سوزان عقلانعكس فوز شارون في انتخابات رئاسة الوزراء الإسرائيلية التي جرت في 6/2/2001، على العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني من حيث الشكل والمضمون، وبالعودة إلى برنامج شارون الانتخابي فيما يتعلق بالمفاوضات فإنه يتمحور حول عدم إجراء أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني تحت العنف، مع تركز برنامجه على الحلول المرحلية طويلة المدى وعدم التطرق إلى قضايا الحل النهائي. وبمجرد تشكيل الحكومة الأولى لشارون تم من الناحية العملية إلغاء جميع التفاهمات التي سجلت مع الفلسطينيين إبان حكومة باراك سواء المفاوضات التي جرت في كامب ديفيد أو شرم الشيخ أو حتى مفاوضات طابا التي يمكن اعتبارها آخر مفاوضات سياسية جرت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وفي مطلع عام 2003 قام شارون بتشكيل حكومة ثانية، ورغم انضمام حزب العمل إلى هذه الحكومة إلا أنه لم يستطع أحداث تغير في إستراتيجية شارون ونظرته إلى المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، حيث عاد ليؤكد على مقولته السابقة وهي ضرورة القضاء على الإرهاب، كشرط أساسي لتحقيق السلام مع الجانب الفلسطيني، وأنه لا يوجد شريك فلسطيني. المقولة التي لاقت قبولاً لدى الولايات المتحدة مما دعم موقف شارون في هذه القضية. وفي محاولة شارون للقضاء على احتمال أن تمارس على إسرائيل ضغوطاً خارجية للعودة إلى المفاوضات السياسية الجدية على قاعدة خارطة الطريق، لجأ شارون إلى خطة فك الارتباط من طرف واحد المشروطة بعدم التفاوض مع الجانب الفلسطيني والتي لاقت قبولا في العالم الغربي خاصة الولايات المتحدة، ومن ثم استطاع شارون إبعاد أي مفاوضات سياسية حقيقية في المدى المنظور واقتصرت اللقاءات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على لقاءات أمنية للبحث في آلية تطبيق فك الارتباط، مع الإشارة إلى أن التغير الذي حدث في الساحة الحزبية الإسرائيلية مؤخراً ربما يكون له انعكاسه على العملية التفاوضية. المفاوضات وخارطة الطريق بعد انتخاب شارون رئيساً للوزراء (6/2/2001) تكثفت العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل، ووجد شارون نفسه عاجزاً عن الرد على هذه الهجمات، وبالمقابل شددت إسرائيل من إجراءاتها ضد الفلسطينيين وخاصة القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث تمت محاصرته في حينها، وجرت محاولات كثيرة وبمبادرة ووساطة أمريكية من اجل تهدئة الوضع ورفع الحصار عن الرئيس والعودة إلى المفاوضات إلا ان كل هذه المحاولات باءت بالفشل. ومع تشدد شارون في إجراء مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين خاصة بعد حصار الرئيس وزعمه بغياب الشريك الفلسطيني الذي يمكن أن يتفاوض معه والمطالبة باستبدال القيادة الفلسطينية وإجراء إصلاحات في السلطة، حيث اعتبر شارون ذلك بمثابة شرطاً للتقدم السياسي. بعد هذا التوتر والجمود الذي سيطر على المنطقة، وبعد أحداث 11 أيلول 2001 طرحت الولايات المتحدة وبالتشاور مع اللجنة الرباعية خطة خارطة الطريق التي عبرت عن رؤية الرئيس بوش لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس قيام دولتين لشعبين، وقد أعلن بوش عن هذه الخطة في خطابه في 24/6/2002، حيث تم تشكيل اللجنة الرباعية في هذه الفترة والتي عهد اليها بترجمة أفكار الأمريكيين إلى خطة متكاملة عرفت باسم خارطة الطريق، حيث اعتبرها البعض بديلاً عن اتفاقات أوسلو وهي تتضمن خطة للتسوية على مراحل تنتهي بدولتين إسرائيلية وفلسطينية. وقد لقيت هذه الخطة انتقادات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وبعد فوز شارون في انتخابات عامة