المؤلف: أ.د. عزيز حيدر الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) رام الله: 2005، 80 ص مراجعة : د. خالد شعبان يضم الكتاب بين ثناياه ثلاثة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، ورغم عدد الصفحات التي يمكن القول أنها قليلة مقارنة مع كتب أخرى، إلا أنها تمتاز بالتركيز الشديد، والتحليل الواسع، كما أنها تحتوي على نظرة جديدة حول أنماط التصويت من خلال استخدام الأداة الاقتصادية. فالكتاب عبارة عن دراسة لحركات الاحتجاج والانتخابات البرلمانية من خلال التطورات الاقتصادية والحراك السياسي، ولذلك فإن الفصول تم تقسيمها لتخدم عملية التحليل والتنبؤ بالمستقبل، وواضح فيها بشكل كبير الأداة الاقتصادية كمعيار لتقسيم الفصول، والدراسة هنا خاصة بالسكان اليهود فقط، كما لا ننسى هنا أن نذكر أن الأستاذ الدكتور عزيز حيدر صاحب الكتاب هو أحد الخبراء والمختصين في الدراسات الإسرائيلية. بدأ الدكتور حيدر كتابه بمقدمة تناول فيها التحولات البنيوية التي شهدها الاقتصاد الإسرائيلي والتي أثرت على كل الشرائح الاجتماعية وذلك من خلال عرض كم كبير من المؤشرات مثل البطالة وانخفاض مستوى الدخل بين القوى العاملة ... إلخ، وما رافقها من انخفاض في تقديم مستوى الخدمات الاجتماعية للمواطنين، بالإضافة إلى موضوع هام حدث في منتصف التسعينات وهو خصخصة قطاع الخدمات مما أثر بشكل كبير على الشرائح الاجتماعية الصغيرة وقد رافق هذا ازدياد الثروة في أيدي الأغنياء، أي أن الخطط الاقتصادية الإسرائيلية أدت إلى ازدياد الهوة بين الأغنياء والفقراء وتلاشي الطبقة الوسطى، والمستغرب أن هذه التحولات مرت بهدوء، أي أن حركات الاحتجاج محدودة التأثير، وعادة ما تكون في موضوع محدد مثل إجراء تعديلات على الميزانية (ص7) يؤكد د. حيدر على أن ذلك ليس جديداً في إسرائيل ولم يؤثر على جوهر السياسة الاقتصادية، فالشرائح الفقيرة دعمت اليمين وما زالت، وفي ذات الوقت دعمت الخصخصة. وقد تطرق د. حيدر إلى التحولات الاقتصادية في 2001 والتي مثلت ثورة اقتصادية/ اجتماعية، ولكنها ذات أثر سلبي على الفقراء، كما أدت إلى تفكيك النقابات العمالية كقوة ذات مضمون اجتماعي (ص8) وأكد د. حيدر على قضية قد يكون مختلف عليها وهي خلو الساحة من حزب اجتماعي رغم وجود شاس وقبل ذلك جيشر، بالإضافة إلى غياب الجدل الاجتماعي حول التحولات الاقتصادية، رغم ما حدث من نقاشات في 2003 بسبب كونها مجرد نقاشات أكاديمية، ولا ينسى د. حيدر أن يعرج على الطبقة الوسطى والتي تؤيد الاستمرار في عملية الخصخصة، وكذلك تجاهل معسكر السلام لمشاكل الفقر في إسرائيل. وقد حدد د. حيدر أهداف دراسته حول احتمال تحول حركات الاحتجاج إلى حركات سياسية وإمكانية الربط بينها والعلاقات مع الفلسطينيين. يبدأ الفصل الأول في الدراسة برصد ردود الفعل للجمهور والأحزاب الإسرائيلية على الأوضاع الاقتصادية من خلال ست مراحل منذ 1949 وحتى الآن وهي مدة طويلة جداً، تناول فيها د. حيدر عدد عمليات الاحتجاج والقضايا التي تم الاحتجاج عليها بشكل عام ويؤكد في (ص13-16) أن عمليات الاحتجاج كانت عديدة ومتنوعة في المراحل الأولى وهي مرحلة قيام الدولة، ولم تلبث أن بدأت بالتراجع على مستوى العدد والإنجاز مع استمرار عملية الخصخصة الاقتصادية، نتيجة لغياب عنصر التنظيم. وقد أكد د. حيدر في خلاصته لهذا الفصل على أن الأوضاع الاجتماعية كانت هي العامل الأول في إثارة الاحتجاج، وأن استمرار الأوضاع السيئة للشرائح الفقيرة أدى إلى عدم ثقة الإسرائيليين بالمؤسسة الرسمية، إلا أن الجهود الشعبية كانت مشتتة لأنه لم تكن هناك حكومة مكونة من حزب واحد، أما عن أسباب عدم وجود احتجاجات حسب المستوى المتوقع وذات فاعلية، فيعيد د. حيدر ذلك إلى أسباب بنيوية مثل عدم وجود الوعي الطبقي في المجتمع الإسرائيلي، حتى في عصر اليشوف، كما أن الأزمات الاقتصادية كانت تتصاعد بالتزامن مع الأزمة مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى فشل الهستدروت في قيادة الاحتجاج الاجتماعي، ورغم وجود كم كبير جداً من التنظيمات الاجتماعية إلا أنها كانت عقيمة لأن الاحتجاج ظل على مستوى النخب، ولم يتحول إلى احتجاج شعبي. وقد كان فلسطينيو 1948 أكثر الشرائح الاجتماعية تضرراً من الخطة الاقتصادية، رغم أنهم غير مشمولين بالدراسة، وكذلك