" بين وهم تحقيق الأمن وصعوبة التنفيذ "جمال البابا بعد أن حققت إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة إثر حرب عام 1967، بدأ النقاش في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية في كيفية التعامل مع هذه الأراضي وسكانها، فقد تبنى حزب الليكود ما يسمى بالحل الوظيفي، في حين تبنى حزب العمل الحل الاقليمي، الذي تمثل بمشروع آلون. وفي خضم هذا النقاش بدأت تطرح بعض الأفكار حول كيفية الاستفادة من هذا الانتصار، حيث طرح في حينه كيفية ترسيم حدود الدولة العبرية، وطفى على السطح ما يعرف بالحدود الآمنة والقابلة للدفاع عنها، وفي نفس الوقت التخلص من المخاطر الكامنة في البعد الديموغرافي، الذي قد يهدد النقاء اليهودي للدولة. ظلت هذه الأفكار مجرد آراء للتنافس بين الأحزاب الإسرائيلية إلى أن جاء اتفاق أوسلو، والذي اعتبر من طرف إسرائيل فرصة للتخلص من العبء الديموغرافي مع إمكانية تحقيق مكاسب اقليمية على الأرض، عن طريق إجراء تعديلات حدودية على الخط الأخضر، تفي بما يسمى بالاحتياجات الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل. ومنذ منتصف التسعينيات، وبعد العمليات الفدائية الكبيرة داخل اسرائيل، طرح رابين فكرة الفصل بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وظلت الفكرة تتدحرج من رابين إلى ايهود براك، والتي استحوذت على حيز كبير من برنامجه الانتخابي عام 2000 بعد فترة قصيرة من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم وصولاً إلى أرئيل شارون وحكومة الوحدة التي ترأسها، التي أقرت خطة للفصل ترتكز على النواحي الأمنية والعسكرية، بحيث بدأ تنفيذها بصورة عملية على الأرض في حزيران 2002. وعلى الرغم من احتواء هذه الخطط العديد من التفاصيل، فإن الجدل حول مصير الضفة الغربية ظل الجزء الأكثر ضعفاً في هذه الخطط، ولم تستطيع أي من الخطط التصدي لهذه القضية بصورة واضحة ومتكاملة، مما يجعل البعض يؤكد أن كل هذه الخطط جاءت لأهداف أمنية بحتة وان كان بعضها يحاول اقحام الموضوع السياسي في مضمونها. رابين وفكرة الفصل بعد سلسلة العمليات الفدائية التي قامت بها تنظيمات فلسطينية معارضة لاتفاق أوسلو داخل إسرائيل، وبخاصة عملية بيت ليد، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتشكيل لجنة وزارية لبحث امكانية وضع خطة للفصل بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبحث امكانية تطبيق هذه الخطة. وفي خطابه المتلفز يوم 24/1/1995، عبر رابين عن تصوره للخطوط العريضة لهذا الفصل بقوله "إن الدرب الذي تسير عليه الحكومة هو الدرب الذي يؤدي إلى إنهاء السيطرة على شعب آخر، يجب أن يؤدي إلى الفصل، ولكن ليس على أساس حدود عام 1967، فالقدس ستبقى موحدة إلى الأبد، والحدود الآمنة لدولة إسرائيل ستكون على نهر الأردن". وبالفعل قامت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة برئاسة وزير الشرطة موشيه شاحل، من أجل وضع خطة "للفصل الأمني" بين الأراضي الفلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وضمت اللجنة في عضويتها رئيس هيئة الأركان ورئيس الشاباك ومدير ديوان الحكومة ونائب وزير الخارجية والقائد العام للشرطة وضباطاً كبار آخرين. وبعد