غور الأردن على طريق الضم

جمال البابا

تعتبر منطقة الأغوار جزءاً من الانهدام الأفرو آسيوي الذي يمتد من جنوب تركيا إلى كينيا، وتبدأ حدود هذه المنطقة في الضفة الغربية من قرية بردلة في شمال الأغوار إلى رأس البحر الميت في الجنوب، وذلك على محور طوله 75كم. ويحد هذه المنطقة من الشرق نهر الأردن ومن الغرب شريط من الهضاب الممتدة من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، ويبلغ عرض المنطقة في المتوسط نحو 15 كم، وعلى الرغم من عدم وجود تقدير رسمي لمساحة الأغوار إلا أن بعض المصادر المتخصصة قدرتها بنحو 1100كم2 تعادل نحو 20% من مساحة الضفة الغربية[1].

وتتميز منطقة الأغوار بعدد من الخصائص الطبيعية التي تترتب عليها انعكاسات اقتصادية خاصة، ولعل أهم هذه الخصائص هو الانخفاض الكبير في المنسوب، حيث تقع تحت سطح البحر بحوالي 250-400 متر، ويؤدي ذلك بالإضافة لمؤثرات جغرافية أخرى إلى ارتفاع نسبي كبير في درجات الحرارة، بحيث يصل معدل درجات الحرارة القصوى خلال أشهر الصيف إلى حوالي 43 درجة مئوية. ومن شأن ذلك أن يحد كثيراً من إمكانيات الزراعة الصيفية، ولكن الارتفاع النسبي لدرجات الحرارة خلال موسم الشتاء بحيث يصل معدل الحرارة العظمى 21 درجة مئوية يحول المنطقة إلى بيئة مناسبة لإنتاج الخضار في غير مواسمها الرئيسية.

وتتميز منطقة الأغوار كذلك بالانخفاض الشديد في معدل سقوط الأمطار، حيث يتراوح معدلها السنوي من 150-200 مليمتر في شمال الأغوار وأقل من 120 مليمتراً في منطقة أريحا. ومن شأن ذلك أن يزيد كثيراً من الاعتماد على مياه الري لأغراض الزراعة التجارية. وفيما يتعلق بسطح الأرض فإن منطقة الأغوار تمتاز بالاستواء نسبياً باستثناء الأخاديد التي تتخلل السفوح المحاذية للنهر، وهذا يعني أن إمكانية التوسع في المساحة المزروعة كبيرة جداً، ولكن هذا لا ينفي أن التربة بحاجة لعمليات استصلاح قبل استخدامها لأغراض الزراعة، لأن تربة الغور تتميز بارتفاع نسبة الملوحة فيها وذلك نتيجة لانحسار مياه البحر الميت عنها عبر السنوات الماضية[2].

موارد المياه

تعتبر منطقة الأغوار من المناطق المتميزة نسبياً بوفرة مواردها المائية رغم أن جزءاً كبيراً منها غير مستغل لأسباب سياسية، ولعل أهم الموارد المائية المتوفرة للاستخدام في الوقت الراهن هي ينابيع المياه المتواجدة في السفوح الجبلية المطلة على المنطقة، حيث يتصل عدد كبير نسبياً من الينابيع بهذه المنطقة، ويتفاوت حجم التصريف السنوي لعيون منطقة الأغوار من منطقة إلى أخرى حيث يتراوح من 40-60 مليون متر مكعب سنوياً، باستثناء العيون التي تنتج مياهاً مالحة لا تصلح للأغراض الزراعية مع الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من التصريف السنوي للعيون (30-50%) ينساب سدى في الوديان بسبب عدم وجود إمكانياً لتخزينه واستخدامه عند اللزوم.

أما المصدر الثاني للمياه فهو الآبار الجوفية، حيث يوجد في المنطقة 133 بئراً، يستخدم غالبيتها الساحقة للأغراض الزراعية، وتقدر كمية المياه المستخرجة من هذه الآبار بنحو 16 مليون متر مكعب، وتعاني الآبار كذلك من مشكلات جوهرية ناجمة عن انخفاض كفاءتها الانتاجية وارتفاع تكاليف استخراج المياه. ولم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحفر 35 بئراً في تلك المنطقة منذ بداية الاحتلال بقدرة انتاجية تقدر بنحو 40 مليون متر مكعب، بل فرضت قيوداً على حفر أي آبار جديدة للفلسطينيين في المنطقة، فقد قامت سلطات الاحتلال بإغلاق الآبار الفلسطينية الواقعة فيما يسمى مناطق عسكرية، كما حدث في منطقة مرج نعجة[3].

توزيع الآبار الجوفية المستغلة في منطقة الأغوار[4]

المنطقة

عدد الآبار

الكمية المستخرجة (مليون م3)

أريحا

57

5.0

العوجا

8

0.7

الجفتلك

35

4.8

مرج نعجة

11

1.4

بردلة

1

2.5

المجموع

112

14.4

 

أما نهر الأردن الذي يعتبر المورد الأول للمياه في المنطقة فقد فرضت عليه إجراءات إسرائيلية حرمت الفلسطينيين من حقهم المشروع في حصتهم من موارد مياه حوض نهر الأردن والتي خصصت لهم بموجب مشروع جونسون والتي تقدر بنحو 250 مليون متر مكعب، هذه الكمية تم الاستيلاء عليها كلياً من قبل إسرائيل منذ مطلع الستينات، ولم تكتف سلطات الاحتلال بالسيطرة على الحصة الفلسطينية من مياه النهر ولكن قامت منذ بداية الاحتلال في عام 1967 بالإعلان عن المنطقة المحاذية للنهر (أي المنطقة المعروفة باسم الزور) والتلال المطلة عليها كمنطقة عسكرية يحظر على الفلسطينيين الدخول إليها. هذا الإجراء أدى إلى حرمان جزء كبير من الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية الموجودة في تلك المنطقة والتي كان يتم ريها من مياه نهر الأردن.