الحرديم، فرغم وجود حركات سياسية كان من الممكن أن تلعب دوراً في تسييس القضايا الاجتماعية للشرائح الفقيرة، إلا أن هذه الحركات لعبت دوراً رئيساً في ترسيخ سياسات الحكومة، وأخرت حركات الاحتجاج (ص21). وفي القسم الثاني تناول د. حيدر الأوضاع الاقتصادية والانتخابات البرلمانية كجزء أساسي في الدراسة، وحاول الربط بين التحولات الاجتماعية والاقتصادية وأنماط التصويت والمؤشرات التي رافقتها من تغيرات في التركيبة السكانية والتدين والمنشأ، مؤكداً على أنها هي التي تقرر مصير الانتخابات (ص25) حيث ضرب نموذجا لهذه العوامل من خلال تحول تصويت الشباب الشرقيين في انتخابات 1977 من حزب العمل إلى حزب الليكود، وهو ما أدى إلى الانقلاب السياسي الشهير آنذاك، وأصبح ظاهرة مميزة للانتخابات الاسرائيلية (ص27). ويؤكد د. حيدر على استمرار هذه الظاهرة رغم الاتفاقات السلمية الموقعة مع الفلسطينيين التي اتسمت بانتعاش اقتصادي، ويرجع ذلك إلى استمرار الولاءات الاجتماعية الإثنية (ص 29)، حيث أصبح المجتمع الإسرائيلي مقسم إلى معسكرين معسكر ديني ومعسكر علماني. ولكن الأهم أنه لم يكن هناك اهتمام كبير بالمواضيع الاجتماعية، والأحزاب ما زالت تهتم بالفجوات الاجتماعية وبالاحتكاك الإثني والديني والقومي، وقد تميزت انتخابات 1999 بتنامي الاهتمام بالموضوع الاقتصادي، إلا أن الانتماءات الاثنية والصراع الديني العلماني هي التي حسمت الانتخابات (ص35)، وقد أشار د. حيدر هنا إلى نموذج حركة شاس التي مثلت الشرقيين، كما نادت بإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأمر الذي مهد لها النجاح. وهذا يؤكد أن أنماط التصويت أصبحت ثابتة إلى حد كبير وليست مرتبطة بالقضايا المطروحة (ص37)، وهو ما أكدته أيضاً انتخابات 2001/2003، التي تشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي وصل إلى مرحلة حرب ثقافات بين المتدينين والعلمانيين، وأصبح الانتماء الإثني يؤدي مباشرة للانتماء الحزبي، وهو واضح في تصويت اليهود الروس والمتدينين الشرقيين والغربيين. أما القسم الثالث فتناول التطورات الاجتماعية والاقتصادية والانتخابات، وعدد د. حيدر مع بداية الفصل الثالث الأسباب التي أدت إلى عدم فعالية الاحتجاج وانحساره مثل رفض النظام السياسي لمطالب المحتجين، بالإضافة إلى عدم المبادرة للاحتجاج بسبب الأوضاع السياسية الأمنية، بالإضافة إلى غياب الأحزاب الاجتماعية عن العمل السياسي الإسرائيلي، وقد أكد د. حيدر في هذا الفصل على المتغيرات التي تقرر نتائج الانتخابات وهي السن، المنشأ، الوضع الطبقي، التدين، الأمن (ص58). وقد أوضح أن دولة الرفاهية موجودة في المستوطنات التي أقيمت في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال تقديم المنح والتسهيلات لسكانها، حيث أصبح الاستيطان يمثل الخلاص من الفقر (ص58)، ووضح العلاقة بين السياسات الاقتصادية وبين المواقف السياسية للشرائح الفقيرة من الشرقيين، وعلاقة هذه المواقف باحتفاظ إسرائيل بالمناطق ومشروع الاستيطان، ويجد الكاتب أن تصويت الشرقيين لليمين وخاصة الليكود أصبح مؤسساً على مصالح اقتصادية تندمج مع المواقف السياسية القومية اليمينية (ص59) وبعد ذلك يؤكد الباحث نتائجه من خلال وصوله إلى نتائجه المتكررة وهي أن الشرخ الأساسي في المجتمع الإسرائيلي يجزئ المجتمع إلى معسكرين يمكن التنبؤ بمواقفهما وأنماط تصويتهما (ص67). وفي معرض مناقشته لأداء حكومتي شارون الأولى والثانية 2001/2003 يؤكد الكاتب أن السياسات الاقتصادية أحدثت تحولاً في السياسة التقليدية لليمين وأثرت سلباً على مؤيدي الحزب، وزادت الهوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يصر الفقراء على تحميل مسؤولية ذلك للسياسات الحكومية المتبعة. والمفارقة هي أن الجمهور يقف ساكناً وأصبح يعاني من عدم الإكتراث حسبما يؤكد الكاتب، وبكلمات أخرى فإن هذا الوضع السيء لن يؤدي إلى ثورة اجتماعية، مما يعني أن أنماط التصويت بقيت كما هي وأن المتغيرات أصبحت ثابتة، وذلك من خلال وجود إجماع بين الأحزاب السياسية على خصخصة الاقتصاد، وأن الأمن يختزل كل الخلافات بين المعسكرين (اليمين، واليسار) وأن حركات الاحتجاج حالياً ضعيفة جداً وانحسرت ولا تشكل أية عثرة على قرارات أية حكومة إسرائيلية قادمة تدعم الخصخصة وتقلص الخدمات.
|
|