حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير

(دراسة قانونية)

د. إبراهيم الرابي*

تمهيد

كفل القانون الدولي حقوق الشعوب عبر مجموعة من أحكام المواثيق الدولية، خاصة في ميثاق الأمم المتحدة والبروتوكولية الخاصين بحقوق الإنسان. وقد جاءت هذه الأحكام شاملة لكافة الحقوق الجماعية والفردية، بدءاً من المساواة في الحقوق بين الشعوب، وانتهاءاً بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية للأفراد والجماعات.

وكان لابد للشعب الفلسطيني، أسوة بجميع الشعوب، أن يتحصل على جميع حقوقه، خاصة منها حق تقرير المصير، الحق الأساسي الذي يكفل له صياغة وجوده ومستقبله، وبالتالي يكفل جميع الحقوق الفردية للإنسان الفلسطيني في أبعادها السياسية والاقتصادية....، إلا أن خصوصية الوضع الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، أفرز بدوره خصوصية في إقرار تلك الحقوق، بل أفرز مفهوماً خاصاً لأولويات تلك الحقوق، هذا المفهوم الذي ازداد تشعباً وغموضاً مع التطورات التي تمر بها قضيته الرئيسة في التحرر والاستقلال، ووضعه المادي كشعب موزع بين الشتات وتحت الاحتلال. وقد جاء تطاول الفترة الانتقالية الناجمة عن اتفاقيات أوسلو، بحيث أصبحت أولويات حقوق الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية وفي الشتات تكاد تصبح مستعصية أمام المتغيرات والمستجدات.

وتلقي هذه الدراسة الضوء، من وجهة نظر أحكام القانون الدولي والمواثيق الدولية، على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره، والتي تظل ثابتة مهما تغيرت الظروف أو تبدلت الأحوال.

أولاً: واقع حقوق الإنسان الفلسطيني في ضوء أحكام المواثيق الدولية

ما هي حقوق الشعب الفلسطيني؟

هناك مفهومان: مفهوم قومي شعبي، ومفهوم دولي(1).

المفهوم القومي الشعبي لحقوق الشعب الفلسطيني، هو المفهوم الذي ينادي به الشعب الفلسطيني نفسه. وهو مفهوم تباينت آراء ممثلي هذا الشعب في تحديده وكثرت الأقوال في تحديد صياغته، ولإيضاح ذلك نعتمد في تفهم هذه الحقوق على نصوص الميثاق القومي الفلسطيني الصادر في 28 مايو 1964، هذا الميثاق إلى جانب أنه الوثيقة الوحيدة التي صاغ فيها الشعب الفلسطيني أهدافه وآماله، فلا تزال م. ت. ف تسهر على تطبيقه.

وإذا رجعنا إلى ديباجة الميثاق الفلسطيني وإلى نصوص المادة الثانية والمادة الثالثة وكذلك نصوص المادتين 12- 18 نجد أن هذه الحقوق تلخص في "استعادة الوطن السليب وتحريره"، وإن الوطن في مقصود الميثاق يعني فلسطين بحدودها التي كانت قائمة وقت الانتداب، وإن حقوق الشعب الفلسطيني تعني: 1- عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه المغتصبة. 2- تؤكد المادة السابعة من الميثاق على "أن اليهود الذين هم من أصل فلسطيني يعتبرون فلسطينيين، شريطة أن يكونوا راغبين في أن يلتزموا العيش بهدوء وسلام في فلسطين. والعودة تنصرف إلى إقليم فلسطين المتكامل بحدوده وقت الانتداب. وحدود فلسطين وقت الانتداب المادة 25 من صك الانتداب تنص على أنه "يحق للدولة المنتدبة بموافقة مجلس عصبة الأمم أن ترجئ أو توقف تطبيق ما تراه من هذه النصوص غير قابل التطبيق على المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والحد الشرقي لفلسطين، وتعين لاحقاً…".

تنص المادة الرابعة من الميثاق أن "شعب فلسطين يقرر مصيره بعد أن يتم تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض إرادته واختياره". وتنص المادة العاشرة أنه "بعد أن يتم تحرير الوطن يختار الشعب الفلسطيني لحياته العامة ما يشاء من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن الأسانيد التي أوردها الميثاق الفلسطيني تأييداً لحقوق الشعب الفلسطيني تقسم إلى قسمين أحدهما يعنى بتفنيد الدعاوى الصهيونية، والثاني يُعد الحق الفلسطيني من حيث هو، ومن أهم الحجج التي قدمها الميثاق أنه دفع بالبطلان كل من التصرفات التالية:

1-        دعوى الروابط التاريخية أو الروحية بين اليهود وفلسطين.

2-        وعد بلفور- وصك الانتداب وما ترتب عليهما.

3-        تقسيم فلسطين عام 1947 وقيام إسرائيل.

إن اعتراف صك الانتداب بدعوى الروابط التاريخية بين اليهود وفلسطين اعتراف باطل، يتكلم التصريح عن إقامةA National Home  لليهود في فلسطين، وتفسير التصريح- ومعه صك الانتداب- يتفق والأوضاع الدولية التي كانت قائمة وقتئذ، ذلك أن عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى كان حريصاً على حماية ما أسماه بحقوق الأقليات في الدول التي توجد فيها أقليات متميزة ولذلك استلزم الضمانات الكافية لحماية هذه الحقوق، لا سيما بالنسبة للدول التي نشأت في تلك الحقبة مثل بولونيا. ولما كانت فلسطين من بين الدول التي قامت في ذلك الوقت فإن الواقع الدولي الذي عاصر قيامها تطلب أن تفرض عليها هي الأخرى ضمانات لحماية الأقليات اليهودية، التي يرى أن ييسر لها الالتجاء إلى الإقليم الفلسطيني، على أساس أن ما كان هناك من روابط تاريخية بين فلسطين واليهود يرشح فلسطين لأن تكون أكثر الدول استعدادا لتقبل اليهود كأقلية، وكانت الوسيلة التي تتفق مع منطق العصر أن تضمن تلك الحماية في نصوص صك الانتداب، من حيث أن دولة الانتداب هي المسؤولة عن أن تصبح تلك الحماية حقيقة واقعة دون أن يؤثر ذلك على استقلال فلسطين وسيادتها.

