الجمهور الإسرائيلي والسلام مع الفلسطينيين

2001-2002

عاطف المسلمي

لم تحظ قضايا السلام مع الفلسطينيين بتغطية كبيرة في استطلاعات الرأي الإسرائيلية خلال العامين الماضين، وكانت القضايا الأمنية وأداء رئيس الحكومة والانتخابات الداخلية في الأحزاب الكبيرة هي المادة الرئيسية لتلك الاستطلاعات. ومع ذلك فإن ما تطرق من هذه الاستطلاعات إلى قضايا السلام أظهر بوضوح أن التقلب الذي يصل إلى حد التناقض هو السمة التي يمكن اسقاطها على مواقف الجمهور من السلام مع الفلسطينيين خلال العام والنصف الأخيرين، وهي فترة ولاية رئيس الحكومة الحالي آرئيل شارون، والتي غلب عليها انعدام الثقة بالجانب الفلسطيني والميل الجارف إلى تأييد المواقف اليمينية المتطرفة التي يتبناها رئيس الحكومة، وتأييد الحلول الإسرائيلية من جانب واحد كالفصل أحادي الجانب وإقامة الجدار الأمني الفاصل، وفي ذات الوقت تأييد إخلاء أغلب المستوطنات سواءً في إطار اتفاق أو من جانب واحد، وتأييد استئناف المفاوضات وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، رغم تشكيك أغلب الاسرائيليين في إمكانية التوصل إلى اتفاق. إلا أن الشيء الذي ظهر بوضوح خلال تلك الفترة هو التآكل الكبير الذي طرأ على تأييد الاسرائيليين لاتفاق أوسلو بعد تسعة أعوام من توقيعه.

في هذه الدراسة التحليلية، سيتم إلقاء الضوء على مواقف الجمهور الإسرائيلي من أهم قضايا السلام مع الفلسطينيين وفي مقدمتها: الثقة بالجانب الفلسطيني، الفصل أحادي الجانب، إخلاء المستوطنات استئناف المفاوضات، الموقف من إقامة دولة فلسطينية وموقف الجمهور الإسرائيلي من اتفاقات أوسلو، وذلك بهدف الوصول إلى رسم صورة واضحة عن هذه المواقف والعوامل التي أثرت فيها.

أولاً: انعدام الثقة بالجانب الفلسطيني

1- تأييد الفصل أحادي الجانب

نتيجة استمرار المواجهة الدامية بين الفلسطينيين واسرائيل واستمرار الحكومة الإسرائيلية عبر وسائل إعلامها المتعددة، في تعبئة الجمهور الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بتحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية الكاملة عن استمرار العنف، وإظهار عمليات الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية على أنها دفاع عن النفس، ظهر ميل واضح لدى أغلبية الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) بما فيهم شريحة واسعة من معسكر اليسار، نحو عدم الثقة بالجانب الفلسطيني، وبدأ هذا الميل في البروز بوضوح بعد شهرين من ولاية رئيس الحكومة الحالي آرئيل شارون. فقد أظهر استطلاع مقياس السلام لشهر مايو 2001 أن أغلبية 80% في الجمهور اليهودي لا تصدق أن الفلسطينيين سيحترمون اتفاقاً يوقع لانهاء النزاع مع اسرائيل. وذهب 70% من الجمهور اليهودي إلى التقدير، أن عرفات شخصياً لا يريد أو ليس مستعداً للتوقيع على اتفاق لإنهاء النزاع مع إسرائيل، حتى لو وافقت إسرائيل على جميع مطالبه حيث سيطرح مطالب أخرى لعرقلة الاتفاق(1).

