عبد الحكيم حلاسة تركزت الجهود لإحياء مباحثات التسوية المتعثرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في مجموعة من الدول الأوروبية أهمها ألمانيا، فرنسا، بريطانيا وإيطاليا بالإضافة إلى الإتحاد الأوروبي كمنظمة تضم خمس عشرة دولة أوروبية هم أعضاء هذه المنظمة. وأُتيح المجال لبروز نشاط هذه الدول بسبب تراجع الولايات المتحدة الإختياري في عهد الرئيس جورج بوش عن لعب الدور الرئيسي في رعاية المباحثات بين الطرفين. كما وإن إنتخاب اليميني المتطرف زعيم حزب الليكود أرييل شارون لرئاسة الوزراء في إسرائيل وتشكيلة حكومة إئتلاف تضم أحزاباً يمينية متطرفة، بعث القلق لدى بعض الزعماء الأوروبيين بأن يجهض شارون ما تم التوصل إليه من اتفاقيات، خاصة وأن موقفه المعروف هو معارضته لإتفاقيات أوسلو. إقتصر الدور الأوروبي حتى وقت قصير على تقديم الدعم المالي للأطراف المتفاوضة بينما هيمنت الولايات المتحدة على رعاية المفاوضات، ويعود ذلك إلى رفض إسرائيل المشاركة الأوروبية ومعارضة الولايات المتحدة لتوسيع الدور الأوروبي، رغم أن الأطراف العربية ومن ضمنها الفلسطيني تطالب دوماً بدور أوروبي فاعل لخلق توازن مع الولايات المتحدة في رعاية المفاوضات. ولبعض الدول الأوروبية مصالح ومناطق نفوذ تاريخية في المنطقة العربية، ومشاركتها تشكل ضرورة حيوية للحفاظ على مصالحها ونفوذها وهذه الدول هي: فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا. وظهرت ألمانيا كلاعب جديد في سياسة الشرق الاوسط، ويعود ذلك إلى رغبة ألمانيا في لعب دور بارز على الساحة الدولية، يؤهلها لأن تكون قوة دولية عظمى. كذلك شهدت الفترة القصيرة الماضية تراجع الدور الروسي في المنطقة، رغم وجود مبعوث روسي أسوة بالمبعوث الاوروبي، إلا أنه من الواضح أن روسيا وبسبب مشاكلها الداخلية بعد التغيير الجذري في النظام السياسي، لا تستطيع أن تلعب دوراً مميزاً كما في السابق وتزاحم الأوروبيين الآخرين والأمريكان في الشرق الأوسط. وتنطلق جهود الدول الأوروبية من المواقف الأوروبية المعلنة من القضية الفلسطينية منذ إعلان البندقية لعام 1980، المؤيد لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، إلى إعلان برلين عام 1999 المؤيد لإقامة دولة فلسطينية، مقابل ضمان حق إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة، بينما ظل الموقف الأمريكي غامضا من القضية الفلسطينية إلى أن صرح الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش في أكتوبر 2001 بتأييد بلاده لإقامة دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات. نتناول في هذا التقرير جهود الدول الأوروبية المذكورة آنفاً كلٌ على حده، بالإضافة إلى جهود الإتحاد الأوروبي مع الأخذ بعين الإعتبار الفترة الزمنية التي أعقبت إنتخاب شارون لرئاسة الوزراء في إسرائيل، وذلك للتركيز على آخر المستجدات. ألمانيا: المعروف عن علاقة ألمانيا بأطراف النزاع في الشرق الأوسط أنها تتسم بالتوازن، فهي من ناحية تقيم علاقات جيدة مع الدول العربية والفلسطينيين، كما تقيم علاقة جيدة مع اسرائيل. غير أن دورها إقتصر حتى وقت قريب على تقديم الدعم المالي للأطراف المتفاوضة، فهي تقدم تقريباً ثلث ما تقدمه المجموعة الأوروبية من دعم مالي للسلطة الوطنية، ويقدر هذا الدعم منذ إنطلاق أوسلو في عام 1993 إلى العام 1999 بمبلغ 1.3 مليار مارك ألماني (حوالي 700 مليون دولار). بعد الزيارة التي قام بها المستشار الألماني جيرهارد شرويدر إلى المنطقة في نوفمبر 2000 وإجتمع خلالها مع الرئيس "ياسر عرفات" في غزة، بدأت بوادر دور ألماني لإقناع الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات. ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس عرفات، صرح المستشار الألماني بأن بلاده تدعم قرارات الإتحاد الأوروبي وتدعم إقامة دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات، وأضاف: "يجب في هذا الوقت العصيب أن نتجنب الإجراءات الأحادية الجانب لأنها لا تساعد في عملية السلام". كما وشدد على أهمية تنفيذ جميع الترتيبات التي إتفق عليها في شرم الشيخ وبجميع أجزائها"(1) . ساعدت الظروف أن تلعب ألمانيا دور الوسيط بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. ففي أثناء تواجد وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر في زيارة رسمية إلى إسرائيل، وقعت عملية تفجير في 2/6/2001 في تل أبيب سقط فيها 21 إسرائيلياً، وكانت هذه العملية هي الأعنف في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثاً. وتجنباً لردة فعل إسرائيلية على هذا الحادث توسط وزير الخارجية بين الطرفين، وعلى أثر هذه الوساطة أعلن الرئيس ياسر عرفات عن "وقف إطلاق النار بدون شروط مسبقة". وتلقى وزير الخارجية الدعم والثناء على هذا المجهود من زملائه الأوروبيين ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول الذي إتصل به وهنأه على نجاحه في مهمة التوسط. عزا بعض المحللين هذا النجاح إلى الصدفة وقيل أنها ضربة حظ غير قابلة للتكرار. إلا أن التحركات الألمانية والتنسيق مع شركائها الأوروبيين، خاصة مع فرنسا وإيطاليا، يدل على أن ألمانيا عازمة على لعب دور بارز في الشرق الاوسط، والظروف مهيأة للعب هذا الدور خاصة وأن الجانب الفلسطيني يطالب دائما أن يلعب الأوروبيون دوراً فعالاً في رعاية المفاوضات. وكانت زيارة وزير التخطيط والتعاون الدولي د.