أما القول بأن تصريح بلفور يخول لليهود حق إقامة دولة في فلسطين فقول مهدور لأنه يتعارض مع الحقائق التالية:

1-    الوطن هو قطعة من الأرض، والأمة هي الجماعة من البشر. والدولة جماعة من البشر يعيشون على أرض مشتركة ويخضعون لهيئة سياسية ذات سيادة. ومن هذا نجد أن مفهوم الدولة مرتبط بمفهوم الوطن من ناحية، وبمفهوم الشعب من ناحية أخرى، ولذلك فإن الشعب لا يصلح أن يكون عنصراً في الدولة إلا إذا كان مستقرا على الإقليم الذي سيصبح إقليم دولته الجديدة، فإذا لم يتوافر هذا الشرط كانت الجماعة أقلية وليست شعباً في مدلول القانون الدولي.

2-    إن إنشاء دولة يهودية في فلسطين يتجاوز نطاق اختصاص الدولة المنتدبة كما تنص المادة 22 من عهد عصبة الأمم- النصح والمعونة- لا يمكن أن يفهما على أنهما يخولان الناصح أو المعين حق استلاب حرية من ينصحه، أو أن يصادرها لحساب الخصم وصالحه.

3-    إن إنشاء دولة يهودية في فلسطين يناقض الحكمة الجوهرية التي من أجلها وجد نظام الانتداب، ألا وهي رفاهية وتقدم الشعب الذي يخضع للانتداب، والشعب الذي كان يسكن فلسطين عند الانتداب هو الشعب الفلسطيني لأنه كان يمثل وقتئذ قرابة 95% من مجموعة سكان فلسطين.

4-    إن إنشاء دولة يهودية في فلسطين يتعارض مع حقيقة ثابتة وهي أن دول الحلفاء وعهد عصبة الأمم اعترفت بفلسطين كجماعة مستقلة- إن لم تكن دولة مستقلة، وفلسطين هنا هي فلسطين العربية، وإذا كانت المادة الخامسة من صك الانتداب تجعل الدولة المنتدبة "مسؤولة عن عدم التنازل عن شيء من أراضي فلسطين أو تأجيره أو وضعه تحت حكومة أجنبية"، فإنه يكون من باب أولى أن يمنع على الدولة المنتدبة أن تتنازل عن أراضي فلسطين للطائفة اليهودية، كي تتخذ منها إقليماً لدولة يهودية مستقلة، ثم أن اليهود أنفسهم لم يستندوا في تسويغ مشروعية قيام إسرائيل في فلسطين على تصريح بلفور، وإنما استندوا إلى قرار التقسيم.

تنص المادة السابعة من صك الانتداب على أنه "يتعين على حكومة فلسطين أن تسن قانون للجنسية يتضمن نصوصاً بتسهيل حصول اليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم على الرعوية الفلسطينية". ومفهوم هذه المادة أن اليهود ليسو فلسطينيين، وأن من يريد منهم أن يصبح فلسطينياً عليه أن يقيم إقامة دائمة في فلسطين.

وتنص المادة 14 وتقرر بأن "تؤلف الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدراسة وتحديد وتقرير الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة، والحقوق والادعاءات المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين، وتعرض طريقة اختيار هذه اللجنة ووظائفها على مجلس عصبة الأمم لإقرارها".

نلاحظ أن المادة السابعة خاطبت "حكومة فلسطين"، في حين أن المادة 14 تخاطب "الدولة المنتدبة". وهذا يدل على أن صك الانتداب بني على قيام سلطتين في فلسطين: أحدهما حكومة فلسطين صاحبة السيادة وتوجه إليها بالخطاب بالنسبة لقانون الجنسية، الذي هو من الأمور التي تدخل في الاختصاص الداخلي للدولة. والثانية هي سلطة الانتداب والذي حملها مهمة فحص الادعاءات المختلفة للطوائف الدينية، حيث أن الادعاءات المختلفة للطوائف قد لا تتعلق بأمور داخلية خالصة.

تستمد حقوق شعب فلسطين- في المفهوم الدولي من قرارات الأمم المتحدة وأهمها:

1-    قرار الجمعية العامة "رقم 181 د2" في 29 نوفمبر 1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع اتحاد اقتصادي بينهما.

2-    قرار الجمعية العامة "رقم 194 د3" في 11 ديسمبر 1948 الذي يتضمن مبادئ ثلاثة هي، إعادة اللاجئين إلى ديارهم، واستعادتهم لأملاكهم، وتعويضهم عن أموالهم وما لحق بهم من خسارة وتلف. وقد تكررت عبارة هذا القرار في عدة قرارات لاحقة للجمعية العامة.

3-    قرار مجلس الأمن "رقم 242" في 22 نوفمبر 1967 الذي ينص على ضرورة تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

4-    قرار الجمعية العامة "رقم 2628 د25" في 4 نوفمبر 1970 الذي يؤكد ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين، من حيث أن هذا يعد أمراً لا غنى عنه لإقرار سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

إن هذه القرارات تضفي حقاً لشعب فلسطين يقابله التزام قانوني على إسرائيل، وذلك استناداً إلى أساسين:

الأول:      إن الجمعية العامة هي التي خلقت إسرائيل، لذلك، فإن الكيان الإسرائيلي يتقيد بما رسمته له قرارات الجمعية العامة، ما دام أنها تستند في شرعيتها إلى هذه القرارات. ولا يطعن في هذا الالتزام أن قرارات الجمعية العامة لها صفة التوصية، لأن التوصية إذا ما قبلت انقلبت التزام.

وثانياً:      لقد ألزمت إسرائيل نفسها بما جاء في هذه القرارات. فأكدت بذلك الصفة الإلزامية لهذه القرارات بالنسبة بها.

  إن قرار التقسيم الذي صدر سنة 1947 فرض قيوداً على كل من الدولتين المقترحتين، العربية واليهودية، وقد اعترفت إسرائيل في أكثر من وثيقة رسمية بأن مشروعية كيانها تستند إلى قرار التقسيم.

لقد تأكدت حقوق الشعب الفلسطيني من خلال العديد من قرارات الجمعية العامة التي صدرت(2)، والتي تقر من خلالها للشعب الفلسطيني بحقوقه غير القابلة للتصرف وخصوصاً حقه في تقرير المصير وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنية وحقه في العودة إلى دياره وممتلكاته التي أجلى عنها واقتلع منها. ولم يقف الاعتراف للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير المصير على الأمم المتحدة، بل تعداه للعديد من المنظمات الدولية كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الأفريقية والاشتراكية الدولية ودول عدم الانحياز إلخ…

وفي القرار " 3236 د29" في 22 نوفمبر 1974 الذي اعترفت فيه الجمعية العامة بحقوق شعب فلسطين القومية غير القابلة للتصرف، قامت به وبدعوة م. ت. ف ممثلة الشعب الفلسطيني إلى الاشتراك في جميع الجهود والمداولات والمؤتمرات التي تعقد بشأن الشرق الأوسط تحت رعاية الأمم المتحدة على قَدم المساواة مع سائر الأطراف، وتقرر الجمعية العامة إنشاء لجنة معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، تتكون من 20 دولة عضواً تعينها الجمعية العامة.

