العرب في إسرائيل-الواقع والمستقبل

تأليف: د.صلاح سالم زرنوقة

الناشر: مركز دراسات وبحوث الدول النامية-جامعة القاهرة

القاهرة:2001، 258 صفحة

مراجعة: د.خالد شعبان

يعتبر كتاب "العرب في إسرائيل، الواقع والمستقبل"، من أوائل الكتب المؤلفة من قبل باحثين عرب غير فلسطينيين حول فلسطينيي 1948(*)، وهو ما يشكل الأهمية الأولى لهذا الكتاب. ولا أذكر أي كتاب دار حول هذه القضية ألفه باحث عربي غير فلسطيني، وإن وجد، فلا يعدو أن يكون جزءاً من فصول في كتب تدور حول النظام السياسي الإسرائيلي.

ولهذا الكتاب أهمية إضافية تنبع من كونه يتناول جزءاً مجهولا من الشعب العربي، لا يعلم عنه العرب بشكل عام إلا القليل، حيث تجاهلت الدول العربية وجود فلسطينيي 1948 وذلك حتى حرب 1967، عندما حدث التواصل بين طرفي الشعب الفلسطيني، المحتل قبل 1967 أو بعدها.

والكاتب مصري هو د.صلاح زرنوقة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وخبير بمركز دراسات وبحوث الدول النامية-كلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة، وله العديد من الدراسات والأبحاث.

تناول الباحث في دراسته مجمل قضايا فلسطينيي 1948 عبر فصلين متتاليين، تناول في الفصل الأول الأوضاع الإجتماعية وفي الثاني الأوضاع القانونية والسياسية، ودار الفصل الثالث حول علاقة فلسطينيي 1948 مع بيئتهم الداخلية والخارجية، أما الفصلين الرابع والخامس، فدارا حول المحددات الأساسية لمستقبل فلسطينيي 1948، والسيناريوهات المتعددة لذلك. وبذلك فإن الباحث في تناوله لهذه القضية، يكون قد استطاع أن يصب جل همه في شرح هذه الأوضاع، إلا أن عرضه جاء محدوداً نظراً لقلة المعلومات والمصادر التي في متناوله، والتي لم تتجاوز في معظمها حدود 1992. ولذلك فإن الكتاب كان مجرد كتاب عادي للمطلعين والمهتمين بأوضاع وأحوال فلسطينيي 1948، ولكنه إحتوى على الكثير من المعلومات، لمن لم يعلم عن أوضاع فلسطينيي 1948 شيئاً. ولكن ما يؤخذ على الباحث عدم تحديده لمفهوم واحد يتعلق بتعريف فلسطينيي 1948، فهو يطلق على كتابه (العرب في إسرائيل) ولكن إذا نظرنا إلى عناوين الفصول فإن جميعها تحمل عنوان (عرب 1948)، وبين الصفحات والسطور نجد عدداً آخر من المصطلحات مثل (الوسط العربي، الأقلية العربية، الأقلية العربية القومية في إسرائيل،…).

تناول الباحث في الفصل الأول الأوضاع الإجتماعية، الديمغرافية والإقتصادية ص (10-38) وحسب ما قاله الباحث (ص 10) "لا يزعم أنه سوف يتعرض لكل صغيرة وكبيرة في حياة هؤلاء الناس، وإنما يقدم صورة تقريبية قدر الإمكان"، ونظراً لقلة المعلومات-كما ذكرنا سابقاً- فإن الصورة التي عرضها الباحث كانت غير واضحة، وجانبت الصحة في كثير من الأحيان.

