(الخط الأخضر) (*)جمال البابا إنتهت الحرب العربية-الصهيونية في فلسطين عام 1948 بعقد إتفاقيات الهدنة بين الدول العربية المعنية والدولة اليهودية في فلسطين، والتي ورسمت بموجبها حدود الهدنة التي خلقت منطقة سياسية فلسطينية ذات شكل مجزأ وحدود طويلة لا تتناسب مع مساحة هذه المنطقة. فقد تكونت المنطقة السياسية الفلسطينية من جزئين متباعدين، هما الضفة الغربية وقطاع غزة ،تفصل بينهما أراضي دولة معادية. خلق رسم خطوط الهدنة بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل على أسس عسكرية بحتة، مشاكل وعيوب كبيرة تتعلق بالنواحي الاستراتيجية ، إضافة إلى ما عكسته هذه الخطوط على حياة السكان الإقتصادية والإجتماعية وخاصة لدى الجانب الفلسطيني، مما كان له آثار سلبية على شتى مناحي الحياة، والتي ما تزال تفاعلاتها قائمة حتى الوقت الراهن. أولاً : الحدود الفاصلة طبقاً لقرار التقسيم طبقاً للقرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعطيت الدولة العربية ما مساحته 11,589,87 دونماً، أي ما يعادل 42% من مساحة فلسطين، حيث شملت هذه المنطقة 17 مدينة و 574 قرية، أما الدولة اليهودية فقد ضمت 15,291,649 دونماً، أي ما يعادل 56.67% من مساحة فلسطين، وقد شملت 19 مدينة و 458 قرية فلسطينية، كما خصص المشروع ما يعرف بمنطقة القدس الدولية والبالغة 00.65% من مساحة فلسطين، وتضم 4 مدن و 19 قرية. وبغض النظر عن مدى مشروعية قرار التقسيم، فإنه قدم حلاً جيوبوليتيكياً في غاية التعقيد، حيث شكلت المناطق الخاصة بكل دولة أشباه جزر تتصل ببعضها من خلال خوانق أرضية ضيقة يسهل غلقها وقطعها بسهولة، كما أن حدود الدولتين جاءت من التعقيد والتداخل، بحيث جعلت عملية تنفيذ المشروع تتطلب عمليات تبادل وإحلال وتعويض بين العرب واليهود، الأمر الذي كان يعتمد بالدرجة الأولى على الطواعية والإستجابة الذاتية من جانب الطرفين، وهو ما لم يتوفر بأي حال من الأحوال. وعلى الرغم من إنتهاء المشروع الدولي إلى طريق مسدود، فإنه وضع قاعدة قانونية لإنشاء دولتين في فلسطين، واحدة عربية وأخرى يهودية(1) . ثانياً: حرب عام 1948 والآثار الحدودية المترتبة عليها على مدى السنوات التي سبقت حرب عام 1948، استطاع اليهود تركيز مستوطناتهم في عدة مناطق من فلسطين، وبخاصة في منطقة السهل الساحلي ( من يافا حتى حيفا) بالإضافة إلى منطقة الجليل، حيث سيطر اليهود على 36% من أراضي قضاء يافا، و35% في قضاء حيفا، و34% في قضاء بيسان، و 28% في قضاء الناصرة. أما المناطق الجبلية الداخلية وصحراء النقب، فقد بقيت عمليات الإستيطان اليهودي فيها متعثرة بسبب الكثافة العربية وبعد هذه المناطق عن الساحل. كان الهدف الأساسي للعمليات العسكرية التي قامت بها الصهيونية في عام 1948 هو خلق إتصال أرضي بين الخلايا الإستيطانية داخل المناطق التي تنتشر فيها، وبالتالي فإن وجود هذه الخلايا الاستيطانية قد أثر تأثيراً كبيراً في توجيه وسير العمليات العسكرية أثناء الحرب. في ظل هذه الظروف كانت الحكومة البريطانية قد أعلنت أن الإنتداب في فلسطين سينتهي يوم 15 مايو 1948، وقبل هذا الموعد بيوم واحد أعلن بن غوريون عن قيام دولة إسرائيل. على الجانب الآخر كانت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية قد قررت في اجتماعها بدمشق في 12 أبريل 1948 الزحف على فلسطين ودخولها في 15 مايو فور الجلاء البريطاني عنها(*)، وأخذت كتائب مصر والعراق وسوريا ولبنان التحرك نحو فلسطين في وضع عسكري عام يميل لصالح اليهود، حيث نهبوا جزءاً كبيراً من السلاح البريطاني، واستولوا على الكثير من المواقع التي إنسحب منها الجيش البريطاني. وفي الأيام الأولى من سير المعارك إستطاعت الجيوش العربية وبمساندة المتطوعين الفلسطينيين وجيش الإنقاذ السيطرة على معظم الأراضي التي كانت مخصصة للدولة العربية طبقاً لقرار التقسيم، ثم أخذت القوات العربية تأخذ شكل المواقع الدفاعية نظراً لإختلال الميزان العسكري لصالح القوات الصهيونية. ولكن بعد مرور أسبوع من بدء القتال، بدأت الضغوط من أجل وقف إطلاق النار، وبالفعل قبلت الدول العربية وقف القتال أو ما يعرف بالهدنة الأولى من صباح 11 حزيران 1948، ولمدة أربعة أسابيع. ولكن المعارك استؤنفت في 9 يوليو حيث استطاعت القوات الصهيونية أن تحقق بعض المكاسب، وبخاصة في مناطق اللد والرملة والجليل الغربي، ثم عاد القتال إلى التوقف مرة أخرى في 18 يوليو وهو ما يعرف بالهدنة الثانية. ثم استؤنف القتال مرة أخرى في خريف عام 1948، وإستطاعت القوات الصهيونية أن تحتل النقب في الجنوب من القوات المصرية. وفي الشمال إستطاعت إحتلال الجليل الغربي بأكمله، كما طردت الجيش الأردني