الحربي". خان يونس مدينة ولها مجلس بلدي أيام الإنتداب البريطاني: في أول تعداد1922، قامت به بريطانيا المنتدبة، بلغ عدد سكان خان يونس 3890 نسمة، وبالتالي إرتقت مدنياً لتصبح "مدينة" ولها مجلس بلدي وانتخب رئيس بلدية لها في عام 1928، وأصبحت بحكم موقعها المتطوح جنوبا تعيش في هدوء محاولة السير في طريق النماء على كافة الصُعد الحياتية. وأصبحت في الوقت نفسه محل إستقطاب للعديد من أبناء القرى الشرقية ومن مدينة غزة، حتى بلغ تعداد سكانها في الإحصاء الثاني لسكان فلسطين عام 1931 نحو 7248 نسمة، إرتفع حتى وصل عام 1946 إلى 12350 نسمة(16)، يعتمدون في حياتهم جميعاً على الزراعة. إلا أن حياتهم السياسية وكباقي مدن فلسطين سادها عدم الإستقرار طيلة الحقبة الإنتدابية البريطانية، التي سهلت الهجرة الصهيونية مع ما لازمها من قيام "المستخربات" وما ساد من إضطرابات ومقاومة للعدو المزدوج بريطانيا والصهيونية، إنتهت بدخول الجيوش العربية في 15/مايو/1948 لفلسطين، حيث إتخذ الجيش المصري من "خان يونس" قاعدة للتوجه شرقاً نحو بئر السبع ومساعدة أبنائها لهم لتنتهي إلى ما إنتهت إليه من نزوح مئات الألوف من أبناء القرى والمدن الفلسطينية. معسكر خان يونس وخط الهدنة أيام نكبة فلسطين 1948: إنتهت حرب فلسطين عام 1948، بظاهرة "اللاجئين" كظاهرة ديمغرافية أليمة، حيث إتجه الآلاف منهم نحو مدينة غزة وخان يونس ورفح، وكان نصيب مدينة خان يونس، إقامة معسكر لنحو 11 ألف لاجئ إلى الغرب منها، على مساحة من الكثبان الرملية، وليصبح موقعها في مكان متوسط بين المدينة شرقاً والبحر المتوسط غرباً، وليبدأ معه التوجه غربا للصيد البحري واستغلال الكثبان الرملية الشاطئية للزراعة، فيما أطلق عليه "المواصي" نظراً لمضاعفة عدد السكان بشكل طفري، وبخاصة لو علمنا بأن عدد سكان "خان يونس" المواطنين لم يتجاوز خمسة عشر ألفاً(17)، والظاهرة الجيوسياسية الخطيرة الثانية، هي ما أفرزته إتفاقية رودس في فبراير 1949 من خلق ما أطلق عليه "خط وقف إطلاق النار" أو "خط الهدنة" الذي تم ترسيمه شرقاً، ليفصل ولأول مرة في تاريخ المنطقة بين المدن الفلسطينية الجنوبية وظهيرها الزراعي ومصدر عيشها، حيث إقترب هذا الخط من مدينة غزة وقراها الشمالية (5-7 كيلومترات)، بينما إتسع عند خان يونس لنحو 12 كيلومتر بينه وبين البحر تتوسط مدينة خان يونس هذه المسافة. هكذا وبعد ترسيم "خط الهدنة" أصبح يطلق على هذه المساحة من الجزء الجنوبي الغربي للسهل الساحلي "قطاع غزة"، قطاعاً مقطوعاً عنوة من مصادر رزقه، مضافاً إليه ثلاثة أضعاف عدد سكانه، ليخلق واقعاً ديمغرافيا بكثافة سكانيه لا تطاق، ولتصبح معه خان يونس بقراها الشرقية ومعسكرها الغربي، ثاني مدن القطاع كثافة وعدداً للسكان، يتربص بهم عدو قابع شرقا داخل "مستخربات" محصنة تنغص عليهم حياتهم. خان يونس والمجازر الرهيبة "1949-1956": أصبحت خان يونس، بسكانها وقراها ومعسكرها، تعيش حياة ضنكاً بعد عام 1949، مصادر الرزق فيها شحيحة والزراعة التي هي المصدر الوحيد كثيراً ما يهاجمها الجدب، مما إضطر بعض السكان للتسلل نحو أراضيهم المغتصبة والمحاذية مباشرة لخط الهدنة لجلب ما يقيم أود أسرهم، فأتخذ الصهاينة ذلك ذريعة، وكأنها إعتداء عسكري مسلح، قاموا على إثرها بمهاجمة القرى الشرقية ومنها قرية عبسان الكبيرة يوم 17/أكتوبر 1949، حيث أسرت مدنيا وقتلت آخر، كذلك لم تنجو قرية خزاعة من عدوانهم يوم 13/فبراير 1950 عندما إقتحمتها دورية وسرقت "طلمبة" مياه وعطلت موتور بئر! مصدر حياة هذه القرية(18). وبعد خمسة أيام من الهجوم وبالتحديد يوم 18/2/1950، اعتدت ثانيةً على القرية وقتلت خمسة من أبنائها بدم بارد. وفي يوم 16/3/1950، واصلت القوات الصهيونية أعمالها البربرية، مُهاجمة قرية عبسان الكبيرة ثانيةً، واختطفت فتاتين، ولم يُعرف عنهما شئ إلا بعد أحد عشر يوماً عندما شوهدت جثتاهما داخل خط الهدنة في حالة تعفن!!(19). وفي أبريل 1950، صوّب اليهود مدافع الهاون نحو قرية عبسان الصغيرة، فقتلوا فتاة في العاشرة من عمرها وأصيبت بعض المنازل بأضرار(20). وهكذا أستمر العدوان الصهيوني بوحشية ضد الآمنين، حتى طال مدينة "خان يونس" نفسها بحجة أنها تؤوي الفدائيين وقيادتهم، فجردوا لها هجوماً بالدبابات وإجتازوا خط الهدنة بعمق ستة كيلومترات للوصول لمركز شرطتها بالمدينة ليلة 30/5/1955، تصدت لهم قوات من الحرس الوطني الفلسطيني، إستشهد على إثرها عشرون شرطياً وجرح قرابة العشرين. ثم أعادوا الكرة مرة ثانية بهجوم أكثر عنفاً مساء يوم 31/8/1955، إكتسحوا فيه القرى الشرقية واشتبكوا مع بعض أفراد الحرس الوطني الفلسطيني عند قرية بني سهيلا بوابة خان يونس من جهة الشرق، ليواصلوا هجومهم نحو مدينة خانيونس، ويحاصروا مركز شرطتها ونسفوه بمن فيه بعد مقاومة من أفراد الشرطة الفلسطينية/ أستشهد على أثرها 27 شرطياً وأصيب ثمان وخمسون بجراح في معركة غير متكافئة(21). مذبحة 1956: وفي يوم 2/نوفمبر عام 1956، هاجمت القوات الصهيونية كذيل لعدوان بريطانيا وفرنسا على مصر وقطاع غزة واستولت عليه، فقاومتها مدينة خان يونس مقاومة عنيفة من شارع لشارع حتى دخلتها، فأمعنوا في شبابها قتلاً داخل منازلهم، وأمام آبائهم وأبنائهم، بل لم ينجُ أحياناً من القتل جميع أفراد الأسرة، كما أخرجوا البعض من منازلهم وقاموا