ج.ب على مدى خمسة عشر شهراً، ظل ارئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي مصمماً على إقتصار جدول أعمال أي لقاءات فلسطينية-إسرائيلية على القضايا الأمنية، دون إعطاء أي أفق سياسي لهذه العملية، وهو ما جعلها تدور في حلقة مفرغة. ويرسخ هذا التصرف من قبل شارون القناعة لدى الجانب الفلسطيني بأن الرجل لا يمتلك أي برنامج سياسي يساهم في إنطلاق العملية السياسية، من جهة أخرى، فإن وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز أنتقد موقف شارون الذي يصر على أن تتناول المباحثات مع الفلسطينيين أمراً واحداً، وهو وقف إطلاق النار، وعبر بيريز عن ذلك في إجتماع لحزب العمل في 28/11/2001 حين قال: "أن التفاوض على وقف إطلاق النار يجب أن يتضمن عناصر سياسية وإقتصادية مع رؤية واسعة جداً. وهنا نختلف مع رئيس الوزراء"، وأضاف بيريز "هذا الإختلاف ليس إختلافاً فنياً فقط، إنها مسألة بالغة الأهمية إذا أردنا فعلاً التوصل إلى وقف إطلاق النار ثم إلى المفاوضات السياسية"(1). في أكتوبر 2002 تحدث أحمد قريع "أبو علاء" رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عن فكرة إعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، لتبدأ بعدها مفاوضات بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل حول تنفيذ هذا الإعتراف بما يشمل وضع جدول زمني للإنسحاب الإسرائيلي من أراضي الدولة الفلسطينية، ووضع مدينة القدس وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين. لقد جاءت تصريحات أبو علاء هذه بعد الحديث الذي أدلى به الرئيس بوش حول الإعتراف بدولة فلسطينية، وما تبعه من تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير وبعض التصريحات الأوروبية الأخرى التي تؤكد هذا التوجه(2). بعد يوم واحد من هذه التصريحات، وجه رئيس الوزراء السويدي الدعوة لكل من أبو علاء وبيريز للمشاركة في مؤتمر الحزب الإشتراكي السويدي في إستوكهولم، حيث كانت السويد تترأس الإتحاد الأوروبي. ويسود الإعتقاد أن فكرة ما سمي "وثيقة بيريز أبو علاء" وضعت على الطاولة في هذا اللقاء حيث أعلن بيريز في مقابلة مع الإذاعة السويدية بعد اللقاء أنه تم الحديث عن فكرة تستحق النقاش(3). وبعد هذا اللقاء ظلت الإتصالات جارية بين الرجلين في محاولة لبلورة ورقة يتم الإتفاق عليها، وكان اللقاء الذي عقد في روما بين 10-14 ديسمبر 2001، الذي جمع الرجلين وبحضور آفي غل مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية وأوري سافير المدير العام السابق قد بحثت الوثيقة بشكل متعمق، ويعتبر لقاء روما مرحلة متقدمة في صياغة الوثيقة المذكورة. مسودة وثيقة تفاهمات بيريز-أبو علاء: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم 24/12/2001، نص وثيقة بيريز-أبو علاء التي كان أهم بنودها: الموافقة المتبادلة لوضع حد للعنف وإستئناف المفاوضات السياسية وفق الخطوات التالية: 1- يتوجب ضمان وقف إطلاق النار التام برعاية الولايات المتحدة والشروع الفوري في تطبيق خطة تينت وتقرير ميتشل وتوصياته، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وجمع الأسلحة ورفع الطوق والحصار وتجميد النشاطات الإستيطانية وإعطاء الأموال للسلطة الفلسطينية وإيقاف المصادمات والقتل والإنتقال لوجود قوة أمنية فلسطينية واحدة. هذه المرحلة تنفذ خلال ستة أسابيع. 