تأثيرات فك الارتباط على النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية

جمال البابا

أثناء جلسة لحزب الليكود في 23/2/2004 أشار شارون إلى أن الهدف من خطة فك الارتباط من طرف واحد هو توطيد الأمن، وذلك عبر الاستمرار في بناء الجدار الفاصل، وإعادة نشر الجيش الإسرائيلي فضلاً عن وسائل أمنية أخرى، وأن الخطة ستحول دون ممارسة ضغوط على إسرائيل من أجل التقدم السياسي مع الفلسطينيين، وستضمن بقاء أكبر عدد من المستوطنات في أيدي إسرائيل، كما ستضمن أفضل الظروف الأمنية والإقليمية لإسرائيل إذا ما استؤنفت المفاوضات(1).

يبدو واضحاً من خلال الكلمة القصيرة السابقة لشارون أن الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس هي محور اهتمام وأطماع إسرائيل، وأن تفكيك مستوطنات غزة لا يمثل لإسرائيل "تنازلات مؤلمة" كما يتغنى بهذا المصطلح العديد من القادة السياسيين في إسرائيل، فمستوطنات غزة لم تحظ في يوم من الأيام بأهمية استراتيجية أو حتى أمنية عليا منذ بدء الاستيطان الإسرائيلي هناك، والدليل العملي على ذلك أنه في مفاوضات كامب ديفيد الثانية وفي مفاوضات طابا التي تلتها لم تحظ هذه المستوطنات بأية أهمية باعتبارها مستوطنات أقيمت لأهداف سياسية يمكن استخدامها في وقت معين لتحقيق هدف معين، وقد جاء هذا الوقت لاستخدامها في خطة شارون لفك الارتباط.

عند الحديث عن الضفة الغربية فإن الوضع مختلف تماماً، فالاستيطان هنا له أهداف استراتيجية كبيرة ويحظى باهتمام وتأييد جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دون استثناء، وبالنسبة لشارون تحديداً فإن الاستيطان في الضفة الغربية كان وما يزال جزءاً من تركيبته السياسية والعقائدية لعدة أسباب: أهمها السبب الأمني، حيث يعتبر غور الأردن منطقة أمنية لإسرائيل وكذلك الجبهة الغربية للضفة الغربية تطل وتتحكم في المنطقة الأكثر حيوية في إسرائيل "غوش دان"، إضافة إلى الأبعاد المائية، فإسرائيل تعتمد في مياهها وبنسبة تقترب من 20% على الأحواض المائية الثلاث الرئيسة في الضفة الغربية، الحوض الشمالي الغربي (قرب مستوطنة أريئيل) والحوض الجنوبي (قرب غوش عتسيون) والحوض الشرقي (منطقة الغور)، يضاف إلى كل ذلك العباءة الأيديولوجية  التي يحاول زعماء إسرائيل، وبخاصة زعماء اليمين منهم ارتدائها والتي تقول أنه لا يجب التفريط بالضفة الغربية باعتبارها جزءاً مهماً من أرض إسرائيل التوراتية.

هكذا يبدو أن الانسحاب من غزة سيكون مدخل شارون السياسي لتنفيذ مشروعه الأكبر في الضفة الغربية، وهو الاحتفاظ بأكبر قدر من الأراضي ومحاولة إخراج القدس من دائرة المفاوضات وذلك من خلال فرض المزيد من الحقائق على الأرض سواء بواسطة تكثيف الاستيطان أو بناء الجدار أو عزل وتهويد مدينة القدس. وهذا ما سنلقي الضوء عليه في السطور القادمة.

على مدى اثني عشر عاماً من مسيرة أوسلو لم يتوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية وبخاصة في الضفة الغربية والقدس، حيث تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية في الفترة من 1993 إلى 2003 بزيادة سنوية تتراوح بين 5-6% سنوياً، وفي السنوات الأخيرة ظل الاستيطان في حالة تكثيف ونشاط ولكنه أخذ شكلاً من التركز في مناطق دون أخرى في حالة من التناغم مع سير الجدار الفاصل ونظرة شارون لمستقبل الضفة الغربية.

1- عمليات البناء والتوسع

في رسالة الضمانات التي قدمها الرئيس بوش إلى شارون في 14 نيسان 2004 جاء ما نصه "وكجزء من تسوية السلام النهائي، يجب أن يكون لإسرائيل حدود آمنة ومعترف بها، ويجب أن تنتج عن مفاوضات بين الأطراف على أساس قراري مجلس الأمني الدولي 242، 338، على ضوء الحقائق الجديدة على الأرض ومن ضمنها مراكز التجمعات السكانية الإسرائيلية الكبرى القائمة حالياً، فإنه من غير الواقعي التوقع بأن تكون نتيجة مفاوضات الحل النهائي ستكون عودة كاملة وتامة إلى حدود الهدنة لعام 1949، وقد وصلت جميع الجهود السابقة للتفاوض حول حل الدولتين إلى ذات النتيجة، أنه لمن الواقعي أن نتوقع بأن أي اتفاق نهائي يمكنه أن يتحقق فقط على أساس تغييرات متبادلة متفق عليها تعكس هذه الحقائق"(2).

بمجرد تسلم شارون ومن خلفه الحكومة الإسرائيلية رسالة الضمانات بدأ الحديث يدور في أوساط مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نية إسرائيل توسيع البناء في المستوطنات التي تنوي ضمها، على أساس أن إدارة بوش ستبدي مرونة بخصوص البناء في هذه المستوطنات الواقعة داخل الكتل الاستيطانية. وحاول مكتب شارون تلطيف الخبر من خلال قول مديره فايغلاس بأنه تعهد بخطاب إلى وزيرة الخارجية رايس التي كانت تشغل مستشارة الأمن القومي آنذاك، فحواه أن إسرائيل لن تتوسع في البناء في تلك المستوطنات خارج خط البناء القائم حالياً على أن يتم بين الطرفين تحديد هذا الخط. ولكن هذا الموضوع لم يتم استكماله لأنه حسب مصادر أمريكية واسرائيلية فإن الطرفين لا توجد لديهما مصلحة في تحديد خط البناء للمستوطنات، لأن إسرائيل رأت في ذلك تقييداً لها في عمليات بناء وتوسيع مستقبلية، والولايات المتحدة اختارت الامتناع عن تسوية أو اتفاق يمنح شرعية للبناء القائم في المستوطنات. وتكتفي الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل ودفعها إلى عدم التوسع في عمليات البناء(3).

