معين الطنانيبعد تنصيب المجلس التشريعي الجديد في 18/2/2006 وبعد مشاورات مكثفة، كلف الرئيس محمود عباس حماس –الكتلة الأكبر في البرلمان- بتشكيل الحكومة الفلسطينية بما ينسجم ويتواءم تماماً مع برنامج السلطة الفلسطينية. وخلال فترة ما يقارب 45 يوماً من التكليف يتوجب على حماس تشكيل الحكومة، والموافقة على الاتفاقات المبرمة والانسجام التام مع برنامج الرئاسة. والسؤال هنا هو: هل تتمكن حركة حماس من المواءمة والانسجام مع الاتفاقات والمعاهدات التي سبق للسلطة أن أبرمتها وقامت عليها؟ بالطبع سيحتاج هذا الأمر إلى تغييرات جوهرية في ميثاق حماس، وتجاوزات حادة لثوابت عملت على أساسها وبموجبها، فهل ستتمكن حماس في تشكيل الحكومة القادمة. مما يترتب عليه تكليف الكتلة الثانية في البرلمان بتشكيل الحكومة وهي فتح، التي يتعذر عليها بالطبع تشكيل الحكومة، لعدم استحواذها على نسبة تخولها لذلك. وبذلك سيتم الإقرار الرئاسي بانتخابات تشريعية مبكرة[1]. خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أكد في 8/2/2006 عقب وصوله إلى الدوحة العاصمة القطرية، أن حركته ستعمل على تشكيل الحكومة على أساس ائتلاف وطني قائم على التكنوقراط والكفاءة والنزاهة[2]. ومن الواضح، أن حماس واجهت منذ لحظة الإعلان عن فوزها في الانتخابات جملة واسعة من الضغط والحصار. ضغط أمريكي وضغط عربي وضغط إسرائيلي. وينصب الضغط كله حول نقطة واحدة، الاعتراف بإسرائيل وما يترتب على ذلك من الإعلان عن وقف المقاومة للاحتلال، والإقرار بمبدأ التفاوض حسبما جرت عليه الأمور طوال السنوات السابقة. ورغم هذه الضغوط صمدت حماس أمام هذه الحملة وأعلنت أنها لن تتراجع عن مواقفها المعلنة. وأثمرت سياسة صمود حماس في وجه موجة الضغط الأولى، فصدرت أصوات عربية (السعودية) ودولية (روسيا) ترفض سياسة وقف المساعدات الاقتصادية، وترى في ذلك عقاباً للشعب الفلسطيني كله وليس عقاباً لحركة حماس فقط. ثم برزت خطوات التراجع الأولى من إسرائيل وواشنطن وبعض الدول المانحة، التي وافقت على صرف أموال مستحقة للفلسطينيين لمدة ثلاثة أشهر، وكانت التغطية لهذا التراجع أن هذه الأشهر الثلاثة هي الأشهر الانتقالية التي تبقى فيها السلطة في يد حركة فتح قبل أن تنتقل إلى حركة حماس[3]. مرشح حماس لرئاسة الوزراء إسماعيل هنية قال: إن حركة حماس معنية بتشكيل حكومة ائتلاف وطني وتكنوقراط وخبراء ومستقلين، ليتم عرضها على البرلمان لنيل ثقته في أقرب وأسرع وقت ممكن[4]. بحيث تشارك كافة القوى في تحمل المسؤوليات الكبيرة التي تنتظر الشعب الفلسطيني بأكمله. ولكن من الواضح تماماً أنه في حال عدم موافقة فتح أو القوى الفلسطينية الأخرى على المشاركة في الحكومة، فإن حماس ستكون مضطرة لتشكيل الحكومة وحدها والاستعانة بشخصيات تتمتع بالكفاءة والمهنية، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. وفي الوقت الذي تواصل فيه حركة حماس حواراتها ونقاشاتها الداخلية بشأن الوصول إلى صيغة مشتركة لتشكيل الحكومة الجديدة، تتواصل الحوارات والنقاشات داخل حركة فتح بشأن مشاركة الحركة في الحكومة أو انتقالها للمعارضة وسط تباين في وجهات النظر بهذا الخصوص داخل فتح. ورغم حالة التباين داخل فتح حول المشاركة في الحكومة، إلا أن الحركة تربط مشاركتها في الحكومة المقبلة بمجموعة من الاشتراطات في مقدمتها الاعتراف بوثيقة الاستقلال وثوابت المنظمة والاتفاقات الموقعة[5]. تعامل بمسؤولية مع تحديات مهمة.. استطاعت حركة حماس عبر الانتخابات التشريعية تحقيق نجاح منقطع النظير، إذ انتقلت هذه الحركة مرة واحدة من المعارضة من خارج البرلمان إلى السلطة. ومن مكانة التنظيم الثاني إلى مكانة التنظيم الأول، ومن موقع الخارج عن الشرعية البرلمانية إلى موقع الشرعية في النظام السياسي الفلسطيني. فقد حصلت الحركة على 74 مقعداً 56% من مقاعد المجلس التشريعي الـ 132 مقعداً، في حين حصلت حركة فتح على 45 مقعداً 34%. وبغض النظر عن الأسباب الداخلية والخارجية لهذا الانقلاب في النظام السياسي الفلسطيني –عبر صناديق الاقتراع- فإن حماس باتت معنية بأسئلة ما بعد الفوز، أي بالتحديات والتبعات الداخلية والخارجية أيضاً التي يرتبها عليها موقعها الجديد في قيادة السلطة، وربما في قيادة الساحة الفلسطينية. وعلى الرغم من الحديث الإيجابي عن الانقلاب الديمقراطي الحاصل وسلاسة تداول السلطة في الساحة الفلسطينية، إلا أن ثمة تخوف مشروع من جراء المبالغة بما حصل، أو جراء الاستهتار بالعوائق التي قد تحول دون تحقيق هذه الثقة السياسية الكبيرة، بشكل ناجز. وفي هذا الوضع، فإن حركة حماس ربما تكون معنية أكثر من غيرها بكبح المشاعر المشوشة الناجمة عن نشوة الفوز، وحراسة التغيير الحاصل عبر استنتاج الدروس اللازمة منه، والتأني في التعاطي معه والتحلي بالحكمة في قيادته، وبالأخص عبر عدم استدراج ردود أفعال انقلابية أو انفعالية على جاري عهدها في المبالغة في مرحلة المعارضة. وبالخصوص فإن حركة حماس على الصعيد الذاتي والداخلي معنية بتكييف ذاتها للتعامل بمرونة وبمسؤولية وجدية مع التحديات المهمة التالية: 1- التعامل مع مؤسسة الرئاسة فالساحة الفلسطينية باتت فجأة في