القمة العربية في بيروت 28/3/2002

نبيلة أبو سلطان

إنعقدت القمة العربية في بيروت بتاريخ 28/3/2002، وهي القمة الدورية الثانية منذ إتخاذ قرار في قمة عمان 28/3/2001 بأن تنعقد القمم العربية بشكل دوري كل عام، كما أنها القمة العربية الثالثة منذ إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية، حيث عقدت قمة طارئة في القاهرة بتاريخ 21/22/أكتوبر 2000، ثم القمة الدورية الأولى في عمان بتاريخ 28/3/2001. وقد سبق إنعقاد هذه القمة الأخيرة أجواء متوترة بفعل جملة من القضايا، أولها مشكلة حضور الرئيس الليبي و"مبادرة الرئيس القذافي" التي قدمها إلى قمة عمان، حيث شكلت لجنة من قبل القمة المذكورة لدراستها، ثم مسألة حضور الرئيس عرفات قمة بيروت، حيث رفضت إسرائيل إعطاء ضمان بعودته للأراضي الفلسطينية في حال مغادرته، وذلك في ضوء الحصار الذي فرضته عليه منذ ديسمبر 2001.

تميزت القمة الأخيرة بأهمية خاصة، حيث كان من أبرز المسائل على جدول أعمالها إلى جانب القضية الفلسطينية، إقرار مبادرة الأمير عبد الله التي طرحها قبل أسابيع من إنعقاد القمة، وتضمنت إنسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 إلى حدود الرابع من حزيران، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس مقابل قيام دول الجامعة العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وكانت المشكلة قبل إنعقاد القمة هي إعتراض بعض الدول العربية على شرط التطبيع، حيث قدمت عدة إقتراحات منها إقامة علاقات "طيبة" أو إقامة "سلام شامل" بدلاً من التطبيع.

 التمثيل:

على الرغم من الطابع التاريخي لهذه القمة فإن نصف عدد أعضاء الجامعة العربية الـ22 لم يتمثلوا برئيس دولة، حيث حضر القمة الأخيرة سبعة رؤساء، وإنخفض مستوى التمثيل في بقية الوفود إلى مستوى نواب رؤساء ونواب رؤساء وزارات، وإنخفض في بعض الوفود إلى مستوى وزراء خارجية، وذلك على النحو التالي:

فعلى مستوى الرؤساء حضر كل من الرئيس اللبناني إميل لحود، والرئيس اليمني على عبد الله صالح، والرئيس الصومالي عبد القاسم صلاد حسن، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، وملك المغرب محمد السادس والرئيس السوري بشار الاسد. أما على مستوى نواب الرؤساء، حضر كل من: الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم نائباً عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية، ورئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزت إبراهيم نائباً عن الرئيس صدام حسين، كما حضر رئيس الوزراء العماني فهد بن حمد آل سعيد عن السلطان قابوس، ورئيس مجلس الوزراء عاطف عبيد نيابة عن الرئيس المصري حسني مبارك والنائب للرئيس السوداني عمر حسن البشير والأمير عبد الله ولي العهد السعودي نيابة عن الملك فهد بن عبد العزيز، وناب الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني رئيس وزراء دولة قطر عن أمير دولة قطر. وعلى مستوى وزراء الخارجية، ناب وزير الخارجية الشيخ صُباح الأحمد جابر الصُباح عن الأمير الكويتي جابر الأحمد الصباح، وناب وزير الخارجية عبد السلام التريكي عن الزعيم الليبي معمر القذافي، وناب السيد فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية لـ م،ت،ف عن الرئيس ياسر عرفات. كما تمثل إنخفاض مستوى التمثيل إلى نائب وزير الخارجية، في دولة جزر القمر حيث حضر نائب وزير الخارجية القمري عن رئيس جزر القمر.

