الجمهور الإسرائيلي بين فك الارتباط والانتخابات

عاطف المسلمي

خلال الفترة التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة الغربية (فك الارتباط) وحتى نهاية ديسمبر 2005، انشغلت استطلاعات الرأي الإسرائيلية بقياس مواقف الجمهور الإسرائيلي اليهودي من انعكاسات تنفيذ هذه الخطة على الساحة الإسرائيلية، ومن احتمالات القيام بخطوات مماثلة في الضفة الغربية، على اعتبار أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أرئيل شارون ماضٍ في تنفيذ خطته القائمة على الانفصال النهائي عن الفلسطينيين سواء باتفاق، أو بدون اتفاق وإتمام الجدار الفاصل الذي سيمثل الحدود السياسية والأمنية المستقبلية لدولة إسرائيل.

وفي ذات الوقت، ناقشت هذه الاستطلاعات قضية المفاوضات المحتملة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومدى ثقة الجمهور الإسرائيلي بالفلسطينيين.

وبالنسبة للساحة الداخلية الإسرائيلية، تطرقت هذه الاستطلاعات إلى الذكرى العاشرة لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين من زاوية موقف الجمهور الإسرائيلي من نهج رابين السياسي، وهل كان رابين على حق حين توجه إلى أوسلو؟

وعلى صعيد أجواء الانتخابات التي تعيشها إسرائيل، أفرزت هذه الاستطلاعات حيزاً واسعاً لقياس توجهات الجمهور الإسرائيلي الانتخابية بعد الخطوات الدراماتيكية التي هزت الساحة الحزبية الإسرائيلية والمتمثلة في فوز عمير بيرتس برئاسة حزب العمل على حساب شمعون بيريس، وانشقاق رئيس الحكومة أرئيل شارون عن حزب الليكود وتأسيس حزب جديد (كديما) والانحراف الكبير للناخبين من اليمين واليسار والوسط تجاه الحزب الجديد، انتهاءً بتأثير انتخاب نتنياهو على رأس الليكود على فرص الحزب في الانتخابات القادمة. يعالج هذا التقرير هذه القضايا بشيء من التحليل بهدف رسم صورة واضحة لتوجهات الجمهور الإسرائيلي السياسية في الفترة القادمة، وانعكاسات ذلك على الانتخابات القادمة التي ستكون كسابقاتها مصيرية، حسب رأي كثير من المحللين الإسرائيليين.

أولاً: الانفصال والسلام مع الفلسطينيين

1- الاجراء كان صحيحاً

بعد اتمام الانفصال الإسرائيلي عن قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية، تعتقد أغلبية في الجمهور اليهودي أن الانفصال كان اجراءاً صحيحاً سواءً من الجانب الأمني أو من ناحية احتمالات استئناف عملية السلام. واعتبرت هذه الأغلبية أن تنفيذ الانفصال يشهد على المنعة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي. هذه التقديرات تفسر ارتفاع نسبة التأييد للانفصال بعد تنفيذه عنها قبل التنفيذ. وفيما يتعلق باحتمال الاقدام على تنفيذ إخلاء واسع لمستوطنات في الضفة، فإن الأغلبية تعتقد أن خطوة كهذه يجب أن تتم كجزء من اتفاق مع الفلسطينيين، وقلة ضئيلة فقط على استعداد لتأييد مثل هذه الخطوة. وفي نفس الوقت تؤيد نسبة كبيرة إجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية بالرغم من التقدير السائد أن احتمال الوصول إلى اتفاق مع حكومة أبو مازن منخفض جداً.

وبترجمة هذه الاستنتاجات إلى لغة الأرقام، يشير مقياس السلام لشهر أيلول (سبتمبر) الذي نشرته هآرتس 10/10/2005، أن 56% من الجمهور الإسرائيلي اليهودي يعتقدون أنه من ناحية تأثيرات الانفصال الأمنية كان ذلك إجراءاً صحيحاً، في المقابل رأي 36% أن تلك الخطوة كانت خطوة خاطئة. ومن ناحية احتمال استئناف وتقدم عملية السلام مع الفلسطينيين، يعتقد 54% أنها ستكون خطة في الاتجاه الصحيح، مقابل 38% اعتبروها خطوة خاطئة. وبحسب الأغلبية كان إجراء الانفصال خطوة في الاتجاه الصحيح لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين، إلا أن قدرة هذه الخطوة على توفير أسس لانهاء النزاع غير كاف، على الرغم أن 35% ممن اعتبروا أن الانفصال كان خطوة صحيحة لدفع عملية السلام، يعتقدون أنه بتنفيذ الانسحاب أصبحت فرصة إنهاء هذا النزاع أفضل في السنة القادمة[1].