2- خلال ثمانية أسابيع تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقاً لقراري مجلس الأمن 242 و338 وعلى أساسهما، وتعترف فلسطين بدولة إسرائيل وفقاً لقراري مجلس الأمن 242 و338 وعلى أساسهما. 3- المفاوضات حول التسوية الدائمة بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل تبدأ في الأسبوع الثامن، وتشمل كل المسائل المطروحة على جدول الأعمال: الجدول الزمني لإنسحاب القوات الإسرائيلية تدريجاً من أراضي دولة فلسطين (تطالب إسرائيل بحدود متفق عليها)، اللاجئون والقدس والمستوطنات (الفلسطينيون طلبوا ذكر عبارة في المناطق الفلسطينية)، الأمن والمياه والعلاقات مع دول أخرى ستبحث في مفاوضات تنتهي خلال فترة لا تزيد على 9-12 شهراً، التطبيق ينتهي خلال فترة لا تزيد على 18-24 شهراً. 4- مسائل مثل دور دولي وإقليمي بصدد المفاوضات، وقوات لحفظ السلام، ومساعدة إقتصادية ومالية للإقتصاد الفلسطيني، تعاون إقتصادي وتحكيم (في القضايا الخلافية) ستبحث بين الدولتين. جدول أهم بنود التفاهمات:
وعلى الرغم من صياغة الوثيقة (كما أوردتها الصحيفة) إلا أن هناك نقاط خلاف ظلت عالقة بين الطرفين أهمها: - في موضوع حدود الدولة الفلسطينية، يَقترح الجانب الإسرائيلي صيغة 242 و338 فيما يطالب الجانب الفلسطيني بحدود الرابع من حزيران 1967. - في مسألة إستمرار المفاوضات، تطالب إسرائيل بأن تمتد المفاوضات حول الإنسحاب بعد الإعتراف بالدولة الفلسطينية حتى 12 شهراً، فيما يطالب الجانب الفلسطيني بأن لا تزيد عن 9 أشهر. - فيما يتعلق بتنفيذ الإتفاق يقترح الجانب الإسرائيلي: أن يمتد التنفيذ إلى 24 شهراً، فيما يطالب الجانب الفلسطيني أن يتم خلال 18 شهراً(5). الموقف الإسرائيلي من الوثيقة: حسب صحيفة هآرتس، فإن مبادئ وثيقة بيريز أبو علاء عرضت على أعضاء المجلس الوزاري في شهر تموز 2001، تحت إسم وثيقة قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية التي أوصت بالتوجه للتفاوض حول تسوية دائمة تدريجية تكون الدولة الفلسطينية من بداية العملية وليس في آخرها، على أساس أنه بهذه الطريقة ستتبلور أرضية لمواجهة المسائل الصعبة مثل القدس واللاجئين في المستقبل(6). أما موقف رئيس الوزراء ارئيل شارون من الوثيقة فلم يكن ثابتاً بل تلون حسب المواقف الإئتلافية داخل حكومته، حيث صرح بمجرد أن علم بنشر الوثيقة في الصحف الإسرائيلية بأنها "خيالية وخطيرة ومجرد طرحها يلحق بإسرائيل ضرراً كبيراً". كما أن مكتب شارون أعلن في نفس اليوم، أن الأخير لم يعط أبداً موافقته على هذا المشروع الخرافي والخطير الذي يلحق مجرد ذكره ضرراً كبيراً في إسرائيل. ولكن في اليوم التالي وبعد لقاء بيريز وشارون تم إصدار بيان مشترك جاء فيه "أن المحادثات التي أجراها وزير الخارجية شمعون بيريز مع أبو علاء ومسؤولين آخرين ترمي إلى وضع حد للإرهاب والتحريض على العنف، وبعد وقف أعمال العنف سيتم إحراز تقدم في العملية السياسية. وتابع البيان أن "المحادثات التي يجريها وزير الخارجية تتم بموافقة رئيس الوزراء، كما أكد الأخير خلال إجتماعات الحكومة"(7). وفي هذا الإطار أكد مصدر في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، أن شارون يوافق على الإتصالات التي يقوم بها بيريز، لأن المواقف التي طرحها الأخير لم تخرج عن المبادئ المقبولة على شارون وأضاف المصدر، أن شارون يعلم بأمر المحادثات منذ أشهر وقد وافق عليها حتى يحافظ على حكومة الوحدة وتحت الغطاء المكشوف "محادثات لوقف إطلاق النار"، وليس "مفاوضات سياسية في ظل إطلاق النار" التي يعارضها شارون. وحسب مكتب رئيس الحكومة أيضاً، فإن شارون إعتقد أن بيريز لن يحصل على شيء من عرفات، وأنه ليس أمامه ما يخسره في كل الأحوال، إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار فيقطف شارون الثمار، وإذا ما فشل بيريز فإنه سيحافظ على الإئتلاف بينما يدفع حزب العمل الثمن السياسي المترتب على ذلك(8). كما أن موقف أعضاء الحكومة بإستثناء وزراء حزب العمل لا يختلف عن موقف شارون، بل هو أكثر تشددا من هذا الإتصالات. فقد طالب شيرانسكي وإيلي يشاي شارون تقديم توضيحات عن المفاوضات التي يجريها بيريز وعن مدى تدخل مكتب شارون بها، وحسب يشاي، فإن وجود مفاوضات سياسية يتناقض مع قرار الحكومة لأنه لا يجب إجراء مفاوضات تحت إطلاق النار. في 20/5/2002، نشرت مصادر إسرائيلية نصاً لوثيقة أعدها شمعون بيريز وينوي طرحها في إجتماع حزب العمل في شهر يوليو 2002 للمصادقة عليها وتبنيها من قبل حزب العمل كبرنامج سياسي، وتكاد هذه الوثيقة تتطابق مع المبادئ التي جاءت في وثيقة أبو العلاء-بيريز مع بعض الإضافات التي تتعلق بدور اللجنة الرباعية، وبخاصة في مرحلة التنفيذ حيث جاء في وثيقة بيريز: إن إضفاء مصداقية على المفاوضات، وتوفير الثقة في نتائجها تحتاج إلى شريك إضافي مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والإقتراح أن يكون هذا الشريك هو الهيئة الرباعية التي قامت في مؤتمر مدريد (الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي،، روسيا، الأمم المتحدة)(9). الموقف الفلسطيني: بعد أن تم نشر نص مسودة الوثيقة في الإعلام الإسرائيلي صرح أبو علاء أثناء تواجده في القاهرة يوم 27/12/2001، أن إتصالاته مع وزير الخارجية بيريز لم تسفر عن أي إتفاق حيث قال "ثمة لقاءات ونقاشات ولكن لم نتوصل إلى أي إتفاق. وأضاف "تباحثنا في عدة أفكار ولكن لم نتوصل إلى أي شيء حقيقي"(10). وفيما يتعلق بما جاء في الوثيقة فإن الموقف الفلسطيني من هذه القضية يحتمل وجهتي نظر: وجهة النظر الأولى، تعتقد أن أهمية هذه الإتصالات تخرجنا من وضع جعلت فيه الحكومة الإسرائيلية الموضوع الأمني الوحيد على جدول الأعمال إلى إعطاء أفق سياسي لهذه العملية، وهو الأمر الذي ظل غائباً منذ وصول شارون إلى سدة الحكم في إسرائيل. وتؤكد وجهة النظر هذه أنه لا يمكن القبول بأي إتفاق إنتقالي جديد ولكن الحديث يدور عن إعتراف إسرائيلي بدولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران 1967، وإعتراف فلسطيني بدولة إسرائيل في حدود الرابع من حزيران 1967، وفي حال تم الإعتراف المتبادل بالحدود وكانت الحدود معروفة، فعندها يكون الحديث عن ما هو داخل هذه الحدود مفروغ منه. أما وجهة النظر الأخرى، فهي تتعامل بحذر وأحياناً ترفض هذه الفكرة وذلك من منطلق الخشية من أن إسرائيل بعد أن تعطي للفلسطينيين دولة على 42% من الأراضي في الضفة الغربية، تكرس هذا الوضع إلى سنوات طويلة وربما إلى الأبد، بحيث تبقى أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية بيدها وتكرس الوجود الإستيطاني. ويفضل أصحاب وجهة النظر هذه بدلاً من ذلك أن تبدأ إسرائيل بتطبيق توصيات لجنة ميتشل وتينت بما يقود إلى مفاوضات سياسية بين الجانبين وفقاً لمرجعيات عملية السلام التي ستؤدي إلى إنهاء الإحتلال عن الأراضي المحتلة عام 1967، وبالتالي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
المراجع |
|