كما أظهر الاستطلاع أن الجمهور اليهودي بات أكثر ميلاً لتأييد حلول إسرائيلية من جانب واحد، فقد أعربت أغلبية يهودية بلغت 60% عن تأييدها للفصل أحادي الجانب، أي خروج إسرائيل من دون اتفاق من مناطق فلسطينية غير حيوية لأمنها وإنشاء مناطق عازلة بينها وبين الفلسطينيين. ويلقى هذا الحل تأييداً كبيراً داخل المعسكرين الليكودي والعمالي وإن كان بنسب متفاوتة حيث يؤيده 53% من ناخبي الليكود و76% من ناخبي العمل(*).

كما أظهر الاستطلاع أن انعدام الثقة تجاه الجانب الفلسطيني يرتبط بشكل كبير بالتصور السائد في أوساط أغلبية الجمهوري اليهودي (80%) بأن كل الفلسطينيين أو أغلبيتهم يرون في إسرائيل دولة إمبريالية استعمارية غريبة تحاول السيطرة على المنطقة.

2- إخلاء المستوطنات

ترتبط قضية اخلاء المستوطنات ارتباطاً جذرياً باقتراح الفصل أحادي الجانب، وإقامة جدار فاصل مع الفلسطينيين الذي يرى أغلبية في الجمهور الإسرائيلي أنه الأقدر الآن على إعطاء أجوبة أمنية تفوق أي اتفاق مع الفلسطينيين، لذلك وفي سبيل التوصل لهذا الحل، فهو على استعداد واسع لتأييد إخلاء بعض المستوطنات ولو بالقوة. وقد أخذ هذا الميل في الصعود حيث أيد 52% من الجمهور اليهودي حسب مقياس السلام لشهر يونيو (2001) إخلاء بعض المستوطنات بالقوة، في إطار الفصل أحادي الجانب رغم ارتفاع مستوى التضامن تجاه معاناة المستوطنين.

إلا أن وجود أغلبية مؤيدة لإخلاء بعض المستوطنات بالقوة حتى بدون اتفاق، لا يعني وجود أغلبية مؤيدة لإخلاء كل المستوطنات حتى وإن سمح إخلاءها بالتوصل إلى تسوية دائمة في حين عارض ذلك 52%(2).

وقد ازداد حجم التأييد لإخلاء المستوطنات في نطاق خطة الفصل أحادي الجانب ليصل إلى ثلثي الجمهور اليهودي، فوفقاً لاستطلاع السلام لشهر مايو 2002، يدعم الجمهور اليهودي الفصل أحادي الجانب بشكل أكبر بكثير من العودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، رغم أن الجمهور اليهودي كان قد أيد قبل شهرين من هذا الاستطلاع اجراء مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس مشروع كلنتون.

فحسب الاستطلاع المذكور، أيد 65% من الجمهور اليهودي إخلاء مستوطنات في إطار خطة الفصل أحادي الجانب، بهدف خلق منطقة عازلة فعالة ومجدية بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك مقابل معارضة 27% فقط. وخلافاً للاستعداد الملموس لدى نسبة كبيرة من الجمهور اليهودي لإخلاء مستوطنات في إطار خطة الفصل أحادي الجانب، هناك أغلبية حاسمة في الجمهور اليهودي (69%) تعارض تقسيم القدس من خلال جدار أو سور أو أية وسيلة مادية أخرى، من أجل منع العمليات أو تقليلها، وذلك مقابل تأييد 25% فقط. ويبدو أن مواقف الجمهور اليهودي من تقسيم القدس لا تتأثر كثيراً بالاعتبارات الأمنية، نتيجة انعدام ثقة الجمهور بأنه من الممكن منع أو تقليل العمليات بدرجة ملموسة داخل المدينة بواسطة جدار مادي فاصل(3).

وحسب أحدث استطلاع لمقياس السلام (شهر نوفمبر)، أعرب 58% من المستطلعين اليهود تأييدهم لإخلاء كامل لجميع المستوطنات في قطاع غزة، سواء بحل أو بدون حل، مقابل معارضة 33%. وحول المستوطنات في الضفة الغربية فقد كانت النسبة مغايرة تماماً، حيث أيد 20% فقط إخلاء كل المستوطنات بما فيها التجمعات الكبيرة من خلال مفاوضات، مقابل 52% أعربوا عن استعدادهم فقط لإخلاء بعض المستوطنات المعزولة والبعيدة.