وبالنسبة لاحتمالات التوصل إلى اتفاق دائم مع حكومة أبو مازن، رأى ثلثا الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) أن هذا الاحتمال منخفض جداً مقابل 20% فقط من هذا الجمهور يرى أنه احتمال جيد.

وأشار الاستطلاع إلى أنه على الرغم من أن الأكثرية تؤيد الانفصال، فإن نسبة ضئيلة 19% تعتقد اليوم أن إجراءاً أحادي الجانب يمكن أن يتم في مستوطنات الضفة الغربية ويكون له تأثيراً واسعاً. مقابل 38% يؤيدون الإخلاء في مستوطنات الضفة بشرط أن يكون في إطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وما نسبته 35% من هذا الجمهور تعارض أي إخلاء سواءً باتفاق أو بدون اتفاق.

وبإضافة مؤيدي الإخلاء على نحو أحادي الجانب إلى أولئك الذين يؤيدونه ضمن إطار اتفاق مع الفلسطينيين، نرى أن نسبة التأييد المبدئي لإخلاء واسع لمستوطنات الضفة يصل اليوم إلى 57% من جملة الجمهور اليهودي. هذا الموقف يتناسب مع نسبة التأييد المرتفعة (70%) لإجراء مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وذلك بالرغم من أن أكثرية مماثلة (نحو 68%) تعتقد أن هناك احتمالاً ضئيلاً للوصول إلى اتفاق دائم مع حكومة أبو مازن.

ويرسم الاستطلاع جانب إيجابي بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، ترافق مع تنفيذ الانسحاب، حيث اعتبر 54% من الجمهور اليهودي أن تنفيذ الانفصال أثبت أن للمجتمع الإسرائيلي منعة داخلية قوية جداً، مقابل 28% اعتقدوا العكس، وتفسر هذه النتائج نسبة التأييد العالية جداً للانفصال عشية تنفيذه (أواخر شهر آب أغسطس) حيث سجلت نسبة المؤيدين للانفصال 52.5% مقابل 41.3% معارضين.

2- لا ثقة بالفلسطينيين

ترى أغلبية كبيرة 70% أن رئيس الحكومة أرئيل شارون محق في رفضه الإلتقاء مع أبو مازن رغم التقدير بأن أبو مازن يريد منع العمليات ضد إسرائيل وإن كان غير قادر على ذلك حسب هذه الأكثرية.

وبحسب مقياس السلام لشهر أكتوبر 2005 الذي نشرته هآرتس في 7/11/2005، فإن أغلبية كبيرة (60%) من الجمهور اليهودي تعتقد أن حماس لن تصبح معتدلة في مواقفها تجاه إسرائيل، حتى إذا أصبحت شريكة في الحكم. ويظهر الاستطلاع التشاؤم الإسرائيلي تجاه الوضع العام، حيث يقدر 74% من الجمهور اليهودي أن العنف الفلسطيني سيتواصل بل ويزداد حتى لو انسحبت إسرائيل من كل المناطق الواقعة خلف الخط الأخضر. ومع ذلك ما زالت مواقف هذا الجمهور منقسمة بصدد التفاوض مع السلطة الفلسطينية، 46% مع التفاوض، و43% ضد.

3- رابين كان على حق

بمناسبة مرور عشر سنوات على اغتيال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين، طرح مقياس السلام لشهر أكتوبر سؤالاً على الجمهور هل كان توجه رابين نحو أوسلو صائباً؟ 50% من الجمهور اليهودي أجابوا بنعم مقابل 39% اعتبروا أنه كان خاطئاً. وفي هذا الجانب يبرز تأثير التدين على إجابات المُستطلعين، 70% من المُستطلعين المتدينين قالوا أنه توجه خاطئ مقابل 62% من العلمانيين اعتبروه صحيحاً.