مواجهة واقع جديد. إذ أن رئاسة السلطة في يد حركة فتح، في حين أن رئاسة الحكومة باتت في يد حركة حماس. وفي هكذا وضع، فإن الرئيس محمود عباس رئيس السلطة (وهو من قيادة فتح) هو الذي يتحكم بإصدار القوانين والتشريعات وإدارة القضايا الخارجية والأمنية والتفاوضية. ومشكلة حماس أيضاً (مع النواب المستقلين المقربين) أنها تملك 78 مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي، بمعنى أنها لا تتمتع بأغلبية الثلثين (88 مقعداً) التي تؤهلها لاستصدار تشريعات وقوانين أساسية من المجلس. والمفارقة أن فتح باتت لوحدها تتمتع بميزة الثلث المعطل، ما قد يؤدي إلى شل فاعلية التشريع في المجلس من خارج التوافق مع حركة فتح. ولا شك أن هكذا وضع يتطلب من حركتي حماس وفتح نوعاً من المرونة لتسيير دفة النظام السياسي الفلسطيني، لأن البديل عن ذلك، أي عن انعدام التوافق بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، وعن الشلل في المجلس التشريعي، ربما يؤدي إلى قطع الانتصار على حماس والتوجه نحو انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة من الصعب التكهن بطبيعة نتائجها. 2- التعامل مع أجهزة السلطة مما لا شك فيه أن حركة حماس تنظر بعين القلق والتوجس إزاء التركة التي وجدت نفسها معنية بإدارتها، والمتمثلة خصوصاً بالأجهزة الأمنية والإدارية والمالية، والتي تظل موضع شبهة بالنسبة لها، وعبئاً عليها، بدعوى ولاء هذه الأجهزة للسلطة السابقة (سلطة فتح). بديهي أن واجب حركة حماس في موقعها القيادي الجديد، بالإضافة إلى مشروعية ووجاهة كل المبررات السابقة، العمل على ترشيد أجهزة السلطة. ولكن شرط أن يتم ذلك بمعزل عن الولاءات والعصبيات الفصائلية. 3- التعاطي مع واقع منظمة التحرير الفلسطينية إضافة إلى النقطتين الأوليتين، فثمة مشكلة تتعلق أولاً، بكونها تعمل من خارج مؤسسات المنظمة، وثانياً بحكم هيمنة فتح على المنظمة. هكذا فثمة نوع من الفيتو من قبل حركة فتح على قيادة حماس وتوجهاتها السياسية في المؤسستين القياديتين (رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة) حيث الرئيس محمود عباس يترأس هذين الإطارين القياديين. والمعلوم أن منظمة التحرير هي المرجعية القيادية للسلطة، وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بمثابة الرمز والموحد للفلسطينيين والمعبر عن قضيتهم. وبدون دخول حماس إلى المنظمة، وعكس واقعها القيادي الجديد عليها، من الصعب على حماس إدارة الوضع الفلسطيني أو التحكم بتوجهاته السياسية أو تكريس ذاتها باعتبارها قائد للشعب الفلسطيني. 4- واقع المنافسة مع فتح فعلى الرغم من الفوز السابق الذي حققته حماس في الانتخابات، فإن تعميد هذا الفوز وتأكيد شرعيته لتكريس قيادتها، ربما يتطلب جولة انتخابية أخرى لأسباب عدة أهمها: أولاً: أن فتح ما زالت تمتلك العديد من أوراق القوة وضمنها: 1- رئاسة السلطة. 2- رئاسة المنظمة. 3- فوز قوي في أجهزة السلطة والمنظمة. 4- تماثلها مع الواقع العربي والدولي. وهي أوراق تتيح لفتح الحد من دور حماس القيادي. ثانياً: من تفحص نتائج الانتخابات يمكن تبين أن نجاح حماس جاء في نسبة لا بأس بها، ليس لخيار حماس السياسي، وإنما نتيجة لتردي واقع فتح. أي بسبب خلافاتها وترهلها واستهتارها (بمعزل عن اخفاقاتها في المفاوضة والانتفاضة وبناء الكيان). كما أن نسبة التصويت الاحتجاجي ضد فتح بين الناخبين جاءت إزاء الفساد والفلتان الأمني والاستهتار بمشاعر الناس في الضفة والقطاع. ولعل هذا يفسر التعامل في الانتخابات النسبية (الوطنية) بين حركتي فتح (42%) وحماس (44%) في مقابل الفجوة في نتائج انتخابات الدوائر، التي حصدت فيها فتح هزيمة مريعة، بحصولها على 26% من المقاعد مقابل 68% لحماس. ففي هذه الانتخابات عاقب ناخبو فتح ومؤيدوها حركتهم على الشخصيات التي صدرتها في قوائم أكثر من كونهم انحازوا إلى خيار حماس السياسي. كما يمكن لفت الانتباه إلى أن تنافس أبناء فتح من خارج القوائم الرسمية (حوالي 150) أدى إلى تشتيت الأصوات لصالح حماس في الدوائر. 5- معادلة الديمقراطية والديكتاتورية أدت نتائج الانتخابات التشريعية، وبغض النظر عن مداخلاتها الداخلية والخارجية إلى فوز حماس، وهذا أمر بحكم المنتهي. ولكن هذه الانتخابات بينت أيضاً انقسام الشعب الفلسطيني إلى اتجاهين رئيسيين. وفي مثل هذا الواقع فإن حماس رغم أكثريتها العددية في المجلس التشريعي 56% لا تستطيع أن تفرض خياراتها على الفلسطينيين، فهذه الأغلبية البسيطة لا يمنحها الحق والمشروعية في ذلك تتعلق بقانون الأساس والتي تتطلب أغلبية ثلثي أعضاء المجلس. وبمعنى آخر، فإن احترام الديمقراطية بتمكين حماس من قيادة السلطة في هذه المرحلة بكل سلاسة وبروح تعاونية وتكاملية ينبغي أن يقابل من حماس ذاتها، بتفهم واقع الانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية، وخصوصاً تقبل واقع التعددية والتنوع والديمقراطية واحترام الرأي الآخر، وعدم تحويل الديمقراطية التي جاءت بها السلطة إلى دكتاتورية للأغلبية في المجلس التشريعي. فهي ستخسر، فضلاً عن أنها لن تستطيع ذلك في الواقع الفلسطيني السائد. فقط عندما تصبح حماس مع مؤيديها