في 28/1/2003، حاول شارون المناورة قدر المستطاع لصد خارطة الطريق، حيث طرح ثلاث لاءات بعد نشر خارطة الطريق وهي: لا للتفاوض في ظل إطلاق النار، لا للتفاوض مع عرفات، لا للجداول الزمنية. فإذا تم استيفاء هذه الشروط يكون هناك ما يمكن التحدث حوله[1]. وظلت الاتصالات الإسرائيلية-الأمريكية متواصلة لمناقشة التحفظات الإسرائيلية على خارطة الطريق، حيث توصل الطرفان إلى تفاهم بشأنها، وقبل الأمريكان موقف إسرائيل القاضي بأن الاختبار المقرر للتقدم في خارطة الطريق سيكون عنصر التنفيذ وليس الجدول الزمني. ويبدو أن أفكار شارون حول خارطة الطرق والقبول المشروط بها جاءت بعد نتيجة مؤداها أن إسرائيل لن تنفذها. فشارون دفع حكومته إلى اعتماد خارطة الطريق كوسيلة تكتيكية فقط، لعدم قدرته على مواجهة بوش في تلك الفترة، ولكنه بعد ذلك عمل على نسف هذه الخطة[2]. وفي المقابل قامت السلطة الفلسطينية باستحداث منصب رئيس وزراء، وهو ما نصت عليه خارطة الطريق، شُكلت حكومة فلسطينية تمهيداً للدخول في تنفيذ خارطة الطريق، وقد تم تعيين السيد أبو مازن رئيساً للوزراء، وبانتخاب أبو مازن أصبح هناك أملاً في تقدم المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، خاصة بعد إبطال حجة إسرائيل بعدم وجود الشريك المناسب للتفاوض، لأن الاعتقاد السائد حينذاك ان أبو مازن مرغوبا به لدى الإسرائيليين، وقد عقدت عدة لقاءات بين الجانبين بعد توقف دام فترة طويلة، إلا أن هذه اللقاءات لا تعدو كونها لقاءات أمنية تناولت قضايا أمنية بحتة مثل مكافحة الإرهاب ونزع سلاح الفصائل المسلحة، إطلاق سراح الأسرى ورفع الحصار وفتح المعابر والسماح للعمال بالدخول إلى إسرائيل، وغيرها من القضايا، بمعنى أن الإنتفاضة انعكست على اللقاءات الجارية بين الجانبين، وتركزت حولها حيث اقترح شارون على أبو مازن في حينه فتح عدة قنوات للتفاوض حول مسائل أمنية. ويبدو بصورة جلية من خلال هذه اللقاءات أن شارون غير معني بالدخول في مفاوضات الحل الدائم، وأنه يحاول جعل كل قضية من القضايا التي تدور حولها اللقاءات الأمنية هدفا أو مجالاً للتفاوض في محاولة للإلتفاف على القضايا السياسية "قضايا الحل الدائم وعدم التطرق اليها". وقد استمرت هذه اللقاءات حتى تاريخ 17/8/2003، حيث علقت إسرائيل اتصالاتها مع الجانب الفلسطيني وعلى كل المستويات في أعقاب العملية الفدائية التي وقعت في الدولفيناريوم والعملية في فندق بارك في نتانيا في 19/8/2003، والتي أعقبها عمليات اغتيال طالت عددا من كوادر الإنتفاضة وفي مقدمتهم اغتيال المهندس إسماعيل أبو شنب، حيث تأزم الوضع السياسي وقدم أبو مازن استقالته من رئاسة الوزراء[3]. مما سبق يتضح مدى جدية الجانب الفلسطيني في نواياه تنفيذ التزاماته الواردة في الخطة خاصة بعد أن تم التغلب على قضية العمل بجدية ضد العنف والإرهاب، وذلك من خلال الاتفاق بين السلطة والفصائل على تهدئة شاملة في الأراضي الفلسطينية، ومن خلال تطبيق السلطة للعديد من الإجراءات الواردة في الخطة مثل تعيين رئيس للوزراء وإجراء انتخابات رئاسية وتحديد موعد للانتخابات التشريعية إضافة إلى الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والقانونية التي قامت بها السلطة. في حين تبدو الأمور على الجانب الإسرائيلي أكثر تعقيداً خاصة وان النية غير متوفرة من الأساس لتنفيذ الالتزامات المطلوبة. وقد اتخذت عدة إجراءات على الأرض وكلها تتعارض مع خارطة الطريق والتي منها مواصلة البناء والتوسع في المستوطنات، كما أن بعض المواقع الاستيطانية أصبحت بمثابة مستوطنات ثابتة، كما لم يتم تفكيك المواقع الاستيطانية كما نصت خارطة الطريق، هذا بالإضافة إلى إقدام الحكومة الإسرائيلية