إعداد: اوري نير وليلى غالي ترجمة: أنطوان شلحت إصدار : المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مؤسسة الأيام، رام الله 2001، 64 صفحة مراجعة: سوزان عقل تصدر سلسلة "أوراق إسرائيلية" عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، وهذا الكتيب "المدن المختلطة في إسرائيل"، عبارة عن ريبورتاجات صحفية حول الأوضاع والعلاقات بين اليهود والعرب في التجمعات السكانية المختلطة في إسرائيل، ويحتوي على تعريف بالمدن المختلطة (الإندماج)، ويعرض نماذج على هذه المدن. وفيما يلي ملخص لما ورد فيه. تعريف الإندماج: أشار الكتيب إلى أن هذا التعريف وكمصطلح عالمي يرمز إلى المدن المختلطة. وبموجب تعريف مكتب الإحصاء المركزي، فإن سبعة تجمعات سكنية في إسرائيل تعرف بكونها مدنا مختلطة، يعيش فيا حوالي 100 ألف عربي يشكلون حوالي 10% من مجموع العرب في إسرائيل. ولكن في إسرائيل هل يعني مصطلح المدن المختلطة الإندماج أم الفصل؟، حيث لا يوجد في إسرائيل مدنا مختلطة حقا. والحديث في التقارير الواردة في هذا الكتيب يدور عن مدن كانت ذات مرة عربية، وبعد عام 1948 أصبحت مدنا يهودية ذات أقلية عربية بنسب متغيرة. والكتيب يتطرق إلى هذه المدن ويعالج كينونتها الإجتماعية السياسية. عكا: هي واحدة من سبعة تجمعات سكنية مختلطة، نسبة العرب فيها هي الأعلى من بين المدن المختلطة الأخرى. يواجه السكان العرب واليهود فيها ضائقة شديدة تراكمت بعد سنوات من التغاضي والإهمال. فالسياسة التي انتهجتها الحكومة قد حطمت التعايش الذي كان من المفترض أن يسود. حيث يعيش العرب في البلدة القديمة والتي أصبحت في الأيام الأخيرة مكاناً حزيناً غالبية محلاته مقفلة. وقد كشفت الأحداث الأخيرة في المناطق الأسس المهزوزة للوجود في عكا، فالأوضاع الإجتماعية الإقتصادية للطرفين متدنية. كما وتعتبر عكا بالنسبة لليهود محطة انتقالية إلى حياة أفضل في مكان آخر. وفي عام 1983 كان في عكا 38 ألف نسمة، 20% منهم عربا. وعلى الرغم من موجة الهجرة الكبيرة من الإتحاد السوفييتي السابق وازدياد عدد السكان إلى 51 ألف نسمة، إلا أن نسبة العرب منهم إرتفعت إلى 28%، بسبب ظاهرة هجرة اليهود العكسية من عكا والتي تعتبر الأكبر في إسرائيل. وتمارس الحكومة في عكا سياسة خرقاء، حيث يتم إهمال السكان العرب حتى لا يجذبوا المزيد منهم إلى عكا. وفي المقابل أهمل اليهود من خلال تغاضٍ لا تفسير له. كما وانتهجت سياسة منح التجمعات السكنية المجاورة لعكا امتيازات وتخفيضات في ضريبة الدخل ولم تمنح ذلك لمدينة عكا، مما أدى إلى مغادرة الفئة الأقوى والتي غالبيتها من اليهود. وفي محاولة لوقف هجرة اليهود من عكا، مُنِحَت عكا نسبة من التخفيض في ضريبة الدخل. لكن هذا الإجراء شكل جاذبا لقدوم المزيد من السكان العرب إلى عكا. وبعد أحداث الأقصى الأخيرة أصبح الطابع العربي للمدينة هو ما يخيف السكان اليهود ويجعلهم يهربون. ويعطي الكتيب مثالا على ذلك، هو حي وولفسون، الذي تم بناؤه لإسكان المهاجرين اليهود، ولكنه بعد فترة أصبح عنوان جذب لعرب عكا القديمة. ومع إزدياد عدد السكان العرب بدأ اليهود بمغادرة أحيائهم. إذن فالفصل كان هو المصطلح الرائج في الخطاب اليهودي في عكا، حيث بدأ اليهود في عكا يؤيدون تحسين أوضاع العرب المعيشية وفي كل شيء وعلى إنفراد حتى لا يتم الدمج بينهم وبين السكان