بمثابة أغلبية مطلقة يمكن لها فرض خياراتها السياسية والميدانية في الشأن العام، من دون أن يشغل ذلك بالطبع الخير المجتمعي[6]. ورغم كل التحديات الداخلية منها والخارجية، تسعى حركة حماس الفائزة بالأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني لتحقيق هدفين مهمين هما: الوصول بالتعاون مع الأطراف الفلسطينية لتشكيل حكومة وطنية. والثاني الحصول على الاعتراف بالحركة على الساحة الإقليمية والدولية. ومعظم التصريحات الصادرة عن قيادة الحركة دلت بوضوح عن النهج الواقعي والعملي مع الحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وليس لدى حماس أي تحفظ بأن تشارك كافة القوى الفلسطينية في الحكومة القادمة التي سوف تشكل بعد انعقاد المجلس التشريعي. ولا مانع من عقد هدنة طويلة المدى مع إسرائيل. وأعلنوا سابقاً احترامهم لكل الاتفاقات الدولية شريطة أن تحقق الأهداف الأصيلة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وحق العودة، أو بالأحرى الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلت في الخامس من حزيران عام 1967[7]. الجلسة الأولى للمجلس التشريعي الثاني بعد أن نجح الفلسطينيون في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، تم تنصيب المجلس التشريعي الثاني بأغلبية حمساوية في 18/2/2006. كما ألقى الرئيس محمود عباس خطابه التاريخي، شرح فيه رؤيته السياسية وكلف حماس بتشكيل الحكومة المقبلة. بعد هذه الجلسة –جلسة التنصيب- أصبح لدينا مجلس تشريعي جديد يختلف جوهرياً عن سابقه. ففي هذا المجلس الجديد تشارك قوى وشخصيات لأول مرة (خصوصاً حركة حماس والجبهتين الشعبية والديمقراطية والمبادرة الوطنية وحزب الشعب)، ويضم المجلس وجوهاً جديدة بعد سقوط معظم النواب السابقين الذين خاضوا الانتخابات مرة أخرى، وبعد احجام بعض النواب السابقين عن خوضها لإعطاء فرصة لغيرهم أو لخشيتهم من السقوط، أو لعدم تمكنهم من الفوز في الانتخابات التمهيدية لحركة فتح، أو في وضع أسمائهم في القائمة أو قوائم الدوائر. كل ما تقدم يضعنا أمام مجلس جديد معظم أعضائه بمن فيهم ممثلو حركة فتح من الوجوه الجديدة. وأبرز ما يحمله المجلس الجديد، هو أن حركة حماس التي قاطعت انتخابات 1996 على خلفية رفض اتفاق أوسلو وإفرازاته، انتقلت مرة واحدة من المقاطعة والمعارضة إلى قيادة السلطة بدون المرور بمحطة المشاركة بالسلطة، وذلك من خلال حصولها على أغلبية المقاعد. وهذا يعكس أن الناخب الفلسطيني أراد إحداث تغيير جوهري على نظام حكمه، فأراد أن يجرب سياسة جديدة ووجوهاً جديدة[8]. لقد تمكنت حركة حماس من الإمساك وبقوة بإحدى أهم السلطات في النظام السياسي وهو البرلمان "المجلس التشريعي" كجهة تملك أدوات الرقابة والتشريع مع الإبقاء على كافة عناصر السلطة والنظام السياسي خارج هذا الميدان، والتي ظلت في إطار صلاحيات الرئيس. ونعتقد أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس في افتتاح المجلس التشريعي الثاني لم يكن مجرد خطاب احتفالي أو بروتوكولي بقدر ما هو "خارطة الطريق" التي ينبغي على الحكومة المقبلة الالتزام بها، خارطة طريق فلسطينية يمكن من خلالها رسم السياسة الفلسطينية وأدوات تنفيذها -الحكومة- ولكن ليس بالخروج عنها، بل بالتمسك بتفاصيلها ووفقاً للنظام الأساسي –الدستور. فإن رئيس السلطة هو الذي يرسم السياسات التي ينبغي على الحكومة أن تنفذها، وإذا ما وجد الرئيس أن الحكومة لسبب أو لآخر غير قادرة أو ممتنعة عن تنفيذ هذه السياسة، فله الحق بإقالتها وتكليف من يراه مناسباً لهذه المهمة، هذا من الناحية القانونية البحتة، لكن الأمر يختلف كثيراً إذا ما ناقشنا الأمر من وجهة ما يحدث في الواقع، إذ من المعروف أن أية حكومة يجب أن تنال ثقة المجلس التشريعي، وهنا يأتي دور الحركة في حجب الثقة عن أية حكومة لا تتناسب ورؤيتها، وتحدث أزمة دستورية ليس لها حل سوى حل المجلس التشريعي واللجوء إلى انتخابات مبكرة. في تصور بسيط للحكومة الجديدة بصرف النظر عن طريقة تشكيلها، ستكون مهامها ذات طبيعة داخلية على نطاق واسع، بما في ذلك إجراء الاتصالات وعقد اجتماعات التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، بهدف تسيير دفة الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، لكن السياسة الخارجية، حتى بفرض وجود أحد وزراء حماس على رأس وزارة الخارجية، فإنها ستخضع لرؤية الرئيس المباشرة في الإطار السياسي، إذ ليس من صلاحية هذا الوزير إقالة أو تعيين سفير –على سبيل المثال- إلا بموافقة الرئيس، ما يشير بوضوح إلى تمتع رئيس السلطة بالصلاحيات المطلقة إزاء رسم السياسية الخارجية بالسلطة. لكن مطالبة أطراف عديدة حركة حماس الاعتراف بإسرائيل، إلى جانب ضغوط أخرى، خلق الانطباع وكأن حركة حماس أو المجلس التشريع هو الذي يرسم السياسات التي تنفذها الحكومة، وهذا الانطباع خاطئ إلى أبعد الحدود. فوفقاً لنظامنا الأساسي – الدستور- فإن النظام السياسي الفلسطيني، هو نظام رئاسي، يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات واسعة، وبخاصة في مجال السياسة الخارجية. يضاف إلى ذلك، أن العملية التفاوضية مع إسرائيل