على إقامة الجدار الفاصل، وذلك من اجل إقرار المزيد من الوقائع على الأرض، وبالتالي صعوبة التفاوض حول قضايا المرحلة النهائية، حيث تصر إسرائيل على بنائه رغم تعارضه نصاً وروحاً مع خارطة الطريق ورغم الموقف الدولي المعارض لبنائه. المفاوضات بعد انتخاب أبو مازن رئيساً للسلطة الفلسطينية مع انتخاب أبو مازن رئيساً للسلطة الفلسطينية في يناير 2005، عادت أجواء التفاؤل تسود المنطقة، وذلك بإمكانية العودة إلى العملية السياسية وقد بدأ الحديث عن تنفيذ خارطة الطريق، هذه الأجواء جعلت الولايات المتحدة وبعض الأطراف الدولية والإقليمية تتحرك بإيجابية تجاه الملف الفلسطيني-الإسرائيلي بهدف العودة إلى العملية السياسية القائمة على خارطة الطريق. وقد لقي انتخاب أبو مازن رئيساً للسلطة ترحيباً واسعاً من كافة المحافل الدولية والعربية، وكذلك على صعيد الحكومة الإسرائيلية، حيث ينظر لأبو مازن من قبل الجميع على أنه من أنصار العمل السياسي والعودة إلى طاولة المفاوضات وهو ضد عسكرة الإنتفاضة، ويحظى بقبول لدى شارون وبيرس حيث يوصف بأنه رجل ذكي وغني بالتجارب، ويرغب المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في أن تجري حكومة شارون حواراً مع عباس لأجل إعادة أحياء خارطة الطريق، حيث أنه بفوز أبو مازن لم يعد للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أي حجة لتجنب المسؤوليات وانتقاد الطرف الآخر، خاصة بعد التصريحات الإسرائيلية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، بغياب الشريك الفلسطيني وتعثر المفاوضات وتوقفها بين الجانبين في تلك الفترة، وفي خطاب أبو مازن بعد الإنتخابات أشار إلى أن شارون شريك للجانب الفلسطيني في المفاوضات وأعرب عن أمله في إعادة إحياء المفاوضات السلمية من جديد وبسرعة. وقد لاقت تصريحات عباس المتوددة للجانب الإسرائيلي ردود فعل ايجابية إلى حد ما من الجانب الإسرائيلي، وفي أول رد فعل إسرائيلي رسمي على انتخاب أبو مازن صرح مسئول إسرائيلي كبير بأن رئيس الحكومة شارون مستعد للقاء أبو مازن وفي أسرع وقت ممكن، حيث بادر شارون وعقب إعلان نتائج الإنتخابات، بالإتصال هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني يهنئه بالفوز ومبديا استعداده للعمل معه من اجل تحسين الأوضاع. ويتضح من خلال التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي أعقبت انتخاب أبو مازن أن الحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها وأجهزتها الإعلامية ستتخذ موقفاً إيجابيا من الرئيس الفلسطيني. مغايراً إلى حد كبير لموقفها من الرئيس الراحل الذي كانت تصفه إسرائيل بالعقبة التي تقف أمام تحقيق السلام. وبعد وفاة أبو عمار تحدثت إسرائيل عن أبو مازن بإيجاب كشخصية قوية قادرة على مسك زمام الأمور والسيطرة على الوضع الفلسطيني الداخلي وعلى أنه الرجل الذي يمكن الوصول معه إلى أدنى درجة معينة من التفاهم. وفي لقاء شارون مع السيناتور الأمريكي جون كيري في 10/1/2005، تطرق إلى فوز أبو مازن قائلاً "منحنا الفلسطينيين كل المساعدة كي تكون العملية الانتخابية ناجحة، ولكنهم لا يزالون لا يكافحون الإرهاب، فتصريحات أبو مازن أثناء الحملة الانتخابية لم تكن مشجعة، ولكنه سيختبر حسب الشكل الذي سيكافح به الإرهاب، وكان شارون قد حدد شروطاً للقاء أبو مازن بعد أن استعد شارون للقائه، على أن يكون على رأس جدول الأعمال التعاون الأمني ووقف الإرهاب. أما على الصعيد الإعلامي فقد طلبت معظم الصحف العبرية التي عالجت انتخاب أبو مازن بمنحه فرصة يستطيع فيها أن يجعل الوضع أكثر استقراراً. وان أكثر ما يستطيع أبو مازن تنفيذه هو العمل على تهدئة الوضع، وسيتابع أبو