اليهود وحتى يتم الحفاظ على عدم سقوط عكا في أيدي العرب. كما وأصبحت عكا تعاني من فراغ قيادي بعد أن كانت مركزاً مغايراً ومدينة إقليمية صاخبة، ففي ظل غياب قوى محلية ومؤسسات جماهيرية راسخة، تراجعت عكا من مكانتها كمركز إقليمي عربي. حيث تعاني المدارس فيها من ضائقة مادية صعبة، ويشكو العرب من تمييز صارخ في ميزانيات التعليم، مما دعا أولياء الأمور إلى تسجيل أولادهم في المدارس اليهودية. وبين الإتجاهين المتناقضين (السعي اليهودي للفصل، واحتياج العرب لليهود ومواردهم)، يبحث المجتمعان عن مخرج من المتاهة التي وصلا إليها في أعقاب الأحداث الأخيرة، وعلى المدى البعيد، ليس في مستطاع هذين المجتمعين أن يجابها بمفردهما ذلك العبء الإجتماعي والسياسي المترتب على إيجاد معادلة أكثر صحة للحياة المشتركة. حيفا: خلافاً لمدن مختلطة أخرى، حدث تطور في حيفا وعلى مدار مئة سنة وجد تعاون بين اليهود والعرب. إلا أن هذه العلاقات ليست مثالية تماماً. فاليهود يسكنون فوق جبل الكرمل، بينما يعيش العرب في المدينة التحتا. الأغلبية اليهودية في حيفا لا تخاف من الخطر الديمغرافي العربي، ولا تخاف من أي خطر أو تهديد من طرف الجيران العرب. فالنسبة المنخفضة للسكان العرب في حيفا، والبالغة 8.5% من مجموع السكان، تجعل الشعور بالخطر غائماً في المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 268 ألف، إضافة إلى أن أكثر من نصف السكان العرب هم من المسيحيين، وهذا يسهم في التقليل من الخوف، كما أن الغالبية الساحقة من العرب هم لاجئون سكنوا حيفا بعد الحرب. وعلى العكس من عكا فالعرب هم الذين يخافون من تهويد تاريخ المدينة. والصراع بين اليهود والعرب في حيفا يدور على المستوى الرمزي، أما المزاعم بشأن التمييز وإنعدام المساواة، فإنها ليست صارخة وحادة. وعلى الرغم من هذا التعايش الموجود في حيفا، فإن علاقة العرب واليهود لم تكن مثالية، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة ذلك. وتعتبر إسرائيل المجتمع الأكثر فصلا في العالم، وعملية الفصل تتم بعزل العرب بصورة مخفية تجعل الفوارق بين المجتمعين حادة، وهو ما تعكسه مدينة حيفا. أما بالنسبة للمدارس فتعاني المدارس العربية من ظروف متدنية وتمييز في الميزانية، فالأولاد العرب يتعلمون في مدارس أهلية خاصة بسبب الظروف المتدنية في المدارس العربية الحكومية، حيث أن توسيع المدارس العربية وتطويرها يزحف ببطء شديد. يافا: التعايش الحقيقي في يافا غير قائم منذ سنوات عديدة. فاللقاء الصعب بين سكان عرب ويهود ضعفاء، والهوة الهائلة بين عرب فقراء ومتمردين ويهود ذوي ثراء فاحش، يخلق توتراً إجتماعياً. وكما في المدن المختلطة الأخرى حدث أمر جلل في يافا في الأشهر الأخيرة حيث التعايش الهش لم يعد قائما. فبعد الأحداث تحولت يافا إلى مدينة أشباح مما أدى إلى انهيار التعايش وتعميق مفهوم الفصل، أكثر مما هو قائم في أية مدينة مختلطة أخرى، حيث يلازم السكان العرب شعور بالغزو بـ"كولونيالية أغنياء ليبراليين". ويعاني السكان العرب في المدن المختلطة من ضعف سياسي مزدوج وتمييز سلطوي. فتمثيل العرب في المؤسسات البلدية في يافا ضئيل للغاية. وبشكل عام يرتبط عرب يافا بجيرانهم اليهود أكثر من عرب عكا وحيفا. وما يريده العرب في يافا هو حل مشكلتي التعليم والسكن، وتلاحق هاتان المشكلتان المجتمعات العربية