التسوية الجارية - إدارة أزمة أم حل أزمة

تأليف: أحمد قطامش

الناشر: مركز منيف البرغوثي الثقافي

رام الله: 2001، 241 صفحة

مراجعة: د. خالد شعبان

يعتبر الكتاب محاولة جادة وإضافة جديدة إلى المكتبة الفلسطينية، التي لا تشرح الواقع الفلسطيني فقط، بل تحاول أيضاً أن تضع تصوراً للمستقبل. ويعبر عنوان الكتاب –الطويل جداً- عن محتوياته ومضمونه. فالكتاب هو عبارة عن محاولة جادة لوضع رؤية جديدة للحل، تقوم على مناقشة مجموعة الأطروحات السابقة، وحسب الكاتب، "أعرض رأياً – مقارنة لعلها تثير نقاشات ومراجعات بين أهل الثقافة والسياسة والاهتمام كما الوسط الشعبي بطبيعة الحال". (ص10)

يحتوي الكتاب على خمسة فصول، أربعة منها غير معنونة، تحتوي على عدد من النقاط. وتتناول الفصول الثلاثة الأولى التاريخ الفلسطيني، حيث بدأها بعودة للتاريخ السحيق إلى (3500) ق.م والتطورات التي حدثت عبر العهود المختلفة ثم العربية والصهيونية، ودراسة الأقوام والأعراق الذين تواجدوا على الأراضي الفلسطينية وصولاً إلى حرب 48 وقيام إسرائيل.وهي توطنة طويلة جداً لا داعي لها استخدم فيها الباحث المنهج الماركسي في التحليل مع تعدد الاقتباسات من كتب ماركس وانجلز

رغم البداية التاريخية للفصل الرابع، إلا أنه بداية فعلية وحقيقية للكتاب حيث يبدأ الكاتب فيه بدراسة الحالة الفلسطينية، وذلك حسب المنهج الفلسفي القائم على ما يجب أن يكون عليه المجتمع. استهل الباحث الفصل الرابع، بنقاش لتاريخ م.ت.ف مع التركيز على دور قيادتها فيقول في ص (155) " لقد تربعت الفردانية على عرش م.ت.ف، وكانت مقبولة اجمالاً بما صاحبها من نظام كوتا، فأثمرت فئوية يتساءل معها المرء عما إذا كانت تنتمي للنخب والتنظيم أكثر مما تنتمي للوطن وفلسطين، ما مهد في مرحلة التسوية لإنتاج سلطة وأجهزة تضم بين ثناياها نماذج لا تحصى من المناضلين والمنتفعين، الغيورين والمحبطين، المترفين والجوعى، المنتمين للشعب والمنتمين لمصالحهم الشخصية، ولكنها سلطة تفتقد لنظام المؤسسة وسيادة القانون وفصل السلطات، فراح يكال لها شتى الاتهامات بالفساد والفشل الإداري والتسيب بما يفوق مراراً اتهامات مرحلة ما قبل التسوية، إلى درجة أن تنفض قطاعات واسعة من جماهير الانتفاضة الكبرى التي قاومت الاحتلال وتنأى عن المشاركة في الفعل الانتفاضي الذي اندلع في الشهور الأخيرة وكأن لسان حالها يقول: الأمر لا يعنينا إنه مناوشة بين الاحتلال والسلطة…"  ويرفق ذلك بمؤشرات مثل استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى انخفاض التأييد لقوى م.ت.ف مثل فتح، الجبهة، ….. إلخ، وفي المقابل يتصاعد من هم في الهامش، والذين كانوا في السبعينات يقدرون فقط بالعشرات،  أصبحوا الآن تياراً كبيراً، وهم الإسلام السياسي، يضاف إلى ذلك جبهة كبيرة، تقدر حسب الكاتب بـ (40%) من الشعب الفلسطيني وهم من وصفهم بالصامتين، الذين لا يؤيدون أياً من الفصائل.

