د. خالد شعبانتعتبر القدس إحدى الاشكاليات الكبيرة المتعلقة بتسوية القضية الفلسطينية، حيث يعتبرها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، حيث يحرص كلا الطرفين على إثبات سيادته على المدينة، فالطرف الفلسطيني يحرص دائماً على إثبات فلسطينية القدس من خلال مجموعة من الإجراءات يأتي في مقدمتها الانتخابات العامة ووجود مؤسسات فلسطينية، باعتبار القدس أرضاً فلسطينية وهي جزء من أراضي الضفة الغربية. ولذلك فقد احتلت القدس العناوين الأبرز لبرامج الأحزاب الانتخابية، وبرامج المستقلين، حيث لوحظ تقاطع كبير بين هذه البرامج للأحزاب والمستقلين باعتبار القدس هي جزء من الدولة الفلسطينية وعاصمتها الأبدية، بالإضافة إلى دعم مواطني القدس في شتى المجالات. وبالنسبة لإسرائيل فهي تسعى جاهدة لتعزيز سيادتها على القدس محاولة منع أي نشاط فلسطيني مؤسساتي أو فردي ينتقص من سيادتها على المدينة. ومع ذلك فإن الانتخابات الفلسطينية في القدس جرت حسب ما جاء في اتفاقية واشنطن 28/9/1995 حيث حملت الاتفاقية المرحلية الانتقالية[1]، فقرات خاصة بذلك (المادة 6 من الملحق الثاني) حيث جاء فيها أن الاقتراع يتم في القدس الشرقية من خلال مكاتب البريد وهذه المكاتب تتبع السلطة الإسرائيلية، وهي خمسة مكاتب تضم 11 محطة اقتراع، وهذه المكاتب هي: مكتب البريد في شارع صلاح الدين (7 محطات)، مكتب البريد في باب الخليل– البلدة القديمة (محطة واحدة)، مكتب البريد في شعفاط (محطة واحدة)، مكتب البريد- بيت حنينا (محطة واحدة)، مكتب البريد في جبل الزيتون- الطور (محطة واحدة). وفي هذا التقرير سنقدم عرضاً لإجراء الانتخابات في مدينة القدس. * دائرة القدس الانتخابية تنقسم دائرة القدس الانتخابية جغرافياً إلى منطقتين هما: 1- القدس الشرقية وهي التي تم احتلالها عام 1967، وتسيطر عليها إسرائيل سيطرة تامة وتُطبق فيها القوانين الإسرائيلية، ويخضع سكانها لإدارة بلدية القدس، ويقطنها 250 ألف فلسطيني يتوزعون على مناطق شعفاط ومخيمها، بيت حنينا، البلدة القديمة، جبل المكبر، السواحرة الغربية، سلوان، الطور، بيت صفافا، شرفات، صور باهر، إم طوبا والغزيل، العيسوية. ويحمل سكان هذه المناطق الهوية الإسرائيلية زرقاء اللون، وترتيبات الانتخابات لسكان هذه المناطق يتم حسب اتفاقية واشنطن 28/9/1995. 2- ضواحي القدس وهي المنطقة التي تقع خارج القدس الشرقية ويقطنها ما يقارب (145) ألف فلسطيني يحملون الهوية الفلسطينية. وتعتبر إسرائيل أن هذه المنطقة هي جزء من الضفة الغربية وتتضمن 27 قرية وبلدة مثل بيرنبالا، جبع، أبو ديس ... إلخ، والانتخابات تجري فيها كباقي المناطق الفلسطينية. * السياسات الإسرائيلية رغم وجود الاتفاقات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني-والإسرائيلي لإجراء الانتخابات، فإن إسرائيل عمدت إلى اتخاذ بعض الخطوات والإجراءات التي تعيق وتحول دون ممارسة القوى والأفراد المرشحين للانتخابات حقوقهم الانتخابية، مثل إجراء الدعاية الانتخابية مثل لصق الصور أو الخطب والحوارات الجماهيرية، بالإضافة إلى إعاقة عمل تسجيل الناخبين، وتنفيذ بعض الاعتقالات، وإثارة بعض الاشاعات مثل حذف اسم حركة حماس من أوراق الاقتراع، بالإضافة إلى عمليات الاعتقال والاعتداء الجسدي على بعض المرشحين، وإغلاق مكتب لحركة حماس قبل ستة أيام من إجراء الانتخابات، كما تم اعتقال أحمد عبد الرحمن مرشح حركة فتح خلال مهرجان انتخابي، كما استمرت إسرائيل في مماطلتها للفلسطينيين في إجراء الانتخابات في القدس الشرقية حتى قبل عشرة أيام من إجراء الانتخابات العامة فقط، حيث جاءت موافقة الحكومة الإسرائيلية في 15/1/2006 فقط. وقد اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي المستقيل سلفان شالوم أن هذه الموافقة هي تنازل وتجاوز للخطوط الحمر[2]، ويبدو أن موافقة الحكومة الإسرائيلية قد جاءت بعد عملية ضغط متواصلة من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فإن القرار شمل فقط عملية