"الجمهور الإسرائيلي ما بين نتائج الانتخابات الفلسطينية

والانتخابات الإسرائيلية"

عاطف المسلمي

تنشغل معاهد قياس الرأي العام في إسرائيل في هذه الآونة بمتابعة اتجاهات أصوات الناخبين الإسرائيليين المحتملة في الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجري في الثامن والعشرين من آذار-مارس 2006، وهي تفرز لهذا الغرض مساحات واسعة من استطلاعات الرأي العام التي تجريها على مدار الساعة، وبخاصة مع اقتراب موعد الاقتراع في انتخابات يعتبرها الإسرائيليون الأكثر مصيرية في حياتهم حيث تأتي بعد حدثين هامين هزا الشارع الإسرائيلي، أولهما كان فك الارتباط والانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وثانيهما فوز حماس الساحق في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وما لذلك من أثر على مستقبل التسوية مع الفلسطينيين من جهة، والوضع الأمني من جهة أخرى. الجمهور الإسرائيلي مدعو في هذه الانتخابات للاختيار بين نهجين، الأول نهج رئيس الحكومة السابق أرئيل شارون وخليفته إيهود أولمرت المدعوم من شمعون بيريس والذي يعتمد الاستمرار في تنفيذ خطوات أحادية الجانب في الضفة الغربية، في ظل ظروف دولية مواتية وتحت شعار (لا يوجد شريك فلسطيني)، واستكمال فك الارتباط في الضفة الغربية، وترسيم حدود دولة إسرائيل المستقبلية وفق مصالح إسرائيل الحيوية، التي يرى أنها تشمل ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبيرة وإحكام السيطرة على القدس واستكمال بناء جدار الفصل، وبين نهج التخويف والتشدد الذي يطرحه بنيامين نتنياهو زعيم الليكود وأحزاب اليمين المتطرف التي تدور في فلكه، خصوصاً بعد فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية وغياب تأثير اليسار الإسرائيلي مع عدم إغفال تأثير البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تطرحها الأحزاب، والتي تأتي دائماً في مرتبة متدنية من حيث التأثير على قرار الناخب الإسرائيلي بالمقارنة مع القضايا الأمنية والسياسية، كل ذلك في ظل حملة انتخابية مسعورة الكل يحارب فيها الكل، فالعمل يهاجم كديما والليكود يهاجم كديما والعمل يهاجم الليكود واليمين والليكود يهاجمان العمل واليسار وكديما تهاجم الاثنين، ومع ذلك فإن حجم التأثير المتوقع لهذه الدعاية لن يكون كبيراً نظراً لتمترس النسبة الكبيرة من الجمهور الإسرائيلي في مواقعها منذ نحو ثلاثة أشهر، وسيكون هذا التأثير واضحاً فقط على ما يعرف بالأصوات العائمة (المترددة) وهي نسبة ليست بالقليلة (نحو 20%) أي ما يعادل خمس أصحاب حق الاقتراع يمثلون نحو 24 مقعداً من المتوقع أن يحسموا أمرهم في اللحظات الأخيرة التي تسبق الاقتراع. وهم غلة كبيرة ستتنافس عليها الأحزاب بضراوة، ولن يكون بمقدور أي حزب تسجيل انتصار واضح دون استقطاب نسبة كبيرة من هذه الأصوات، وأكبر دليل على ذلك ما جرى في انتخابات رئاسة الحكومة (مايو 1996) حين كسب بنيامين نتنياهو تلك الانتخابات بفضل نجاحه في استقطاب 11% من أصل 15% من الأصوات العائمة قبل أيام معدودات من التصويت وهي التي رجحت كفته على شمعون بيريس.

وفي ظل انشغال استطلاعات الرأي الإسرائيلية في متابعة اتجاهات الناخب الإسرائيلي، بقي موضوع التسوية مع الفلسطينيين بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، هو القضية الأهم بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، الذي بات على العكس من قادته يرى أن سلطة حماس أصبحت أمراً واقعاً، وأنه لابد لإسرائيل أن تتعاطى مع هذا الواقع. من خلال هذا التقرير سنعالج توجهات الناخب الإسرائيلي في الانتخابات القادمة، وموقف الجمهور الإسرائيلي من السلام مع الفلسطينيين بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.