أما شارون ففي اليوم الذي صادقت فيه الحكومة الإسرائيلية على إنهاء الحكم العسكري في قطاع غزة، جدد تصريحاته بشأن تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، فقد قال لصحيفة واشنطن بوست عشية سفره إلى واشنطن أن حكومته ستواصل البناء في المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية، رغم الاعتراضات المتوقعة من الولايات المتحدة وأكد عزمه الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية وعدم الانسحاب منها بموجب أي اتفاق سلام في المستقبل، والاستمرار في البناء بها وفقاً لما تراه إسرائيل. وفي رده على سؤال حول رد فعل واشنطن تجاه البناء في الضفة الغربية "لا أعتقد أنهم سيكونون سعداء للغاية ولكنها الكتل الرئيسية ويجب أن تبقى. لا يوجد اتفاق مع الولايات المتحدة بهذا الشأن ولكن هذه المناطق ستكون جزءاً من إسرائيل"(4).

وقد علق وزير دفاعه موفاز على بدء عمليات الانسحاب من قطاع غزة أن "الانسحاب من قطاع غزة اتفق مع مصالح دولة إسرائيل، فالحدود الدائمة لإسرائيل في هذه المنطقة (الجنوبية) تم تحديدها في إطار الاتفاقيات مع مصر واتفاق "غزة أريحا". وبقاء المستوطنات في قطاع غزة، ما كان سيقدم أي فائدة لمصالحنا في المستقبل" وأضاف أن "الاستيطان يشكل لإسرائيل في الضفة الغربية جانباً من الحدود المستقبلية، وهو مصلحة إسرائيلية أمنية قومية ويجب عليناً المحافظة على ذلك"(5).

إن عملية بناء المزيد من الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لم تتوقف وأن بدأت تأخذ شكلاً ممنهجاً، بحيث يتم التركيز على المستوطنات الكبيرة التي تخطط لها إسرائيل أن تكون خلف جدار الفصل الذي يتم بناءه. وحسب تقرير حركة السلام الآن حول البناء الذي حدث في عام 2004 بعد إقرار خطة فك الارتباط، فقد تم أضافة 1834 دونماً من البناء في مستوطنات الضفة الغربية ومعظم هذه المساحات تقع في المستوطنات الكبيرة.

رغم أن عمليات البناء في المستوطنات تتم في ظل تعتيم حكومي، إلا أن حركة السلام الآن أكدت في تقريرها الصادر مطلع العام 2005 أن هناك 3000 وحدة سكنية كانت تبني في عام 2004 على الرغم من نشر مناقصات بناء فقط لـ 962 وحدة سكنية، كما تم نشر مناقصات لبناء نحو ألف وحدة سكنية جديدة، يضاف إلى ذلك وجود العشرات من الوحدات السكنية التي بنيت على أساس مبادرات فردية وشخصية في عشرات المستوطنات في الضفة(6).

وحسب التقرير فإن بعض المستوطنات يجري فيها البناء بشكل مكثف من أجل تثبيت خط البناء للتأثير على سير الجدار الفاصل، مثل البناء في مستوطنتي الفيه منشه وتسوفيم بين مدينتي قلقيلية وطولكرم. أما المستوطنات التي يجري فيها البناء بشكل واضح فيمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات حسب حجم البناء وكثافته.

-      مستوطنات يجري فيها بناء مكثف جداً، إذ يجري بناء مئات الوحدات السكنية في مستوطنات: معاليه أدوميم، بيتار عيلليت، موديعين عيلليت، ألفيه منشه، وآدم وهار جيلو.

-      مستوطنات يجري فيها بناء بقدر متوسط مقارنة مع المستوطنات السابقة وهي: كوخاف يعقوب ونافيه دانيال وافرات واريئيل وهار ادار وجفعات زئيف ونوفي برات وكرميل وألفيه منشه (حي نيريت) وكدوميم واليعازر ورفافا واورانيت.

-      أما المستوطنات التي يجري فيها البناء بقدر أقل من الصنفين السابقين فهي: كريات نطوفيم، حلميش، طلمون، طنا، ادورا، عيللي، بدوئيل، عنتوت، عيناب، تقواع، شفى شومرون، شيلو، يتسهار، كما يتم تمهيد أراضي مصادرة للبناء  في مستوطنات ياكير، معون، معاليه لفونه، معاليه مخماس، تسوفيم، متسبيه يريحوو، شيلو، عيللي، عوفرة، عنتوت، رايل دافيد، عيناب، تفوهوت، براخا، كوخاف يعقوب(7).

وكما سبقت الاشارة فإن إسرائيل تدعي أن البناء في المستوطنات يتم في أضيق الحدود وضمن خط البناء القائم لتلبية احتياجات الزيادة الطبيعية كما تدعي، ولكن حجم البناء المشار إليه وانتشاره يؤكد عكس ذلك، كما أن العديد من التقارير التي تعالج موضوع الاستيطان تشير إلى أن العديد من المستوطنات يجري فيها البناء خارج حدود خط البناء القائم وهذه المستوطنات هي: بيتار عيلليت، موديعين عيلليت، أورانيت، رفافا، عيلي، يتسهار، عنتوت، متسببة يريحو، نفوتوت، عوفره، تسوفيم، ألفي منشه، نافيه دانيال، كدوميم، بدوئيل، كرمل، معون، معاليه أدوميم، معاليه مخماس هار جيلو، براخا.

