إسرائيل والشرق الأوسط، 2005

لمحة إستراتيجية

أهارون زئيفي (فركش) *

رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي

ترجمة: زهير عكاشة

 

لنبدأ أولاً بإبراز التواضع الفكري اللازم عند محاولة تحليل كينونة الأعداء والخصوم في زمن اللا يقين، كالزمن الذي نعيش فيه الآن. أنا لا أقول ذلك لا لتأييد شعار ما من الشعارات ولا لمجرد تسجيل ملاحظة تافهة. بل لأني أؤمن بحقيقة ذلك. عالمنا ليس عالم تقليدي كالعالم الذي عشنا فيه إبان حقبة "الموجة الثانية". لا بد أن نكون متواضعين لدرجة القدرة على تقدير الصعوبات التي يتضمنها جمع المعلومات وإجراء التخمينات واستيعاب العمليات المعقدة والمتكاملة التي تؤثر علينا.

عندما نبدأ بمناقشة حال الأمة، أرى أن إسرائيل الآن تواجه ثلاثة تحديات إستراتيجية وهي الأمن والاقتصاد والهوية القومية مع الخصوم والأعداء.

 أشعر بالارتياح لأن عملي مقصور على التعامل مع الخصوم والاعداء، ولا يتعامل مع التحديين الآخرين، وأنا اعتقد أن الأمن اليوم هو أبسط التحديات التي تواجهها إسرائيل ولاسيما بعد الأحداث التي واكبت تنفيذ خطة الانفصال وهو تحدي يتطلب بذل أقصى الجهود من قبلنا.

تأثيرات أساسية تكوينية

هناك ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر حالياً على التطورات في المنطقة بحيث تشكل نمط البيئة الإستراتيجية وتسبرغور القضايا الإستراتيجية وهي:

-   السياسة الأمريكية: لاحظ أنه منذ نوفمبر 2002 حين انتخب الرئيس بوش لفترة ولاية ثانية، شهدت المنطقة تغيرات كبيرة لم يعترف بها كلها.

-   القوى الداخلية في الدول العربية.

-   الجهاد العالمي.

العامل الأول الذي يشكل نمط البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية يتمثل في السياسة الأمريكية والتواجد الأمريكي المتواصل في الشرق الأوسط. يعتبر الوجود الأمريكي في المنطقة عاملاً لا يستطيع أي زعيم تجاهله، وإذا كانت هناك آمالاً راودت بعض الزعماء في المنطقة من أن الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر عام 2004 قد تزيح الإدارة الحالية وتقلص أيضا من الوجود الأمريكي، فهذا بالطبع لم يحدث. بدأ زعماء دول المنطقة يدركون أن الولايات المتحدة أصبحت جاراً جديداً وجاءت لتبقى. وبما أننا لا نستطيع أن نتنبأ لا بمدة ولا بمجال هذا التواجد، فإذن حقيقة وجود أمريكا هنا كجار لسوريا وإيران والسعودية وتركيا، واضحة وجلية. فالولايات المتحدة ترى في سياستها قوة لتحفيز وإحداث تغيرات تجري على مر الأجيال. الديمقراطية في الشرق الأوسط في نظر الإدارة الأمريكية الراهنة، ستؤثر إيجابا على حال وأمن الولايات المتحدة. ومع أن هذه الفرضية تشكل موضع نقاش، إلا أنها تشكل المطلب الأمريكي الراهن.