من جنوب النقب ومعابر العقبة(2) . ثالثاً : إتفاقيات الهدنة جرت مفاوضات الهدنة في جزيرة رودس بعد توقف المعارك، وتم التوقيع على اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في 24 فبراير 1949، وأهم ما جاء في الإتفاقية، أنه لا يجوز لأي فريق أن يستغل هذه الإتفاقية لأغراض عسكرية أو سياسية، وعدم اللجوء إلى القوة مرة أخرى من أجل تقرير مصير فلسطين، وأن الخط الفاصل المحدد بموجب هذه الهدنة يجب ألا يعتبر حدوداً سياسية أو إقليمية، وهو لا يمس الحقوق والمطالب التي تنتج عن تسوية القضية الفلسطينية تسوية نهائية. ومن بنود الاتفاقية ما يخص قطاع غزة، حيث جاء في هذا البند "يحتفظ المصريون بالممر الساحلي الممتد من قرية رفح على الحدود المصرية الفلسطينية إلى نقطة تبعد ثمانية أميال إلى الشمال من غزة. ووقع كل من إسرائيل ولبنان على اتفاقية الهدنة في 23 مارس 1949، وقد جُعلت الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين هي خط الهدنة الفاصل، كما وقعت الهدنة بين الأردن وإسرائيل في 4 أبريل 1949 بحيث ترسم الحدود حيث استقر الوضع العسكري مع بعض التعديلات الحدودية التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين(*) . أما إتفاقية الهدنة بين سورية وإسرائيل فقد تأخرت عن سائر الإتفاقات، لأن القوات السورية كانت قد إحتلت مستوطنة مشمار هايردن، وفي النهاية إتفق الطرفان على أن يكون خط الهدنة في منتصف المنطقة التي دارت فيها العمليات العسكرية. أضعفت حرب عام 1948 أي إحتمال لتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 181، فقد كان من أهم نتائج الحرب إستيلاء إسرائيل عنوة على جزء كبير من الإقليم المخصص لإقامة الدولة العربية، ولم يبق في أيدي العرب من فلسطين سوى منطقتين هما الضفة الغربية وقطاع غزة بمساحة تقدر بنحو 6200 كم2 بعد أن كانت المساحة المخصصة للدولة العربية طبقاً لقرار التقسيم نحو 11.600 كم2 (3) . ومن الملاحظات الهامة على إتفاقيات الهدنة بالإضافة إلى أنها أعطت لإسرائيل السيطرة على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين ما يلي: - سلم العرب بسيطرة اليهود على النقب الجنوبي حتى خليج العقبة، رغم أن القوات الصهيونية إحتلته أثناء أوقات فرض الهدنة، ولم يبق للعرب موضع قدم في جنوب فلسطين. - نصت الاتفاقية على إجراء تعديلات في الخطوط التي تقف عندها القوات وتحديداً على خط الهدنة بين الأردن وإسرائيل، وأهم هذه التعديلات ما يعرف بقضية المثلث. يقع المثلث في الشمال الغربي للضفة الغربية بمساحة تقدر بنحو 350 ألف دونم من أخصب الأراضي وتضم عدة قرى عربية، وبدأت القضية عندما طالب إيتان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في رسالة جوابية إلى الملك عبد الله أنه "إذا غادرت القوات العراقية منطقة المثلث، حلت محلها قوات إسرائيلية" وأن "حلول القوات الأردنية محل القوات العراقية يعتبر ضد إتفاقية الهدنة". وبعد موافقة الجانب الأردني على إجراء مفاوضات استثنائية حول منطقة المثلث مع الجانب الإسرائيلي، جرى الإجتماع الحاسم لبحث القضية في مدينة الشونة الأردنية يوم 23/3/1949، بحضور المندوبين الأردنيين والإسرائيليين، حيث حاول الجانب الأردني إستثناء قرى الطيبة وأم الفحم وباقة الغربية من المنطقة التي يطالب الجانب الإسرائيلي ضمها إلى إسرائيل، ولكن الجانب الأردني لم ينجح في ذلك، واستطاع الجانب الإسرائيلي إنتزاع موافقة أردنية على أن تتم عملية سيطرة أردنية على منطقة المثلث (كل المثلث) على ثلاث مراحل. تتم المرحلة الأولى بعد خمسة أسابيع من توقيع اتفاقية الهدنة العامة، المرحلة الثانية بعد ذلك بسبعة أسابيع، والثالثة بعد خمسة عشر أسبوعاً من توقيع إتفاقية الهدنة، وخلال هذه الفترة يحل الجيش الأردني محل الجيش العراقي، كي يكون في وضع يمكنه من تسليم المثلث لليهود. لقد تضمن الإتفاق الذي وقع في صباح 24/3/1949 بنداً هاماً، يتضمن وعداً من اليهود، أنهم سيبادلون المثلث بمساحة مساوية له من الأرض التي يسيطر عليها اليهود وبالخصوبة نفسها وهو ما أكدته إتفاقية الهدنة، حيث جاء في المادة السادسة من الاتفاقية ما يلي: 1- من المتفق عليه أن قوات المملكة الأردنية الهاشمية ستحل محل القوات العراقية في القطاع الذي تحتله الآن هذه الأخيرة، إذ أن نية حكومة العراق بهذا الصدد قد أبلغت إلى الوسيط بالوكالة في الرسالة المؤرخة في 20 مارس (آذار) من وزير خارجية العراق، مجيزة تفويض المملكة الأردنية الهاشمية، بأن تفاوض عن القوات العراقية ومصرحة بأنه سيجري سحب تلك القوات. 2- يكون خط الهدنة للقطاع الذي تحتله الآن القوات العراقية كما هو مبين على الخريطة رقم (1) الواردة في الملحق (1) بهذا الإتفاق، وقد أُشير إليه بالحرف(أ). 