بقتلهم بشكل جماعي في مجزرة لم يحدث مثلها في فلسطين منذ عام 1948، أي أنها فاقت مجزرة دير ياسين وكفر قاسم، وراح ضحيتها 502 قتيلاً(22)، دفنوا في مقبرة جماعية وسط وأطراف مدينة خان يونس، الأمر الذي يتطلب الآن إعتبارها "كجريمة حرب" والدعوة لتشكيل لجنة دولية للتحقيق فيها. وبعد أربعة شهور من الإحتلال إنسحبت القوات الصهيونية في 7/3/1957، لتحل محلها قوات الطوارئ الدولية "U.N.E.F" متمركزة على طول إمتداد خط الهدنة لحماية سكان القطاع. وبالرغم من وجود قوات الأمم المتحدة، فقد بلغ عدد الإعتداءات الإسرائيلية على القطاع قاطبة منذ إنسحابهم وحتى يوم 14/2/1965 خمسمائة وسبعة وخمسون عدواناً(23). أي أن خان يونس والقطاع لم يهدأ ولو لشهرٍ واحد من عدوان إسرائيل طيلة العشر سنوات التي أقامها "البوليس الدولي" تحت راية الأمم المتحدة، بل لم ينج الكثير من ضباطهم وجنودهم من الإذلال والقتل عند إجتياح القوات الصهيونية للقطاع يوم 5/6/1967!!. تلك هي إسرائيل!، والتي نطالب اليوم بحماية دولية من عدوانها!! خان يونس تقاوم الغزو الصهيوني عام 1967: في صبيحة يوم 5/6/1967، قررت القيادة الإسرائيلية، إختراق الجبهة العسكرية وحشودات الجيش الفلسطيني-المصري في قطاع غزة عند أكبر وأضخم تجمع لها في مدينة خان يونس، متخذة من موقع خان يونس بين القيادتين الرئيسية في غزة والعريش هدفاً لقواتها التي إندفعت في إتجاهها لتقطع الإتصال بينهما. فما كادت الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية بقيادة "شموئيل" أن تصل لقرية "بني سهيلا" حتى لاقت مقاومة عنيفة من قبل القوات العربية، دمرت على إثرها دبابة الإتصال التي إلتهمتها النيران. ويصف هذه المقاومة "شبتاي طيفت"، في كتابه "دبابات تموز" بقوله ]"كلما كانت الدبابات تزداد إقتراباً، من بني سهيلا، كانت تشتد المقاومة، حيث توالت إصابات الدبابات والعربات نصف المجنزرة"[، كما وصف المقاومة الباسلة في مدينة "خان يونس" نفسها، ]وفي بلدة خان يونس إزدادت المقاومة بشدة، وشارع قائد المدرعة "شموئيل" بطلب النجدة والمساعدة من القائد "تال" فقد بلغ عدد الدبابات المدمرة ستة من الكتيبة الأمامية بواسطة القناصة العرب الذين إستخدموا مدافع البازوكا والرشاشات الثقيلة[(24)، وقد استمرت المقاومة من شارع لشارع داخل البلدة لمدة أربعة أيام(25). خان يونس هدف لإقامة أكبر تجمع إستيطاني في القطاع: كان شارون، قائداً عسكرياً للمنطقة الجنوبية ومن ضمنها قطاع غزة في بداية السبعينات من القرن الماضي، قام خلالها بأوسع عملية تدمير للمنازل في معسكرات القطاع بحجة الأمن الممجوجة وتهجير أكبر عدد من سكانها، متعمداً إسكانهم في مدينتي رفح المصرية والعريش، وكأنه بذلك يريد إعادة "مشروع التوطين" الأمريكي في الخمسينات الأولى من القرن الماضي، والذي رفضه الشعب الفلسطيني وأسقطه بمظاهرات صاخبة أعلن فيها وبصوت عالٍ، "يسقط مشروع التوطين". وعليه بدأت المقاومة في خان يونس، ففي يوم 23/7/1971، ألقيت قنبلة يدوية على مجموعة من اليهود، وبدأ شارون في تدمير المعسكرات وتشتيت أهلها، حيث ذكرت الإذاعة الإسرائيلية يوم 30/8/1971، أن 13.366 من سكان المخيمات في القطاع قد أُبعدوا عن مخيماتهم(26). واستمرت المقاومة الفلسطينية حتى بلغ عدد الشهداء في عام 1970 مائتان وتسعة عشر شهيدا، ونحو ألف جريح، وقد بلغ عدد المسجونين ثلاثة آلاف سجين، منهم 1500 تمت محاكمتهم عسكرياً، بينهم 65 إمرأة، وقد حكم مائتان منهم بالسجن المؤبد منهم خمس نساء(27). وبعدها كان لشارون، فكرة تقطيع أوصال القطاع بإقامة "المستخربات" في مفاصل المواصلات، والأماكن الإستراتيجية الهامة. فكان الهدف "خان يونس"، لموقعها الوسيط وموضعها المتسع. فأقيمت مستخربة "غوش قطيف"(*) شمال خان يونس عام 1973 على مساحة تقدر بنحو 1500 دونماً، وكذلك "مستخربة نيتسر حزاني" في نفس الموقع وفي نفس السنة على مساحة تقدر بنحو 2000 دونم. وفي عام 1977 إزدادت شراسة الإستخراب الصهيوني، فأقاموا مستخربة "جاني طال" على مساحة تقدر بنحو 1200 دونم، بالقرب من السابقتين وفي نفس الموقع الشمالي لخان يونس. وذلك لمحاولة فصلها تماما عن مدينة غزة والقرى والمحافظات في الشمال. ولكي يحكموا عملية العزل لهذه المدينة الهامة "خان يونس"، بدأوا في إنشاء المستخربات للجنوب منها، فأقاموا مستخربة "جان أور" عام 1980 على مساحة مغتصبة قدرها ألف دونم، تلاها وفي نفس منطقة الجنوب مستخربة أخرى أطلقوا عليها إسم "جديد" على مساحة 1200 دونم. وجميع المستخربات سابقة الذكر أقيمت تحت عنوان "زراعي" إمتصت أكبر مخزون مائي جوفي تحت الكثبان الرملية الشاطئية لمدينة "خان يونس"، لتعيد ضخها بأسلوب هدمي لسكان وقرى خان يونس وتأخذ ثمنها على يد شركة عبرية تطلق على نفسها إسم "مكروت"، بل هي في الحقيقة "المكر" بعينه وبأقبح صور النهب. هكذا حوصرت مدينة "خان يونس" من الشمال والجنوب بمجموعة المستخربات السابقة، وبقيت لها مساحة محدودة تصلها بمنطقة "المواصي" الشاطئية والبحر نفسه،حيث يتجه معظم السكان لزراعتها والصيد في البحر، أي أشبه بممر أو دهليز ضيق محاصر من الشمال والجنوب ينتقل الناس من خلاله نحو المدينة ومعسكرها إلى المواصي والبحر. هذا الممر لم ينج من خبث اليهود وأطماعهم، ولكي يحكموا خنق المدينة ومعسكرها والبالغ عددهم جميعاً ما