د.خالد شعبان تعتبر عملية تهجير اليهود إلى فلسطين أحد أهم الركائز والمقومات التي تقوم عليها إسرائيل (1) . فالطاقة البشرية هي أحد أهم عناصر معادلة الأمن القومي لأي بلد ما، فالسكان –كما ونوعا-يؤثرون بشكل كبير على قوة الدولة، وتقدمها، ورقيها، ومكانتها الإقليمية والدولية، ولذلك فإن إسرائيل ترى التهجير وكأنه إنتصار عسكري. لذلك احتل موضوع تهجير اليهود إلى فلسطين، حيزا هاما في فكر قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل، لعل أهمها بعد إعلان قيام إسرائيل، هو إقرار الكنيست لقانون العودة 1950، والذي كانت أهم دلالاته، هي عملية البحث عن اليهود في جميع أنحاء العالم، وتهجيرهم إلى إسرائيل بشتى السبل. وقد استقبلت إسرائيل منذ أواخر الثمانينات وحتى مايو/ 2000 دفعة جديدة من المهجَّرين اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق وأثيوبيا ، كان من بينهم المهجَّر رقم مليون. ولأهمية الحدث، كان في استقبال هذه القائمة الجديدة من المهجَّرين رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك إيهود باراك، ووزيرة الاستيعاب يولي تامير. وقد شكل استمرار التهجير اليهودي حتى الآن خطورة كبيرة على القضية الفلسطينية سواء في تشريد الشعب الفلسطيني أو مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات عليها، كما كان لها آثارها السلبية على فلسطينيي1948 سياسياً واقتصاديا واجتماعياً، كما أدى استمرار التهجير إلى أحداث تحولات بنيوية في تركيبة المجتمع الإسرائيلي، وتغييرات في الحراك الاجتماعي(2) ، إضافة إلى تغييرات متعددة على شكل القيادة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية….. و نظرا لتعدد الدراسات التي تناولت بالتحليل عمليات التهجير الاخيرة ، فان النطاق الزمني لهذه الدراسة سيكون ضمن الفترة الواقعة بين 96-2000،وهذه الفترة مهمة سواء في دراسة الابعاد السياسية والتي تمثلت بتشكيل حزب اسرائيل بعليا ، أو دراسة الابعاد الاجتماعية، وبروز دور واضح للمافيا،والصراع بين المهجَّرين القدامى والجدد . ولذلك فإن هذه الدراسة تركز اساسا، على الدلالات السياسية والاجتماعية لواقع المهجَّرين في هذه الفترة الزمنية . أولاً: مفاهيم ومصطلحات لابد من الإشارة إلى بعض دلالات المفاهيم المستخدمة في الكتابات العربية، حيث يخدم أغلبها المصلحة الصهيونية واسرائيل، ولذلك لا بد من استدراك هذا الوضع، واستبدالها بمفاهيم ومصطلحات تحقق المصلحة العربية والفلسطينية، وأهم هذه المصطلحات في هذه الدراسة هما مصطلحا (الهجرة، يهود الشتات). يعتبر مفهوم الهجرة مرادفا لكلمة (علياه) العبرية وليس (هجيراه) أو (immigration)، حيث يرتبط المفهوم الأول بالدين، الذي تعاملت معه الصهيونية كمرادف للقومية، و(علياه) مأخوذة من التوراة وتعني الصعود والعلو إلى الجنة، وهي واجب شرعي حسب تعاليم الهلاخاه، وأن كلمة الخروج أو الهجرة العكسية (يرداه) أخذت معنى النزول والهبوط، والتي فيها معنى الإثم الديني، وتذهب بعض المذاهب المتطرفة إلى أبعد من ذلك، حيث تؤكد بعضها أن من هاجر إلى إسرائيل لا يحق له الخروج أو النزوح منها. وتدل عملية التهجير المتواصلة منذ قرن ونيف من الزمن على أنها لم تحدث (بأغلبها) استجابة لدعوات الحركة الصهيونية لليهود بمغادرة أوطانهم والهجرة الى فلسطين، باعتبارها أرض الميعاد، حيث يدل الواقع على أن اليهود ارغموا على الهجرة إلى فلسطين بسبب متغيرات (اقليمية، دولية)، ولذلك فإن المصطلح الذي يجب استخدامه هو التهجير، وليس أدل على ذلك من الدور الذي قامت به الحركة الصهيونية في تهجير يهود العراق. والمصطلح الثاني الذي يجب الحذر في التعامل معه هو (يهود الشتات)، حيث أطلق هذا المصطلح لاول مرة على اليهود الذين رفضوا العودة إلى مملكة يهودا بعد أن سمح لهم (قورش) ملك فارس بالعودة إلى مملكة يهودا كأفراد، بعد تحريرهم من السبي البابلي، ولذلك لا يجوز حاليا إطلاقه على جميع اليهود خارج إسرائيل، حيث يتعامل هذا المصطلح مع الدين كقومية، باعتبار أن لهم الحق في العودة إلى موطنهم الأصلي، ولذلك فقد اعتمدت في هذه الدراسة على مصطلح (اليهود في العالم، يهود العالم). ثانياً: اليهود في العالم تسعى إسرائيل من خلال الوكالة اليهودية والمؤتمر