جمال البابا يستمد حق العودة للاجئين الفلسطينيين قوته من إستناده للشرعية الدولية والقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي المقابل تطرح إسرائيل أفكاراً متوازية مع الشرعية الدولية وفي مقدمتها فكرة أن حل قضية اللاجئين يكمن في توطين اللاجئين الفلسطينيين في خارج وطنهم، وبخاصة في الدول العربية التي يعيشون فيها، وذلك إنطلاقاً من إعتبار أن الأنظمة العربية هي المسؤولة عن مآسي هؤلاء اللاجئين. لا يستند الرفض الإسرائيلي لمبدأ حق العودة لهؤلاء اللاجئين على أي أساس قانوني، بل يعتمد على رؤية إسرائيلية خاصة تتذرع بأن عودة أي عدد من اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل يهدد كينونة الدولة العبرية كدولة يهودية، رغم أنه وعلى مدى خمسين عاماً أثبتت فكرة التوطين عقمها وإستحالتها في أن تشكل بديلا لوجوب إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين قائم على قرارات الشرعية الدولية، وبخاصة القرار 194.
ومنذ إنطلاق مفاوضات الوضع النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتي بلغت ذروتها في قمة كامب ديفيد الثانية في يوليو 2000، يلاحظ أن معظم القضايا مثار الخلاف تم فيها تقدم ولو نسبي، عدا قضية اللاجئين التي راوحت مكانها، ويدل هذا على صعوبة المشكلة وأهميتها ويعبر عن مدى التباعد بين مواقف الطرفين. جذور الموقف الإسرائيلي: يتمثل الحلم الصهيوني منذ البداية في دولة لليهود فقط، حتى قبل إعلان دولة إسرائيل وقيامها، وإن لم يعلن عن ذلك بصورة جلية في الفترات الأولى لصياغة المشروع الصهيوني، ولكن الخطاب الصهيوني منذ مطلع القرن العشرين كان يتضمن هذه الفكرة التي مثلت قاعدة أساسية للموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل. ففي القرن التاسع عشر أعرب البارون إدموند روتشيلد الممول الرئيسي لمشاريع الإستيطان الصهيوني في فلسطين عن إستعداده لتقديم العون المادي للعرب الذين يقبلون مغادرة فلسطين إلى العراق نهائياً(1) . ولم يخفِ هرتزل رأيه في هذا الموضوع، حيث رأى أن الدولة اليهودية لن تقوم إلا بالإستيلاء على الأراضي العربية وشن حرب إبادة ضد السكان الأصليين. ودعا فلاديمير جابوتنسكي لترحيل العرب من فلسطين، مؤكداً أن الدولة اليهودية لن تقوم إلا بالقوة وعبر الترحيل الإجباري للفلسطينيين، وكانت النتيجة التي توصل إليها أنه "يمكن أن تكون غالبية يهودية، وبعدها دولة يهودية، فقط برعاية القوة، ومن وراء جدار حديدي لا يقوى السكان المحليّون على تحطيمه". أما ديفيد بن غوريون، الذي ظل يعمل طيلة حياته السياسية لانجاز هدف طرد العرب من فلسطين، فقد إعتبر في جلسة إدارة الوكالة اليهودية التي عقدت في حزيران 1938 أن "نقطة الإنطلاقة أو المخرج لحل مسألة العرب في الدولة اليهودية تكمن في التوقيع على إتفاقية مع الدول العربية تمهد الطريق لإخراج العرب من "الدولة اليهودية" إلى الدول العربية. وعند الحديث عن الموقف الصهيوني من قضية تهجير عرب فلسطين لابد من الإشارة إلى ما حدث في أروقة المؤتمر الصهيوني العشرين في زيورخ (3-21/8/1937) والذي ضم 500 مندوباً يمثلون مختلف التيارات الصهيونية آنذاك. فقد عكست نقاشات المؤتمر وقراراته التوجهات التي سادت فيه حول موضوعي تقسيم فلسطين وتبادل السكان اللذين وردا في تقرير لجنة بيل. كما اتضح سابقاً، فإن فكرة تهجير العرب من فلسطين كانت حاضرة في أذهان الصهيونيين، غير أن هذه الفكرة لم تأخذ صبغة البرنامج أو المشروع الذي يطرح على جدول أعمال المؤسسات والهيئات