ويمكن ملاحظة ذلك في الفصل الأول، الذي ناقش فيه الباحث (موقف عرب 1948 من قيام الدولة العبرية) وكان حرياً به أن يناقشه في الفصل الثالث والذي عنوانه (العلاقة مع القوى المحيطة )، كما أنه ناقش العلاقة قبل قيام إسرائيل، وبعدها، كما عدّد الوسائل التي استخدمتها الصهيونية من أجل قيام إسرائيل مثل "التهجير القسري لشعب بأكمله" وعمليات المقاومة كردة فعل، (ص13) ( وتمثلت في العديد من الإحتجاجات والمظاهرات) إلى أن خلص في ذات الصفحة إلى القول أن موقف عرب 1948 كان (أمراً واقعاً، ومن ثم لم يكن أمام عرب 1948 سوى خيارات التعامل مع كيان قائم)، وبالتالي فقد كان هناك إتجاهان تمثل أوّلهما بالدعوة إلى (الدمج)، والثاني إلى (الإنفصال المرحلي بما في ذلك الحصول على الحكم الذاتي الثقافي)، علماً بأنه لم يحدث أن طالب فلسطينيو 1948 بالحصول على حكم ذاتي ثقافي إلا في التسعينات.

أما الأوضاع الديمغرافية، فقد تناولها الباحث بنوع من الإختصار،
ص(17-22) ولم يورد دلالات الأرقام التي ذكرها في دراسته، كما وقع أيضاً في كثير من الاخطاء عندما ذكر في (ص20)، (أما من حيث النمط العمراني فيتوزع عرب 1948 على سبع مدن منها مدينتان يشكل فيها العرب الأغلبية الساحقة- أو لا يوجد بهما غير العرب-هما مدينتا شفا عمرو ومدينة الناصرة) والصحيح أن هذه المدن التسعة هي عربية خالصة وليس فقط شفاعمرو ومدينة الناصرة، والسبعة الأخرى هي الطيبة، أم الفحم، الطيرة، راهط، باقة الغربية، طمرة، سخنين.

 ثم تناول الباحث التعليم ومجالات العمل والبطالة بنوع من التحليل البسيط الناجم عن قلة المعلومات التي إستند إليها الباحث. والشيء الجيد في هذا الفصل هو تناوله لـ(الهوية والأوضاع الثقافية)  ص(27-38)، وذلك من خلال إيراده لدراسات سابقة اجريت في الستينيات ومقارنتها بدراسات حديثة، مع إبراز المتغيرات الهامة التي أدت إلى التغيرات على الهوية قبل حرب يونيو 1967 والتي إعتبرها نقطة تحول هامة في تاريخ الهوية بالنسبة لفلسطينيي 1948 ومسار تطورها (ص 34)، وعموماً فقد خلص إلى ذات النتيجة التي خلص إليها باحثون قبله في موضوع الهوية، في أن إسرائيل لم تنجح في كسب ولاء فلسطينيي 1948 على الإطلاق، ولكنها نجحت في تمزيق هذه الهوية وبعثرتها.

تناول الباحث في الفصل الثاني الأوضاع القانونية والسياسية ص(43-81)، حيث ناقش الوضع القانوني لعرب 1948، وأكد أنها تشكلت حسب بعض القوانين، ومنها قانون العودة والمواطنة، يضاف اليهما مجموعة من قرارات وأوامر الحكم العسكري الذي إستمر حتى عام 1966، بالإضافة إلى القوانين البريطانية والتي كانت تسلب المواطنين الفلسطينيين أراضيهم، وأيضاً كان التمييز العسكري هو (ترجمة عملية للتمييز القانوني وبيان تنفيذي للتأكيد الواقعي على أن هذه الأقلية في وضع أدنى من حيث حقوقها من المواطنة)، (ص48)، كما يبين الباحث التطور في مطالبة فلسطينيي 1948 بحقوقهم مثل المواطنة في الدولة الإسرائيلية، أو الإندماج فيها، والتي تغيرت في التسعينيات للإعتراف بهم كأقلية قومية (ص 52). ثم يعدد الباحث بعد ذلك السياسات الإسرائيلية التمييزية ضد فلسطينيي 1948 كمواطنين متساوي الحقوق مع المواطنين اليهود، من خلال السياسات الحكومية الإقتصادية أو على مستوى البنى التحتية التي تحرم القرى والمدن العربية من الميزانيات الملائمة، ويبرز الباحث في (ص58) بعض القوانين التي تؤكد هذا التمييز.

