بسم الله الرحمن الرحيم أيتها الأخوات أيها الإخوة يا أبناء شعبنا العربي الفلسطيني في الوطن والشتات ثمانية وخمسون عاماً مرت على النكبة التي حلت بشعبنا، يوم اقتلع مئات الآلاف من بيوتهم وممتلكاتهم، ثمانية وخمسون عاماً من الآلام والدموع، ومن الصبر والصمود والتضحيات، جعلت من قضيتنا نموذجاً لانعدام العدالة، وعدم احترام قرارات الشرعية الدولية. أجيال خلف أجيال ولدت في مخيمات اللجوء، أو تحت الاحتلال، ظلم وقمع لا مثيل لهما، ومحاولات لطرد من تبقى من أهلنا في وطنهم، ومحاولات لا عدّ ولا حصر لها لإجبار الفلسطينيين على التوطين، أو الهجرة إلى المنافي البعيدة. ولكننا لم نستسلم، ولم نرضخ، فكانت ثورتنا التي انطلقت في الفاتح من عام 1965 لتقول للعالم أجمع، شعب فلسطين لم يمت، شعب فلسطين لم يُنس. أين نحن اليوم، رغم كل الصعوبات، مما كان يخطط لنا، بأن الكبار سيموتون وأن الصغار سينسون؟ أعلم علم اليقين أيتها الأخوات والإخوة، صعوبة الظروف التي يعيشها شعبنا في الشتات، وخاصة المخيمات في لبنان والعراق، كما أُدرك حجم الحنين للوطن من قبل مئات الآلاف الذين قادهم القدر إلى منافٍ بعيدة. وأعيش يومياً معاناة شعبنا في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. وأتذكّر، وأترحّم على من هم أقدس منا جميعاً . . . الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطن حر ومستقل وسيد لنا ولأولادنا وأحفادنا، فرحمة الله على القائد الرمز ياسر عرفات، وعلى كل إخوانه الشهداء، ووعدنا وعهدنا لهم جميعاً سنواصل المسيرة حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وباسمكم جميعاً أتوجه بالتحية والإكبار العاليين لجرحانا، ولأسر شهدائنا، وإلى أبطالنا وبطلاتنا الأسرى في السجون الإسرائيلية وأقول لهم، إن قضيتهم هي مركز اهتمامنا الأول، وإننا نتطلع إلى رؤيتهم جميعاً أحراراً طلقاء من غياهب سجون الاحتلال البغيض، وأحيي مبادرتهم البناءة بشأن وثيقة الوفاق الوطني، التي تطرح أسس برنامج مشترك للخروج من الأزمة الراهنة. أخواتي وإخواني، أيها المحرومون في وطنهم، والمحرومون من وطنهم، أتحدث إليكم اليوم، في ذكرى النكبة، وسأكون صريحاً وواضحاً معكم كما كنت دائماً فالمسؤولية تقتضي مصارحة الشعب بالحقيقة، دون أوهام أو وعود زائفة، فمنظمة التحرير الفلسطينية التي قادت نضال الشعب الفلسطيني في ظل أصعب الظروف وأعقدها، ما كان لها أن تبقى على قيد الحياة، وأن تحصل على الاعتراف العربي والدولي، لولا إقدامها إلى جانب كفاحها المسلح العنيد، على مبادرات سياسية شجاعة، بحيث تم الاعتراف بالهوية الوطنية الفلسطينية، بعد سنوات طويلة من اختصار قضية فلسطين، على بعدها الإنساني، كقضية لاجئين. وفي هذا المقام، لن أنسى التضحيات التي قدمها الأشقاء العرب من أجل قضيتنا، فامتزج الدم الفلسطيني بالدم العربي، واحتلت قضية فلسطين مركز الاهتمام الأول لأمتنا العربية. بالصبر والصمود، والحكمة والواقعية، أوصلنا قضيتنا إلى مختلف أرجاء العالم، وتمكنا بمساعدة الأشقاء العرب والمسلمين والدول الصديقة من الحصول على قرارات دولية ثبتت حقنا في تقرير المصير في وطننا. عبر نضالنا السياسي، وانطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا، تقدمنا عبر سنوات النكبة والنضال، بمبادرات كان منها اقتراح إقامة دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين، ثم برنامج النقاط العشر، وإعلان الاستقلال، والمشاركة في مؤتمر مدريد، واتفاق إعلان المبادئ في أوسلو.وعلى الصعيد العربي، كانت هناك عدة مبادرات، آخرها وأهمها المبادرة العربية التي أقرت في مؤتمر القمة في بيروت. إن هذه الإنجازات والمكاسب التي استطعنا أن نراكمها عبر السنين يجب الحفاظ عليها لأنها أسست لاعتراف العالم بحقوقنا في تقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه على أساس قرار الأمم المتحدة 194. يا أبناء شعبنا الصامد البطل من حق كل فلسطيني أن يفخر بتجربتنا الديمقراطية، فقد أجرينا انتخابات حرة ونزيهة شهد العالم بشفافيتها في ظل ظروف بالغة التعقيد وتحت حراب الاحتلال، حيث أجرينا الانتخابات الرئاسية والبلدية والتشريعية، وقد أدت انتخابات المجلس التشريعي إلى حصول حركة حماس على أغلبية مقاعد المجلس، وقمت وبموجب صلاحياتي الدستورية بتكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة، حيث تضمن خطاب التكليف نصاً واضحاً وهو ضرورة التزام الحكومة بالقرارات والاتفاقيات الموقعة