العامل الثاني الرئيس الذي يشكل نمط البيئة الأمنية في إسرائيل هو القوى الداخلية اللاعبة داخل العالم العربي. فقد شهد نصف العام المنصرم نشأة قوى داخلية، والسبب بالضبط هو تدويل القادة والزعماء للوجود الأمريكي في المنطقة. الجمهور ووسائل الإعلام وضعف الأنظمة الحاكمة، وخطورة المشاكل الاقتصادية هي الأمور التي أدت إلى حدوث التغيير والقضية الرئيسية على رأس الأجندة تتمثل في وجود رأي عالمي يقدم الوطنية على جميع الأمور الأخرى. فمصلحة الأمة الآن مقدمة على مصالح القومية العربية وعلى مصالح العالم العربي ومصالح جامعة الدول العربية. أطلق الملك عبد الله مبادرة تسمى "الأردن أولاً"، وهي تقوم على أساس فهمه لطبيعة التهديد الكامن في خطة الانفصال الإسرائيلية. نفس الشيء ينطبق على دعوة "لبنان للبنانيين" ناهيك عن الإنتخابات المصرية الأخيرة. لم نشهد مثل هذه الظواهر في الماضي وهذا يشير إلى تحول ماضٍ إلى الأمام. أصبح تأمين الوطن القومي وتعزيز التغيرات اللازمة على رأس الأجندة، علماً بأن شعارات من هذا القبيل لم تكن موجودة من ذي قبل في العالم العربي. أيضاً طبيعة النقد الذاتي تغيرت على مدى العام المنصرم. إذا كانت هذه الدول بعد مارس 2003 تنكرت لمشاكلها ولمسؤولياتها تجاه محاربة الإرهاب والانحطاط وعرض العرب والمسلمين على أنهم الضحية، فهذا لم يمنع من ظهور بعض التفسيرات التي أخذت تطفو إلى السطح الآن. فقد أصبحت أمراض العالم العربي تتربع شيئاً فشيئاً في بؤرة الاهتمام والنقاش العام. فعلى سبيل المثال كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية غسان شربل مقالاً افتتاحياً في الصحيفة في مايو أيار 2005 يقول فيه، "بدأ التغيير يقرع ابواب الإنسان العربي وبدأ يقرع الأبواب في عقر داره لكن هذا الإنسان يتردد في فتح الباب له، هذه فترة التأقلم الصعب ونجاحها مرهون بقبول مبدأ التغيير والرغبة في اتخاذ القرارات المؤلمة المناسبة التي تتطلب الشجاعة والحكمة". هذا الوعي العام لم يكن يتميز بالنقد الذاتي فقط بل امتد للقضية الفلسطينية. إذا كان الفلسطينيون يصورون على أنهم الضحايا وعرفات رمز عربي وقائد يلتزم بقيادة شعبة، إلا أن القضية الفلسطينية أصبحت مهملة الآن لتحتل دوراً ثانوياً.

هناك أصوات بدأت تعلو وتعكس شكوكاً متزايدة حول جدوى المقاومة. حتى في حماس والجهاد بدأ هناك من يقول أن مستقبل الحركتين يكمن في النظام السياسي، لذلك فهم بحاجة إلى اللحظة التي يتخلوا فيها عن إطلاق صورايخ القسام والمقاومة الفعالة. حزب الله في لبنان هو الآخر في وضع فريد من نوعه فهو يعي أن ضمان وجوده يتوقف على اندماجه في النظام السياسي، علماً بأن للحركة الآن وزيرين شيعيين في الحكومة لخدمة الحزب.

تتغير حالياً المواقف حيال الولايات المتحدة وإسرائيل، وأخذت تحتل مكانة أقل بروزاً. فلغاية 2004 ظلت الولايات المتحدة تصور على أنها تعمل لخدمة إسرائيل وينظر اليها كقوة استعمارية غربية تدميرية. ومع أن هذه الصورة لم تتغير، إلا أن هناك من الأصوات من تنادي بالحاجة إلى معالجة التحديات التي تشكلها الولايات المتحدة. ولهذا السبب يضع كثير من الناس تقديرات متعددة الأبعاد للوجود الأمريكي في المنطقة ولقد بدأت بوادر هذا التغير، تجد صدى لها من خلال الاعتراف بالعظمة الأمريكية والحاجة إلى التعامل معها كسمة حتمية للوضع السياسي الراهن ومن ضمنه القضايا المحلية.

العامل الثالث، الذي يشكل نمط البيئة الإستراتيجية في إسرائيل هو الجهاد العالمي الذي يتمحور الآن وبدأ يتخذ أبعاداً جديدة. فقد صدر عن الاستخبارات العسكرية تقييم استخباري جديد يتعلق بقاعدة الجهاد وهو الإسم الحقيقي للقاعدة.