تناول الباحث بالدراسة ثلاثة قضايا مركزية في إطار الفصل الثالث ص(82-108) هي العلاقة مع الدروز و اليهود والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، وعلاقتهم بالقوى والأطر الحزبية داخل إسرائيل. يعتمد تحليل الباحث في هذه المساقات على دراسات ميدانية سابقة، ثم يجري مقارنة بينها، حيث يخرج بنتيجة موحدة، مؤكداً (أن هناك إتجاهاً سلبياً تجاه الأقلية العربية)
ص(84، 86، 87، 88) ويذهب إلى القول أن (الشعب اليهودي يرى في عرب 1948، كل معاني التطرف وأشكاله) (ص85)، وفي المقابل ومن خلال دراسات سابقة يعرض وجهة النظر الأخرى، وهي النظرة العربية أو التي تبين فلسطينيي 1948 كـ(متجهين نحو إكتساب الطابع الإسرائيلي)، (ص86).

أما بالنسبة للعلاقة مع الدروز، ولا أدري لماذا أفرد الدروز، فقد أشار في تقسيمه لفلسطينيي 1948 إلى فئتين مسلمين ومسيحيين (ص18)، ويؤكد في ص(88) أن حالة العرب والدروز هي (تماثل الظرف بالمعاناة)، (ص88)، ولكن ما ذكره فهو نتائج علاقة الدروز باسرائيل، وأثر هذه العلاقة على فلسطينيي 1948، حيث ذكر عدة قضايا خلافية مع الدورز أهمها قضية الخدمة في الجيش الإسرائيلي، ولجنة المجالس المحلية الدرزية.

أما بالنسبة لعلاقتهم مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لعام 1967، والتي فصّلها بين علاقات على المستوى الشعبي وعلى مستوى م.ت.ف، فقد أكد الباحث أن الإتصالات بين الطرفين بدأت بعد 1967، وذلك بعد سماح إسرائيل للزيارات بين الطرفين أو زيارة الأماكن المقدسة، ومن ثم تطورت شبكة العلاقات لتشمل العلاقات الإجتماعية كالزواج والعلاقات التجارية وروابط ذات طبيعة سياسية، والتي ركز فيها على دور الإنتفاضة الفلسطينية 1987، وخاصة في يوم السلام (21/12/1987)، والذي كان يوماً تضامنياً مع الإنتفاضة الفلسطينية.

أما علاقة فلسطينيي 1948 بالقوى السياسية المحيطة، والتي عرفها بـ(النظام السياسي) (ص99) فكانت في نقطتين أساسيتين، الأولى تتمثل بـ(الإنشقاق والإختلاف) والتي هي عملية صراعية بين الأقلية العربية وأيديولوجية الدولة اليهودية، والتي تنتشر عبر رموزها كاللغة والعلم….أو موقفهم من القضية الفلسطينية، والنقطة الثانية هي (العداء المستحكم بين الطرفين) حيث يتم النظر إلى فلسطينيي 1948 كطابور خامس.

ولا يذهب الباحث بعيداً في تحليله، حيث يتفق كثيراً مع باحثين آخرين في إستغلال فلسطينيي 1948 من أجل الحصول على أصواتهم، كما أن فلسطينيي 1948 يحاولون أيضاً إستغلال القوى السياسية الإسرائيلية لتحقيق مصالحهم (ص100)، وقد عدّد الأحزاب والحركات العربية المشاركة في العملية السياسية والتي تتميز بدور فعال في الحياة السياسية مثل الحزب الشيوعي، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة الاسلامية…الخ.