في جميع المدن المختلطة إلا أنهما عويصتان في يافا، حيث يوجد في يافا ثلاثة مدارس حكومية عربية 95% من طلابها مسلمين، وثلاثة مدارس مسيحية جميع طلابها مسيحيون، ومدرسة يهودية واحدة. والعرب في يافا جعلوا من تسجيل أولادهم في المدرسة اليهودية تكتيكاً. فاليهود الذين يرتعبون من هذه العملية يسارعون في مطالبة السلطات بالتحسين المتسارع لجهاز التعليم العربي من أجل منع غزو مدارسهم. أما أزمة السكن فهي من العلامات الفارقة ليافا بعد 1948 فقط 40% من السكان العرب يملكون بيوتا مقابل 70% من اليهود. ويمنح قانون حماية المستأجر هؤلاء السكان قدرا ضئيلاً من الدفاع والحماية، ويفرض عليهم الكثير من القيود. بالإضافة إلى الإزدحام الشديد بسبب انعدام البناء الحكومي. وفي السنوات الأخيرة زودت الحكومة أربعمائة عائلة مستحقة من بين عرب المدينة حلولاً سكنية، في إطار مشروع إبنِ بيتك بنفسك، وجرى تخفيض رسوم الإنفاق على التطوير، ورغم ذلك من الصعب إقناع السكان العرب بالإنضمام للمشروع لأن العرب ينظرون إلى هذا التطوير كمحاولة لجعل يافا أكثر جاذبية في نظر اليهود، فالعرب هنا يواجهون خطرا وجودياً يتمثل في طرد العرب بهدف تهويد المدينة. اللد والرملة: اللد هي المدينة المختلطة الأكثر ضعفا في إسرائيل، ويحلم المهاجرون الجدد بجدار فاصل بين حيهم وبين الأحياء العربية، أما في الرملة فيتم تنفيذ مشروع ترميم استثنائي، لكن سلطات التخطيط لا تزال تضع العقبات أمام كل ما هو مختص بالعرب. وفي اللد توجد جميع المشاكل التي تميز المدن المختلطة من حيث اللقاء بين فئات ضعيفة، جوع، إنتزاع، إهمال، تمييز، جريمة ومخدرات، الأمر الذي أصبح شائعاً في اللد خاصة في السنوات الأخيرة، بسبب إنعدام وجود قيادة محلية. فاللد مدينة مشروخة ومبتورة أكثر منها مدينة مختلطة، يعيش في اللد حوالي سبعين ألف، 22% منهم عرب، 90% منهم مسلمون. و20% من السكان هم مهاجرون. وكحال المدن المختلطة الأخرى تشكل اللد محطة إنتقالية لليهود الضعفاء الذين سرعان ما يخرجون منها صوب تجمعات أرقى، وما يتبقى فهم العرب واليهود الضعفاء. السكان العرب في اللد هم الأكثر إشكالية من بين جميع السكان في المدن المختلطة، فالغالبية العظمى من السكان العرب حالياً هم من البدو، الذين تم إخلاؤهم من النقب والذين يقيمون في أحياء فقيرة ومهملة فبعد عام 1948 لم يبق في اللد سوى 564 من مجموع 30 ألف عربي. وفي سنوات الإنتفاضة السابقة أضيف إلى اللد عدة مئات من عائلات المتعاونين مع إسرائيل، فكان إستيعاب اللد من المتعاونين أكثر من أي تجمع سكاني عربي آخر. وبإستثناء مدن أخرى عربية بقيت فيها نواة من السكان أو منطقة عربية تاريخية، لم يبق في اللد إلا الدمار. وفي السنوات الأخيرة أضيف إلى اللد خمسة عشر ألف مهاجر من الإتحاد السوفييتي، وسكنوا بجوار الأحياء العربية دون علمهم. ويشكل هؤلاء المهاجرون دوما وكلاء تهويد للمدن المختلطة. وفي اللد يحظر بيع المنزل أو تأجيره إلا بمصادقة لجنة القبول بحجة المحافظة على طابع الحي ومستوى سكانه. وقد أدت الأحداث الأخيرة إلى تعاظم الخوف من العرب. ويتمثل الطموح الكبير لدى اليهود في الفصل عن الأحياء العربية. ورغم القرب الجغرافي بين مدينتي اللد والرملة والتشابه الأساسي في المشاكل والتعاون الموجود من قبل في عدة خدمات، فإن للرملة قصة مغايرة تماماً، حيث