يعتبر أيمن الظواهري الذي انضم إلى القاعدة في يناير 2001 أي قبل 9 شهور من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قائد حركة الجهاد في مصر واصبح اسم المنظمة الحديدة قاعدة الجهاد، والظواهري القائد رقم 2 لها. يقول البعض بأن الظواهري هو القائد الأيديولوجي والعملياتي –العسكري للمجموعة. يجدر الإشارة إلى أن هناك عدة مبادئ أساسية، إضافة إلى التغيرات التي لها آثار مباشرة على إسرائيل والتي يعتقد أنها تجري حالياً داخل هذا التنظيم. لا شك أن إستراتيجية القاعدة تتغير ما بين الفينة والأخرى بسبب النكسات التي تعرضت لها بعد 11 سبتمبر 2001، عندما انطلقت أجهزة الاستخبارات الأمنية في شتى أرجاء العالم لمطاردتها والقضاء على أنشطتها، وهي في مهدها. وعلى ضوء الهجمات التي وقعت في بسلان في روسيا وفي اسبانيا وتركيا وحديثاً في مصر قلب العالم العربي وفي الأردن وسوريا بدأت كثير من البلدان في تدويل الحاجة إلى محاربة الإرهاب الدولي.

هذا الوعي المتزايد من قبل حكومات العالم زاد من الضغط الممارس على تنظيم القاعدة. أنا هنا سأكون حذراً في حديثي حول القاعدة كون القدرة الاستخبارية الإسرائيلية بشأن القاعدة ليست في مستوى قدرتها فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية وحزب الله. لذلك أريد أن أؤكد على أن الأفكار التي عرضت هنا لأول مرة ما هي إلا مجرد تكهنات غير نهائية.

 يقسم أعضاء القاعدة إستراتيجيتهم، كما فهمنا خلال الأسابيع أو الأشهر الماضية، إلى ثلاثة مجالات:

الغرب والعالم العربي والشام ومصر

بالنسبة للغرب والأنظمة العربية بما في ذلك السلطة الفلسطينية وإسرائيل فقد جرى تصنيفهم كأعداء وهذا لا ينبع من تصرفات هذه الدول بل من طبيعتها الأصولية، فمصر لها علاقات بالشيطان الأكبر (الولايات المتحدة) وكذلك السعودية. لذلك ترى القاعدة في الجهاد ضد هذين النظامين أمر مشروع بينما تشعر القاعدة بأن سوريا قد تغير نهجها ونتيجة لذلك ينبغي على بشار الأسد أن لا يتخلى عن الجهاد.

 الإسلام العربي هو قلب الإسلام من الناحيتين الأيدلوجية والجغرافية. تعتقد القاعدة أنه يجب العمل على الإطاحة بالأنظمة العربية التي لا تعي ولا تفهم طبيعة النواة الدينية للإسلام. والأنظمة العربية المتواجدة داخل العالم العربي الضعيف لابد أن ترحل والقاعدة هي القوة المحركة التي تستطيع تحقيق ذلك الهدف.

هناك اليوم مجموعة واحدة على الأقل معروفة تطلق على نفسها اسم جند الشام وهي بمثابة القاعدة في سوريا وهناك مجموعتين إضافيتين لهما علاقة بالقاعدة لكنهما انتقاليتين. الأولى في جبل هلال وسط شبه جزيرة سيناء وتتألف من جند الجهاد المصريين والأخرى تسمى التوحيد والجهاد المصرية. هناك أيضاً مجموعة أبو مصعب الزرقاوي التي تنشط في الأردن وهي ممثلة القاعدة في بلاد الرافدين.

ترى القاعدة أنه من الأهمية بمكان العمل فوراً ضد أنظمة الحكم العربية وضد الغرب. لهذا السبب ستتواصل الهجمات في العالم العربي وفي خارجه وفي إسبانيا ولندن وتركيا. اليوم العالم العربي هدفا للإرهاب. تقع إسرائيل في وسط العالم الإسلامي الذي لابد من إنشاء الخلافة الإسلامية فيه وما الصراع في العراق وإخراج القوات الأمريكية منه إلا مرحلة تمهيدية لإنشاء الخلافة الإسلامية.

المواجهة مع إسرائيل تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للقاعدة لأسباب دينية وإستراتيجية. من تابع شئون المنطقة على مدار العام المنصرم يلاحظ أن القاعدة تقترب أكثر فأكثر من إسرائيل. والمعلومات الإستخبارية التي لم يثبت بعد مدى صحتها تقول بأن عدد من أفراد القاعدة عبروا الحدود من مصر إلى قطاع غزة، عندما اخترق طريق فيلادلفي وإذ صح هذا فمعنى ذلك أن عناصر من حماس وحتى من كتائب الأقصى حصلت على الحضن الدافئ للقاعدة. بيد أن ذلك لم يحدث لغاية الآن لأن السلطة الفلسطينية تعي أن أي علاقة بالقاعدة قد تلحق ضرراً فادحاً بالمصالح الفلسطينية.