3- يتعلق هذا البند بكيفية دخول القوات الإسرائيلية إلى أرض المثلث المشار إليه سابقاً. 4-إن خط الهدنة في قطاع الخليل-البحر الميت المشار إليه في البند (ج) من المادة الخامسة من الاتفاق (*)، والمؤشر عليه بالحرف (ب) على الخريطة رقم (1) الواردة في الملحق (1)، والذي يشكل إنحرافاً كبيراً عن الخطوط العسكرية الحالية لمصلحة قوات المملكة الأردنية الهاشمية، إنما حدد مقابل تعديلات الخطوط العسكرية الحالية في القطاع العراقي كما هي مبينة في البند (3) من هذه المادة. ورغم وجود هذا النص الواضح في إتفاقية الهدنة بخصوص التبادل، إلا أن الإتفاقية لم تحدد الوقت لتنفيذ هذا البند الذي لم يلتزم الجانب الإسرائيلي في تنفيذه، وبذلك أصبحت هذه القضية درباً من الماضي(4) . كما أن الإتفاق كان يقضي بأن يعطي القرويون بعض الحماية وأن يبقوا في قراهم ويعيشوا على أرضهم، ولكن هذه المادة أيضاً لم تنفذ وطرد الجزء الأكبر من العرب من منطقة المثلث، كما انتزعت ملكية كل سكان المدن في المنطقة العربية، الذين كانوا يملكون أراضي في المثلث ومنعوا من الوصول إلى ممتلكاتهم لأنهم اعتبروا من الغائبين(5) . 5- كان من ضمن التعديلات التي حدثت في الحدود، وهي لصالح إسرائيل أيضاً إعتراف الأردن لإسرائيل بحقها في منطقة عين جدي، وهي منطقة حيوية تقع على البحر الميت. لقد كان من الآثار الجيوبوليتيكية السيئة لحرب عام 1948، وما ترتب عليها من إتفاقية الهدنة، أن المنطقة التي ظلت في أيدي العرب من فلسطين عبارة عن جزئين متباعدين تفصل بينهما أراضي دولة معادية، هذان الجزءان هما الضفة الغربية وقطاع غزة، وبناءً على ذلك سيتم دراسة خط الهدنة لكل منها على حدة لعدم وجود الإتصال المباشر بينهما. 1 - خط الهدنة بين الضفة الغربية وإسرائيل: كانت النقطة الرئيسية التي حددت الخط الحدودي بين الأردن وإسرائيل في إتفاقية الهدنة عام 1949 هي المواقع والإستحكامات التي تحصن خلفها كل من طرفي النزاع، هذا بالإضافة إلى الدور الأساسي الذي لعبته طرق المواصلات الرئيسية في تحديد هذا الخط الحدودي. وبإستثناء هذين العاملين- أي البعد العسكري وطرق المواصلات، فإن واضعي الخط الحدودي تجاهلوا جميع العوامل الطبيعية والبشرية والفيزيائية في إقرار الخط الحدودي، إلا إذا كان لهذه العوامل بعداً عسكرياً، والسبب الرئيسي في ذلك أن الذين قاموا بتخطيط الحدود هم من العسكريين، وكان جل إهتمامهم مركزاً على النواحي العسكرية دون سواها.
وطبقا لإتفاقية الهدنة، يبدأ الخط الأخضر من نقطة قرب عين جدي على البحر الميت
ويتجه نحو الغرب ماراً جنوب جبل الخليل حتى المنحدرات الشرقية لجبال الجلبوع، ثم
يمر عبر مرتفعات وسط فلسطين حتى يصل إلى طريق الخليل-بئر السبع، وبعد قطعه للطريق
ينحرف نحو الشمال الغربي ثم نحو الشمال حتى يصطدم بطريق الخليل-بيت جبرين. بعد طريق
الخليل-بيت جبرين ينحرف الخط نحو الشمال الشرقي. أي نحو بوابات القدس الجنوبية، ومع
هذا الإنحراف تبدأ الحدود الجنوبية للمنطقة المسماة "ممر القدس"، هذا الممر الذي
يعتبر بروزاً إسرائيلياً داخل الضفة الغربية كي يصل القدس بالعمق الإسرائيلي، وتجدر
الإشارة هنا، إلى أن الخط في هذه المنطقة عدل لصالح إسرائيل، بحيث أبقى خط السكة
الحديد الذي يربط القدس بالقطاع الساحلي تحت السيطرة الإسرائيلية. ثم يسير الخط
الحدودي بالقرب من قرية بتير وحتى القدس، قاطعاً سهل وادي شورك بمحاذاة السكة
الحديدية المذكورة من الناحية الجنوبية. وبإستثناء قطاع صغير من وادي شورك، فإن
الخط الحدودي لا يستند إلى أي معلم طبيعي، خاصة أثناء مروره في ممر القدس، وتجاهل
كذلك إنتشار أراضي السكان الفلسطينيين وموارد رزقهم، حيث يفصل الخط الحدودي بين
المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم الزراعية(*)
. وحال وصول خط الهدنة إلى بوابات القدس الجنوبية، ينحرف نحو الشمال ثم نحو الغرب
باتجاه المرتفعات الجبلية والقطاع الساحلي، وبدءاً من قرية قطنة وحتى قرية بودروسي
ينقسم خط الهدنة إلى خطين تاركاً بينهم منطقة خالية دون سيادة (المنطقة الحرام في
اللطرون) يتراوح عرضها ما بين 500 متر إلى 3 كيلومتر، ويسير الخطان الحدوديان في
هذا القطاع بإتجاه الغرب حتى يصلا قرب كنيسة اللطرون، ثم يتجهان نحو الشمال الشرقي
بحيث يشكلان منطقة عربية عازلة داخل الأراضي الإسرائيلية، ثم يتجه الخطان نحو
الشمال، وينحدر خط الهدنة في القطاع الواقع بين القدس وكنيسة اللطرون من رأس الجبل
على إرتفاع 800 متر إلى مناسيب أقل، لا يزيد إرتفاعها عن 200 متر قرب كنيسة
اللطرون. وأثر قطع خط الهدنة للمنطقة شبه السهلية في منطقة قلقيلية يتجه نحو الشمال