وفي القرار "35/169 د35" في 15 ديسمبر 1980 أكد حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره وممتلكاته في فلسطين وحقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة. وإنه لا يمكن إقامة سلم وعادل في الشرق الأوسط دون أن يتحقق حل عادل لمشكلة الشعب الفلسطيني لحقوقه بما في ذلك حق العودة وحق تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة الوطنية في فلسطين. وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.

وفي قرار 38/58 د38" 13 ديسمبر 1983 تأييد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بما فيه الحق في إنشاء دولة مستقلة وحق م. ت. ف في الاشتراك في مفاوضات السلام على قَدم المساواة وضرورة الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة.

وفي قرار "43/21 د43" في 3 ديسمبر 1988 والذي أدان سياسات إسرائيل لانتهاكها حقوق الإنسان بما فيها إبعاد المدنيين الفلسطينيين والعقوبة الجماعية، وتؤكد الجمعية العامة من جديد أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المعقودة في 12 آب 1949 تنطبق على جميع الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967 بما فيها القدس.

وفي قرار "43/54 د 43" في 6 ديسمبر 1988 والذي دعت فيه الجمعية العامة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط وإدانة سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة والمطالبة بانسحابها الكامل منها، وإعلان الحاجة إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بقيادة م. ت. ف في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، الطلب إلى جميع الدول وقف مساعدة إسرائيل. وتؤكد الجمعية العامة بأن قضية فلسطين هي جوهر النزاع في الشرق الأوسط.

وفي القرار "43/176" د43 في 15 ديسمبر 1988 الذي دعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط برعاية الأمم المتحدة.

وفي القرار "43/177 د43" في 15 ديسمبر 1988 الذي دعا إلى إقرار استعمال اسم "فلسطين" بدلاً من م. ت. ف في منظومة الأمم المتحدة. ويشير إلى قرارها "3237 د29" في 22 نوفمبر 1974، بشأن منح مركز المراقب لـ م. ت. ف وإلى القرارات اللاحقة ذات الصلة. وتدرك الجمعية العامة قيام المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان دولة فلسطين تمشياً مع قرار الجمعية العامة رقم "181 د2" وممارسة لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وتعترف بإعلان دولة فلسطين الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988، وتؤكد الحاجة إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة منذ 1967.

ثانياً: حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها

مقدمة

إن المصدر والروح للحقوق الأساسية هو حق تقرير المصير(3). إنه أحد مبادئ الأمم المتحدة قديمة العهد تذكره بوضوح المادة الأولى الفقرة الأولى في العهدين الدوليين واللذين يؤلفان الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إن حق الفرد في تقرير مصيره بحرية وكرامة يعني في قانون حقوق الإنسان أن يفكر ويتكلم بحرية، أن ينضم إلى أو يشارك في إدارة الشؤون العامة في وطنه. ويعني أيضاً الحق في المبادرة والمشاركة وأن ينتفع من التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في المجتمع والذي يكفل له تحقيق نموه الشخصي وتطوره. وإذا كان باستطاعة الفرد تقرير مصيره عبر ممارسة حقه في حرية الاختيار، فباستطاعة الجماعة إذن تقرير هويتهم بأنفسهم استناداً إلى خيارات تتخذها الجماعة ككل مستندة إلى تجربتها التاريخية. لكن يظل القيد الوحيد الذي يمكن فرضه في ممارسة الجماعة لحق تقرير المصير، هو عدم إيقاع الأذى بالغير، وأي مقدار من الاحترام لحقوق الإنسان يجب أن يطبق على الحق في تقرير المصير.

إن حق الشعوب في تقرير المصير، من وجهة النظر هذه، يعني حريتهم في حق الاختيار، وبالتالي الحق في الديمقراطية والمشاركة السياسية، والحق في الرأي فيما يهم الجماعة وتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وما زالت العديد من الشعوب تنتظر الاعتراف بحقها في تقرير المصير والاستقلال والخلاص من السيطرة أو الاحتلال الأجنبي، ومهمة محو الماضي الاستعماري لم تنته أيضاً. والمطلوب عدم الانتقائية والتنفيذ المتجرد وغير المتحيز للقانون الدولي بموجب ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، وقيام الدول بتنفيذ التزاماتها التي تنص عليها الاتفاقيات المتعددة الأطراف، خاصة تلك التي تدعو إلى ضمان وحماية حقوق الإنسان، خاصة وإن التراث الاستعماري لا يزال حياً بأشكال كثيرة وفي مناطق عديدة. وما الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين إلا خير شاهد على ذلك.

تطور الأحكام المتعلقة بتقرير المصير في المواثيق الدولية

1- الميثاق وقرارا ت الجمعية العامة:

مع أن ميثاق الأمم المتحدة يشير بين الفينة والأخرى إلى حق تقرير المصير، إلا أنه لا يحدد هذا الحق. فقد أشير في المادة الأولى الفقرة الثانية منه، فيما يتعلق بمقاصد الأمم المتحدة، إلى "العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها…". ومن الممكن العثور على إشارة مماثلة في م55 التي تتناول التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي. ويعلن في المادة 73 المتعلقة بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي ما يلي:

يقرر أعضاء الأمم المتحدة- الذين يضطلعون في الحال أو في المستقبل بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي- المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم، الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق، ولهذا الغرض:

أ- …

ب- ينمون الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونونها على إنماء نظمها السياسية الحرة نمواً مطرداً، وفقاً للظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة،

وتبين المادة 76 أن الأهداف الأساسية لنظام الوصاية الدولي هي:

ب- العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، واطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تعرب عنها بملء حريتها وطبقاً لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية.

واعترفت الجمعية العامة أولاً "بحق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها" كحق أساسي من حقوق الإنسان في القرار 421 دال "د- 5" في 4 كانون الأول/ ديسمبر 1950 والذي طلبت فيه إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي وإلى لجنة حقوق الإنسان تقديم توصيات بشأن السبل والوسائل الكفيلة بتأمين التمتع بهذا الحق،

وقررت الجمعية، "د- 6" 1951، "تضمين العهد الدولي أو العهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مادة عن حق جميع الشعوب والأمم في تقرير مصيرها كتأكيد مجدد للمبدأ المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة".

  وقررت كذلك:  أن تصاغ هذه المادة بالعبارات التالية:

"يكون لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها"، وأن ينص على أنه ينبغي لجميع الدول، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أن تعمل على تطبيق ذلك الحق، وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها بالنسبة لشعوب هذه الأقاليم.

