عاطف المسلمي بعد عام تقريباً على الخروج من غزة وستة أعوام على الخروج من جنوب لبنان، وجد الجمهور الإسرائيلي اليهودي، نفسه يعود إلى المربع الأول، خطف جنود وصواريخ من الفلسطينيين، وخطف جنود وصواريخ من الجبهة اللبنانية، وهو الذي اعتقد أنه بالخروج من هاتين البقعتين المتوترتين (جنوب لبنان وقطاع غزة) وإغلاق المنافذ معهما يكون قد تخلص وللأبد من كابوس أمني طالما أزعجه واستنزفه. وما يؤرق الجمهور الإسرائيلي أن هذه الأحداث التي تمر بها إسرائيل تأتي في ظل قيادة إسرائيلية ضعيفة لا تمتلك الحس والخبرة الأمنيين اللذين توفرا لسابقاتها. بالإضافة لافتقارها للحضور السياسي القوي على الساحة السياسية في إسرائيل من جهة والدولية الخارجية من جهة أخرى، الأمر الذي انعكس سلباً إزاء مواقف الجمهور الإسرائيلي من الخطوات السياسية أحادية الجانب التي طرحها رئيس الحكومة إيهود أولمرت والمسماه بخطة (الانطواء) والتي حاول تسويقها خارجياً تمهيداً لتطبيقها على الأرض في ظل ظروف دولية مواتية، وذلك بهدف ترسيم الحدود النهائية لدولة إسرائيل وفق المصالح الأمنية الاستراتيجية الإسرائيلية تحت ذريعة "أن ليس هناك شريك فلسطيني" بخاصة بعد تشكيل حماس للحكومة الفلسطينية. يعالج هذا التقرير مواقف الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) من هذه القضية بشكل خاص والعلاقة الشائكة مع الفلسطينيين بشكل عام وذلك في ظل الهجمة العسكرية الشرسة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي أعقبت عملية كفر أبو سالم واختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط.
أولاً: خطة الانطواء هناك أغلبية يهودية في إسرائيل تؤيد فرض حدود دائمة حتى لو اضطرت إسرائيل للتنازل عن المثلث للفلسطينيين حتى دون تنسيق معهم، مع وجود تقدير لدى هذه الأغلبية بعدم قدرة إسرائيل على تحديد حدودها من طرف واحد بدون دعم أمريكي ودولي. هذا التأييد الواسع لفكرة ترسيم الحدود من طرف واحد تعكسه الرغبة في الحفاظ على الأغلبية اليهودية للدولة، تلك الأغلبية التي دفعت معظم الجمهور اليهودي لتأييد قرار المحكمة العليا بعدم منح الجنسية الإسرائيلية لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يتزوجون من عرب إسرائيليين. 1- النصف تقريباً يعارضون خطة الانطواء في نهاية مايو الماضي توجه رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت إلى واشنطن حاملاً معه خطته المسماة (خطة الانطواء) بهدف عرضها على الإدارة الأمريكية لنيل التأييد. وعلى الرغم من بعض التحفظات الأمريكية على الخطة إلا أن 58% من الجمهور اليهودي أغلبهم من ناخبي كديما والعمل وميرتس والمتقاعدين اعتبروا أن زيارة أولمرت لواشنطن كانت ناجحة جداً، و75% من هذا الجمهور وحسب استطلاع مقياس السلام لشهر مايو 2006، يؤيدون أولمرت في موقفه الذي أعلنه في واشنطن، بضرورة وجود حدود دائمة لإسرائيل[1]. والرأي السائد لدى نسبة كبيرة من الجمهور (47%) أن مسار الحدود يجب أن يتطابق مع الجدار الفاصل، أما كيفية الوصول لذلك فاعتبرها 47% مسألة أخلاقية. هذا التكافؤ لم يكن قائماً بالنسبة لخطة فك الارتباط حتى في الأيام التي كان التأييد لها في أقل مستوياته. مع ذلك قال 67% أن إسرائيل قادرة على تنفيذ خطة الانطواء أن تقررت رغم آثار فك الارتباط الماثلة في الأذهان. وفي نفس الاستطلاع أيدت أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي 70% موقف رئيس الحكومة إيهود أولمرت الذي عبر عنه ومفاده أن لإسرائيل حق أخلاقي في تحديد حدودها بصورة أحادية الجانب. الأمر المثير هو أن أنصار اليمين يؤيدون هذا المبدأ بصورة واسعة. 90% من ناخبي الليكود يؤيدون هذا الحق الأخلاقي. 