اليهودي العالمي، ومنظمات صهيونية أخرى متعددة، للبحث عن اليهود في شتى بقاع الارض، للاهتمام بشؤونهم وتحسين احوالهم العامة، واحصائهم، ومعرفة جميع انسابهم اليهودية، واعداد قاعدة بيانات حول عددهم في كل بلد من بلدان العالم، والعمل على توثيق روابط علاقتهم باسرائيل. ويتوزع السكان اليهود في العالم في عدة دول مختلفة تقارب المئة دولة، وأكد البروفسيور "سرجيو ديله فرغولا"(3) ، من معهد اليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس أن عدد اليهود في العالم ارتفع خلال 1999 من 13.1 مليون نسمة إلى 13.2 مليون نسمة، بنسبة زيادة طبيعية (0.3%)، سيتوزعون كالتالي (4) :
ويتضح هنا أن أكثر من (8) مليون يهودي يعيشون خارج حدود إسرائيل بنسبة تزيد عن (63%)، ويعيش في إسرائيل نسبة من اليهود تقارب (37%)، ومع ذلك فإن الملاحظ أن معظم الاحصائيات المتعلقة باليهود في العالم غير دقيقة لعدة أسباب أهمها: صعوبة تحديد من هو اليهودي؟، لوجود بعض البلدان التي لا تذكر الديانة في احصاءاتها، فهناك عدد كبير من العائلات المختلطة. ويلاحظ أن إسرائيل قد أوجدت نمطاً من الاعتماد المتبادل بينها وبين اليهود في العالم، من خلال اثارة النزعات الدينية، التي تقوم أهمها على فكرة الخلاص اليهودي بايجاد دولة اليهود، حيث أكدت إسرائيل على ذلك في إعلان قيامها باعتبار نفسها دولة اليهود اينما وجدوا، الأمر الذي أكسب إسرائيل مركزا روحيا. كما أن الاعتماد المتبادل أوجد أنماطاً للتعاون مثل: - المساعدة سياسياً واقتصاديا، الاتصال الاجتماعي من خلال جمع شمل الأسر، إيجاد نوع من الدعم سواء من خلال صناديق التبرع، أو الدعم الروحي المتمثل بالتعليم اليهودي. كما أخذت العلاقة صورا أخرى مثل تقديم الدعم لإسرائيل في صراعها مع العرب، ولكن السؤال المطروح هو: هل يحدث تحول في هذه العلاقة مستقبلا؟. إن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بعدة متغيرات، أهمها على الاطلاق هو اندماج اليهود في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها، حيث سيؤدي الاستقرار والمواطنة الجديدة إلى انخفاض وتلاشي التأييد الروحي والدعم المادي. وهذه الأمور يمكن ملاحظتها على اليهود الامريكيين، والذين يبلغ عددهم (5.6) مليون نسمة، حيث ينقسمون إلى: - 10% ارثوذكس، معظمهم من الحسيديم، يعيشون في حي بروكلين، لا يندمجون في المجتمعات الحديثة. - 35% محافظون، يقبلون بالتكيف مع الشريعة اليهودية والمجتمع المعاصر، كما تتبع هذه الفئة القانون اليهودي في السلوك الشخصي في المنزل، ولكنها تعيش حياة المجتمع والثقافة الأمريكية. - 55% إصلاحيون، يقبلون بالزواج المختلط (5) وبدور مهم للنساء في الكنيس. ولهذه الارقام دلالة كبيرة ، أهمها أن اليهود في المجتمع الأمريكي في طريقهم إلى الاندماج في ذلك المجتمع، وبالتالي الى الاختفاء خلال فترات زمنية قادمة ولذلك حذر الحاخام افرايم وتشوالد (6) ، أن اليهود سيختفون خلال جيلين قادمين نتيجة الاندماج، وانخفاض معدلات الانجاب لدى اليهود الامريكيين، حيث ثبت عدد اليهود في الولايات المتحدة منذ 1945، كما أن (52%) من زيجات اليهود مختلطة. ثالثاً: الابعاد الإجتماعية أدى استمرار تدفق المهجَّرين إلى إعادة رسم خارطة المجتمع الإسرائيلي وإعادة تشكيل تركيبته الفسيفسائية، وإلى أحداث تغييرات متعددة في القيادات الإجتماعية والسياسية، وايضا إلى إجراء عدة تغييرات في النظام الانتخابي. كما أنها أدت إلى بروز عدد كبير من المشاكل الاجتماعية، وإلى ظهور انماط كثيرة من العلاقات بين المهجَّرين القدامى والجدد(7) ، وكذلك علاقة الافراد بالدولة، واهم مؤشراتها النزعة العرقية، حيث يلاحظ وجود مستوطنات للقادمين من الدول الغربية، واخرى للقادمين من المشرق العربي(8) . الأمر الذي أدى إلى وجود انشقاق وفرقة على مستوى الشارع الاسرائيلي، ولكن ما يخفيها حاليا هو الخلاف حول القضايا السياسية، ولذلك فإننا لا نجد خلاف حول الدستور، قضايا الدين والدولة (والتي كانت جزءا هاما من البرامج الانتخابية لجميع الأحزاب في انتخابات الكنيست 1999، رغم استمرار مشاعر الكراهية بين العلمانيين والمتدينين أو الشرقيين والغربيين، ومظاهر الكراهية والفرقة متعددة سواء على المستوى الرسمي او الشارع الاسرائيلي.