أولاً: إلى أين يتجه الجمهور الإسرائيلي؟

منذ أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرئيل شارون عن تأسيس حزب كديما في شهر نوفمبر 2005. جرف هذا الحزب أصوات الناخبين الإسرائيليين بنسبة كبيرة تراوحت بين 43 و47 مقعداً الأمر الذي أصاب الحزبين الكبيرين (الليكود والعمل) بالذهول مما دفع العديد من قادة هذين الحزبين إلى الإسراع بالانضمام لكديما على أمل حجز مكان مضمون في الكنيست القادمة. وقد استمر هذا التفوق خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين حتى أوائل فبراير 2006 رغم غياب مؤسس الحزب الذي يرقد في المستشفى ولا أمل في شفائه. إلا أنه في منتصف فبراير طرأ بعض التحول في شعبية الحزب، حيث هبطت لأول مرة دون الأربعين مقعداً. وعزا المحللون هذا التراجع لعدة أسباب أهمها: محاكمة عمري شارون نجل مؤسس الحزب، واستمرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل وفوز حماس الساحق في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الذي سجل بداية صحوة اليمين، وأخيراً استمرار غياب مؤسس الحزب في ظل الصورة الباهتة التي يعرضها خليفته إيهود أولمرت.

وإذا ما ترجمت هذه التحليلات إلى لغة الأرقام كما عرضتها الاستطلاعات تكون الصورة على النحو التالي: في الرابع من يناير 2006 نشرت صحيفة هآرتس والقناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، استطلاعاً للرأي أجراه معهد ديالوغ حصل فيه كديما على 42 مقعداً والعمل على 19 مقعداً والليكود على 14 مقعداً، وحصلت شاس على 9 مقاعد والاتحاد القومي على 6 مقاعد ويهدوت هتوراة 6 مقاعد وإسرائيل بيتنا (الحزب الخاص بالجالية الروسية) على 6 مقاعد وشينوي 4 مقاعد والمفدال 4 مقاعد وميرتس 3 مقاعد، فيما حافظت الأحزاب العربية على قوتها وحصلت على 8 مقاعد. كما بين الاستطلاع أن 25% من المصوتين من الممكن أن يغيروا من تصويتهم حتى موعد الانتخابات. وبحسب الاستطلاع فإن ما نسبته 22% و23% من مصوتي حزب العمل وكديما من الممكن أن يغيروا رأيهم حتى موعد الانتخابات مقابل 31% من مصوتي الليكود[1].

وفي 13/1/2006 نشرت معاريف استطلاعاً للرأي أشارت فيه إلى أن حزب كديما سيحصل على 43 مقعداً مقابل 16 مقعداً لليكود و17 مقعداً لحزب العمل. وجاءت نتائج استطلاع معهد داحاف الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت 19/1/2006 لتسجل تراجعاً ملحوظاً بالنسبة لليكود وتقدماً للعمل، حيث أشار الاستطلاع إلى أن كديما ستحصل على 43 مقعداً والعمل على 21 مقعداً بزيادة أربعة مقاعد والليكود 12 مقعداً وشاس 9 مقاعد والأحزاب العربية 8 مقاعد، فيما حافظت باقي الأحزاب على قوتها[2].

"كديما: بداية التراجع"