سبق إنعقاد القمة إجتماع وزراء الخارجية العرب المعتاد 25/3/2002، الذي تمثلت مهامه في التحضير للقمة وإعداد مسودة القرارات والبيان الختامي، وقد مثل فلسطين في مؤتمر وزراء الخارجية وفد برئاسة السيد فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية والسيد نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث إستُغرق إجتماع وزراء الخارجية العرب يومين متتاليين بين رؤساء الوفود بجلسات جانبية لإزالة ما تبقى من خوف وهواجس، كما بقيت نقطة الخلاف العالقة بين رؤساء الوفود "الحالة بين  الكويت والعراق"، التي تقرر رفعها إلى قادة القمة، وإنتهى الإجتماع بالإجماع حول القضية الفلسطينية و إقرار مبادرة الأمير عبد الله ولي العهد السعودي.

وهكذا إنعقدت القمة في بيروت 28/3/2002، حيث سادت أجواء إدارية مرتبكة نوعاً ما، سواء في تنظيمها أو في توزيع الأدوار، مما أضاع الكثير من الوقت على المجتمعين بما لا يتلاءم وأهمية الوقت بالنسبة لهم كملوك ورؤساء دول. كما بدا سوء التنظيم واضحاً عند تقديم الكلمات من قبل كبار المسؤولين الأجانب، كأمين عام هيئة الأمم، ورئيس المجموعة الأوروبية، مع عدم وجود ترجمة فورية لها للمشاهد العربي. كما تم حجب كلمة الرئيس ياسر عرفات في المؤتمر بحجة دوافع فنية، والخوف من تدخل إسرائيل والتشويش على الكلمة، وهي من الناحية التقنية حجة واهية لا مبرر لها، ونتيجة لذلك إنسحب الوفد الفلسطيني من المؤتمر بأمر من الرئيس عرفات مما أربك الأجواء السائدة بالمؤتمر، حيث أصر الوفد على مغادرة بيروت، ثم تدخلت العديد من الوساطات الخليجية ووساطة من قبل الرئيس السوري والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، مما إضطر الوفد إلى العودة للمؤتمر بأجواء من التصفيق الحاد من قبل الرؤساء، وقد ساد الهدوء والتفاؤل آنذاك.

وقد تميزت القمة الأخيرة بأهمية خاصة، حيث كانت أبرز المسائل على جدول أعمالها:

المبادرة السعودية (مبادرة السلام العربية):

لقد صادق المؤتمر بالإجماع على المبادرة السعودية، التي أصبحت بعد تلك المصادقة مبادرة السلام العربية تلخصت في الشروط التالية:

1- الإنسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري، وحتى خط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.

2- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.

3- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 4 يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية(1) .

4- عندئذٍ  تقوم الدول العربية بما يلي:

أ-  إعتبار النزاع العربي -الإسرائيلي منتهياً، والدخول في إتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

ج- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص بالبلدان العربية.

د- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم المبادرة.

هـ- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء والأمين العام، لإجراء الإتصالات اللازمة لهذه المبادرة، والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات في مقدمتها مجلس الأمن والأمم المتحدة.

البيان الختامي للقمة:

تضمن البيان إثنين وخمسين بنداً عالجت هذه البنود كل من:

1- القضية الفلسطينية.

2- الحالة العراقية -الكويتية.

3- قضايا عربية وإسلامية أخرى.

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تضمن البيان ما يلي:

1- يحيي القادة العرب بإعتزاز كبير الصمود الرائع للشعب الفلسطيني وإنتفاضته الباسلة، وقيادته الشرعية وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات.

2- يحمل القادة إسرائيل المسؤولية القانونية الكاملة عن وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتهجيرهم، ويؤكدون رفضهم التام للمحاولات الرامية إلى توطينهم خارج ديارهم، ويؤكدون تمسكهم بقرار مجلس الأمن المتعلق بمدينة القدس، وبخاصة القرارات 242، 267، 465، 478.

3- يؤكد القادة في ضوء إنتكاسة عملية السلام، إلتزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل حتى تستجيب لقرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد، والإنسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران 1967.

4- إستعرض القادة الأوضاع على الساحة الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول 2001، وتبلور حملة عالمية لمكافحة الإرهاب، إنطلاقاً من قرار مجلس الأمن رقم 1373 بتاريخ 28/9/2001.

5- يؤكد القادة مجدداً قراراتهم السابقة المتعلقة بتمسكهم بالسلام الشامل والعادل كهدف وخيار إستراتيجي، يتحقق في ظل تنفيذ الشرعية الدولية، ويطالبون إسرائيل بإستئناف مفاوضات السلام على كل المسارات، إستناداً لقرارات مجلس الأمن بما في ذلك القرارات 242، 338، 452، وقرار الجمعية العامة 194، ومرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام.

6- إستعرض القادة الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العربي الفلسطيني جراء إستمرار الإحتلال في تدمير بنيته التحتية وفرض الحصار عليه وعلى وقيادته، لذلك يؤكد القادة إستمرار دعم الإقتصاد الفلسطيني وبنيته، فيقررون دعم ميزانية السلطة بمبلغ إجمالي قدره 330 مليون دولار، بواقع 55 مليون دولار شهرياً لمدة ستة أشهر تبدأ من 1/4/2002، قابلة للتجديد التلقائي كل ستة أشهر طالما إستمر العدوان، على أن تكون هذه المبالغ على شكل منح غير مسددة.

وفيما يتعلق بالبند الثاني في البيان الختامي للمؤتمر الذي تضمن "الحالة العراقية-الكويتية"، كان أبرز ما فاجأ المجتمعين العرب المصالحة والوفاق بين العراق والمملكة العربية السعودية، الذي بدا واضحاً في صورة العناق والمصافحة الحارة بين عزت إبراهيم نائب رئيس الجمهورية العراقية، وبين الأمير عبد الله، وقد بدا ذلك واضحاً في البندين التاليين في البيان الختامي:

1- يرحب القادة بتأكيدات جمهورية العراق، على إحترام إستقلال وسيادة وأمن الكويت وضمان سلامة أراضيها ووحدتها. ويطالب القادة بإحترام إستقلال العراق، وسيادته وأمنه ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية كما يطالبون العراق بالتعاون لإيجاد حل سريع لقضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين، وإعادة الممتلكات وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. كما يرحب القادة بإستئناف الحوار بين العراق والأمم المتحدة والذي بدأ في جو إيجابي إستكمالاً لتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

2- تدارس القادة التهديد بالعدوان على الدول العربية، وبصورة خاصة العراق وأكدوا رفضهم المطلق لضرب العراق، أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية بإعتباره تهديداً للأمن القومي لجميع الدول العربية(2) .

وفي البند الثالث إتخذت القمة جملة من القرارات تتعلق بما يلي:

1- دعم لبنان لإستكمال تحرير أراضيه من الإحتلال الإسرائيلي حتى حدوده المعترف بها دولياً، بما في ذلك مزارع شبعا.

2- تأكيد القادة على الحفاظ على وحدة وسيادة جمهورية الصومال وسلامتها الإقليمية ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، والترحيب بجهود الحكومة الإنتقالية الصومالية.

3- تعبير القادة عن حرصهم الكامل على الوحدة الوطنية لجمهورية جزر القمر الإتحادية الإسلامية.

4- ترحيب القادة بإنعقاد مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة (جوهانسبرغ) من 26/8-4/9/2002، لتحقيق تعاون أوثق بين دول العالم لمحاربة الفقر.

5- تأكيد القادة على أهمية علاقات الحوار، والتعاون مع الدول الصديقة المحيطة بالدول العربية بما يعزز الأمن القومي العربي.

وفور إنتهاء المؤتمر، والموافقة بالإجماع على المبادرة السعودية، إتخذت إسرائيل من عملية نتاينا الإستشهادية ذريعة وحجة لمحاصرة مقر الرئيس بالكامل، وضرب مقره بالدبابات، مع إجتياح كامل للمدن الفلسطينية بالضفة الغربية، الأمر الذي عطل إنطلاق المبادرة العربية.

الهوامش : 


(1) جريدة الإتحاد-العدد 9763، تاريخ 29/3/2002.

(2) بيروت-الحياة-29/3/2002.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م