لا تخضع لصلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية، رئيساً وحكومة وبرلماناً، إذ أنها من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية التي يترأسها حالياً الرئيس محمود عباس، بوصفه رئيساً للجنة التنفيذية، وليس بوصفه رئيساً للسلطة. وهذا ما يجب أن يتم (الفصل بين الرئاستين) السلطة ومنظمة التحرير، ليس بالضرورة فصلاً شخصياً يتعلق بأبي مازن، بل فصلاً في المهام والفعالية والبرامج، فصلاً واقعياً على الأرض حتى لا تحدث إزدواجية عانى الشعب الفلسطيني منها الكثير نتيجة الخلط بين مهام السلطة ومهام منظمة التحرير. إن حركة حماس ليس وحدها في مجال التحدي، بل كل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، فالتجربة الديمقراطية الرائدة التي قادت حركة حماس للإمساك بالمجلس التشريعي ليست مجرد تجربة إحصائية تهدف إلى تغيير طرف بآخر، بقدر ما هي بوابة الانفتاح على المستقبل والتعاطي الواعي والفاعل على الواقع، بعيداً عن الشعارات والخطابات، وأكثر اقتراباً من مصالح الجماهير الحقيقية وتلبية احتياجاتها بالأمن والسلام والحياة، وهذا يتطلب جرأة كبيرة، ويوجد من الأسباب ما يكفي للترحيب بمرحلة مقبلة، بالدرجة الأولى نثق بقدرة شعبنا المعطاء على الوقوف في وجه أي قوة تحاول بيعه الأماني والآمال على حساب مصالحه الواقعية ومتطلبات الاستمرار في النضال الوطني ضد الاحتلال بعد توفير كل مستلزمات التصدي والصمود الداخلي[9]. خطاب الرئيس في جلسة التشريعي في قراءة لخطابه أمام الجلسة الأولى للمجلس التشريعي الثاني، أعرب الرئيس محمود عباس عن استعداده للتعاون والدعم دون الاشارة إلى إمكانية المشاركة في الحكومة، مع التأكيد على حتمية التزام الحكومة العتيدة بسياسة الرئيس واحترام جميع الالتزامات الموقعة. وأطنب الرئيس في عرض مكانة وموقع منظمة التحرير في الحياة السياسية الوطنية، مبرزاً دورها كمرجعية عليا، وقيادة عامة للسلطة والشعب... "فهي الناطقة الوحيدة والمفاوضة وصانعة القرارات الكبرى. وكم كنا بحاجة للتذكير بأن المنظمة هي الطرف الذي وقع اتفاقات أوسلو والاعتراف المتبادل، وهي مَن تتجه إليه أنظار العالم حتى يتفتح المسار السياسي من جديد، وما السلطة بكل مالها وما عليها إلا جزء من كل، والكل هو المنظمة". ووضع الرئيس النقاط على الحروف، حين حدد الأسباب الجوهرية لإنهيار عملية السلام، ومعظمها أسباب إسرائيلية بدأت مظاهرها العملية منذ اغتيال رابين وصعود نتنياهو إلى سدة الحكم على برنامج يعارض أوسلو، مروراً بسلبية باراك واستقراراً عند محطة شارون، حيث الحرب الأكثر شراسة ضد الفلسطينيين، والتجاوز الأكثر خطورة للشريك السياسي عبر تكريس المبادرات أحادية الجانب، والتي بدت أقرب إلى المغامرة منها إلى السياسة السليمة البناءة. وفي سرده لمحاولات انقاذ العملية السلمية، لم يفت الرئيس التذكير "بمحطات كدنا ننساها لهول الأحداث"، مثل تفاهمات شرم الشيخ، وخطة خارطة الطريق، ورؤيا الرئيس بوش، أي الحل القائم على دولتين، وقرارات قمة بيروت التي تجسد مبادرة عربية تنسجم مع الطروحات الأمريكية والدولية. ولقد انطوى خطاب الرئيس على شجاعة وحكمة في ذات الوقت. الشجاعة بمصارحة الشعب الفلسطيني بأن المفاوضات هي الخيار الرئيس الذي يوفر للشعب الفلسطيني إمكانية جدية للتقدم نحو حقوقه، والشجاعة في هذا أن الرئيس لم يحن ظهره لعاصفة الشعارات التي تعتبر المفاوضات عملاً عبثياً، بل كرس هذا الاتجاه الذي ساعد مع الوسائل الكفاحية الأخرى على إقامة السلطة، وتأسيس المجلس التشريعي، وتوفير الغلاف الدولي الضروري لصون الحقوق الفلسطينية واعتبارها أساساً ممكناً للحل. أما الحكمة، فهي الحرص، رغم الضباب المصطنع الذي أطلق في سماء الحياة السياسية الفلسطينية على مخاطبة العالم بما يجذب الدعم والتعاطف ويبعد عن فلسطين أخطار العزلة الإقليمية والدولية. وحين يطرح عباس مواقف على هذه الدرجة من الوضوح، فإنه بذلك يعزز مصداقيته كرئيس منتخب وكشخصية لها مكانتها واحترامها على الصعيد العالمي، وفي ذات الوقت يفتح الأبواب والنوافذ ليدخل منها بعض الهواء إلى الرئة الفلسطينية المنهكة بفعل الحصارات الداخلية والخارجية. وفي تعاطيه مع الشأن الداخلي، جدد عباس بلغة القائد المسؤول قراره القديم بشأن الحوار الوطني تجاه دعم وتفعيل وتطوير منظمة التحرير وواصل نهجه، الذي شكلت عملية محاربة الفساد أحد مهامه المركزية، غير أنه وفي هذه النقطة بالذات، أرجع المعالجة إلى المؤسسة القضائية، لعله بذلك يخفف من حدة الاستخدام الاعلامي والتشهيري للفساد، بعيداً عن تقديم حلول منهجية لظاهرته. وفي ذات السياق، حث الرئيس عباس الحكومة الجديدة على الاهتمام بالجانب الأمني الذي هو حجز الزاوية في المشروع الوطني العتيد، فهو ليس مجرد اشتراط دولي وإقليمي بقدر ما هو حاجة فلسطينية شعبية أساسية. وفي الوقت الذي تتخوف فيه الحكومة الجديدة من الحصار الاقتصادي والمالي.... أظهر الرئيس شهامة أخلاقية وسياسية، حين رفض ابتزاز الشعب الفلسطيني بذريعة محاصرة حماس، ورفض ابتزاز حماس بعد أن فازت في انتخابات حرة نزيهة. لقد جاء خطاب الرئيس عباس كإنطلاقة ثانية للسلطة الوطنية التي