مازن هذا الخط وسيبادر إلى هدنة جديدة ولكي ينجح يجب على الإسرائيليين أن يتريثوا، لا داعي للحكم عليه كل يوم، وان يمنحوه على الأقل أسابيع عدة من التعقل والأهم عدم إفشاله. تغيرات في الموقف الإسرائيلي بعد أربعة أيام على انتخاب أبو مازن أعربت إسرائيل عن خيبة أملها من الرئيس الفلسطيني، حيث أعرب قادة كبار في الجيش الإسرائيلي عن خيبة أملهم في النهج الذي اتخذه أبو مازن بالنسبة لمنظمات "الإرهاب الفلسطيني"، وذلك عقب العملية التي وقعت في معبر كارني في 13/1/2005، وقال ضابط كبير أن أبو مازن ملزم بأن يأخذ فوراً الأمور بجدية، فقبل الإنتخابات قال أنه يحاول تحقيق هدوء بوسائل الإقناع، وهذا لا ينجح، حيث فاز في الإنتخابات لكن الإرهاب متواصل والسلطة لم تفعل شيئاً حتى الآن"[4]. وعلى المستوى الأمني جاء رد الفعل على انتخاب أبو مازن سلبياً، فقد صرح رئيس شعبة الاستخبارات اللواء أهارون زئيفي أن أبو مازن ضعيف وليس له شعبية في الشارع الفلسطيني. وان أبو مازن يعد خليفة لعرفات، ولهذا فهو لن يتمكن من تنفيذ المهمات الملقاة عليه من ناحية إسرائيل، فأبو مازن لن يكشف عن السلاح ولن يكافح الإرهاب الفلسطيني، وفي محيط أبو مازن أيضاً لا يؤمنون بقدراته"[5]. وقد أرفقت إسرائيل ترحيبها بانتخاب أبو مازن بإعفاء نفسها من الاستحقاقات الواردة في خارطة الطريق، ورمت الكرة في الملعب الفلسطيني وكررت املاءاتها وشروطها لاستئناف الحوار السياسي مع الرئيس الفلسطيني الذي سيمتحن بالأفعال وليس بالأقوال. وقال القائم بأعمال رئيس الحكومة ايهود أولمرت أن إسرائيل إذ تهنئ أبو مازن بانتخابه فإنها تتوقع منه أن يحقق التعاون المشترك. وكرر وزير الخارجية سيلفان شالوم المطلب الإسرائيلي بتفكيك الفصائل المسلحة ووقف التحريض، وهي قرارات ينبغي على أبو مازن أن يتخذها فوراً مضيفاً أن المفتاح لاستئناف العملية السياسية في يد أبو مازن القادر على الاختيار بين السلام والبراغماتية وبين مواصلة نهج الرئيس الراحل ياسر عرفات. الذي اتسم بالتضليل القول هنا لشالوم. وأصبحت الحكومة الإسرائيلية بأجهزتها المختلفة تردد أن الامتحان الأول لأبو مازن سيكون وقف إطلاق الفلسطينيين لقذائف الهاون والقسام وان رئيس الوزراء يطلب من الرئيس الفلسطيني الإيفاء بتعهداته عشية الإنتخابات بوقف عسكرة الإنتفاضة. ومن جهته دعا نتنياهو وزير المالية الرئيس محمود عباس والفلسطينيين إلى التخلي عن وهم عودة اللاجئين الفلسطينيين، مضيفاً أن المطلوب وقف التحريض الرسمي المنظم "وقال أن تحقيق هدنه بين السلطة الفلسطينية والفصائل ليس كافياً، وتابع أن على إسرائيل والولايات المتحدة مواصلة ضغطها على السلطة الفلسطينية لإجراء إصلاحات تكون كفيلة بوضع حد للإرهاب والكراهية الذين رعتهما القيادة الفلسطينية"[6]. ومع مواصلة الفصائل قصفها للبلدات الإسرائيلية، حيث لم يمض على انتخاب أبو مازن رئيساً أيام حتى عادت إسرائيل إلى اسلوبها القديم، حيث أعلن شارون عن قطع اتصالاته مع أبو مازن لحين وقف الإرهاب. وفي تصريح آخر للقادة الإسرائيليين عاد وزير الدفاع موفاز إلى ترديد مقولة شارون بأنه "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام مع إسرائيل"، وقال موفاز للقيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس المصري في 28/10/2005، بأنه يائس من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. كما نقلت صحيفة يديعوت عن موفاز قوله أن "أبو مازن هو مسرحية يؤديها شخص واحد ولا شيء خلفه وإنما فراغ وحسب، فراغ سلطوي"، ومن الناحية الفعلية ليس هناك ما يمكن الحديث حوله وابو مازن والقيادة الفلسطينية لم يفعلوا شيئاً والسلطة الفلسطينية ليست عنواناً بالنسبة