أما في العام 2005 فقد أوردت حركة السلام الآن في أحدث تقرير لها أن حكومة شارون أقدمت منذ مطلع العام الجاري (2005) وحتى نهاية شهر أغسطس الماضي على بناء أكثر من 3980 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، كما أكد التقرير أن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي أعلن عن مصادقة الحكومة على إقامة ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة أريئيل.

ومن خلال نظرة سريعة لعمليات البناء في المستوطنات وطبيعتها يمكن ملاحظة الآتي:

-      تتم عمليات البناء المكثف في ستة مستوطنات رئيسة، تضم نحو 95 ألف مستوطن يمثلون نحو 40% من عدد المستوطنين، وجميع هذه المستوطنات تقع في الجهة الإسرائيلية من الجدار الفاصل.

-      مجموع المستوطنات التي تتم فيها عمليات بناء سواء بناء مكثف أو متوسط أو قليل بلغ 47 مستوطنة، وهذا يدلل على مدى انتشار البناء في مستوطنات الضفة الغربية وليس كما تدعي الحكومة الإسرائيلية بأن البناء يتم في أضيق الحدود.

-      تشهد المستوطنات الدينية التي يستوطنها (الحريديم) أكبر عملية بناء، وبخاصة المستوطنات الكبيرة منها لاستيعاب الإقبال المتزايد من جمهور المدينتين للسكن في هذه المستوطنات وبخاصة مستوطنتي بيتار عيلليت وموديعين عيلليت.

ونحن بصدد الحديث عن عمليات البناء والتوسع في المستوطنات لابد من الإشارة إلى ما يحدث في المواقع الاستيطانية (غير القانونية)، على الرغم من التصريحات الإسرائيلية المتكررة والتي تزعم أن الحكومة تقوم بكبح عمليات البناء في المواقع الاستيطانية وأن هناك نوايا لتفكيك هذه البؤر إلا أن الواقع على الأرض يقول غير ذلك، فحسب تقرير أعدته حركة السلام الآن ومركز سلام الشرق الأوسط فإنه في العام الماضي 2004 تم توسيع غالبية البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية بحيث أصبح العديد منها يمكن اعتباره مستوطنات ثابتة، وأكد التقرير أن العمل يجري بشكل دائم في 15 موقع. كما تم بناء ثلاثة بؤر استيطانية جديدة وإعادة بناء بؤرة تم تفكيكها وهي بؤرة "متسفيه يتسهار" أما البؤر الثلاثة التي تم انشاؤها في العام الماضي هي "ميفرون-جنوب"، "عوفرا-شمال شرق" و"عوفرا-جنوب شرق" إضافة إلى ما يسمى معهد مشفاطي هآرتس، هذه البؤر الثلاثة تقع في المجلس الاستيطاني بنيامين "منطقة رام الله".

إن عملية تسمين البؤر الاستيطانية كما سبق أن أشار تقرير ساسون حول المواقع الاستيطان، تتم بدعم من جميع المؤسسات الداعمة للاستيطان سواء حكومية أو غير حكومية، وقد أكد تقرير السلام الآن أن العمل يتم في البؤر الاستيطانية التالية: نوفي نحمياه، هروئيه، جبعات هتمار (أفرات)، كيده، إش كودش، جبعات غلعاد، معاليه، كما أن أكثر البؤر الاستطانية يتم فيها نشاط وبناء بشكل دائم هي عامونه، حفات شلهيبت (يتسهار)، بيلغي مايم، هيوبال، بروخيم، غبعات هرئيل. تكواع، إيتمار 777، إيتما 782، جفعات يئير، عادي عاد، حور شاه(8) وهكذا يبدو أن المواقع الاستيطانية لا زالت تمثل ورقة مساومة في يد الحكومة الإسرائيلية والتي يمكن أن تقدم الحكومة الإسرائيلية على استغلالها أو جزء منها كخطوة  أحادية الجانب تقدمها للعالم لتحقيق أهداف جديدة.

2- المستوطنون

يشكل المستوطنون ما نسبه 6.5% من سكان إسرائيل، ولا تمثل هذه النسبة اتجاهاً معيناً بذاته، إذ يلاحظ التمايز الشكلي بين المستوطنين وذلك بعد تحديد دوافعهم للاستيطان، حيث يتغذى عدد منهم بدوافع أيديولوجية تتمثل بالانتماء إلى (أرض إسرائيل الكبرى)، أو (محبة صهيون)، وعلى الجانب الآخر يلاحظ قيام الأزواج الشابة بالسكن في المستوطنات نتيجة غلاء أسعار الشقق داخل إسرائيل. وينقسم مستوطنو الأراضي الفلسطينية بحسب ميولهم وانتماءاتهم السياسية الأيديولوجية إلى أربع فئات مختلفة:

1-    العلمانيون المنتمون إلى حركة العمل الصهيوني وبخاصة حزب العمل والذين يمثلون الأغلبية الساحقة من مستوطني غور الأردن.

2-    العلمانيون الأقرب إلى الأحزاب الصهيونية اليمينية وبخاصة حزب هتحيا، والذين يدعمون فكرة "أرض إسرائيل الكبرى" ويعتبرون أرض الضفة الغربية وقطاع غزة جزء من أرض إسرائيل التاريخية، ولا يجوز التخلي عنها.

3-    المتدينون المدفوعون إلى الاستيطان بأيديولوجية صهيونية ودينية، وهم لا يختلفون عن الفئة الثانية إلا من حيث الأيديولوجية الدينية التي تحكمهم والتي تقول بوجود أمر إلهي باسترجاع "أرض إسرائيل" ومنهم حركة اغودات إسرائيل، غوش أمونيم، وحزب المفدال.