حتى بوابة سهل عارة. وقد روعي في خطي الهدنة بالقرب من مدينتي قلقيلية وطولكرم، أن
تظل هاتان المدينتان ضمن الأراضي العربية، وبعد أن يتجاوز خط الهدنة هاتين
المدينتين ويقطع قرية برطعة، يتجه الخط نحو الشمال الشرقي بمحاذاة وادي عارة
والطريق الرئيس الذي يمر به، ويواصل الخط سيره عبر جبال أم الفحم لمسافة تتراوح بين
3-4 كم جنوب سهل عارة، حتى يصل إلى سهل مرج بن عامر بجوار قرية زبوبة. وينحرف خط
الهدنة بالقرب من قرية زبوبة، وعلى مداخل مرج بن عامر إلى الجنوب الشرقي، ثم إلى
الشرق على منحدرات أم الفحم قاطعاً الطرف الجنوبي لمرج بن عامر مقابل جنين، ثم
يتسلق المنحدرات الغربية لجبال الجلبوع، وعلى ظهر الجبال يتجه الخط في البداية نحو
الجنوب الشرقي ثم نحو الشرق، ويسير على المنحدر المتجه نحو الشمال والشرق بمحاذاة
الجرف تماماً. وبالقرب من قرية المغير يمر الخط الحدودي بأعلى قمم الجلبوع
مشاكل وعيوب "الخط الأخضر" سبقت الإشارة إلى أن العسكريين من كلا الطرفين الأردني والإسرائيلي هم الذين قرروا خط الهدنة، حيث قاموا بالتركيز على النواحي العسكرية للمناطق التي يمر بها خط الهدنة، ولم يعيروا المزايا والخصائص الجغرافية والبشرية في المناطق التي سيقطعها الخط أي إهتمام، ولم يكن هناك أي نوع من الدراسة للمناطق، بحيث يتم على أساسها مراعاة العديد من الجوانب التي يجب أن تؤخذ في الإعتبار عند رسم أي خط حدودي يفصل بين كيانين. ومن هنا جاء خط الهدنة به العديد من العيوب وجوانب القصور نوجزها فيما يلي: أ-تعيين خط الهدنة: إتسمت عملية تعليم خط الهدنة على أرض الواقع بصعوبة بالغة، وإن كانت هذه الصعوبة قد إختلفت في مداها من منطقة لأخرى، فهناك مناطق كانت تتسم بالحساسية، إما لموقعها الإستراتيجي أو لكثافة سكانها، أو أهميتها في السيطرة على بعض الموارد الطبيعية وبخاصة مصادر المياه. لقد تم تعليم قطاعات طويلة من خط الهدنة في أعقاب توقيع اتفاقية الهدنة مباشرة (1949-1951) غير أن هناك قطاعات أخرى تم تعليمها في فترة لاحقة واستمرت حتى منتصف الخمسينات، إما بسبب صعوبة التحديد، أو بسبب الرغبة في إدخال بعض التعديلات الحدودية التي تخدم طرف الصراع. ومن أهم هذه التعديلات ما حدث في خط الهدنة في منطقة جلبوع، حيث تم تحريك الخط شرقاً إلى ما بعد أراضي قرية جلبوع، كذلك التعديل الذي أجري بالقرب من قرية فقوعة، والتعديل الذي أجري في وادي عارة، حيث تبادل الطرفان بعض الأراضي. لم يكن الجانب الإسرائيلي نزيهاً في عملية تعليم الحدود لدرجة أن الجانب الأردني إتهم الجانب الإسرائيلي بأنه إستولى على أراضي خلال عملية التعليم، وتم تشكيل لجنة توصلت إلى أن هناك خطأ في الحدود لمصلحة إسرائيل في منطقة بيت جبرين، حيث تم تصحيح الوضع بتحريك خط الهدنة ناحية الغرب لصالح الضفة الغربية. وحسب بعض المصادر فإن الجانب الإسرائيلي استولى على آلاف الدونمات في منطقتي الخليل وجنوب القدس وكانوا يقدمون كل مرة خرائط جديدة يقولون إنها وقعت في رودس، وقد أجرت السلطات الأردنية تحقيقاً في ذلك تبين وجود مطابقة بين هذه الخرائط وبين الخرائط الموجودة مع الجانب الأردني. ب- خط الهدنة والسكان: ألحق سير خط الهدنة بين الضفة الغربية وإسرائيل أضراراً كبيرة بالسكان، وبخاصة السكان على الجانب الشرقي من الخط، وليس أدل على ذلك أن الخط الحدودي قطع أثناء سيره أراضي 75 قرية، وبلغ عدد السكان المتضررين على الجانب الشرقي للخط نحو 96 ألف نسمة من القرويين، إضافة إلى عشرات الآلاف من السكان من سكان القدس وقلقيلية وطولكرم. إختلف الضرر الذي لحق بالسكان والقرى العربية من جراء رسم خط الهدنة من منطقة إلى أخرى. فقط كان أبلغ الضرر في منطقة السهل الساحلي، بسبب الكثافة السكانية العالية نسبياً، وأصاب بأضرار أقل منطقة صحراء الخليل التي كانت مأهولة فقط بالبدو الرحل. ففي منطقة السهل الساحلي لم تكن الأضرار التي أصابت القرى العربية وسكانها مقتصرة على إقتطاع أجزاء من أراضي هذه القرى، بل تعدى ذلك إلى التأثير وبشكل مباشر على مصادر الرزق وحياة السكان الإجتماعية والإقتصادية. فخط الهدنة منع القرويين في المنطقة الحدودية من الوصول إلى أراضيهم السهلية الموجودة في مرج بن عامر والسهل الساحلي، واضطرهم للجوء إلى المنطقة الجبلية والتي لم يكن بإمكانها الحلول محل أراضيهم. ورغم تطور العلاقة بين قرى المناطق الحدودية في الجانب الشرقي من الحدود وبين المدن الجبلية البديلة، إلا أن هذه العلاقة إختلفت تماماً عن العلاقة التي كانت قائمة بين هذه القرى والمدن الساحلية، فقد كانت هذه القرى على إتصال مباشر بمدن السهل الساحلي حيث تقوم بتصريف منتجاتها، إضافة إلى