لنا. وقال موفاز في ختام مداولات أمنية عقدت بعد وقوع العملية الفدائية في الخضيرة، "لست واثقاً بتاتاً من أنه يمكننا التوصل إلى سلام مع القيادة الحالية للفلسطينيين، ويتوجب علينا الإنتظار للجيل القادم، والحد الأقصى الذي يمكن أن نتوقعه في هذه الأثناء هو ربما التوصل إلى اتفاق مرحلي آخر". أما بالنسبة إلى قيام دولة فلسطينية أو اتفاق دائم فأنا لا أرى إمكانية أن يتحقق ذلك في السنوات القريبة القادمة"[7]. وبعد فوز أبو مازن بالرئاسة، وكما سبق أن أشرنا اتصل شارون هاتفياً ليهنئه، حيث تطرقوا خلال الإتصال إلى سبل إحياء عملية السلام، وحول اجتماع قمة سيعقد بين شارون وعباس. وقد استأنفت اللقاءات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك لمناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وللتمهيد لعقد لقاء شارون عباس. وقد تناولت هذه اللقاءات الجوانب الأمنية حيث تناولت جميع القضايا الأمنية العالقة، مثل رفع الحواجز وفتح المعابر ووقف متبادل للعنف وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 28 أيلول 2000 والإفراج عن الأسرى والمعتقلين وحل قضايا المطاردين والمبعدين، وبحث قضايا النشاطات الاستيطانية وبناء الجدار ونقل المسؤولية الأمنية عن 4 مدن في الضفة الغربية، وتشكيل لجان مشتركة تتعامل مع موضوع الأسرى والانسحاب والنشطاء والمبعدين، إضافة إلى التمهيد من خلال هذه اللقاءات إلى لقاء شارون- أبو مازن في شرم الشيخ. وقد بلورت الحكومة الإسرائيلية في جلستها التي عقدتها قبل انعقاد القمة موقفها من هذه القمة حيث أرادت إسرائيل أن يتم التركيز أكبر قدر ممكن على الترتيبات الأمنية وبأقل قدر ممكن على الأفق السياسي. حيث أراد شارون من أبو مازن تعهداً عملياً بوقف "الإرهاب" واقتلاعه وفي المقابل سيعد بوقف العمليات العسكرية، والإفراج عن سجناء ونقل المسؤولية الأمنية عن مدن في الضفة. إلا أن الشيء الوحيد الذي تمخض عن هذه القمة كان اتفاق الطرفين على وقف متبادل للعمليات العسكرية، وذلك لأول مرة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى. ولم يصدر عن القمة أي بيان أو وثيقة مشتركة تتضمن ما تم الاتفاق عليه، وذلك بسبب رفض الجانب الإسرائيلي إصدار بيان مشترك. كما لم يتم التطرق في هذا اللقاء أو اللقاءات السابقة (الأمنية) إلى الكثير من المواضيع كالجدار واللاجئين والمستوطنات (قضايا التسوية الدائمة)، بل كان التركيز فقط على القضايا الأمنية خاصة ما يتعلق بالانتفاضة والتي عكست صورتها على محتوى اللقاءات القائمة بين الجانبين. حيث كان شارون دائماً يربط استئناف المفاوضات السياسية والعودة إلى خارطة الطريق بشرط رئيس وهو تفكيك المنظمات الفلسطينية المسلحة، ووقف التحريض ضد إسرائيل. ونظراً لعدم قدرة أبو مازن على حل المنظمات المسلحة وجمع أسلحتها، خاصة في هذا الوقت حفاظاً على الدم الفلسطيني ومنعاً للفتنة والإقتتال الداخلي لجأ أبو مازن إلى التفاوض والحوار مع الفصائل لعقد هدنة لوقف الهجمات المسلحة وإطلاق الصواريخ ضد المواقع الإسرائيلية. وقد أكدت الفصائل التزامها بالتهدئة، وذلك في 27/2/2005، وفي حوار القاهرة الذي بدأ أعماله في 15/3/2005، حيث أكدت الفصائل المجتمعة في القاهرة برعاية مصرية التزامها بما أعلنت عنه سابقاً في موضوع التهدئة وأن التزامها بالتهدئة يأتي في سياق منح فرصة للتحرك السياسي للسير في الاتجاه الصحيح الذي من شأنه خدمة القضية الفلسطينية، وفي ظل التزام الفصائل بالتهدئة على الرغم من الخروقات الإسرائيلية المتكررة وتجديد الفصائل الالتزام في أكثر من مناسبة[8]. في ظل الضغوط الدولية وخاصة الأمريكية على اسرائيل للعودة إلى خارطة الطريق