نبيل شعث إلى ألمانيا في 20/6/2001 تهدف إلى دعوة وزير الخارجية الألماني إلى المنطقة للقيام بدور في عملية السلام. وقال د.شعث بعد لقائه وزير الخارجية فيشر في مؤتمر صحفي: "طلبت من فيشر أن يعود ليساعد في علمية السلام"(2) . وقام وزير الخارجية الألماني بزيارته الثانية إلى المنطقة في 21/8/2001، وكان هدفها افساح المجال للقاء الرئيس "ياسر عرفات" مع وزير الخارجية الإسرائيلي "شمعون بيرس"، وعقب إجتماع الرئيس ووزير الخارجية الألماني صرح الرئيس عرفات مخاطبا وزير الخارجية: "ارحب بلقاء وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيرس والذي اقترح أن يكون في برلين .. وفي مكتبك وبحضورك .. وفي اللحظة التي يراها مناسبة"(3) . وتحدثت وسائل الإعلام أثناء زيارة فيشر عن خطة المانية أوروبية عرضها وزير الخارجية على الرئيس عرفات، "وتتمحور مبادرة فيشر حول اقتراح للحوار من أجل البحث عن طريق لوقف المواجهات دون الإصرار المسبق على وقف العنف كما تصر حكومة إسرائيل، وتقديم مساعدات إقتصادية للفلسطينيين ونشر مراقبين دوليين غير معلن عنهم للبدء في تطبيق توصيات لجنة ميتشل"(4) . كما إجتمع الرئيس "ياسر عرفات" مع وزير الخارجية الألماني على هامش مؤتمر دوربان "جنوب أفريقيا" لمناهضة العنصرية في 1/9/2001 وتباحثا في الإجتماع المزمع عقده بين الرئيس ووزير خارجية إسرائيل، والذي تم تأجيله عدة مرات لمعارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون لهذا الاجتماع. وقد صرح وزير الخارجية الألماني عقب الإجتماع: "كل جهودنا تنصب على تطبيق مقترحات لجنة ميتشل، والهدف هو التوصل لإتفاق حول إنهاء العنف، وصولاً إلى حق تقرير المصير]…[، أننا ندعو كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى البدء بسرعة في المحادثات المباشرة المزمعة بروح من الإصرار على أن تلك المباحثات ينبغي أن تؤدي إلى النجاح"(5) . وتم الإجتماع بين الرئيس عرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي بيرس في 26/9/2001 في مطار غزة الدولي، ولم يسفر هذا الإجتماع عن شيء ملموس، عدا التأكيد على رغبة الطرفين في إستمرار اللقاءات. وعقب العديد من المحللين على جهود وزير خارجية ألمانيا، بأن نجاحه يعود إلى الثقة التي يتمتع بها الوزير فيشر لدى السلطة الوطنية بما أنه مناصر سابق للقضية الفلسطينية إنطلاقاً من إنتمائه الحزبي وهو حزب الخضر اليساري المؤيد لحركات التحرر، وكونه وزيراً ألمانيا يتمتع بثقة الإسرائيليين للعلاقة المميزة التي تربط ألمانيا بإسرائيل. وثمنت واشنطن جهود الوزير الالماني، وجاء في مؤتمر صحفي للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "فيليب ريكر" رداً على إستفسار إذا كان إستعداد الرئيس عرفات للإجتماع مع وزير الخارجية الإسرائيلي بيرس يعد صفعة لواشنطن، قال ريكر "سندعم أي أسلوب أو منهج يثبت نجاحه بالنسبة للجانبين، بالطبع الألمان أصدقاء موثوق بهم وحلفاء ومقربون في حلف الناتو، ونحن نرحب بجهودهم البناءة مع الجانبين"(6) . إلا أن هذا لم يمنع الوزير الألماني من الإدلاء بتصريحات مطمئنة للأمريكان تؤكد على أن الدور الألماني والأوروبي ليس بديلا عن الدور الأمريكي، بل هو مكمل له، ففي خطاب للوزير أمام الدبلوماسيين الألمان قال فيشر: "أن الولايات المتحدة لديها علاقات ومصالح قوية في الشرق الأوسط ولكنها بعيدة عن المنطقة التي لا تبعد أكثر من ساعة بالطائرة عن أوروبا"، إن أوروبا لا يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولكنها يمكن أن تكمل دور واشنطن في المنطقة، وأن أوروبا لازالت بحاجة إلى الولايات المتحدة كشريك حتى لو كانت هناك خلافات حول بعض القضايا مثل سخونة الكرة الأرضية والدفاع الصاروخي"(7) . كذلك على المستوى الأوروبي، كانت هناك إجتماعات متعددة بين مسؤولين ألمان وفرنسيين لتنسيق الجهود حول الوضع في الشرق الأوسط وعقدت عدة إجتماعات بين وزير الخارجية الألماني فيشر ووزير الخارجية الفرنسي "هوبير فيدرين"، كما كان هناك إجتماع غير رسمي بين الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" والمستشار الألماني "جيرهارد شرويدر" في 5/9/2001 في برلين لبحث الوضع في الشرق الأوسط. وقام وزير الخارجية الألماني بزيارة ثالثة إلى المنطقة في 26/10/2001 إجتمع خلالها مع الرئيس ياسر عرفات والمسؤولين الفلسطينيين وكذلك مع المسؤولين الإسرائيليين. ونقلت وكالات الأنباء اقوال وزير الخارجية الألماني بأن هدف زيارته هو تحقيق وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق (أ) "كما وأننا نريد تحقيق نهاية للعنف والإرهاب ومعاناة الناس وتحسين الحياة اليومية، إضافة إلى فتح باب أمام المفاوضات وإيجاد الحلول. وقال علينا أن نجد طريقا لتنفيذ قرارات لجنة ميتشل والبدء بمفاوضات جدية خاصة وأن العالم قد تغير بعد الحادي عشر من ايلول الماضي، مؤكداً على أهمية مواصلة الجهود من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات خاصة وأن القضية ليست قضية أمنية فقط ولكنها سياسية وإقتصادية واجتماعية"(8) . وتجد جهود الحكومة الألمانية استحساناً لدى المعارضة الألمانية أيضاً، وقد عبرت عن ذلك زعيمة المعارضة رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي "انجيلا ميركل" أثناء زيارتها إلى فلسطين ولقائها الرئيس عرفات في 29/10/2001 إذ قالت في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس عرفات، "إن حزبها المسيحي الديمقراطي يساند الجهود التي تبذلها الحكومة الألمانية والإتحاد الأوروبي لإنهاء الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين واعطاء دفعة لعملية السلام في الشرق الأوسط"(9) . كما وأن نشطاء في الحزبين الحاكمين، الحزب الإشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر/ رابطة 90، طالبوا الحكومة الألمانية بلعب دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط، ونشرت مجلة دير شبيغل، وهي مجلة المانية واسعة الإنتشار، أن أعضاء في البرلمان الألماني وهم "كريستيان شتيرسنك" من حزب الخضر/رابطة 90، و"هيرمان قروه " من الحزب المسيحي الديمقراطي (معارض) مع "كريستوف موسباور" من الحزب الإشتراكي الديمقراطي وقعوا كتاباً إلى الحكومة يطالبونها بتطوير سياسة خارجية المانية مستقلة تجاه الشرق الأوسط وإستثمار الثقة التي يتمتع بها الألمان هناك للعب دور الوسيط. لكن وزير الخارجية الألماني فيشر رد على ذلك بأن ألمانيا ليس بمقدورها لعب دور الوسيط لأن هذا الدور ليس باستطاعتها تحمله(10) . وفي غمرة النشاط الرسمي، نشط أيضاً المحللون الألمان ومنهم من طرح فكرة إنشاء منظمة في الشرق الأوسط على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، تضم دول الشرق الأوسط ومن خلالها يتم ترتيب وحل القضايا التي تواجه المنطقة. وقد علق على ذلك وزير الخارجية فيشر بقوله، أنه ليس ضد مثل هذه الفكرة ولكن ليس هناك إمكانية لطرحها في الوقت الحاضر، لأن المصالح والإهتمامات بين دول المنطقة ما زالت متضاربة ويجب قبل طرح هذه الفكرة حل بعض القضايا العالقة لتهيئة الأجواء لمثل هذه الفكرة. وتعقيباً على النشاط الأوروبي المكثف، يوجد من يعتقد بأن هنا تقسيماً للمسؤولية بين الأوروبيين، فنقلت صحيفة القدس في 4/11/2001 عن "هاني الحسن" قوله بأن الألمان يركزون على الجانب الأمني من المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بينما سيتولى البريطانيون الجانب السياسي. ويظل هذا تحليلاً شخصياً لأنه لا يوجد من الأطراف المذكورة من يؤكد ذلك. فرنسا: كلنا يذكر زيارة الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" إلى فلسطين في أكتوبر 1996، وخاصة الزيارة التي قام بها إلى مدينة القدس، والتي تحدى بها الإسرائيليين وقام بزيارة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية برفقة حراسة فلسطينية طالباً من فرق الحراسة الإسرائيلية الإبتعاد، وأيد شيراك أثناء زيارته إلى إسرائيل قيام دولة فلسطينية في أسرع وقت ممكن. من المعروف أن لفرنسا مواقف متقدمة عن زميلاتها الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، فهي تؤيد إقامة دولة فلسطينية منذ عام 1976 عندما صوت مندوبها في الأمم المتحدة لصالح قرار في الجمعية العامة يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية، وكان الرئيس الفرنسي السابق "فرانسوا ميتران" من أوائل الزعماء الأوروبيين الذي التقى مع الرئيس الفلسطيني "ياسر عرفات"، كما وأن خروج القوات الفلسطينية من بيروت عام 1982 جرى تحت حماية فرنسية، ولهذه المواقف تحظى فرنسا على ثقة القيادة الفلسطينية. و تتبنى فرنسا سياسة منفتحة على العرب منذ عام 1967، وتعتبر نفسها صديقة إسرائيل في نفس الوقت، ويمكن القول أنها تنتهج سياسة شرق اوسطية مستقلة قريبة من الطموحات العربية مقارنة بشركائها الاوروبيين. كما واستضافت فرنسا مع بداية إندلاع إنتفاضة الأقصى في 4/10/2000، قمة جمعت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ايهود باراك ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين اولبرايت" ومشاركة الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان" وتمت الإجتماعات برعاية الرئيس الفرنسي "جاك شيراك". ولم يسفر هذا اللقاء عن شيء. وكانت لفرنسا نشاطات في اتجاه إرسال قوة حماية دولية أو قوة مراقبين دوليين، وتقدمت باقتراحات في الأمم المتحدة في نوفمبر 2000، وتحدثت وكالات الأنباء عن مبادرة بريطانية فرنسية لإرسال مراقبين دوليين في مارس 2001، كما وأن فرنسا كان لها دور في إعادة طرح فكرة مراقبين دوليين في قمة جنوة للدول الصناعية في يوليو 2001. وصرح وزير الخارجية الفرنسي "هوبير فيدرين" على هامش القمة للصحفيين "أن فكرة إرسال مراقبين محايدين إلى الشرق الأوسط للتأكد من تطبيق توصيات لجنة ميتشل تحقق تقدما وإنها لم تعد مرفوضة بالكامل من جانب الامريكيين"(11) . وأثمرت هذه الجهود بأن تضمن إعلان قمة جنوة للدول الصناعية إرسال مراقبين دوليين بهدف تطبيق توصيات تقرير لجنة ميتشل، وإعتبر ذلك تأييداً للمطلب الفلسطيني بإرسال مراقبين دوليين ولطمة سياسية قوية لإسرائيل لمعارضتها لفكرة إرسال مراقبين دوليين، ونصت الفقرة المتعلقة بالمراقبين في الإعلان "أنه في ضوء التطورات الخطيرة في الشرق الأوسط نؤكد مجدداً أن تطبيق تقرير ميتشل تطبيقاً تاماً هو الوسيلة الوحيدة للخروج من الطريق المسدودة، ووقف التصعيد وإستئناف العملية السياسية"(12) . ورفضت إسرائيل ما تضمنه إعلان جنوة بإرسال مراقبين، ومقابل ذلك