يزيد قليلاً على 158 ألف نسمة(28)، عن أهم مصدر لرزقهم براً وبحراً، قاموا بإغتصاب ستمائة دونم عام 1983، على أصعب موضع عند عنق المدينة الغربي، وهو ملاصق تماما للحد الغربي لمعسكر خان يونس الواقع غرب المدينة، ليقيموا عليه "مستخربة" أشبه بمدينة! جعلوها مركزا لمجلس مستخربات قطاع غزة قاطبة، أسموها "نفيه دكاليم". وقد كشف رئيس المجلس الإقليمي لمجمع الإستخراب الكبير هذا والمدعو "رؤوبين دوزنبليط" عن أهداف هذا الإغتصاب بقوله ]يشكل هذا الإستيطان حاجزاً أمنياً بين غزة العربية ومصر العربية، وأن يحفظ القطاع هادئاً، ويمنع إنشاء كيان غريب في هذا الجزء من البلد[. وأردف قائلاً، [بأنه يناسب المتشددين بالعمل على ضم القطاع لإسرائيل عندما تتيح الظروف لذلك](29). هذا على الرغم من إعتراف معظم علماء الآثار اليهود، وكما جاء على لسان "داني تسدكوني" في جريدة "دافار"، بقوله "إن غزة من الناحية التاريخية ليست ميراث الأجداد وإنما ميراث فلسطين"، وأردف قائلاً "لم تسفر 17 عاماً من أعمال التنقيب الإسرائيلي عن الآثار في القطاع حتى عن إكتشاف واحد يدل على جذور يهودية"(30). بل حدث العكس، حيث أنشأوا مستخرابتهم على تلال عربية فلسطينية أثرية محدثين أفدح عملية تخريب للآثار فوق تل قطيف وتل ريدان وتل جنان، الواقعة على إمتداد شاطئ خان يونس ورفح، بما يتنافى وقوانين الحضارة الإنسانية، وشرائع اليونيسكو، بالإضافة لبروتوكولات أوسلو. لكنها "المستخربات" كأداة صهيونية تريد أن تفرض نفسها على الجغرافيا بالقوة العسكرية لتخلق واقعاً تاريخياً بالتزوير، حيث بدأت في عهد "المعراخ" وأشرف "المفدال" على تنفيذها، وعمد الليكود على توسيعها، كما بدا ذلك جلياً بإزدياد الإستيلاء على أراضيها وبصفة خاصة إتساع مستخربة "قطيف" في عام 1986، لتحتل ما يقرب ضعف مساحتها السابقة حتى بلغت 2050 دونماً. إلا أن حركة الإتصال بين أهالي خان يونس وإستصلاح أراضيهم وزراعتها في منطقة "المواصي" الشاطئية، بقيت على حالها من الإتصال الحذر. وهكذا أصبح أكبر تجمع إستخرابي صهيوني يخنق خان يونس ويستولي على ما مساحته 42800 دونم، تحتل المساحة الإستيطانية منها 34175 دونماً(31). قاموا بتطويقها بطريق التفافي مُسفلت، يبدأ شرقاً عند نقطة تدعي "معبر القرارة" على خط الهدنة الشرقي، متجها نحو الغرب ومستولياً على أراضي زراعية لسكان المنطقة، لكي يصل للطريق الرئيسي بين خان يونس وغزة، ليواصل إتجاهه غرباً لمستخربة قطيف، ممتداً نحو الجنوب عبر أراضي المواصي الشاطئية، ليلتف نحو الشرق حاضناً جميع المستخربات، لكي يعود ليقطع طريق صلاح الدين عند "مستخربة موارج" التي تتحكم في عقدة المواصلات المؤدية لمدينة رفح، ليواصل إمتداه شرقاً على حساب الأراضي الزراعية للمنطقة الحدية بين رفح وخانيونس، حتى يعود ليلتقي مع خط الهدنة عند ما يسمى "معبر صوفا" ]أنظر الخريطة[، لتصبح بالتالي جميع خان يونس وقراها مطوّقة بحزام ناري من جميع جهاتها الأربعة، تُمكن الصهاينة من خنقها متى شاءوا كما سنرى فيما بعد. خان يونس والإنتفاضة الأولى 1987-1994: هكذا لم يدخر الصهاينة أية وسيلة من وسائل الإغتصاب للأرض ونهب ثرواتها ما ظهر منها وما بطن، إلا واستغلوه إستغلالاً شرهاً، وأمعنوا في إذلال شعبها بالنهب الإقتصادي وإرغامه على دفع ما إبتدعوه من أنواع الضرائب المذلة، إضافة إلى هدم البيوت والسجن والإبعاد، فكان رد الفعل التلقائي بأن هب الشعب منتفضاَ في مساء يوم 9/12/1987 في مدينة غزة متسلحاً بالحجر، والكلمة الزاجرة الساخرة لكل من رآه من قوات الإحتلال. والإضراب التام تعبيراً عن الرفض للإحتلال الجاثم على أرضه منذ عشرين سنة. فإستجابت "خان يونس" منذ اليوم التالي 10/12/1987، بجميع قراها الشرقية ومعسكرها الذي قدم الشهيد الطفل وحيد إبراهيم أبو سالم إبن الثالثة عشر في صبيحة اليوم الثاني للإنتفاضة، مما أطلق العنان مؤججاً لشعب "خان يونس" بل ولكل المدن الفلسطينية في الأرض المحتلة، فكان رد الفعل الإنتقامي من وزير الدفاع آنذاك "إسحق رابين" أمام الكنيست في 23/12/1987، بإباحة إستخدام جميع الوسائل من أجل إعادة الهدوء والأمن، موضحاً بعض هذه الوسائل والتي منها إطلاق الرصاص الحي على أرجل المنتفضين، ومنح كبار الضباط فرصة الإعتقال الإداري والإبعاد وفرض منع التجول وإغلاق المدارس، وتكسير العظام، فلاقت هذه الوسائل البربرية اللا مشروعة موافقة بالإجماع خاصة من قبل المجلس الإسرائيلي المصغر ودون أدنى تحفظ(32)، مما زاد إنتفاضة الشعب الفلسطيني إشتعالاً غير آبه بوسائل الإرهاب الصهيوني، فسقط العديد من الشهداء وآلاف الجرحى في كل يوم من أيام سنوات الإنتفاضة في خان يونس. نجملها في الجدول التالي لأعداد الشهداء(33).