وفي منتصف فبراير بدأ التراجع في شعبية كديما في الظهور بقوة في الاستطلاعات رغم استمراره في الطليعة، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد داحاف ونشرته صحيفة يديعوت أحرونوت 16/2/2006 تراجعاً ملحوظاً في شعبية كديما وازدياد شعبية قوى اليمين، حيث حصل كديما في هذا الاستطلاع على 41 مقعداً بتراجع مقعدين والعمل 20 مقعداً والليكود 15 مقعداً بزيادة ثلاثة مقاعد وشاس 10 مقاعد بزيادة مقعدين والمفدال والاتحاد القومي 8 مقاعد بزيادة مقعدين. وفي استطلاع آخر أجراه معهد تلسيكر لصالح صحيفة معاريف ظهر استمرار تراجع كديما حين سجل 39 مقعداً والعمل 20 والليكود 15 مع زيادة للمفدال والاتحاد القومي 9 مقاعد وإسرائيل بيتنا 7 مقاعد، مما يشير إلى صحوة ملحوظة لليمين الإسرائيلي أعقبت فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية واستمرار سقوط الصواريخ على جنوب إسرائيل. ويتضح من استطلاع ثالث أجراه معهد ديالوغ ونشرت نتائجه صحيفة هآرتس 16/2/2006 أن كلاً من كديما والعمل يحافظان على قوتهما 40 لكديما و20 للعمل وأن انخفاضاً طرأ على شعبية الليكود بمقدار مقعدين (13 مقعداً) لصالح أحزاب اليمين المتطرف التي حصلت مجتمعة على 33 مقعداً موزعة على النحو التالي: الاتحاد القومي+ المفدال 10 مقاعد، شاس 10 مقاعد إسرائيل بيتنا 7 مقاعد ويهدوت هتوراه 6 مقاعد، فيما ما زالت ميرتس التي تمثل اليسار الإسرائيلي تعاني من تدني شديد في شعبيتها 5 مقاعد[3].

وفي نهاية فبراير نشرت يديعوت أحرونوت استطلاعاً للرأي أجراه معهد داحاف أظهر تراجع شعبية حزب كديما وتقدم أحزاب اليمين، حيث حصل كديما على 39 مقعداً والعمل على 19 مقعداً، فيما صعد الليكود ثلاثة مقاعد ليحصل على 16 مقعداً. وفي نفس الاستطلاع قال 34% بأنه لو جرت الانتخابات اليوم وكانت منفصلة فإنهم سيصوتون لأيهود أولمرت مقابل 19% لبنيامين نتنياهو و19% لصالح عمير بيرتس زعيم حزب العمل.

وحسب الاستطلاع أكد 39% من مؤيدي الليكود الذين تخلوا عن تأييد هذا الحزب، بأن المتهم الرئيسي بتردى  الأوضاع في الحزب هو بنيامين نتنياهو، كما أكد 65% منهم أنهم لن يعود لتأييد الليكود حتى في حال إعادة اختيار قائمة المرشحين لعضوية الكنيست عبر انتخابات عامة تشمل جميع أعضاء الحزب*.

في الثامن من مارس ومع بداية انطلاق الحملة الانتخابية في إسرائيل، أشارت استطلاعات الرأي إلى استمرار التردي في شعبية حزب كديما. فقد أشار استطلاع للرأي نشر عشية انطلاق الحملة الانتخابية للكنيست الـ 17 إلى تراجع طفيف في شعبية كديما بحصوله على 37 مقعداً، فيما بقيت شعبية حزبي العمل والليكود على حالها بحصولها على 18و15 مقعداً على التوالي. وحصل حزب إسرائيل بيتنا على (11 مقعداً) والاتحاد الوطني والحزب القومي الديني (10 مقاعد) واليهودية الموحدة للتوراة (8 مقاعد) وشاس (8 مقاعد) والقوائم العربية (8 مقاعد) وميرتس-ياحد من 5-6 مقاعد[4]. وقد استمرت حالة التدهور في شعبية كديما حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها قبل ثلاثة أيام من الانتخابات، حيث أشار استطلاع للرأي أجراه معهد (سميث) ونشرته صحيفة "جيروزاليم بوش" في 24/3/2006 إلى انخفاض قوة حزب كديما إلى أدنى مستوى لها حين حصل على 34 مقعداً فقط بتراجع ثلاثة مقاعد عن استطلاعات الأسبوع الماضي. وفي المقابل ارتفع عدد المقاعد لدى حزب العمل إلى 20 مقعداً بعد أن كان 19 مقعداً في الأسبوع الماضي وحافظ حزب الليكود على 15 مقعداً[5]. ويعزو بعض المراقبين هذا التراجع في شعبية كديما إلى عودة بعضاً من ناخبي الأحزاب الأخرى الذين اندفعوا باتجاه كديما حين تأسيسها إلى أحزابهم وذلك لسببين أولهما غياب القائد الحقيقي للحزب وعدم تمتع زعيم الحزب الحالي إيهود أولمرت بشخصية القيادة، وثانيهما خلو البرنامج الانتخابي لحزب كديما من الإجابات على كثير من الأسئلة في المجالات الأمنية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية.