ورداً على سؤال إلى أي حد يوجد اليوم اجماع على فكرة أوسلو الأساسية، التنازل عن الأرض مقابل السلام، قال 49% من الجمهور اليهودي، إن الإجماع قائم حولها، مقابل 42% لا يقبلون بذلك[2].

ثانياً: إسرائيل في انتخابات

في نهاية نوفمبر دخلت إسرائيل في أجواء انتخابات عامة حين توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون إلى رئيس الدولة للإعلان عن حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات عامة جديدة حدد لها أن تكون في 28/3/2006، منهياً بذلك حالة من المد والجزر أصابت الحزبين الكبيرين الليكود والعمل وشلت عمل الحكومة الإسرائيلية. حيث تنبأت استطلاعات الرأي العام منذ فترة ليست قصيرة باحتمالات تقديم موعد الانتخابات وباشرت في قياس توجهات الناخب الإسرائيلي وعملية حراك أصوات الناخبين الإسرائيليين (اليهود) بعد جملة التطورات الحزبية المتسارعة الآنفة الذكر وعلى رأسها انشقاق رئيس الوزراء آرئيل شارون عن الليكود وتشكيل حزب كديما، وفوز عمير بيرتس رئيس الهستدروت السابق برئاسة حزب العمل وانتخاب نتنياهو على رأس حزب الليكود.

1- كديما يجرف الأصوات

في الواحد والعشرين من نوفمبر الماضي، أقدم رئيس الحكومة الإسرائيلية زعيم الليكود أرئيل شارون على الانشقاق عن حزب الليكود الذي أسسه وكان أحد قادته منذ عام 1977، في خطوة سياسية كانت مستبعدة حتى وقت قريب، وأقام حزباً جديداً أسماه كديما (إلى الأمام) داعياً جميع الشخصيات السياسية الفاعلة في الساحة الإسرائيلية التي تؤمن بنهجه السياسي إلى الانضمام إليه، تحت شعار المسؤولية القومية للسير قدماً نحو تحقيق السلام من منظور المصالح القومية لإسرائيل. وما إن انطلق هذا الحزب الجديد حتى أحدث هزة عنيفة في توجهات جمهور الناخبين الإسرائيليين (اليهود) حيث أجمعت استطلاعات الرأي التي أعقبت خطوة شارون على أن انشقاق شارون عن الليكود وتشكيله حزباً جديداً سيؤدي إلى انهيار الليكود وتعرضه إلى هزيمة ساحقة في الانتخابات البرلمانية القادمة، كما ستؤدي إلى إضعاف كافة أحزاب اليمين والوسط الصهيوني. وتوقعت استطلاعات هآرتس ومعاريف ويديعوت أحرونوت جميعها فوز شارون برئاسة الحكومة القادمة وحصوله على 30-33 مقعداً مقابل 12-15 مقعداً لليكود و26 مقعداً للعمل[3].

وحسب استطلاع معاريف الذي أجراه معهد (تليسيكر) سيحصل الليكود على 15 مقعداً مقابل 40 حالياً، وتحصل الأحزاب اليمينية المتطرفة على 17 مقعداً تتوزع على النحو التالي:

خمسة مقاعد للاتحاد القومي، ثلاثة لإسرائيل بيتينو، وخمسة ليهودوت هتوراة، وأربعة للمفدال، فيما سينهار حزب شينوي ويحصل على ستة مقاعد مقابل 15 مقعداً حالياً. أما الأحزاب العربية فتوقع لها الاستطلاع الحفاظ على قوتها الحالية والحصول على ثمانية مقاعد، فيما توقع الاستطلاع انخفاض قوة شاس إلى تسعة مقاعد.

وحسب هذه الاستطلاعات، يمكن لشارون تشكيل حكومة علمانية تعتمد إضافة إلى حزبه على العمل وشينوي، ما يعني تشكيل تحالف يضم 62-65 مقعداً، ويمكن أن يرتفع إلى 70 مقعداً إذا انضمت ميرتس إلى هذا التحالف. وإذا ما قرر التنازل عن شينوي، فيمكنه استبدالها بشاس وتشكيل تحالف يضم 65 نائباً، أما إذا إنهار الليكود فعلاً وقرر رئيسه الاستقالة في ضوء الهزيمة فلا يستبعد محللون انضمام الليكود إلى حكومة تضم حزب شارون وحزب العمل وتشكيل تحالف يضم (71 مقعداً).