التي ترفضها إسرائيل وتتهرب منها، طرحت إسرائيل فكرة خطة فك الارتباط من قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة، وذلك من طرف واحد للالتفاف على خارطة الطريق والتهرب منها. اثر فك الارتباط على المفاوضات السياسية لم يعد هدف خطة فك الارتباط الأحادي الجانب خافياً، فهي تشكل جزءاً من استراتيجيا فصل أشمل بدأ شارون بتطبيقه منذ توليه السلطة سنة 2001، ويتمثل محور هذه الإستراتيجية في رسم حدود جديدة لإسرائيل بحيث تضم أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وتستثني في الوقت ذاته اكبر قدر من السكان الفلسطينيين، وذلك تحت شعار الحفاظ على يهودية الدولة الإسرائيلية. ومن منظور شارون وقوى إسرائيلية سياسية كثيرة، فإن قطاع غزة بأرضه التي لا تتجاوز مساحتها 360 كم2، ويسكنه ما يناهز مليون وثلث المليون فلسطيني، يشكل تهديدا ليهودية الدولة أي للمشروع الصهيوني برمته، هذا بالإضافة إلى التكلفة العسكرية والمالية المترتبة على حراسة وتوفير مستلزمات المستوطنات التي يسكنها سبعة آلاف مستوطن. إن لخطوة فك الارتباط أهدافاً سياسية مباشرة، وأهداف ذات مدى أبعد تتصل بسعي شارون لإفراغ مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للإستمرار من أي مضمون فعلي. أما الأهداف السياسية المباشرة، فإن خطة فك الارتباط وضعت دون اتفاق مع القيادة الفلسطينية، وهذا يعني أنه لا التزام من جانب إسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية بأي خطوات محددة تلي فك الارتباط ولا التزام بالتفاوض في شأن التسوية السياسية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وقد نجح شارون في استغلال نصوص خارطة الطريق في أن يحمل الفلسطينيين جملة من المطالب التي لا يمكن الوفاء بها من طرف واحد، وقد جعل شارون مطالبه من الفلسطينيين أمنية مع جعل مطالب الفلسطينيين معلقة على شرط تطبيق مطالبه. وعلى ضوء توقف وتجميد المفاوضات أعلن شارون عن خطة الفصل الأحادي وذلك في خطوة لتجاوز الطرف الفلسطيني في أي تصورات سياسية لمستقبل الأراضي المحتلة. وقد حاولت السلطة اعتبار تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة جزءاً من تطبيق خارطة الطريق، وذلك كمدخل لتحويل الخطة إلى خطوة يمكن التعامل معها. وبفعل ضغط الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي الذي نظر اليها بإيجابية ومن خلال تفهم المطلب الفلسطيني، ودعوا السلطة للتعامل معها بايجابية بعد أن باتت أمراً مطروحاً للتنفيذ إسرائيلياً. تدرك كلاً من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بأن خطة فك الارتباط تهدف إلى الالتفاف على تنفيذ البنود الواجبة على إسرائيل في خارطة الطريق، حيث أعلن مستشار شارون دوف فايسغلاس في مقابلة له في 18/10/2005، أن هدف الخطة هو الالتفاف على خارطة الطريق وقطع الطريق على مطالبة إسرائيل بتنفيذ ما ورد فيها وخصوصا وقف الاستيطان وإخلاء المدن والدخول في مفاوضات مع القيادة الفلسطينية بشأن الوضع النهائي. ورغم انتخاب أبو مازن المعروف بمواقفه ضد اللجوء إلى عسكرة الانتفاضة و العنف وإصراره على اعتبار المفاوضات هدفاً استراتيجياً لا بديل عنه وتبنيه برنامج الإصلاح الذي طالبت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي به إلا أن ذلك لم يدفع عملياً شارون إلى اعتبار الرئيس الفلسطيني الجديد شريكاً يمكن التفاوض معه. فاستراتيجية شارون بنيت على رفض صيغة التفاوض واعتمدت على اتخاذ إجراءات من طرف واحد[9]. وكانت القضايا قيد البحث هي القضايا الإجرائية التي تتعلق بترتيبات عملية الانسحاب وطبيعته دون الحديث عن القضايا المفصلية المتعلقة بجوهر الصراع. أما عن