الموارد المائية في منطقة الأغوار رغم أنها متوفرة نسبياً إلا أنها تواجه بعض الصعوبات الناجمة عن الملوحة الزائدة في مياه الآبار، فمن المعروف أن حوض المياه الجنوبي الشرقي قد تلوث خلال العصور الجيولوجية الغابرة بالأملاح المتسربة من مياه البحر الميت، ولا شك أن مشكلة الملوحة قد ازدادت في السنوات الأخيرة بسبب نقص كمية التغذية للحوض الجوفي بمياه المطر من جهة والضخ الزائد بواسطة الآبار خاصة تلك التي تخدم المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة من جهة أخرى.

* الأهمية الاقتصادية للأغوار

ناهيك عن الأهمية السياسية والاستراتيجية لمنطقة الأغوار والتي سنتطرق إليها لاحقاً، فإن المنطقة تحظى بأهمية كبيرة خاصة من الناحيتين الاقتصادية والسياحية، حيث أنها تساهم بنسبة لا بأس بها في قطاع الزراعة الفلسطيني، خاصة ونحن نتحدث عن منطقة ذات مواصفات خاصة من حيث موسم نضوج المحصول ونوعيته.

1- الزراعة

يعتبر قطاع الزراعة في منطقة الأغوار من أهم القطاعات وذلك لطبيعة المنطقة التي تتميز عن باقي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ويستدل على ذلك من خلال المؤشرات التالية:

- تقدر الأهمية النسبية للزراعة في الأغوار من الإنتاج المحلي الاجمالي للضفة الغربية (بحوالي 17%) إلا أن مساهمتها النسبية في الدخل المحلي لسكان الأغوار تقدر بنحو 40%.

- تسهم منطقة الأغوار بـ 50% من المساحة المزروعة المعتمدة على الري في الضفة الغربية، وتستهلك حوالي 55% من إجمالي كمية المياه المستخدمة لأغراض الري.

- تنتج المنطقة 60% من مجمل كمية الخضار التي تنتجها الضفة، و40% من محصول الحمضيات و100% من انتاج الموز.

- نظراً لتركيز الإنتاج في فصل الشتاء عندما تتعذر الزراعة في المناطق المرتفعة فإن مساهمة هذه المنطقة في التصدير هي نسبياً أعلى بكثير من المناطق الأخرى، وبصفة عامة فإن الأهمية النسبية للزراعة في منطقة الأغوار تتضح عند التعرف على مدى مساهمتها في الدخل الزراعي حيث أنها تساهم بنحو 17.8% من قيمة الدخل الزراعي للضفة الغربية[5].

2- الصناعة

قطاع الصناعة في منطقة الأغوار ما زال في مراحله الأولى وذلك بفعل عدة عوامل أهمها ظروف الاحتلال وسياسته المتمثلة بعدم تشجيع الاستثمار في هذه المنطقة ذات الموقع الحساس، فالصناعات الموجودة في منطقة الأغوار تتميز بأنها صناعات خفيفة في نطاق محدود مثل مصانع الطوب والبلاط وغيرها التي تساهم بشكل ضئيل جداً في استيعاب بعض الأيدي العاملة القليلة. وبالإضافة إلى المعيقات التي تضعها سلطات الاحتلال فإن المنطقة تعاني من سوء البنية التحتية الأساسية لإقامة مشاريع صناعية كبيرة وهي ضعف الطاقة الكهربائية والحالة السيئة لشبكة المياه الداخلية خاصة في مدينة أريحا.

3- السياحة

تتميز منطقة الأغوار بالإضافة إلى طبيعتها الزراعية بطابع سياحي، نظراً لكثرة الآثار الموجودة وبسبب طقسها الدافئ شتاء والذي جعلها مشتى فلسطين الأول، مع توفر العديد من عيون المياه الطبيعية مثل عين العوجا وعين الديوك. وخلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لم يكن هناك أي نوع من التشجيع لقطاع السياحة في المنطقة، حيث عانت الخدمات المتصلة بقطاع السياحة من إهمال شديد، فلم يتم بناء فنادق لاستيعاب السياح للمبيت في المنطقة، فكان السياح يعودون للمبيت في المدن القريبة وخصوصاً مدينة القدس. وكذلك لم يتم إنشاء بنية تحتية وطرق جديدة تخدم المواقع السياحية الهامة في المنطقة. وإن كان الوضع تغير ولو بشكل طفيف بعد اتفاق أوسلو، حيث بوشر ببعض المشاريع السياحية والخدماتية مثل مشروع التلفريك وبعض المشاريع الخاصة بإقامة فنادق وقرى سياحية في منطقة أريحا.