الصهيونية. وهكذا يمكن إعتبار المؤتمر الصهيوني العشرين، أول مؤتمر للمنظمة العالمية يبحث فكرة التهجير. ويمكن إجمال المناقشات التي شملها المؤتمر فيما يتعلق بموضوع تهجير الفلسطينيين بما يلي: - فضلت غالبية المؤتمرين دراسة مشروع "بيل" لأنه من وجهة نظرهم طرح مزايا ومكتسبات كبيرة تتمثل في قيام دولة يهودية معترف بها، وركز هؤلاء على أهمية فكرة ترحيل العرب تحت عنوان تبادل السكان. وكان من أبرزهم حاييم وايزمن وبن غوريون وقيادة حزب مباي بصفة عامة. - كان تيار تهجير العرب من فلسطين تياراً طاغياً في المؤتمر، ولعبت زعامة حزب مباي دوراً كبيراً في ذلك. وهو ما ورد في كلمات معظم المتحدثين في أروقة المؤتمر، رغم وجود أقلية عبرت عن رفضها لفكرة التهجير القسري للسكان العرب(2) . ولابد من الإشارة إلى المقالة التي كتبها أبراهم شارون، وهو أحد الكتاب اليهود منذ عام 1930، والذي يمكن إعتباره الأساس الفكري الذي قامت عليه المواقف الإسرائيلية لاحقاً، وهو الأساس أيضاً لمسألة تبادل أملاك السكان العرب باليهود القاطنين في البلاد العربية، حيث جاء في المقال "الحل الذي نراه إلى هذه الدولة هو تفريغ البلاد لإستيعاب اليهود الجدد القادمين إليها على أن يتم هذا التفريغ تدريجياً لضمان انتقال العتاد والأموال والأملاك بصورة متفق عليها تسندها خطة تمويل بين الحكومات العربية والحكومات الدولية"(3) . وفي ورقة عمل قدمها فايتسي إلى القيادة الصهيونية بعد شهور من صدور تقرير لجنة بيل في عام 1937، قال فيها "التهجير لا يهدف إلى إنقاص عدد الفلسطينيين فحسب بل يتطلع إلى إفراغ الأراضي الزراعية من العرب وتحريرها للإستيطان اليهودي". وفي موضوع آخر قال فايتسي "الخلاص لن يأتي إلا بخلاص البلد (فلسطين) ليبقى خالصاً لنا، إن السبيل الوحيد هو قطع العرب واقتلاعهم من الجذور..علينا العثور على الآذان المصغية في أمريكا، ثم في بريطانيا ثم في البلاد المجاورة، وهناك سيحل المال المشكلة"(4) . ومنذ عام 1947-1948، يدعي الإسرائيليون بأن لهم حق في إحتلال الأراضي التي كانت مخصصة للدولة العربية في قرار التقسيم بحجة أنهم كانوا في وضع الدفاع عن النفس ضد الجيوش العربية. كما إدّعوا أيضاً أن اللاجئين فروا بناء على أوامر من الجيوش العربية، وليس بفعل القوة والإرهاب الإسرائيلي. هذا الادعاء فنده التقرير الذي أعده الكونت برنادوت في حينه في تقريره الذي استندت عليه الأمم المتحدة في إصدار القرار 194 حيث جاء في التقرير: "أن عرب فلسطين لم يغادروا ديارهم ويهجروا ممتلكاتهم طوعاً أو إختياراً، بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب التي قامت بها السلطات الإسرائيلية ضد العرب الآمنين". وانتهى في تقريره إلى أن قضية فلسطين لا يمكن حلها إلا إذا أتيح للاجئين العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم(5) . وبناء على تقرير الكونت برنادوت أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 11/12/1948 القرار الذي تضمن تشكيل لجنة ثلاثية تدعى "لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين. وأوكلت الجمعية إلى اللجنة عدة مهام أهمها: - القيام بالمهام التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين بموجب قرار الجمعية رقم 186 الصادر في 14/5/1948. - تقديم اقتراحات إلى الجمعية العامة في دورتها الرابعة (أي خريف 1949) بشأن إقامة نظام دولي دائم لمنطقة القدس. - تسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الإقتصادي والإجتماعي، وكذلك