النسيج البشري للرملة مركب بشكل لا مثيل له، حيث يعيش في الرملة حوالي 66 ألف، 23% منهم مهاجرون من الإتحاد السوفييتي، و13% هم من العرب المسيحيين، وهي أعلى نسبة للمسيحيين في المدن المختلطة. وتعتبر الجواريش من الأحياء الأكثر فقراً في الرملة، حيث تعد ضاحية المجتمع العربية في الرملة يسكنها بدو تم إخلاؤهم من النقب، نسبة الهجرة السلبية للسكان اليهود والتي غالبيتهم من الفئات القوية من الرملة تصل إلى 9% سنوياً. وهذه العملية التي تعتبر ملاذا لليهود تقفز عن العرب حتى أن وزارة الإسكان قفزت بمشروعاتها التطويرية عن مدينة الرملة، وإمكانية أن تمتنع الدولة عمداً عن القيام بمشاريع بناء مكثفة في مدينة مختلطة لكي تحول دون تدفق مواطنين عرب إليها. وكما ورد في هذا الكتيب فإنه وبلا شك أن كل تخطيط البناء في إسرائيل غايته التضييق على العرب.
ويلخص الكتيب المشاكل العامة للمدن المختلطة بما يلي: - المدن المختلطة أو في تعريفها الأكثر صحة المدن اليهودية ذات الأقلية العربية، هي رمز مجازي للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. - أهالي المدن المختلطة هم أكثر السكان العرب فقرا وضعفا وإهمالا، وهم أكثر تهميشاً وتهديداً من ناحية سياسية. - المدن المختلطة تحول سكانها العرب إلى مواطنين ثانويين، فأفضليات المتروبوليتان وإمتيازاته تقفز عنهم. * خلافاً لأماكن أخرى في العالم، حيث تكون المدينة صفة لازمة للتقدم، فإن النخبة من عرب المدن المختلطة تعلم أولادها في مدارس خاصة أو ترسل أبناءها للمدارس في القرى المجاورة بسبب إنعدام البنية المناسبة في المدارس الحكومية. * تعاني المدن المختلطة من ضعف سياسي راسخ للسكان العرب، وهم يعتبرون ضاحية الضاحية، حيث سلطتهم المحلية في أيدي اليهود بصورة دائمة، ومقدرتهم في التأثير عليها هامشية، وهم غير ممثلين في لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب، لذا لا تستطيع هذه الهيئة العليا المناضلة من أجلهم. - مظاهر الأثنوقراطية، والتي تعني "طراز نظام يساعد في توسيع جماعة أثنوقومية في منطقة إقليمية متعددة الإثنيات مختلف عليها". تجد أفضل تعبير ملموس عنها في المدن المختلطة، ذلك ليس فقط في قمع السكان العرب وإنما في الإستغلال الذي تمارسه الحكومة ضد المهاجرين من خلال إستعمالهم كوكلاء تهويد. فهؤلاء المهاجرون أرسلوا إلى هذه المدن كي يشكلوا حاجزا بشرياً وجغرافيا بين مناطق سكنى العرب والنخبة المسيطرة من اليهود، وغالبية هؤلاء المهاجرين تسكن الأحياء القريبة من الأحياء العربية. * تعتبر المدن المختلطة محطة قطار للسكان اليهود الذين يسارعون إلى مغادرتها بعد أن يصبحوا أقوياء، إلا أن جمهور المهاجرين الضعيف يجد نفسه مسجونا داخل مدينة واحدة مع جمهور عربي ضعيف. إذن وبعد 52 سنة يورد التقرير أن مشكلة المدن المختلطة تبدو ليس فقط دون حل، وإنما هي مشكلة آخذة في التعاظم. والمزيد من المدن يصبح فعليا مدنا ثنائية القومية، وطوال 52 سنة تصرفت الدولة كما لو أنها تتوقع من العرب أن يغادروا هذه المدن، ولكن بدلا منهم غادر اليهود. والرد الصهيوني للتضييق على السكان العرب إنطوى على إهمال اليهود في هذه المدن، كما أن منح تخفيض لضريبة الدخل، مثلما حصل في عكا، في محاولة لوقف هروب الفئات القوية من السكان اليهود، شكل جاذبا لقدوم المزيد من السكان العرب إلى عكا. |
|