وفي "د- 7" ديسمبر 1952، جاء أن الجمعية العامة، إذ تعترف بأن "حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها شرط أساسي للتمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان الأساسية" وبأن "كل عضو في الأمم المتحدة، وفقاً للميثاق، ينبغي أن يحترم المحافظة على حق تقرير المصير في الدول الأخرى"، قد اعتمدت سلسلة من التوصيات بشأن الموضوع، فقد أوصت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن "تدعم مبدأ تقرير المصير لجميع الشعوب والأمم" وبأن "تعترف بحق تقرير المصير لشعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والمشمولة بالوصاية والخاضعة لإدارتها وأن تساعد على إعمال هذا الحق…". وينبغي لها كذلك "أن تيسر ممارسة هذا الحق من قبل شعوب هذه الأقاليم وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وروحه في ما يتعلق بكل إقليم وبأماني الشعوب المعنية المعبر عنها بحرية، مع التأكد من أماني الشعوب عن طريق استفتاءات شعبية أو طرق ديمقراطية أخرى معترف بها، ويفضل أن يجري ذلك تحت رعاية الأمم المتحدة". وأوصت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المسؤولة عن إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والمشمولة بالوصاية بأن "تتخذ خطوات عملية، انتظاراً لإعمال حق تقرير المصير وتحضيراً له، لضمان المشاركة المباشرة للسكان الأصليين في أجهزة الحكم التشريعية والتنفيذية في هذه الأقاليم، ولتهيئتهم للحكم الذاتي الكامل أو للاستقلال".

وفي "د- 7"، رجت الجمعية العامة المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يطلب إلى لجنة حقوق الإنسان "أن تواصل إعداد توصيات بشأن الاحترام الدولي لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وخصوصاً توصيات تتعلق بالخطوات التي يمكن أن تتخذها مختلف أجهزة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، ضمن حدود مواردها واختصاصها، لتنمية الاحترام الدولي لذلك الحق". وفي السنوات الأخيرة، أكدت الجمعية العامة مجدداً "أنه، عند عدم وجود قرار من الجمعية العامة نفسها بأن إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي قد نال قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي وفقاً لما نص عليه الفصل الحادي عشر من الميثاق، ينبغي للسلطة القائمة بالإدارة أن تواصل إرسال المعلومات بموجب "ف" "هـ" من م 73 من الميثاق فيما يتعلق بذلك الإقليم".

2- إعلان منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة

في "د- 15" ديسمبر 1960، أعلنت الجمعية العامة رسمياً "ضرورة القيام، سريعاً ودون أي شرط، بوضع حد للاستعمار بجميع صوره ومظاهره"، واعتمدت إعلان الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.(4)

وفي ديباجة الإعلان، أشارت الجمعية العامة إلى "ضرورة إيجاد ظروف تتيح الاستقرار والرفاه وإقامة علاقات سلمية وودية على أساس احترام مبادئ تساوي جميع الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير مصيرها، والاحترام والمراعاة العامين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين". وأعربت عن اعتقادها بأنه "لا يمكن مقاومة عملية التحرر وقلبها، وأنه يتحتم، اجتناباً لأزمات خطيرة، وضع حد للاستعمار ولجميع أساليب الفصل والتمييز المقترنة به"، وأعربت عن إدراكها "للاتجاهات المتزايدة القوية نحو الحرية" في الأقاليم التي لم تنل بعد استقلالها، وأعربت عن اقتناعها "بأن لجميع الشعوب حقاً ثابتاً في الحرية التامة وفي ممارسة سيادتها وفي سلامة ترابها الوطني".

وينص الإعلان على ما يلي:

1-    إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية تعزيز السلم والتعاون العالميين.

2-    لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

3-          لا يجوز أبداً أن يتخذ نقص الاستعداد في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي ذريعة لتأخير الاستقلال.

4-    يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو التدابير القمعية، الموجهة ضد الشعوب التابعة، لتمكينها من الممارسة الحرة والسلمية لحقها في الاستقلال التام، وتحترم سلامة ترابها الوطني.

5-    تتخذ فوراً التدابير اللازمة، في الأقاليم المشمولة بالوصاية أو الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو جميع الأقاليم الأخرى التي لم تنل بعد استقلالها، لنقل جميع السلطات إلى شعوب تلك الأقاليم، دون أية شروط أو تحفظات، ووفقاً لإرادتها ورغباتها المُعرَب عنهما بحرية، دون تمييز بسبب العرق أو المعتقد أو اللون، لتمكينها من التمتع بالاستقلال والحرية.

6-          كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.

7-    تلتزم جميع الدول بأمانة ودقة بأحكام ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهذا الإعلان على أساس المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، واحترام حقوق السيادة والسلامة الإقليمية لجميع الشعوب.

3- مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها

في القرار 2625 "د-25" في أكتوبر 1970، اعتمدت الجمعية العامة وأصدرت إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، كما أعلنت أن مبادئ الميثاق التي يتضمنها هذا الإعلان تشكل المبادئ الأساسية للقانون الدولي.

وفيما يتعلق بمبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، ينص الإعلان على ما يلي:

لجميع الشعوب، بمقتضى مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، الحق في أن تحدد، بحرية ودون تدخل خارجي، مركزها السياسي، وفي أن تسعى بحرية إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفقاً لأحكام الميثاق.

وعلى كل دولة واجب العمل، مشتركة مع غيرها أو منفردة، على تحقيق مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، وفقاً لأحكام الميثاق، وتقديم المساعدة إلى الأمم المتحدة في الاضطلاع بالمسؤوليات التي ألقاها الميثاق على عاتقها فيما يتعلق بتطبيق هذا المبدأ، وذلك في سبيل:

أ-     تعزيز العلاقات الودية والتعاون بين الدول.

ب-   إنهاء الاستعمار على وجه السرعة وفقاً لرغبة الشعوب المعنية بالأمر المعرب عنها بحرية.

علماً بأن إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي وسيطرتها واستغلالها يمثل انتهاكاً لهذا المبدأ كما يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، وهو يناقض الميثاق. وعلى كل دولة واجب العمل، مشتركة مع غيرها أو منفردة، على تعزيز الاحترام العالمي الفعال لحقوق الإنسان والحريات الأساسية طبقاً للميثاق. ويكون إنشاء شعب من الشعوب لدولة مستقلة ذات سيادة، أو ارتباطه ارتباطاً حراً بدولة مستقلة أو اندماجه الحر في هذه الدولة، أو اكتسابه أي مركز سياسي آخر يحدده بنفسه بحرية إعمالاً من جانبه لحقه في تقرير مصيره بنفسه.

