السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الأخوة والأخوات ، اسمحوا لي باسم المبادرة الوطنية الفلسطينية وائتلاف فلسطين المستقلة أن أتوجه بالتحية والتقدير لكل أبناء وبنات شعبنا المناضل الصامد في أقسى وأصعب الظروف والمصمم على التمسك بكرامته وحقوقه الوطنية رغم شدة المعاناة وشظف العيش. وان أعبر بشكل خاص عن التقدير الذي نكنه جميعا لأسر الشهداء والجرحى وللأسرى والأسيرات البواسل في سجون الاحتلال، والذين اثبتوا تميزهم وحيويتهم مرة أخرى بمبادرتهم التي طرحوها لمعالجة الوضع الفلسطيني. وأن أتوجه بتحية التقدير والاعتزاز للفقراء والعاطلين عن العمل ولكل العاملين في القطاع العام وخاصة قطاع الصحة والتعليم ورجال الأمن والوزارات والمؤسسات المختلفة الصامدين رغم قسوة ظروفهم بانقطاع رواتبهم لثلاثة أشهر. وإننا إذ نرحب بكافة المبادرات والمقترحات التي قدمت من القوى المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني، فإننا نؤكد أن حوارنا الوطني اليوم يجب أن ينصب أولا على تحديد فهم دقيق للواقع الذي نعيشه ومن ثم تحديد آليات التأثير في هذا الواقع لمصلحة شعبنا الفلسطيني. وفي فهمنا لهذا الواقع، فان القضية الفلسطينية تعيش اليوم واحدة من أدق واخطر لحظات حياتها، بعد أن تجندت إسرائيل والحركة الصهيونية لتنفيذ مخطط شارون اولمرت لفرض وضع نهائي باستكمال بناء جدار الفصل العنصري والاستيلاء على 46% من مساحة الضفة الغربية وثمانين بالمئة من مصادر مياهها، وكل حدودها مع العالم الخارجي، وضم وتهويد القدس ومحيطها بكل مكوناتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. ولم تجرأ أية حكومة إسرائيلية من قبل على الإعلان عن مثل هذا المخطط بكل هذا الصلف والوقاحة، ودون أن تخفي أهدافها النهائية بتدمير فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وفصل قطاع غزة وتحويل الضفة الغربية إلى جيتوات ومعازل، وسجون مقطعة الأوصال وغير قادرة على الحياة. إن المغزى الحقيقي للمخطط الإسرائيلي الذي تحاول حكومة إسرائيل تجنيد القبول العالمي له، هو تدمير أهم ما أنجزناه على مدار خمسين عاما من نضال شعبنا، أي فكرة وحدة تقرير المصير للشعب الفلسطيني بكل أجزاءه في الداخل والشتات وخنقه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ومحاولة دفع اكبر جزء منه للرحيل من جديد. إن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الموحدة والتي تجمع عليها قوى الحركة الصهيونية، لا يمكن مجابهتها وإفشالها إلا باستراتيجية فلسطينية واضحة ومحددة. وفي مركز الاستراتيجية الفلسطينية يقع هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على كامل الأراضي المحتلة عام 67 دون نقصان وفي مقدمتها القدس العربية وحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والإفراج عن كافة الأسرى والأسيرات دون تمييز، وإرساء مؤسسات وبنيان الوجود الفلسطيني بما يدعم قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والبقاء والنمو وتحقيق آماله في السلام العادل والنمو والازدهار. وهي استراتيجية يجب أن تستند برأينا إلى ستة عناصر: - 1. استنهاض وتوسيع وتطوير الكفاح الشعبي الجماهيري ضد الجدار والاحتلال ومخطط اولمرت. 2. دعم قدرة المجتمع والجماهير الشعبية الفلسطينية على الصمود الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي. 3. تفعيل مساهمة أبناء الشعب الفلسطيني في المهجر والشتات في دعم هذا الصمود وإعادة بناء النسيج الوطني الجامع بين الداخل والخارج. 4. استكمال عملية الإصلاح الداخلي الشامل واجتثاث كل إشكال الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية والواسطة، وتكريس حقوق كل فلسطيني في المواطنة والمعاملة المتكافئة ونبذ الزبائنية السياسية والتمييز في التوظيف والمساعدات على أساس فئوي. 5. استنهاض أوسع حركة تضامن عربي ودولي مع شعبنا المناضل ، والاستفادة منها لعزل السياسة الإسرائيلية التوسعية وإفشال مشروع اولمرت. 6. تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وبناء قيادة وطنية موحدة وحكومة وحدة وطنية تترجم الاستراتيجية الموحدة الى فعل وتأثير موحد. لقد طالبنا منذ ستة سنوات بتشكيل قيادة وطنية موحدة، منذ أن أطلق شيخ المناضلين الدكتور حيدر عبد الشافي نداءه للوحدة الوطنية، ولو كان ذلك الشعار قد تحقق فلربما كنا اختصرنا الكثير من الالام والمعاناة والعثرات التي يعيشها شعبنا. ومع ذلك فان الوقت لم يفت على تحقيق ذلك. . لقد حققت الانتخابات الديمقراطية الرئاسية والبلدية والتشريعية للشعب الفلسطيني مكانة وإنجازا لا يمكن إنكاره، ونقلت فلسطين من نظام حكم الحزب الواحد إلى نظام التعددية السياسية بأسلوب حضاري سلمي، وتحقق تداول سلمي للحكومة. بل إن هذه الانتخابات مكنت الشعب الفلسطيني وعززت موقفه بتأكيدها:- أولا : إن الشرعية والقيادة في فلسطين لا يمكن اكتسابها بعد اليوم الا عبر صناديق الاقتراع وبالتصويت الديمقراطي الحر. وثانيا : استحالة فرض حلول منقوصة على شعبنا اذ ان كل حل يجب ان يخضع للاستفتاء الشعبي وإقرار الهيئات المنتخبة. وثالثا : إن السبيل لمعالجة الاختلافات الفلسطينية هو فقط الأسلوب الديمقراطي وعبر الحوار الحضاري. وبذلك فان التجربة الديمقراطية قد ألغت أحلام المحتلين بفرض قيادة صنيعة على الشعب الفلسطيني وتمرير حلول جائرة بموافقة فلسطينية. ولهذا فان اولمرت لا يريد التفاوض مع احد، ولا يعترف بأي شريك فلسطيني. واليوم فان الاستقطاب الجاري بين حركتي فتح وحماس والاشتباكات المؤسفة التي تندلع من فترة لأخرى تستخدم كذريعة لإثبات عدم وجود قيادة فلسطينية قادرة وللترويج للفوضى والضياع ولتغذية الانقسامات ومحاولة دفعنا إلى صدام داخلي وحرب أهلية سيكون المتضرر الأكبر منها الشعب الفلسطيني والمستفيد الأول الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته. إن الفهم الصحيح لوضعنا يمكن أن يقود لاستنتاجات صحيحة. وإذا كانت التعددية السياسية والمنافسة في العمل الوطني أمر ايجابي واليته العملية الديمقراطية وصندوق الاقتراع، فان تحويل ذلك إلى صراع عنيف على السلطة إنما يتجاهل عددا من الحقائق الأساسية في الوضع الفلسطيني، ومنهـا:- 1 - إن السلطة القائمة هي بنيان يتمتع بصلاحيات محدودة وهو محكوم بوجوده مع شعبه تحت الاحتلال الكامل. 2 - إن الخروج الإسرائيلي من غزة لم يكن سوى إعادة انتشار استبدل الاحتلال المباشر بالاحتلال الالكتروني وأبقى بيد إسرائيل مفاتيح التحكم والسيطرة براً وبحراً وجواً. 3 - إننا نعيش في مرحلة تحرر وطني وما زلنا نكافح احتلالاً يحاصرنا ويخنق مناحي حياتنا ويجتاح مدننا وقرانا ومخيماتنا يومياً ولسنا في دولة مستقلة يمكن أن تتنافس الأحزاب فيها على السلطات الكاملة وتفرط في تعصبها الفئوي والفصائلي على حساب المصلحة الوطنية العليا. 4 - لا توجد في فلسطين قوة سياسية واحدة، بما في ذلك حركتي فتح وحماس، تستطيع منفردة أن تقود بنجاح النضال الوطني الفلسطيني أو السلطة الفلسطينية. كما لم يعد ممكناً قيادة السلطة الفلسطينية أو حركة التحرر الوطني بالأساليب والطرق السابقة وبدون قيادة موحدة واستراتيجية موحدة ورسالة موحدة لشعبنا وللعالم بأسره. تماما مثلما أن الحكومة الفلسطينية لا تستطيع أن تمارس دورها دون أن تتحمل نتائج سياساتها وتأثيرها على الجمهور ووضع القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة المحلية والعربية والدولية. واذا كانت جماهير شعبنا تراقبنا اليوم وينتابها قلق عظيم بأن هذا الحوار لن يكون سوى لقاءات خطابية شكلية تعيد ما تميز به للأسف الوضع العربي بتكرار كلام كثير لن يوضع موضع التطبيق. فاننا نعلم ان افئدتها مليئة بالأمل بان نفاجئها بان هذا الحوار سيثمر نتائج ملموسة تعيد لها ثقتها بمؤسساتنا السياسية وتضع امامها خطة ملموسة لكسر الحصار الظالم وتوفير لقمة العيش الكريم، واستراتيجية جامعة توحد قلوبنا وعقولنا وطاقاتنا، وتحمي وحدتنا الوطنية. إن الحد الأدنى لما يجب أن نخرج به خلال هذين اليومين هو التوافق الكامل على درء كل أشكال الاقتتال والصراع الداخلي، وتكريس الحوار كمرجعية لحل كل اختلاف، وإنهاء التنازعات داخل الأجهزة الأمنية، وإزالة كل مظاهر الفلتان الأمني ومظاهر العسكرة في المجتمع ومؤسسات الحياة المدنية، وتحريم كل اقتتال أو اشتباك