الأيدي العاملة الزائدة عن حاجة الزراعة التي كانت تجد لها فرص عمل في المدن الساحلية الكبيرة نسبياً. كل هذا أدى إلى أن تعيش هذه القرى في ضائقة إقتصادية مفاجئة، دفعت العديد من سكانها، وبخاصة الشباب منهم للهجرة إلى دول النفط العربية، ووصلت هذه الهجرة إلى ذروتها خلال فترة الخمسينات والستينات، هذا رغم أن الزراعة في القرى الحدودية أخذت تنتعش في هذه الفترة بعد أن وجدت منفذاً لتصدير منتجاتها إلى الدول العربية عبر الأردن. كذلك فإن المناوشات الحدودية التي كانت تنشب بين الحين والآخر بين إسرائيل من جهة، والأردن والفدائيين الفلسطينيين من جهة أخرى في الفترة من 1949-1967، كان لها وقع شديد على قلة إزدهار القرى الحدودية القريبة من خط الهدنة، حيث ساعدت على هجرة الشباب إلى الخارج، إضافة إلى عزوف رأس المال عن الإستثمار في هذه المناطق. من هنا نجد أن القرى الواقعة على الجانب الشرقي من خط الهدنة كانت مثالاً صادقاً للقرى الواقعة على خط حدودي مغلق، يشهد حالة عداء مسلح بين الدولتين اللتين تتشاطرانه. وباستثناء المنطقة الواقعة بين كفر قاسم والحافة الغربية لجبال الجلبوع، فقد إتسمت الحدود بالسمة العرقية، وذلك نظراً لأن الإرهاب الصهيوني أرغم السكان الفلسطينيين على هجرة الجانب الغربي من خط الهدنة إلى الجانب الشرقي منه، حيث عمدت إسرائيل إلى إنشاء مستوطنات مكان القرى العربية المهجورة على الجانب الغربي من الحدود، وحتى في المنطقة التي ظل يسكن فيها على جانبي الحدود عرب، حيث عمدت إسرائيل إلى إنشاء مستوطنات يهودية في هذه المناطق محاولة بذلك فصل السكان العرب عن بعضهم، حتى يتسنى لها السيطرة على هذه المناطق الحدودية التي تتسم بالحساسية(7). جـ- الحدود ومصادر المياه والتربة: إن مساحة فلسطين المحدودة نسبياً جعلت من الصعوبة بمكان تقسيم مصادرها المائية، بالإضافة إلى التشابك الشديد بين هذه المصادر وإعتماد بعضها على البعض الآخر، ومما زاد من هذه الصعوبة أيضاً تركز الغالبية الساحقة من مصادر المياه في الجزء الشمالي والأوسط منها، أما الجنوب فهو شحيح في مصادره المائية. ولما فرضت الظروف السياسية والعسكرية رسم خط الهدنة أصبحت القضية أكثر تعقيداً، حيث أوجب ذلك تقسيم مصادر المياه في فلسطين بين العرب واليهود. لقد جاء خط الهدنة في مكان شديد الحساسية من الناحية المائية، حيث يسير هذا الخط مع السفوح الغربية لجبال الضفة الغربية، وإن كان في بعض المناطق يمر في كنتورات مرتفعة نسبياً، بمعنى أن خط الهدنة يمر بين منطقة جبلية مرتفعة في الشرق ومنطقة سهلية منخفضة في الغرب. وتتراوح كمية الأمطار في المنطقة الجبلية ما بين 600 و700 ملم سنوياً، هذه الكمية من الأمطار يتسرب جزء كبير منها داخل الصخور، ليستقر في باطن الأرض على هيئة مخزون من المياه الجوفية. هذه المياه الجوفية لا تستقر كلها داخل الضفة الغربية، بل ينساب جزء منها عبر خط الهدنة بإتجاه الغرب صوب السهل الساحلي في الجانب الغربي من الخط، وتقدر كمية المياه الجوفية المتجددة في الضفة الغربية بنحو 650 مليون متر مكعب سنوياً. إن إهتمام إسرائيل بمياه الضفة الغربية لا ينحصر في مصادر المياه داخل الضفة الغربية فقط، ولكن الإهتمام الرئيسي مركز على المياه الجوفية التي تنساب من الضفة الغربية عبر الأحواض الجوفية إلى السهل الساحلي، حيث تقدر كمية إستهلاك إسرائيل السنوية من هذه الأحواض بنحو 450 مليون متر مكعب، تمثل نحو 25% من إستهلاك إسرائيل المائي وهي المصدر الرئيسي للمياه في منطقة السهل الساحلي، ومن ثم فإن هذا التعقيد في شبكة المياه الجوفية يخلق نوعاً من التوتر الشديد للسلطات المسؤولة عن جانبي خط الهدنة. أما فيما يتعلق بالتربة، فإن مرتفعات الضفة الغربية تعتبر المصدر الرئيسي الذي يمد السهل الساحلي على الجانب الغربي نحو الهدنة بالتربة، حيث تقوم الأودية الموسمية بحمل الطمي من المرتفعات إلى السهل الساحلي، ومن ثم فإن خططاً تنموية فلسطينية تستدعي إقامة سدود على هذه الأودية للإستفادة من مياهها سوف يمنع وصول الطمي إلى السهل الساحلي، مما قد يتسبب في تقليل كفاءته في الإنتاج الزراعي وهو ما قد يخلق نوعاً من التوتر(8) . د- خط الهدنة داخل مدينة القدس: لقد كانت مدينة القدس قبل عام 1948 بمساحتها البالغة نحو 20 كم مربع، تشمل بالإضافة إلى مدينة القدس نفسها بعض القرى والبلدات المحيطة بها، والتي تعتبر أبو ديس أقصاها من الشرق وبيت لحم أقصاها من الجنوب وعين كارم أقصاها من الغرب (بما في ذلك المساحة المبنية من موتا) وكانت شعفاط أقصاها من الشمال. وبعد حرب عام 1948 وإستيلاء كل طرف على جزء من المدينة تمت عملية رسم وتعيين الحدود داخل المدينة، وكان وقع خط الهدنة