وتؤكد الاستطلاعات ميل غالبية الجمهور الإسرائيلي إلى دعم انتخاب شارون لرئاسة الحكومة. وقال أكثر من 50% في استطلاع معاريف أنهم يعتقدون أن شارون أكثر إلماماً من غيره في المسائل الأمنية والسياسية وسيديرها بشكل أفضل، في المقابل حصل عمير بيرتس رئيس حزب العمل الجديد على تأييد 15% تقريباً، و20% أيدوا نتنياهو.

أما في المجال الاجتماعي فتنقلب الصورة، حيث يعتقد 53% من المشاركين في استطلاع معاريف أن عمير بيرتس هو الأكثر إلماماً، يليه شارون 19% ثم نتنياهو 16%.

وعلى الصعيد الحزبي استمرت حالة التراجع في شعبية الليكود بصورة متسارعة لتصل إلى أدنى مستوى لها خلال استطلاع للرأي أجراه معهد داحف لحساب يديعوت أحرونوت ونشر في 29/11/2005، ويشير الاستطلاع إلى أن الليكود يتدهور من سيء إلى أسوأ حيث حصل في الاستطلاع على 10 مقاعد فقط في حال أجريت الانتخابات اليوم مقارنة بـ 13 مقعداً حصل عليها في الاستطلاع الذي أجري قبل أسبوع من هذا الاستطلاع.

وحسب الاستطلاع، فإن شاس تتجاوز الليكود وتحصل على 11 مقعداً في حين يحصل العمل على 27 مقعداً وحزب شارون على 37 مقعداً. وستحصل الأحزاب الدينية على ستة مقاعد في حين تواصل شينوي التدهور وتحصل على خمسة مقاعد والمفدال على 4 مقاعد وكذلك أحزاب إسرائيل بيتينو، وميرتس - ياحد، والاتحاد القومي واصلت تدهورها.

وجاءت نتائج استطلاع معهد ديالوغ لصالح صحيفة هآرتس والذي أجري يومي 29،30/11، لتؤكد من جديد مدى التدهور الذي وصلت إليه شعبية حزب الليكود نتيجة لانسحاب رئيس الحكومة زعيم الحزب أرئيل شارون منه، واستمرار النزاعات بين أقطابه (نتنياهو-سلفان شالوم-إسرائيل كاتس) على زعامته، وانتقال الكثير من أعضائه الفاعلين (كان آخرهم وزير الدفاع شاؤول موفاز، وتساحي هنغبي) إلى حزب كديما.

فقد أشارت نتائج هذا الاستطلاع إلى أنه بعد أسبوعين من خروج أرئيل شارون من حزب الليكود، لا يزال الليكود يتراجع ليصل إلى أقل من 10 أعضاء كنيست.

وبحسب الاستطلاع يحصل الليكود على 9 مقاعد في حين يحصل حزب شارون الجديد على 37 مقعداً.

وبحسب الاستطلاع أيضاً قال 66% من مصوتي الليكود (الذين صوتوا لليكود عام 2003) أنهم سيصوتون لحزب شارون في 28/3/2006، في حين قال 16% منهم أنهم سيصوتون لليكود.

ودلت نتائج الاستطلاع على أن حزب "كديما" برئاسة شارون يحصل على 37 مقعداً، في حين حصل حزب العمل برئاسة عمير بيرتس على 26 مقعداً، وهذا الرقم أقل من نتائج الاستطلاعات السابقة مما يعني أن قوة "العمل" في تراجع.

كما أكد الاستطلاع عملية التراجع المستمر لحزب شينوي، إذ حصل على 5 مقاعد فقط، وتحول غالبية مصوتيه لـ كديما.