* التواجد السكاني العربي في المنطقة

تعرضت منطقة الأغوار في الضفة الغربية لتغيرات سكانية واضحة تعود بالدرجة الأولى للأوضاع السياسية والحروب السائدة في المنطقة،  ففي الفترة الممتدة بين عامي 1948 و1967 كان يقطن منطقة الأغوار نحو 80 ألف نسمة موزعين بين مدينة أريحا وقرية العوجا وثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين وهي النويعمة وعين السلطان وعقبة جبر وبعض التجمعات السكانية الصغيرة. وكانت غالبية السكان (86%) من اللاجئين الذين تم تهجيرهم من بيوتهم في منطقة بيسان والجليل. وبعد احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية في العام 1967، قامت إسرائيل وللمرة الثانية بترحيل سكان الأغوار وإجبارهم على الهجرة مرة ثانية إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن. وكنتيجة لذلك تم إخلاء مخيم النويعمة للاجئين، وفقد مخيم عقبة جبر وهو المخيم الأكبر ما يزيد على 80% من سكانه.

يصل تعداد سكان الأغوار حالياً نحو 47 ألف نسمة، تأتي مدينة أريحا في المقدمة حيث يقطنها نحو 35 ألف نسمة تضم مخيم عقبة جبر، ثم يأتي مخيم عين السلطان وبلدة الجفتلك وفصايل والزبيدات وبردلة وبعض التجمعات الصغيرة والخرب[6].

أما عن الأوضاع المعيشية لهؤلاء السكان نجد أن العديد منهم بعد أن فقدوا معظم أراضيهم نتيجة المصادرة من قبل سلطات الاحتلال توجهوا للبحث عن مصدر رزق بديل، فمنهم من عمل في قطاع الزراعة أو في المستوطنات القريبة أو داخل الخط الأخضر أو في المدن الفلسطينية القريبة مثل أريحا ونابلس وطوباس، هذا عدى عن أن جزءاً كبيراً من السكان اضطروا للرحيل للبحث عن فرص عمل والاستقرار خارج فلسطين.

سوق العمل

نسبة العمال %

المستوطنات القريبة

30

الزراعة المحلية

40

المدن القريبة

20

داخل الخط الأخضر

10

المجموع

100%

 جدول يوضع توزيع العمال بحسب سوق العمل[7]

 

وبالنظر إلى الأرقام الواردة في الجدول السابق نجد أن 40% فقط من العمال يعملون في الزراعة المحلية، أي أنهم يزرعون أرضاً يملكها فلسطينيون سواء كانت تحت ملكيتهم الخاصة أو يعملون فيها، إما على طريقة الضمان أو بالأجرة من مالكين آخرين وبالنظر إلى نسبة العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر نجد أنها نسبة قليلة، وذلك بسبب بعد الخط الأخضر عن منطقة الأغوار، أما نسبة العمال الذين يعملون في المستوطنات فقد وصلت إلى 30%، مع العلم أن تلك العمالة موسمية بحكم أن العمل الأساسي في مستوطنات الأغوار في معظمه زراعي.

أما عن معدل البطالة فتعتبر في منطقة الأغوار ظاهرة موسمية، حيث تقل نسبتها في الفترة الواقعة بين شهري تشرين ثاني وأيار لكون هذه الفترة هي فترة الزراعة في هذه المنطقة، وبالتالي فإن البطالة تكاد تختفي في هذه الفترة. أما في الستة شهور الأخرى من السنة، والتي تمتد من شهر حزيران حتى شهر تشرين أول فتصل فيها نسبة البطالة إلى 20%.

 

* الاستيطان اليهودي في الأغوار

لم تختلف أساليب الاحتلال الإسرائيلي في الاستيلاء على أراضي الأغوار بهدف الاستيطان عن مثيلتها في باقي الأراضي الفلسطينية. فمنذ البداية أجرت سلطات الاحتلال مسحاً عاماً للأغوار الفلسطينية ووجدت من خلاله أن إمكانية مصادرة الأراضي بحجة أنها أملاك دولة عملية صعبة وغير مجدية، لأن ملكية الأرض الزراعية تحديداً وحقوق المياه في المنطقة هي ملكية خاصة مسجلة، مما يصعب على سلطات الاحتلال مصادرتها. وعليه فقد أصدر وزير الدفاع في حينه موشيه ديان قراراً بالاستيلاء على أملاك الغائبين. ولكن تلك الأراضي لم تكن كافية لتلبية طموحات الحركات الاستيطانية، ولذلك قامت سلطات الاحتلال بمصادرة أوسع مساحة ممكنة من الأغوار باعتبارها مناطق تدريب عسكري. على أن تقام فيها نقاط عسكرية (ناحال) تتحول لاحقاً إلى مواقع مدنية للاستيطان.

على الرغم من نجاح إسرائيل بإقامة 26 مستوطنة في منطقة الأغوار التي تمتد حسب المخططات الإسرائيلية من صحراء الخليل في الجنوب مروراً بالسواحل الغربية للبحر الميت حتى حدود الضفة الشمالية مع إسرائيل، إلا أن هذه المستوطنات فشلت في جذب أعداد كبيرة من المستوطنين للمنطقة، ففي عام 1981 بلغ عدد المستوطنين نحو 4000 مستوطن ارتفع العدد إلى 4115 مستوطناً في العام 1992، ووصل العدد إلى 7500 مستوطن في العام 2005، حيث شهد العدد زيادةً ملحوظة بعد توقيع اتفاق أوسلو.

إن غالبية المستوطنين في منطقة الأغوار هم من اليهود العلمانيين ومن مؤيدي حزب العمل يعمل 45% من قوة العمل لديهم في الزراعة و9% يعملون في مجال الصناعة و5% يعملون في مجال السياحة و15% يعملون في الخدمات والتجارة ونحو 26% يعملون في الخدمة الجماهيرية.