داخلي واحالة كل من يتورط فيه أيا كان اتجاهه أو فصيله وانتماءه الى القضاء وحكم القانون. وإرسال رسالة لشعبنا بأننا سنحمي ونصون وحدتنا الوطنية بالممارسة قبل الخطابات. أما الهدف المباشر الثاني فهو التوافق على خطة عمل مشتركة لكسر الحصار الاقتصادي على شعبنا بدءاً من تطوير التكافل الاجتماعي الى خطة عمل لفك الحصار على الصعيدين العربي والدولي. أما عمل لجان الحوار التي ستنبثق عن مؤتمرنا، فيجب أن يحدد له سقف زمني لا يتجاوز أسابيع محدودة، ونقترح أن تحدد له أهدافا محددة بما في ذلـك:- I - التوافق على برنامج سياسي وطني مشترك يمكن أن يشكل أرضية لتحقيق قيادة وطنية موحدة وحكومة وحدة وطنية ويشمل : أ ) الإجماع على وثيقة الاستقلال. ب) الدعوة لمؤتمر دولي بالاستناد إلى المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية المناصرة للشعب الفلسطيني، بهدف انتزاع زمام المبادرة من يد الحكومة الإسرائيلية وتقديم بديل ملموس لخطة اولمرت الانفرادية. ج) تطبيق خطة الإصلاح والتطوير الداخلي. د ) إصلاح الأجهزة الأمنية بما يلغي تسييسها الفصائلي، ويكرس استقلاليتها وخضوعها لسيادة القانون والقضاء. II - اعتماد المبدأ الديمقراطي في إصلاح وتطوير وإعادة بناء منظمة التحرير وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في حوار القاهرة، وفتح أبوابها لدخول القوى الرئيسية الثلاث التي ما زالت خارجها حماس والمبادرة الوطنية والجهاد الإسلامي، وتشكيل قيادة وطنية موحدة باستراتيجية وطنية موحدة من خلالها، والمباشرة في إعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني عبر آليات الانتخاب الديمقراطي بمشاركة أبناء شعبنا في الشتات. III - تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج قاسم وطني مشترك بما يضمن إفشال وفك العزلة عن الشعب الفلسطيني وتفعيل طاقاته وإنعاش اقتصاده، ومن الطبيعي إن البرنامج الوطني المشترك لن يكون برنامج حماس ولا برنامج فتح ولا أي فصيل آخر، بل برنامج الإجماع والقواسم المشتركة دون ان يحرم ذلك أي طرف من الاحتفاظ برؤيته وبرنامجه الخاص. V - خطة عمل مثابرة على الصعيد الدولي لاستثمار وتطبيق قرار محكمة لاهاي ضد جدار الفصل العنصري والاستفادة منه في محاصرة وتطويق مخطط اولمرت وإفشال مساعيه الدولية للحصول على قبول لخططه، ولاستنهاض وتوسيع حركة تضامن عربية ودولية مساندة لحقنا في الحرية والاستقلال. IV - التوافق على خطة تفصيلية لضبط الفلتان الأمني والتعديات على المؤسسات العامة والمواطنين وممتلكاتهم. والمباشرة في تنفيذ برنامج لإصلاح الأجهزة الأمنية يشمل: أ ) إلغاء تسييسها الفصائلي، وامتناع منتسبيها عن ممارسة أي نشاط حزبي أو فصائلي. ب) امتناع قادتها عن ممارسة أي نشاط إعلامي أو اقتصادي. ت) خضوعها لسيادة القانون والقضاء. ث) إعادة تأهيل قسم واسع من منتسبيها، بما يضمن إعادة توظيفهم في قطاعات إنتاجية تحسن مداخيلهم وتوفر لهم فرص عمل منتج وفعال، وتقليص عدد العاملين في الأجهزة الأمنية وإعادة توزيع بنود الموازنة الفلسطينية لإسناد قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وتطوير الاقتصاد الوطني. VI - برنامج جماعي ومشترك لإسناد صمود شعبنا ودعم فئاته المتضررة من الجدار والاحتلال والحواجز والحصار، ولإسناد الأسرى والأسيرات البواسل وعائلاتهم وعائلات الشهداء والجرحى والفقراء والعاطلين عن العمل بما يحفظ كرامتهم ويعزز صمودهم. VII - تطوير وتفعيل القضاء المستقل، وتفعيل دور المجلس التشريعي في بناء سلطة القضاء المستقلة بشكل كامل من السلطتين التنفيذية والتشريعية. إننا نواجه خطراً مشتركاً، ولن نستطيع مجابهة هذا التحدي إلا ببناء جبهة موحدة. وإننا إذ نتوجه باسم المبادرة الوطنية وفلسطين المستقلة بالتحية إلى كل أبناء شعبنا، فإننا نشكر كل من ساهم بإخلاص في الإعداد لإنجاح هذا الحوار الوطني، آملين أن نوفق في الوصول إلى ما يلبي طموحات وآمال شعبنا وتطلعه إلى تحرير أسراه وبناء وطن حر مستقل يسوده الأمن والعدالة والنزاهة والعيش الكريم. المبادرة الوطنية الفلسطينية وائتلاف فلسطين المستقلة
المصدر : http://www.almubadara.org
|
|