دفع التعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود وضرر. زارت اللجنة المذكورة تل أبيب سنة 1949، وتباحثت مع الحكومة الإسرائيلية في كيفية تنفذ قرار الجمعية العامة رقم 194، فردت الحكومة الإسرائيلية بأن حل مشكلة اللاجئين مرتبط بالتسوية النهائية لقضية فلسطين، وأصرت على رفض تنفيذ القرار ما لم يسبق ذلك عقد صلح نهائي مع العرب. واستجابة للطلب الإسرائيلي، دعت اللجنة الحكومات العربية وحكومة إسرائيل إلى إرسال مندوبين عنها إلى لوزان في سويسرا، وبعد محادثات منفردة بين اللجنة وبين مندوبي الوفود وقعت إسرائيل على بروتوكول لوزان في 12/5/1949 الذي تضمن عدة مواد أهمها: 1- إتخاذ الخريطة الملحقة بقرار الجمعية العامة الصادر في 29/11/1947 (قرار التقسيم) أساساً للمحادثات بشأن مستقبل فلسطين. 2- إرتداد إسرائيل إلى ما وراء حدود التقسيم. 3- تدويل القدس. 4- عودة اللاجئين وحقهم في التصرف بأموالهم وأملاكهم وحق التعويض للذين لا يرغبون في العودة. لم تحترم إسرائيل توقيعها، فما أن قبلت الجمعية العامة عضويتها في منظمة الأمم المتحدة حتى بادرت إلى التنكر لإلتزاماتها في بروتوكول لوزان فرفضت تنفيذ مواده. ولما عجزت لجنة التوفيق عن اقناعها بالإيفاء بما إلتزمت به أمام المنظمة الدولية أعلنت فشل مؤتمر لوزان وإنهاء أعماله(6) . وفي رد لوزير خارجية إسرائيل موشيه شاريت (شرتوك) على طلب الكونت برنادوت لإعادة اللاجئين الفلسطينيين، رفض شاريت رأي برنادوت وطالب بأن يوطن اللاجئون في خارج فلسطين المحتلة، وأوصى بمسح القرى والمدن الفلسطينية التي كان يسكنها العرب حتى لا تترك أثراً يربطهم بأرضهم، وأكد أن إعادة العرب إلى إسرائيل يهدد نقاء دولة إسرائيل(7) . منذ البداية شكل موضوع اللاجئين الفلسطينيين مشكلة حقيقية للقادة الإسرائيليين والذي تطلب مواجهة سريعة خاصة في السنوات الأولى لبزوغ المشكلة، حيث تم وضع تصورات للتعامل معها منذ الوهلة الأولى. ففي 5 يونيو عام 1948، عقد جوزيف وتيز مدير الصندوق اليهودي إجتماعاً مع دفيد بن غوريون رئيس وزراء، إسرائيل حيث قام وتيز بعرض خطة للتعامل مع موضوع اللاجئين إستندت في الأساس على الحيلولة دون عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم من الناحية الواقعية، وذلك بخطوات عملية، إذ طالب في خطته بمجموعة من الخطوات: - تدمير أكبر عدد ممكن من القرى خلال العمليات العسكرية. - منع العرب من العمل في مزارعهم بعد هدم بيوتهم. - تبني خط دعائي هدفه منع اللاجئين من العودة. - إشغال الفراغ الناشئ بعد النزوح بالتوطين الفوري لليهود في أماكن العرب. - تبني قوانين لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين. - مساعدة الدول العربية ماديا لإستيعاب اللاجئين الموجودين على أراضيها. وافق بن غوريون على كل بنود الخطة بإستثناء البند الأخير، الذي لم يكن على سلم أولوياته وذلك بسبب التكاليف الباهظة التي يمكن أن تتحملها إسرائيل نتيجة لذلك. وفي اجتماع آخر عقد في 26/8/1948، تم خلاله مناقشة موضوع اللاجئين باستفاضة حضره بن غوريون، وأعلن أنه ينبغي إلا يسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة لأنهم سيؤلفون طابوراً خامساً، وعلى الدول العربية أن ترعى شؤونهم، في حين إذا مورست ضغوط على إسرائيل من قبل الأسرة الدولية، فإنها ستسمح بعودة عدد محدود من سكان المدن الحرفيين، لكنها لن تسمح أبداً بعودة أي من القرويين(8) . وفي الفترة 1949-1950 وافقت إسرائيل بشروط على دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين بحيث لا يكون دفع التعويض فردياً، بل على أساس إجمالي، وذلك بدفع تعويض لتوطين اللاجئين في الدول المضيفة، على أن يتوفر المبلغ من المجتمع الدولي وبإشراف منظمة دولية. كما عرضت إسرائيل في تلك الفترة إستعدادها لإعادة 100 ألف لاجئ وتوطينهم حيث تشاء إسرائيل، ولكنها عادت وتراجعت عن ذلك. وفي عام 1956 أثناء زيارته للولايات المتحدة أبدى موشيه شاريت إستعداد إسرائيل للنظر بجدية إلى مبدأ التعويض شريطة أن يتم توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلاد التي لجأوا إليها. وبعد تسع سنوات قدم ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل آنذاك مشروعا للكنيست الإسرائيلي إقترح فيه تحويل مبالغ مالية إلى الدول العربية التي تستضيف اللاجئين، وذلك بغية دمجهم في هذه المجتمعات مقابل فتح أبواب التجارة أمام البضائع الإسرائيلية في البلاد العربية(9) . مشاريع التوطين: على الرغم من محاولة إسرائيل بكل قوة تثبيت فكرة أن حل قضية اللاجئين يأتي من خلال توطينهم في الدول العربية التي لجأوا إليها، فإن هذه الفكرة بدأت تطرح بقوة من قبل الساسة الإسرائيليين بعد حرب حزيران 1967، حيث وجدت إسرائيل نفسها مسيطرة على مئات الالاف من اللاجئين وهو ما يمثل مشكلة ديمغرافية بالمنظور الإستراتيجي. ولكن بالمقابل تصورت إسرائيل أن لديها فرصة لفرض حلول لقضية اللاجئين بصفتها مسيطرة على هذا العدد الكبير من اللاجئين. وكان إيغال الون، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الهجرة والاستيعاب أول من بادر إلى التعامل مع هذه القضية، حيث توجه فور انتهاء الحرب إلى رئيس الحكومة ليفي اشكول مطالباً إياه بالشروع فوراً بدراسة وسائل حل وتصفية قضية اللاجئين، وبخاصة المتواجدين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا الإطار لم يكن طرح الون هو الطرح الوحيد الذي يتعامل مع هذه القضية، ولكن هناك العديد من الخطط والمشاريع التي حاول العديد من الإسرائيليين طرحها لمعالجة هذه القضية. وقد إشتملت تلك الخطط والمشاريع على التالي: - مشروع آلون: ينطلق مشروع آلون من إنكار إسرائيل أية مسؤولية لمشكلة اللاجئين، ويتهم الدول العربية بأنها سبب المشكلة وسبب دوامها، وأكد أنه لا توجد لدى إسرائيل القدرة الإستيعابية لإعادة اللاجئين وتوطينهم وبخاصة أن إسرائيل إستقبلت أعداداً كبيرة من المهاجرين اليهود من الدول العربية، وإعتبر هذه العملية عملية تبادل سكاني بين البلاد العربية وإسرائيل، كما دعا إلى نقل سكان المخيمات إلى مناطق مجاورة بعد تطوير البنية الزراعية والصناعية للأراضي الفلسطينية، كما شمل مشروعه نقل وتوطين إعداد من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء سواء قبل المصريون ذلك أم لم يقبلوا، ولكي توضع هذه الاقتراحات موضع التنفيذ نادى الون بضرورة إيجاد تمويل دولي لحل المشكلة في البلاد العربية(10) . - اقتراحات رعنان فايتس: الذي شغل منصب مدير الإستيعاب في الوكالة اليهودية في الفترة 1963-1984، حيث تقدم خلال إحتلاله هذا المنصب بعدة إقتراحات لمعالجة قضية اللاجئين تصب معظمها في ضرورة نقل وتفريغ المخيمات الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة وترحيل عدد من اللاجئين إلى الضفة الغربية نظراً لقدرتها الإستيعابية. - اقتراح آبا ايبان: كان يشغل وزير خارجية إسرائيل حين قدم مشروعه (اقتراحه) في خطاب أمام الأمم المتحدة عام 1968 وهو ينطلق من خطة خماسية في إطار سلام دائم يبدأ بمؤتمر