طالبت بوقف ما أسمته بالعنف أولاً قبل البدء بأي مباحثات مع الفلسطينيين. ورد الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" على المطلب الإسرائيلي بعد عودته من القمة: "أن قادة الدول الصناعية الثماني الكبرى لا يوافقون على قرار إسرائيل الربط بين محادثات السلام وبين التوقف الكامل للهجمات الفلسطينية". وقال شيراك: "هناك إختلاف بين إسرائيل التي ترغب في نتائج بنسبة 100 بالمائة، وبين دول مجموعة الثماني التي يقوم معيارها على ضرورة أن يكون هناك جهد بنسبة 100 بالمائة من جانب الفلسطينيين لمحو الارهاب"(13) . وبعد إحتلال إسرائيل لبيت الشرق، دعا متحدث باسم الخارجية الفرنسية إسرائيل في 13/8/2001 لوضع حد للإحتلال الإسرائيلي لبيت الشرق، وذلك من أجل العودة إلى المفاوضات(14) . وأدانت فرنسا في أكثر من مناسبة التصعيد الإسرائيلي وسياسة الإغتيالات ضد الشعب الفلسطيني، وتناول رئيس الوزراء الفرنسي جوسبان في كلمة أمام إجتماع للحزب الإشتراكي الفرنسي قضية الشرق الأوسط، وقال "لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي والفلسطينيون والإسرائيليون يندفعون إلى الهاوية جارفين معهم المنطقة بأسرها. يتعين على الأسرة الدولية أن تعبر بشكل أوضح وأقوى عن إرادتها في التحرك لمنع تحول المأساة الإسرائيلية الفلسطينية إلى كارثة. إن دوامة العنف لن تتوقف دون العودة إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، وأن الطريق المؤدية إلى خفض التوتر وإستئناف الحوار قد رسمتها لجنة ميتشل"(15) . وكان لوزير الخارجية الفرنسي دور في تنسيق الجهود لتسهيل عقد إجتماع بين الرئيس عرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي "شمعون بيرس"، ففي لقاء جمع الرئيس عرفات ووزير الخارجية الفرنسي فيدرين في 24/9/2001 في غزة تم التباحث حول موعد اللقاء، ففي المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إجتماع الرئيس عرفات ووزير الخارجية الفرنسي فيدرين، قال الرئيس عرفات: "اليوم اعطينا اقتراحاً بعقد اللقاء مع بيرس ولم يتم ذلك واتفقنا مع فدرين وموراتينوس على أن يتم الإجتماع بعد عودتي من السفر"(16) . ونذكر أنه كان تنسيق بين وزير الخارجية الفرنسي ووزير الخارجية الألماني لتكثيف جهودهما لترتيب لقاء الرئيس عرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي "شمعون بيرس". وفي مقالة لوزير الخارجية الفرنسي "هوبير فيدرين" خص بها جريدة القدس الفلسطينية في 23/10/2001، استعرض فيها موقف فرنسا من القضية الفلسطينية جاء فيها: "الشرق الأوسط سيقطنه على الدوام، وجنباً إلى جنب، إسرائيليون وفلسطينيون، ممن لا خيار أمامهم إلا التعايش، الإسرائيليون لن يتمكنوا من طرد الفلسطينيين والعكس صحيح. -التسوية تتضمن وفقاً لما تنادي به فرنسا منذ عام 1982 والإتحاد الأوروبي منذ عام 1999، والولايات المتحدة منذ الآن، هناك حل أوحد واضح وصريح يكمن في إنشاء دولة فلسطينية قابلة للإستمرار. وهذا الأمر يتطلب من الإسرائيليين عقد النية على الجلاء من معظم الأراضي المحتلة. وبالتالي المستوطنات، والإعتراف بعاصمة في القدس الشرقية-القدس، وهو الموضوع الذي سيستوجب معالجته دون شك على مراحل: أي وبإختصار ما كان يخطط له في العام الماضي بين كامب ديفيد، وطابا، أما الفلسطينيون فعليهم أن يقدموا تعهدات ملزمة يضمن الإسرائيليون من خلالها أن الإتفاق سيوفر لهم الامن، وهناك آليات عودة المهجرين الفلسطينيين. وهناك حلول متعددة لها-والقدرات العسكرية للدولة الفلسطينية المستقلة لن تشكل خطراً عليهم(17) . بقدر ما يحتوي هذا الموقف الفرنسي على أفكار إيجابية تعتبر متقدمة ومتوافقة إلى حد ما مع الموقف الفلسطيني، إلا أنه يلاحظ عدم نية فرنسا الضغط على إسرائيل أو العمل مع شركائها الأوروبيين لفرض هذا الموقف. بريطانيا: تتبنى بريطانيا المواقف الأمريكية في مجال السياسة الخارجية ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل وفي كثير من مناطق العالم، حيث يصفها شركاؤها الأوروبيون بأنها تمثل السياسة الأمريكية في القارة الأوروبية. وكذلك لم نلاحظ جهودا واضحة ومميزة من الحكومة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط لإعادة إحياء المفاوضات منذ إنطلاق إنتفاضة الأقصى. حاولت بريطانيا بالإشتراك مع فرنسا وضع خطة مقبولة لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في ديسمبر 2000 لإرسال قوة مراقبة دولية للمناطق الفلسطينية، إلا أن هذه المحاولة فشلت وذلك لرفض إسرائيل المبدأي للفكرة. ولم يتم الضغط على إسرائيل لقبول الفكرة، بل إمتنع ممثل بريطانيا في الأمم المتحدة في 20/12/2000 عن التصويت لصالح مشروع قرار ينص على إرسال قوة مراقبة دولية. وفي المحاولة الثانية في مارس 2001 صوت ممثل بريطانيا في الأمم المتحدة ضد مشروع قرار إرسال مراقبين دوليين. في أعقاب قمة جنوة للدول الصناعية، التي جاء في بيانها الختامي أنها تؤيد إرسال مراقبين دوليين إلى المناطق الفلسطينية، قام وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية "بن برادشو" بزيارة للمنطقة ما بين 19-22/7/2001، زار خلالها مصر، إسرائيل، فلسطين، الأردن وسوريا، وطرح خلال زيارته تصور بلاده عن قوة المراقبة الدولية، فأثناء زيارته للقاهرة قال برادشو: "إن بريطانيا تقترح إرسال مراقبين