1-المهجَّرون الجدد(9) : بلغ عدد المهجَّرين في الفترة (1996-2000) ما يقارب (331) الف مهجر، ينتمي معظمهم الى دول الاتحاد السوفييتي سابقا، واثيوبيا، وعدد بسيط من دول العالم المختلفة، وهو ما يوضحه الجدول التالي(10) :
أما اليهود الروس فيتوزعون كالتالي (11) :
وكما ذكرنا سابقا، فقد بلغ مجموع ما استقبلته إسرائيل من
مهجرين خلال ويلاحظ أن إسرائيل قد فتحت ابوابها على مصراعيها لاستقبال الهجرات الروسية والاثيوبية، في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، ومازالت تفتح ابوابها، ولكن ما تم ملاحظته مؤخراً: - فرضت إسرائيل عملية تهويد اجبارية سواء ليهود اثيوبيا او ليهود روسيا،واهم مؤشراته بالنسبة لليهود الأثيوبيين هو اقامة العديد من المراكز التعليمية في القرى والمدن ذات الأغلبية اليهودية لتعليمهم اللغة العبرية، والتوراة، وذلك من أجل استيعابهم داخل المجتمع مباشرة، الأمر الذي يسهل دمجهم المعنوي في المجتمع اليهودي، وقد تم ملاحظة ذلك خلال زيارة وزير الداخلية الإسرائيلي نتان شيرانسكي لاثيوبيا في 9/4/2000، الذي زار منطقة (غوندار) وبعض المناطق الاخرى، ويقدر عدد اليهود بـ(26) الف بدون المسيحيين، ولكن أجدادهم كانوا من اليهود، وجميع هؤلاء مرتبطون بعلاقات اسرية مع الهجرات الاثيوبية الأولى التي جرت في إطار عمليتي موسى1984، سليمان 1991، ويقدر عددهم الإجمالي بـ70 الف يهودي. أما بالنسبة للمهجرين الجدد من روسيا، فيلاحظ أن إسرائيل بدأت مع بداية الالفية الثالثة الجديدة بفتح مراكز لتعليم اللغة العبرية و اختيار نوعية المهجَّرين اليها، والتركيز على أن يكونوا من الشباب فقط، حيث منحت امتيازات لهؤلاء الشباب المهجَّرين أهمها استدعاء اسرهم للقدوم إلى اسرائيل بعد فترة معينة من الزمن، أي أن إسرائيل باتت تركز على عنصر النوعية، باعتبار عنصر الشباب عنصر منتج، أما كبار السن فهم بحاجة أكبر إلى خدمات الدولة. 2- من هو اليهودي؟ تعتبر قضية من هو اليهودي؟ من أهم القضايا اليومية/الحياتية التي يعاني منها المهجَّرون الجدد، فمن لا تثبت يهوديته يكون معرضا للطرد من إسرائيل، ومن كان مشكوكا في يهوديته فهو في حاجة إلى اثباتها والا حرم من الخدمات الحياتية كالزواج والدفن والاكل…الخ، ولذلك فإن هذه القضايا تثير أكثر من اشكالية في إسرائيل، التي يمكن القول أنها بدأت مع إعلان قيام إسرائيل، وبداية إقرار القوانين، ويمكننا ملاحظة ذلك في قانون العودة وتعديلاته ، الذي منح الحق لكل يهودي بالعودة إلى إسرائيل، وبمجرد وصوله يمنح الجنسية ، ويعد عضواً في المجتمع الإسرائيلي، واحتوت موجات الهجرة المتعددة على عدد كبير من غير اليهود. وللخروج من هذه الازمة قدمت عدة اقتراحات لتعديل قانون العودة، أهمها في اوائل عام 2000، لكل من ناحوم لنغنتال (المفدال) والذي يطلب شطب الكلمات الدالة على استقبال احفاد اليهود، بل يكون اليهود وابناؤهم هم وحدهم المستحقون للهجرة، أما عضوة الكنيست تسيبي ليفي (الليكود) فقد طالبت بالغاء حق الاحفاد في الهجرة، كما دعت كل مستحق للعودة للمطالبة بالتصريح برغبته في الاستقرار في إسرائيل، وبولائه للدولة، وأضافت في مطلبها على أن لا يعمل المهجَّرون الجدد على إزالة وجود الدولة كدولة للشعب اليهودي، أو إزالة طابعها الديمقراطي. أما شموئيل هلبرت (يهودوت هتواره) فقط دعا في اضافته مطلب التهويد الشرعي إلى تعريف من هو يهودي، أما ابرهام رابتس (يهودوت هتوراه) فقد طالب بمنع المتهودين من تحويل ابنائهم واحفادهم إلى مستحقين للهجرة كما يتيح قانون اليهود بالولادة. أما الأحزاب الروسية، وخاصة الخيار الديمقراطي ذو الميول العلمانية فقد طلب وخلال عريضة لرئيس الحكومة بعدم مس قانون العودة (13) . يلاحظ من ذلك أن إسرائيل في مشكلة حقيقية تتمثل بعدم النقاء اليهودي، وانها في حال تطبيقها لذلك، فإن الميزان الديمغرافي سيزداد لصالح العرب ،وبالتالي ستجد اسرائيل نفسها مضطرة إلى الترحيب بأكبر عدد من اليهود، سواء أكان مشكوكا في يهوديتهم أم لا، وذلك لتجاوز الوضع الديموغرافي. وفي خضم هذا النقاش أشرفت الجامعة العبرية في نهاية مايو/2000 على مؤتمر يهودي عالمي تحت عنوان (الهوية والثقافة اليهوديتان في القرن الواحد والعشرين) وأكد المؤتمر أن هذه القضية-من هو يهودي - خلافية، ليست جديدة، وانما قديمة، ولكل مذهب من المذاهب اليهودية تعريفه الخاص لليهودي، حيث تعددت الاراء في ذلك: - فريق يرى أن التغيير هو عنوان لمرحلة جديدة هي التفكك والتشرذم، وبالتالي فإن اليهود يتجهون نحو دولة أقل ثقافة واسرع استجابة للتأثيرات الخارجية. -أما فريق اخر، يرى أن هذه التغييرات هي نتيجة للحرية التي يتمتع بها اليهود، وأن هذه الحرية هي نتيجة للتأثر بالمتغيرات الدولية مثل العولمة، والسوق الحرة التي منحت اليهودي خيارات متعددة، وبالتالي أصبح حراً في اختياراته. -وقد أكد بعض المؤتمرين بأنه ليس هناك نموذج مثالي لليهود أو اليهودية، أي يهودية الشخص-سواء ما يرتبط بالدين أو العرق، ولذلك فإن تعريف اليهودي في طريقه إلى التغيير، ومن مظاهر التغير أن اليهود الارثوذكس أخذوا يخففون من تشددهم ويقللون من شروطهم على من يريد التحول إلى اليهودية، الا أنه لكثرة الآراء والاتجاهات وتباينها لم يتفق المؤتمرون على الطريقة أو الطرق التي يجب أن تعتمد لتوحيد اليهود(14) . ولتوضيح ذلك نلاحظ أن عدد اليهود الذين لا يعترف بيهوديتهم حسب الشريعة اليهودية،- أي أبناء لام غير يهودية- كان (53%) من مهجري 1999 ، يضاف اليها (38%) من مهجري 1999 لم يكن يوجد لهم حتى أب يهودي(15) ، يضاف الى ذلك معارضة الأحزاب الدينية لوجود دستور يقوم على سيادة القيم الليبرالية الديمقراطية (16). 