اسم

المستوطنة

عدد المستوطنين

اسم المستوطنة

عدد المستوطنين

اسم

المستوطنة

عدد المستوطنين

ارغمون

205

بعقوب

205

غيتيت

164

جليل

164

حمرا

178

يفيت

123

محولة

328

مخورا

191

مسوآه

219

معاليه أفرايم

2190

بفماه

137

نعران

102

نتيف هدروت

240

فصايل

342

روعى

150

شدموت محولة

301

تومر

356

ييطاف

غير مأهولة

بيت هرفاه

54

فيرديريحو

191

متسفية شلوم

205

كاليه

342

الموع

137

 

 

المجموع العام

7500

 * جدول يوضح أعداد المستوطنين في منطقة الأغوار للعام *2005.

 

رغم هذا العدد المتواضع للمستوطنين مقارنة مع عدد المستوطنات إلا أن مساحة الأرض التي يسيطر عليها هؤلاء المستوطنين تفوق ما يسيطر عليه السكان الفلسطينيون في المنطقة وإذا ما أضيف إلى ما لدى المستوطنين ما تسيطر عليه القواعد العسكرية والمناطق العسكرية المغلقة فلن يتبقى إلا الجزء اليسير من الأرض يستغله المواطن الفلسطيني.

طبيعة استخدام الأرض

المساحة (بالدونم)

النسبة المئوية

مناطق العمران الفلسطيني

10758

1.3

مناطق المستوطنات السكنية

25412

3.0

القواعد العسكرية الإسرائيلية

23000

2.7

مناطق عسكرية مغلقة

400.000

47.1

مناطق مستغلة فلسطينياً وأحراش

492.144

45.9

 جدول يوضح استخدام الأراضي في منطقة الأغوار[8]

 

ورغم إدعاء سلطات الاحتلال بأن المستوطنات في غور الأردن أقيمت لأسباب أمنية، إلا أن المدقق في طبيعة انتشار هذه المستوطنات يلاحظ أن قيامها ومواقعها يتأثر بعاملين أساسيين، الأول توفر الأراضي الزراعية والثاني توفر المياه علماً بأن عامل التركيز على الأرض كان ذا أهمية أكبر من عامل وجود المياه على اعتبار أن التكنولوجيا الحديثة تسمح بنقل المياه عبر الأنابيب من مناطق بعيدة نسبياً.

وفي محاولة منها للحفاظ على التواصل الجغرافي بين المستوطنات، شقت إسرائيل الطريق رقم 90 الذي يشق الغور من الشمال إلى الجنوب، واصلاً هذه المستوطنات ضمن شريان مواصلات يصل إلى داخل إسرائيل باتجاه شمالي جنوبي. كما قامت إسرائيل بشق طرق عرضية تخترق الضفة الغربية لتصل منطقة الأغوار بالعمق الإسرائيلي في منطقة غوش دان وأهم هذه الطرق طريق عابر السامرة بالقرب من نابلس، وطريق بيت حورون. كما أن المستوطنات في غور الأردن تم زراعتها على شكل خطين في موازاة نهر الأردن كما جاء في مشروع ألون، الخط الأول يقع على امتداد المنطقة السهلية بينما يقع الخط الثاني على سفوح الجبال المطلة على الأرض السهلية وجميع هذه المستوطنات ترتبط بالطريق الطولي رقم 90.

وعند تقسيم المستوطنات حسب الجهة التي أنشأتها نجد أن هناك خمس مستوطنات تابعة للحركة الكيبوتسية وأربع مستوطنات تابعة لحركة الموشافيم ومستوطنتين تابعتين لحركة بيتار وأربع مستوطنات تابعة لحركة الاتحاد الزراعي ومستوطنتين تابعتين لحركة العامل الشرقي.

 

خريطة توضح التواجد الاستيطاني في منطقة الأغوار

 

* الاجراءات الإسرائيلية في الأغوار

عملت إسرائيل ومنذ اليوم الأول لاحتلالها الأراضي الفلسطينية في عام 1967 على اعتبار غور الأردن جزءاً من خططها الأمنية والتوسعية، وانعكست سياستها هذه على كل من الأرض والإنسان الفلسطيني المقيم في المنطقة. لقد اتبعت إسرائيل العديد من السياسات والإجراءات للحد من الوجود الفلسطيني البشري ومنع التحكم الفلسطيني بالمصادر الطبيعية في تلك المنطقة، وفي نفس الوقت عملت على زيادة الوجود اليهودي وزيادة تحكمها بمصادر المنطقة ومن هذه الإجراءات:-

1-    أعلنت إسرائيل أن المناطق المحاذية لنهر الأردن بعرض 3-5 كم مناطق عسكرية مغلقة ولا يصح للفلسطينيين الوصول إليها لاستغلالها في الزراعة أو السكن أو أي نشاط اقتصادي, كما أعلنت أكثر من ثلث مساحة المنطقة (400 ألف دونم) كمناطق عسكرية مغلقة حيث أقامت هناك نحو 90 موقعاً عسكرياً.