كفاح القاعدة لن ينتهي بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة بل عندما يتم إنشاء نظام حكم إسلامي جيد على أنقاض دولة إسرائيل وأنظمة الحكم العربية الراهنة. بعد تحقيق هذا الهدف ستوجه جهود القاعدة خارجياً نحو الشيطان الأكبر لكن هذا التوجه الإستراتيجي غير معروف لغاية الآن. لم تكن إسرائيل البؤرة الإستراتيجية للقاعدة، وأنا غير متيقن من أن إسرائيل ستصبح البؤرة. ومع ذلك فنحن بلا شك نواجه تحدياً كبيراً ومتنامياً من قبل القاعدة.

تطارد العناصر الراديكالية وهي في مهدها لكنها لن تسلم لليأس. نفس الوضع ينطبق على حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والقاعدة. ستجد هذه الجماعات وسيلة جديدة بديلة لمواجهة التحدي.

العامل الرابع الذي أرى أنه يشكل القوة الرئيسية في المناخ الإستراتيجي الإسرائيلي هو السياسة الإسرائيلية. بدون سبرغور هذا الوضع أشير إلى أنه خلال قراءتي للصورة الإستراتيجية الكاملة، أرى أنه كلما مر الوقت كلما اضطرت إسرائيل إلى اتخاذ خطوات أحادية الجانب لتولي مسؤولية مستقبلها ووجودها.

من التغير إلى التحول في الشرق الأوسط

إيجازاً للموضوع الرئيسي لهذه التطورات، استطيع القول بأن الشرق الأوسط تحول من عملية تغيير إلى عملية تحول. التحول يأتي من الداخل ونحن نشاهده على سبيل المثال في لبنان. تأثرت لبنان بقرار الأمم المتحدة رقم 1559 و 1614، كما تأثرت بفعل الضغوط الدولية والتحقيق في مقتل رفيق الحريري. وعلى أي حال فالمهم هو أن العملية في لبنان كانت تحولاً حقيقياً لأنها أتت من الداخل من داخل الدولة نفسها.

يبدو أن التحول في مصر اخذ يبرز هو الآخر من الداخل. فمن بين ثلاثة آلاف قاضٍ رفض ألف منهم الإشراف على الإستفتاء الشعبي الذي اجري قبل شهور قليلة على تعديل المادة 76 من الدستور المصري وسبب الرفض هو عدم رغبتهم في لعب دور هام في دعم الفساد.

لابد أن نفرق بين الديمقراطية وعمليات الدمقرطة. ليس هناك أي وجود لأي ديمقراطية في الشرق الأوسط بيد أن هناك استخداماً مختلفاً لعملية الدمقرطة التي تهدف إلى أحداث تغير شامل. وهذا ما جرى حقيقة في لبنان وما يجري في مصر والسلطة الفلسطينية. الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو أول زعيم عربي يختار بأغلبية 63% وليس 99.9%. كما أن نتائج الإنتخابات المصرية التي فاز فيها مبارك بعد بقائه في السلطة 24 عاماً هي أيضاً مثيرة للاهتمام. هذا التحرك من التغيير إلى عمليات التحول اثر تأثيراً كلياً على العوامل الأساسية التي تشكل نمط المنطقة. في عام 2004 كانت القوة الأساسية تتمثل في الولايات المتحدة، والسياسة الأمريكية مازالت تشكل القوة الهامة لعام 2005، مع أن هناك قوى داخلية هي أيضاً مسيطرة.

خلال رده على انتقادات وجهت له في محاضرة ألقاها بعنوان الفشل الأمريكي في العراق، قال فؤاد عجمي "قد لا يكون السيد بوش استسلم للسفسطائية الفلسفية المفرطة بيد أن الرسالة الثورية التي طرحها كانت مجرد إيمان بسيط بعدم وجود (استثنائية) عربية وإسلامية لمبدأ طلب الحرية. فبالنسبة لشعوب غاطسة في التشاؤم التاريخي، يبدو أن رسالة بوش كانت بمثابة ترياق قوي لثقافة الطاغية".