3- الاندماج: توضح عملية استيعاب الهجرة أن هناك مشكلة أساسية تكمن في التفرقة بين المهجرين، بين ما هو قادم من أوروبا أو الولايات المتحدة، أو القادمين من اثيوبيا من ناحية، ومن ناحية أخرى بين من هو ابيض أو أسود أو علماني أو متدين، بالاضافة إلى المهجَّرين الروس الذين يعتزون بروسيتهم، ويشعرون بأنهم ارقى اقلية في إسرائيل(17) . والواضح أن هناك عنصرية كاملة تكمن في عملية استيعاب المهجرين(18) ، وهذه المشكلة كانت موجودة قبل الإعلان عن قيام اسرائيل، واستمرت بعد قيامها، وبالتالى أثبتت التجربة أن إسرائيل قد فشلت في صهر اليهود الشرقيين في الثقافة الاشكنازية، لان الشرقيين رفضوا التخلي عن ثقافتهم، وتبني الثقافة الجديدة، مما أدى إلى وجود نوع من التعددية الثقافية. كما كان لهذه المشكلة انعكاساتها على السياسة السكانية في اسرائيل، والتي ظهرت مؤشراتها في وجود نمط معين في السكن، منها وجود الشرقيين في القرى الزراعية البعيدة عن المدن، السكن المفضل للاشكناز، وقد كان لاستمرار هذه السياسة اثره على المهجَّرين الجدد ايضا، حيث اعتبر يهود الفلاشا مدينة بئر السبع مدينة العنصرية(19) لعدم توفير الخدمات الضرورية ، يضاف الى ذلك الفشل في عدم دمج اليهود الأثيوبيين في الحياة العامة ،حيث يلاحظ أن نسبة (75%) منهم لا يستطيع الكتابة باللغة العبرية و(50%) لا يستطيع التحدث بها، وهو بحد ذاته يفسر نسبة البطالة المرتفعة جداً بينهم والتي تبلغ (40%)، مما يؤكد وجود بونا ثقافيا بين الاثيوبيين والإسرائيليين(20) . يضاف إلى هذا الفشل، الفشل الذي تمثل في عدم قدرة إسرائيل على استيعاب المهجَّرين حسب كفاءاتهم العلمية، فمن الملاحظ أن اغلب المهجَّرين الروس كانوا أصحاب خبرات علمية واكاديمية، ولعل الظاهرة الأبرز في ذلك هي أن معظم الذين فشلوا في إيجاد عمل-حسب شهاداتهم العلمية -قاموا بالتعلم مرة أخرى، وبالتالي الانتقال إلى مجالات عمل جديدة، أهمها البرمجة الالكترونية، وتشير الاحصاءات إلى أن (30%) (21) من خبراء البرمجة في إسرائيل هم من المهجَّرين الروس، والذين كانوا في السابق مهندسين، واطباء ومعلمين، وهو ما يمكن تفسيره بأنه اندماج في سوق العمل. والملاحظ أن إسرائيل لم تعد تساعد المهجَّرين لدمجهم، كما كانت تفعل سابقا، بل أصبحت تترك المهجر ليختار الطريق التي يراها مناسبة للاندماج فى المجتمع ، وتحديد مكانته فيه،سواء حافظ على هوية إسرائيلية أو هويته القديمة، ولكن عليه بكل ما هو مطلوب منه إسرائيلياً، ولكن الملاحظ أيضاً أن هذه الشروط قد تكون ملائمة لمهجرين مثقفين كاليهود الروس، ولكنها كانت عبئاً ثقيلاً على المهجَّرين الأثيوبيين. وقد ادى هذا الى وجود فوارق اجتماعية ،تمثلت بوجود أقليات معزولة مجتمعياً ، وأخرى تحيط بجميع أسباب القوة في المجتمع، مما ادى الى عدة تغييرات في السلوك وفي نمط توجهات الاقليات، وعلاقة الافراد بالافراد، أو بالأحرى علاقة الاقليات بالاقليات، وهي جميعها تعد دليلاً على عدم الاندماج وتحقيق الانصهار الذى سعت اليه الصهيونية واسرائيل، والشواهد على ذلك كثيرة، بل كثيرة جداً، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي أو مستوى الشارع منها: -وجود غيتو ثقافي لكل أقلية، تقوم أساساً على البلد الأصلي للمهجر، فالصحف الروسية متعددة، أكثر من 50 صحيفة ومجلة روسية، سواء يومية أو اسبوعية أو شهرية، وفصلية(22) ، كما أنهم يخصصون جزءاً أطول من الساعات لمشاهدة التلفزيون الروسي الفضائي(23) . وجميع برامج التلفزيون ترجمت إلى الروسية. -شعور الفتيان من المهجَّرين الروس الجدد بأنهم منبوذون، من المهجَّرين الروس القدامى نتيجة لعدم التعاون بين الطرفين، ولذلك فإن كل مجموعة تميل إلى الانغلاق(24). -المطالبة بتحويل اللغات الروسية والامهرية إلى لغات رسمية(25)، وتأسيس نظام مدرسي خاص للغة الروسية والامهرية، على غرار النظام التعليمي الخاص بحركة شاس(26). -تطور الصراع بين مكونات المجتمع منها: أ - الصراع الديني/ العلماني، وخاصة بين المتدينين واليهود الروس، حيث يهاجم المتدينون طابع الهجرة الروسي، واتهامهم المتكرر للمهجرين الروس بأنهم غير يهود، ووصفهم بصفات غير اخلاقية، ..وأهم المظاهر لذلك هي (أحداث الخنزير) التي جرت في بيت شيمش بين المتدينين والمهجَّرين الروس، حيث قال الحاخام دافيد بينزري "إن الروس يجلبون معهم المكائد والنجاسة" مما أدى إلى اشتعال المظاهرات في بيت شيمش، حيث طالب رئيس حزب إسرائيل بعليا اعتذاراً علنياً من حركة شاس، وأكد وزير الداخلية نتان شيرانسكي (إسرائيل بعليا) "من الصعب أن نستوعب ما حصل طوال سنوات ونحن نحلم بأن نكون شعباً واحداً في دولتنا، والان نسمع بأنهم يريدون إقامة مدن للاغراب"(27) . في حين أكد ايهود باراك على ضرورة اندماج المهجرين، بينما أكدت شاس(28) على موقفها بوجوب محاربة المظاهر غير اليهودية التي احضرها المهجَّرون الروس معهم.