داخل المدينة مغايراً تماماً لوقعه في أي مكان آخر من الخط الأخضر،حيث قسم المدينة إلى قسمين إنفصل كل منهما عن الآخر إنفصالاً تاماً. إن قيام الحدود بتقطيع إحدى العواصم، وفصلها إلى جزئين هو أمر نادر الحدوث، ويؤدي إلى خلق أوضاع جديدة، وقد إعتاد الكثيرون على تشبيه التقسيم الذي حدث لمدينة القدس بالتقسيم الذي أجري في مدينة برلين عاصمة ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، غير أن الوضع يختلف إختلافاً جوهرياً بين المدينتين، فالتقسيم في مدينة برلين لم يكن عرقياً أو طائفياً كما هو الحال في مدينة القدس، بالإضافة إلى أن طبيعة المدينة المقدسة أضفت على التقسيم طابعاً فريداً ساعد في عزل قسمي المدينة عن بعضهما البعض بصورة أكثر سهولة عما هو الحال في برلين. مع العلم أن التقسيم في مدينة القدس أرغم كل قسم من قسمي المدينة على إعادة تنظيم وتشكيل أجهزته بما يتناسب والوضع الجديد الذي طرأ على المدينة. ويتكون خط الهدنة الفاصل في مدينة القدس من خطين حدوديين متوازيين، كانا في أصلهما خطا الجبهة المجمدين حينما توقف الإقتتال داخل المدينة، وتوجد بين هذين الخطين منطقة حدودية فاصلة تركت خربة بعد أن هجرها سكانها أثناء القتال، ولم يتم تقسيم هذه المنطقة أثناء إتفاقية الهدنة، حيث تركت كمنطقة فاصلة مغلقة بين جزئي المدينة(*). وقد قطع خط الهدنة المدينة من الجنوب إلى الشمال بشكل أبقى البلدة القديمة وأسوارها والأحياء الشرقية والشمالية منها في الجانب الشرقي منه (الضفة الغربية) وظلت البلدة الجديدة بإستثناء بعض المناطق الجنوبية والشمالية في الجانب الغربي من الخط (إسرائيل). ونشأت منطقتان فاصلتان في إطار بلدية القدس، الأولى في الجنوب وكانت تحت سيطرة الأمم المتحدة، وهي منطقة غير مأهولة، والثانية في الشمال الشرقي فوق جبل المكبر. لقد أدى تقسيم المدينة بهذه الصورة إلى سيطرة الجانب الأردني على الطرق المتجهة من القدس نحو الجنوب والشمال والشرق، في حين سيطر الجانب الإسرائيلي على الطرق المتجهة نحو الغرب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الخدمات في المدينة (قبل رسم خط الهدنة والتقسيم) من كهرباء ومياه وطرق والعديد من المؤسسات كانت مشتركة بين القسمين، أما بعد التقسيم فقد إضطرت السلطات في كل قسم إلى إنشاء خدمات خاصة بقسمها منفصلة عن القسم الآخر، وهذا ساعد على تثبيت تقسيم المدينة في الفترة من 1949-1967. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العمليات العسكرية التي دارت عام 1948 داخل المدينة أحدثت عمليات تبادل سكاني واسعة بين قسمي المدينة. حيث إنتقل الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في الأحياء الغربية إلى الأحياء الشرقية، وحدث العكس للعدد المحدود من اليهود في القسم الشرقي من المدينة، مما أدى إلى تقسيم عرقي واضح بين قسمي المدينة. 2- خط الهدنة بين قطاع غزة وإسرائيل: كحال خط الهدنة في الضفة الغربية فإن خط الهدنة في قطاع غزة حدد بناء على تقديرات عسكرية بحتة، دون الأخذ في الإعتبار الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي سوف يسير فيها الخط، أو إحتياجات السكان المحيطين به أو مدى تأثيره عليهم، حيث حاول كل طرف من الطرفين (المصري والإسرائيلي) أن يضمن لنفسه أكبر قدر ممكن من الأرض، ومن ثم جاء خط الهدنة على النحو التالي: يبدأ خط الهدنة الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل في الشمال بالخط الممتد من شاطئ البحر المتوسط على مجرى وادي الحسى (وادي شكمة) متجه شرقاً نحو دير سنيد، قاطعاً طريق غزة-المجدل، حتى يصل إلى نقطة تبعد ثلاثة كيلو مترات شرقي تلك الطريق، ومن ثم يتجه جنوباً بمحاذاة طريق غزة- المجدل (إلى الشرق منه) حتى يلامس الحدود المصرية في نقطة تبعد نحو 12 كيلو متر عن شاطئ البحر. لقد حدد هذا الخط من قبل لجنة عسكرية مصرية-إسرائيلية، واعتبر بمثابة الخط الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، رغم أن الخط تم رسمه على الطبيعة إلا أنه لم يتطابق في بعض القطاعات تماماً مع ما تم الإتفاق عليه، ففي الشمال لم يبدأ الخط بمصب وادي الحسى (وادي شكمة) بل إلى الجنوب منه بحوالي كيلومتر ونصف الكيلو (لصالح إسرائيل)، كذلك لم يمر الخط من دير سنيد (التي هجرها سكانها العرب) بل على بعد كيلو مترين إلى الجنوب منها لصالح إسرائيل أيضاً. ويمر خط الهدنة لقطاع غزة مع إسرائيل بمنطقة سهلية مكشوفة، تعلوها سلسلتان من تلال الحجر الرملي الموازية تقريباً لخط الساحل، والتي ترتفع في بعض الأحيان إلى نحو مائة متر، ويسير خط الهدنة على طول السلسلة الشرقية أو بالقرب