وعلى كل دولة واجب  الامتناع عن إتيان أي عمل قسري يحرم الشعوب المشار إليها أعلاه في صياغة هذا المبدأ من حقها في تقرير مصيرها بنفسها ومن حريتها واستقلالها. ويحق لهذه الشعوب، في مناهضتها لمثل هذه الأعمال القسرية وفي مقاومتها لها، سعياً إلى ممارسة حقها في تقرير مصيرها بنفسها، وأن تتلقى المساندة وفقاً لمقاصد الميثاق ومبادئه.

ولإقليم المستعمرة أو الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي، بمقتضى الميثاق، مركز منفصل ومتميز عن إقليم الدولة القائمة بإدارته، ويظل هذا المركز المنفصل والمتميز بمقتضى الميثاق قائماً حتى تتم ممارسة شعب المستعمرة أو الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي لحقه في تقرير مصيره بنفسه وفقاً للميثاق، ولا سيما مقاصد الميثاق ومبادئه.

ولا يجوز أن يؤوَّل شيءٌ مما ورد في الفقرات السابقة على أنه يرخص بأي عمل أو يشجع على أي عمل من شأنه أن يمزق أو يخل جزئياً أو كلياً بالسلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة ذات السيادة التي تلتزم في تصرفاتها مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها الموضح أعلاه والتي لها بالتالي حكومة تمثل شعب الإقليم كله دون تمييز بسبب العنصر أو العقيدة أو اللون.

وعلى كل دولة أن تمتنع عن إتيان أي عمل يستهدف  التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لأية دولة أخرى أو بلد آخر.

4- حق تقرير المصير في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان

إن المادة الأولى من العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية متماثلتان(5) تنصان على ما يأتي:

لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعلى القانون الدولي. ولا يجوز حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.

على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.

صيغت المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بنفس المصطلحات المستخدمة في المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتتميز أحكام تقرير المصير الواردة في المادة الأولى المشتركة بأهمية خاصة لأن إعمال هذا الحق شرط أساسي لضمان حقوق الإنسان الفردية ومراعاتها على نحو فعال كما أنه أساسي لضمان وتعزيز تدابير حماية حقوق الإنسان ، ويشكل حق تقرير المصير حجر الزاوية للنظام القانوني الدولي وظل شاغلاً رئيسياً للمجتمع الدولي منذ إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، وبخاصة فيما يتعلق بمسائل مثل الاستقلال وعدم التدخل والديمقراطية. ولهذا الحق أبعاد خارجية وداخلية على السواء وقد كان مثاراً لبعض الجدل في السنوات الأخيرة، مع تزايد تمسك جماعات به داخل البلدان بشكل متميز عن المستعمرات السابقة والبلدان المحتلة.

وفيما يتعلق بالحقوق الواردة في العهد، يشمل حق الشعوب في السعي بحرية لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي حرية ممارسة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(6).

5- دراسة حالة-فلسطين

تم التأكيد مراراً وتكراراً على حق شعب فلسطين في تقرير المصير في القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة. وكان هذا الحق محل اهتمام كذلك اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف.

وفي "د- 24" ديسمبر 1969، لاحظت الجمعية العامة أولاً أن "مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف، المقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان". وقد تكررت هذه الآراء في قرارات الجمعية العامة "د- 25" في نوفمبر 1970 و "د- 25" في ديسمبر 1970، و "د- 26" في ديسمبر 1971 و "د- 27" في ديسمبر1972.

وفي "د- 29" في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1974، اعترفت الجمعية العامة بأن "للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير وفقاً لميثاق الأمم المتحدة" وأعربت عن "بالغ قلقها لكون الشعب الفلسطيني قد منع من التمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف، ولا سيما حقه في تقرير مصيره". وأشارت الجمعية العامة إلى قراراتها السابقة التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأكدت من جديد "حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين غير القابلة للتصرف" بما في ذلك:

أ-     الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.

ب-   الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.

وشددت على أن "الاحترام الكلي لهذه الحقوق غير القابلة للتصرف وتطبيقها…، أمران لا غنى عنهما لحل قضية فلسطين".

في "د- 30" نوفمبر 1975، أكدت الجمعية العامة من جديد "د- 29" وأعربت عن قلقها الشديد لعدم إحراز تقدم نحو:

أ-     ممارسة شعب فلسطين لحقوقه، غير القابلة للتصرف، في فلسطين، بما فيها حق تقرير المصير بدون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال القومي والسيادة القومية.

ب-   ممارسة الفلسطينيين لحقهم، غير القابل للتصرف، في العودة إلى دورهم وممتلكاتهم التي أجلوا عنها واقتلعوا منها.

وقررت الجمعية العامة في "د- 30"، "إنشاء لجنة معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف تتكون من 20 دولة عضواً". ورجت من اللجنة أن تنظر في برنامج للتنفيذ "وأن توصي به الجمعية العامة، يكون القصد منه تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة الحقوق المعترف بها في "د- 29". ورجت الجمعية في القرار ذاته مجلس الأمن "أن ينظر، في أقرب موعد بعد 1 حزيران/ يونيه 1976، في مسألة ممارسة شعب فلسطين للحقوق غير القابلة للتصرف المعترف بها في الفقرتين 1 و2.

وقد اشتمل تقرير اللجنة الأول على مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف على النحو الذي اعترفت به الجمعية العامة وحددته من قبل. وقد أيدت الجمعية العامة تلك التوصيات أول مرة في قرارها 31/ 20 في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976 باعتبارها أساس لحل قضية فلسطين.

وقد احتفظت اللجنة، في تقاريرها اللاحقة المقدمة إلى الجمعية العامة، بتوصياتها الأصلية دون تغيير. وكانت الجمعية تعرب في كل مناسبة عن تأييدها بشدة لتلك التوصيات وتواصل أيضاً حسب الاقتضاء، تجديد ولاية اللجنة وتوسيعها.

بيد أن مجلس الأمن لم يتمكن من التصرف بناء على توصيات اللجنة أو من تنفيذها رغم نداءات اللجنة المتكررة والملحة. ولا تزال اللجنة مقتنعة رغم ذلك أنه إذا نظر مجلس الأمن بصورة إيجابية في تلك التوصيات واتخذ تدابير إيجابية بناء عليها، سيزيد ذلك من إمكانية إقامة سلم شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.