أما بالنسبة لـ "شاس" فقد أشار الاستطلاع إلى أنها ستحصل على 10 مقاعد، أقل بمقعد واحد عن الكنيست الحالية لصالح حزب العمل، في حين تحصل "يسرائيل بيتينو" برئاسة أفيغدور ليبرمان على 6 مقاعد، وتحصل ميرتس على 4 مقاعد، أقل بمقعدين عن الكنيست الحالية لصالح حزب العمل، وتحصل "يهدوت هتواره" على 6 مقاعد، أما المفدال والاتحاد القومي فيحصلان على 9 مقاعد، في حين تحافظ الأحزاب العربية على قوتها 8 مقاعد.

وقد أعطى انضمام شمعون بيريس لحزب شارون كديما عقب هزيمته أمام عمير بيرتس في انتخابات زعامة حزب العمل دفعة قوية لهذا الحزب، حيث أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة هآرتس الخميس (1/12) أن انسحاب رئيس حزب العمل السابق شمعون بيريس من حزبه ودعمه لرئيس الوزراء أرئيل شارون، دفع 30% من الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن احتمالات تصويتهم لحزب شارون في الانتخابات القادمة واردة في الحسبان[4].

من جهة ثانية، أظهر الاستطلاع أن شارون هو المرشح الأفضل لرئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات، حيث حاز على تأييد 47% من المستطلعين، فيما حاز رئيس حزب العمل عمير بيرتس على 18.5%. والمرشح لرئاسة الليكود بنيامين نتنياهو حصل على تأييد 10% فقط. إلا أن انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً لليكود أعطى انتعاشة بسيطة للحزب في الاستطلاعات الأخيرة، حيث أشار استطلاع للرأي أجراه معهد ديالوغ لصالح هآرتس والقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، أن حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو سيحصل على 14 مقعداً في الانتخابات القادمة بتحسن نسبته 5 مقاعد عن آخر استطلاع للرأي، مقابل 39 مقعداً لحزب رئيس الحكومة شارون و21 مقعداً للعمل. وكما كان متوقعاً فإن انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً لحزب الليكود سيؤدي إلى كسب أصوات معسكر اليمين وخاصة من "الاتحاد القومي" و"يسرائيل بيتينو". وبحسب الاستطلاع فقد صرح أكثر من 50% من مصوتي الاتحاد القومي و42% من مصوتي "يسرائيل بيتينو" أنه من الممكن أن يمنحوا صوتهم لليكود برئاسة نتانياهو.

كما يشير الاستطلاع إلى أن انتخاب نتانياهو قد أضاف لليكود مقعدين، حيث حصل على 13 مقعداً في الاستطلاع السابق قبل انتخابه. كما يبين الاستطلاع أن "العمل" قد خسر ثلاثة مقاعد بالمقارنة مع الاستطلاع السابق.

كما أشار الاستطلاع أن "الاتحاد القومي" و"يسرائيل بيتينو" يخسران سوية 4 مقاعد، إثنان منهما لصالح الليكود، في حين تحصل ميرتس-ياحد على 5 مقاعد، وتبقى "شينوي" كما هي 4 مقاعد.

وكان الهدف من الاستطلاع هو فحص الأكثر ملاءمة لإشغال منصب رئيس الحكومة، وحصل شارون على نسبة 54%، مقابل 18.5% لنتانياهو، أما بيرتس فقد حصل على 16% فقط، وكان الأخير قد احتل المرتبة الثانية في الاستطلاع السابق[5].

2- نثق ببيرتس لكن سنصوت لشارون

يولي الجمهور اليهودي ثقة كبيرة بزعيم حزب العمل الجديد عمير بيرتس في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لكنه يريد شارون رئيساً للحكومة لأنه الأقدر من الناحيتين الأمنية والسياسية على الرغم أن معظم الجمهور اليهودي يرى أن المجال الاقتصادي-الاجتماعي سيكون هو المحرك الرئيسي للتصويت في الانتخابات القادمة. ولتفسير هذه الحقيقة طرح استطلاع السلام لشهر نوفمبر الماضي الذي نشرته هآرتس 6/12/2005 سؤالاً، ما الذي يؤثر على الانتخابات القادمة أكثر الأمن والعلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، أم المجال الاقتصادي–الاجتماعي؟ وقد جاءت الردود على الشكل التالي: 53% قالوا المجال الاقتصادي الاجتماعي، 36% قالوا المجال الأمني. أما بالنسبة للمواقف الشخصية على المستوى الفكري الممتد بين الاشتراكية الديمقراطية وبين الرأسمالية واقتصاد السوق، قال اليهود في العينة أنهم بوضوح مع النهج الاشتراكي الديمقراطي (36%)، و14% منهم قالوا إنهم معه بدرجة كافية، أي أن مجموع المؤيدين لهذا النهج هم 50%. في المقابل قال 11% أنهم يؤيدون الرأسمالية بدرجة كافية، و18% يؤيدونها جداً (المجموع 29%)، و15% وضعوا أنفسهم في المنتصف بين النهجين.