وتذهب بعض الاستطلاعات الإسرائيلية التي جرت وسط المهجَّرين
الروس 8% من المهجَّرين الروس يعتبرون أنفسهم إسرائيليين. 47% من المهجَّرين الروس يعتبرون أنفسهم روس. 45% من المهجَّرين الروس يعتبرون أنفسهم يهود. وهو ما اعتبر مؤشرا على فشل الدمج، كما بين الاستطلاع أن الفشل في الهوية كنموذج للتوحد والتماثل، تهمة توجه إلى المجتمع الاسرائيلي، وبالتالي فإن المجتمع مقسم إلى طوائف وثقافات متعددة، والملاحظ كذلك-وهو الاهم- أن ثقافة المهجر هي ثقافة البلد الاصلي، فهناك ثقافة روسية ورومانية ومغربية، وإن كان المهجَّر قد هُجِّر قبل عشرين أو أربعين عاماً ..كما أن هناك تماثل بين بعض الثقافات مثل المتدينين والشرقيين والعلمانيين والاشكناز. ب -النزعة العنصرية، وهي تتميز بتعدد مؤشراتها ولكن أهمها (قضية الدم الأثيوبي) وذلك عندما كشف التلفزيون الإسرائيلي في فبراير 1996 عن قيام بنوك الدم الإسرائيلية بإتلاف كميات الدم التى يتبرع بها الفلاشا ،خوفا من احتوائها على فيروس الايدز ،الامر الذي ادى بالاثيوبيين الى الاحتجاج الذي تخلله الصدام مع قوات الشرطة،يضاف الى هذه القضية قضية هامة أخرى هي عدم الاعتراف بيهوديتهم . وبذلك فإن المشكلة تكمن في المجتمع الذي لا يستطيع استيعاب الجميع، وبالتالي ليس لديه قدرة على دمج الجميع، ويكمن السبب الأساسي في ذلك إلى عدم وجود اداة (قانوني، شعبي) تؤدي إلى وجود مجتمع متكامل، كما يجب الإشارة إلى ملاحظة هامة اخرى، وهي أن مفهوم الهوية اليهودية لا يحمل في ثناياه المفهوم الديني، وانما هوية يهودية علمانية تختلف عن هوية المتدينين، وقد كان لهذا التناقض انعكاساته السياسية والتي تمحورت حول احتلال هذا التناقض لاهمية حاسمة في اولويات الناخبين، حيث تباينت عمليات التصويت بين الأحزاب الدينية والعلمانية، وارتبطت بمواقف هذه الأحزاب من المسائل التي تتعلق بمكانة الدين في المجتمع، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في تنامي التأييد للاحزاب الدينية الحريدية والأحزاب الدينية القومية، وكذلك تأييد للاحزاب المناهضة لتلك الاحزاب، مثل حزبي ميرتس وشينوي. رابعاً : الأبعاد السياسية عكست التنظيمات الاساسية الإسرائيلية صورة واضحة للتركيبة الإجتماعية/الثقافية للمجتمع الاسرائيلي، حيث لوحظ بشكل واضح تعدد الأحزاب والحركات الاثنية، والطائفية، سواء قبل أو بعد الإعلان عن قيام اسرائيل، وقد استمرت هذه الصورة، واخذت اشكالاً وأنماطاً متعددة، سواء بتشكيل الأحزاب أو المنظمات الأهلية أو الاندية الإجتماعية. وما زالت إسرائيل تتميز عن غيرها من دول العالم بوجود أحزاب تنتمي إلى أقليات عرقية، وأهمها حاليا، الحركات والأحزاب العربية، وكذلك الأحزاب والحركات الروسية. وأهم الأحزاب الروسية، هما إسرائيل بعليا، وإسرائيل بيتنا، حيث شارك الحزب الأول في إنتخابات 1996، 1999، وهو بزعامة نتان شيرانسكي، أما حزب إسرائيل بيتنا فهو بقيادة افيغدور ليبرمان وشارك في إنتخابات 1999، وقد حظي الحزبان بنجاح كبير. وأسباب النجاح كثيرة أهمها الطبيعة التنظيمية للمهجَّرين، وقوتهم العددية حيث يشكلون سُدس مجموع الناخبين، وبالتالي تحولوا إلى هدف رئيس للمرشحين سواء لرئاسة الوزراء أو الكنيست باعتبار أن القطاعات الأخرى العرب، المستوطنون، المتدينون، هي قطاعات مضمونة، وهو ما يفتقده المهجَّرين القادمين من أثيوبيا سواء القدرة التنظيمية أو القوة العددية، مما اضطرهم للمشاركة ضمن الأحزاب الكبيرة، كما شارك جزء منهم في إنتخابات 1999 ضمن حزب إسرائيل بعليا. اتجاهات التصويت: يشكل المهجَّرون، وخاصة الروس جماعات متبلورة وذات خاصية تنظيمية منغلقة في علاقتها مع الاخرين، وقد انعكس ذلك على عملية التصويت، حيث تدل المؤشرات في إنتخابات 1999، على نسبة التصويت العالية التي بلغت (85%)، وقد صوّت (57%) إلى أحزاب روسية (41% إسرائيل بعليا، 16% إسرائيل بيتنا)(30) . تعتبر أحزاب المهجَّرين (بأغلبها) هيئات لتمثيل مصالح ومطامع المهجَّرين ولذلك فإننا أمام اتجاهات عدة في نمط التصويت أهمها: أ- اتجه تصويت المهجَّرين الجدد نحو اليسار، حيث صوت ثلثي المهجَّرين الروس لصالح اليسار (العمل +ميرتس ) ويعود ذلك لعدم وجود موقف جماعي ضد السلام، أو العرب بشكل عام، وذلك في إنتخابات 1992(31) . ب-أدت مشاكل الاستيعاب إلى تغيير في نمط التصويت، حيث منح معظم المهجَّرين اصواتهم لصالح اليمين في إنتخابات 1996، حيث صوت 70% منهم لصالح نتنياهو، وفي إنتخابات 1999 أيد 57% باراك وذلك بعد أن وعدهم بوزارة الداخلية في حال فوزه. ج- التصويت حسب الأصل الاثنى فقط، وهو ما يفسر حصول إسرائيل بعلياه في مشاركته الأولى على (7) مقاعد، وإسرائيل بيتنا على (4) مقاعد ، في الانتخابات، كما اتجهت معظم أصوات المهجَّرين نحو هذين الحزبين. 