دوليين إلى الأراضي الفلسطينية بعد فترة هدوء من 24 ساعة للمساهمة في تعزيز الهدنة الهشة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف شو: "ربما بعد فترة هدوء 24 ساعة سنتمكن من التوصل إلى إتفاق حول مشاركة مراقبين، وسنرى لاحقاً إذا ما لدينا ستة أيام إضافية يمكننا خلالها بدء تطبيق إجراءات الثقة الضرورية لإستئناف الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين"(18) . يذكر أن شارون طالب بفترة هدوء من سبعة أيام تليها فترة تهدئة من سبعة اسابيع، وهذا ما لم يقبله وزير الدولة البريطاني قائلاً: "إننا لا نقبل الموقف الإسرائيلي ومفاده أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يمكنه أن يضمن الهدوء بنسبة 100 بالمائة خلال فترة أسبوع. وما نطالب به هو جهود بنسبة 100 بالمائة لوضع حد للعنف"(19) . ما ذكره "بن برادشو" في القاهرة لم يؤكده أثناء زيارته إلى إسرائيل وفلسطين، بل وبعد إجتماعه مع الرئيس عرفات في رام الله ورداً على سؤال بشأن الجدول الزمني لتطبيق توصيات لجنة ميتشل، قال الوزير البريطاني: "أعتقد أن هذا الأمر يجب نقاشه لأن تقرير ميتشل لم يحدد جدولاً زمنيا، لذلك أعتقد أن علينا أن ننظر في جميع الإمكانيات"(20)، من الملاحظ أنه لدى إجتماع الوزير البريطاني مع المسؤولين الإسرائيليين، وما لمسه عندهم من رفض مطلق لفكرة مراقبين دوليين، أُجبر على تغير موقفه من مسألة المراقبين الدوليين. قام الرئيس ياسر عرفات بزيارة إلى بريطانيا في 15/10/2001 وإجتمع خلال زيارته مع رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" ووزير الخارجية "جاك سترو" وكذلك مع زعيم حزب المعارضة "تشارلز كيندي" رئيس حزب الاحرار ومع رئيس أساقفة كانتربري "جورج كيري". وكانت هذه زيارة هامة لشرح وجهة النظر الفلسطينية لدى الجانب البريطاني وإستثمار العلاقة التحالفية بين بريطانيا والولايات المتحدة، لربما نجح البريطانيون بالتأثير على المفاوضات. وأثناء زيارة الرئيس عرفات لبريطانيا صرح رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحفي "أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في إطار تسوية شاملة تضمن السلام والأمن لإسرائيل، مطلب لابد منه لوضع حد لمعاناة الفلسطينيين الذين يعيشون في الفقر في غياب الأمان والأحلام. وتابع أن الغاية التي نتوق إليها هي تحقيق سلام عادل يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون في ظله من العيش إلى جانب بعضهم البعض، كلٌ في دولته، وينعمون بالأمان والسلام ويكونوا قدوة للقدرة على التطور والانتماء"(21) . بعد اسبوعين من زيارة الرئيس عرفات لبريطانيا، قام رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" في 31/10/2001، بزيارة للمنطقة، زار خلالها سوريا، السعودية، الأردن، إسرائيل وفلسطين ومصر، وتناقلت وكالات الأنباء تحليلات مفادها أن هدف زيارة بلير للمنطقة هو حث الدول العربية على تأييد التحالف المناهض لحركة طالبان ودعم العملية الحربية على افغانستان. ومن جهته قال رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحفي في غزة 1/11/2001 أن هدف زيارته يتمحور حول ثلاث موضوعات هامة: أولاً: أن تبقى إدانة ما حدث في عملية 11 أيلول قائمة، وأن يؤدي هذا الإلتزام إلى بقاء التحالف ضد الإرهاب قوياً، ويصل إلى أن يمكنه أن يقدم للعدالة أولئك الذين قاموا بهذه العملية. ثانياً: أن الصوت الحقيقي الصادق للإسلام هو صوت معتدل وليس صوتاً متطرفاً، وعلى هذا الصوت المعتدل أن يعيد السيطرة على الأرض التي حاول المتطرفون أن يأخذوها منه. ثالثاً: أن نبدأ في عملية جديدة تحاول أن تحل مشكلة الماضي بأن نبني المستقبل على أساسين، أساس الأمن لدولة إسرائيل ودولة فلسطين، وسأعمل كل جهدي من أجل دفع هذه العملية للأمام(22) . إن ما جاء سابقاً يمكن أن يبين الركائز الأساسية التي ستعمل عليها السياسة الخارجية البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وربما أيضاً الدول المشاركة لها في الإتحاد الأوروبي وأيضاً الولايات المتحدة. وهي باختصار: أولاً، إستمرار التأييد العربي الرسمي للعمليات الحربية ضد أفغانستان، وتقديم الدعم بجميع أشكاله للسياسة الأمريكية تجاه أفغانستان، ثانياً، حماية الأنظمة العربية (المعتدلة) من فقدانها السيطرة وأن تحل محلها أنظمة (متشددة)، وثالثا، التوصل إلى صيغة تجمع طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة المفاوضات من أجل إيجاد تسوية. عقب زيارة رئيس الوزراء البريطاني للمنطقة نشرت وكالة الأنباء الفرنسية من القدس تحليلاً صحفياً حول خيبة الأمل الفلسطينية من الزيارة التي تزامنت مع الذكرى 84 لإعلان بلفور في 2/11/1917، فرأى الفلسطينيون أن رئيس الوزراء البريطاني ضيع فرصة تاريخية لتصحيح السياسة التي إنتهجتها بريطانيا في الماضي في الشرق الأوسط. وكان الفلسطينيون يأملون بإعلان مشابه لإعلان بلفور، يتضمن ضمانات بريطانية لدعم إقامة دولة فلسطينية. "وأعلن نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي أن بلير لم يأت بأفكار جديدة إلا أنه أبدى استعداداً لبذل جهد لتنفيذ توصيات تقرير لجنة ميتشل"(23) . وفي تصريح صحفي لمفوض العلاقات الخارجية لحركة فتح "هاني الحسن" جاء فيه "أن رئيس وزراء بريطانيا "توني بلير" يقوم بإعداد ورقة عمل سياسية ستكون أساساً للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في المرحلة القادمة. وأوضح الحسن أن بلير تلقى تكليفاً من الولايات المتحدة وتفويضاً من الإتحاد الأوروبي لتسلم ملف الصراع العربي-الإسرائيلي في جانبه السياسي فيما تسلم "يوشكا فيشر" وزير خارجية ألمانيا الجانب الأمني من هذا الصراع(24) . واستكمالاً لما جاء في تصريح السيد "هاني الحسن" نطرح الاسئلة التالية: هل تتسلم فرنسا الملف الاقتصادي وإيطاليا الملف الاجتماعي؟ ونقلت وكالات الأنباء أن رئيس الوزراء البريطاني بلير عرض أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة في 7/11/2001 على الرئيس الأمريكي بوش خطة أوروبية جديدة لحل قضية الشرق الأوسط، تتضمن إقامة دولة فلسطينية. إلا أن نفس المصادر نقلت عن إسرائيل معارضتها للمشاركة الأوروبية في حل قضية الشرق الأوسط وذلك حسب إدعائها بأن أوروبا موقفها متحيز للعرب. ايطاليا: على الرغم من الحضور الإيطالي في منطقة الشرق الأوسط بحكم الجوار والعلاقات الإقتصادية، إلا أن تأثيرها السياسي يكاد يكون محدوداً، ويقتصر الحضور السياسي من خلال التنسيق ومؤازرة الموقف الأوروبي. ولم يصدر عن المسؤولين الايطاليين تصريحات خارج إطار البيانات وموقف الإتحاد الأوروبي، رغم أن الجمعيات والمنظمات الاجتماعية الايطالية قد عُرفت بتعاطفها مع الشعب الفلسطيني. وكانت لإيطاليا نشاطات محدودة تمثلت في زيارة وزير الخارجية الإيطالي "ريناتو روجيرو" ومقابلته الرئيس عرفات في 29/8/2001 في غزة، وعرض على الرئيس مقترحات أوروبية لتنفيذ خطة ميتشل. كما إستقبل رئيس الوزراء الإيطالي "سيلفيو برلوسكوني" في 30/10/2001 الرئيس "ياسر عرفات" في روما وتباحثا حول الوضع في الأراضي الفلسطينية، وفي المؤتمر الصحفي بعد الإجتماع أكد رئيس الوزراء الإيطالي "إلتزام إيطاليا بتأييد عملية السلام التي يفترض أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تعترف بإسرائيل وتحترم حدودها وأمنها. وأكد برلوسكوني أن إيطاليا تدعم تبني خطة على غرار "خطة مارشال"، لإعادة إعمار فلسطين وتنميتها"(25) . وفي طريق عودة رئيس الوزراء البريطاني من زيارته إلى منطقة الشرق الاوسط، عرج على إيطاليا وإجتمع مع رئيس الوزراء برلوسكوني وأبلغه بنتائج زيارته، وقال متحدث باسم برلوسكوني، "باولو بونايوتي"، أن بلير وبرلوسكوني شددا على الضرورة الملحة لإيجاد حل ثابت للفلسطينيين يضمن أيضاً أمن إسرائيل. وإعتبر أن على الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا إستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي للتوصل إلى ذلك الحل"(26) . يذكر أن برلوسكوني استبعد من القمة التمهيدية بين فرنسا وألمانيا وإنجلترا التي عقدت قبل القمة الأوروبية في غان (بلجيكا) في التاسع عشر من أكتوبر 2001، والتي تم التباحث فيها حول مواقف الدول المشاركة من قضية الشرق الأوسط. الإتحاد الأوروبي: منظمة الإتحاد الأوروبي والتي تجمع في عضويتها خمسة عشرة دولة أوروبية، والتي تعمل على أن ينتهج الدول الأعضاء فيها سياسة خارجية مشتركة، كان لها موقف واضح من القضية الفلسطينية، وهو حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني منذ العام 1980 (إعلان البندقية) وبشكل أوضح وغير قابل للتأويل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية في بيان قمة الإتحاد الأوروبي المنعقد في الفترة 24-25/3/1999 في برلين، أن الإتحاد الأوروبي: 1- "يعيد تأكيد دعمه لحل تفاوضي يعكس مبادئ "الأرض مقابل السلام" ويضمن الأمن الجماعي والفردي للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويحيي في هذا الإطار قرار المجلس الوطني الفلسطيني الذي يلغي بند الميثاق الوطني الداعي إلى تدمير إسرائيل ويؤكد مجدداً إلتزام الإعتراف بإسرائيل والعيش معها بسلام. ويدعو الإتحاد الأوروبي القلِق من المأزق الحالي في عملية السلام، الأطراف إلى تطبيق مذكرة واي ريفر بالكامل وفوراً. 2- يدعو الأطراف إلى إعادة تأكيد إلتزامها بالمبادئ الأساسية في إطار مؤتمر مدريد وإتفاق أوسلو والإتفاقات التي تلت بما يتوافق وقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338، ويحض الأطراف على الإتفاق على توسيع المرحلة الإنتقالية كما ينص إتفاق أوسلو. 3- يدعو خصوصاً إلى معاودة المفاوضات بسرعة بشأن الوضع النهائي في الأشهر المقبلة مع تسريعها حتى تنتهي بسرعة ويعرب عن إقتناعه بإمكان إنجاز المفاوضات في غضون سنة ويعلن عن إستعداده تسهيل إنجاز المفاوضات بسرعة. 4- يحض الأطراف على الامتناع عن القيام بنشاطات تؤثر على نتائج مفاوضات الوضع النهائي وأي نشاط يخالف القانون الدولي بما في ذلك أي نشاط استيطاني ومحاربة الاستفزازات والعنف. 5- يؤكد مجدداً حق الفلسطينيين الدائم وغير المشروط في تقرير المصير بما في ذلك خيار دولة ويتمنى تحقيق هذا الحق بسرعة ويدعو الأطراف إلى السعي بحسن نية إلى حل تفاوضي على أساس الإتفاقات الحالية من دون الاساءة إلى هذا الحق الذي يجب إلا يكون موضع فيتو. ويعرب عن إقتناعه بأن إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مسالمة قادرة على الإستمرار على قاعدة الإتفاقات الحالية وعبر المفاوضات ستكون الضمانة الفضلى لأمن إسرائيل ولقبول إسرائيل كشريك متساوٍ في المنطقة. ويعرب عن إستعداده لدراسة الإعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب مع المبادئ الأساسية التي سبق ذكرها. 