اثر فك الارتباط على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فقد تكثفت اللقاءات بين الجانبين على خلفية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. وقد تمت هذه المفاوضات بين الجانبين بوساطة أمريكية، حيث وضعت إدارة بوش هذه القضية في سلم اهتماماتها وذلك من خلال زيارة رايس للمنطقة وإرسال المبعوثين الأمريكيين إلى المنطقة لمتابعة الانسحاب، هذا إضافة إلى الجهود المكثفة التي قام بها الجانب المصري للتمهيد لمثل هذه اللقاءات. رفضت إسرائيل مشاركة الجانب الفلسطيني أو حتى التفاوض معه حول خطة الانسحاب. وعقد اللقاء الأول لشارون والرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيت رئيس الحكومة حيث سبق هذا اللقاء عدة لقاءات بين الطواقم الإسرائيلية والفلسطينية. ويعتبر هذا هو اللقاء الأول بعد لقاء شرم الشيخ الذي عقد في 8/2/2005، وقد جرى هذا اللقاء والفصائل الفلسطينية مازالت ملتزمة بالتهدئة. إلا أن اللقاء انتهى بالفشل وذلك لأسباب، منها عدم استعداد شارون للعودة إلى المفاوضات السياسية وتفضيله الواضح سياسة فرض الأمر الواقع، حيث عقد هذا اللقاء وشارون لم ينفذ ما اتفق عليه في شرم الشيخ. كان الهدف الأول لإفشال اللقاء أو عدم إحراز تقدم فيه هو إضعاف السلطة وإظهار عجزها الكامل أمام المواطن الفلسطيني. أما الهدف الثاني فهو تعامل شارون مع أبو مازن على أنه غير مؤهل للتفاوض الأمر الذي يبرر مواصلة شارون سياسة فرض الأمر الواقع وفي مقدمتها خطة فك الارتباط من جانب واحد، وبناء الجدار وتواصل الاستيطان وعزل القدس من اجل تهويدها. وقد رفض شارون في اللقاء البحث في أي من القضايا الأساسية، ذلك لأنه لا يريد التفاوض في شأن قضايا الوضع النهائي، إلا أنه رفض في المقابل مناقشة ترتيبات ما بعد الانسحاب، حيث من الواضح أن شارون سيعمل على تحويل المسائل المتعلقة بفك الارتباط وما بعده إلى مسائل تفاوضية مع إسرائيل وقد تدوم اعواماً تبقى خلالها قضايا الوضع النهائي مجمدة، حيث أن الإنشغال بالمفاوضات التي تخص الانسحاب والدخول في أدق التفصيلات في كل بند مثل المعابر- المطار-الميناء والمياه الإقليمية والممر الآمن ومعبر رفح….الخ، من القضايا التي قد تبقى أعواماً قيد البحث والتفاوض تجعل من المستحيل طرح قضايا الحل النهائي وهذا هو ما يريده شارون. كما أن شارون قد كرر في عدة مناسبات خصوصاً بعد تنفيذه لخطة فك الارتباط أن إسرائيل قد انتهت من تنفيذ خطوات تجاه الفلسطينيين وأنه لن تكون هناك انسحابات أخرى في الضفة أحادية الجانب ولا من خلال اتفاقات، وان على الفلسطينيين تنفيذ التزاماتهم وفقا لما تنص عليه خارطة الطريق. فشارون لن يسعى إلى الوصول إلى اتفاق دائم بسرعة في محاولة لفرض مزيد من الوقائع على الأرض في الضفة الغربية، ولاقتناع الإسرائيليين بأن إخلاء المستوطنات في القطاع كان جديراً في مقابل تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وانه لا ينوي إخلاء المزيد من المستوطنات خاصة في الأشهر القريبة المتبقية على موعد انتخابات الكنيست الإسرائيلي[10]. مؤشرات ايجابية بعد فوز عمير بيرتس بزعامة حزب العمل وفك الائتلاف مع حكومة اللكيود والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة للكنيست، اتجه شارون إلى رئيس الدولة لاتخاذ الإجراءات الرسمية لتنفيذ ذلك، وأعلن عن استقالته من حزب الليكود، واتجه فورا لتشكيل حزب جديد سماه "كاديما"، والذي يعني بالعربية إلى الأمام، حيث أعلن شارون في مؤتمر صحفي عقده في 13/12/2005، عن تأسيسه للحزب الجديد بعد استقالته من حزب اليكود، والذي حسب زعم شارون لم يعد قادراً على تلبية الأهداف الوطنية لبلاده[11]. وقال شارون