1- حزب إسرائيل بعليا تأسس الحزب عام 1996، من المهجَّرين الروس الجدد والقدامى ، الذين شعروا بالاحباط والتمييز من الحكومات السابقة، حيث قام الحزب بتمثيل مصالح المهجَّرين الروس في النظام السياسي الإسرائيلي. والملاحظ أن الحزب ركز جميع نشاطاته في المجالين الاجتماعي والاقتصادي،وذلك بعد الاضطهاد الذي لاقاه المهجَّرين الروس من الأحزاب الدينية، وخاصة في مجال التهود، حيث أصبحت وزارات مثل الداخلية والعمل، والرفاه أو الاستيعاب والإسكان مطالبا وثمنا لاشتراك حزب إسرائيل بعليا في أي ائتلاف حكومي،وهو بالفعل ما استطاع الحزب تحقيقه في اول مشاركة له في عهد حكومة نتنياهو 1996 ،حيث نال الحزب وزارة الداخلية . أما من الناحية السياسية، فيمكننا اعتبار أن الحزب يكاد يقترب من مركز الساحة الحزبية (العمل والليكود)، وعلى الاصح فإن الحزب يقع على يسار الليكود ويمين العمل، ولذلك فإن الحزب لا يجد أية مشكلة في أن يكون عضواً في أية حكومة اسرائيلية(32)، حيث شارك الحزب في ائتلاف نتنياهو، ومن ثم باراك، ومن ثم شارون. ويؤكد برنامج الحزب على ما يلي: - للشعب اليهودي حق في أرض إسرائيل غير قابل للتصرف فيه. - القدس الموحدة غير قابلة للتفاوض بشأنها، بصفتها عاصمة الدولة اليهودية. - الإعتراف بتأسيس حكم ذاتي فلسطيني، مع احتفاظ إسرائيل بالامن. - معارضة قيام دولة فلسطينية. انقسامات الحزب: شهد الحزب عدة انقسامات، منها إنسحاب بعض اعضائه وانضمامهم إلى حزب إسرائيل بيتنا، وذلك في فترة الاستعداد لانتخابات الكنيست الخامسة عشرة، وبعد إعلان نتائج إنتخابات الكنيست الخامسة عشر حدث انشقاق آخر في الحزب، بقيادة رومان برونفمان وتشكيلهما لقائمة جديدة تدعي الخيار الديمقراطي، تتكون من مقعدين في الكنيست. المشاركة في الإنتخابات: شارك الحزب في إنتخابات الكنيست الرابعة عشرة والخامسة عشرة وحصل على (7،6) مقاعد على التوالي. 2- حزب إسرائيل بيتنا أعلن افيغدور ليبرمان عن تأسيس حزبه إسرائيل بيتنا، في 3/1/1999 للمشاركة في إنتخابات الكنيست الخامسة عشرة، وقام بتسجيله كحزب رسمي في 21/1/1999، وجاءت التسمية نسبة إلى حزب روسي كان بزعامة الرئيس الروسي السابق يلتسين يدعى (روسيا بيتنا) وهي محاولة من ليبرمان لكسب تعاطف المهجَّرين الروس الذين أيدوا ذلك الحزب(33) . وقد كان لبيرمان هجوميا في الإعلان عن حزبه الجديد، حيث بدأ الهجوم على أعضاء الأحزاب الآخرين والشرطة، وأكد ليبرمان أن حزبه جاء أساساً ضد حكم الاقلية الإجتماعية التي تتعامل مع باقي المواطنين كرعاع، وقال أنه حتى بعد عشرين عاماً من هجرته إلى إسرائيل فإن هناك الكثير من المهتمين الذين ذكروه دائماً بأنه قادم جديد، كما هاجم العديد من المؤسسات مثل المحكمة العليا والنيابة العامة وقسم التحقيقات في الشرطة..(34) . يعتبر زعيم الحزب ومؤسسه "افيغدور ليبرمان" من أكثر شخصيات المهجَّرين الجدد اشكالية في المجتمع الاسرائيلي، سواء من ناحية سياسية أو اجتماعية، وذلك لكثرة آرائه ومقترحاته الصراعية مع المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، وذلك من خلال اتهامه لهذه المؤسسة بالتمييز ضد المهجَّرين الروس، ولذلك فإن المؤشرات تدل أن ليبرمان يسعى نحو أحداث ثورة كلية أو تغيير جذري وشامل في المجتمع الإسرائيلي من خلال الدعوة إلى الحرية والمساواة، والعمل على إيجاد عدالة اجتماعية، ومحاربة التمييز العنصري ورفع المهانة عن المهجَّرين الجدد، وإعادة تصميم شخصية الدولة(35) . ولذلك اعتبر ليبرمان من الشخصيات سيئة الصيت المكروهه سواء في وسط الليكود أو اليسار، حيث اعتبر (رجل المهمات القذرة) في مكتب رئيس الوزراء السابق نتنياهو(36) . وبذلك فإن تشكيل الحزب يبرز عدة ظواهر، أهمها: - إمكانية تشكيل الأحزاب بدوافع شخصية. - اضطهاد المهجَّرين الروس. - معاداة المهجَّرين الروس للمؤسسة الحاكمة. - تعزز الروح الإثنية داخل المجتمع الإسرائيلي. وبملاحظة الخطاب السياسي لزعيم الحزب، نجد ليبرمان يحاول أن يضع نمطاً جديداً للمجتمع الإسرائيلي في علاقته الداخلية، أو للمؤسسة الحاكمة في علاقتها الخارجية، وذلك من خلال طرحه لعدة قضايا احدثت عدة اشكاليات داخل المؤسسة الاسرائيلية، ومن أهم هذه القضايا ما يلي. 1- تغيير نظام الحكم في إسرائيل دعا ليبرمان إلى تعديل نظام الحكم في إسرائيل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وحسب ليبرمان(37) ، فإن النظام الرئاسى يحرر رئيس الوزراء من الاتفاقات الائتلافية، ويفسح المجال أمامه لتنفيذ برنامجه، وليس برنامج القوى المشاركة في الائتلاف، كما يمنح النظام الرئاسي رئيس الحكومة صلاحيات تشبه الصلاحيات الممنوحة للرئيس في النظام