وبعد كيل الاتهامات للسلطة يضع الباحث في (ص158) تصوراً لحل التناقضات السابقة، ولكنه في ذات الوقت تصور لا يمكن من وصفه بالإنساني الذي يعبر عن عاطفة جياشة أكثر من تصور عقلي عملي. " إن رزمة التناقضات التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني وقواه السياسية تحفزه بإلحاح، وسينبثق من أرحامها لا محالة، إرادة منظمة جماعية تكون نفياً ارتقائياً للتجربة السابقة. إرادة فلسطينية عربية تتجاوز القطرية بعد أن استنفذت القطرية طاقتها التقدمية وتحولت القومية إلى أقوامية والحدود الوطنية إلى صراعات بينية وبنيوية. أداة تصوب البرنامج الفلسطيني باتجاه الإمساك بالأصول التي تحمل الفروع، لا الفرع الذي يقايض بالأصل، والتصور الاستراتيجي الذي يجتهد في حل المسألة الفلسطينية والمسألة اليهودية معاً. أداة تعيد الأمل والثقة وبريق الإبهار. أداة منظمة توحد الخطاب السياسي – الفكري – الثقافي فلا تحصر نفسها في الخطاب السياسي والشعارات السياسية. أداة توزع جهدها على القضية التحررية والقضية التنموية وبناء المجتمع المدني الذي يتجاوز العشائرية والطائفية والخرافات ويضمن سيادة القانون وفصل السلطات وحرية التفكير والتعبير … إلخ.

وفي النقطة الثانية من الفصل الرابع والتي عنوانها "التسوية جعلت من الدولة الفلسطينية حملاً كاذباً وإضاعة إتجاه –البديل"، يناقش فيها تطورات الفكر السياسي الفلسطيني، والذي دعا إلى إيجاد دولة فلسطينية، رغم المعوقات القائمة على الأرض والمتمثلة بالمشروع الصهيوني، والمقومات الاقتصادية الاجتماعية، وما ستنتجه التسوية من مراكز النفوذ والتقاطبات الطبقية الفلسطينية والتي ستكون عبارة عن شرائح متأسرلة ومتأمركة، وفي هذا السياق هناك عملية تفريغ وتقزيم للقوى السياسية الملتزمة لبرنامج الوطن المناهض للتسوية ورشوتها ببعض الفتات الوظيفي والمالي..

وحسب الكاتب ستقوم السلطة باحتواء المثقفين وإغرائهم في أجهزتها ومؤسساتها مستغلة حاجتهم لرغيف الخبز ناهيك عن جهدها الدؤوب للسيطرة على المنظمات غير الحكومية ونتج عن ذلك كما يقول في (ص 171) " تعميم التسول رسمي وغير رسمي، وإجهاض غالبية المثقفين حفاظاً على الوظيفة والامتيازات ".

ويؤكد الكاتب على أن هناك ديماغوغية كبيرة في الشعار الفلسطيني الذي اعتلى صهوة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف منذ ربع قرن، فهو شعار دون بناء وآليات ومضامين تفضي إليه، " إنه بلاغة لفظية تفضي في أحسن الأحوال إلى كيان هزيل تابع أوتقراطي بديلاً لحق العودة والحل التاريخي"، وأكد على ذلك في (ص172) بالواقع على الأرض وهي " أن نتيجة أوسلو وجود شعب فلسطيني داخل وخارج، مناطق أ،ب،ج، وقدس، نخب تجني الربح والثراء وأغلبية تزداد فقراً … وفي النهاية دون إقامة دولة ولا كيان هزيل".

وفي نهاية الفصل الرابع يضع بديلاً وتصوراً تحت عنوان، إقامة سلطة مقاومة شعبية تنموية –ديمقراطية فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة، ويقوم الكاتب بتعداد (14) وصفاً نستطيع القول أنها تعبيرات عاطفية وانسانية في وصف السلطة بدون تحديد آليات عمل وهي "سلطة تتحرر من مسار أوسلو، متحالفة مع القوى الشعبية العربية، ومتوجهة للشارع الإسرائيلي وقوى المجتمع التي يشغلها هموم إنسانية مشتركة بعيداً عن الطبقات العليا ومشروعها العسكري… ص (176).