ثانياً: المفاوضات

1- استئناف المفاوضات

من أبرز القضايا التي برز فيها جلياً التناقض في مواقف الجمهور الإسرائيلي هي قضية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، فرغم مرور عامين على بدء إندلاع المواجهات مع الفلسطينيين ومرورها بفترات من التصعيد والتهدئة، إلا أن أغلبية متفاوتة من هذا الجمهور أبدت باستمرار تأييدها لاستئناف المفاوضات، رغم تقدير نسبة كبيرة من هذا الجمهور أنها لن تفضي إلى تسوية شاملة، وتأييد نسبة عالية من الجمهور اليهودي للخط الأمني-السياسي الذي ينتهجه رئيس الحكومة أرئيل شارون، وتحميل الفلسطينيين بقدر كبير المسؤولية الكاملة عن عدم إتاحة الفرصة لاستئناف هذه المفاوضات.

إن نظرة تحليلية إلى الأرقام التي أوردتها استطلاعات الرأي حول هذه القضية تعطي صورة دقيقة لذلك. ففي أوج المواجهات مع الفلسطينيين (يونيو 2001) أيد 58% من الجمهور الإسرائيلي استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وكانت النسبة قبل قدوم رئيس الحكومة الحالي أرئيل شارون بشهرين 69%. وخلال الاستطلاع المذكور عارض 65% من الجمهور اليهودي إعادة احتلال مناطق تحت السيطرة الفلسطينية، وأبدى 49% موافقتهم في ذلك الوقت على مواصلة التفاوض بين إسرائيل وياسر عرفات دون الانتظار لقدوم قيادة فلسطينية بديلة.

ويتضح من الاستطلاع مدى عدم استعداد الجمهور الإسرائيلي لدفع ثمن تسوية مع الفلسطينيين، حيث أبدى 35% فقط تأييدهم لتنازلات إسرائيلية بعيدة المدى مقابل سلام مع الفلسطينيين، في حين عارض ذلك نحو 58%(4). ويرجع ذلك كما ذكرنا آنفاً لانعدام الثقة المتزايد من جانب الجمهور اليهودي تجاه رغبة الفلسطينيين في تحقيق سلام مع إسرائيل، نتيجة لاستمرار أحداث العنف من جهة وحملات التحريض التي تشنها حكومة شارون على السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

والصفة العامة التي أظهرتها معظم الاستطلاعات، أن الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) لا يؤمن بنتائج المفاوضات ضمن إطار أوسلو، رغم استمرار تأييده لاستئناف المفاوضات. فحسب مقياس السلام لشهر يوليو 2001، تحول أوسلو في نظر أغلب الجمهور اليهودي إلى مفهوم سلبي، لذلك تحول التأييد الكبير لاجراء المفاوضات مع الفلسطينيين إلى مسارات غير أوسلو، مع إرتياب وتشكيك كبيرين لدى الجمهور اليهودي في احتمالات أن تفضي السنوات القريبة القادمة إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