وفي القرار 36/ 120 جيم في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1981، قررت الجمعية العامة عقد مؤتمر دولي خاص بقضية فلسطين، تحت رعاية الأمم المتحدة في موعد لا يتعدى عام 1984، وأذنت للجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بأن تعمل بوصفها اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وأن تتخذ كل الخطوات الضرورية لتنظيمه، ودعت أيضاً جميع الهيئات المختصة في الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة والمنظمات الأخرى الحكومية الدولية وغير الحكومية إلى التعاون مع اللجنة لتنفيذ هذا القرار.

وعقد المؤتمر الدولي المعني بقضية فلسطين في جنيف في الفترة من 29 أغسطس إلى 7 سبتمبر 1983. واعتمد المؤتمر إعلان جنيف بشأن فلسطين وبرنامج العمل لإعمال الحقوق الفلسطينية. وبين الإعلان المبادئ التوجيهية المتفقة ومبادئ القانون الدولي والتي من الممكن أن تصلح أساساً لجهود دولية متضافرة لحل قضية فلسطين.

ونصّ على ما يأتي:

1-      إن المؤتمر، وقد نظر بإمعان في قضية فلسطين من جميع جوانبها، يعرب عن بالغ قلق جميع الدول والشعوب إزاء التوتر الدولي المستمر منذ عدة عقود في الشرق الأوسط والذي يتمثل سببه الرئيسية في إنكار إسرائيل، ومن يؤيدون سياساتها التوسعية، لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة غير القابلة للتصرف. ويؤكد المؤتمر من جديد ويشدد على أن إيجاد حل عادل لقضية فلسطين، لب المشكلة، هو العنصر الحاسم في أية تسوية سياسية شاملة وعادلة ودائمة في الشرق الأوسط.

2-      ويسلِّم المؤتمر بأن قضية فلسطين بوصفها واحدة من أهم وأعقد مشاكل عصرنا- وقد ورثتها الأمم المتحدة وقت إنشائها- تتطلب تسوية سياسية شاملة وعادلة ودائمة. ويجب أن تقوم هذه التسوية على أساس تنفيذ القرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وحقه في إقامة دولته المستقلة الخاصة به في فلسطين، وينبغي أيضاً أن تقوم على أساس تقديم مجلس الأمن ضمانات للسلم والأمن بين جميع الدول في المنطقة، بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة، داخل حدود آمنة ومعترف بها دولياً. والمؤتمر على اقتناع بأن نيل الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، كما حددها قرار الجمعية العامة "د-29" نوفمبر 1974، سوف يسهم إسهاماً كبيراً في تحقيق السلم والاستقرار في الشرق الأوسط.

3-      ويعتبر المؤتمر دور الأمم المتحدة في تحقيق سلم شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط دوراً أساسياً وفي غاية الأهمية. ويؤكد على الحاجة إلى احترام وتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين والتقيد بمبادئ القانون الدولي.

4-      ويرى المؤتمر أن مختلف المقترحات، المتفقة مع مبادئ القانون الدولي والتي قدمت بصدد هذه القضية، مثل مشروع السلام العربي الذي أقره بالإجماع مؤتمر القمة العربي 12 الذي عقد بمدينة فاس في المغرب في أيلول/ سبتمبر 1982، ينبغي أن تستخدم كمبادئ توجيهية لمجهود دولي متضافر يهدف إلى حل قضية فلسطين. وتتضمن هذه المبادئ ما يلي:

أ-     نيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، بما فيها الحق في العودة والحق في تقرير المصير والحق في إنشاء دولته المستقلة الخاصة به في فلسطين.

ب-   حق م. ت. ف ممثل الشعب الفلسطيني، في الاشتراك على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى في جميع الجهود والمداولات والمؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط.

ج-    ضرورة إنهاء الاحتلال للأراضي العربية، وفقاً لمبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة، وبالتالي ضرورة تأمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس.

د-     ضرورة معارضة ورفض السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس، وأي وضع من أوضاع الأمر الواقع أوجدته إسرائيل مما يتنافى مع القانون الدولي والقرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة، وخاصة إقامة المستوطنات، لكون هذه السياسات والممارسات تشكل عقبات رئيسية في طريق تحقيق السلم في الشرق الأوسط.

هـ - ضرورة إعادة تأكيد أن جميع الإجراءات والتدابير التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، سلطة الاحتلال، والتي غيرت أو قصد بها أن تغير طابع مدينة القدس الشريف ومركزها، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات الواقعة فيها، وبصورة خاصة ما يسمى "القانون الأساسي" بشأن القدس، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، إجراءات وتدابير لاغية وباطلة.

و-    حق جميع الدول في المنطقة في الوجود داخل حدود آمنة ومعترف بها دولياً، مع توفير العدالة والأمن لجميع الشعوب، وهو ما لن يتأتى إلا بالاعتراف للشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف المبينة في الفقرة "أ" أعلاه وبنيله إياها كشرط لا غنى عنه.

5-      ومن أجل إعمال هذه المبادئ التوجيهية، يرى المؤتمر أن من الضروري عقد مؤتمر سلام دولي معني بالشرق الأوسط على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة، بهدف تحقيق حل شامل وعادل ودائم للنزاع العربي الإسرائيلي، يكون من عناصره الأساسية إقامة دولة فلسطينية مستقلة في فلسطين. وينبغي أن يعقد مؤتمر السلام هذا تحت رعاية الأمم المتحدة وأن تشترك فيه، على قدم المساواة، جميع أطراف النزاع العربي الإسرائيلي، بما فيها م.ت.ف، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية "روسيا حالياً" وغيرهما من الدول المعنية. وفي هذا الصدد، يتحمل مجلس الأمن مسؤولية أساسية في تهيئة الترتيبات المؤسسية المناسبة على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بغية ضمان وتنفيذ الاتفاقات التي يتوصل إليها مؤتمر السلام الدولي.

وفي القرار 1985/4 في 26 شباط/ فبراير 1985، أحاطت لجنة حقوق الإنسان علماً بارتياح بنتائج أعمال المؤتمر وأيدت إعلان جنيف بشأن فلسطين ورحبت بالدعوة إلى عقد مؤتمر سلام دولي معنى بالشرق الأوسط تحت رعاية الأمم المتحدة تشارك فيه جميع أطراف النزاع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك م. ت. ف. "وروسيا حالياً" والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الدول المعنية، على قدم المساواة وبالتساوي في الحقوق.