عدة اجتماعات ومداولات بلورت اللجنة خطة "للفصل" جاء في هدفها ما يلي "تعرض في هذه الوثيقة خطة ستدمج فيها الوسائل والجهود الأخرى الهادفة إلى إحباط الاعتداءات قدر الامكان، من خلال تقليص الاحتكاك الجماعي وغير المراقب وتعزيز المراقبة على المعابر المرخصة من (المناطق) إلى الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، وهو ما يصعب على العناصر ذات النشاط التخريبي المعادي إدخال وسائل قتالية إلى إسرائيل بهدف ارتكاب اعتداءات(1). ومع إقرار الأجهزة الإسرائيلية بعدم قدرة الخطة قيد الاعداد في منع العمليات الاستشهادية بصورة مطلقة، إلا أنه يمكن تقليصها والحد منها إذا توفرت الامكانات لذلك، ومع ذلك فقد أعدت الأجهزة الأمنية مجموعة من التوصيات إلى المستوى السياسي على اعتبار أنها العمود الفقري لأي خطة فصل تقدم عليها الحكومة، وقد ركزت التوصيات على الآتي: 1- إن الفصل الكامل ليس عملياً في المدى القصير لأسباب اقتصادية وديموغرافية وسياسية وتقنية وإعلامية، ولا يمكن سد الفجوات القائمة اليوم. 2- إقامة حزام فاصل يقع غالبيته في الضفة الغربية ويعلن كمنطقة عسكرية مغلقة. 3- إقامة معابر ثابتة تحت إشراف الشرطة لمرور الأشخاص والسلع والسيارات مع الحفاظ على المستوى الأمني المحدد. 4- المناطق بين المعابر تكون تحت مسؤولية الجيش الإسرائيلي، حيث يقوم بأعمال الأمن بوسائل مختلفة تشمل وسائل إعاقة وسد المعابر غير القانونية. 5- لا يبني الجدار الأمني إلا في المناطق التي لا وسيلة بديلة فيها لتأمين منطقة خط التماس. 6- زيادة وتوثيق التنسيق بين الجيش الإسرائيلي والشرطة على طول المنطقة الأمنية وفي المناطق المحاذية لها. 7- تطوير القدرات الاستخبارية التي تخدم أهداف الخطة مع تأكيد الحرب على الإرهاب. 8- تعزيز وتكثيف الشبكة الوقائية والاحباطية(2). وعلى الرغم من التفاصيل التي وضعتها لجنة الفصل، فإنها واجهت مشكلة كبيرة عند وضع خطة لإمكانية فصل مدينة القدس، ومن هنا فإن اللجنة قد أوصت فيما يتعلق بمدينة القدس بالآتي: 1- لن يكون هناك أي فصل داخل الحدود البلدية لمدينة القدس. 2- كل تطرق للقدس يكون للمدينة الموحدة ضمن الحدود البلدية الحالية. 3- تعزيز الأمن في القدس يحظى بموافقة الجيش والمخابرات من خلال تواجد مكثف لقوات الشرطة في المدينة. 4- سيجري سد غالبية الطرق الفرعية والارتجالية الموصلة من الضفة الغربية إلى القدس عن طريق وضع حواجز طبيعية. 5- سيجري انشاء ستة معابر على مداخل المدينة، وذلك بهدف تعزيز الأمن وتحري الأشخاص الذين يتواجدون في المدينة بصورة غير قانونية. 6- تشديد قيود الدخول إلى المدينة والهجرة اليها عن طريق التشديد في فرض القوانين المتعلقة بذلك. 7- إقامة سياج أمني بطول 10كم بالقرب من قرى قطنة، بتير، حوسان، حارس. من خلال العرض السابق يبدو جلياً أن فكرة الفصل لدى رابين كانت إجراءاً أمنياً من خلال إقامة حزام فصل وعوائق بين السكان الفلسطينيين والإسرائيليين، يمتد بموازاة الخط الأخضر مع بعض الجيوب التي سوف تتوغل جهة الشرق، وبخاصة في مناطق غرب نابلس واللطرون والقدس و"غوش عتسيون". وتؤكد الخطة أن الغاية من الفصل هو منع دخول الأفراد والسيارات إلى منطقة إسرائيل السيادية إلا في نقاط عبور منظمة