فقد اعتقد 61% من هذا الجمهور  ذلك مقابل 34% اعتقدوا أن سلاماً بين إسرائيل والفلسطينيين سيتحقق قريباً(5). هذه النسبة كانت عرضة للزيادة والانخفاض بناءً على مستوى الاتصالات بين الفلسطينيين واسرائيل، فقد أبدى 38% (بزيادة 4% عن الاستطلاع السابق) بعد لقاء عرفات-بيريس (أغسطس 2001)(6) اعتقادهم أنه يمكن التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين. كما لوحظ من خلال استطلاع أجراه معهد غالوب عقب الكشف عن خطة بيريس- أبو علاء، أن 61% من الاسرائيليين يؤيدون هذه الخطة، التي تنص على أنه يحرز وقف لإطلاق نار كامل بين إسرائيل والفلسطينيين خلال ستة أسابيع، ومن ثم تعترف إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية، أي نحو 42% من الأراضي الفلسطينية فيما يستمر الطرفان في اجراء مفاوضات حول التسوية الدائمة. وفي نفس الاستطلاع دعا 54% من الجمهور الإسرائيلي إلى دفع المفاوضات مع الفلسطينيين قدماً، مقابل تأييد 27% الاعلان عن حرب شاملة على الفلسطينيين.

الملفت للنظر عند تحليل مواقف الجمهور الإسرائيلي من مسألة التفاوض مع الفلسطينيين، أنه رغم إنجراف الأغلبية في الشارع الإسرائيلي نحو اليمين في هذه الفترة، وتعريف أغلبية الجمهور الإسرائيلي نفسه بأنه يمين، فإن أغلبية في هذا الجمهور لا زالت تؤيد إجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. فحسب استطلاع لمقياس السلام لشهر أكتوبر الماضي 2002 الذي صاحب خروج حزب العمل من حكومة شارون، أيد 53% من الجمهور اليميني المتطرف استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين مقابل معارضة 46%. وفي معسكر اليمين أيد 57% ذلك وعارضه 38%، وفي الوسط أيد 68% ذلك، وفي اليسار المعتدل واليسار المتطرف أعرب 82% عن تأييدهم لذلك. وفي آخر استطلاع لمقياس السلام العام لشهر نوفمبر 2002، عبرت أغلبية المستطلعين اليهود (63%) عن دعمها لإجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية مقابل معارضة 31%.

هذا التأييد المقنع لاستئناف التفاوض مع الفلسطينيين يوفر لرئيس الحكومة غطاءً جماهيرياً لاستئناف التفاوض إذا أراد، والمفارقة أنه رغم عدم إقدام شارون على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين ووضع العقبة تلو الأخرى أمام استئناف المفاوضات، فإن أغلبية الجمهور الإسرائيلي (61%) استمرت في تأييدها لسياسة رئيس الحكومة بشكل عام و57% يؤيدون سياسته الأمنية بشكل خاص، ويذهبون إلى تصنيف أنفسهم ورئيس الحكومة بمن يريدون السلام ويلقون بالشكوك في ذلك على الطرف الفلسطيني، مما يؤكد ازدياد الشعور بانعدام الثقة بالفلسطينيين. فحسب استطلاع نشرته معاريف في 13/9/2002، اعتبر 70% من الجمهور الإسرائيلي أن رئيس حكومتهم يريد السلام مع الفلسطينيين، ورأى 84% منهم أن الشعب في إسرائيل يريد السلام مع الفلسطينيين، فيما رأى 45% فقط أن الشعب الفلسطيني يريد السلام مع إسرائيل مقابل 47% رأوا أنه لا يريد ذلك، واعتبر 14% فقط أن عرفات يريد سلاماً مع إسرائيل واعتقد 81% أنه لا يريد السلام مع إسرائيل.