4-    المتدينون غير المنتمين لأحزاب صهيونية ولا يؤمنون بالصهيونية، واستيطانهم الأراضي الفلسطينية جاء لأسباب اقتصادية أكثر منه لأسباب أيديولوجية ويمثل هذه الشريحة مستوطني حزب شاس وحزب اغودات إسرائيل (التوراة الموحدة).

مما لا شك فيه أن الزيادة في إعداد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية تسارعت منذ توقيع اتفاق أوسلو، لأن إسرائيل كعادتها تحاول استغلال جميع الفرص المتاحة أمامها، فقد كانت تفاوض في جانب وتكثف عمليات الاستيطان في الجانب الآخر، عند توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 كان عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية 105 آلاف مستوطن، ارتفع العدد إلى 138 ألف في نهاية حكومة العمل في مطلع 1996، ثم عاد إلى الارتفاع إلى 203 ألف مستوطن في نهاية حكومة بارك 2001 ووصل الآن إلى نحو 250 ألف مستوطن ( سبتمبر2005) وكما يتوقع العديد من المراقبين فإن اعداد المستوطنين سوف تشهد زيادة مضطردة في الفترة القادمة من خلال حركة استيطان واسعة وتشجيع المزيد من الإسرائيليين على الاستيطان في مستوطنات الضفة الغربية من خلال مزيد من الإغراءات والتسهيلات، ومن خلال تتبع اعداد المستوطنين في السنوات الثلاث الماضية وبخاصة السنة الأخيرة منها يمكن أن تكون الصورة أكثر وضوحاً حول أعداد المستوطنين وحركتهم والمناطق التي يتم التركيز عليها.

ففي نهاية العام 2002 أشارت التقديرات إلى أن عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية بلغ 421.785 مستوطناً، منهم 405.485 مستوطناً في الضفة الغربية بما فيها القدس و 7.300 مستوطناً في قطاع غزة. ويتضح من البيانات أن معظم المستوطنين يسكنون في محافظة القدس (229.256 مستوطناً). منهم 180.792 مستوطناً في منطقة (J1) ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته إسرائيل أو ما يسمى بالقدس الشرقية، يليها محافظات رام الله والبيرة (58.380 )، بيت لحم 34.929، قلقيلية 27575 مستوطناً(9).

وكانت نسبة الزيادة للمستوطنين في هذا العام نحو 5.7% وهي نسبة تساير معدلات الزيادة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وقد شملت هذه النسبة الزيادة الطبيعية التي وصلت إلى 6600 مستوطن وكانت أعلى الزيادات في المستوطنات الدينية والمدنية الكبيرة خاصة مستوطنتي بيتار عيلليت وموديعين عيلليت حيث زادت الأخيرة بـ 2800 مستوطن في العام 2002، أما في العام 2003 فقد كانت نسبة الزيادة نحو 6% حيث بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية باستثناء القدس 231.443 مقابل 218.862 في العام الذي سبقه أي بزيادة قدرها 12.581 مستوطن، يشكلون 5.75% من عدد المستوطنين. كانت الزيادة الواضحة للمستوطنين في العام 2003 في المستوطنات الكبيرة، وبخاصة المستوطنات الدينية الكبيرة، فمستوطنة أريئيل زاد مستوطنيها بنحو 400 مستوطن وزاد عدد مستوطني مستوطنة معاليه أدوميم بنحو 900 مستوطن ومستوطنة أفرات زادت بنحو 400 مستوطنة. أما المستوطنتان الدينيتان الكبيرتان واللتان يستوطنهما مستوطنون من المتدينين الحريديم  بيتار عيلليت وموديعين عيلليت فقد زادتا بنحو 3400 و2391 مستوطن على التوالي وهي نسبة مرتفعة جداً تتجاوز 15%.

ورغم الارتفاع الحاد في عدد السكان في المستوطنتين الأصوليتين سابقتا الذكر إلا أن عدد السكان  انخفض في مستوطنتين أصوليتين هما مستوطنة عمانويل (-6%) ومستوطنة معاليه عاموس (-9%). وفي المقابل فقد شهدت مجموعة من المستوطنات الأيديولوجية الصغيرة الواقعة بالقرب من التجمعات السكانية الفلسطينية زيادة سكانية ملحوظة، مثل مستوطنة يتسهار التي زادت بمعدل 15.4%، رفافا، 11.2% كريات نتيم 15.8%، شفى شومرون 8.9%، فدوئيل 9%، يكير 8.5% بني حيفتس 8%، حتى مستوطنة آلون موريه القربية من مدينة نابلس زادت بمعدل 4.1%(10).

وبالنظر إلى أعداد المستوطنين في العام الماضي (2004) والعام الحالي (2005) نجد أن وتيرة الزيادة ما زالت تتراوح بين 5-6% سنوياً وهي الوتيرة التي بدأت تظهر بعد التوقيع على اتفاق أوسلو. وأكثر تحديداً في فترة باراك حيث بدأت تظهر ملامح الحل النهائي من وجهة النظر الإسرائيلية، ففي نهاية العام 2004 بلغ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية باستثناء القدس نحو 235(*) ألف مستوطن موزعين على 145 مستوطنة تختلف فيما بينها من حيث الحجم وعدد المستوطنين فيها والتي تتراوح من عشرات الآلاف من المستوطنين إلى بضعة مستوطنين فقط، يوضح الجدول التالي المستوطنات العشر الكبيرة في الضفة الغربية من حيث عدد المستوطنين والزيادة التي طرأت عليها في السنوات العشر الأخيرة، أي بعد التوقيع على اتفاق أوسلو.