6- يدعو إلى معاودة سريعة للمفاوضات على المسارين السوري واللبناني في عملية السلام مما يؤدي إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن 242 و338 و425 (27) . وكان المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن "خافيير سولانا" أحد أعضاء لجنة ميتشل التي تشكلت بقرار من قمة شرم الشيخ في أكتوبر 2000، والتي أصدرت تقريراً عرف بتقرير لجنة ميتشل بعد تحقيقات أجرتها في المناطق الفلسطينية. وتضمن بيان القمة الأوروبية الأمريكية المنعقدة في 14/6/2001، في غتبورغ (السويد) جزءاً عن الشرق الأوسط جاء فيه "نحن قلقون جداً حيال التطورات في الشرق الأوسط. نرحب ونؤيد تقرير لجنة شرم الشيخ ]تقرير ميتشل[ لتقصِ الحقائق ونحث الجانبين على تنفيذ توصيات التقرير بحذافيرها بما في ذلك إنهاء العنف وإتخاذ إجراءات بناء الثقة وإستئناف المفاوضات. نحن نرحب بالمبادرة المصرية-الأردنية بهذا الصدد ولا نرى بديلاً عن الحل التفاوضي القائم على أساس قراري الأمم المتحدة رقم 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام. سنمضي قدماً في التعاون بشكل وثيق نحو تعزيز السلام في المنطقة(28) . ونُشر لخافيير سولانا الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمن في الإتحاد الأوروبي مقالاً استعرض فيه المنظور الأوروبي للشرق الأوسط ومما جاء فيه: "سياسة الإتحاد الأوروبي تجاه المنطقة واضحة دوماً، لقد دعمنا منذ قمة البندقية قبل عشرين سنة حلاً للصراع يقوم على التفاوض، وتطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338 اللذين يؤكدان الحق الفلسطيني في تقرير المصير، أي حق الفلسطينيين في دولة، وحق اسرائيل في الأمن ضمن حدود معترف بها، وأكد قادة الإتحاد الأوروبي مجدداً على هذا الموقف في قمة غانت (19/10/2001)، كما إعترف الرئيس جورج بوش بحق الفلسطينيين في دولة قادرة على البقاء وفي الوقت نفسه ضمان حق إسرائيل في الوجود. إضافة إلى ذلك تواصل أوروبا إلتزامها بمؤتمر مدريد الذي تمر قريباً ذكراه السنوية العاشرة، كما نستمر في ثقتنا بأن هدف إتفاق أوسلو التوصل إلى إتفاق على وضع نهائي لازال قائماً. المهمة المباشرة الآن إعادة إطلاق عملية السلام، وهناك أساس لذلك تقبل به الأطراف ويدعمه تحالف دولي واسع للسلام، هذا الأساس هو تقرير لجنة ميتشل. إننا على إستعداد كما كررنا مراراً من قبل، للمساهمة في آلية محايدة للمراقبة تسمح للطرفين بالتغلب على الكثير من الخلافات والعقبات الآلية التي اقترحها الإتحاد الأوروبي وقادة الدول الصناعية قبل شهور(29) . ودُعي الرئيس ياسر عرفات للمشاركة في مؤتمر الشراكة الأوروبية-المتوسطية الذي عقد في 5/11/2001 في بروكسل (بلجيكا) وألقى خطاباً في المؤتمر، كما وإجتمع مع رئيس الوزراء البلجيكي، كما كان هناك لقاء مجاملة مع وزير الخارجية الإسرائيلي بيرس، الذي شارك أيضاً في المؤتمر. في سعيها لحشد التأييد لحملتها العسكرية على أفغانستان، عملت الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً على إرضاء حلفائها العرب، فكان تصريح الرئيس الأمريكي "جورج بوش" حول تأييد بلاده لإقامة دولة فلسطينية في أكتوبر 2001، لكن الجانب الفلسطيني ورغم ترحيبه بهذا التصريح طالب بخطوات عملية لتحقيق ذلك. كذلك موقف العديد من الدول الأوروبية، كما إعتبر تصريح الرئيس الأمريكي غير كافيٍ لتحريك المفاوضات المتعثرة بين الجانبين. وأثناء الزيارات التي قام بها زعماء اوروبيون (توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وجاك شيراك الرئيس الفرنسي) في فترة ما بعد التفجيرات حث هؤلاء الزعماء الإدارة الأمريكية لفعل شيء أكبر لدفع الأطراف إلى بدء المفاوضات. وفي تصريح للرئيس الفرنسي "جاك شيراك" بعد إجتماعه مع الرئيس الأمريكي "جورج بوش" في 6/11/2001 في واشنطن قال فيه "أن التحالف الدولي معرض للتصدع في حال عدم إستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ]… [ لابد من بذل كل المساعي للعودة إلى عملية السلام"(30) . ورغم هذه المساعي الأوروبية لتحريك الموقف الأمريكي لدفع أطراف الصراع إلى المفاوضات وخاصة إسرائيل بمواقفها المتعنتة، نلاحظ تباطؤ في الموقف الامريكي، وهذا يعود إلى الإنفصام في الآراء لدى السياسيين في الإدارة الأمريكية، فهناك مجموعة ترى أن التريث يجب أن يغلب على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وفتح المجال لأطراف النزاع للاتفاق، والطرف الآخر يرى ضرورة الضغط على الأطراف لدفعهم للبدء في المفاوضات. وهذا الموقف يتبناه الأوروبيون، وهذا ما أظهرته الزيارة التي قام بها وفد الإتحاد الأوروبي الأخيرة إلى المنطقة. قام وفد رفيع المستوى يمثل الإتحاد الأوروبي ضم في عضويته كلاً من رمانو برودي رئيس المفوضية الأوروبية وخافيير سولانا منسق السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي وغاي فيرفستاد رئيس وزراء بلجيكا الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الآن، ووزير خارجيتها لوي ميشيل، في الفترة من 16-18 نوفمبر 2001، بزيارة إلى المنطقة شملت مصر، إسرائيل، فلسطين، الأردن وسوريا ولبنان. وجاءت هذه الزيارة تنفيذاً للقرار الذي إتخذته