وسلّمت الجمعية العامة في القرار بحق الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه بكل الوسائل طبقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وأكدت من جديد حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، وإنشاء دولة فلسطين دولة كاملة الاستقلال والسيادة، وأكدت من جديد المبدأ الأساسي القائل أنه لا يمكن تقرير مستقبل الشعب الفلسطيني إلا بمشاركته الكاملة في جميع الجهود، عن طريق ممثله الشرعي الوحيد، م. ت. ف، ورفضها لكل الاتفاقات الجزئية والمعاهدات المنفصلة ما دامت تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وتتعارض مع مبادئ الحلول العادلة والشاملة لمشكلة الشرق الأوسط التي تضمن استتباب سلم عادل في المنطقة، وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة. ورفضت بوجه خاص خطة "الحكم الذاتي" في إطار "اتفاقات كامب دافيد" وأعلنت أن هذه الاتفاقات ليس لها مفعول في تقرير مستقبل الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.

وفي مقدمة التقرير الذي قدمته اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف إلى "د- 42" للجمعية العامة، في عام 1987، بينت ما يأتي:

… تواصل إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية وأراض عربية أخرى جنوب لبنان-الجولان، بما فيها القدس، منتهكة بذلك قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وقد دخل هذا الاحتلال الآن عامه الـ 37. ونتيجة لذلك، استمرت الحالة في التدهور فيما يتصل بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وأعربت اللجنة بصورة متكررة عن قلقها الشديد إزاء سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي المحتلة، التي تشكل انتهاكاً لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان "قرار الجمعية العامة  "د- 3". ولا تزال هذه السياسات والممارسات تشكل عقبات في طريق الجهود الرامية إلى حلّ شامل وعادل ودائم، تزيد من حدة التوتر والنزاع في المنطقة، معرضة السلم والأمن الدوليين لمزيد من الخطر. ولذلك حذرت اللجنة بصورة متكررة من أن هذه الحالة ستستمر ما دام الشعب الفلسطيني محروماً من حقوقه غير القابلة للتصرف في فلسطين، بما في ذلك حقه في تقرير المصير دون أي تدخل خارجي، وفي الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية، والعودة إلى دياره وممتلكاته وإقامة دولته المستقلة وذات السيادة، وما دامت الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال. وفي هذا الصدد، ساور اللجنة أيضاً شديد القلق إزاء العنف والدمار الموجهين ضد الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين الذين يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية خاصة تجاههم.

وأعربت اللجنة، في تقرير عام 1987، عن قلقها المتزايد إزاء استمرار تدهور الحالة في الأراضي الفلسطيني المحتلة. كما أعربت عن قلقها بسبب استمرار إسرائيل في سياستها الرامية إلى مصادرة الأراضي التي يملكها العرب في الأراضي المحتلة وإلى توسيع مستوطناتها وفرضها سياسة "القبضة الحديدية"، ومواصلة إسرائيل اتخاذ تدابير إدارية واقتصادية وغيرها من التدابير لزيادة توطيد سيطرتها على الأراضي معوِّقة بذلك تنميتها الذاتية. وفي الوقت ذاته، لاحظت اللجنة، مع التقدير، ما تم الوصول إليه من توافق في الآراء بشأن برنامج للمساعدة المقدمة إلى الشعب الفلسطيني من جانب منظومة الأمم المتحدة، وبأن الجهود سوف تتجه من الآن فصاعداً إلى تنفيذ هذا البرنامج.

وأدرجت اللجنة في تقريرها لعام 1987 موجزاً للرسائل التي قام رئيس اللجنة بتوجيهها إلى الأمين العام وإلى رئيس مجلس الأمن خلال العام، مسترعية انتباههما إلى الأحداث التي تؤثر على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وحثت على اتخاذ إجراءات مناسبة على أساس قرارات الأمم المتحدة. ويشير التقرير "الفرع ألف- 2" إلى ما أعرب عنه رئيس اللجنة في مناسبات عديدة من قلق بالغ إزاء استمرار الهجمات على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان وتكثيفها، وإزاء عدد من الأحداث الخطيرة مثل إطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين من جانب الجنود الإسرائيليين، والاعتقالات وأعمال النفي وإغلاق المدارس  والجامعات وفرض حظر التجول في العديد من المناطق.

وأشير في تقرير اللجنة إلى أنها أولت على درجة من الأولوية في عام 1987 للإسراع بعقد مؤتمر للسلام الدولي. وقد شجع اللجنة التوافق القوي في الآراء لصالح عقد المؤتمر بشكل عاجل بوصف ذلك أكثر النهوج اتساقاً بالطابع العملي وأشملها لحل المسألة، وكذلك عدم معارضة أي عضو من أعضاء مجلس الأمن، من حيث المبدأ، فكرة عقد مؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة، فواصلت تأكيد الحاجة الماسة إلى اتخاذ مجلس الأمن والأطراف المعنية إجراءات إيجابية في سبيل عقد المؤتمر، ولا سيما في ضوء تردّي الوضع في الأراضي المحتلة وفي مخيمات اللاجئين.

وبعد أن نظرت الجمعية العامة في تقرير اللجنة، طلبت إلى الأمين العام، في قرارها 42/66 باء وجيم في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1987، مواصلة تقديم المساعدة إلى اللجنة في أداء مهامها. ودعت الجمعية العامة كل الحكومات والمنظمات أيضاً أن تمدّ يد التعاون إلى اللجنة، وأحاطت علماً مع التقدير بالإجراءات التي اتخذتها الدول الأعضاء للاحتفال في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

وشددت اللجنة، واضعة في اعتبارها تقارير وتوصيات اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوق غير القابلة للتصرف، مراراً وتكرارا على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير طبقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأعربت عن شديد قلقها لأن إسرائيل تواصل منع الشعب الفلسطيني بالقوة من التمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف، ولا سيما حقه في تقرير المصير، متحدية بذلك مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وإرادة المجتمع الدولي. وأكدت اللجنة من جديد في كلا القرارين حق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير مصيره دون تدخل خارجي وإنشاء دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة، وكذلك بشأن حقه غير القابل للتصرف في العودة إلى وطنه فلسطين وممتلكاته التي انتزع منها بالقوة، وحقه في استرداد حقوقه بكل الوسائل طبقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وحثت اللجنة فوق ذلك جميع الدول وهيئات الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية الأخرى على تقديم الدعم والمساعدة إلى الشعب الفلسطيني عن طريق ممثله، م. ت. ف، في كفاحه لاسترداد حقوقه.

 ثالثاً: حقوق الإنسان الفلسطيني في القانون الأساسي الفلسطيني

في إطار المرحلة الانتقالية التي نجمت عن اتفاق إعلان المبادئ، شكلت مسألة بناء السلطة الوطنية الفلسطينية بأعمدتها الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية واحدة من أهم المهام الوطنية العاجلة. وبإنشاء المجلس التشريعي الفلسطيني عبر الانتخابات العامة الحرة والمباشرة، بات واضحاً أن إقرار قانون أساسي مناسب للمرحلة الانتقالية، هو القاعدة لتنظيم العلاقة المتبادلة بين السلطة والشعب، وهو الخطوة الأولى على طريق تحديد المعالم المميزة للمجتمع المدني المؤهل لتحقيق الاستقلال، وهو في الوقت ذاته القاعدة الأساسية لسن التشريعات والقوانين الموحدة للوطن الفلسطيني.