2-    بمجرد احتلال المنطقة قامت إسرائيل بتدمير ومصادرة أكثر من 140 مضخة مياه كانت تعمل في منطقة الأغوار يملكها فلسطينيون وتسحب الماء من نهر الأردن لري مزروعاتهم في الأغوار الغربية وحرمت السكان الفلسطينيين من حق استخدام مياه نهر الأردن. كما منعت حفر أي آبار جديدة لصالح الفلسطينيين فيما عمدت لحفر الآبار لصالح المستوطنات الإسرائيلية مما سبب جفافاً لبعض الآبار الفلسطينية. والملاحظ أن معظم الآبار الإسرائيلية في منطقة الأغوار تم حفرها غرب الآبار الفلسطينية وذلك بهدفين الأول الوصول للمياه العذبة في الغرب، وثانيها اصطياد المياه الجوفية المتدفقة من الغرب إلى الشرق قبل أن تتمكن الآبار الفلسطينية من حصادها.

3-    فصلت إسرائيل منطقة الأغوار عن المحافظات الفلسطينية التابعة لها واعتبرتها مناطق إدارية مستقلة وعملت على محاربة السكان المحليين في رزقهم ولم تكتف بمصادرة جزء كبير من الأراضي الخاصة بالفلسطينيين سواء المخصصة للزراعة أو للرعي بل قامت سلطات الاحتلال بإصدار أوامر عسكرية عديدة تمنع قيام المزارعين الفلسطينيين باستصلاح أراضي جديدة وزيادة مساحة الأراضي المزروعة إلا بإذن من سلطات الاحتلال، وهذا الإذن لم يعط لأي مزارع فلسطيني لدرجة أن الأمر العسكري رقم 1015 منع الفلسطينيين في منطقة أريحا من زراعة الأشجار المثمرة في أراضيهم دون الحصول على إذن من سلطات الاحتلال[9].

التصور الإسرائيلي لمستقبل منطقة الأغوار

منذ العام 1967 وتحت شعار الأهمية الأمنية لغور الأردن لدولة إسرائيل أخذت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتبنى المقولة التي أطلقها يغئال ألون حيث قال "لكي يتحقق الدمج بين حلم سلامة البلاد من ناحية جيواستراتيجية مع إبقاء الدولة يهودية من ناحية ديمغرافية، وهذا يتطلب فرض نهر الأردن حدوداً شرقية للدولة اليهودية". بناءاً على هذا المنطلق صاغ آلون خطته للحل الإقليمي في أعقاب سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في عام 1967 وحدد المشروع منطقة الأغوار التي تطمع بها إسرائيل من الشمال إلى الجنوب بخط يمتد غرب نهر الأردن على بعد 10-15 كم بحيث يحد المنطقة من الشرق نهر الأردن والبحر الميت ومن الغرب تمتد من الخط الأخضر شمالاً باتجاه الجنوب وتشمل طريق أريحا القدس ولكنها تستثنى مدينة أريحا. ثم تتجه حدود منطقة مشروع ألون جنوباً لضم المنطقة غير المأهولة بالفلسطينيين في صحراء الخليل الشرقية ومن الجنوب حدود الضفة الغربية مع صحراء النقب.

ويستند مشروع ألون على المبادئ التالية:

-      خلق وجود إسرائيلي مدني، إضافة إلى الوجود العسكري بواسطة إقامة نقاط استيطانية.

-      الوجود المدني والعسكري يشكل تصحيحاً نهائياً للحدود ولا تعتبر المستوطنات مشكلة أمام أية حلول سياسية أخرى.

-      يشكل الغور الفلسطيني تواصلاً جغرافياً بين بيسان وصحراء النقب.

-      تشكل المنطقة حزاماً واقياً للقدس من هجمات عسكرية من الناحية الشرقية.

واستناداً إلى مشروع ألون لم تتوان الأحزاب الإسرائيلية المختلفة خاصة بعد انعقاد مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاق أوسلو من التطرق إلى أهمية غور الأردن بالنسبة لإسرائيل وأنه يجب المحافظة عليه تحت السيطرة الإسرائيلية بطريقة أو بأخرى، فقد تراوحت آراء الأحزاب حول هذه السيطرة بين ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وبين فرض سيطرة أمنية بحيث تظل تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي وهو ما جاء في الصيغة التوفيقية في الوثيقة التي أعدها بيلين-إيتان بين حزبي العمل والليكود حول مصير غور الأردن، حيث جاء فيها "منطقة غور الأردن بمستوطناتها وقوات الجيش التي تنتشر فيها تشكل منطقة أمنية لحماية أرض إسرائيل من أي خطر من الشرق، والأردن سيكون حدود الأمن لإسرائيل". هكذا نجد أن الوثيقة جاءت بصيغة توفيقية لمفهومي الحزبين فيما يتعلق بغور الأردن، مركزة على كون غور الأردن "منطقة أمنية حيوية لإسرائيل"، وجاءت الاختلافات بين الحزبين في الرأي حول كيفية السيطرة الأمنية على هذه المنطقة، فيما بقي مفهوم أن الأردن يمثل حدود الأمن بالنسبة لإسرائيل نقطة توافق وثبات للبرنامجين في الوثيقة.

لقد جاءت الخطة التي أعدها الجهاز الأمني الإسرائيلي ونشرتها صحيفة هآرتس في 7/3/2006 تعبر عن آخر التصورات الإسرائيلية الرسمية لمنطقة غور الأردن ضمن سناريو أشمل يبحث مصير الضفة الغربية أو التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال إعادة انتشار على "خط دفاعي" جديد في أعماق الضفة الغربية بضم غور الأردن ونقاط رئيسية على المنحدرات الغربية للضفة الغربية، هذا التصور يتماشى مع ما صرح به أيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالوكالة وزعيم حزب كديما الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست القادمة، فقد صرح أولمرت بأنه إذا فاز برئاسة الحكومة سوف يجند دعم دولي لخطة أحادية الجانب تهدف إلى ترسيم الخط الحدودي في الضفة الغربية.