تقاد بحكمة وموضوعية ووفق سياسة واقعية يحترمها العالم ويتفهمها الشعب الفلسطيني ويمنحه تأييده، ولا تملك أية حكومة فلسطينية إلا احترامها والتعاون على أساسها. ولكي تكتمل الصورة من كل جوانبها، فلا مناص من انتظار خطاب حماس أثناء عرض البرنامج الحكومي على المجلس التشريعي، ففي تلك اللحظة يمكن قياس درجة الاقتراع والابتعاد في السياسة والتوجه، وعلى أساسها يتحدد تلقائياً مستوى الوفاق والاتفاق سلباً أو إيجاباً[10]. الرئيس يكلف هنية بتشكيل الحكومة اختارت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" رسمياً في 19/2/2006، القيادي في الحركة إسماعيل هنية لترؤس أول حكومة فلسطينية تشكلها حماس، إثر فوزها في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25/1/2006. وقد التقى الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة بغزة مع مرشح حركة حماس لرئاسة الحكومة في لقاء بروتوكولي في 20/2/2006، تمهيداً لتسليمه كتاب التكليف الرسمي لتشكيل الحكومة المقبلة[11]. وفي 21/2/2006 سلم الرئيس هنية كتاب تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة رسمياً، ليكون بذلك ثالث رئيس وزراء منذ إنشاء السلطة الوطنية العام 1994. ويعتبر كتاب التكليف البداية القانونية لتشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة، والتي وفقاً للدستور ستحتاج إلى ثلاثة أسابيع، وإذا لزم الأمر تمدد أسبوعين آخرين[12]. وقد جاء كتاب التكليف مقتضباً للغاية ويتألف من ثلاثة بنود رئيسية، وبحسب ما كشفته مصادر مطلعة، فإن الرئيس طلب بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية من هنية في البند الأول من رسالة التكليف تشكيل الحكومة الجديدة وفق المدة الزمنية المحددة في القانون الأساسي. أما في البند الثاني، فإنه طلب من هنية عرض الحكومة على الرئيس وعلى المجلس التشريعي الفلسطيني لنيل الثقة. بيد أن البند الأكثر أهمية هو البند الثالث، الذي يقول فيه الرئيس، "أدعوكم كرئيس الحكومة المقبلة إلى الالتزام بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني والحفاظ على مقدراته وتطويرها، والعمل على تحقيق أهدافه الوطنية العليا وفقاً لوثيقة إعلان الاستقلال وقرارات المجلس الوطني ومواد القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية وقرارات القمم العربية والالتزامات التي وردت في خطاب الرئيس الأخير أمام المجلس التشريع في جلسته الافتتاحية في 18/2/2006"، وطبقاً للقانون، فإنه يتوجب أن يبعث هنية كتاباً يوجهه إلى الرئيس عباس يؤكد فيه قبول لخطاب التكليف[13]. مشاورات حماس مع الفصائل إثر اختيار حركة حماس، القيادي في الحركة إسماعيل هنية لترؤس أول حكومة فلسطينية تشكلها حماس. وعقب لقاء الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة بغزة مع مرشح الحركة لرئاسة الحكومة في لقاء بروتوكولي في 20/2/2006، تمهيداً لتسليمه كتاب التكليف الرسمي لتشكيل الحكومة المقبلة، شرعت حركة حماس في اليوم نفسه في الاستماع إلى وجهات نظر الفصائل بشأن المرحلة المقبلة والمشاركة في الحكومة. واستهل وفد حركة حماس برئاسة د. محمود الزهار بلقاء وفد من قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي حصلت على ثلاثة مقاعد في المجلس التشريعي المنتخب برئاسة النائب جميل المجدلاوي. وأبدت الجبهة في ختام اللقاء الذي عقد في منزل الزهار، استعداداً مبدئياً للمشاركة في الحكومة المقبلة بعد التوافق على القواسم المشتركة بين الجانبين. في حين اعتذرت حركة الجهاد الاسلامي في لقاء وفدها برئاسة الشيخ عبد الله الشامي بالزهار، عن المشاركة في الحكومة المقبلة، رغم أنها أعلنت أنها ستتعاون وستدعم حركة حماس في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والدولية. كما التقت حماس بوفد من قياديي الجبهة الديمقراطية برئاسة صالح زيدان، وقالت الجبهة الديمقراطية في بيان أصدرته عقب اللقاء، أن الحوار دار حول تشكيل حكومة ائتلاف وطني ممكن، شرط التوصل إلى برنامج سياسي واجتماعي وأمني مشترك بناءاً على حوارات القاهرة من أجل وضع حد لاحتكار السلطة وتكريس التعددية. ودعا وفد الديمقراطية إلى حوار وطني في الداخل يضم الجميع للوصول إلى برنامج القواسم المشتركة. من جهة أخرى، طلبت حركة حماس من حركة فتح عقد اجتماع قيادي لبحث سبل مشاركتها في الحكومة المقبلة، حيث رحبت فتح بعقد الاجتماع لكن بعد تشكيل وفدها اللقاء[14]. وفي 23/2/2006 جرى الحوار مع حركة فتح في منزل القيادي في حركة حماس محمود الزهار، ضم قيادات من الحركتين، تركز حول المشاورات على برنامج الحكومة المقبلة الذي ستقدمه حماس، وبناءً عليه ستحدد حركة فتح المشاركة في الحكومة بعد دراسة هذا البرنامج والخطوط العريضة التي ستسير عليها الحكومة المقبلة في المرحلة القادمة. وبما يتعلق بموقف حركة فتح النهائي من المشاركة في حكومة حماس، أشار النائب عن حركة فتح ماجد أبو شمالة، إلى أن حركة فتح بكافة أطرها القيادية ستعلن موقفها النهائي من المشاركة في الحكومة أو رفضها على ضوء الدراسة الدقيقة والواقعية لبرنامج الحكومة المقبلة[15]. وقد بدا أن هناك توجهاً لحركة فتح بعدم المشاركة في حكومة تشكلها حماس، حيث قال النائب محمد دحلان وزير الشؤون المدنية السابق في 28/2/2006، "إن هناك إجماعاًَ داخل حركة فتح على عدم المشاركة في الحكومة القادمة التي ستشكلها حماس"[16]. كما قال أحمد عبد الرحمن الناطق الرسمي باسم فتح "لم نسمع من حماس أي برنامج حتى الآن، لم يعقد سوى لقاء واحد معها، وحماس لم تقدم برنامجاً...