أما الفصل الخامس فهو لب الموضوع ومضمونه الحقيقي، والذي عنونه دون فصول الكتاب بـ "إعادة صياغة البديهيات" والذي بدأه بالحديث عن حق العودة وعن القرار 194 الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ويقول في (ص181)" وحلم العودة هذا الحلم الأقوى في الذاكرة الفلسطينية فهذا الجوهر الذي حرك الوعي والنضال وأي انحراف عن ذلك هو انحراف عن حقائق التاريخ، إن محاولات مقايضة حق العودة بكيان فلسطيني هزيل جائع في أجزاء من الضفة وغزة لا يساعد على حل الصراع، " وذكر الكاتب أن حل القضية الفلسطينية لابد أن يبدأ بعودة اللاجئين إلى ديارهم، والمسألة كما يقول في
(ص 183)" ليست في إمكانيات فلسطين بل في الموقف الأيدولوجي السياسي العنصري لليمين واليسار على حد سواء، ويدلل على ذلك بوثيقة موشي عوز والتي ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

ثم بعد ذلك يناقش الفصل الإقليمي (ص 186) وما بعده، ويؤكد فيه أن الفصل يصطدم بحقيقة وحدة البنية الفلسطينية، في تواجد الفلسطينيين في أقصى شمال فلسطين وفي أقصى جنوبها، وهناك علاقات اجتماعية مشتركة بين فلسطينيي 48 و67 يضاف إلى ذلك إنتشار الاستيطان بين هذه المدن والقرى الفلسطينية إلى وجود اقتصاد شبه مشترك … إلى أن يصل إلى نتيجة في (ص192) " فالفصل الإقليمي، الفلسطينيون العرب في ملعب واليهود الاسرائيليون في ملعب يفصل بينها سور الصين العظيم، أمر غير ممكن ".

أما النقطة الثالثة التي يعالجها، فهي بعنوان هل تصمد الهيمنة الأحادية؟ ويفترض فيه أن انتصار أحد الطرفين (الفلسطيني أو الإسرائيلي) على الآخر لن يحل القضية ويقول المؤلف في (ص193).." أجد نفسي، وأظن أن هذا مستقبل الأمور، منحازاً للرؤية الأخلاقية التي تسعى لاجتثاث عوامل الصراع والحرب وتأمين سبل الحياة الجديدة والكرامة، بنفس القدر الذي أجد نفسي مناهضاً للحلول العنصرية التي تسعى لإبادة الآخر واستئصال الآخر، فالعنصرية هي العنصرية بصرف النظر عن جنسية الذي يقترفها. ويخيل إلي أن التاريخ سيفسح المجال في نهاية الأمر للحل الأخلاقي العادل الذي يرفع من شأن الإنسان ويساوي بين الإنسان وأخيه الإنسان تجاوزاً للنظم العنصرية والرأسمالية الاستغلالية. وتجربة جنوب أفريقيا هي الأكثر قرباً للتجربة الفلسطينية، نموذج ينعش الفكر ويغذي البصيرة، فهو قد انطلق في الاتجاه الصحيح وإن ما برح في بداياته. وعليه سيجد المجتمعان الفلسطيني والعربي واليهودي الإسرائيلي نفسيهما متلازمين في فلسطين ".

ثم يناقش في النقطة الرابعة (دولة ديمقراطية علمانية، دولة ثنائية القومية، دولة إسلامية) والتي وصفها بشعارات مشحونة بالضباب وبلا آليات، وهي مقدمة لنقدها من أجل أن يضع لنا في النهاية تصوره ورؤيته للحل.