على نفس المستوى وضع 29% من المستطلعين اليهود شارون في المنتصف بين النهجين (34% وضعوه في الجانب الرأسمالي و16.5% وضعوه في الجانب الاشتراكي). أما بيرتس، فقد وضع بوضوح في الجانب الاشتراكي (60%)، و8.5% وضعوه في المنتصف و6% في الجانب الرأسمالي.

أما على سؤال من الذي سيدفع بالجانب الاقتصادي أكثر من غيره فقد قال 37% أنه بيرتس، و24% قالوا أنه شارون.

هذه النتائج تشير إلى تفوق واضح لعمير بيرتس في المجال الاقتصادي – الاجتماعي على شارون في نظر الجمهور اليهودي. وبالرغم من ذلك، قال 43% منهم أنهم يريدون شارون رئيساً للوزراء، و19% قالوا أنهم يريدون بيرتس. كما أن 38% ممن اعتبروا أنفسهم اشتراكيين ديمقراطيين قالوا إنهم يفضلون شارون على بيرتس (28%).

كيف يمكن تفسير حقيقة أن الجمهور لا يفضل بيرتس لرئاسة الوزراء رغم أنه يعتبره أفضل شخص لدفع القضية المركزية في نظره، وهي المسألة الاقتصادية الاجتماعية؟ الجواب يكمن حسب تقديرنا في الجانب السياسي-الأمني، أي في التفوق الواضح لشارون على بيرتس في هذه المسألة. 60% من المستطلعين اليهود قالوا أن شارون سيجيد ذلك مقابل 10% قالوا أنه عمير بيرتس. هذا التفضيل مثير بصورة خاصة في ظل حقيقة أن نسبة مشابهة، 40%، تقدر بأن كلا من شارون وبيرتس سيقومان باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين مع الاستعداد لإخلاء المستوطنات إذا وصلا إلى رئاسة الوزراء.

30% قالوا إن شارون سيختار الأسلوب أحادي الجانب بينما قال 12% بيرتس سيتبع نفس النهج. أما نسبة تفضيل كل واحد منهما للوضع القائم والحفاظ عليه فقد كانت 19% لشارون و13% لبيرتس.

أما بالنسبة للجانب الطائفي الذي تم الخوض به مطولاً في وسائل الإعلام مؤخراً فقد ظهر أن الأغلبية 52% تعتقد أن أصل بيرتس الطائفي لم يكن هاماً في قرار أعضاء حزب العمل التصويت معه أو ضده، وإن كان 38% ما زالوا يعتقدون أنه عامل هام. في المقابل قال 14% فقط أن أصل الشخص يؤثر على الناخبين، الأمر الذي يعزز اعتقاد علماء الاجتماع بأن الأصل هام بالنسبة للأقليات الاجتماعية وليس لمجموعات قوية من أصل واحد.

ومن خلال فحص موقف الجمهور اليهودي اليوم بصدد ضم وزير عربي للحكومة كما تعهد بيرتس وفي ظل تصريحات شارون بأنه ينوي القيام بخطوة مشابهة، فإن الأغلبية 50% أيدت ضم وزراء عرب للحكومة في حين كانت نسبة 43.5% ضد.

وبالنسبة للجمهور العربي فقد فضل 52% من الجمهور العربي عمير بيرتس لرئاسة الوزراء مقابل 18% لشارون. وحسب اعتقادهم فإن فوز بيرتس في الانتخابات سيجدد المفاوضات مع الفلسطينيين، مقابل الاعتقاد أن شارون سيحافظ على الوضع القائم. كما أن أغلبية في الجمهور العربي اعتبرت أن أصل بيرتس أثر بصورة حاسمة على انتخابه في حزب العمل 69%. كما أن أصل شارون الطائفي يعتبر في نظر أغلبية الجمهور العربي 52% مسألة ذات صلة كبيرة في قرار الناخبين.