، وفي ضوء ما يتم تقديمه من برنامج سيكون رد القيادة في فتح". ومع بدء جلسات المجلس الثوري لحركة فتح يوم 4/3/2006، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، لم تكن الحركتان الكبيرتان على الساحة الفلسطينية قد حققتا أي تقدم في مسألة المشاركة في الحكومة. ومعلوم أن مواقف الطرفين من القضايا الأساسية المتعلقة ببرنامج الحكومة الجديدة لا تزال متباعدة. لكن رد القيادة في فتح يشترط توافقاً أساسياً على البرنامج السياسي وتطابقاً مع البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 إلى جانب دولة إسرائيل، واعتماد المفاوضات وسيلة لتحقيق ذلك. وقال أحمد غنيم عضو المجلس الثوري لحركة فتح، إن المجلس الثوري سيبحث في المشاركة بالحكومة، لكن التوجه العام هو عدم المشاركة. وقال: "المجلس الثوري مع إعطاء حماس الفرصة لتشكيل الحكومة ولتتحمل المسؤوليات وفقاً للتفويض الذي جاء في كتاب التكليف. وأضاف: "لحماس أن تشكل حكومتها وفق كتاب التكليف ووفق برنامج منظمة التحرير، ونحن سنكون معارضة بناءة ولن نضع عقبات أمامها". وفي المقابل تقول حماس، أنه ينبغي أولاً صياغة اتفاق حول العديد من القضايا قبل الوصول إلى برنامج حكومة ائتلافية. وقال فرحات أسعد الناطق باسم حماس: "الخلاف بيننا وبين فتح فقط حول صياغة المبادئ العامة... وأن القضايا تشمل أهداف الشعب الفلسطيني وآليات الحل، وأي حلول نسعى إليها يجب أن تكون ضمن اتفاق وطني، مثل الموقف من إسرائيل كدولة احتلال، والهدنة وآليات عملها وشروطها والعلاقة مع العالم العربي والاسلامي ودول العالم[17]. وأكد صخر بسيسو نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح في 5/3/2006، أن معظم نواب الحركة في المجلس التشريع رفعوا مذكرة للمجلس التشريع طالبوه فيها بالإعلان عن رفض الحركة للمشاركة في الحكومة القادمة. لكنه أوضح أن المجلس الثوري لم يتخذ بعد قراراً بهذا الشأن. كما أوصى رئيس الوزراء أحمد قريع، المجلس الثوري للحركة المنعقد في رام الله، بألا تشارك حركة فتح في حكومة تشكلها حركة حماس[18]. من جهة أخرى، وفي مشاورات مع الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة الجديدة عقدت حركة حماس لقاء مع كتلة الطريق الثالث في 23/2/2006، في منزل د. محمود الزهار في غزة. وقال رئيس كتلة الطريق الثالث د. سلام فياض، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الناطق الاعلامي لكتلة حركة حماس صلاح البردويل، أن الجلسة تركزت حول تشكيل الحكومة القادمة وصياغة برنامج موحد يجمع كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، ولم يقتصر اللقاء على توزيع مناصب الوزارة، بل ركز على إيجاد المفاهيم المشتركة والمناسبة لتحظى المرحلة القادمة. وأشار البردويل إلى أن قائمة الطريق الثالث لم تبد حتى الآن رأياً واضحاً حول المشاركة في حكومة، وتركت الموافقة أو رفضها لمزيد من المشاورات والتفاهمات في المستقبل[19]. حوارات داخل هيئات حماس بلورت حركة حماس في الداخل صيغة برنامج الحكومة القادمة على اساس القواسم المشتركة بين الفصائل وأرسلته إلى القيادة في الخارج، من أجل الاتفاق عليه بشكل نهائي وعرضه على الفصائل. وقال الدكتور صلاح البردويل الناطق الإعلامي باسم نواب كتلة حماس في المجلس التشريعي في 28/2/2006، إن البرنامج يشمل عدداً من القضايا المشتركة التي تتفق عليها الفصائل، مثل الوضع الداخلي الذي يشمل ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة صياغة منظمة التحرير، إلى جانب محاربة الفساد والفلتان الأمني، كما تشمل القضايا المدرجة في البرنامج علاقات الفصائل بشكل عام وضبطها مشيراً إلى أن الملف السياسي سيتم نقاشه مع الفصائل للخروج برؤية موحدة بسبب وجود خلافات عليه بشأن الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقات الموقعة. وقال: إن حماس ستضع نقاطاً مشتركة لا تحرج فتح ولا تمس بالثوابت الوطنية[20].
مواقف القوى والكتل البرلمانية رهن المجلس الثوري لحركة فتح في نهاية أول دورة اجتماعات له بعد الانتخابات التشريعية في 7/3/2006، المشاركة في حكومة حماس القادمة بالالتزام بما ورد في خطاب الرئيس محمود عباس في حفل تنصيب المجلس التشريعي وبما تضمنه كتاب التكليف. وقد رفضت الحركة برنامج حماس الحكومي* الذي سلمته للرئيس عباس في 10/3/2006، والذي طلب بعض الإيضاحات بشأن البرنامج السياسي للحكومة، وبخاصة أنه لم يلبِ متطلبات الكتاب الذي كُلف بموجبه إسماعيل هنية تشكيل الحكومة الفلسطينية المقبلة. وعلى إثر ذلك قامت حماس بتعديل برنامجها السياسي وسلمت نسخة منه للكتل البرلمانية في المجلس التشريعي في 13/3/2006**. وقال النائب رضوان الأخرس عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح عقب اجتماع مع ممثلي كتلة حماس والبديل البرلمانيتين في منزل د. محمود الزهار في 15/3/2006، أن الهوة ما زالت كبيرة لأن ما تطرحه حماس ما زال دون الحد الكافي لتحقيق رؤية أو قرار يقنع فتح بالمشاركة في الحكومة الجديدة. وقال جميل المجدلاوي القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مؤتمر صحافي أمام منزل د. الزهار الذي تتم فيه اللقاءات في 16/3/2006، أنه لا جديد بين الجبهة الشعبية وحركة حماس بشأن الشراكة في الحكومة القادمة، وكانت من أهم نقاط الخلاف التي تمنع الجبهة الشعبية من الانضمام إلى الحكومة هو موضوع تطوير منظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاق القاهرة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وأن حماس لا تشير إلى موضوع المنظمة إلا من خلال الإشارة فقط إلى اتفاق القاهرة. ونقطة الخلاف الأخرى تتمثل في رغبة الجبهة في الإشارة إلى المرجعية القانونية لعمل السلطة والمتمثلة في القانون الأساسي الذي يحدد مهمات الوزارات. وانتقدت كتلة البديل في لقاء مع حماس في 16/3/2006، أن حماس لم تأخذ بورقة الملاحظات التي تقدمت بها الكتل البرلمانية الأربعة (فتح، البديل، أبو علي مصطفى، فلسطين المستقلة) يوم 15/3/2006، والتي تضمنت أربع نقاط أساسية وهي التي يستند برنامج الحكومة المقبلة إليها، مثل وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي وقرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وضرورة التزام الحكومة القادمة بالاتفاقيات التي وقعت مع منظمة التحرير الفلسطينية ورفض الحلول أحادية الجانب. وفي أعقاب المشاورات واللقاءات الماراثونية التي عقدتها كتلة حماس البرلمانية مع جميع الكتل البرلمانية الأخرى، وعلى رأسها كتلة حركة فتح على مدار أربعة أسابيع في مناقشة برنامج الحكومة والتعديلات الجديدة على البرنامج السياسي للحكومة، خلصت حماس إلى أن هناك توجهاً من الكتل البرلمانية الأخرى للتوافق مع موقف فتح بعدم المشاركة في حكومة حماس. وقد أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعلى لسان عضو اللجنة المركزية للجبهة كايد الغول في 19/3/2006 وقبل ساعات قليلة من تقديم رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة الجديدة للرئيس محمود عباس، عن موقفها النهائي بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة، وذلك بسبب عدم تضمين حماس البرنامج الحكومي نصاً صريحاً وواضحاً يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني[21]. وحقيقة أن هناك ولادة قيصرية تنتظرها الحكومة الفلسطينية المقبلة والتي تشكلها حركة حماس وسط رفض القوى والكتل البرلمانية المشاركة في الحكومة، إضافة إلى ضغوط عربية ودولية، مما دعا إلى توجه حماس لتشكيل حكومتها بوزراء حماس ومختصين وخبراء آخرين.
تشكيل الحكومة الجديدة تعتبر الحكومة التي تشكلها حركة حماس التي وصلت إلى قبة البرلمان الفلسطيني في 25/1/2006 بـ 74 مقعداً، الحكومة العاشرة في حكومات السلطة الوطنية الفلسطينية. ففي مساء يوم 19/3/2006، حمل إسماعيل هنية رئيس الوزراء المكلف في لقائه مع الرئيس محمود عباس تشكيلة من 24 وزيراً طغى عليها الحضور الحمساوي الفاقع في غياب لجميع القيادات والقوائم والكتل السياسية والبرلمانية الفلسطينية. وقد جاء التشكيل النهائي للحكومة الفلسطينية الجديدة كالتالي [22]: رئيس الوزراء ووزير الشباب والرياضة إسماعيل هنية، وزير التربية والتعليم العالي ونائب رئيس الوزراء ناصر الدين الشاعر، وزير الخارجية محمود الزهار، وزير الداخلية والشؤون المدنية سعيد صيام، وزير المالية عمر عبد الرازق، وزير الأشغال العامة والإسكان زياد الظاظا، وزير الصحة باسم نعيم، وزير الأوقاف نايف الرجوب، وزيرة شؤون المرأة مريم صالح، وزير السياحة طناس أبو عيطة، وزير الشؤون الاجتماعية فخري التركمان، وزير التخطيط سمير أبو عيشة، وزير الاقتصاد الوطني علاء الأعرج، وزير النقل والمواصلات عبد الرحمن زيدان، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات جمال الخضري، وزير العدل أحمد الخالدي، وزير الزراعة محمد الآغا، وزير الإعلام يوسف رزقة، وزير الثقافة عطاالله أبو السبح، وزير الحكم المحلي عيسى الجعبري، وزير شؤون الأسرى وصفي كبها، وزير شؤون القدس خالد أبو عرفة، وزير العمل محمد البرغوثي، وزير دولة عاطف عدوان، أمين عام مجلس الوزراء محمد عوض. وقبل يومين من عرضها على المجلس التشريعي لنيل الثقة، أعلن طناس أبو عيطة في 25/3/2006، انسحابه من تشكيلة الحكومة الجديدة التي شكلتها حركة حماس، وعين رئيس الوزراء بدلاً منه المهندس جودة جورج مرقص وزيراً للسياحة. الرئيس في رسالة إلى رئيس الوزراء في حين صادق الرئيس محمود عباس على عرض حكومة حماس على المجلس التشريعي، فإنه شدد في رسالة وجهها في 25/3/2006، إلى رئيس الوزراء المكلف* على ضرورة تصويب الحكومة لبرنامجها، مذكراً بأنه سيمارس مسؤولياته ويستخدم تفويضه الشعبي وصلاحياته الدستورية في حماية المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني. الرسالة التي وجهها الرئيس عباس إلى هنية، مفادها إعطاء الضوء