أما حديثه للدولة الديمقراطية العلمانية فوصفه في ص (203) " أنه شعار يفتقر إلى الوضوح بشأن طابع الدولة، ويتساءل هل هي دولة فلسطينية عربية أم دولة ديمقراطية في فلسطين، أما ثنائية القومية " فيقول في ص (204)" أنها تجمع بين الضبابية والهوية الجماعية"، أي أنه يتدارك خللاً رئيسياً في الشعار الأول غير أنه لا يتقدم كثيراً في تبيان الآليات والمضامين، وهذا الشعار يستند إلى وجود قوميتين عربية ويهودية، وهو في كل الأحوال شعار يكاد يضع سداً أمام بناء قيم مشتركة، أما الدولة الإسلامية فيخلص إلى " أن حجر الزاوية للحل الإسلامي هو أن فلسطين إسلامية وسيحكمها الإسلام بنظمه وقوانينه وتشريعاته، وسيقسم المواطنين على أساس ديني، وبالتالي لن توجد مساواة وفي الجهة المقابلة فإن إسرائيل دولة يهودية لم تعترف بالآخر "، ولا يفوتنا كما يقول إلى أن البرنامج ، الإسلامي يدعو بجلاء لعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم " وهي نقطة حسب الكاتب في غاية الأهمية.

أما النقطة الأخيرة، فهي مقترحات الكاتب تحت عنوان تصور آخر لحل الصراع. فبعد شيء من التنظير يقول الكاتب (ص215) " لا مهرب من التفتيش عن خيار جديد إبداع جديد ليس لإبادة أو اضطهاد الآخر بل للتفتيش عن حلول حقيقية للصراع، والخطوة الأولى لذلك هي عودة اللاجئين إلى ديارهم وجلاء الاحتلال بغض النظر عن الزمن الذي ستستغرقه هذه الخطوة. " ويقول في (ص217) " إن تاريخ المنطقة وديمغرافيتها وجغرافيتها تتسع لليهود طالما أنهم جزء منها، أما في حالة انتهاك التاريخ وسلخ الجغرافيا والانفصال عن الديمغرافية، فهم إنما يزرعون المنطقة بعوامل الحرب والعداء، هذا هو قانون المنطقة "ويختم هذا العنوان بطرح الاشكالية كالتالي (ص219)،" وطالما أن الدولة الفلسطينية لا تحل المشكلة الفلسطينية وقضايا الصراع العربي – الصهيوني، وأن الدولة الإسرائيلية الكولونيالية ليست حلاً للمسألة اليهودية وتحول دون السلام مع الجيوبولتيك العربي ما العمل؟ " بعد ذلك يقدم الكاتب الجواب بـ "دولة واحدة، مجتمعين منفصلين ومتشابكين" فالخارطة دولة واحدة من البحر إلى النهر، والمكون الاجتماعي من مجتمعين مدنيين فلسطيني عربي- ويهودي إسرائيلي، يجمعهما الإنتماء للدولة ونظامها السياسي والقانوني، والمبني على الجمع بين المستوى الجماعي والمستوى الفردي، بما يكفل التعبير عن الهوية الجماعية الثقافية والمدنية، والنظام السياسي يقوم على الديمقراطية والتعددية، ويتمخض هذا النظام عن شرعية انتخابات شعبية تتبارى فيها كافة القوى، وثقافياً تقوم على التعددية والمساواة بين المواطنين، واحتراف ثقافة ولغة الآخر، وتعترف الدولة باللغتين، والملكية الاقتصادية تقوم على الجمع بين الملكية الخاصة والملكية التعاونية، ومن حيث الدولة والجيش يجب إعادة تشغيل الدولة والجيش بما يتلاءم والوضع الجديد، مع تأمين حرية العبادة، " ويختم الكاتب بقوله،" فالصيغة الجديدة هي صيغة الوحدة والتناقض التي تراكم ديناميتها بتدرج ودأب "(ص 240)، وبعد عرض الكاتب، أن طروحاته تاهت نتيجة المنهج الفلسطيني الذي تبناه وان طرحه الذي تبناه للحل هو مزج أو خليط من الطروحات التي ناقشها في الفصلين الرابع والخامس، ويعرف الكاتب ذاته ان خطة مرفوضة سواء من الجانب الإسرائيلي أو الجانب الفلسطيني نتيجة لتبنيها مواقف ومبادئ يعتقدها احد الطرفين، ولكنها في النهاية تبقى رؤية جديدة للكاتب.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م