أما الفصلان الرابع والخامس، واللذان إمتدا بين الصفحات (109-191)، فهما من أطول فصول الدراسة، والفصلان ملتحمان ببعضهما البعض، ففي الفصل الرابع وضع المحددات الأساسية لمستقبل فلسطينيي 1948، وفي الفصل الخامس وضع سيناريوهات المستقبل. أما المحددات الأساسية، فدارت حول التوجهات المستقبلية للأحزاب والقوى العربية، وعملية التسوية السياسية، حيث أكد الباحث على أهمية فعالية التنظيمات العربية ورؤيتها المستقبلية، خاصة أنه كان لعملية التسوية دورها في تغيير إتجاهات التصويت لدى فلسطينيي 1948 في الإنتخابات الإسرائيلية (1992-1996-1999)، وبعد ذلك مباشرة، طرح الباحث التطورات التي مر بها (الوسط العربي) (ص111)، وأهمها (الاسرلة والفلسطنة) (ص111) لما لهما من أثر على مستقبل فلسطينيي1948، دلل على ذلك بالعديد من المؤشرات التي تمثلت بعدد من المظاهرات والقرارات الحزبية التي تميل إلى الفلسطنة والعروبة بدءاً من الستينات وحتى نهاية التسعينات، مبيناً دور الاطر التنظيمية الحزبية وغير الحزبية العربية، ومطالبها، التي دارت حول التسوية السياسية-المحدد الثاني- والتي نوه فيها إلى دور فلسطينيي 1948 في قيام الدولة الفلسطينية ثقافياً، وسياسياً ودينياً، وأن هناك دعماً غير محدود لصالح إقامة هذه الدولة (ص140) مشيراً إلى تزايد عدد الأعضاء العرب في الكنيست.

أما السيناريوهات والتي جاءت منفردة في الفصل الخامس، فأكد من خلالها الباحث أن مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي (لم تتعرض لمستقبل عرب 1948 من قريب ولا من بعيد) (ص146)، ووصف ذلك بأنه (أمر يدعو للإستهجان) (ص148)، وأن مستقبلهم بصفة عامة سوف يطل برأسه على الأطراف المعنية بالتسوية إن آجلاً أو عاجلاً، (ص148).

 وقد قسم الباحث السيناريوهات إلى نوعين أولهما التقليدي وذكر فيه (الدمج، الترحيل، الحكم الذاتي) وهي سيناريوهات ذكرت كثيراً، أما النوع الثاني من السيناريوهات فهي محتملة والتي إعتبرها الباحث بـ(التصورات التي يمكن الحديث عنها أو توقعها في مجال إستشراف المستقبل)، (ص161) والتي أهمها استمرار الوضع الراهن، الحكم الذاتي الثقافي، التفوق الديمغرافي العربي، حيث تعتبر هذه السيناريوهات أكثر واقعية من السيناريوهات التقليدية، وهي قابلة للتنفيذ، ورغم ذلك فهي تتوقف على حدوث شروط ومتغيرات معينة، كما أنه لا يمكن الزعم بأن المستقبل سوف يكون مطابقاً لواحد من هذه السيناريوهات. وانما يمكن أن يكون خليطاً من هذا وذاك بدرجة معينة ووفقاً لطبيعة مسار الأحداث (ص162)، الأمر الذي يدلل على صعوبة تصور المستقبل السياسي لفلسطينيي1948، ولكنها محاولة مطلوبة وهامة تحسب للمؤلف وكتابه وبخاصة في الفترة الحالية.


(*) تحول الفلسطينيون في أعقاب حرب 1948 والذين وقعوا تحت الإحتلال الإسرائيلي من أكثرية تعيش فوق أرضها إلى شعبٍ محتل وأقلية قومية مضطهدة على أرضها، ولذلك فإن استخدامنا لمفهوم فلسطينيي 1948 يؤكد أنهم جزء من الشعب الفلسطيني في كينونته التاريخية وفي صيرورته النضالية والكفاحية، حيث أن المُركب الفلسطيني واضح وبارز في مفهوم فلسطينيي 1948، ويتعامل مع أصل القضية ولا يتعامل مع الواقع القائم، رافضين للمصطلحات والتعابير التي خلقتها إسرائيل مثل (عرب إسرائيل) في محاولة منها لطمس وشطب هوية الشعب الفلسطيني، وكذلك رفضاً للمصطلحات الوسطية مثل (العرب الفلسطينيون في إسرائيل) لأن هذه التعابير ذات الهوية المركبة لا تعكس الواقع الموضوعي لهذه الجماهير في انتمائها ونضالها.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م