من قراءتنا الممعنة لأعداد الشهداء وآلاف الجرحى، ندرك المعاناة الشديدة والمؤلمة لأبناء مدينة صغيرة بقراها ومعسكرها، والذين لا يتجاوز عددهم 150 ألف نسمة، وبخاصة وأنهم قد خضعوا جميعاً لأقصى أنواع الحصار، فازداد تقليص عدد العمال، وفرض عليهم منع التجول من الساعة السابعة مساءً حتى الثالثة صباحاً. ووصف أحد الصحفيين الذين زاروا المدينة في الأول من أبريل عام 1993 بقوله، "كانت داخل المدينة نقطة مراقبة للجيش كل ثلاثين متراً، مما يضاعف معه المواجهات(34)، والتي أدت إلى المزيد من القتل وتكسير عظام الأطفال وحتى النساء، وقد تجلت نازية أحد الضباط اليهود عندما قام بإلقاء القبض على طفل وأودعه في غرفة بمركز قيادة خان يونس وتركه فيها منفرداً عدة أيام دون مأكل أو مشرب حتى الموت، ليدعي بعدها بأنه قد نسيه!!. هذه الجرائم قد استنفرت منظمة العفو الدولية التي قامت بدورها بِحَثْ وزير الدفاع رابين بإصدار أوامره بإجراء تحقيقات شاملة لحوادث القتل والضرب المبرح، إلا أن المنظمة أفادت أنها [تشعر بالقلق إزاء عدم إجراء تحقيقات في جميع القضايا](35). ولوحظ أيضاً زيادة سقوط الشهداء بعد مؤتمر مدريد عام 1991 مباشرة، وما أعقبه من أعوام 1992 و 1993، عام إتفاقية أوسلو "13/9/1993". خان يونس وواقعها الجيوبولتيكي بعد أوسلو: خلقت بنود وبروتوكولات أوسلو، واقعاً جيوبولتيكياً خطيراً على الأرض الفلسطينية في القطاع والضفة، كان وما زال لمدينة خان يونس النصيب الأكبر منه بحكم موقعها الجغرافي في وسط القطاع، وموضعها الذي إنشطر إلى قسمين بحكم وجود مستخربة "نفيه دكاليم"، التي لعبت دور "البوابة" الفاصلة المتحكمة في حركة تنقل سكان المدينة إلى ظهيرهم الزراعي في أرض "المواصي" وبحرها غرباً. هذا بالإضافة إلى تصنيف الأرض إلى عدة أقسام، منها "أ"،"ب"،"ج". ومناطق صفراء للعدو السلطة الأمنية عليها، بالإضافة إلى أراضي عسكرية لهم عليها السلطة المطلقة، تماما كما أصبحت الطرق الواصلة بين المستخربات وأراضي ما قبل عام 1948 يطلق عليها "الطرق العرضية" بمواصفاتها وشروط السير عليها ,أبرزها بأن تكون القيادة لليهود(36). ولما كانت منطقة "خان يونس" محاطة من جهاتها الأربعة بأكبر مساحة إستيطانية في القطاع قاطبة، أصبحت بدورها تستأثر بأوسع مساحة أراضي "صفراء" وأكبر مساحة للمناطق التي وصفت بأنها عسكرية، كما تفصح عنه الأرقام التالية(37).
هذا الواقع الخطير مضافا إليه أطول شبكة للطرق العرضية الإلتفافية تلتف حول "خان يونس" بحزام من نار قابل للإشتعال تحت أوهى الظروف والأسباب، خاصة وأنها شقت جميعاً على حساب أراضي زراعية خصبة ومُسْتَغَلة واخترقت قرى وتقاطعت مع طرق رئيسه (شارع صلاح الدين) تمثل العمود الفقري لمدن القطاع بأكمله. وكان من أبرز هذه الطرق العرضية: التي صنفتها الإتفافية: طريق كيسوفيم-غوش قطيف، وطريق غوش قطيف-صوفا، وأخيراً الطريق الواصلة بين غوش قطيف-نتساريم-كارني.[انظر الخريطة]. مضافاً لهذا جميعاً وجود "نقاط عسكرية" محصنة ومدججة بالسلاح عند مفاصل هذه الطرق جميعا، بحيث خلقت واقعاً قابلاً للإنفجار في كل لحظة التي غالباً ما يختار اليهود ميقاتها، التي إعتادوا ممارستها تحت إسم "الشرارة الإصطناعية" يشعلونها متى شاءوا للمماطلة والتسويف عن تنفيذ ما إتفق عليه من تحرير الأراضي الفلسطينية، وخير مثال على ذلك "حادثة النفق"، عندما إحتفلوا بإفتتاحه تحت أرضية الحرم القدسي الشريف في21/9/1996، مما أدى إلى إنفجار الموقف، فاشتعلت الطرق ونقاط الإحتكاك ضد الشعب الخريطة
طيلة أيام 24-27/9/1996. وكانت لليهود فرصة لتعزيز مواقعهم بالدبابات والأسلحة الثقيلة بل وخلق نقاط عسكرية محصنة جديدة تتنافى وبروتوكولات أوسلو. واستمر هذا الوضع الحرج حتى إطلاق "الشرارة" الإصطناعية الثانية بتدنيس شارون للحرم القدسي الشريف بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "إيهود باراك"، لتفصح وتدلل على شرور وأثام هذه التصنيفات الأرضية والطرق الإلتفافية والنقاط العسكرية والمستخربات وعلى رأسها "نفيه دكاليم" في خان يونس. حاجز التفاح وانتفاضة الأقصى: كان طبيعياً وفق التداعيات الجيوبولتيكية المصطنعة عسكرياً على الأرض الفلسطينية، أن تلتهب إنتفاضة الشعب عند المفارق المحورية، على الطرق ومناطق التماس قرب الأراضي الصفراء. فلا غرابة أن تبدأ في القطاع عند مفرق الشهداء وبيت حانون ودير البلح (مستخربة كفار داروم)، وبوابة صلاح الدين، وحاجز التفاح. فكانت الشرارة الأولى في خان يونس عند نقطة التماس القابعة على الطريق الرئيسي متمثلة في"مستخربة نفيه دكاليم"، الملاصقة لأكثف بقعة سكنية هي معسكر خان يونس. فيطلق عليها منذ بدء الإنتفاضة إسم حاجز التفاح "من قبل الشعب الفلسطيني، ولا ندري لماذا هذا اللقب الذي يتنافى كلياً مع واقعه الدموي كحاجز "دم". حاجز التفاح الشرارة المشتعلة لهيباً: نظراً لوجود اضخم تجمع إستخرابي (غوش قطيف) على أراضي خان يونس، لذا هب اليهود لجعل مستخربة "نفيه دكاليم" قاعدة عسكرية لقيادة الجيش الإسرائيلي في القطاع. وعليه قام بتوسيع المستخربة والإستيلاء على بعض الأراضي المحيطة بها، وذلك لتوسيع مهبط الطائرات حول "نفيه دكاليم" حتى وصل إلى نقطة الإرتباط والتنسيق العسكري بالقرب من "حاجز التفاح". وبدأت التعزيزات العسكرية بإنزال 1500 جندي في "غوش قطيف" وعشرات الدبابات والآليات، وانتشرت الدوريات في المناطق الملاصقة لها "المواصي" غربا، وإلى الشرق والشمال الشرقي من خان يونس في القرارة، لتحكم حصارها(38). كل ذلك في الأسبوع الأول من الإنتفاضة تلاه في 5/10/2000، إنزال 500 جندي في مستوطنة نفيه دكاليم والمواصي، ليعيثوا خراباً متعمداً بين السكان (المواصي)، مما دفع نحو اربعمائة من المواطنين لترك أراضيهم الزراعية والإتجاه نحو مدينة خان يونس و رفح(39)، لهول ما كانوا يلاقونه. ونتيجة إستخدام كافة الوسائل القتالية ضدهم بما فيها الطائرات والصواريخ والأسلحة الثقيلة، والتي قامت بضرب قوات الشرطة لأول مرة في "معن" شرق خان يونس، أدى ذلك إلى إستشهاد خمسة من أبناء خانيونس، وجرح 454 حتى أوائل شهر أكتوبر معظمهم عند حاجز التفاح(40)، لتنتشر إلى باقي المناطق في خان يونس، والتي يمكن تشخيصها في محاور رئيسية أبرزها: 1- حاجز التفاح: بدايةً يمكننا القول بأن لقب "حاجز التفاح" ولد بميلاد الإنتفاضة، فهو أحدث رموز الإنتفاضة نشأة، فرضه موقع "مستخربة نفيه دكاليم" التي أقيمت عام 1983. فهو في الحقيقة حاجز الإستشهاد والموت والدمار، بل حاجز المر والمرار، وبوابة الإذلال العنصري. إستطاع هذا الحاجز، أن يحتل مساحة شاسعة ومضيئة في القاموس العسكري للإنتفاضة، ليرقى لدرجة "الموقع الحربي" الهام للإنتفاضة على أرض خان يونس، وتميز بالتالي ليأخذ دور "الشعلة" المشتعلة بإستمرار، بل يومياً يسقط على أرضها الشهداء ومئات الجرحى. حوّل ما حوله من مخيم اللاجئين وحي الأمل والإسكان النمساوي إلى جحيم لا يطاق. ففي شهر نوفمبر إستشهد إثنا عشر شهيداً في خان يونس، منهم أحد عشر عند حاجز التفاح، من مجموع عدد شهداء القطاع البالغ خمسة وخمسون شهيداً عند نهاية نوفمبر سنة2000. واستمر هذا "الرمز" بإنتفاضته ليل نهار يواجه القذائف الصهيونية المنهمرة على المعسكر والضواحي الغربية للمدينة، حتى استشهد بالقرب منه خمسة عشر شهيداً وأصيب قرابة الألفين حتى منتصف مايو عام 2001(41). ومع نهاية هذا العام، بلغ عدد الشهداء 22 شهيداً منهم عشرة شهداء في شهر نوفمبر من عام 2001، بينهم خمسة أطفال كانوا متوجهين لمدرستهم وتتراوح أعمارهم ما بين 6-13 عاماً، مزّقت أجسادهم إلى أشلاء بقذيفة زرعها الصهاينة(42). هذا وعلى الرغم من الإعلان أكثر من مرة عن قرب إستئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية لتحقيق الهدوء والعودة إلى ما كان عليه الحال قبل الإنتفاضة، إلا أن جنود الإحتلال عند الحاجز، كانوا يقومون بإطلاق القنابل الإرتجاجية، لإفشال أي محاولة للتهدئة وقذف الأحياء السكنية الآمنة وإحداث المزيد من التدمير والتخريب بها. واستمر مسلسل القتل على مدى شهور عام 2002، حتى وصل عدد الشهداء من يناير وحتى أواخر سبتمبر عام 2002 تسعاً وأربعين شهيدا، منهم خمسة وعشرون شهيداً في يوم 8/3/2002، على أثر الإجتياح الإسرائيلي لمنطقة خزاعة، حيث أحدثوا بها مجزرة رهيبة وآخرون نتيجة القصف بطائرات الأباتشي، كما إستشهد فيها ثلاثة من أسرة واحدة يوم 11/3/2002. وآخرها مجزرة خان يونس يوم 7/10/2002، التي استهدفت "حي الأمل"، حيث تسللت إليها الدبابات وقصفتها الطائرات، مما أدى إلى سقوط 14 شهيدا وإصابة ما لا يقل عن سبعين مدنياً في ليلة واحدة، ولم يتورعوا عن ضرب مستشفى ناصر بقنابل الدبابات وطائرات الأباتشي. هذا العمل الشنيع البربري، علق عليه شارون قائلاً "أبارك هذا الهجوم" … وهي من العمليات الناجحة!. 2-كارثة المواصي: منطقة المواصي عبارة عن شريط ساحلي يتكون جيولوجياً من كثبان رملية حديثة التكوين، تمتزج أحياناً بطبقة من الطين الخفيف، تمتد من جنوب دير البلح حتى رفح جنوباً، وكلمة "المواصي" ومفردها "ماصية" لفظة شعبية يطلقها أهل خان يونس بالتحديد على هذا الشريط، وتعني المناطق المنخفضة والقريبة من مستوى المياه الجوفية، وأرضها خصبة تصلح لزراعة الخضار والفواكه، خاصة الجوافة التي تتحمل الملوحة، وتبلغ مساحتها نحو خمسة آلاف دونم. ويصل عدد سكان مواصي خان يونس أكثر قليلاً من ثلاثة آلاف نسمة، يؤلفون نحو 550 أسرة(43)، تتوزع على ثلاثة تجمعات سكانية، هي حي الملالحة ومعظمهم من لاجئي الـ1948، ومنطقة حي تل جنان جنوب الطريق المُعبَّد، وأخيراً مجمع تل ريدان شمال مواصي خان يونس، ويعتمد سكانها على الزراعة والصيد البحري(44). هذه الأراضي التي هي بمثابة سلة الخبز لخان يونس، وكما سبق ذكره أبتليت بأكبر تجمع إستيطاني تخريبي في القطاع قاطبة، وبالتالي وحرصا عليها من قبل الصهاينة، أصبحت منطقة المواصي منطقة "صفراء" أي خاضعة للأمن الإسرائيلي، لذا فقد صودر 60% من أراضيها للإستيطان، ليقيم فيها 1500 مُخرِّب يهودي، بحيث فاقت معه مساحة المستخربات الصهيونية على مساحة المواصي للضعف، فأصبح طولها 12 كيلو متراً بعرض كيلو متران، وتحتل المناطق الصفراء هذه أكثر من 4.5% من مساحة القطاع، تستحوذ مواصي خان يونس الصفراء على 70% من مجمل هذه المساحة. وبناء على بنود أوسلو وطابا، يكون هناك تعاون وتنسيق أمني بين الدوريات المشتركة قبل دخول الشرطة الفلسطينية للمنطقة. ونتيجة لهذا أصبح سكان المواصي جميعاً على إحتكاك مباشر لغطرسة قطعان المستوطنين يومياً، الذين يطوقونهم من جميع الجهات وليس لهم مخرج إلا "بوابة نفيه دكاليم" العنصرية، أي حاجز التفاح كما يطلق عليه عامة الشعب. والذي أصبح "بوابة عبور" بكل ما تحمل هذه الكلمة من دلالات صهيونية قائمة على العنصرية، وحجز السكان في غرفة صغيرة ضيقة وتفتيشهم إلكترونياً بأسلوب مبتذل، وإذلالهم لساعات طويلة، وإستفزازهم، لا يستثنى من ذلك إمرأة أو شيخ مريض ولا حتى طفل رضيع. وإزدادت الغطرسة الصهيونية عند هذا الحاجز بأن إبتدعوا للسكان والفلاحين الذاهبين لأراضيهم في المواصي أو الصيادين أن يحملوا بطاقات ممغنطة فرضتها عليهم السلطات الصهيونية وختمتها بأرقام خاصة مكوّنة من أربع خانات، يُمنع على غير حامليها