التصويت ولذلك لم يكن مسموحاً بإقامة أية حملات دعائية للمرشحين، في القدس الشرقية الأمر الذي أثار حفيظة جميع المرشحين وأدى في النهاية إلى وجود حملة انتخابية باهتة. * عملية تسجيل الناخبين شكلت عملية تسجيل الناخبين في القدس الشرقية عقبة كبيرة أمام لجنة الانتخابات المركزية، حيث أغلقت الحكومة الإسرائيلية مكتبين لتسجيل الناخبين واعتقلت موظفي المركزين، كما أصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أمراً بعدم عمل موظفي لجنة الانتخابات المركزية في القدس، وبدا واضحاً أن هناك سياسة إسرائيلية تحاول منع إجراء الانتخابات في القدس، وهو ما يخالف الاتفاقات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد اتخذت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية قراراً بعدم الإشراف على الانتخابات إن لم يتم إجراؤها في القدس، هذا مع العلم أن إسرائيل سمحت سابقاً بعملية تسجيل الناخبين من بيت لبيت وكذلك القيام بعملية تثقيف للناخبين موضحة أهمية إجراء الانتخابات في القدس وكيفية الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات من خلال مكاتب البريد. * الدعاية الانتخابية وهي أيضاً تتبع الاتفاقية الموقعة في واشنطن، حيث يجب تنسيق كل خطوة انتخابية تجري في القدس الشرقية مع الجانب الإسرائيلي، ورغم ذلك فإن إسرائيل لم تحترم الاتفاقية وكانت سياسة المماطلة والتسويف هي الطابع الأساسي للإجراءات الإسرائيلية، فحسب الاتفاقية فإن لصق الصور وتوزيع النشرات وعقد الاجتماعات الجماهيرية الانتخابية هي بحاجة إلى تقديم طلب إلى وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية التي تقوم بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ويجب أن تقدم هذه الطلبات قبل 24 ساعة على عقد الاجتماعات. كما أن الملصقات يجب أن تكون في أماكن محددة ومدفوعة الثمن ومع ذلك فقد منعت الشرطة الإسرائيلية بالقوة محاولات المرشحين الفلسطينيين لصق أو إقامة أية تجمعات انتخابية، وتم اعتقال بعض المرشحين ومؤيديهم وفرض غرامات مالية باهظة عليهم، كما منعت إرتداء الرموز الفلسطينية مثل لبس الكوفيات الفلسطينية[3]. وهذا يعتبر تدخلاً فاضحاً في الانتخابات الفلسطينية في محاولة للتأثير على نسبة المشاركة في التصويت. * مراكز الاقتراع بعد جولة من المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سمحت الحكومة الإسرائيلية للجنة الانتخابات المركزية بافتتاح 3 مراكز لتوزيع بطاقات الناخب على حاملي بطاقة الهوية الزرقاء، وذلك من أجل التصويت في مراكز البريد، التي بلغ عددها ستة مراكز وتشتمل على 12 محطة انتخابية تقدر سعتها بـ 6300 ناخب، كما دعت اللجنة ناخبي القدس الذين لم يتمكنوا من الحصول على بطاقة الناخب من التسجيل في ضواحي القدس حيث تم نشر 14 مركز اقتراع، وهي كالتالي كما تم توزيعها في البريد وفي الضواحي[4]. مراكز البريد في القدس الشرقية المخصصة لعملية الاقتراع
مراكز الاقتراع في ضواحي مدينة القدس
يوم الانتخابات كما ذكرنا سابقاً، فإن العدد الحقيقي لمن يحق له التصويت في القدس 123 ألف ناخب، يصوت منهم في البريد 6300 ناخب. وقد أعاقت الإجراءات والحواجز الإسرائيلية وصول المقترعين إلى مراكز البريد، كما منعت المرشحين متابعة العملية الانتخابية، ومنعت أيضاً تغطية الصحفيين ليوم الانتخابات، كما منعت قوات الجيش الإسرائيلي رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع من تفقد صناديق الاقتراع، هذا بالإضافة إلى محاولات بعض أنصار اليمين المتطرف الاعتداء على بعض المراكز الانتخابية واقتحامها والاعتداء على الناخبين، وكذلك تظاهر بعض أعضاء الكنيست المتطرفين المحسوبين على اليمين للاعتراض على إجراء الانتخابات في القدس[5]. ورغم هذه الاجراءات إلا أنها لم تمنع الفلسطينيين من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات وممارسة حريتهم بالإدلاء بأصواتهم في مكاتب البريد أو في ضواحي القدس وهو ما يؤكد على عروبة القدس.