ترى الخطة التي أعدها الجهاز الأمني الإسرائيلي أهمية قصوى في السيطرة على نقاط استراتيجية على المرتفعات الجبلية وعلى حزام في غور الأردن يمتد من شمال البحر الميت وحتى شمال الغور، وترى الخطة أن هذا الحزام يجب أن يكون واسعاً بما يكفي لتوفير الدفاع الفعال، وضيقاً بما يكفي لتمكين السلطة الفلسطينية من الامتداد مستقبلاً نحو الشرق[10].

وفي منتصف شهر مارس 2006 صرح أولمرت فيما يتعلق بغور الأردن قائلاً "في جميع الأحوال ستكون حدودنا الأمنية على طول نهر الأردن لاعتبارات استراتيجية لا يمكننا التنازل عنها"[11]

هذه الاعتبارات (الحجج) الاستراتيجية التي يتحدث عنها أولمرت يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

-      اعتبار غور الأردن بمثابة حاجز أمني أمام ما يسمى بالجبهة الشرقية بحيث يتم إحاطة المنطقة الفلسطينية في عمق الضفة الغربية من خلال حاجزين الأول شرقي ويضم غور الأردن والثاني غربي وهو الجدار العازل الجاري إقامته على الناحية الغربية للضفة الغربية.

-      تطمح إسرائيل في إعادة بناء منطقة الغور من خلال إنشاء مشاريع صناعية وزراعية مرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي إضافة إلى المشاريع السياحية في المنطقة.

-      إمكان السيطرة على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية خاصة الأحواض الشرقية منها نظراً لأهميتها في تنمية المنطقة.

-      خلق نوع من الفصل الجغرافي بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والفلسطينيين في الأردن الذين يمثلون عمقاً ديمغرافياً لأي كيان فلسطيني قادم.

  

* إجراءات فصل الأغوار

انسجاماً مع الأطماع الإسرائيلية في منطقة الأغوار ومن أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية سالفة الذكر بدأت إسرائيل في العامين الأخيرين اتخاذ اجراءات جديدة تهدف من خلالها بالإضافة إلى الحد من الوجود العربي في المنطقة إلى فصل منطقة الأغوار الفلسطينية عن الضفة الغربية، وذلك لفرض أمر واقع قبل تنفيذ خطوة أحادية الجانب محتملة في الضفة الغربية لن يكون غور الأردن مستثنى منها.

فقد بدأ التحضير لهذه الخطوة بداية عام 2004 وقد أشرف على هذا التحضير وزير الزراعة يسرائيل كاتس الذي يترأس اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان القروي، ووزير المالية في حينه بنيامين نتنياهو الذي يترأس المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية. وفي 21/7/2005 اجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية لبحث الخطة التي وضعها وزير الزراعة كاتس من أجل تعزيز الاستيطان في غور الأردن، وقررت اللجنة استثمار 145 مليون شيكل بين السنوات 2006-2008 تحت حجة تطوير الزراعة، كما تم في الجلسة ذاتها توسيع مشروع تشجيع الأزواج الشابة على السكن في غور الأردن. القسم الأول من الخطة يتضمن تنمية الغور على المستوى الزراعي ثم ينتقل إلى المجال السياحي، كما تتضمن الخطة تقسيم أراضي غور الأردن على المستوطنات الإسرائيلية خاصة الأراضي التي كانت تحتلها معسكرات الجيش وأخليت[12].

فبعد أن أحكمت إسرائيل سيطرتها على الأراضي في منطقة الغور بدأت في إجراءات تحد من التواجد الفلسطيني في المنطقة وتقييد حركته من خلال فصل المنطقة فصلاً شبه كامل عن سائر الضفة الغربية، خاصة وأن الجدار الشرقي الذي خططت إسرائيل لبنائه على امتداد الحدود الغربية لغور الأردن ألغى بسبب الانتقاد الدولي الشديد، وفي أعقاب القرار الصادر عن محكمة العدل العليا في يونيو 2004. ومن ثم تحاول إسرائيل الاستعاضة عن ذلك بتنفيذ سلسلة من الاجراءات تحقق الهدف وهو فصل منطقة الغور عن سائر الضفة الغربية وهنا تجدر الإشارة إلى أن منطقة الأغوار حسب اتفاق أوسلو تم تصنيف الأراضي بحسب نوع السيطرة A.B.C وذلك على النحو التالي:

التصنيف السياسي لمنطقة الأغوار[13]

المنطقة

المساحة التقريبية كم2

% من مجموع المساحة

A

85

7.4

B

50

4.3

C

1020

88.3

المجموع

1155

100

 

يتبين من الجدول السابق أن 7.4% فقط من مساحة الأغوار مصنفة كمناطق A، وهي منطقة أريحا حيث السيطرة الأمنية والمدينة في هذه المنطقة هي للسلطة الفلسطينية، أما المنطقة B فتقدر نسبتها بـ 4.3% والتي تشتمل على جيوب صغيرة متناثرة على طول وادي نهر الأردن حيث الصلاحية المدنية للسلطة الوطنية والصلاحية الأمنية تحت السيطرة الإسرائيلية. أما الجزء الأكبر من مساحة الأغوار والتي تقدر بـ 88.3% فهو مصنف كمنطقة C، حيث تحتفظ السلطات الإسرائيلية بالسيطرة الكاملة، ومع أنه يمكن للسكان العرب في تلك المنطقة أن يستغلوا أراضيهم زراعياً، إلا أن سلطات الاحتلال تمنع أي تطوير للبنية التحتية في المنطقة، مثل استصلاح الأراضي و شق الطرق الزراعية أو إقامة الحظائر والأبنية. وفي المقابل تقوم سلطات الاحتلال بتوسيع المستوطنات وإقامة البنية التحتية لخدمة المستوطنين والجيش الإسرائيلي في المنطقة.