منها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصلات إنقطعت بين السكان في غرب الخط بين أراضيهم إلى الشرق منه، نظراً لحساسية وصعوبة إختراقه. وبالنظر إلى جانبي الخط الأخضر هنا نجد أن الجانب الشرقي منه فقير جداً في عدد السكان، حيث توجد أعداد ضئيلة من البدو الرحل نظراً لرحيل معظم السكان وقت القتال عام 1948، أما الجانب الغربي من الخط فيوجد به تكتل سكاني ثابت، يمثل اللاجئون القسم الأكبر منه. رابعاً: تطور الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني من خط الهدنة لقد أكدت إتفاقيات الهدنة أن خطوط الهدنة المتفق عليها لا تجحف بحقوق الطرفين في الحل الدائم للصراع في فلسطين، وأن رسم هذه الخطوط تم لإعتبارات عسكرية صرفة. يجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الخط الحدودي عكس بشكل قاطع مصالح الجانب المنتصر في الحرب وهو الجانب الإسرائيلي، حيث سمح لإسرائيل بالاحتفاظ بما خصص لها في قرار التقسيم إضافة إلى مساحات جديدة من الأراضي التي كانت مخصصة للدولة العربية. 1- الموقف الإسرائيلي: المقصود بالموقف الإسرائيلي من خطوط الهدنة لا يقتصر على المعنى الضيق للحدود وطبيعتها، ولكن يتعداه إلى طبيعة الكيان الذي تحتويه هذه الخطوط من حيث المساحة ومدى تأثيرها الإقليمي على الكيان الإسرائيلي نفسه. إن خطوط الهدنة لا تعتبر من الناحية القانونية حدوداً تفصل بين كيانين على إعتبار أنها خطوطاً مؤقتة، ولكن يمكن القول أنه بعد صدور القرار 242 عام 1967، إكتسبت هذه الخطوط قبولاً لدى المجتمع الدولي، على إعتبار أنها تصلح لأن تكون حدوداً دائمة تفصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومنذ البداية تبنت إسرائيل الموقف الداعي إلى ديمومة هذه الحدود ودافعت عنه، حيث تبين ذلك من ردها على مشروع دلاس عام 1955، الذي رأى أن هناك حاجة لتعديل هذه الخطوط مع ضرورة أخذ المصالح العربية بالإعتبار وليس المصالح الإسرائيلية فقط. وكان الموقف الإسرائيلي بأنه على إستعداد لإدخال تعديلات متبادلة على الحدود تلبي حاجات الطرفين مع تأكيده على أن خط الهدنة هو الخط الوحيد المتفق عليه بين الأطراف. ولذلك فإن أي تعديلات تتم عليه يجب أن تنال موافقة الطرفين. وبنشوب حرب عام 1967 واحتلال الجيش الإسرائيلي ما تبقى من الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، أصبح خط الهدنة بين هذه الأراضي وإسرائيل من الناحية العملية بمثابة خط إداري يفصل بين هذه الأراضي وإسرائيل، إلا أن الموقف الإسرائيلي من هذا الخط أخذ يتبلور بصورة مختلفة عما كان عليه الحال في الفترة من 1949-1967. فبعد أن كان الموقف الإسرائيلي يتمحور حول أن خط الهدنة هو الخط الوحيد المتفق عليه بين الأطراف، تغير الموقف الإسرائيلي بعد إحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحديداً بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 بتاريخ 24/11/1967، حيث أصبح مفهوم الحدود الآمنة جزءاً من لغة الديبلوماسية الإسرائيلية، وحجتها في ذلك ما جاء في نص القرار حول حق دول المنطقة في الحياة بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، متحررة من أعمال القوة أو التهديد بها. وجاء التفسير الإسرائيلي لهذه الفقرة أنه، يجب إعادة رسم حدود الهدنة من جديد لتصبح آمنة، وقد جاء هذا التفسير بصورة رسمية في رد إسرائيل على طلب المبعوث الشخصي للأمم المتحدة (غونار يارنج) إعطاء وصف للحدود الآمنة وذلك في عام 1969، حيث كان الرد الإسرائيلي "إن الحدود الآمنة والمعترف بها لم تتوفر أبداً بين إسرائيل والدول العربية، وبالتالي فإن من الواجب إنشاؤها الآن كجزء من عملية حفظ السلام، بحيث يستبدل وقف إطلاق النار بمعاهدات سلام تنشئ حدوداً دائمة ومعترف بها طبقاً لما يُتفق عليه خلال مفاوضات بين الحكومات المعنية(9). إن التصور الإسرائيلي للحدود الآمنة كحدود جديدة سيكون بالضرورة أوسع من أية خطوط سابقة لـ5 يونيو 1967، على أن يكون التوسع لصالح إسرائيل، وكانت أولى الدلائل على هذا التصور خطة إيجال آلون، التي إستبدل فيها مصطلح الحدود الآمنة بمصطلح حدود "قابلة للدفاع عنها" وهي الحدود التي تعطي عمقاً إستراتيجيا وأمنياً لإسرائيل، ويتحقق ذلك بإقتطاع أجزاء من الأراضي الفلسطينية ضمن حدود 4 يونيو وضمها إلى إسرائيل، وبخاصة في غور الأردن ومنطقة القدس، وظلت جميع الخطط والمشاريع الصادرة عن الجهات الإسرائيلية سواء الرسمية أو غير الرسمية تصب في وجوب إقتطاع أجزاء من الأراضي الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل، وبخاصة في المناطق المحيطة لمدينة القدس ومناطق الكتل الإستيطانية في غرب نابلس واللطرون وغوش عتسيون مع إبقاء نوع من السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، مع عدم إستبعاد إمكانية تبادل أراضي بين الطرفين ولكن حسب رؤيا إسرائيلية محددة. 