الرئاسي الأمريكي. ومن المعلوم أن إسرائيل تطبق النظام البرلماني منذ قيامها، وكان طرح ليبرمان هو الأول من نوعه في تاريخ هذه الدولة، مما أدى إلى اثارة العديد من ردود الفعل المستنكرة لذلك. 2- ترحيل فلسطينيي 48 من إسرائيل دعا ليبرمان(38) ، ضمن إطار التسوية السياسية إلى القيام بعملية تبادل سكان، يتم فيها ترحيل جزء من فلسطينيي 1948 عن أراضيهم وقراهم، إلى مناطق السلطة الفلسطينية، ومقابل ذلك تقوم إسرائيل بنقل سكان مستوطنة نائية بعد ازالتها إلى إسرائيل. ويؤكد ليبرمان أن هدف الصهيونية هو إيجاد دولة ذات قومية واحدة، هي اليهودية، وأن وجود اقلية أخرى كبيرة يتناقض مع هدف الصهيونية بإيجاد الدولة اليهودية النقية، و ان الوضع الحالي سيؤدي إلى استمرار الاحتكاك بين الطرفين، كما دعا ليبرمان إلى مطالبة فلسطينيي 1948 بالادلاء خطيا بقسم الولاء لاسرائيل، بما في ذلك التجنيد للجيش، ومن يرفض ذلك الأمر يتم ترحيله فوراً إلى مناطق السلطة الفلسطينية. يأتي ذلك ضمن خطة سياسية شاملة، قام ليبرمان بإعدادها، بالتنسيق مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الأمر الذي يؤكد أن هذه الخطة قد تكون إستراتيجية اليمين القادمة أو الأساس الأيديولوجي لاقامة تنظيم يمينى جديد في اسرائيل، خاصة إذا ما فاز نتنياهو في الانتخابات القادمة. المشاركة في الانتخابات: شارك الحزب في عملية انتخابية واحدة، هي إنتخابات الكنيست الخامسة عشرة 1999، وحظي الحزب منذ مشاركته الأولى باربعة مقاعد، وهو إنجاز يحسب لهذا الحزب، وسط منافسة قوية من إسرائيل بعليا، وحزبي العمل والليكود، والتي ضمت قوائمهما الانتخابية ممثلين للمهجرين الروس، وقد حصلت إسرائيل بيتنا على (2.6%) من الأصوات العامة. وتعود أسباب نجاح حزب ليبرمان في الفوز بأربعة مقاعد إلى أسلوب ليبرمان التحريضي ضد الحكومة والمجتمع الاسرائيلي، وتركيزه على القيم العنصرية ضد العرب التي لها مؤيديها داخل الوسط الروسي. وقد خاض الحزب الانتخابات من خلال برنامج سياسي، اجتماعي، اقتصادي، دعا فيه الحزب إلى استيعاب المهجَّرين بشكل كامل ، والعمل على صهرهم داخل المجتمع، من أجل إيجاد مجتمع يهودي متكامل، كما دعا الحزب إلى إيجاد اتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية. برنامج الحزب: 1- العمل على حكومة وحدة جماهيرية. 2- الايفاء باحتياجات المهجَّرين من اسكان، وتعزيز مدن التطوير، ومكافحة البطالة، والمساواة في التعليم، والعمل على استيعاب المهجرين. 3- التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية هو هدف عام، مع العمل نحو التوصل إلى اتفاق دائم تتمتع خلاله السلطة الفلسطينية بسيادة كاملة على السكان كما تمنع السلطة من خلاله من إدخال الأسلحة أو القيام بأي عمل عسكري. 4- تقوم التسوية الاقليمية مع السلطة على خطة ألوان زائد، تبقى فيه مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيادة الإسرائيلية. خاتمة: اعتبرت إسرائيل عمليات التهجير في الخمسينات والستينات أحد أهم اهدافها القومية والحيوية، التي يجب الحفاظ على طابعها القومي، والعمل على زيادة قدرة المجتمع الإسرائيلي لاستيعاب كم الهجرات المتواصل، ويبدو أن ذلك لاقى ترحيباً كبيراً من قطاعات المجتمع الإسرائيلي في ذلك الوقت، ولكن الملاحظ حالياً أن هذا المجتمع غير مستعد للتنازل عن الإنجازات التي حققها لنفسه على المستوى الفردي. وتعتبر المؤشرات على ذلك عديدة، أهمها: اختفاء مظاهر الترحيب بالمهجَّرين الجدد، والاهم أن هناك رفضاً من بعض الإسرائيليين لاقتسام مقدراتهم سواء من العمل والإسكان …مع غيرهم، حيث أن دلالة هذا الأمر هي تنازلهم عن مستوى المعيشة الذي قضوا عشرات السنين من أجل تحقيقه، وذلك من أجل استيعاب المهجَّرين أو دمجهم في المجتمع الإسرائيلي. إن دلالات هذا الأمر كثيرة ومتعددة، أهمها أن الصهيونية واسرائيل، بالاضافة إلى فشلهما في جمع اليهود المنتشرين في العالم وتهجيرهم إلى اسرائيل، فإنها فشلت في صهر مَن هُجِّر اليها، فمظاهر الانقسام، واشكال العنف ، وصهر ثقافة داخل ثقافة، وأدت إلى ظهور أقليّات متعددة تتميز عن غيرها بعدة خصائص وعادات تدل على أن ما تقوم به اسرائيل هو عملية توافق بين الثقافات القومية المهجَّرة، وليست عملية صهر أو دمج. ولذلك فإن أحزاب المهجَّرين الجدد جاءت كردة فعل للعنصرية، ولعملية التشكيك في يهوديتهم، والعداء الذي تعرض له المهجَّرين سواء على مستوى الافراد أو على المستوى المؤسسي، خاصة موقف الأحزاب الدينية منهم بشكل عام. يدل استمرار هذه الانقسامات على اننا أمام مرحلة تحول جديدة، وبداية ضعف في التركيبة العامة للمجتمع، التي من الممكن أن تؤثر في النهاية على المصلحة القومية للدولة.