نتائج الانتخابات لابد من التنبيه أولاً على أن عملية فرز أوراق الاقتراع للذين صوتوا من خلال مراكز البريد تجري في مكتب دائرة القدس، بعد أن يتم نقل هذه الأوراق إليها بعد الانتهاء من عملية التصويت. وقد بلغت نسبة التصويت (61.57%) وهي أقل نسبة تسجل في المحافظات الفلسطينية، ويعود السبب الأساس في هذا الانخفاض إلى السياسات الإسرائيلية التي حالت دون إجراء الانتخابات بشكلها الطبيعي، وفيما يلي نتائج الانتخابات في القدس على مستوى القوائم[6].
جدول يوضح عدد الأصوات التي حصلت عليها القوائم في القدس
يبين الجدول السابق مدى الصراع بين حركة التغيير والاصلاح وحركة فتح على أصوات الناخبين في مدينة القدس، وحسمت حركة التغيير والإصلاح المعركة لصالحها بما يقارب ألفي صوت، كما حصلت معظم القوائم المتنافسة على أصوات متباينة من ناخبي القدس، ولكن ما يلفت النظر هو الكم الهائل من الأصوات الذي يفصل بين ما حصلت عليها القائمة الثانية التي تمثل حركة فتح (13.698) والثالثة قائمة البديل والتي حصلت على (2282) فقط، وهو ما يوضح حجم المنافسة الكبيرة بين قائمة التغيير والاصلاح وحركة فتح. وكذلك فقد أوضحت نتائج الانتخابات حسب الدوائر تفوق مرشحي حركة التغيير والإصلاح على ما دونهم من المرشحين الآخرين، وهو ما يوضح التقدم الكبير الذي حظيت به الحركة. وفيما يلي توزيع أصوات ناخبي القدس[7].
وفيما يلي توزيع الأصوات على مرشحي دائرة القدس والذي بلغ عددهم 39 مرشحاً منهم (29) مرشح مستقل تنافسوا على 6 مقاعد إثنان منها كوتة مسيحية، جدول يوضح توزيع الأصوات على مرشحي دائرة القدس[8]
يتضح من الجدول السابق أن مرشحي حركة التغيير والاصلاح فازوا وحصلوا على معظم أصوات ناخبي الدائرة، ويكاد الفارق بين ما حصل عليه أعضاء التغيير والإصلاح وبعض مرشحي حركة فتح يصل إلى النصف، كما يلاحظ أن الفائزين من حركة فتح فازوا بسبب كونهم كوتا مسيحية، يضاف إلى هزيمة فتح الكبيرة في القدس أنها جاءت على الرغم من أن مرشحيها من القيادات الفتحاوية والتي عملت في مجال م.ت.ف فترة زمنية كبيرة مثل عثمان أبو غربية وأحمد عبد الرحمن، أو مثل حاتم عيد العضو السابق في المجلس التشريعي، أو جيل الشباب الفتحاوي مثل أحمد غنيم، ولا يمكن تفسير هذه الخسارة خارج النص العام إلا أن سوء الإدارة والفساد والمحسوبيات .... إلخ هي التي أدت في النهاية إلى خسارة فتح، ليس في القدس وحدها بل في معظم المدن الفلسطينية، كما أكدت آراء المحللين. خاتمة إن مجرد إجراء الانتخابات في القدس يعتبر انتصاراً للفلسطينيين، وهو يؤكد أن القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن الإجماع الفلسطيني حول إجراء الانتخابات في القدس جاء بتصميم من كل القوى التي شاركت في الانتخابات، انطلاقاً من إدراكها بأن الحكومات الإسرائيلية تسعى جاهدة لإنهاء الوجود الفلسطيني المؤسساتي في القدس فبيت الشرق تم إغلاقه وكذلك باقي المؤسسات الفلسطينية، ولذلك كان عدم إجراء الانتخابات في القدس يحمل في ثناياه ضياع القدس بالمعنى السيادي والوطني. ولا شك أن فوز حركة التغيير والإصلاح في الانتخابات واحتمال أن تشكل الحكومة، قد فتح ملف القدس من جديد من أجل ترتيب قضية القدس والوجود الفلسطيني في القدس، فالقدس ستكون عنوان المرحلة السياسية القادمة. الهوامش: [1] دائرة شؤون المفاوضات، الاتفاقية الإسرائيلية/الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية لقطاع غزة، واشنطن، 28/9/1995، ص139-140. [2] Arabs48.com 15/1/2006. [3] الأيام، 20/1/2006. [4] Elections.ps [5] القدس، 26/1/2006. [6] Elections.ps [7] المرجع السابق. [8] المرجع السابق.
|
|