القمة الأوروبية، التي عقدت في 19 أكتوبر 2001 في بلجيكا حيث دعا زعماء الإتحاد الأوروبي إلى إحياء غير مشروط لعملية السلام في الشرق الأوسط. وعقب إجتماع الوفد بالرئيس عرفات قال رئيس وزراء بلجيكا في المؤتمر الصحفي المشترك أن المباحثات تناولت النقاط التالية: أولاً: الإتحاد الأوروبي وما قام به خلال الأيام الماضية مع الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالشرق الأوسط للوصول إلى موقف مشترك في قضية الشرق الاوسط، وإيجاد حلول مشتركة لعملية السلام. ثانياً: بحثنا معاً في هذا الإجتماع، الوضع على الارض، ونقدر تماماً كإتحاد أوروبي، أن الإثنى عشر يوماً الأخيرة شهدت هدوءاً نسبياً، وقد ناقشنا هذا الوضع في بروكسل، وشجعنا السلطة الفلسطينية على المضي قدما في ذلك، وقد تم تحقيق الكثير، وقد أكد لي السيد الرئيس عرفات، أنه سيبذل كل جهد ممكن، لتثبيت وقف إطلاق النار. ثالثاً: الوضع في الأراضي الفلسطينية، نقر أن هناك حاجة عاجلة لإنهاء الحصار وتسهيل مرور الشعب الفلسطيني، الذي يحتاج الى مساحة للتحرك وممارسة نشاطاته الإقتصادية. رابعاً: نتائج الأيام الإثنى عشر الأخيرة، يرى الإتحاد الأوروبي أنها شهدت تحقيق الهدوء النسبي، ويرى أن هناك حاجة لإعادة إنطلاق عملية السلام، وأن هناك فرصة لذلك، وليس فقط بسبب الأيام الإثنى عشر الماضية، وانما بسبب أن الأسرة الدولية متفقة على أننا أردنا حلاً للقضية الفلسطينية، وعلينا أن نعمل على إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، حيث أن هناك توافقاً دولياً، أنه علينا الذهاب بأسرع وقت إلى مفاوضات الحل النهائي، التي تستند إلى قيام هذه الدولة الفلسطينية(31) . ويستدل مما سبق أن هناك تنسيق بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بما يتعلق بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية تحديداً، وبما أن الموقف الأوروبي متقدماً في المبادرة، من أجل تحريك الوضع للدفع باتجاه طاولة المفاوضات، يمكن القول أن الإتحاد الأوروبي يحث الولايات المتحدة سريعاً للضغط على إسرائيل لتليين موقفها للقبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات والتخلي عن الشروط التي يضعها شارون. بعد إجتماع الوفد الأوروبي مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية، نقلت وكالات الأنباء خيبة أمل أوروبية من نتائج الاجتماع. "وأعرب رئيس المفوضية الأوروبية "رومانو برودي" عن خيبة أمله معتبراً أن شارون كان قاسياً جداً"(32) . كما وانسحب وزير الخارجية الإسرائيلي بيرس من إجتماع كان يضم الوفدين الأوروبي والاسرائيلي. كما وصف "خافيير سولانا" مطلب شارون بفترة هدوء لمدة سبعة أيام بأنها "حماقة" وقال أن ذلك يعطي للذين يعارضون عملية السلام فرصة تخريبها. وأثناء تواجد الوفد الأوروبي في إسرائيل عبرت شخصيات إسرائيلية عن رفضها لدور أوروبا في عملية التسوية متهِمين الأوروبيين بتحيزهم للعرب. لم يعرض الوفد الأوروبي أثناء زيارته للمنطقة خطة جديدة أو آليات عمل جديدة تدفع الطرفين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، إلا أنه كان هناك تلميح بامكانية إستخدام ضغوطات إقتصادية على إسرائيل لدفعها لتليين موقفها. وذكرت وسائل الإعلام عن مسؤول عربي كبير من الأردن، أن الإتحاد الأوروبي أعد وثيقة حول الشرق الأوسط تنص على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتقديم ضمانات دولية وعربية لأمن إسرائيل. وأضاف أن الوثيقة أعدها مبعوث الإتحاد الأوروبي الخاص للشرق الأوسط "ميغيل موراتينوس" وجري بحثها مع مسؤولين عرب خلال الإجتماع الوزاري الخاص بالشراكة الأوروبية المتوسطية في بروكسل في أكتوبر 2001. وفي تصريح لاحد الدبلوماسيين الغربيين والذي فضل عدم الكشف عن اسمه نشر في وسائل الإعلام في 9/9/2001 جاء فيه: فقط الولايات المتحدة يمكنها أن تغير من موقف إسرائيل، وبدون مساهمة نشطة من جانب الولايات المتحدة، ليس هناك احتمال لتوقف العنف في الشرق الأوسط(33) . يعكس هذا التصريح الحال الحقيقي للدور الأوروبي، فأوروبا من جهة تريد لعب دور فعال في الشرق الاوسط، في المقابل لا تملك قدرة الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل وكذلك ليس باستطاعة الأوروبيين أخذ دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
المراجع (1) القدس، 2/11/2000. (2) الأيام، 21/6/2001. (3) القدس، 22/8/2001. (4) القدس، 23/8/2001. (5) الأيام، 2/9/2001. (6) القدس، 23/8/2001. (7) القدس، 4/9/2001. (8) القدس، 27/10/2001. (9) القدس، 30/10/2001. (10) مجلة دير شبيغل (Spiegel online 22/8/2001) (11) القدس، 19/7/2001. (12) الأيام، 20/7/2001. (13) القدس، 23/7/2001. (14) القدس، 14/8/2001. (15) الايام، 3/9/2001. (16) الايام، 25/9/2001. (17) القدس، 23/10/2001. (18) الأيام، 20/7/2001. (19) المصدر السابق. (20) الأيام 22/7/2001. (21) القدس، 16/10/2001. (22) القدس، 2/11/2001. (23) القدس، 3/11/2001. (24) القدس، 4/11/2001. (25) القدس، 3/11/2001. (26) المصدر السابق. (27) الحياة الجديدة، 26/3/1999. (28) صفحة الإتحاد الأوروبي على الانترنت europe.eu.net. (29) القدس، 25/10/2001. (30) القدس، 9/9/2001. (31) القدس، 18/11/2001. (32) القدس 19/11/2001. (33) القدس، 9/9/2001. |
|