 للاتجاهات التي تمت مناقشتها آنفاً نضيف عدداً من العمليات التقييمية التي تخص المنطقة:

*   لا يوجد هناك أي تحالف عسكري ضد إسرائيل.

*   تهديد البنية التسليحية يتوسع أكثر فأكثر وهو مدعاة للقلق، وأنا أسميه التهديد بدءاً من القسام إلى شهاب 3. من تهديد منصات إطلاق الصواريخ في قطاع غزة (التي آمل أن ننجح في منع انتقاله إلى يهودا والسامرة) إلى تهديد حزب الله إلى تهديد صواريخ شهاب 3 في إيران.

*   الشرق الأوسط قنبلة اجتماعية واقتصادية موقوتة. يزداد حجم أسواق الشرق الأوسط كل عام بنسبة 3% أي أكثر من أي منطقة في العالم وهذا يعني أن أكثر من 3 ملايين نسمة فوق سن التاسعة عشر سينضمون إلى سوق العمل كل عام بعد 2005، أي نحو مليون شخص في مصر و800 ألف في إيران و300 ألف في سوريا. عند تقييم هذه الأرقام من حيث اختلال وظيفة أنظمة الحكم التي تسيطر على الدول المذكورة آنفاً لا بد أن تتمثل النتيجة في شيء واحد وهو أن القنبلة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية بدأت تظهر من حيث الشكل في المنطقة.

*   التغيرات الحاصلة في المنطقة هي تغيرات تقييمية وليست ثورية وتتطلب الوقت والصبر لفهمها ومعالجتها.

*   هناك تحدي متزايد لاستقرار أنظمة الحكم في مصر والسعودية وسوريا والباكستان وغيرها.

مخاطر وفرص بالنسبة لإسرائيل

إن محاولة تحليل التشعبات الاستخباراتية بالنسبة لإسرائيل بعد تقييم ميزان التهديدات والمخاطر من ناحية والفرص من ناحية أخرى، تدل على أن البيئة الإستراتيجية في المنطقة تتسم بالراحة بالنسبة لإسرائيل. يبدو لي كرئيس لشعبة الاستخبارات العسكرية أن صناع القرار هم الذين لابد أن يستفيدوا من العمليات الإيجابية التي نشهدها ولا تزيد قوتها على قوة العمليات السلبية التي تجري هي أيضاً. وإذا استفادوا من هذه العمليات على النحو المطلوب فعندئذ سنشهد نتائج ايجابية وإن لم يستفيدوا فسيحدث العكس.

أولاً: التيار الأول يتعلق بقوة الأمة العربية، فالمصالح القومية العربية في تنامي وعبء المسؤولية العربية الجماعية يضعف. هناك قنوات مباشرة يمكن تطويرها مع لبنان والأردن ومصر وغيرها. الآن لبنان غير ملزم بالتقيد بقرارات الجامعة العربية التي تضعفه يوماً بعد يوم. نحن نرى الآن القذافي يتخذ قراراته بشكل فردي ونفس الشيء يجري في مناطق أخرى. تشغل الوطنية بال جميع الناس في لبنان وسوريا ودول عربية أخرى أكثر ما يشغلهم أحداث تجري خارج دولهم.

ثانياً: الكتلة في الشمال التي تضم لبنان وحزب الله  وسوريا بدأت تتفكك. خسرت سوريا لبنان وهذا أمر مهم من وجهة نظرنا لأن هذا يعني أن هناك مصلحة لبنانية مستقلة تظهر في كثير من المناطق. ونفس الشيء ينطبق على سوريا.

ثالثاً: حزب الله طرف أساسي في هذه اللعبة ولهذا لابد أن يبدي قدراً كبيراً من ضبط النفس في هذه المرحلة. الواقع هو أن حزب الله يواجه أوقات صعبة كمنظمة عسكرية وجهادية مقاتلة وهو مضطر للالتزام باحترام القرارات الصادرة عن الساحة اللبنانية المحلية والتي يجب أن تتجاوب معها المنظمة، لذلك ينبغي أن يقرر الآن إن كان يريد أن يتحول لحزب أو أن يظل منظمة حزب الله.