سابقاً من قبل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، واحترام القرارات العربية والدولية، التي تشكل مصدر قوة لنا، والالتزام بالنهج التفاوضي ونبذ العنف بأشكاله كافة. كنت أُدرك، أيها الإخوة، وكما تعلمون جميعاً، أن الجانب الإسرائيلي يبحث عن أية ذريعة للادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني، لكي يواصل خطته الأحادية الجانب التي تستهدف الاستيلاء على قسم كبير من مساحة الضفة الغربية، تشمل القدس ومنطقة الأغوار، وضم ما يسمى بالكتل الاستيطانية الكبرى، وهو ما يعني عملياً القضاء على الحل القائم على أساس الدولتين، حسب رؤية الرئيس بوش، وحسب ما ورد في خطة خارطة الطريق التي أقرها مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 1515. الوضع كما أراه الآن، يتطلب من المجتمع الدولي عدم معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي. وبهذه المناسبة أعبر عن شكرنا لقرار اللجنة الرباعية أخيراً، وأرجو سرعة إيصال الرواتب لعشرات آلاف من الموظفين. أما الحكومة الإسرائيلية فعليها بالإضافة إلى الإفراج عن أموالنا المحتجزة لديها، التراجع عن الحل أحادي الجانب، لأنه سيقضي على عملية السلام إلى الأبد، وسيشعل المنطقة ويزيدها تطرفاً. إن المرحلة خطيرة، وخطيرة جداً، فإسرائيل تواصل حصار وعزل القدس، والإسراع في استكمال بناء جدار الفصل العنصري، والاجتياحات يومية لمدننا وقرانا ومخيماتنا، وكذلك عمليات القتل، والاغتيال، والاعتقال، لأبناء شعبنا والتدمير والتجريف لأراضينا، فضلاً عن مئات الحواجز العسكرية التي تمزق أوصال أرضنا، وتحيلها إلى بانتوستانات متفرقة ومعزولة عن بعضها، يضاف إلى كل هذا الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تأخذ طابع العقاب الجماعي لشعبنا. إن هذه الأمور الخطيرة تقتضي تحمل الجميع لمسؤولياتهم، فعلى إسرائيل التوقف عن كل ما تقوم به من أعمال عسكرية تؤدي إلى مقتل مواطنين أبرياء، كما يجب التوقف عن إطلاق الصواريخ العبثية التي غالباً ما تعطي مبرراً لإسرائيل لتصعيد عدوانها ضد أهلنا في قطاع غزة. ولا يجوز الاكتفاء بالخطب النارية والشعارات، وما يمكن أن تجره من عزلة دولية، والأخطر من كل ذلك أن توقعنا في المطب الذي تريده إسرائيل، وهو رفض التفاوض بحجة عدم وجود الشريك. لقد دعوت إلى حوار وطني بين مختلف الفصائل والقوى، فالمرحلة تقتضي رص الصفوف، وتعزيز اللحمة والحفاظ على تماسك مجتمعنا ووحدتنا الوطنية، وتغليب لغة الحوار والتفاهم والاتفاق والتوافق على أي لغة أخرى، وعلى كافة الفصائل أن تلتزم بشعار حرمة الدم الفلسطيني تحت كل الظروف. أيتها الأخوات أيها الإخوة هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا اليوم، يوم النكبة، فهناك موضوع منظمة التحرير الفلسطينية التي هي بيتنا جميعاً فصحيح أنها تحتاج إلى تطوير وتجديد، ولكنها اليوم كما كانت بالأمس الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني فهي الإطار الذي يجمع شعبنا، وهي المرجعية السياسية العليا، وقد بذلت تضحيات جسام وجهود كبيرة ودماء غزيرة في سبيل الاعتراف بوجودها وكينونتها وصفتها التمثيلية لشعبنا. إن أولى أولوياتنا هي رفع الحصار الاقتصادي والسياسي عن شعبنا وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولتنا. أخيراً أقول لجيراننا الإسرائيليين، إننا نريد صنع سلام عادل ودائم معكم. نريد مستقبلاً أفضل لأبنائنا وأبنائكم، فتعالوا لنجعل من هذا العام عام السلام، ولنجلس إلى طاولة المفاوضات، بعيداً عن سياسة الإملاءات والحلول الأحادية الجانب، وليتوقف التذرع بعدم وجود شريك فلسطيني، فالشريك موجود، ونحن نمد يدنا إليكم لنصنع السلام؛ سلامٌ نسعى لتحقيقه عبر التفاوض، سلامٌ على العالم وبخاصة المجموعة الرباعية، أن توليه جل اهتمامها، فتبادر إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وخطة خارطة الطريق، بحيث يصبح الحلم حقيقة . . . سلام تقوم بموجبه دولة فلسطينية حرة ديمقراطية عاصمتها القدس الشريف. وفي الختام أيها الأخوات الإخوة، أجدد تحياتي لكل فرد منكم، معاهداً الجميع على التمسك بثوابتنا الوطنية، وبذل أقصى الجهد لوضع حد لمأساة شعبنا التي بدأت في مثل هذا اليوم من عام 1948. تحية إلى شعبنا الصامد الصابر. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والحرية لأسرانا البواسل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر : وفـا 15-5-2006
|
|