وخاضعة للإشراف والرقابة الاسرائيلية، وبما أنه لا يمكن إغلاق خط التماس اغلاقاً تاماً، فلابد من تقليص المحاور القائمة إلى عدد محدد من نقاط الدخول، وإغلاق المناطق الواقعة بين نقاط العبور، ونظراً لقرب المسافة بين الأحياء السكنية اليهودية والعربية عند خط التماس تقترح الخطة إنشاء حواجز مادية من الجدران تتراوح أطوالها بين 23 و29 كم وبخاصة في مناطق طولكرم وقلقيلية وبيت سيرا وحبلة، إضافة إلى 10كم من الجدران في منطقة القدس. على الرغم مما احتوته الخطة من تفاصيل، إلا أنها قوبلت باعتراضات واسعة سواء من اليمين أو اليسار الإسرائيلي، فاليمين رأى في الخطة أنها مقدمة لانسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فقد أعلن أنه سيقاوم تنفيذ هذه الخطة التي تندرج من وجهة نظره في إطار الحل الإقليمي للصراع، مع العلم أن اليمين يفضل الحل الوظيفي لمستقبل الضفة الغربية. أما اليسار الإسرائيلي فيرى عكس ذلك، حيث اعتبر هذه الخطوة مقدمة لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لإسرائيل، إضافة إلى أنه رأى في خطة الفصل نوعاً من التمييز العنصري يفرض على الفلسطينيين. وأياً كانت الاعتراضات فإن الخطة لم تر النور ولم يتم تنفيذها، واكتفت حكومة رابين بما قامت به من إغلاقات وأطواق أمنية متكررة على الأراضي الفلسطينية. خطة باراك للفصل في اجتماعه مع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في مطلع شهر أكتوبر 2000، أشار إيهود براك إلى أنه "في حال استمرار الانتفاضة فإنه سيتوجه إلى الفصل أحادي الجانب، هدفنا هو أن نعمل على الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين. وإذا لم ينجح هذا من خلال المفاوضات فإننا سنفعل ذلك بصورة أحادية الجانب"(3). وكان باراك في وقت سابق قد كلف نائب وزير الدفاع أفرايم سنيه بإعداد خطة للفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبالفعل قام سنيه وبمشاركة رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي شلومو ينائي ومنسق النشاطات في الأراضي الفلسطينية يعقوب أور بإعداد خطة للفصل تتلخص في النقاط التالية: 1- تجميع المستوطنات النائية في ثلاث كتل استيطانية تحت شعار ضمها إلى إسرائيل وهذه الكتل: كتلة "اريئيل" غرب نابلس، كتلة اللطرون غرب رام الله، كتلة "غوش عتسيون" جنوب شرق مدينة بيت لحم. 2- تعزيز الرقابة الأمنية على المعابر الحدودية وإقامة المعوقات لمنع المتسللين من الدخول إلى إسرائيل، ولكن بصورة تترك مجالاً حدودياً مفتوحاً لجميع النشاطات بين مناطق السلطة الفلسطينية واسرائيل، مع اقتراح إقامة مشاريع على جانبي الحدود كالمناطق الصناعية مع فصل شبكة البنى التحتية، وبخاصة الكهرباء والمياه. 3- أن تتضمن الخطة فصلاً اقتصادياً، وبخاصة فيما يتعلق بتشغيل العمال والعلاقات التجارية. ويبدو واضحاً أنه على غرار خطة رابين للفصل، فإن ما يطرحه باراك يرتكز على الشق الأمني مع احتواء أفكار باراك لبعض الجوانب السياسية، وبخاصة عندما تحدث عن إخلاء بعض المستوطنات الكبيرة القريبة من بعضها البعض في كتل استيطانية، بحيث تضم هذه الكتل في نهاية الأمر إلى إسرائيل. ولكن بعد أربعة شهور من أكتوبر 2000 أجريت الانتخابات الإسرائيلية، وأدت