الاسم

1994

2004

التغير السكاني

العدد

%

معاليه أدوميم

18.400

28.923

10.523

57

موديعين عيلليت

6.150

27.386

21.236

345

بيتار عيلليت

4.880

24.895

20.015

410

أريئيل

12.800

16.414

3.614

28

جفعات زئيف

6.750

10.635

3.885

58

إيفرات

4.650

7.273

2.623

56

كريات أربع

5.120

6.651

1.531

30

كرني شومرون

4.820

6.170

1.350

28

أورانيت

3.380

5.458

2.078

61

ألفي مينشه

2710

5.433

2.723

100

المجموع

69.660

139238

69578

100

جدول يوضع سكان المستوطنات العشر الكبرى في الضفة الغربية والتغييرات التي طرأت عليها(11).

 

من خلال الأرقام الواردة في الجدول السابق يلاحظ أن المستوطنات العشر الكبرى في الضفة الغربية يستوطنها نحو 140 ألف مستوطن يمثلون نحو 60% من إجمالي المستوطنين، وأن المستوطنات الخمس الكبرى يستوطنها نحو 46% من إجمالي المستوطنين، كما أن معظم المستوطنات الكبرى تقع في منطقة القدس وضواحيها. كما يلاحظ القفزة النوعية التي حققتها المستوطنتان الأصوليتان (الحريديم) موديعين عيلليت وبيتار عيلليت، هذا النوع من المستوطنين الذين لم يكن لهم وجود يذكر قبل عام 1990 أصبحوا الآن يمثلون نحو 25% من إجمالي عدد المستوطنين في الضفة الغربية إذا ضمت إليهما مستوطنة العاد (6500 مستوطن) التي يقطنها أيضاً الحريديم، وحسب تقرير إخباري لموقع "وانيت" على الانترنت التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت فإن الحريديم يتدفقون على المستوطنات الثلاث لدوافع اقتصادية فقط وليس لدوافع أيديولوجية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الزيادة الكبيرة في هذه المستوطنات لا ترجع فقط لوفود اعداد جديدة للسكن داخل المستوطنة ولكن للزيادة الطبيعية الكبيرة التي يتميز بها اليهود الحريديم. هذا لا يعني أن المستوطنات الكبيرة والقريبة من القدس أو الخط الأخضر هي التي زاد عدد مستوطنيها ولكن أيضاً المستوطنات الصغيرة وبخاصة التي يستوطنها متشددون قد زاد عدد مستوطنيها بنسب مرتفعة مثل مستوطنة بيت ايل، تلمون، بني حيفر.

وفي آخر تقرير نشر لوزارة الداخلية الإسرائيلية (5-9/2005) ذكر فيه أنه في الـ 12 شهراً الأخيرة حتى نهاية تموز، استوطن في الضفة الغربية باستثناء القدس نحو 12700 مستوطن، وحسب نفس التقرير فإن 6900 مستوطن جديد استوطنوا الضفة الغربية منذ مطلع العام الحالي حتى نهاية شهر أغسطس، وجاء في التقرير أنه في السنة ونصف السنة الأخيرة استوطن في الضفة الغربية (أي منذ إعلان خطة فك الارتباط)  نحو 18 ألف مستوطن جديد (عدد المستوطنين الذين أخلتهم إسرائيل من قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، بلغ 9400 مستوطن)(12). وهو مؤشر واضح على الاقبال الشديد على الاستيطان في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة.

3- القدس ومحيطها

من الناحية العملية استطاعت إسرائيل أن تفرض سيطرتها شبه التامة على مدينة القدس الشرقية، وبدأت منذ أن تم الاعلان عن فك الارتباط بالتوجه إلى خارج الحدود البلدية للمدينة لفرض نوع جديد من السيطرة بهدف قطف ثمار 38 عاماً من الاستيطان لتحقيق أهداف استراتيجية وديمغرافية تعزز من سيطرتها على المدينة ومحيطها، وإحباط محاولات إقامة دولة فلسطينية على مساحة كبيرة من الضفة الغربية وذات تواصل إقليمي حقيقي، كما أن وتيرة هذه الاجراءات والممارسات بدأت تتسارع وتتكثف بشكل خاص في أعقاب المصادقة النهائية من قبل الكنيست الإسرائيلية على خطة فك الارتباط.

يوجد بعدان رئيسيان لعملية السيطرة على المدينة وعزلها عن محيطها الديمغرافي والجغرافي في الضفة الغربية، الأول يتعلق بعزل المدينة جغرافياً وذلك من خلال استكمال بناء الأحياء الاستيطانية على أبواب ومداخل المدينة والتي كان أهمها مستوطنة هارحوما (جبل أبو غنيم) لإغلاق جنوب المدينة وفصلها عن مدينة بيت لحم، إضافة إلى إقرار مخطط البوابة الشرقية الذي يهدف إلى إمكانية السيطرة على المدينة من الجهة الشمالية الشرقية من خلال منع أي تواصل جغرافي بين الأحياء العربية خارج المدينة والأحياء العربية داخلها وتحد من أي امتداد جغرافي لهذه الأحياء، بالإضافة إلى أن تنفيذ هذا المخطط يعتبر تمهيداً لإيصال معاليه أدوميم بمدينة القدس من خلال مخطط (E1).

أما البعد الثاني لعزل المدينة عن محيطها العربي فيتمثل في عزل المدينة ديمغرافياً من خلال قائمة طويلة من الإجراءات ضد السكان بدأت بسحب بطاقات الهوية من أبناء القدس المقيمين في محيطها ثم جاءت الخطوة التالية بمنع وصول سكان الضفة الغربية إلى المدينة إلا من خلال تصاريح تصدرها السلطات الإسرائيلية لأسباب تتعلق بالدراسة والعمل أو العلاج وهي تصاريح سارية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر.

هذا الإجراء الذي تضمن عدم إعطاء العديد من العاملين في مدينة القدس التصاريح اللازمة، جعل بعض مؤسسات القدس تقيل بعض موظفيها القاطنين في الضفة الغربية. والأخطر من ذلك أن هناك توجه إسرائيلي من المتوقع أن يفرض على سكان القدس العرب ليزيد من عزلتهم ألا وهو ضرورة حصولهم على تصاريح كي يتمكنوا من الذهاب إلى الضفة الغربية.