دولي يضم دول الشرق الأوسط مع الحكومات التي تساهم في إغاثة اللاجئين، حيث يتم توطين هؤلاء في أماكن اللجوء التي يعيشون فيها بمساعدة دولية واقليمية(11) . - مشروع موشيه ديان: شغل موشيه ديان منصب وزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية أثناء حرب 1973، حيث كانت المخيمات في قطاع غزة تمثل مشكلة أمنية للحكومة الإسرائيلية. قدم ديان مشروعه في إطار التغلب على هذه المشكلة حيث جاء فيه: 1- تصفية المخيمات تحت ستار تخفيف كثافة السكان وبخاصة في قطاع غزة على أن يتم ذلك تدريجياً. 2- توزيع اللاجئين في مناطق جديدة تسهل السيطرة الأمنية عليها. 3- تحقيق هدف سياسي يصب في تجريد اللاجئين من صفة اللجوء بعد تركهم المخيمات. 4- تقوم إسرائيل بإعادة تأهيل اللاجئين. - إقتراح ارئيل شارون: شغل شارون في هذه الفترة قائد القوات العسكرية الإسرائيلية، في قطاع غزة وقدم إقتراحه عام 1971، حيث إقتصر إقتراحه على تهدئة الأوضاع الأمنية في القطاع، فاقترح نقل 40 ألف شخص من مخيمات القطاع إلى مكان آخر لتخفيف الإزدحام السكاني، وقام شارون بخطوات عملية بهذا الشأن حيث شق الشوارع في المخيمات مما أدى إلى هدم آلاف البيوت ونقل أصحابها إلى مناطق جديدة خارج المخيمات. - خطة يسرائيل غاليلي: تقدم بها عندما كان وزيراً في حكومة العمل عام 1973، حيث دعا إلى إعادة تأهيل اللاجئين بتوفير مساكن لهم مجاورة للمخيمات، أو تطوير المخيمات وتحويلها إلى مدن، أو دمج المخيمات في المدن المجاورة(12) . - خطة لجنة بورات: في عام 1982، شكلت حكومة بيغن لجنة وزارية برئاسة مردخاي بن بورات للنظر في قضية اللاجئين، وقد أعدت اللجنة المذكورة خططاً تفصيلية لدمج اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة في المدن المجاورة عن طريق نقل 250 ألف لاجئ من مخيماتهم. وقدرت اللجنة تكلفة المشروع في حينه بملياري دولار تقريباً، يجب جمعها من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وقد اشتملت الخطة على التفصيلات الآتية. على أن يجري تنفيذها على مراحل على مدى خمسة أعوام. - بناء مساكن جديدة لسكان المخيمات على مراحل، بحيث ينتقل إليها في العام الأول 5% من السكان، ثم 15% في العام الثاني، و25% في العام الثالث، و 30% في كل من العامين الرابع والخامس. - منح الإستيطان السكاني الجديد صفة بلدية مستقلة. - إعطاء الأراضي وتوفير مساعدات تحت شعار "إبنِ بيتك بنفسك". - توحيد الخدمات الصحية والإجتماعية في الضفة الغربية، ودمج خدمات الأونروا التعليمية على مراحل في المؤسسات التعليمية الحكومية الموجودة حالياً. - ضمان التنسيق الشامل لمشروع مع الأونروا(13) . وخلال زيارته للولايات المتحدة دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية شامير إلى عقد مؤتمر دولي لحل مسألة اللاجئين، وأكد أن إسرائيل ستساهم في هذا الحل بالخبرة والأفكار، وأن على الولايات المتحدة والدول العربية والأسرة الدولية أن تموله. لقد عالجت المشاريع الإسرائيلية مشكلة اللاجئين في الضفة وغزة كجزء من معالجتها للمشكلة الأمنية. ويجب الإشارة في هذا المجال، إلى ما طرحه شلومو غازيت الخبير في الشؤون الإستراتيجية وإن كان موقفه لا يعتبر موقفاً رسمياً، إلا أنه يعبر بصورة دقيقة عن الموقف الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي من هذه القضية، حيث قال غازيت فيما يتعلق بحق العودة بأن الأوساط الإسرائيلية أجمعت على رفض حق العودة من حيث المبدأ وأضاف: "إن إسرائيل ترفض هذا الحق في الدرجة الأولى