إلى فشل باراك ومن ثم ظلت خطته للفصل قيد الإدراج. الفصل في عهد شارون قبل الحديث عن الجدار الفاصل الذي أقرته حكومة شارون ضمن مخطط عزل الأراضي الفلسطينية عن اسرائيل، لابد من الإشارة إلى أن موضوع الفصل بدأ في الفترة الأخيرة يستقطب الكثير من المؤيدين في الأحزاب الإسرائيلية المختلفة، وبخاصة حزبي العمل والليكود بدءاً من حاييم رامون الذي يروج للفكرة منذ سنوات، ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست دان مريدور، وأخيراً ميخائيل ايتان الذي يتبنى الفكرة في أوساط الليكود. وعلى الرغم من أن جميع الأسماء السابقة تؤيد فكرة الفصل، فإن التصورات تختلف من شخص إلى آخر فيما يتعلق بالموقف من المستوطنات والموقع الذي يجب أن يسير فيه الخط الفاصل. 1- خطة ميخائيل ايتان: تقوم خطة ميخائيل إيتان على فكرة إقامة جدار مزدوج وذلك على النحو التالي: - جدار أمني يشمل كل مناطق (أ) التابعة للسلطة الفلسطينية. - جدار آخر قرب الخط الأخضر الذي يعرف كجدار مؤقت، أما الحدود الدائمة فتحدد حسب رأيه بين خطوط 1967 وبين الخط الأمني حول مناطق (أ). 2- خطة دان مريدور: حسب مريدور، فإنه من خلال استنتاجاته من مباحثات كامب ديفيد، طرح الموضوع في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، حيث تحدث عن انسحاب إلى كتل استيطانية قبل إقامة الجدار الفاصل، مع تأكيده على أن خطة للفصل ستكون معقدة جداً وتثير الكثير من الأسئلة حول الحدود مع الأردن، وهل ستضم إسرائيل الكتل الاستيطانية من طرف واحد. 3- خطة رامون: تتفق الخطة في المبدأ مع خطتي باراك ومريدور من حيث تجميع المستوطنات في كتل استيطانية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الضفة الغربية، ومن ثم إقامة جدار فاصل بين الأراضي التي انسحبت منها إسرائيل والكتل الاستيطانية واسرائيل. في مقابل هذه الخطط نجد يوسي بيلين، الذي كان يعتبر من أقطاب حزب العمل يصف الجدار بأنه "جدار حزبي"، وأن المقصود من إقامة الجدار هو الحصول على دعم حزبي داخلي لدعاة اقامته. ورأي أن إقامة الجدار يعتبر تبذيراً اجرامياً للأموال، وأن الجدار الوحيد الذي يراه صحيحاً هو الذي يمر على طول حدود الرابع من حزيران عام 1967. 4- خطة حكومة شارون: عندما كان يشغل منصب وزير الزراعة عام 1977، ركز شارون في خطته الاستيطانية على منطقة الضفة الغربية وتحديداً شرقي الخط الأخضر. فقد خطط شارون لأن تشكل المستوطنات في هذه المنطقة وسيلة لإذابة الخط الأخضر والحيلولة دون تشكيل "كتلة عربية صلبة" على جانبي الخط الأخضر. وفي عام 1977 أعد شارون خارطة تبقي أجزاء كبيرة من الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وهذه المناطق هي: - شريط بعرض 20 كم على طول وادي الأردن على الحدود مع المملكة الأردنية. - شريط بعرض 7-10 كم على امتداد الخط الأخضر. - ثلاثة ممرات تخترق الضفة الغربية من الغرب إلى الشرق. - السيطرة على كافة المناطق المحيطة بالقدس بما فيها بيت لحم، (قطاع بعرض 10 كم شرق القدس). - كل المستوطنات تضم إلى المناطق الأمنية. أما اليوم فيتحدث شارون وهو في موقع رئيس الحكومة عن اجراءات مرحلية طويلة الأمد، والتي تتضمن في النهاية ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية إلى اسرائيل، ففي 4/3/2002 حدد شارون هذه المناطق، بحيث تضم شريطاً بطول 5 كم شرق الخط الأخضر، باستثناء منطقة أريئيل التي ستزيد فيها المسافة إلى 20 كم، وتشمل هذه المناطق شريط غرب نهر الأردن ويتراوح عرضه من 15-20 كم حتى يصل إلى المرتفعات الشرقية للضفة الغربية، بما في ذلك المنطقة القريبة من معاليه أدوميم. كما إن شارون شرح هذه الخطة أثناء عملية الدرع الواقي العسكرية التي بدأت في مارس 2002 حيث قال "إن المنحدرات الجبلية وموارد المياه ستظل بأيدي اسرائيل، وأن مستوطنات أمنية على غرار مستوطنتي كدوميم والكانا ستقام في السنوات القادمة على امتداد المنحدرات الجبلية"(4). في إطار هذه المواقف والتصريحات لم تكن فكرة الفصل قد دخلت قاموس شارون السياسي، وحتى الأمني، إلا أنه بعد التصعيد الكبير للعمليات الفدائية داخل اسرائيل، بدأ شارون يظهر موافقة مبدئية على فكرة الفصل، خاصة وأنها كانت تجد صدى كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية الإسرائيلية. وتتمحور الفكرة لدى شارون بإقامة مناطق عازلة تمتد على طول الخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية، بحيث تصنف كمناطق عسكرية مغلقة يمنع دخولها أو التحرك فيها على المواطنين الفلسطينيين إلا بعد حصولهم على تصاريح خاصة بذلك. من هذا المنطلق أوعز شارون للمجلس الأمني المصغر إقرار خطة خاصة بعزل القدس ومحيطها عن سائر الضفة الغربية، سميت "خطة غلاف القدس". والهدف منها، السيطرة على مدينة القدس والمناطق المحيطة بها لمنع دخول الفلسطينيين إلى المدينة للقيام بعمليات فدائية. وتقضي الخطة بإقامة حزامين أمنيين، الأول يمتد إلى خارج حدود بلدية القدس ليطوق المستوطنات المحيطة بها بدءاً من مستوطنة هار جيلو في الجنوب، مروراً بشمال بيت لحم بالقرب من مسجد بلال "قبة راحيل"، ثم يتجه الحزام صوب الشمال باتجاه مستوطنة معاليه أدوميم ثم شمالاً بغرب باتجاه مستوطنة جفعات زئيف. وبذلك فإن هذا الحزام يعني، أن يتم تسييج نحو 170كم2 حول مدينة القدس خارج الحدود البلدية للمدينة، وهو ما يؤدي إلى اضافة نحو 100 ألف مواطن فلسطيني، بالإضافة إلى 200 ألف موجودين أصلاً داخل مدينة القدس، داخل هذا الحزام الأمني، ومن ثم فصلهم عن محيطهم العربي في الضفة الغربية. وسوف يشتمل هذا الحزام على الكثير من القنوات والخنادق والعوائق والمواقع العسكرية ومناطق المراقبة. أما الحزام الثاني والذي يبدو أن شارون قد تراجع عنه(5) فيقع داخل مدينة القدس، بحيث يفصل بين الأحياء العربية واليهودية ولكن دون أن يتم وضع أي جدران داخل المدينة، والاكتفاء فقط بوجود مكثف لقوات الأمن لمراقبة الحركة بين شطري المدينة(6). أما فيما يتعلق بمخطط "الفصل" المتعلق بباقي الضفة الغربية، فسيكون على هيئة جدار فاصل، أطلق عليه إسم "عائق التماس". فقد قرر المجلس الوزاري المصغر إقامة هذا الجدار بكلفة تقدر بنصف مليار دولار، على أن يتم تنفيذه خلال عام من تاريخ المصادقة عليه ويتكون المخطط من: - غلاف القدس، وهو ما يتعلق بالمنطقة المحيطة بمدينة القدس، وقد سبقت الاشارة إليه. - السياج الأمني على طول الخط الأخضر، الذي يمتد من بيسان في الشمال حتى البحر الميت في الجنوب بطول 350 كم. في