المراجع: (1) انظر ذلك في: -تيسير الناشف، هجرة اليهود من الاتحاد السوفييتي والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، شؤون فلسطينية، العدد 210: سبتمبر 1990، ص69. -أحمد عبد الحليم، هجرة اليهود السوفيات وتأثيرها في الصراع العربي-الاسرائيلي، شؤون فلسطينية، العدد 211: أكتوبر 1990، ص44. -صبري جريس، مخاطر التهجير اليهودي، شؤون فلسطينية، العدد 204:مارس1990، ص3. (2) عمر سعادة، الابعاد الإجتماعية لهجرة اليهود السوفييتي إلى اسرائيل، شؤون فلسطينية، العدد 229/230: ابريل/مايو 1992، ص61. (3) هآرتس 22/6/2000. (4) آرييه كوهين، عدد يهود الشتات Post ، 16/9/1998. (5) الأيام 9/8/2000. (6) محمد عناية، اليهود في مواجهة خطر الذوبان في المجتمع الامريكي، الاهرام 4/7/2001. (7) عمر سعادة،… م.س.ذ، ص64. (8) سيفر بلوتسكر، غارقون في الانشقاق، يديعوت 27/8/2000. (9) للمزيد من التفاصيل انظر: أحمد خليفة (إعداد) المهاجرون الروس في إسرائيل، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 38: ربيع 1999، ص 8-129. (10) المصدر للسنوات 96-98: C.B.I, Jerusalem, No 50, PP. 5-4 . لسنة 99 القدس 11/4/2000. لسنة 2000 القدس 2/1/2001. (11) نظراً لتضارب الأرقام نورد مصدرين لذلك : - المصدر للعامود الأول: القدس 11/4/2000. - المصدر للعامود الثاني: د.محمد يوسف، قراءة في الخارطة السكانية لاسرائيل، قضايا إسرائيلية-مدار، العدد 2: ربيع 2001، ص53. (12) القدس 7/9/2001. (13) يائير شيلغ، لماذا لا نهودهم في روسيا، هآرتس 31/1/2000. (14) القدس 4/7/2000. (15) يائير شيلغ، لماذا تهودهم: م.س.ذ. (16) يائير شيلغ، دستور من أجل الهوية اليهودية، هآرتس، 27/8/2000. (17) هناك كثير من الدراسات التي تتعلق بهذه القضية، انظر على سبيل المثال : -افرايم غاندر، مونولوج مهاجر قديم، جريدة بلدنا، 28/4/1998. (18) محمد رشاد الشريف، مشاكل استيعاب الهجرة الجديدة في الكيان الصهيوني، الارض، العدد 12، ديسمبر 1990، ص 43-57. (19) شموئيل مئيري، كل الاهانات الصغيرة، هآرتس 13/7/1997. (20) الأيام 19/11/1999. (21) دافيد شخطار، برمجة من أجل الاستيعاب، معاريف 4/3/1997. (22) موشي لساك، ايلي ليخم، الانتلجنسيا الروسية في إسرائيل بين الانعزال والاندماج، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 38: ربيع 1999، ص114. (23) المصدر السابق، ص116. (24) آنا اياكوبا، اكتشفنا روسيا، معاريف، 17/6/2001. (25) للمزيد، انظر: دوريت سريد، هل ستتحول الروسية إلى لغة رسمية، يديعوت،1/12/1999. (26) م.بيلينكي، أوضاع القادمين الجدد في اسرائيل، جريدة 24 ساعة، 19/3/1997. (27) يهودا غولان وآخرون، بيت شيمش كمثال، معاريف 23/11/1999. (28) المرجع السابق. (29) نتاشا موزغوفيا، اندماج المهاجرين الروس، يديعوت 29/6/2000. (30) د.ماجد الحاج، د.العزر لشم، عشرة اعوام بين هجرتهم إلى اسرائيل، قضايا إسرائيلية-مدار، العدد 1: شتاء 2001، ص81. (31) انظر ذلك: -د.ايمان حمدي، أصوات المهاجرين السوفييت، شؤون فلسطينية، العدد 233، 234: اغسطس/سبتمبر 1992، ص44. –أحمد خليفة، الانتخابات الإسرائيلية: النتائج من زاوية الوضع السياسي الداخلي، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 27: صيف 1996، ص18. (32) انظر ذلك: -صوفيا رون، حركة شاس الروسية، نكوداه، 12/1998. – د.مروان درويش، د.اودي اديب، قراءات في الخارطة السياسية الاسرائيلية، السياسة الفلسطينية، العدد 22: ربيع 1999، ص18. (33) معاريف 26/1/1999. (34) للمزيد انظر: -خالد شعبان، الحكومة والاحزاب، قضايا إسرائيلية- مركز التخطيط، العدد 7: ابريل 1999، ص60-63. (35) امونة الون، إسرائيل بينهم، يديعوت 6/1/1999. (36) حنة كيم، حكايات روسية، هآرتس 26/3/1999. (37) معاريف 14/9/1998. (38) معاريف، 6/9/2001. |
|