على الصعيد المبدأي، إذ ينطوي على إعتراف إسرائيل بحق العودة على الإقرار بمسؤوليتها عن التسبب بالمشكلة، وهي تبعات لا يمكن أن تتحملها إسرائيل التي لا تعتبر نفسها بصورة قاطعة مسؤولة عن حرب عام 1948، وبالتالي فهي لا تتحمل تبعاتها، ولهذا السبب يرفض الكثير من الإسرائيليين إلتزام إسرائيل بإستيعاب عدد محدود من اللاجئين بناء على معايير لم شمل العائلات، كما ترفض الحكومة الإسرائيلية العودة على أساس عملي، حيث لا إمكانية لإعادة اللاجئين إلى منازلهم وأراضيهم من دون أن يؤدي ذلك إلى تقويض نسيج الشعب والمجتمع الإسرائيلي كله، إذ أن قسماً كبيراً من المستوطنات القائمة في إسرائيل مشيد على أماكن كان يستوطنها عرب فلسطينيون سابقاً، ولا توجد طريقة أو إمكانية لإعادة هذه الأراضي والأملاك إلى من كان فيها قبل عام 1947 من دون اقتلاع مئات الألوف من الإسرائيليين من أماكنهم، وهو ما سيحدث هزة مدمرة في المجتمع الإسرائيلي". ويرى غازيت أنه لو سُمح للاجئين بالعودة إلى إسرائيل حتى دون عودتهم إلى أراضيهم الأصلية، فسوف يهدد هذا الصبغة اليهودية بشكل كبير(14) . كان آخر مشروع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ما عرضه بعض النواب الأمريكيين، وبإيعاز من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، حين زار وفد من مجلس العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي في عام 1997 عدداً من البلاد العربية-خصوصاً دول الخليج واقترح الوفد على كل منها توطين 35 الف فلسطيني سنويا في كل دولة لمدة عشر سنوات، وبحساب الرقم تراكمياً يتعدى العدد 2 مليون شخص. جدير بالذكر الإشارة إلى أن هذا الإقتراح جاء مطابقاً لما طرحته المحامية اليهودية الأمريكية دونا آرزت لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين(15) . وفي محاولة من قبل الحزبين الكبيرين في إسرائيل العمل والليكود وضع موقف مشترك من قضايا الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني، تم تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن تكتل الليكود (الليكود-تسوميت-غيشر) برئاسة ميخائيل ايتان وممثلين عن حزب العمل برئاسة يوسي بيلين، وتوصلت اللجنة فيما عرف "خطة إتفاق وطني حول مفاوضات الوضع الدائم مع الفلسطينيين"، أو وثيقة بيلين –ايتان، وقد جاء في الخطة فيما يتعلق بموضوع اللاجئين ما يلي: وثيقة بيلين-ايتان: 1- الإعتراف بحق دولة إسرائيل في منع دخول لاجئين فلسطينيين إلى داخل مناطق سيادتها. 2- السلطة الفلسطينية مخولة باستيعاب كل شخص داخل أراضيها حسب إعتباراتها. رأي آخر: إجراءات دخول السكان إلى الكيان الفلسطيني وقيود الدخول تبحث في مفاوضات التسوية الدائمة. - تقام منظمة دولية تلعب فيها إسرائيل دوراً هاماً تستهدف تحويل وتطبيق خطط التعويض وتأهيل اللاجئين في أماكن سكناهم. وهذه المنظمة تبحث مطالب إسرائيل بالتعويضات لصالح اللاجئين اليهود في دول عربية. - إسرائيل والكيان الفلسطيني، كل واحدة في مجالها، تعمل على تأهيل اللاجئين على قاعدة حل وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، وإلغاء مكانة اللاجئ، وترتيب سكن دائم وخلق فرص عمل بمساعدات دولية. - إسرائيل تواصل سياستها بشأن لم شمل العائلات حسب المواصفات الحالية(16). الموقف الإسرائيلي والمفاوضات: في الكلمة التي ألقاها أمام مجموعة العمل الخاصة باللاجئين(*) ، أول مرة في نوفمبر 1992 كرّر رئيس الوفد الإسرائيلي الموقف الرسمي بقوله: "إن القول بأن مسألة اللاجئين الفلسطينيين