بقلم: كارولاين كليك جريوسالم بوست16/8/2002 في صباح يوم الثالث من نوفمبر تشرين ثاني من عام 1968، عُرض على رئاسة هيئة الأركان ولأول مرة، خطة رئيس الأركان حاييم بارليف للدفاع عن شبه جزيرة سيناء. تنص الخطة على إنشاء خط فاصل على طول خط المياه في قناة السويس ونقاط مراقبة صغيرة، تفصل بين كل نقطة وأخرى مسافة ستة كيلومترات من الشمال إلى الجنوب. كان رد الميجر جنرال ارئيل شارون على خطة بارليف رداً سلبياً، حيث انتقد الخطة قائلاً "لم يركز الجيش الإسرائيلي عملياته أبداً حول خطوط دفاعية غير متحركة، لأننا وحتى عام 1967، لم نكن نملك حدوداً نستطيع أن ندافع عنها دفاعا منظماً، والنظرية العسكرية الإسرائيلية قامت على أساس الضربات الدفاعية التي تنقل الحرب إلى أرض العدو، أعتقد أن الدفاع عن سيناء يجب أن يكون بالقوات المتحركة لا بالثابتة". إستشاط بارليف غضباً وجعل أعضاء رئاسة الأركان يستهزئون بشارون وحليفه الوحيد الميجر جنرال يسرائيل طال لإنتقادهما ما أطلق عليه بعد ذلك "خط بارليف". أما على المستوى الشعبي فقد حظي خط بارليف بشعبية واسعة، وليس ادل على ذلك من أن الشاعرة ناعومي شيمر ألفت قصيدة غنائية بعنوان "مديح نقطة مراقبة"، أصبحت فيما بعد تردد في السهرات الليلية. بيد أن شارون وطال كانا على حق، ففي يوم الغفران، في السادس من أكتوبر من عام 1973، إكتسح الجيش المصري خط المياه وتمكن بسهولة من تحطيم نقاط المراقبة ليقتل ويأسر من حوصر بداخلها. لم يكن الإكتساح المصري بحاجة لأن يبرهن على أن خط بارليف كان فشلاً ذريعا، فقد كان طال قد أوضح ذلك في رسالة بعث بها إلى وزير الدفاع موشيه دايان في 20 سبتمبر 1970 قال فيها: "لقد حولت نقاط المراقبة المنطقة الإسرائيلية من منطقة فارغة من الأهداف إلى منطقة مليئة بالأهداف الثابتة…. ومن أجل الدفاع عن هذه المواقع سنضطر إلى تنفيذ أنشطة روتينية خارج نطاق مهماتنا النظامية، وبهذا تكون الوحدات المساندة كالعربات المصفحة والجنود والمدنيين أيضاً عرضة لنيران العدو، علماً بأن عدد الإصابات التي وقعت في صفوف لواء سيناء في الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو 1970 بلغت 498 إصابة، منهم 69 قتيلا، قُتل 49 منهم وأصيب 200 آخرين داخل نقاط المراقبة. صادق مجلس الوزراء صبيحة يوم الأربعاء المنصرم 14/8/2002 دون معارضة، على قرار بناء أول 116 كيلو مترا من سور الفصل البالغ طوله 360 كيلومترا، والمزمع إنشاؤه على بعد كيلومترات قليلة من الخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبهذا يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون، قد دفع الحكومة إلى الموافقة على خطة تركز فيها الدفاعات الإسرائيلية على خط ثابت على إمتداد خط لا يمكن الدفاع عنه. والأسوأ من خط بارليف، الذي على الأقل تميز ببعده بمئات الكيلومترات عن المراكز السكانية، هو أن هذا الخط الثابت الذي صودق عليه يوم الأربعاء المنصرم، يقع وسط منطقة مدينة مكتظة بالسكان. والأسوأ من ذلك أيضاً، هو أن هذا الخط سيفصل طبيعيا ونفسياً وسياًسياً عشرات الألوف من الإسرائيليين عن بقية البلاد. لقد عاشت إسرائيل من قبل تجربة الفصل أحادي الجانب عن الفلسطينيين، فبعد توقيع اتفاقيات أوسلو إبتدع قائد المنطقة الوسطى آنذاك ايلان بيران مفهوم الطرق الإلتفافية، أدرك بيران أن إرغام الإسرائيليين على الإستمرار في عبور المناطق التي ستتحول إلى سيطرة عرفات العسكرية