أغلب القطاعات، سوف يسير السياج إلى الشرق من الخط الأخضر تاركاً بينهما منطقة عازلة يتراوح عرضها بين كيلومتر وعدة كيلومترات، بحيث تزداد المسافة في المناطق التي تتواجد فيها مستوطنات محاذية للخط الأخضر على أن تعتبر هذه المناطق مناطق عسكرية مغلقة، وبحيث يتم الدخول والخروج منها ضمن ترتيبات أمنية يضعها الجيش الإسرائيلي، وعلى طول الجدار الأمني سيتم وضع نوعين من العوائق: عوائق ضد الأشخاص وعوائق ضد السيارات. - تشكيل عشرة سرايا من حرس الحدود تتولى الحراسة ومراقبة أية محاولات للتسلل عبر الخط الأخضر، بحيث يتركز نصف هذا العدد في منطقة القدس والنصف الآخر ينتشر على طول الخط الأخضر(7). - ما يلفت النظر أن خرائط المخطط التي ناقشتها الحكومة يوم 23/6/2002 وصادقت عليها، تتضمن منطقة غور الأردن بعرض 20كم، بحيث تظل هذه المنطقة تحت سيطرة إسرائيلية مشددة ووضع ترتيبات أمنية خاصة بها(8). المرحلة الأولى من المخطط: وفق المخطط الذي صادق عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون، فإن ما يسمى "عائق التماس" سيقام على عدة مراحل. وقد تمت المصادقة على البدء في تنفيذ المرحلة الأولى من المخطط، والتي بدأ التنفيذ فيها بشكل فعلي في منتصف حزيران 2002. في هذه المرحلة ستتم إقامة جدار متواصل بطول 110كم يبدأ من قرية سالم في شمال الضفة الغربية حتى كفر قاسم في الجنوب مقابل قرية الزاوية على الجانب الشرقي من الخط الأخضر.
بعد تجاوزه باقة الشرقية يعود جدار الفصل ليسير ملاصقاً للخط الأخضر، ثم ما يلبث أن يتجه صوب الغرب في الأراضي الإسرائيلية، ثم إلى الجنوب مشكلاً قطاعاً من الأراضي الإسرائيلية محصوراً بينه وبين الخط الأخضر بمساحة تقدر بـ 10 كم2 مقابل قرية دير الغصون بحيث تظل قريتين عربيتين لفلسطينيي 48 (ابثان، المرجة) داخل هذا القطاع. ويبدو أن السلطات الإسرائيلية اضطرت لذلك نظراً لوعورة التضاريس في هذه المنطقة وان كان لذلك مدلولاً مفاده أن البعد الأمني هو الذي يتحكم في سير هذا الجدار وليس البعد السياسي، وإلا لما كانت إسرائيل تترك جزءاً من أراضيها إلى الشرق من الجدار الفاصل. بعد خروج السياج الفاصل من هذا الجيب يسير موازياً للخط الأخضر إلى الغرب من مدينة طولكرم حتى يصل قبالة قرية الطيبة (داخل الخط الأخضر)، فيتجه مرة أخرى نحو الشرق مشكلاً قطاعاً عازلاً جديداً محتوياً مستوطنات سلعيت وتسوفيم وتسوريغال، إضافة إلى القرية الفلسطينية فلامة، ثم يعود السياج الفاصل مرة أخرى ليسير موازياً للخط الأخضر ومتجاوزاً مدينة قلقيلية من جهة الغرب، حتى يصل إلى الشمال قليلاً من مستوطنة أورانيت، ثم يتجه من هذه النقطة إلى الشرق بعمق 6 كم في عمق أراضي الضفة الغربية ليشكل قطاعاً عازلاً جديداً، يضم مستوطنات أورانيت، شعار حتكفا، عتسى أفرايم والكانا إضافة إلى ضمه قريتين عربيتين هما بيت آمين وعزون العتمة. وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن المواطنين من خارج هذه المناطق العازلة لن يستطيعوا الدخول إليها إلا بإذن مسبق من الإدارة العسكرية الإسرائيلية. أما سكان المناطق العازلة، فيمكن لهم دخول هذه المناطق والخروج منها من خلال مداخل محددة سيحددها الجيش الإسرائيلي(10). من خلال استعراض التصورات والخطط الإسرائيلية لما يسمى بالفصل، والتي اتسمت نوعاً ما بالانسجام في المبدأ، وهو التصدي لظاهرة العمليات الفدائية داخل إسرائيل. إلا أنه عند الخوض في التفاصيل، نجد اختلافات في الرؤى بين هذه الخطط، وهو ما يستدعي الإجابة على سؤال رئيسي هو: إلى أي مدى استطاعت هذه الخطط أن تقدم تصوراً اسرائيلياً حقيقياً للفصل، يشتمل على الأبعاد الأمنية والسياسية؟ ومدى إمكانية تطبيق الفصل بالمعنى الشامل للمصطلح؟ للإجابة على هذا التساؤل، فإننا يمكن تصنيف خطط الفصل التي طرحت من قبل الساسة الاسرائيليين إلى نوعين رئيسيين: - النوع الأول: خطط ترتكز على البعد الأمني دون احتوائها على رؤيا سياسية مستقبلية لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. - النوع الثاني: يحتل البعد الأمني جزءاً واضحاً في هذه الخطط، مع وضع تصورات لبعض جوانب الحل السياسي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. يتجلى النوع الثاني في خطتي باراك ورامون وهما من أقطاب حزب العمل الإسرائيلي. فخطة باراك تقوم على أساس بناء جدران فاصلة بين إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، مع وجود وسائل تحكم الكترونية ومعابر للسيارات ومعابر للمشاة، وهذا يطبق في المرحلة الأولى من الخطة التي سميت مرحلة الاستقرار، بحيث يتم في هذه المرحلة تطبيق الاعتبارات الأمنية من خلال حدود فاصلة قابلة للحماية، وإنشاء قطاعات أمنية في الغرب والشرق ومحاور طرق تصل فيما بينهما. وحسب الخطة فإن هذه الإجراءات لن تستخدم لمعاقبة الفلسطينيين وإنما لتحديد المرحلة الثانية. أما بالنسبة للمستوطنات، ففي المرحلة الأولى يتم إنشاء وضع يساعد على تجميع المستوطنات في كتل استيطانية كبيرة وقريبة من الخط الأخضر ومحيط القدس، من خلال توجيه المستوطنات في هذه الكتل لاستيعاب طلاب المستوطنات النائية وتقديم الخدمات البلدية لها، بحيث يعتاد سكان المستوطنات النائية على فكرة الانتقال التي يتوجب أن تتم في المرحلة الثانية، والتي تبدأ في حال صدور قرار حكومي بذلك، أو إعلان أحادي الجانب عن الدولة الفلسطينية، أو إذا حدث تصعيد خطير في الوضع الإقليمي، حيث من الممكن البدء في تنفيذ المرحلة الثانية على الفور عند حدوث أي من الأمور السابقة. ومع بداية المرحلة الثانية، توضع خارطة أولية تتفق مع التصورات الإسرائيلية للحل النهائي، بحيث تبقي للجانب الفلسطيني من 70% إلى 80% من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذه المرحلة تبدأ عملية إخلاء المستوطنات المعزولة أو المعزولة باتجاه الكتل الاستيطانية، مع عدم استبعاد استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وإمكانية فرض هذه الحدود بصورة نهائية من جانب واحد. لكن هذه الخطة لم تجد طريقها إلى التطبيق، بسبب موقف الجيش الذي قدم توصيته بأن، هذه الخطة لن تساعد على مزيد من الأمن، كما أن باراك لم يحصل على تأييد من أقطاب في حزب العمل في حينه وبخاصة بيرس وشلومو بن عامي ويوسي بيلين، إضافة إلى المعارضة اليمينية التي كانت تعارض مجرد طرح فكرة الفصل وتعتبرها استجابة لضغط الانتفاضة الفلسطينية ومكافأة لها، وقبل كل ذلك سقوط باراك في الانتخابات أمام شارون في مطلع العام 2000. أما النوع