3- نصف الإسرائيليين مع حل في القدس

حسب الاستطلاع الذي أجراه معهد داحاف ونشرته صحيفة يديعوت أحرونوت 18/12/2005 والذي اعتبر المحللون نتائجه بأنها مفاجئة، أيد 49% من الجمهور الإسرائيلي اقتراح تسوية يتم بموجبه تسليم الأحياء العربية والبلدات العربية المحاذية لأراضي السلطة الفلسطينية في إطار اتفاق سلام، في حين تبقى الأحياء اليهودية وحائط المبكى (البراق) تحت السيادة الإسرائيلية. كما بين الاستطلاع أن نسبة 49% تعارض فكرة التقسيم. وحسب  معدو الاستطلاع فإنه استهدف فحص تأثير التهديد الذي استخدمه رئيس الليكود نتنياهو بأن شارون يريد تقسيم القدس، وذلك بهدف المس بفرص شارون للفوز في الانتخابات القادمة. ولكن الاستطلاع أشار إلى أن الجمهور الإسرائيلي لم يقتنع بنفي شارون لفكرة التقسيم، وأن 56% يعتقدون أنه سيقوم بتقسيم القدس في إطار اتفاق سلام، وفقط 37% يعتقدون العكس. ويتوافق هذا الموقف مع الاقتراح الذي كان الرئيس الأمريكي السابق بل كلنتون قد اقترحه خلال مفاوضات كامب ديفيد الثانية (تموز 2000) بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود وباراك، الذي جاء فيه "ما للعرب يكون للسلطة الفلسطينية وما لليهود يكون للحكومة الإسرائيلية".

وكانت برزت خلال الأيام الماضية تصريحات لمستشارين لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون أشير فيها إلى الاستعداد للتنازل في إطار تسوية دائمة عن أجزاء من القدس الشرقية، التي استغلها خصوم شارون في تصريحاتهم، حيث قال بنيامين نتنياهو، الزعيم المرشح لحزب الليكود: إن "شارون يريد تقسيم القدس" فرد عليه شارون بالقول: إنه لن يقسم القدس[6].

الخلاصة

من خلال القراءة التحليلية لنتائج استطلاعات الرأي الإسرائيلية منذ تنفيذ خطة فك الارتباط وحتى الآن يمكن الخروج بالنقاط البارزة التالية:

-      أغلبية الجمهور اليهودي تعتبر أن فك الارتباط كان خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي بصفة عامة تدعم استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.

-      معظم الجمهور اليهودي لا يعارض انسحابات جديدة في الضفة الغربية بشرط أن تكون ضمن اتفاق دائم مع الفلسطينيين وأن تساهم في إنهاء الصراع.

-      الجمهور الإسرائيلي اليهودي في معظمه لا يثق بالفلسطينيين ويرى أن أبو مازن غير قادر على وقف العنف الفلسطيني.

-      الجمهور الإسرائيلي مع حل لقضية القدس على أساس ورقة كلينتون.

-      في الساحة الحزبية الإسرائيلية، معظم الجمهور الإسرائيلي يثق بشارون ثقة عمياء خاصة في المجال الأمني-السياسي وهو يسير خلفه أينما ذهب.

-      حزب كديما الجديد يجرف أصوات الناخبين. وأحزاب كثيرة من اليمين والوسط في طريقها للتدهور وشارون قادم كرئيس وزراء جديد.

-      فوز عمير بيرتس برئاسة حزب العمل أحدث انتعاشة للحزب على الرغم من خروج شمعون بيريس منه.

-      سيكون للمجالين الاقتصادي والاجتماعي تأثير كبير في استقطاب أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة.

 

الهوامش:


[1] مقياس السلام لشهر سبتمبر، هآرتس، 10/10/2005.

[2] مقياس السلام لشهر أكتوبر، هآرتس 7/11/2005.

[3] موقع عرب 48، 23/11/2005.

[4] هآرتس، 30/11/2005.

[5] موقع عرب 48، 21/12/2005.

[6] يديعوت أحرونوت، 18/12/2005.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
17/01/2006 09:25 ص