وكان استطلاع للرأي نشرته يديعوت أحرونوت يوم الخميس 23/3/2006 قد أشار إلى تدهور شعبية كل من كديما والليكود لصالح العمل، حيث حصل حزب كديما على 36 مقعداً والعمل 21 مقعداً فيما حصل الليكود على 14 مقعداً فقط وشاس 11 مقعداً وإسرائيل بيتنا 11 مقعداً. وأشار الاستطلاع إلى أن 26% من المصوتين الشباب سيصوتون لصالح كديما و19% منهم لصالح الاتحاد الوطني والمفدال، و9% لصالح شاس. و5% فقط من هذه الفئة ستصوت للعمل و4% لليكود.

الوسط العربي

وبالنسبة للجمهور العربي فقد حافظت القوائم العربية على قوتها (8 مقاعد) في معظم استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهي تتوزع بين التجمع والجبهة العربية للتغيير والقائمة العربية الموحدة، فحسب نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد تيلسيكر بين المواطنين العرب، حصل التجمع على 3.5 مقاعد فيما حصلت الجبهة والقائمة العربية للتغيير بزعامة أحمد الطيبي على 2.4 مقاعد، والقائمة العربية الموحدة على 2.4. والجدير بالذكر هنا أن معهد استطلاعات الرأي تيلسيكر هو واحد من أكبر المعاهد المتخصصة ويتمتع بمصداقية عالية وقد أجرى هذا الاستطلاع بناءاً على طلب من حزب التجمع الوطني الديمقراطي بهدف استيضاح شكل تصويت المواطنين العرب في الانتخابات العامة القادمة.

"الأصوات العائمة ستحسم الانتخابات"

على الرغم من كثافة الاستطلاعات وتقارب النتائج عشية الانتخابات إلا أن محاولة رسم صورة تقريبية لما سيكون عليه الحال للنتائج تعتبر ضرباً من التنجيم لسببين، الأول:

أن نسبة المشاركة في الاقتراع ستحدد إلى حد كبير شكل النتائج النهائية، حيث أن ارتفاع هذه النسبة يصب في صالح أحزاب وانخفاضها يصب في صالح أحزاب أخرى، فمن المعروف أن الأحزاب المتدينة واليمينية المتطرفة لا تخشى على نفسها من انخفاض نسبة التصويت حيث تعتبر ذلك في صالحها، لأن مصوتيها لا يحتاجون إلى تحفيز للذهاب إلى صناديق الاقتراع فهم ملتزمون أيديولوجياً، فيما أن الأحزاب الكبيرة مثل كديما والعمل والليكود ستكون الأكثر تضرراً في حال كانت النسبة متدنية، حيث يحتاج ناخبو هذه الأحزاب إلى تحفيز ومتابعة حتى اللحظة الأخيرة يوم الانتخابات لأن مصوتي هذه الأحزاب ينتابهم شعور بالإحباط والضبابية بسبب غياب المصداقية في برامج هذه الأحزاب، وافتقارها إلى القيادة التي تتمتع بالقدرة على الإقناع وجذب الناخبين.

السبب أو العامل الآخر الذي سيكون له تأثير كبير لا يقل عن تأثير العامل الأول هو، الأصوات العائمة التي لم تحدد وجهتها حتى هذه اللحظة، وهي تنتظر الساعات الأخيرة لحسم موقفها، وتشكل ما نسبته 20% من أصوات الناخبين. وهذه الفئة تعتبر أكثر الفئات الانتخابية تأثراً بالحملات الانتخابية،  فمصوتو الأحزاب المؤدلجون لن يكونوا بحاجة إلى دعاية انتخابية لتحديد وجهتهم السياسية، عكس الأصوات العائمة التي تكون عرضة للاستقطاب والتأثر، وهي في الغالب تمثل طبقات اقتصادية متوسطة أو متدنية، وغالبيتها من النساء وكبار السن الذين يفتقدون الحافز للتصويت.