79% من كديما، 67% من ناخبي يهدوت هتوراه والمفدال/ الاتحاد وإسرائيل بيتنا. و69% من ناخبي حزب العمل. وبالنسبة للحدود الدائمة قال 55% أن إسرائيل لا تستطيع فرضها من دون دعم دولي. ويترافق الاعتقاد الواسع بأن لإسرائيل الحق الأخلاقي في فرض حدودها من دون تشاور مع الفلسطينيين، بأنها غير ملزمة بتقديم تعويضات لهم عن الأراضي التي ستُلحق بإسرائيل بأراضي مماثلة في المساحة من إسرائيل. حيث قال 51% من الجمهور اليهودي بأن إسرائيل غير ملزمة تقديم تعويضات، مقابل 40% اعتبروا أنه من الواجب تعويض الفلسطينيين بنفس الطريقة. أما أن تقرر تعويضهم رغم كل شيء فهناك أغلبية (46 %) تعتقد أن من الواجب اعطاءهم منطقة المثلث بما فيها أم الفحم وتجمعات أخرى مأهولة بالعرب. (15 %) فقط مع التنازل عن رمال حلوتسا غير المأهولة في النقب في إطار التعويض. البقية لا يعرفون أو يعارضون أية مبادلة للأراضي يتم فيها التنازل عن أجزاء من إسرائيل للفلسطينيين. يجب أن نذكر أنه حتى في أوساط ناخبي ميرتس التي كان التأييد عندهم للتنازل عن حلوتسا هو الأعلى بين كل الأحزاب (29 %) كانت هناك نسبة أعلى من ذلك في صفوفهم مؤيدة لإعطاء المثلث بدلاً من ذلك. (59 %) من الإسرائيليين يؤيدون التنازل عن مساحات من الضفة إن كان ذلك يعني ضم عدد أقل من الفلسطينيين لإسرائيل، وذلك كتأكيد على الرغبة في الحفاظ على الأغلبية اليهودية في الدولة. كذلك الحال كان هناك تأييد جارف (70 في المائة) لقرار العليا بمنع الفلسطينيين المتزوجين من إسرائيليين من الحصول على الجنسية[2]. 2- خطف الجندي يصعد المواجهة في الخامس والعشرين من يونيو الماضي، وعلى إثر عملية عسكرية قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية في كفر أبو سالم تم اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط. وقد عالج مقياس السلام لشهر يونيو 2006، آراء الجمهور اليهودي حيال هذه القضية وموقفه من تأييد فك ارتباط جديد أو انطواء وقد أظهرت مواقفه في مجملها تراجعاً ملموساً لتأييد فك الارتباط مع الفلسطينيين مقابل تأييداً للتفاوض مع حماس حول مصير الجندي المختطف. فقد حظي تصرف الحكومة الإسرائيلية بعد خطف الجندي جلعاط شليط بالتقدير الإيجابي جداً من غالبية الجمهور اليهودي، رغم اتفاق هذه الغالبية أنه ليس من العدل أن ترد إسرائيل على هذه العملية بهذه الصورة العنيفة بينما ضبطت نفسها بصورة نسبية عندما قصفت مدينة سدروت لمرات عديدة. أضف إلى ذلك أن الموقف السائد في أوساط الجمهور وخلافاً لموقف صانعي القرار هو أن على إسرائيل أن تجري مفاوضات مباشرة مع حماس حول اطلاق سراح الجندي، أما عندما يتعلق الأمر بإجراء مفاوضات سياسية مباشرة مع حماس، فالجمهور الإسرائيلي منقسم إلى شطرين مع تفوق طفيف لصالح المعارضين. وفي هذا السياق تبين أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي تتقبل الموقف الذي عبر عنه قادة الجهاز السياسي والعسكري القائل أن الهجمة الفلسطينية على الموقع الإسرائيلي في كفر أبو سالم هي "عملية إرهابية" وليست "عملية عسكرية" على الرغم من تنفيذها ضد قوة عسكرية. وترفض الأغلبية الادعاء بأن الحادث الأخير كان إخفاقاً للجيش الإسرائيلي، وتقبل الادعاء المقابل بأنه ليس من الممكن منع أحداث من هذا القبيل بصورة كاملة في ظل الضغط الذي تعمل فيه قوات الأمن. على مستوى الأداء الشخصي لكل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع، هناك نمط تقدير متباين: أغلبية (وإن كانت صغيرة) تعطي تقديراً إيجابياً لأداء أولمرت، بينما تعطي أغلبية كبيرة تقديراً سلبياً لأداء بيرتس. ولكن القائدين لا يحظيان بدعم جماهيري إيجابي بصورة خاصة. أخيراً، هناك اليوم، على خلفية ما يظهر من تدهور أمني –خلافاً للسابق- أغلبية صغيرة في أوساط الجمهور تعتقد أن فك الارتباط أحادي الجانب من قطاع غزة كان خطوة غير صحيحة، وأن خطة الانطواء التي طرحها أولمرت ليست خطوة صحيحة من حيث المصلحة القومية الإسرائيلية. وبترجمة هذه الخلاصة إلى لغة الأرقام يتضح أن: أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي بقليل 52%، يقدرون أن سلوك الحكومة إثر الاختطاف كان صحيحاً في الوقت الذي يقول ثلثهم أنه لم يكن صحيحاً. (هذا الثلث مكون بالأساس من ناخبي المعارضة من