بأن الانسحاب الذي قام به من قطاع غزة قد خلق فرصاً جديدة للسلام، وقال أحد مقربي شارون "أنه يريد أحداث تغيير سياسي داخلي من شأنه إعطاء دفعا لعملية السلام ". ويأتي سبب انسحاب شارون من حزب الليكود لأنه واجه تحديات عدة ومعارضة داخل الليكود له خاصة في مسألة الانسحاب من غزة، حيث من المتوقع أن تحتدم المنافسة بينه وبين نتنياهو، فضلاً عن أعضاء في حزب العمل يشاركون في حكومته مستائين من سياسات حكومة شارون الاقتصادية[12]. وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني أن حزب "كاديما" يؤيد قيام دولة فلسطينية لضمان غالبية يهودية في إسرائيل، على أن تكون الدولة منزوعة السلاح"، وقد كشفت عن البرنامج السياسي للحزب الجديد، حيث أوضح البرنامج أن شارون يوافق رسمياً على مبدأ دولتين لشعبين ويلتزم بتفكيك بؤر استيطانية عشوائية من دون تعيينها، وشدد برنامج الحزب على أن الخطة السياسية الوحيدة الآن هي خارطة الطريق، وانه لن يكون هناك خطة فك ارتباط أخرى، وأنه سيتم تنفيذ خارطة الطريق بشكل مرحلي، بحيث يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى بعد انتهاء تنفيذ كل مرحلة بشكل كامل وان الإنتهاء من خارطة الطريق ليس منوطاً بجدول زمني وإنما بتنفيذ الفلسطينيين لإلتزاماتهم والتي تقضي بنزع سلاح الفصائل وتنفيذ الإصلاحات السياسية في حين يتجاهل الإسرائيليون التزاماتهم وخصوصاً ما يتعلق بتجميد البناء في المستوطنات. كما شدد البرنامج على الحفاظ على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة وعلى أن القدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل، ومواصلة بناء الجدار ووفقا للمسار الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية، حيث أفادت تقارير صحافية بأن رؤية شارون للدولة الفلسطينية تقضي بإقامتها على مساحات مقطعة الأوصال ومعزولة عن بعضها. وقد انضم عضو الكنيست شمعون بيرس إلى حزب "كاديما" الذي يعتبره من وجهة نظره بأنه يوافق على أمور كان قد دعا اليها طيلة حياته كقيام دولة فلسطينية وإجراء مفاوضات مع الفسطينيين، في وقت كان حزب الليكود يدعو إلى إسرائيل الكبرى وضد تقسيم الأراضي والانسحاب من غزة وخارطة الطريق[13]. إن تبني شارون من خلال حزبه الجديد خارطة الطريق أساسا للعملية السياسية يعني بالدرجة الأولى أن العودة إلى طاولة المفاوضات أصبحت اقرب من أي وقت مضى، خاصة وان شارون بلور السمات العامة للحل النهائي الذي يريد، كما أن الساحة الفلسطينية وما تشهده من تغيرات سريعة خاصة تراجع قوة حركة فتح صاحبة اتفاق أوسلو وصعود التيار الإسلامي ممثلا بحركة حماس سيجعل إسرائيل. وبتدخل أمريكي تعيد حساباتها في التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية، خاصة على صعيد العودة إلى طاولة المفاوضات، وتحقيق بعض الإنفراجات الميدانية التي قد تساعد على استعادة نوع من الثقة بين الجانبين. الهوامش :
[1] - مجلة مركز التخطيط-العدد التاسع والعاشر- السنة الثالثة 2003. [2] - مجلة مركز التخطيط- العدد الحادي عشر والثاني عشر-السنة الثالثة2003. [3] - مجلة مركز التخطيط-العدد السابع عشر- السنة الخامسة 2005. [4] - المرجع السابق. [5] - معاريف12/1/2005. [6] - المشهد الإسرائيلي-المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية-27/11/2005. [7] - عرب 48 نت، 29/10/2005. [8] - مجلة مركز التخطيط-العدد السابع عشر-السنة الخامسة 2005. [9] - مجلة الدراسات الفلسطينية-العدد 63-صيف 2005 [10] - المرجع السابق. [11] - العرب اونلاين، 15/12/2005. CNNarabic.com ،15/12/2005[12] . [13] - المجموعة اللبنانية للإعلام-قناة المنار-29/11/2005 نت. |
|