2- الموقف من القدس والدولة الفلسطينية

لم تحظ قضيتا وضع القدس والدولة الفلسطينية بتغطية كبيرة في استطلاعات الرأي الإسرائيلية وذلك لسببين، الأول هو انشغال هذه الاستطلاعات كما ذكرنا بالمسائل الأمنية والمزاج العام للشارع الاسرائيلي، والثاني هو أن هاتين القضيتين تعتبران من القضايا التفصيلية المتعلقة بالحل النهائي التي تحتاج إلى مفاوضات حثيثة، وطالما أن المفاوضات في حالة توقف مستمر منذ عامين، فمن الطبيعي ألا يتم التطرق إلى هذا الملف. ومع ذلك فقد أشار آخر استطلاع لمقياس السلام عن شهر نوفمبر 2002 إلى أن 31% من الجمهور الإسرائيلي اليهودي على استعداد لتسليم الأحياء العربية في شرقي القدس للسيادة الفلسطينية في ظل مفاوضات متقدمة، وأن تكون القدس عاصمة لدولة فلسطينية. وذلك مقابل 63% يعارضون هذا الموقف منهم 52% يعارضون ذلك بشدة. وهذا يشير إلى أن قضية تقسيم القدس لا زالت تمثل خطاً أحمر لدى أغلبية في الجمهور الإسرائيلي، حيث أن حجم المعارضة لهذا الحل لا زالت كبيرة وإن سجلت بعض التراجع. وبمقارنة مواقف الجمهور الإسرائيلي بمواقف المرشحين لرئاسة الحكومة (آرئيل شارون-عميرام متسناع) أظهر الاستطلاع أن 14% فقط يعتقدون أن شارون سيوافق على تقسيم القدس مقابل 58% لمتسناع.

على النقيض من قضية القدس، فإن قضية إقامة دولة فلسطينية في نهاية المفاوضات لا تقابل بمستوى عال من الرفض، بل إن هناك أغلبية في الجمهور الإسرائيلي أخذت تسلم بها، حيث سجل حجم التأييد في الجمهور الإسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية 55% في نهاية ديسمبر 2001 مقابل معارضة 37%(7).

ويرتبط بقضية تأييد أو عدم تأييد قيام دولة فلسطينية من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي قضيتان الأولى: قدرة هذه الدولة على وقف العنف الفلسطيني، الثانية قضية التبادلية في الأراضي بين إسرائيل وهذه الدولة وولاء عرب إسرائيل لهذه الدولة. بالنسبة للقضية الأولى، فإن هناك أغلبية كبيرة (81%) في الشارع الإسرائيلي تعتقد أنه في حال قيام دولة فلسطينية فإن العنف الفلسطيني سيتوقف، وذهب 59% منهم إلى الاعتقاد أن مصلحة إسرائيل تتطلب إقامة دولة فلسطينية، وهذا يدلل على أنهم مستعدون للإكتفاء بأن يؤدي قيامها إلى خفض مستوى الإرهاب(8).

في القضية الثانية، لم يسجل الاستطلاع تغيراً يذكر منذ عام 1999، فقد أعربت أغلبية في الجمهور اليهودي 56% (13% في الوسط العربي) عن اعتقادها اليوم مثلما كان الحال عليه سابقاً، أن العرب الإسرائيليين سيكونون أكثر ولاءً للدولة الفلسطينية التي ستقوم مقابل 19% (52% في الوسط العربي) رأوا العكس. وحول فكرة مبادلة مناطق بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، بحيث تعطى إسرائيل منطقة المثلث للفلسطينيين مقابل ضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة في المناطق الفلسطينية لإسرائيل، أشار الاستطلاع إلى وجود أغلبية يهودية (52%) (20% في الوسط العربي) تؤيد ذلك مقابل معارضة 37% (62% في الوسط العربي). وبمقارنة هذه المعطيات مع معطيات شهر أكتوبر 2000 إثر اندلاع المواجهات بين الفلسطينيين واسرائيل وسقوط ضحايا لدى عرب إسرائيل، نجد أن هناك ارتفاعاً ملموساً في تأييد هذه الفكرة (التبادلية) في الوسط اليهودي، حيث أيدها في ذلك الوقت 56% أما في الوسط العربي فلم يطرأ عليها أي تغيير بين الفترتين.