الثاني من مخططات الفصل، الذي يتمثل بالدرجة الأولى في الخطة التي اتخذت حكومة الوحدة بزعامة شارون قراراً بتنفيذ المرحلة الأولى منها، فقد جاء ليعكس تداعيات الانتفاضة الفلسطينية الثانية على مجمل الوضع الإسرائيلي. فعلى الرغم من معارضة شارون لمبدأ الفصل بين الضفة الغربية واسرائيل، وميله لتطبيق صيغة تتقرب من الحل الوظيفي في الضفة الغربية أو على أقل تقدير صياغة حل طويل الأمد ينتهي بأن يصبح الجزء الأكبر من الضفة الغربية، وبخاصة الأجزاء الاستراتيجية منها، جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل. على الرغم من هذه القناعات المترسخة لدى شارون، فقد وجد نفسه وبضغط من الشارع الإسرائيلي مضطراً للتعاطي مع ما يسمى فكرة الفصل. ومن هنا جاءت الخطة التي بلورتها حكومته لتستجيب للمطالب الأمنية للشارع الاسرائيلي، بحيث يتم إقامة سياج فاصل ومناطق عازلة تحقق الهدف الأمني دون أن تؤثر بأي شكل من الأشكال على تصورات شارون لطبيعة الحال النهائي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ومما يلفت النظر، أنه على الرغم من إقرار مخطط شارون للفصل، وبدء تنفيذ المرحلة الأولى منه، ورغم ادعاء الحكومة الإسرائيلية أن العمل يسير كما هو مخطط له، فإنه ميدانياً لم يتحقق إنجاز واضح على صعيد بناء الجدار الفاصل، وهو ما يثير الشكوك في أن الحكومة القادمة في اسرائيل، والتي من المتوقع أن تكون حكومة يمين، أن توقف أو تجمد العمل بهذه الخطة، وهو ما يصب في خانة أن كل ما يقوم به شارون من تخطيط لعملية الفصل يغلب عليه الطابع التكتيكي المؤقت ويرتكز على أهداف أمنية وعسكرية محضة تخدم شارون في حملاته الانتخابية الداخلية. وفي إطار الإجابة على التساؤل السابق لابد من التأكيد على النقاط التالية: - جاءت جميع المقترحات والخطط الخاصة بالفصل تحت ضغط العمليات الفدائية داخل إسرائيل. أي أنها جاءت لدواعي أمنية ولم يرتق أي منها لدرجة أن تمثل تصوراً متكاملاً قابلاً للتنفيذ يحقق حلاً أمنياً وسياسياً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. - لم تتحدث جميع الخطط المطروحة عن فصل مطلق، ولكنها تتحدث عن استمرار للحركة على جانبي الخط الأخضر من خلال حركة عبور للبضائع والأفراد بالاتجاهين، وهو ما يؤكد أن الهدف من هذه الخطط جاء لمعالجة الوضع الأمني المتدهور داخل اسرائيل، إضافة إلى استرضاء الشارع الإسرائيلي. - تمثل المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في كافة أرجاء الأراضي الفلسطينية عقبة كبيرة أمام إنجاز أي مخطط فصل يحقق الأهداف المعلنة، حتى مع افتراض ضم إسرائيل لكتل استيطانية بعد تجميع المستوطنات النائية فيها، الأمر الذي يخلق وضعاً يجعل إسرائيل مضطرة لحماية خط حدودي ضعف الخط الحالي، إضافة إلى معضلة القرى العربية التي سيتم ضمها ضمن هذه الكتل الاستيطانية. فعلى سبيل المثال فإن الكتلة الاستيطانية غرب رام الله تضم 11 مستوطنة إسرائيلية يستوطنها نحو 23 ألف مستوطن، في مقابل مجموعة من القرى الفلسطينية تضم نحو 40 ألف مواطن فلسطيني. كل هذه الأمور تجعل من إمكانية تحقيق فصل جدي بين الأراضي الفلسطينية واسرائيل أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. المراجع: |
|