كانت نتيجة طرد جماعي هو محض إفتراء". وأضاف أن المسالة وُلدت حيث جُزأت الأرض بالقوة إلى يهودية وعربية لا بمقتضى مخطط، وكان ذلك نتيجة حتمية للمخاوف العربية واليهودية والنزاع اللاحق(17) . وفي مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، أشار نائب وزير الخارجية آنذاك، يوسي بيلين، إلى أن القرار 194 مهم في رمزيته فقط بالنسبة إلى إسرائيل والعرب، بمن فيهم الفلسطينيون. وهي لهجة فيها نوع من التحايل على مدة ووضع القرار رقم 194. في حين أن رئيس الحكومة الأسبق شامير كان أكثر مباشرة في التعليق على حق الفلسطينيين في العودة حين قال "إن تعبير حق العودة فارغ المضمون ولا معنى له ولن يحدث ذلك أبداً بأي طريقة أو صورة أو شكل. هناك فقط حق يهودي في العودة إلى أراضي إسرائيل(18) ، وفي أكتوبر 1994 نشرت الحكومة الإسرائيلية وثيقة عن مسألة اللاجئين توجز موقفها من هذه المسألة والذي يعتبر تكراراً لمواقفها السابقة حيث جاء فيها: - إن مسألة لاجئي 1948 كانت من صنع الدول العربية. - إن نحو 600 ألف لاجئ يهودي إضطروا في بداية الخمسينات إلى الهرب من الدول العربية والحماية في إسرائيل. - إن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا في حربي 1948-1967 أقل بكثير من زعم الجانب العربي. - إن تعريف اللاجئ وفق قرار الأمم المتحدة 194 كان غير دقيق ومختلفاً عن التعريفات الدولية الأخرى لماهية اللاجئ. كما شددت الوثيقة الإسرائيلية على النقاط السابقة من خلال طرح فهمها الخاص لهذه القضية حيث جاء: "وفقاً للوثائق الدولية نفسها، فإن حق العودة ملك للمواطنين، أو على الأقل ملك للمقيمين إقامة دائمة بالدولة. ولم يكن اللاجئون الفلسطينيون قط مواطنين أو مقيمين إقامة دائمة باسرائيل، فقد هربوا أما قبل إنشاء الدولة سنة 1947 أو في عام 1967 (19) . عقدت مجموعة العمل الخاصة باللاجئين ثمانية إجتماعات حتى إنطلاق مفاوضات الوضع النهائي في مايو 1996. يضاف إلى ذلك إجتماعات دورية للبحث في موضوعات متخصصة تمهد للإجتماعات السابقة. ورغم هذه القائمة الطويلة من الإجتماعات لم يتم إحراز تقدم يذكر على صعيد حل قضية اللاجئين الفلسطينيين أو عن المسؤولية الأخلاقية عن القضية. وعلى المستوى الثنائي لم يتم طرح الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين بشكل جدي إلا في مفاوضات كامب ديفيد التي إنطلقت في واشنطن في يوليو 2000 حيث كان موقف باراك من هذه القضية، أنه لا يمانع في عودة اللاجئين إلى مناطق السلطة الفلسطينية مع إلتزام إسرائيلي باستيعاب آلاف الفلسطينيين في إسرائيل، ولكن ليس بالضرورة في الأماكن التي أبعدوا منها عام 1948 (20) . وفي مفاوضات طابا التي دارت بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي التي انطلقت في 20/1/2001، تم تشكيل لجنة برئاسة كل من "نبيل شعث" عن الجانب الفلسطيني و"يوسي بيلين" عن الجانب الإسرائيلي، لبحث قضية اللاجئين، ورغم دراسة القضية بصورة معمقة لم يتوصل الطرفان إلى تقدم في هذه القضية(21) . في هذا المجال لابد من الإشارة إلى الأفكار التي طرحها الرئيس كلينتون في نهاية شهر ديسمبر عام 2000 المتعلقة بتصور الولايات المتحدة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحسب معظم المحللين فإن ما جاء في هذه الأفكار فيما يتعلق باللاجئين أن هذه الأفكار تكاد تتطابق مع الموقف الإسرائيلي لهذه القضية حيث جاء في أفكار الرئيس كلينتون فيما يتعلق باللاجئين ما يلي: "أعتقد بأننا نحتاج إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها، ولكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة. في ضوء ما تقدم، إقترح الرئيس كلينتون بديلين: 1- يعترف الجانبان بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين التاريخية أو، 2- يعترف الجانبان بحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم. وسيحدد الإتفاق تنفيذ هذا الحق العام بطريقة تتوافق مع الحل القائم على أساس دولتين، وهناك خمسة أماكن محتملة للاجئين، هي: 1- دولة فلسطين. 2- مناطق في إسرائيل ستنقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي. 3- إعادة تأهيل في الدول المضيفة. 4- إعادة توطين في دولة ثالثة. 5- الإدخال إلى إسرائيل. توضح المقترحات أن العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق التي تتم حيازتها ضمن تبادل الأراضي ستكون حقاً لجميع اللاجئين الفلسطينيين، "بينما سيعتمد التأهيل على البلدان المضيفة، وإعادة التوطين في بلدان ثالثة والإستيعاب داخل إسرائيل على سياسات تلك البلدان ../.. وتستطيع إسرائيل الإشارة في الإتفاق إلى أنها تعتزم إعتماد سياسة يتم بموجبها استيعاب بعض اللاجئين في إسرائيل بما يتفق مع قرار إسرائيل السيادي../.. أعتقد أن الأولوية يجب أن تعطى للاجئين في لبنان../.. يوافق الجانبان على أن هذا هو تنفيذ للقرار "194 (22) . من خلال إستعراض المواقف الإسرائيلية من قضية اللاجئين وبخاصة ما يتعلق بحق العودة، فباستثناء فترة قصيرة الأجل سنة 1949، عندما أبدى رئيس الحكومة الإسرائيلي ديفيد بن غوريون إستعداداً للسماح بعودة 100 الف لاجئ، ولم يفض ذلك إلى شيء، ظل الموقف الإسرائيلي ثابتاً على رفض حق اللاجئين في العودة إلى الأراضي الإسرائيلية سواء الحق المبدئي أو الحق العملي. إن رفض إسرائيل المبدأي لحق العودة يأتي بحجة أن إعترافها بهذا الحق يترتب عليه إقرار بمسؤوليتها عن نشوء المشكلة وبالتالي تحمل تبعاتها، وإسرائيل لا تعتبر نفسها مسؤولة عن حرب عام 1948. ورغم ذلك فإن الحكومات الإسرائيلية وبخاصة الحكومات التي يترأسها حزب العمل، تبدي استعداداً لادخال بعض اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل ضمن معايير لم شمل العائلات ودون أي التزام بحق العودة لهؤلاء اللاجئين.
المراجع: (*) تعتبر هذه اللجنة جزء من المفاوضات المتعددة الأطراف التي بدأت عام 1991، مع مؤتمر مدريد للسلام، لتكملة المفاوضات الثنائية الإسرائيلية-الفلسطينية، والإسرائيلية العربية(سوريا ولبنان والأردن). وقد إشترك فيها أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية، وهي تضم خمس مجموعات عمل تغطي قضايا نزع السلاح، المياه، البيئة، التنمية الاقتصادية، اللاجئين. وقد قاطعتها سوريا ولبنان منذ البداية. وتم إقرار اعمالها في لجنة توجيهية عقدها الراعيان لعملية السلام في موسكو عام 1992. (1) عبدة الأسدي، صامد الاقتصادي، العدد105، أيلول 1996. (5) الموسوعة الفلسطينية، المجلد الرابع، الطبعة الأولى 1984. (9) ايليا زريق، مرجع سابق. (13) ايليا زريق مرجع سابق. (16) قراءة في خطط إسرائيلية للحل الدائم-مركز التخطيط الفلسطيني-دراسة رقم 37-1997. (17) –Ben- Ami, shlomo, opening Remarks, official presentation by the Israeli Delegation to the Refugee working Group of the middle East peace Talks, 11 November, Ottawa, Canada. 1992. (19) Government of Israel, the Refugee Issue: A Background Paper. Jerusalem: Government Press office, 1999 |
|