ثانياً: "الجمهور الإسرائيلي والسلام مع الفلسطينيين"

على العكس مما أظهرته القيادتان السياسية والعسكرية في إسرائيل من ذهول بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وما صاحب ذلك من خطاب تشاؤمي تجاه فرص تحقيق السلام مع الفلسطينيين، أبدى الجمهور الإسرائيلي شيئاً من التعقل في التعامل مع نتائج الانتخابات الفلسطينية، حيث أيد الجمهور الإسرائيلي التفاوض مع حماس بشرط إقدامها على العدول عن رغبتها في إبادة إسرائيل. فقد أيد 40% من الجمهور اليهودي إجراء مفاوضات مع حماس بعد تشكيلها الحكومة الفلسطينية وإعلانها العدول عن رغبتها في إبادة إسرائيل، فيما قال 29% من هذا الجمهور إنهم مع قطع كل اتصال مع حكومة حماس واستئناف الاغتيالات في صفوف الحركة. وحسب الاستطلاع الذي نشرته معاريف في 27/1/2006، قال 27% من الجمهور اليهودي في إسرائيل، إنه ينبغي مواصلة التصرف كالمعتاد واستئناف المفاوضات حسب خريطة الطريق الأمريكية. وفي استطلاع آخر نشرته يديعوت أحرونوت في 29/1/2006 قال 48% من الجمهور اليهودي، أنه يجب التفاوض مع حماس في حال شكلت الحكومة الفلسطينية القادمة و43% قالوا أنه يجب قطع كل العلاقات مع السلطة. هذه النتائج تشير إلى أنه خلافاً لردود الساسة في إسرائيل في الخارج، يبدو أن فوز حماس لم يخلق حالة من الذعر لدى الجمهور اليهودي رغم أن الأغلبية تعتقد أن احتمال التوصل إلى اتفاق سلام مع حكومة فلسطينية برئاسة حماس أصبح ضئيلاً جداً أو معدوماً، ومع ذلك يعتقد نصف الجمهور الإسرائيلي حسب مقياس السلام لشهر يناير 2006، أن حماس ستعدل الآن عن مشاركتها في العمليات الارهابية، فيما يتمسك النصف تقريباً برأيهم أنه ينبغي إدارة مفاوضات مع حكومة فلسطينية تشكلها حماس لأنها أصبحت الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.

وحسب الاستطلاع، خفض فوز حماس سقف التفاؤل المنخفض أصلاً في إمكانية التوصل إلى سلام دائم مع الفلسطينيين، حيث قال 83% من الجمهور اليهودي أنهم لا يعتقدون أن هناك احتمالاً لذلك. كما طرأ انخفاض ملحوظ على نسبة المؤيدين في الجمهور الإسرائيلي لإنشاء دولة فلسطينية، ففي شهر كانون أول (ديسمبر) أيد 67% من هذا الجمهور قيام دولة فلسطينية مستقلة، واليوم بعد فوز حماس انخفضت هذه النسبة أن 55%، والشيء الملفت في نتائج هذا الاستطلاع أنه وبرغم الاجماع الواسع على أنه لا يوجد احتمال حقيقي للتوصل إلى اتفاق سلام مع حكومة ترأسها حماس، يعتقد 43% من الجمهور اليهودي أن على إسرائيل أن تدير تفاوضاً سياسياً مع حكومة تنشئها حماس، مقابل معارضة 53%.

وبالنسبة لقضية تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، فإنه خلافاً لموقف حكومة إسرائيل المتردد، أيدت أغلبية كبيرة من هذا الجمهور (69%) الامتناع عن تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية، مقابل 22% قالوا عكس ذلك. وأشار الاستطلاع إلى أنه بخلاف القضايا المختلف فيها والمتعلقة بكيفية تعامل حكومة إسرائيل مع حكومة فلسطينية ترأسها حماس، فإنه يوجد تأييد واسع 75.5% لدى الجمهور اليهودي في إسرائيل بأنه يجب على إسرائيل أن تقرر مصيرها وحدودها بنفسها بإنهاء سريع لبناء جدار الفصل.