2- الموقف الفلسطيني: يرتكز الموقف الفلسطيني من حدود الهدنة على قرارات الشرعية الدولية والمنطلقات والإحتياطات الأساسية لإقامة كيان فلسطيني، قادر على الحياة والإستمرار ويفي بالحد الأدنى من متطلبات الشعب الفلسطيني. ولكن قبل الحديث عن المرتكزات الفلسطينية لابد من الإشارة إلى، أن القراءة الإسرائيلية لنصوص القرار 242 مليئة بالمغالطات القانونية، وهي تستند أساساً إلى مبدأ القوة، إضافة إلى التلاعب بالألفاظ وتفسيرها تفسيراً مغايراً لمحتواها. تدعي إسرائيل بأن القرار 242 إقتصر في نصه الإنجليزي على طلب "إنسحاب قوات إسرائيلية مسلحة من أراضي احتلت في النزاع الأخير"، وتستطرد إسرائيل في إدعائها، بأن النص لم يحدد الأراضي الواجب الإنسحاب منها أو الخطوط التي يتم الإنسحاب إليها، وما دام الإنسحاب هو إنسحاب جزئي فإن الخطوط التي ينتهي عندها هذا الإنسحاب والتي تصبح بعد ذلك هي الحدود النهائية لإسرائيل، ستكفل لها بالضرورة مساحة أكبر مما كانت تسيطر عليه قبل 5 يونيو 1967، وأن القرار 242 يصف الحدود الجديدة بأنها آمنة، وهذا وصف لم يتوفر في تقدير إسرائيل للخطوط السابقة (خطوط الهدنة) بدليل أنها لم تحل دون نشوب حروب عربية -إسرائيلية. إن الموقف الفلسطيني من القرار 242 واضح وصريح وهو تمسكه بالنص الفرنسي للقرار، الذي يؤكد على وجوب الإنسحاب من كافة الأراضي التي أُحتلت في النزاع الأخير، والذي يتفق بما لا يدع مجالاً للشك مع مقدمة القرار التي تنص على عدم جواز إكتساب الأراضي بالقوة، وحتى لو سلمنا جدلاً برواية النص الإنجليزي الذي يتبناه الجانب الإسرائيلي (أراضي وليس الأراضي) فإن الرد على الإدعاء يتمثل في الآتي: إن القرار 242 يطالب بالإنسحاب من أراضي حددها بوصف معين، وهو أن تكون قد أُحتلت في النزاع الأخير، وبالتالي فهو يسري على أية أراضي توفر فيها هذا الوصف، وأي إستثناء لأراضي محتلة من حكم الإنسحاب هو إستثناء لم يجزه نص القرار بل يمنعه بتحريمه إكتساب الأراضي بالقوة. إن الموقف الفلسطيني ظل يربط بين الإنسحاب الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، بحيث تتطابق حدود هذه الدولة مع حدود الرابع من حزيران 1967، وأن تكون السيادة الإقليمية على هذه المناطق سيادة فلسطينية مطلقة، تضمن الحفاظ على الأمن الإقليمي والأمن الشخصي لكل المواطنين الفلسطينيين داخل حدود هذه الدولة، والحصول على إعتراف دولي وإقليمي بهذه الدولة وحدودها. (*) سمي الخط الأخضر بهذا الإسم بسبب رسمه على خرائط الهدنة باللون الأخضر. (*) كانت السلطات البريطانية قد أعلنت أن أي تدخل عسكري قبل 15 مايو، وهو الموعد الذي حددته لجلاء آخر جندي بريطاني، يعتبر عدواناً عليها يقابل بالقوة، الأمر الذي حال دون دخول الوحدات العسكرية العربية قبل ذلك الموعد. (*) سيتم التطرق إلى هذه التعديلات في الصفحات اللاحقة. (*) البند (ج) من المادة الخامسة ينص على "في قطاع الخليل-البحر الميت يكون خط الهدنة كما هو مبين على الخريطة رقم (1) ومؤشر عليه بالحرف (ب) في الملحق (1) بهذا الاتفاق. (*) تجدر الإشارة إلى أن خط الحدود بدءاً من جنوب الخليل وحتى بوابات القدس الجنوبية، تحول إلى خط حدودي عرقي، بعد أن كان الفلسطينيون يقطنون على جانبي الخط، لكن الصراع العسكري والمذابح الصهيونية ضدهم، إضطرتهم للهجرة إلى الجانب الشرقي من الحدود، واستوطن اليهود مكانهم، وبذلك أصبح الجانب الشرقي من الحدود يمتاز بقرى فلسطينية كبيرة والجانب الغربي منه مستوطنات إسرائيلية قليلة العدد والسكان. (*) كان بمقدور كل طرف من الطرفين دخول هذه المنطقة بموافقة وتحت إشراف الطرف الآخر. المراجع: (1) غازي السعدي، الأحزاب. الحكم في إسرائيل، دار الجليل للنشر- عمان الطبعة الأولى 1989 (2) سامي حدادي ويوسف صايغ، ملف القضية الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث 1968. (3) إتفاقية الهدنة العربية-الإسرائيلية، فبراير-يوليو 1949، منشورات مؤسسة الدراسات العربية، بيروت،1969. (4) إتفاقية الهدنة العربية-الإسرائيلية، المرجع السابق. (5) عزت طنوس، الفلسطينيون-ماضي مجيد ومستقبل باهر، مركز الأبحاث، م.ت.ف، بيروت. (6) موشيه برافر، حدود أرض إسرائيل، ترجمة بدر عقيلي، دار الجليل للنشر 1982. (7) الدولة الفلسطينية-معهد البحوث والدراسات العربية-القاهرة-1993. (8) موشيه برافر- حدود أرض إسرائيل-مرجع سبق ذكره. (9) إبراهيم شحاتة، الحدود الآمنة والمعترف بها، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1974. |
|