إن عمليات عزل المدينة تجري بالتوازي مع إجراءات إحكام السيطرة على داخل المدينة والتي تتمثل بقائمة طويلة من الممارسات والاجراءات والتي أهمها:

-      تغلغل أعداد من اليهود خاصة المتطرفين منهم داخل الأحياء العربية المقدسية تحديداً في الحي اليهودي في البلدة القديمة وفي شارع باب الواد وباب الساحرة، حارة السعدية، نزل القديس يوحنا بجوار كنيسة القيامة، حي سلوان، راس العامود، الشيخ جراح، حي المصرارة، حي الولجة جنوبي المدينة.

-      في بداية شهر يوليو 2004 قررت الحكومة الإسرائيلية تطبيق قانون أملاك الغائبين على الأملاك في الأراضي في شرقي القدس والتي تعود لفلسطينيين يسكنون خارج حدود المدينة.

-      قرار هدم 88 منزلاً فلسطينياً في حي البستان في سلوان.

-      الاستمرار في إغلاق العديد من المؤسسات الفلسطينية وخاصة مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية.

كل هذه الاجراءات والقرارات لم تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى الكف عن اتخاذ المزيد من الاجراءات، ففي بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في مطلع شهر 6/2005 أكد أن الحكومة الإسرائيلية أعدت خطة تفصيلية لتنمية مدينة القدس الموحدة بهدف تعزيز سيطرة إسرائيل عليها، وجاء في البيان أن خطة تنمية القدس "العاصمة" تبلغ قيمتها 280 مليون شيكل (64 مليون دولار) وأن "رئيس الوزراء صرح بأن الخطة ستساعد على تعزيز سيطرتنا على القدس، وستجعل منها مدينة جذابة بالنسبة للمستثمرين والسكان الجدد والسياح، وستجعل القدس تمثل المكانة التي تليق بها كأول مدن إسرائيل".

أما فيما يتعلق بمحيط المدينة فبعد أن أحكمت إسرائيل سيطرتها على المدينة بحدودها البلدية بدأت تنظر خارج حدود المدينة أي إلى محيطها في الضفة الغربية، حيث زرعت مجموعة كبيرة من المستوطنات والطرق الالتفافية في محيط المدينة على مدى عشرات السنوات من الاحتلال. وقد حان الوقت من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية لقطف ثمار هذا "الانجاز" في توسيع حدود نفوذ المدينة لتضم المستوطنات المحيطة لأنها تعتقد أن الظروف أصبحت سانحة أكثر بعد خطة فك الارتباط.

وكما قال مهندس بلدية القدس أوري شطريت "لا يمكن بناء أحياء سكنية جديدة أو توسيع البناء لليهود في شرقي المدينة في نطاق الحدود البلدية". وهذا القول يفسر من قبل الحكومة الإسرائيلية على أن هناك ضرورة لتوسيع المدينة باتجاه الضفة الغربية عن طريق ضم المستوطنات المحيطة بالمدينة خاصة مستوطنات معاليه أدوميم وجفعات زئيف وبيتار عيلليت ومن خلفها غوش عتسيون مما يوفر رصيداً جديداً من الأراضي للتوسع والاستيطان.

هذا التصور الإسرائيلي يوضح طبيعة النشاط الاستيطاني الجاري في الأراضي الفلسطينية، حيث تؤكد المعطيات أن غالبية النشاط الاستيطاني في الفترة الحالية يتركز فيما يسمى بمنطقة "القدس" وبصفة عامة فإن المستوطنات المحيطة بمدينة القدس يقدر عدد مستوطنيها بنحو 100 ألف مستوطن.

وصل معاليه أدوميم بالقدس: تلقى مستوطنة معاليه أدوميم اهتماماً خاصاً من قبل الحكومة الإسرائيلية، هذه المستوطنة التي تقع إلى الشرق من مدينة القدس متحكمة بذلك بالطريق الواصل بين القدس وأريحا ومن ثم التحكم بالحركة من شمال الضفة إلى جنوبها وبالعكس، وتقدر مساحة المستوطنة بنحو 60 ألف دونم تمثل نحو 1% من مساحة الضفة الغربية، رغم أن الجزء المستغل منها لا يتجاوز 15 ألف دونم، وتعود الأراضي المقامة عليها المستوطنة  لقرى أبو ديس وعناتا والعيزرية والطور والعيسوية، وتمتد هذه الأراضي من حدود بلدية القدس غرباً حتى الخان الأحمر شرقاً، بتاريخ 28/2/1997 صدر إعلان من الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية حول الخطة الهيكلية لمستوطنة معاليه أدوميم موقَّع من وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق اسحق مردخاي (صاحب الصلاحية) ينص على إيداع الخطة (E-1) بمساحة قدرها عشرة آلاف دونم لتشكل تواصل اقليمي يهودي في المنطقة لربط مستوطنة معاليه أدوميم بمدينة القدس وذلك ضمن مخطط أشمل يمتد من مستوطنة جفعات زئيف غرباً حتى مشارف البحر الميت شرقاً بواسطة امتداد أرضي وطرق التفافية وعرضية يهدف إلى عزل مدينة القدس عن محيطها إضافة إلى دور هذا المخطط في التحكم في إمكانية الاتصال بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.

وفي اجتماعها الأسبوعي يوم 13/3/2005 رأت الحكومة الإسرائيلية ضرورة أن يخرج هذا المشروع إلى حيز الوجود حيث أقرت الحكومة برئاسة شارون مخطط بدء البناء في مشروع (E-1)، وهو ما صادق عليه وزير الدفاع شاؤول موفاز، والمخطط المصادق عليه يتضمن خطة لبناء 2250 وحدة سكنية أخرى، إضافة إلى 150 وحدة مستقلة كنزل لكبار السن، وإجمالي البناء يتكون من 3500 وحدة سكنية جديدة(13).