الأخضر لحكومة حماس الجديدة لعرض برنامجها على المجلس التشريعي لنيل الثقة على أساسه، ويبدو أن نيل الثقة تحصيل حاصل لأن حركة حماس تتمتع بأغلبية برلمانية مريحة وليس هناك ما تتخوفه من أصوات المعارضة التي تمثل أقلية في المجلس التشريعي الجديد. وقد ظهرت بوادر الأزمة خلال النصف الثاني من شهر مارس 2006، بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تتداخل مع مؤسسة الرئاسة عضوياً، وبين الكوادر القيادية لحركة حماس على خلفية الاعتراف بمنظمة التحرير. وبعد توجيه الرسالة الجديدة إلى إسماعيل هنية على أنه تجاوز للأزمة بين الجانبين ولمحاولة القفز على المضاعفات المحتملة لأي تصعيد داخلي بينهما، وخصوصاً وأن هذا التصعيد لن يكون في مصلحة أي منهما، وربما يحسب على عوامل وضغوط خارجية لا تستفيد منها الجهات الملتزمة بالتسوية التفاوضية، ولا تحقق حماس المصرة على مواصفات عالية السقف لهذه التسوية أي تجاوز أو تقدم استراتيجي. إلا أن الرسالة تضمنت كذلك جملاً وعبارات من باب التحذير والعتاب لحكومة حماس العتيدة، محورها عدم استجابة الحركة للتوجهات الواردة في كتاب التكليف، وتلويحاً بإمكانية حدوث أزمة دستورية إذا وصلت الأمور حد الإضرار بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، رغم عدم تحديد الرسالة طبيعة هذه الأضرار. ويسجل الرئيس عباس تجاوزه لقضية التباين بين كتاب التكليف والبيان الوزاري، وإصراره على المضي بالعملية الديمقراطية حتى آخر الشوط رغم هذا التباين. وليس خافياً على أحد أن الهوة بين كتاب التكليف والبيان الوزاري واسعة، لأن كلاً منهما يعكس إستراتيجية مختلفة عن الآخر. ويتعلق الأول بأدبيات حركة فتح، والثاني بثوابت حماس الأيديولوجية، وهي هوة لا يمكن أن تجسر إلا بالتقاء الحركتين في منتصف الطريق، الأمر الذي عجزت عنه العديد من اللقاءات والمحاورات بين كوادرهما العليا منذ الإعلان عن فوز حماس وحتى تشكيل الحكومة الحمساوية من لون سياسي واحد وفقاً لتقييم المراقبين. وإذا كان الشعب الفلسطيني هو المرجعية والحكم في أي خلاف بين فصائله وأحزابه، فإن ما يمكن التأكيد عليه في هذا المجال أن المؤسسة الرئاسة المنتخبة عام 2005، على خلفية برنامج المفاوضات السلمية نفس الشرعية التي حصلت عليها حركة حماس في انتخابات عام 2006 التشريعية، وعلى الجانبين احترام إرادة الشعب الفلسطيني والتعايش المشترك على أساس ما يجمع بينهما وليس ما يدعو للتفرق والتنازع[23]. المجلس التشريعي يمنح الثقة للحكومة منح المجلس التشريعي الثقة للحكومة الجديدة وبيانها السياسي بأغلبية 71 صوتاً، مقابل معارضة 36 صوتاً، وامتناع نائبين عن التصويت، وذلك في 28/3/2006، وصوت نواب حركة فتح والطريق الثالث لحجب الثقة، في حين امتنع عضو كتلة البديل وفلسطين المستقلة عن التصويت[24]. وبنيلها ثقة الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي، ثم بأدائها القسم القانوني أمام الرئيس، وفقاً للقانون الأساسي الذي يعد بمثابة الدستور للسلطة الفلسطينية، تكون حكومة حماس العاشرة في ترتيب حكومات السلطة الوطنية الفلسطينية منذ بدايتها في 1994، والأولى بعد الانتخابات التشريعية الثانية، قد اجتازت أيسر مراحلها بغض النظر عن سهولة أوحدة النقاش الذي جرى في المجلس التشريعي حول برنامجها، حيث لم ينتظر أحد غير ما حدث، نظراً للأغلبية المريحة التي تتمتع بها حركة حماس داخل المجلس. وبهذا تكون الحكومة الفلسطينية الجديدة قد سجلت نفسها الأولى في التاريخ ليس فقط التي يؤدي أكثر من نصف أعضائها اليمين الدستورية عبر نظام الفيديوكونفرس، ولكن أيضاً الأولى التي لا تتمكن من الحصول على صورة جماعية واحدة، وإذ التقطت الحكومة صورتان تذكاريتان، الأولى في غزة مع الرئيس عباس ورئيس الوزراء، والثانية في رام الله مع الأمين العام للرئاسة الطيب عبد الرحيم ورئيس المجلس التشريعي د. عزيز الدويك ونائب رئيس الوزراء د. ناصر الدين الشاعر. الهوامش: [1] الأيام، 3/2/2006 – تشكيل الحكومة القادمة- مشاورات صعبة، سميح شبيب. [2] الأيام، 10/2/2006. [3] القدس، 13/2/2006- حماس ومهمة إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، بلال الحسن. [4] الأيام، 13/2/2006. [5] الحياة الجديدة، 14/2/2006. [6] الحياة الجديدة، 14/2/2006- حركة حماس وتحديات القيادة، ماجد كيالي. [7] الحياة الجديدة، 14/2/2006- الاعتراف الدولي بحماس نقطة انطلاقة أولية، أ.د. أمين المشاقبة. [8] الأيام، 18/2/2006- حكومة حماس وجلسة التنصيب، هاني المصري. [9] الأيام، 19/2/2006- حماس وتحديات المستقبل، هاني حبيب. [10] الحياة الجديدة، 20/2/2006- قراءة في خطاب الرئيس، نبيل عمرو. [11] الأيام، 21/2/2006. [12] الأيام، 22/2/2006. [13] الأيام، 25/2/2006. [14] الأيام، 21/2/2006. [15] الحياة الجديدة، 24/2/2006. [16] الأيام، 1/3/2006. [17] الحيادة الجديدة، 5/3/2006. [18] الأيام، 6/3/2006. [19] الحياة الجديدة، 24/2/2006. [20] الأيام، 1/3/2006. [21] الأيام، 20/3/2006. [22] المجموعة الفلسطينية للأعلام www.palmedia.ps – 20/3/2006. [23] القدس، 26/3/2006. [24] الأيام، 29/3/2006.
|
|