رابعاً:   العملية الرابعة تتعلق بالطبيعة المتغيرة للإرهاب. التهديد الإرهابي ملاحق الآن وبشكل كثيف ومفيد من حيث الشكل وهذا ما يجري مع القاعدة وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي. في نفس الوقت شهدنا على مدار العامين المنصرمين ممارسة ضبط النفس من قبل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي. من حيث الأنشطة الإرهابية تقديري هو أن حماس هي الآن عند أدنى إمكانياتها من حيث القدرة العملياتية وإن لم يكن من حيث الدافعية وهذا لا يعني إطلاقا أنها عاجزة عن تنفيذ عمليات عندما تريد أن تنفذ.

خامساً: الضغط المستمر على إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، نجح في تأخيرها لنحو عامين على الأقل، ولكن لابد أن ينظر إلى هذه القضية من زاوية تكميلية بمعنى أن الضغط لم يوقف البرنامج النووي. ومع ذلك وفرت هذه الجهود بعض النجاح وأثبتت أن مثل هذه الإجراءات السياسية يمكن أن تُحدث تغيير وتغيير مشابه قد يحدث في كوريا الشمالية.

سادساً: العملية السادسة تتمثل في التقدم نحو دمقرطة المنطقة ولها تأثيرين، واحد إيجابي وآخر سلبي. هنا أشير إلى التأثير الإيجابي. فيما يتعلق بالأخطار التي تتضمنها هذه العملية علينا أن نبدي شعوراً بالحساسية على نحو خاص، وعلى ضوء قوة الولايات المتحدة وصداقتها لإسرائيل، لا بد أن نقلق حيال التغير باتجاه المستقبل، لذلك يجب أن نعترف بأهمية أوروبا وبأهمية حلفاء إسرائيل الآخرين. وفي مقابل هذه التيارات الإيجابية يجب استكشاف مكامن المخاطر والأخطار. تمتلك المنظمات الإرهابية قوة الردع رغم مطاردتها وملاحقتها ووقوعها تحت الضغط. العناصر المسؤولة عن حالة الهدوء السائدة اليوم بين الإسرائيليين والفلسطينيين تتمثل في الجهاز الأمني الإسرائيلي وجهاز الأمن العام والجيش وحماس. أريد أن أوضح أن ليس هناك أي جهة أمنية في السلطة الفلسطينية تلعب دوراً في الحفاظ على الهدوء وهذا يشمل أبو مازن وحالة الهدوء السائدة حالياً هي نتيجة قرار فردي من قبل حماس صاحبة التأثير، وهي قادرة على إشعال نار العنف من جديد متى شاءت. ونفس الشيء بالنسبة لحزب الله ومنظمات الجهاد العالمية، فما زالت لديهم القدرة العملياتية على الردع والإرهاب.

سابعاً: تهديد الموجات الصدمية في الدول التي تربطها معاهدات مع إسرائيل. علينا أن نكون حذرين وملاحظين للتهديد الذي تستشعره الأردن جراء السياج الأمني وخطة الانفصال. أنا أرى في السلام مع الأردن رصيد استراتيجي كما هو السلام مع مصر، ولابد أن نكون حريصين وعلى دراية بالأخطار التي تواجه هذين البلدين من قبل قوى خارجية.

آخر نقطة أريد أن أشير اليها تتعلق بالخطر الكامن في استكمال إيران لبرنامجها النووي الذي يدعمه نظام حكم أكثر تطرفاً من الماضي. أنا لا أعتقد أن خصوم هذا البرنامج سيكونون قادرين على احتواءه. لذلك لابد أن تتضافر الجهود الأمنية والعسكرية والسياسية والتقييمات الاستخبارية، بحيث تتناسب مع حجم الخطر الذي تشكل أمامنا الآن. لنفترض هنا جدليتين استمعت إليهما خلال لقاءات بالعديد من كبار المسئولين في أوروبا لتخفيف وطأة هذه القضية. يقول البعض هناك "سيدي أنا لا أفهم لماذا نشرتم صورة التهديد النووي في أوروبا فقد عشنا تحت سحابة هذا النوع من التهديد بعيد الحرب العالمية الثانية" والجدلية الثانية "إما أنتم وإما الأمريكيون سيحلون المشكلة لذلك لنترك هذه القضية".


* محاضرة ألقاها في مركز الدراسات الإستراتيجية، نوفمبر 2005، www.tau.ac.il

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
03/05/2006 10:54 ص