 

4- الاستيطان والجدار

في خطابه أمام الأمم المتحدة في 15/9/2005 قال شارون "إلى أن يفعلوا ذلك (يقصد الفلسطينيين)، ستعرف إسرائيل كيف تدافع عن نفسها من فظائع الارهاب، ولهذا فقد أقمنا جداراً أمنياً وسنواصل بناءه حتى نستكمله، مثلما كانت كل دولة ستفعل لحماية مواطنيها..... هذا الجدار حيوي لا مثيل له.... هذا الجدار ينقذ الحياة"(14).

هذا الخطاب الذي ألقاه شارون يدلل على أن إسرائيل ماضية في استكمال بناء الجدار العازل رغم الاعتراضات الدولية وحتى الأمريكية منها حتى أن إسرائيل وبعد إقرار خطة فك الارتباط لم تعد تخفي أن الجدار الفاصل لا يقتصر على الجانب الأمني بل له أهداف سياسية حيث اعترفت الحكومة الإسرائيلية من خلال ردها على دعوة أقامها سكان عزون أمام المحكمة الإسرائيلية، بأن الهدف من امتداد الجدار شرقاً لم يكن الإشراف الأمني على مسار الشارع 55 وإنما ضم أراضي فلسطينية إلى منطقة نفوذ مستوطنة تسوفين لإقامة منطقة صناعية(15).

إن المضي في بناء الجدار الفاصل بوتيرة سريعة مع بعض التعديلات هنا وهناك بدأ يأخذ صيغة شبه نهائية بحيث يضم نحو 55 مستوطنة إسرائيلية إلى الغرب منه (تشمل 12 مستوطنة في شرقي القدس) بطريقة تفصلها عن باقي الضفة الغربية، وحسب تقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الانسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) ومن خلال معاينة المقاطع ذات الصلة في خرائط مسار الجدار الفاصل، تظهر أنه في معظم الحالات تم تحديد مسار الجدار الفاصل على بعد مئات الأمتار وحتى آلاف الأمتار من آخر البيوت في كل مستوطنة بحيث أصبح يقيناً أن خطط توسيع المستوطنات كانت تشكل اعتباراً ملحوظاً سائداً جداً في عملية التخطيط لمسار الجدار الفاصل.

إن عدم اعتراف إسرائيل بصورة تامة بأن خطط توسيع الكثير من المستوطنات كانت تشكل اعتباراً مركزياً في تحديد مسار الجدار الفاصل، ضمن أشياء أخرى، منها التناقضات الجوهرية لموقف الحكومة الإسرائيلية وما يمارس على أرض الواقع، وذلك من خلال الوقائع التالية:

-      إن ضم المساحة المخصصة لتوسيع المستوطنة غربي الجدار شرط مركزي يترتب عليه إخراج مشروع البناء إلى حيز التنفيذ أم لا. وحتى لو تغيرت الظروف الأمنية في المستقبل، بحيث يكون من المتاح تفكيك أو إزاحة الجدار الفاصل، فإن هذه الأراضي التي تم ضمها إلى المستوطنة سيتم التعامل معها على أنها حقائق مفروغ منها ولا يمكن تجاهلها والتي يمكن في أحسن الأحوال بحث مستقبلها في إطار المفاوضات على الحل الدائم.

-      إن احتمال توسيع المستوطنة في المساحة ما بين المنطقة الأمنية من المستوطنة وبين الجدار الفاصل الهدف الأساسي منه توفير احتياطي من الأرض لتوسيع المستوطنة مستقبلاً.

-      إن مراعاة خطط توسيع المستوطنات في عملية التخطيط لمسار الجدار الفاصل أدت إلى تعاظم عملية انتهاك حقوق الانسان لسكان القرى الفلسطينية المحاذية لهذه المستوطنات، فكلما توغل الجدار في عمق الأراضي الفلسطينية كلما زادت مساحة الأراضي الزراعية التي يحتاج الفلسطينيون لتصاريح للوصول إليها.

أما إذا نظرنا إلى منطقة القدس الذي تزامن إقرار مسار الجدار النهائي فيها مع إقرار خطة فك الارتباط، فإن مسار الجدار في منطقة القدس يحتل أهمية خاصة نظراً لأهمية المنطقة والتعقيدات الكثيرة التي تكتنف تخطيطه وتنفيذه. ففي اجتماعها الأسبوعي يوم الأحد 10/7/2005 أقرت الحكومة الإسرائيلية مسار الجدار بشكله النهائي، وحتى كتابة هذه السطور فقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى من الجدار الذي يبلغ طوله نحو 59.5 كيلو متر، ويتلوى كالأفعى في محيط المدينة ليضم مستوطنات يهودية وأراضي خالية ويستثني قرى عربية، وبواسطة هذا الجدار وبعد استكمال تنفيذه سيتم إغلاق المدينة ومحيطها من الشمال والشرق والجنوب، بحيث يتم عزل مساحة قدرها 234 كم2 داخل الجدار أي ما مساحته 4.1% من مساحة الضفة الغربية، ويضم الجدار داخله إضافة لمدينة القدس الشرقية ثلاث تجمعات استيطانية رئيسة تحتوي على 20 مستوطنة وهذه التجمعات:

-      تجمع مستوطنات أدوميم ويضم 30.500 ألف مستوطن وتسيطر على مساحة قدرها 62 كم2.

-      تجمع مستوطنات غوش عتسيون ويضمن 37.700 مستوطن، بمساحة قدرها 71 كم2.

-      تجمع مستوطنات جبعون ويضم 14.600 ألف مستوطن ويسيطر على مساحة قدرها 31 كم2 هذا الامتداد للجدار سيعزل بالإضافة لمدينة القدس الشرقية (70كم2) مساحة أخرى من الأراضي (164 كم2) يعيش فيها نحو 90 ألف مستوطن، وإذا أضيف لهذا الرقم عدد المستوطنين الموجودين داخل المدينة سيتحقق لإسرائيل بعداً ديمغرافياً يعتبر أساسياً في الاستراتيجية تجاه القدس.