لقد قرر هذا القانون الأساسي الأسس الثابتة التي تمثل الوجدان الجماعي لشعبنا، كما اشتمل في أبوابه على مجموعة من القواعد والأصول الدستورية المتطورة، سواء فيما يتصل بضمان الحقوق والحريات العامة والشخصية على اختلافها بما يحقق العدل والمساواة للجميع دون تمييز، أو فيما يخص مبدأ سيادة القانون، وتحقيق التوازن بين السلطات مع توضيح الحدود الفاصلة بين اختصاصات كل منها، بحيث تكفل لها الاستقلالية من ناحية، والتكامل في الأداء من ناحية أخرى، وذلك في سبيل المصلحة الوطنية العليا. إن كون هذا القانون الأساسي قد شرع لفترة انتقالية مؤقتة، فهو يشكل بالبداهة خطوة أساسية على طريق تحقيق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني. إن هذا القانون الأساسي المؤقت يستمد قوته من إرادة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، فإن وضع هذا القانون وإقراره من قبل المجلس التشريعي، ينطلق من حقيقة أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وفيما يلي أهم الحقوق والحريات العامة للإنسان الفلسطيني. التي تناولها القانون الأساسي الفلسطيني في الباب الثاني منه وهي:

المادة9:      الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة.

المادة 10    الفقرة الأولى: حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام.

الفقرة الثانية: تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان.

المادة 11    الفقرة الأولى: الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس.

الفقرة الثانية: لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون.

المادة 12:   يبلغ كل من يقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض عليه أو إيقافه، ويجب إعلامه سريعاً بلغة يفهمها بالاتهام الموجه إليه.

المادة 13    الفقرة الأولى: لا يجوز إخضاع أحد لأي إكراه أو تعذيب.

الفقرة الثانية: يقع باطلاً كل قول أو اعتراف صدر بالمخالفة لأحكام المادة 13الفقرة الأولى.

المادة 14:   المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.

المادة 15:   العقوبة شخصية، وتمنع العقوبات الجماعية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.

المادة 17:   للمساكن حرمة، فلا تجوز مراقبتها أو دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب ووفقاً لأحكام القانون.

المادة 18:   حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة شريطة عدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة.

المادة 19:   لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير.

المادة 20:   حرية الإقامة والتنقل مكفولة في حدود القانون.

المادة 25    الفقرة الأولى: العمل حق لكل مواطن وهو واجب وشرف.

الفقرة الثانية: تنظيم علاقات العمل بما يكفل العدالة للجميع ويوفر للعمال الرعاية والأمن والرعاية الصحية والاجتماعية.

الفقرة الثالثة: التنظيم النقابي حق ينظم القانون أحكامه.

الفقرة الرابعة: الحق في الإضراب يمارس في حدود القانون.

المادة 26:   للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية:

1-           تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها وفقاً للقانون.

2-           تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون.

4-           تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص.

5-           عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة، وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون.

المادة 27    الفقرة الأولى: تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام حق للجميع يكفله

                           هذا القانون الأساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون.

الفقرة الثانية: حرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث وحرية العاملين فيها، مكفولة وفقاً لهذا القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة.

الفقرة الثالثة: تحظر الرقابة على وسائل الإعلام ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وحكم قضائي.

المادة 28:   لا يجوز إبعاد أي فلسطيني عن أرض الوطن أو حرمانه من العودة إليه أو منعه من المغادرة أو تجريده من الجنسية أو تسليمه لأي جهة أجنبية.

المادة 29    الفقرة الأولى: للأطفال حق في الحماية والرعاية الشاملة.

الفقرة الثانية: أن لا يستغلوا لأي غرض كان ولا يسمح لهم بالقيام بعمل يلحق ضرراً بسلامتهم أو بصحتهم أو بتعليمهم.

الفقرة الثالثة: الحماية من الإيذاء والمعاملة القاسية.

الفقرة الرابعة: يحرم القانون تعريض الأطفال للضرب والمعاملة القاسيتين من ذويهم.

المادة 31:   تنشأ بقانون هيئة مستقلة لحقوق الإنسان ويحدد القانون تشكيلها ومهامها واختصاصها وتقارير لكل من رئيس السلطة والمجلس التشريعي.

المادة 32:   كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق الحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم.

المادة 33:   البيئة المتوازنة النظيفة حق من حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة الفلسطينية وحمايتها من أجل الحاضر والمستقبل مسؤولية وطنية.

 

الهوامش :

 


* أستاذ القانون الدولي– جامعة الأزهر – غزة.

 

(1)             د. محمد طلعت الغنيمي:الحقوق القومية لشعب فلسطين، السياسة الدولية-، ع25 1971، ص4.

= حسن كامل المحامي: حق تقرير المصير القومي، المجلة المصرية للقانون الدولي…، م12 ج1 لعام 1956، ص1 .

= د. عدنان العمد: الحقوق المغتصبة للإنسان الفلسطيني، السياسة الدولية ع 39، 1975، ص43.

(2)               قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي: مؤسسة الدراسات الفلسطينية- بيروت، ط1، م1 1947- 1974، وم 4، آذار 1995.
= د. عصام الدين حواس: الحكم الذاتي وحقوق السيادة وتقرير المصير، المجلة المصرية…، م 36، 1980، ص1 وما بعدها.

= د. حسام أحمد محمد هنداوي: حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في ضوء قواعد النظام العالمي الجديد، المجلة المصرية…، م 47 لسنة 1991، ص83 .

= منشأ القضية الفلسطينية وتطورها، 1917- 1988، إعداد اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف- نيويورك، 1990.

(3)             حسن كامل المحامي: حق تقرير المصير القومي، مرجع سابق، ص1 وما بعدها. د. أستاذ القانون الدولي-جامعة الأزهر-غزة.

(4)             أعمال الأمم المتحدة…، م1، نيويورك 1990، ص125.

                = حقوق الإنسان- مجموعة صكوك دولية، م1، ج1، نيويورك 1993، ص75 وبعدها.

(5)             أعمال الأمم المتحدة…، م1، مرجع سابق، ص127 وبعدها.

(6)             حقوق الإنسان- جنيف. صحيفة وقائع رقم 16، 1996، ص8.

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
04/05/2006 11:21 ص