إلا أنه بعد مضي أكثر من شهر تقريباً على فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، ما زال الجمهور الإسرائيلي يعاني من عدم الوضوح للطريق الذي ستسير عليه حماس، يظهر ذلك من خلال الاتجاهات المتنافضة في مواقف الجمهور اليهودي من العلاقات مع الفلسطينيين، حيث يبرز انخفاض في نسبة من يعتقدون أن حماس ستخفف من ضلوعها في العمليات ضد إسرائيل مقارنة بشهر يناير الماضي. وبالنسبة للسياسة التي يتوجب على إسرائيل أن تتبعها الآن، فإن النسبة الأعلى تعتقد أن إسرائيل تحدد حدودها الآن بصورة أحادية الجانب، فيما يؤيد أكثر من الثلث تقريباً إبقاء خط مفتوح مع حماس على أمل أن تغير مواقفها. وحسب ما أشار إليه استطلاع مقياس السلام لشهر فبراير 2006، الذي طرح سؤالاً على المستطلعين حول كيفية تصرف إسرائيل إن كانت حماس ستبقى معارضة لحق إسرائيل في الوجود مع استعدادها لعقد هدنة طويلة معها، أجاب 47% أن على إسرائيل أن تحدد حدودها من طرف واحد وإخلاء مستوطنات وفقاً للحدود وعدم التفاوض مع حكومة حماس.

وقال 36% أن على إسرائيل أن تحافظ على خط مفتوح مع حماس على أمل أن تعترف بإسرائيل وتوقف عملياتها وتستعد للتفاوض معها، يشار إلى أن أغلبية من قالوا أنهم سيصوتون لحزب العمل أيدوا خيار الخط المفتوح أما من سيصوتون لكديما والليكود فقد أيدوا الخطوات أحادية الجانب[6].

الخاتمة

من خلال استعراض اتجاهات التصويت لدى الجمهور الإسرائيلي في الانتخابات القادمة، وموقف هذا الجمهور من التسوية مع الفلسطينيين بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية يمكن الخروج بالنقاط الرئيسية التالية:

-      عنصر المفاجأة وارد في هذه الانتخابات وإن نتائج الاستطلاعات تقريبية لا يمكن التعويل عليها بدرجة كبيرة، يقول شمعون بيريس رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أن "الاستطلاعات تشتم ولا تبتلع".

-      المسألة الأمنية ستكون عامل الحسم في توجهات الناخبين الإسرائيليين في الانتخابات القادمة مقارنة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، لذلك نرى أن حجم التأييد المرتفع الذي حظي به حزب كديما عند تأسيسه نابع من رؤية مؤسسه الأمنية.

-      هناك هاجس في كديما من استمرار تراجع شعبية الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات، الأمر الذي يهدد بفقدان الأغلبية مما سيصعب على الحزب تشكيل ائتلاف مستقر بعد الانتخابات.

-      عمير بيرتس وحزب العمل يحققان تقدماً ملحوظاً في الاستطلاعات الأخيرة، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى ما يتمتع به بيرتس من مصداقية في الشارع الإسرائيلي.

-      الليكود يراوح مكانه ولا أمل في حدوث مفاجآت.

-      اليسار يتدهور وشينوي قد لا تتجاوز نسبة الحسم.

-      اليمين المتطرف واليمين المتدين يحافظان على قوتهما.

-      الجمهور الإسرائيلي يرى في حكومة حماس أمراً واقعاً وهو على استعداد للتعامل معها.


* يشار هنا إلى أن بنيامين نتنياهو زعيم الليكود نجح بعد انتخابه لزعامة الليكود في قصر انتخاب أعضاء الليكود المرشحين لمقاعد في البرلمان على اللجنة المركزية للحزب بعد أن كان يجري انتخابهم في انتخابات عامة تشمل جميع أعضاء الحزب.

 الهوامش:


[1] موقع عرب 48، 4/1/2006.

[2] القدس، 20/1/2006.

[3] القدس، 17/1/2006.

[4] القدس، 25/2/2006.

[5] موقع الصنارة، 24/3/2006.

[6] هآرتس، 9/3/2006.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
03/05/2006 10:44 ص