من ناحية عملية فقد استطاعت إسرائيل في الأشهر الأخيرة إتمام عملية فصل القطاع الشرقي من الضفة الغربية الذي لا يشمل فقط المناطق المحاذية لنهر الأردن ولكن يشمل هذا القطاع غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت والمنحدرات الشرقية لجبال الضفة، استطاعت إسرائيل فصل هذا القطاع عن سائر مناطق الضفة الغربية، وكما سبقت الإشارة فإن إيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالوكالة، ووزير دفاعه شاؤول موفاز أعلنا خلال الحملة الانتخابية للكنيست الجديدة، بأن الغور سيبقى تحت سيادة إسرائيل في كل تسوية مستقبلية، مع أن المتتبع للإجراءات الإسرائيلية في الشهور الأخيرة يتبين أن الغور أصبح مفصولاً فعلياً عن الضفة الغربية وهذه الاجراءات يمكن تلخيصها بالتالي.

-      في المنطقة الممتدة من غور الأردن حتى شمال البحر الميت أقام الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة سبعة حواجز ثابتة، أربعة حواجز منها حول منطقة أريحا. وخلال العام 2005 شدد الجيش الإسرائيلي بصورة ملحوظة من التقييدات المفروضة على مرور الفلسطينيين من هذه الحواجز.

-      وحسب مصادر الجيش الإسرائيلي نفسه فإن مرور الفلسطينيين عبر هذه الحواجز متاح فقط لسكان غور الأردن على أساس بطاقة الهوية بشرط أن يكون العنوان المسجل في بطاقة الهوية هو احدى قرى الغور، أما باقي سكان الضفة الغربية، فإنه يطلب منهم عند الحواجز إبراز تصريح خاص يتم إصداره من قبل الإدارة المدنية.

-      الإجراء السابق لا يشمل دخول المواطنين الفلسطينيين إلى مدينة أريحا، غير أن السفر من أريحا باتجاه الشمال إلى باقي أجزاء الأغوار محظور على الفلسطينيين ومن بينهم سكان أريحا أنفسهم باستثناء حملة التراخيص "الفلسطينيون الذين يتم إمساكهم في الأغوار بدون ترخيص يتم تحويلهم إلى الشرطة الإسرائيلية"[14].

-      الفلسطينيون الذين يسكنون خارج الأغوار، ويمتلكون أراضي زراعية في مجالها جرى أيضاً فصلهم عن أراضيهم، ويجب على هؤلاء المزارعين الحصول على تصاريح للوصول إلى أراضيهم، مما جعل العديد من هؤلاء السكان يفقدوا مصادر رزقهم.

-      منع المزارعين الفلسطينيين من بيع منتجاتهم للتجار عند المعبر القريب جداً على الحدود بين الغور وإسرائيل، وأصبح عليهم أن يسافروا مسافة 50 كم للوصول إلى المعبر التجاري في الجلمة بدلاً من الخمسة كيلو مترات التي كانوا يقطعونها للوصول إلى التجار مما يرفع التكلفة ويعرض المحاصيل للتلف[15].

-      من أجل تطبيق منع الفلسطينيين من المكوث في منطقة الأغوار، يجري الجيش الإسرائيلي عمليات دهم وتفتيش ليلية لبيوت سكان قرى الأغوار للتفتيش عن فلسطينيين ليس عنوانهم الأغوار ويتم نقلهم إلى ما وراء الحواجز العسكرية أو يسلموا للشرطة الإسرائيلية للتحقيق معهم، بعد أن يكتب على بطاقات الهوية الخاصة بهم "صودرت لمكوث غير قانوني في مناطق الغور!!".

الخلاصة

بعد استعراض الواقع الموجود على الأرض في منطقة الأغوار والإجراءات الإسرائيلية في المنطقة يلاحظ أن هناك إجحافاً مطلقاً يقع على الإنسان الفلسطيني والأرض الفلسطينية بحجة الأمن الإسرائيلي، فإسرائيل ما زالت تتذرع بأن الإجراءات التي تتخذها في منطقة الأغوار وحتى الوجود الاستيطاني نفسه وكل الإجراءات التي تتعلق بتغيير الوقائع على الأرض كل ذلك يأتي تحت ذريعة الأمن الذي يستدعي حسب السياسة الإسرائيلية أن يكون غور الأردن هو الحدود الآمنة لإسرائيل التي لا يجب التنازل عنها في أية تسوية سياسية.

إن الأسباب التي تسوقها إسرائيل كمبررات للاحتفاظ بغور الأردن لا تخضع لأي منطقة لا من الناحة الأمنية ولا حتى السياسية وذلك لعدة أسباب أهمها:

-      أن هناك معاهدة سلام كاملة بين إسرائيل والأردن مع وجود تعاون أمني ناجح وفقاً للمصالح المشتركة، وأن هذا التعاون سيتواصل حتى لو كانت هناك دولة فلسطينية في الضفة الغربية حدودها نهر الأردن.