اليمين –ليكود، مفدال/اتحاد وطني، إسرائيل بيتنا). في المقابل كانت هناك أغلبية مكونة من 54% تؤيد الادعاء بعدم نزاهة رد إسرائيل بصورة قاسية، بما في ذلك اعتقال أعضاء الحكومة الفلسطينية في الوقت الذي ردت فيه على قصف سدروت بخطوات أكثر ضبطاً للنفس. من المهم أن نذكر أن قلة فقط تضامنت مع هذا الادعاء في أوساط ناخبي ميرتس، في الوقت الذي كانت فيه أغلبية مؤيدة له في أوساط ناخبي كل الأحزاب. من هنا لا يتوجب الاستنتاج بأن الجمهور ليس متعاطفاً مع مساعي إطلاق سراح الجندي المخطوف، بل أن الموقف السائد هو أن 48% قالوا بأن على إسرائيل أن تبقى ملتزمة بمبدأ إعادة الأبناء في حالة أسرهم، بينما قال الثلث فقط أن هناك مصالح أمنية أو قومية أهم أحياناً. وفي ظل تصريحات القيادة الإسرائيلية المتكررة بعد إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس لعدم اعترافها بحق إسرائيل في الوجود وتأييدها للإرهاب ضدها، تظهر المعطيات أن 50% من الجمهور يعتقدون، خصوصاً بالنسبة للجندي المخطوف، بوجوب التفاوض المباشر مع حماس. 42% يعارضون ذلك. التأييد الأقوى للتفاوض بشأن الجندي المخطوف كان في أوساط ناخبي العمل والمتقاعدين وميرتس، والأقل كان في أوساط ناخبي إسرائيل بيتنا ويهدوت هتوراة. من الناحية الأخرى كان الجمهور منقسماً في موقفه من المفاوضات السياسية -47% مع و49% ضد. أي أن الجمهور عموماً أكثر انفتاحاً من القيادة لإمكانية التفاوض مع حماس. استطلاعات مقياس السلام تشير إلى ذلك بصورة ثابتة في الأشهر الأخيرة. تقبل الأغلبية (61%) مع ذلك ادعاء القيادتين السياسية والعسكرية بأن الهجمة الفلسطينية على الدبابة في كرم أبو سالم هي "عملية إرهابية" وليست عملية حربية. 32% منهم فقط يعتبرونها عملية حربية. 47% قالوا أنه ليس من الممكن منع مثل هذه الأحداث كلياً. التدهور في الوضع الأمني والأحداث الأخيرة تسببت على ما يبدو في تغيير المواقف في أوساط الجمهور في قضية السياسة الملائمة تجاه الفلسطينيين. بهذه الطريقة اختفت الأغلبية التي كانت لمؤيدي فك الارتباط أحادي الجانب في غزة، واليوم هناك 46% فقط يعتقدون أنه كان خطوة صحيحة، بينما يقول 50% أنه كان خطوة غير صحيحة. خطة الانطواء التي كانت أقل شعبية من فك الارتباط تتمتع اليوم بتأييد 39%، مقابل 47% يرون فيها خطوة غير صحيحة. لنفس الأسباب يمكن فهم سبب اعتقاد الأغلبية بأن "المزاج القومي" سلبي و62% يعتبرونه سيئاً أو سيئاً جداً. 30% قالوا أنه جيد أو جيد جداً، بينما كانت أسوأ التقديرات في أوساط أحزاب اليمين بالطبع. 3- استمرار انخفاض التأييد للانطواء في استطلاع للرأي نفذه معهد سميث ونشرته يديعوت أحرونوت (12/7/2006) تبين أن 72% من الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن على إسرائيل أن تسقط حكومة حماس، نحو نصف الجمهور يؤيدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة و42% يعارضون. ويشير الاستطلاع إلى أن 45% من هذا الجمهور تؤيد إجراء مفاوضات مع حكومة حماس لتحقيق وقف إطلاق النار و47% يعارضون ذلك. وقد عرضت نتائج هذا الاستطلاع في اجتماع عقد في هرتسيليا بتاريخ 11/7 حول "خطة الانطواء" بمشاركة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني وأعضاء الكنيست أفيشالوم فيلان، عنتئيل شنلر، يوفيل شناتس ورون بوندك من وزارة الخارجية، اللواء احتياط غيور إيلاند، البروفيسور عوزي آراد وعكيفا إلدار. وقد طالب عضو الكنيست شنلر من كديما، رئيس الحكومة أولمرت رسم خريطة الكتل الاستيطانية التي ستبقى بيد إسرائيل، وقال أن الانطواء ينطوي على إخلاء نحو 30 ألف مستوطن وليس 70 ألفاً كما اعتقد في البداية[3]. وأكدت وزيرة الخارجية ليفني في الاجتماع بأن اللجنة برئاسة مدير عام وزارة الخارجية آهرون أبرموتيش ستعني برسم المصالح الحيوية لإسرائيل استعداداً لتطبيق الانطواء، بما فيها مسألة المعابر، تجريد المنطقة من السلاح، مسألة اللاجئين والأماكن ستبقى فيها قوات الجيش الإسرائيلي.
الهوامش:
|
|