ثالثاً: الموقف من اتفاقات أوسلو

عقب اندلاع المواجهات بين الفلسطينيين واسرائيل، صب معظم الجمهور الإسرائيلي اليهودي جام غضبه على اتفاقات أوسلو والقائمين عليها، معتبراً أنها السبب في الكارثة الأمنية التي تعانيها إسرائيل اليوم ومسؤولاً عن حجم الضحايا الاسرائيليين الذين سقطوا في هذه المواجهات. ظهر هذا الموقف في التآكل الكبير الذي أصاب التأييد لهذه الاتفاقات والذي لا زال مستمراً حتى اليوم. كما أن وصول يميني متطرف إلى رئاسة حكومة جعلت على رأس سلم أولوياتها تدمير ما نتج عن اتفاقات أوسلو، ساهم في زيادة انعدام ثقة الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) بهذه الاتفاقات حتى وصل الأمر إلى أن نسبة كبيرة من هذا الجمهور باتت ترى أن اتفاق أوسلو أصبح ميتاً وأنه يجب استئناف المفاوضات عبر مسارات أخرى. ويتطابق هذا الموقف إلى حد بعيد مع موقف رئيس الحكومة الحالي آرئيل شارون، الذي صرح في أكثر من مناسبة أنه يعتبر اتفاق أوسلو لاغياً. وبنظرة تحليلية على مستوى التأييد لاتفاقات أوسلو منذ اندلاع المواجهات 30 أيلول 2000 حتى الآن، نرى مستوى الضرر الذي ألحقته المواجهات بتأييد الجمهور الإسرائيلي لهذا الاتفاق، والمستوى البياني المنخفض لهذا التأييد يعكس مدى انعدام الثقة بامكانية أن تجلب هذه الاتفاقات السلام بين الشعبين، ففي نهاية سبتمبر 2000، قبل يومين من إندلاع المواجهات، بلغ التأييد لاتفاق أوسلو 51.3% ثم انخفض في بداية أكتوبر، أي بعد أيام من اندلاع المواجهات إلى 42.6% وظل التأييد يتدهور إلى أن بلغ 33.1% في نوفمبر 2002.

الخلاصة:

من خلال استعراض مواقف الجمهور الإسرائيلي تجاه السلام مع الفلسطينيين خلال الأشهر الماضية يمكن التوقف عند عدة نقاط أهمها:

*     التناقض الواضح في مواقف الجمهور الإسرائيلي.

*     الجمهور الإسرائيلي يبحث عن الأمن قبل السلام.

*     هناك تأثير كبير لسياسات الحكومات المختلفة على مواقف الجمهور الإسرائيلي.

*     الجمهور الإسرائيلي لديه تسليم واضح في بعض القضايا مثل انشاء الدولة الفلسطينية وإخلاء معظم المستوطنات، رغم غياب قضية الدولة من الاستطلاعات الأخيرة.

*     هناك ميل واضح لدى هذا الجمهور تجاه المواقف اليمينية، وهذا لا يعني بالضرورة أن الجمهور الإسرائيلي أصبح في معظمه يمينياً.

*     عدم الثقة التي يبديها الجمهور الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين مؤقتة، وهي مرتبطة بالأساس بالوضع الأمني  المتردي وتوقف عملية التفاوض.

 المراجع:


(*) لا زال هذا الحل يحظى بتأييد كبير لدى الجمهور الإسرائيلي، فبعد عام ونصف تقريباً على ولاية شارون، أيد 58% من الجمهور الإسرائيلي الفصل أحادي الجانب إذا لم يكن ممكناً التوصل إلى تسوية دائمة خلال عام، بشرط أن يضمن الفصل الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية وترتيب موضوع القدس.


(1)  هآرتس، 4/6/2002.

(2)  هآرتس، 4/7/2001.

(3)  هآرتس، 6/6/2002.

(4)  معاريف غالوب، 8/6/2001.

(5)  هآرتس، 8/8/2001.

(6)  يديعوت أحرونوت، 24/8/2001.

(7)  معاريف غالوب، 28/12/2001.

(8)  استطلاع السلام لشهر مارس هآرتس، 1/4/2002.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م