من أبناء خان يونس أن يدخلوا منطقة المواصي أو حتى الوصول للبحر، وهذه الأرقام بدورها عبارة عن مدخل تكشف جميع ما يخص الفرد من معلومات ذاتية. كل هذه المضايقات المصطنعة، تهدف إلى تحجيم عدد سكان المواصي من الذهاب إليها والعودة منها. وذلك للفصل بينهم وبين سكان المحافظة، تمهيداً لإقامة إدارة مدنية لتقويض السلطة ومسح أي وجود لها. وإمعاناً في سياسة الضغوط التعسفية لإجبار الناس على ترك أراضيهم في المواصي، بدأوا في ممارسة الإرهاب ضدهم، ففي يوم 10/أكتوبر 2001، اختطف المستوطنون بمساعدة الجيش الإسرائيلي ثلاثة شبان من أبناء المواصي(45)، ما أدى إلى هيجان الأهالي فأصيب منهم عدة أشخاص بجراح، ولم يكتفوا بذلك، بل قاموا بتخريب 50 دونماً قرب مستخربة غوش قطيف(46). وعلى أثر قتل ضابط إسرائيلي قرب مستخربة غوش قطيف يوم 24/11/2001، قام الجيش والمستخربون بإطلاق النار عشوائيا على كل جسم متحرك، مما دفع الأهالي لمزيد من المقاومة لهؤلاء القطعان، فقتلوا مستخرباً منهم غرب المواصي يوم 15/يناير 2001، فردوا بأبشع مظاهر الوحشية بأن إعتدوا على النساء والأطفال في منازلهم واعتقلوا عدداً من المواطنين وداسوا بأقدامهم دفيئاتهم وأشعلوا النيران فيها وأحرقوها بالكامل، وانتزعوا بأيديهم خراطيم المياه من الأرض وقطعوها(47). واستمرت عملية التخريب لمدة أربعة أيام، قاموا خلالها بإقتلاع عشرات الأشجار المثمرة قرب مستوطنة "نيتسر حزاني" شمال المواصي، وتجريف مئات الدونمات قرب مستخربة "نفيه دكاليم" وغوش قطيف(48)، وقد قدّر رئيس بلدية خان يونس خسائرها حتى يوم 20/1/2001 بنحو 200 مليون دولار، جراء الحصار والإغلاق المفروضين على القطاع، مؤكداً أن الإحتلال الصهيوني دمّر 22 منزلاً تدميرا كاملاً وتعرض 288 منزلا لأضرار جسيمة جراء القصف داخل حدود بلدية خان يونس، واستولوا على 200 دونم من الأراضي الحكومية قرب مستخربة "نفيه دكاليم"(49). هذه الجرائم الصهيونية ضد المواطنين في منطقة المواصي، والتي شجبتها جميع وسائل الإعلام، دفعت المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين U.N.R.WA، "بيتر هانسن" للتوجه لمنطقة خان يونس لتفقد أحوال اللاجئين، فأوقفته قوات الإحتلال قرب مفرق المطاحن تحت تهديد السلاح يوم 24/1/2001. وقبلها بيومين وبالتحديد 22/1/2001، أوقف جنود الإحتلال الوفد الدولي من المجموعة الأوروبية للمساعدات الإنسانية مدة خمس ساعات عند حاجز التفاح الذي أراد زيارة منطقة المواصي، حيث سمع عن معاناة سكانها من الحصار والإعتداءات على الأرض والبشر(50). فالصهاينة إعتادوا ضرب كل المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان عرض الحائط. بل وأفصحوا عن نواياهم العدوانية صراحة وكتابة عندما قاموا بطبع منشورات الصقوها على جدران منازل منطقة المواصي، جاء فيها "أيها العرب إرحلوا عن المواصي إلى المدينة". وتعتبر المواصي من أخصب المناطق الزراعية في قطاع غزة قاطبة، حيث يوجد تحتها أكبر خزان للمياه الجوفية العذبة، قاموا بإستنزافها بشراسة، وبأسلوب هدمي بحفر 36 بئراً يقومون بجمع مياهها داخل خزانات ضخمة في مستخربة "نيتسر حزاني" ليعيدوا ضخها داخل أنابيب ضخمة لصحراء النقب طيلة اليوم وليعيدوا جزءاً منها لأهالي خان يونس ومزارعها بأثمان مرتفعة من قبل شركة تدعي "ميكروت" سالفة الذكر. واستمرت تعديات المستخربين وجنود الإحتلال في ظل سلطة "شارون"، بل زادت عدواناً ونقمة. ففي يوم 9/فبراير/2001، أخطر ما يسمى بمسؤول دائرة أملاك الحكومة، وكأن لهم أملاك!! سكان المواصي بإخلاء 22 منزلاً في منطقة تل "ريدان" بالمواصي وإلا إستخدمت ضدهم القوة لهدمها وطرد سكانها، وعندما رفض السكان طلبهم هذا قاموا يوم 11/2/2001(51)، بتجريف الأراضي القريبة من المنازل ليحكموا بعد ذلك حصار منطقة المواصي ويجعلوها تعيش في جحيم. وقد حُرمت بالإضافة لكل ما سبق ذكره من مضايقات من القيام بأي نشاط أو خدمات صحية وطبية ومن الكهرباء والمؤسسات الإجتماعية والثقافية والتعليمية، ودمرت طرقها، ومن ضمن ما أُشترط عليه في أوسلوا ومضافا لكل هذا، منع سكانها من القيام ببناء أي منزل أو منشأة على مساحة من الأرض تقل عن 25 دونما، ولم يسمح ببناء أكثر من طابقين عليها وبحجم لا يزيد على 180 متراً مربعاً لكل طابق. تلك هي صورة موجزة لكارثة المواصي، ضحية حزام "المستخربات" التي جثمت قسراً على أخصب منطقة زراعية. 3- مفاصل الطرق والمعابر الخانقة: موراج وأبو هولي: -مأساة أخرى من مآسي الشعب الفلسطيني في مدينة خان يونس، صنعتها الجغرافية العسكرية الصهيونية بخلق نقاط عسكرية مفصلية عند تقاطع الطرق أو تلاقيها على إمتداد شارع صلاح الدين، العمود الفقري لمواصلات القطاع من أقصاه شمالا حتى رفح جنوباً. ومن أبرزها العقدة العسكرية عند مدخل خان يونس الجنوبي "نقطة موراج" والنقطة العسكرية المتحكمة في المدخل الشمالي عند طريق "أبو هولي"، فعند الأولى تم إغتيال أربعة من مقاتلي فتح بدم بارد من قبل الجنود المتمركزين فيها، يوم 23/11/2000، وفي منطقة أبو هولي، قام المحتلون بتدمير 1600 شجرة جوافة(52). ومما هو جدير بالملاحظة أن محافظة خان يونس تأتي على رأس قائمة المناطق زراعة لهذه الفاكهة، فهي تساهم بما مساحته 2107 دونماً، من مجموع 3846 دونماً في جميع أنحاء القطاع، أي أنها تساهم بنحو 