-      أن المملكة الأردنية الهاشمية لا تخشى قيام دولة فلسطينية على حدودها، وفي رسالة بعثها الملك حسين إلى د. غيرشون ياسكين مدير مركز الأبحاث والمعلومات الإسرائيلي الفلسطيني جاء فيها "لقد لاحظنا مؤخراً بعض الدوائر الإسرائيلية قد ذهبت بعيداً، وتجرأت في الحديث باسم الأردن وادعت أن أمننا سيتعرض للخطر حال قيام دولة فلسطينية، ويستخدم ذلك كذريعة لمنع الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية على نهر الأردن، وذلك من خلال الإدعاء بأن أمننا وأمنهم يتطلبان مثل ذلك القرار غير العادل الذي يحرم أشقائنا من حقوقهم، إن تلك الادعاءات لا أساس لها وأنها مرفوضة كلياً[16].

-      أعلن فريق رسمي من الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين أنه بصدد بلورة "عقيدة أمنية جديدة" تنطلق من فكرة أن الضفة الغربية فقدت معناها الأمني كجبهة إستراتيجية تحمي إسرائيل التي لا تتمتع بعمق استراتيجي لسببين: أولهما تلاشي احتمال نشوب حرب مباشرة بين الجيوش كما هو في الماضي والذي حل محله تعاظم تهديد الصواريخ بعيدة المدى، وكذلك التهديد الذي يمثله "الإرهاب العالمي، بحيث لا تعود هناك جدوى من الاحتفاظ بالضفة الغربية والسبب الثاني هو ازدياد أهمية الأسرة الدولية وتعاظم قدرتها على فرض خطوات على دول العالم، الأمر الذي سيؤدي إلى ممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لوقف سيطرتها على الأراضي الفلسطينية[17].

-      وعلى الصعيد الاقتصادي فإن منطقة غور الأردن ليست حيوية لمستقبل التنمية الإسرائيلية، فالمنطقة لم تستطع جذب المستوطنين اليهود إليها رغم الإغراءات المتعددة التي قدمتها الحكومات الإسرائيلية، كذلك وعلى الرغم من أن الزراعة في وادي الأردن تعطي انطباعاً مؤثراً فيما يتعلق باستفادتها من الظروف المناخية الخاصة بالمنطقة إلا أن مساهمة جميع الأنشطة في المنطقة سواء الزراعية أو السياحية وحتى التجارية لا تساهم إلا بـ 70 مليون دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، وهو مبلغ لا يساوي حجم الإنفاق الحكومي في هذه المنطقة.

أما على الصعيد الفلسطيني فإن المنطقة تعتبر حيوية ومصيرية لمستقبل التنمية في الأراضي الفلسطينية على أساس أنها تمثل المعبر الشرقي للعالم العربي وما يمثله ذلك من عمق اقتصادي هام، توفر المياه الجوفية في المنطقة التي تعتبر مستقبل الأراضي الفلسطينية الزراعية نظراً لاعتمادها على مياه الري وسطحها السهلي الذي لا يتوفر بصورة كبيرة في باقي الأراضي الفلسطينية، يضاف إلى ذلك الأهمية السياحية للمنطقة من حيث وجود الأماكن الأثرية الإسلامية والمسيحية مما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الفلسطيني.

إن طبيعة السياسة التي تطبقها إسرائيل في منطقة الأغوار الفلسطينية إلى جانب تصريحات الساسة الإسرائيليين ترمز إلى أن الدافع من وراء هذه السياسة ليس أمنياً عسكرياً بل سياسي توسعي "ضم هذه المنطقة من الناحية الفعلية لإسرائيل" وهو ما يعتبر خرقاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني لأن الغور هي أراضي فلسطينية خالصة ويجب أن تبقى كذلك وهو ما يستدعي من الجانب الفلسطيني وضع سياسة مضادة للإجراءات الإسرائيلية تتميز بالشمول بحيث تشمل جميع المناحي سواء الواقع على الأرض أو الجانب الدبلوماسي الإعلامي لوضح حد للإجراءات الإسرائيلية التعسفية.

 الهوامش:


* الأرقام الواردة في الجدول من مصادر مختلفة للعام 2001 أما الفترة اللاحقة فقد تم معالجتها من قبل الباحث من خلال معدل الزيادة السنوية للمستوطنين في الأغوار التي تقدر بنحو 4.5%.


[1] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، السلطة الوطنية الفلسطينية.

[2] هشام عورتاني، الزراعة في الأغوار، مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، سلسلة تقارير، 1998.

[3] مؤتمر الأغوار الفلسطينية، امكانيات التطوير والاستثمار، مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، 1998.

[4] سلطة المياه الفلسطينية، 1998.

[5] مؤتمر الأغوار الفلسطينية، مرجع سابق.

[6] معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، القدس، 2001.

[7] مؤتمر الأغوار الفلسطينية، مرجع سابق.

[8] معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، مرجع سابق.

[9] وزارة الزراعة الفلسطينية، 2001.

[10] صحيفة هآرتس، 7/3/2006.

[11] صحيفة هآرتس، 12/3/2006.

[12] صحيفة يديعوت، 24/6/2005.

[13] وزارة التخطيط والتعاون الدولي.

[14] منظمة بتسيلم لحقوق الإنسان، 2006.

[15] صحيفة هآرتس، 13/2/2006.

[16] جيروسالم بوست، 15/12/1997.

[17] يديعوت أحرونوت، 2005.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
03/05/2006 09:56 ص