سيكون بمثابة توقيع حكم بالإعدام عليهم. بيد أن نجاح استراتيجية الطرق الإلتفافية الدفاعية أمر مشكوك فيه على أفضل الأحوال. إذ أن مقتل ما يربو على مائة إسرائيلي على أيدي إرهابيين على الطرق الإلتفافية يرجح الجدل القائل، بأن هذه الطرق تخفي وتنقل الخطر من المدن الفلسطينية إلى الطرق، فضلاً عن أنها بعيدة كل البعد عن توفير الأمن الحقيقي. أما أنصار هذا الجدار فيدعون أن الحاجز الطبيعي بين المدن الفلسطينية والمراكز السكانية الإسرائيلية سيعمل على ردع الهجمات الإرهابية. لكن بعد كل مجزرة تتم داخل الخط الأخضر وحتى قبل أن يعرف عدد القتلى، يسارع عمالقة التحليل الإخباري والخبراء العسكريون إلى الإعتقاد، أن هذا الهجوم نجم عن "ثغرات في خط التماس"، وقد تجاهلوا حقيقة أن الأسوار أثبتت أنها عقيمة في صد الهجمات الإرهابية. لقد أنفقت إسرائيل في الشمال مئات الملايين من الشواكل على بناء الأسوار الإليكترونية على طول امتداد الحدود الدولية، غير أن ذلك لم يمنع حزب الله من إختطاف جنودنا، ولم يمنع حزب الله من إحضار سلم مقوس يفرد بسهولة فوق الجدار، بحيث أتاح للإرهابيين الدخول إلى إسرائيل وحصد أرواح ستة إسرائيليين يوم الثاني عشر من مارس آذار الماضي. ذلك الجدار أيضاً لن يشكل أي عقبة أمام إطلاق حزب الله عشرة آلاف صاروخ إيراني على خليج حيفا. إن افضل وسيلة يمنع فيها الجدار تسلل الإرهابيين، هي من خلال نشر آلاف الجنود في دوريات مستمرة على طول امتداد الجدار، وبذلك تنتفي الحاجة للجدار، وافضل وسيلة لمنع الهجمات بالصواريخ هي احتلال أرض العدو. يدعي أيضاً أنصار الفصل أنه في ضوء أن أغلب الهجمات داخل الخط الأخضر تأتي من الضفة الغربية، التي لا يوجد بها جدار وليس من قطاع غزة الذي يوجد به جدار، فإن الجدار حول غزة فعال ورادع. لكن أصحاب هذا الرأي يتجاهلون حقيقة أن جبهة غزة اشد عنفا من جهة الضفة الغربية. فحسب البيانات التي أدلى بها الناطق بلسان الجيش، وقع في قطاع غزة في الفترة الممتدة ما بين 29 سبتمبر 2000 إلى أغسطس 2002 زهاء 8.883 حادثاً إرهابياً، مقابل 6.543 حادثاً إرهابياً بالضفة الغربية. إستخدم الفلسطينيون في قطاع غزة الضفادع البشرية والأنفاق وقذائف الهاون لخرق الجدار، فضلاً عن أنهم يعكفون الآن على تطوير طائرات شراعية للتحليق فوقه. يصف د.مارتن شيرمان من جامعة تل أبيب والباحث في مركز هرتسيليا هذا الجدار بأنه "كارثة إستراتيجية على جميع المستويات"، ويضيف قائلاً "جميع السهل الساحلي منكشف من مرتفعات يهودا والسامرة، وأية قذيفة هاون أو صاروخ على الطريق الساحلي في ساعة الذروة ستسبب كارثة، إن كنا قد إحتجنا إلى منطقة أمنية في جنوب لبنان للدفاع عن مستوطناتنا في الشمال. وتُرى كيف سنتمكن من الدفاع عن رمات هشارون وكفار سابا داخل الخط الأخضر". يُنوه شيرمان أيضاً إلى أن هناك جدلاً جارياً حول، ما الذي سيمنع أن يصبح هذا الجدار حداً حتمياً يزيد من عدم رغبة المجتمع الدولي في تقبل أي إجراءات أو خطوات عقابية ووقائية، يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد إرهابيين فلسطينيين على الجانب الآخر. ثم أن أحداً لم يخطر بباله أن يطرح السؤال التالي: تُرى أي نوع من السيطرة يمكن أن تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين من الجانب الآخر، من الجدار لتغيير سلوكهم؟ ما الذي سيوقف زخم جهود حكومة وحدة وطنية فلسطينية من منظمة التحرير وحماس في الكفاح في سبيل تفكيك الدولة اليهودية عندما تنكفئ إسرائيل نتيجة لجهودهم إلى حدود عام 1967، التي لا يمكن الدفاع عنها والتي لم يتأمل الميجر جنرال ارئيل شارون عام 1968 أبداً في تحقيق ذلك؟ الواقع هو أنه وفي صميم حملة الفصل هذه يكمن شعور بعدم الرغبة في الجدال، بأن الفلسطينيين هم الملامون على هذه الهجمات لا غياب الجدار. أفضل طريقة لحماية الإسرائيليين لا تتمثل في شق الطرق الإلتفافية أو بناء الجدار، بل في منع العدو من الهجوم في المقام الأول، وهذا بالتأكيد ما كان يعرفه ارئيل شارون قائد الكتيبة 101 في الخمسينات معرفة جيدة، وهو مهاجمة العدو في عقر داره. يتبنى وزير الأمن الداخلي عوزي لاندو وجهة نظر أوسع أفقاً، حيث يرى أن أهداف الجدار تتعدى مكافحة الإرهاب الذي يمكن تحقيقه عن طريق نشر قوات الجيش على طرفي الجدار. بيد أنه يعتقد أن الهدف الأساس من وراء بناء الجدار، هو منع عشرات الألوف من الفلسطينيين الذين يعبرون الخط الأخضر يومياً من الإستمرار في ذلك، ويعترف أن ذلك ليس له علاقة بوقف الهجمات الإنتحارية التي لا يستطيع هذا الجدار منعها حسب رأي لاندو. يعتقد لاندو أيضاً أن هذا الجدار يعتبر وسيلة لصد المد الفلسطيني إلى داخل الخط الأخضر لغرض الزواج وإقامة كيان أسري، وإفساد وتشويش الأغلبية اليهودية. يقول لاندو أنه لا يعرف بالضبط هدف خطة بن إليعازر للفصل، لكنه صوت لصالحها لأنه يرى فيها جدوى لصد الهجرة غير الشرعية، وهو الرأي القائل أنه وبصرف النظر عن دوافع بن إليعازر، فإن حقيقة الإرهاب الفلسطيني ستجعل من تطبيق أي خطط بالإنسحاب من قبل زعيم حزب العمل أمراً مستحيلاً. أما بالنسبة لخصوم الخطة فإن تصريحات لاندو لا توفر إلا القدر القليل من الإرتياح، إذ يرى شيرمان أن "بناء الجدار ما هو إلا مثال آخر على فشل المعسكر القومي في توعية الجمهور بطبيعة الكفاح الذي نخوضه. فبدلا من توعية الأمة بالحقيقة البسيطة المّرة وهي أن الفلسطينيين يخوضون حرباً بلا هوادة لا لتقرير المصير، بل لتدمير الدولة اليهودية، راح المعسكر القومي يسهل لأنصار إتفاق أوسلو نغمة التذمر والدعوة للحاجة إلى حل سياسي يستحيل تحقيقه". وبعدم الكفاح والإنتصار في معركة الوعي الجماهيري تكون إسرائيل، وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية، قد طوت خياراتها العسكرية والسياسية إلى حد أصبح من الواضح جداً عنده أننا نخفي وراء وهم الدفاع، سورا لا يمكن الدفاع عنه. في عام 1968، لم يستمر الجدال والنقاش حول خرافة سور بارليف سوى يوم واحد. أما اليوم وفي أوج الحرب وفي ظل عدم وجود نقاش عام وجدال داخل الجيش والحكومة، تكرر إسرائيل نفس الخطأ. يرى خصوم السور أن ذلك ما هو إلا خطوة أولى نحو إنسحاب كامل إلى حدود ما قبل حرب الأيام الستة التي لا يمكن الدفاع عنها، بينما يدعم أنصار الفصل أحادي الجانب في الحكومة هذه الخطة التي يرون فيها فوائد تكتيكية معينة، ويقتنعون بأن الفلسطينيين أنفسهم سيحرمون حزب العمل من أية إمكانية للإنسحاب من الضفة الغربية. في وسط كل ذلك يكمن الجمهور الذي ضلله قادتنا وأوهموه، بأن سوراً بالغ التكلفة مثل هذا ولا يملك فرصة تقليص التهديدات الإرهابية لحياتنا، هو في حقيقة الأمر دواء لكل داء. السؤال الذي يطرح نفسه: أين ستكون إسرائيل وكم من الإسرائيليين سيقتلون قبل أن يثبت الفلسطينيون مع مرور الوقت صدق هذه الرأي، وبماذا سنخدع أنفسنا بعد ذلك؟ ترجمة: زهير عكاشة |
|