54.8% من مجمل مساحة القطاع في عام 1995(53). وقد تميز الجبروت الإسرائيلي الهدمي في هدم وتجريف كل ما هو فوق الأرض حول هذه النقاط العسكرية، فبالقرب من "نقطة موراج" قاموا بتجريف واقتلاع نحو سبعين شجرة زيتون وتدمير الدفيئات يوم 21/2/2001(54)، تمهيداً لجعل المنطقة المحيطة بالنقطة العسكرية وحول الطريق المسفلت المؤدي إلى خط الهدنة خالياً من كل كائنات حية، ولمزيد من حصار الشعب وإذلاله، إبتدعوا عند المدخل الشمالي لمدينة خان يونس (منطقة أبو هولي)، مجموعة من المطبات المعقدة على الطريق تجبر السيارات على الحركة البطيئة لعدة مرّات متتالية والإنتظار لساعات طويلة، وأحياناً المبيت داخلها بكل ركابها من أطفال وشيوخ ونساء، خاصة عند "مفرق المطاحن"، وقد إشرأبت أعناقهم نحو جندي عنصري صهيوني منتظرين إشارة من يده تمنحهم المرور، وكم من شهيد سقط عند هذه "النقطة" الجائرة، كما حدث يوم 11/11/2000 عندما إستشهد شابان وأصيب ستة بجراح(55)، وهدمت تسعة منازل ودمرت مواقع للأمن الوطني، وجُرِّفت 300 دونماً مزروعة بالأشجار يوم 22/11/2000(56). 4- معابر خط الهدنة ومجازر القرى الشرقية: نأتي للحزام الناري الأخير والمتمثل في "خط الهدنة"، أو بالمعنى الأدق "خط وقف إطلاق النار" المتفق عليه وفقاً لإتفاقية رودس فبراير 1949، وتم ترسيمه عشوائيا لصالح اليهود عام 1950، هذا الخط ينثني عند منطقة القرارة شرقا لتصبح قرى خان يونس داخل أراضي القطاع والتي أصبحت تلامسه موقعاً (خزاعة-عبسان الكبيرة والصغيرة-معن وبني سهيلا وأراضي القرارة)، وتعاني في الوقت نفسه من مجازر اليهود وإختراقهم لهذا الخط-كما سبق ذكره- وإرتكابهم المجازر بحق أبنائها. ومنذ عام 1967، دأبت سلطات الإحتلال على قضم الأراضي الواقعة إلى الغرب من هذا الخط وضمها بحجة الدوافع "الأمنية" التي أضحت فلكلوراً سياسياً ممجوجاً يلوكه الصهاينة عند أي واقعة وعلى حساب القرى الشرقية لخان يونس سابقة الذكر. وقد إتضح ذلك جلياً في إنتفاضة الأقصى، في 8/11/2000 قصفت الدبابات الإسرائيلية منطقة معن وأصابت أربعة مواطنين بإصابات خطيرة(57). ودمرت موقعاً للشرطة الفلسطينية وأصابت المنازل بأضرار وأصيب خمسة مواطنين بجراح(58). ومع بداية شهر ديسمبر عام 2000، قاموا بتجريف خمسمائة دونماً من أراضي القرارة الزراعية(59)، وعلى أثرها قام المواطنون بقتل إسرائيليين عند "معبر صوفا" على خط الهدنة وإصابة أثنين منهم، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي "باراك" بإصدار أوامره بإغلاق القطاع يوم 30/12/2000(60). فازدادوا بعدها تجريفاً وقتلاً للمواطنين. ففي يوم 10/1/2001، تم تجريف مائتي (200 دونم)، من أراضي قرية خزاعة ووادي السلقا وتدمير منزل وقدرت الخسائر بما قيمته عشرة ملايين شيقل، وبعدها تم إقتلاع مائتي شجرة لوز، تحتل ما مساحته خمسون دونماً وخربت بشكل متعمد ما مساحته عشرين دونماً مزروعة بالقمح(61). وبعدها بأسبوع تقريباً، ضاعفوا من عمليات التجريف في القرارة وخزاعة بما مساحته مائتي دونم أخرى. وعلى الرغم من كل الإتفاقيات التي وُقّعت في هذه المرحلة، في شرم الشيخ في أكتوبر 2000، وفي القاهرة في يناير 2001، والمبادئ الأمنية في وثيقة "ميتشل" في نيسان 2001(62)، والتي بموجبها يلتزم الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي بوقف النار المتبادل والكامل، إلا أن إسرائيل وبالرغم من التزام الطرف الفلسطيني بكل المبادئ المنصوص عليها، قامت بعدوانها المستمر نهباً للأراضي وقتلاً للبشر، وتدميرا للمنازل وتجريفا للأراضي الزراعية وإذلالاً للسكان. حتى بلغت مساحة الأرض التي جرفت في خان يونس وقراها في نهاية العام الأول للإنتفاضة سبتمبر 2001، ما مساحته 2889 دونما، أي بمعدل 21.3% من إجمالي المساحة المجرفة في القطاع برمته والبالغة 13576 دونماً. بالإضافة لما إرتكبوه من مجازر، كما حدث عند إجتياحهم منطقة خزاعة في مارس 2002 وقتلوا 25 شهيدا بأسلوب بربري يتنافى وكل الشرائع الدولية، بل أخذوا يعتدون حتى على الوفود الدولية كما حدث في 24/3/2002، عندما قاموا بإطلاق النار على الوفد البلجيكي الذي أراد أن يتفقد أحوال اللاجئين، مما إضطره للعودة ثانية. وهكذا خلق حاجز التفاح بل حاجز الموت القائم على مستخربة "نفيه دكاليم" لقطع الطريق على "المواصي" بسكانها والبحر بصياديه، لتزاحمهم جميعها "مستخربات" من الشمال والجنوب يلفهم طريق إلتفافي "مُحَصَّن" بنقاط عسكرية دامية، ومعابر على خط الهدنة الذي لم يعد "هدنة" بل خط حرب ، يجرفون ما حوله لحسابهم، وكان آخرها في 27/2/2001، بتجريف الأرض بعرض 200 متر غرب الخط وبطول القطاع(63). وبالرغم من كل ذلك، تبقى خان يونس وحاجز التفاح وقراها العُقدة العصّبية لكل المتجبرين ويبقى الكفاح هو الحق المشروع حتى النصر. المراجع (*) تل قطيف: عبارة عن تلة أثرية من الكثبان الرملية، بها العديد من الآثار التي تدل على عمرانها في الحقبة الكنعانية العربية وما تلاها من حضارات والتسمية عربية فلسطينية، أبانتها الخرائط الفلسطينية عام 1927. (1) سعاد ماهر-القاهرة القديمة وأحياؤها-المكتبة الثقافية-العدد 70 القاهرة 1962-ص83. (2) للمزيد عن تصميم هذا الخان ومكوناته المعمارية أنظر سليم المبيض-البنايات الأثرية الإسلامية في غزة وقطاعها-الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة-1995 (3) الموسوعة الفلسطينية-المجلد الثاني-الطبعة الأولى-دمشق-1984، ص318. (4) سليم المبيض-غزة وقطاعها-الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة-1987 ص294. (5) Uriel Heyed, Ottoman Documents on Palestine 1552-1615 clarenden fress, Oxford,1960,P122. (6) Uriel Heyed, nlbid. P124 (7) V.D. Huettroth and Abdulfattah, Historical geography of Palestine, Transjordan and Sourhren syria, in the late 16 Century, Erlangen, 1977. P142-144. (8) عبد الغني النابلسي-الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز-الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة-1986-ص170, (9) عبد الغني النابلسي-المرجع السابق-ص172. (10) مصطفى مراد الدباغ-بلادنا فلسطين-الجزء الأول- القسم الثاني-دار الطليعة-بيروت 1966، ص90و135. (11) مجموعة من علماء الحملة الفرنسية-وصف مصر-ترجمة زهير الشايب-المجلد الثاني-القاهرة 1978، ص22-23. ونفس المرجع السابق ص26-27. (12) الشيخ عثمان الطباع-أتحاف الأعزة في تاريخ غزة-مخطوط غزة-1943، ص233، وانظر أيضاً عارف العارف-تاريخ غزة-القدس1943، ص184. (13) سليم المبيض-غزة وقطاعها-الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة1987-ص348-349. (14) G.S.S chumacher, Researches in Southern Palestine, P.E.F.1886. P 179-180. (15) الحرب العالمية الأولى-الموسوعة التاريخية المصورة 1914-1918-الجزء العشرون-بيروت، ص390-391. (16) الموسوعة الفلسطينية-المجلد الثاني- الطبعة الأولى- دمشق 1984،ص315. (17) دائرة الإحصاءات للنشر-الإحصائيات الرسمية لعام 1954-غزة-1954، ص1. (18) إعتداءات إسرائيل قبل هجوم 29/أكتوبر 1956-الأمانة العامة لجامعة الدول العربية-إدارة شؤون فلسطين السياسية-القاهرة1957-ص33. (19) المرجع السابق،ص35. (20) المرجع السابق، ص37. (21) الموسوعة الفلسطينية-المجلد الثاني-المرجع السابق ص317. وانظر أيضاً مجلة شؤون فلسطينية - العدد 136-137-مارس 1983، ص . (22) د.إحسان الأغا-مجزرة خانيونس-غزة-1998، وانظر أيضاً-جريدة الأيام، عدد، 14/11/1998. (23) جريدة الصراحة-الصادرة في غزة-العدد 240-السنة الثالثة عشر يوم 14/2/1965-ص4. (24) محمد عربي-خبرات معارك رفح-غزة-مجلة شئون فلسطينية-العدد22-حزيران 1973، ص49-50. (25) الموسوعة الفلسطينية-المجلد الثاني-المرجع السابق-ص314-315. (26) إبراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ-الإنتفاضة والكفاح الفلسطيني-غزة-بدون تاريخ-ص21-22. (27) Zeeu Schiff Raphael Rothstien, Fedayeen Guerillea against Isreal, David Makay. Co. New Yourk 1972. P21-22. (28) وزارة التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني-الأطلس الفني-الجزء الأول-محفظات غزة- غزة 1997-ص24. (29) الملف-المجلد الأول-العدد 4 تموز -1984ص332، نقلا عن "دفال" مقال لداني تسدكوني. عدد، 17/6/1984. (30) المرجع السابق، نفس الصفحة. (31) وزارة التخطيط والتعاون الدولي-الأطلس الفني-المرجع السابق ص24. (32) د.أحمد العلمي-يوميات الإنتفاضة-المجلد الأول-السنة الأولى-وزارة الإعلام الفلسطينية 1995-ص87. (33) المرجع السابق-المجلد الحادي عشر-ص51-91. وانظر أيضاً-إبراهيم سكيك، غزة عبر التاريخ-الإنتفاضة والكفاح الفلسطيني-بدون تاريخ-ص75-89. (34) مجلة الأسبوع الجديد-العدد الصادر يوم 11/4/1994-ص8. (35) تقارير وبيانات منظمةالعفو الدولية عن إنتهاكات إسرائيل في الأراضي المحتلة-مطابع الأهرام-القاهرة-1988-ص6. (36) أنظر بروتوكولات بشأن إنسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية والترتيبات الأمنية-الملحق رقم 1-ص22. (37) الأرقام مأخوذة من وزارة التخطيط والتعاون الدولي-الأطلس الفني-المرجع السابق-ص24، وجريدة القدس-العدد الصادر يوم 2/4/2000، أما حساب النسب فهي من الباحث. (38) جريدة القدس-العدد الصادر يوم 5/10/2000. (39) القدس-عدد ، 9/10/2000. (40) الحياة الجديدة -عدد، 9/10/2000 (41) الرسالة-عدد 207، الصادر، 21/5/2001. (42) الحياة الجديدة-عدد يوم 24 و25/11/2001. (43) دائرة الإحصاء المركزي-بيانات أولية عن التعداد السكاني لسنة1997. (44) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان-العيش المر-تقرير حول الإنتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، في المناطق الصفراء بقطاع غزة-سلسلة الدراسات16-يونية1999. (45) القدس، عدد، 11/10/2001. (46) الأيام، عدد، 12/10/2001. (47) الأيام، عدد، 16/1/2001. (48) القدس، عدد، 18/1/2001. (49) الأيام، عدد، 22/1/2001. (50) الحياة الجديدة، عدد، 23/1/2001. (51) الرسالة- العدد،207 يوم31/5/2001. (52) الحياة الجديدة ، عدد، 26/12/2000. (53) دائرة الزراعة-عام 1994/1995. (54) الحياة الجديدة،22/2/2001, (55) القدس-عدد، 12/11/2000. (56) الحياة الجديدة- عدد، 23/11/2000. (57) الحياة الجديدة-عدد، 19/11/2000. (58) القدس-عدد، 19/11/2000. (59) الحياة الجديدة-عدد، 2/12/2000. (60) الحياة الجديدة-عدد، 30/12/2000. (61) الأيام -عدد، 12/1/2001. (62) أنظر النص الكامل لوثيقة تينت، في جريدة الأيام، عدد 15/6/2001، منقولا عن جريدة هآرتس. (63) الأيام-عدد، 1/3/2001. |
|