ونحن بصدد الحديث عن جدار الفصل الذي تسعى إسرائيل من خلاله إلى فصل أجزاء من الضفة الغربية عن الجسم الأم، لابد من الإشارة إلى الاجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى فصل الضفة الغربية وتقسيمها إلى شمال ووسط وجنوب من خلال حواجز وقطاعات أرضية ممتدة من الغرب إلى الشرق فقد واصلت سلطات الاحتلال الاسرائيلي تنفيذ مخطط يستهدف تقطيع أوصال الضفة الغربية وتحويلها الى ثلاث كانتونات تفصل بينها سلسلة متواصلة من الحواجز العسكرية والبناء الاستيطاني. فخلال الأشهر الأخيرة بعد فك الارتباط بدأت سلطات الاحتلال ببناء حاجز كبير بالقرب من مفترق مستوطنة تفوح، جنوب مدينة نابلس، ليتسنى له استكمال فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها.

وحسب مصادر عسكرية إسرائيلية قرر الجيش انشاء هذا الحاجز قبل تسعة أشهر وان تدشينه سيتم بعد شهرين، وسيضم هذا الحاجز معبراً يضم عشرة مسارات، ثماني منها تقود الى الجنوب والاخران يقودان الى الشمال.. وسيتم تكريس احد المسارات المتجهة نحو الجنوب لسيارات المساعدات الانسانية، ومسار آخر لسيارات المستوطنين. وسيمنع الفلسطينيون من اجتياز هذا الحاجز سيرا على الاقدام. يبدو واضحاً ان هذا المخطط يستهدف الفصل بين محافظتي نابلس وجنين، وبقية محافظات الضفة الغربية.

كما ان حاجز قلنديا بات يشكل فاصلا بين وسط الضفة الغربية وجنوبها. فالى الغرب من الحاجز تم شق شارع موديعين - جبعات زئيف، الذي تُمنع السيارات الفلسطينية من السفر عليه، مما ادى الى قطع الاتصال المباشر بين شمال منطقة رام الله وجنوبها. وفي الشرق تساهم الحواجز الطيارة على شارع رقم 60، والجدار المقام حول القدس وحاجز ابو ديس، على طريق بيت لحم، والبناء الاستيطاني جنوب القدس، في الفصل الكلي بين وسط الضفة وجنوبها.

 

مربع نص:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 المخطط الإسرائيلي لتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث كانتونات(16)

الخلاصة

إن وضع الضفة الغربية في القاموس السياسي الإسرائيلي يختلف تماماً عن وضع قطاع غزة ليس لأسباب توراتية كما هي الأسطورة، وإنما لأسباب ديمغرافية مائية استراتيجية، فهي تعتمد في مياهها وبنسبة كبيرة على الأحواض المائية الثلاث الرئيسية في الضفة الغربية، الحوض الشمالي الغربي (مستوطنة اريئيل) والحوض الجنوبي (تجمع غوش عتسيون الاستيطاني) والحوض الشرقي (الغور)، وعلى الوجه الآخر توجد الديمغرافيا الفلسطينية المتناقضة مع يهودية دولة إسرائيل إضافة إلى عنصر الأمن وتحسين الوضع الدفاعي، ولهذا فإن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ومن خلفه المشروع السياسي أحادي الجانب يعتمد على ثلاث عناصر رئيسية:

-   محاصرة الجغرافيا السكانية الفلسطينية وعزلها بالمستوطنات والطرق الالتفافية والجدران.

-   اللعب على عنصر الوقت لتحقيق المزيد من الحقائق على الأرض.

-   ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية الاقدام على خطوات أحادية الجانب لا تمس المخطط الاستراتيجي تجاه الضفة الغربية إذا ما تعرضت إسرائيل لضغوط خارجية.

إن علاقة فك الارتباط بالنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية هي علاقة سبب ونتيجة، السبب هو أن إسرائيل ستكثف نشاطها الاستيطاني مقابل خطتها فك الارتباط، والنتيجة أن إسرائيل عندما عززت الاستيطان في الضفة الغربية إلى درجة معينة يمكن معها قطف ثمار هذا النشاط أقدمت على خطوة فك الارتباط كي تقطف هذه الثمار. ومن خلال تأمل النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية يمكن استخلاص الآتي:

-   إن عمليات الاستيطان في الضفة الغربية تتم بوتيرة سريعة وتسير في اتجاهين: الأول هو تكثيف الاستيطان في مناطق الكتل الاستيطانية خاصة المستوطنات الكبيرة والمستوطنات الواقعة في منطقة محيط القدس، والاتجاه الثاني وإن كان بوتيرة أقل هو دعم المستوطنات الدينية الصغيرة والموجودة بالقرب من التجمعات السكانية الفلسطينية، بهدف إرضاء عتاة المستوطنين الذين يقيمون في هذه المستوطنات. وأن تظل هذه المستوطنات كأوراق مساومة سياسية قادمة.

-   خلق نوع من التكامل الواضح بين خط سير الجدار الفاصل والنشاط الاستيطاني المكثف بحيث تتركز عمليات الاستيطان إلى الغرب من الجدار، إضافة إلى أن الجدار الفاصل يتحرك بحيث يضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض للمستوطنات القائمة.

-   يبدو أن إسرائيل استطاعت اقناع الولايات المتحدة أو على أقل تقدير عدم اعتراضها على استمرارها في النشاط الاستيطاني في مناطق ما يسمى بالكتل الاستيطانية، مستندة بذلك إلى رسالة الضمانات التي قدمها الرئيس بوش لشارون التي جاءت كنتيجة لخطة فك الارتباط.

إن إقدام إسرائيل على خطوة فك الارتباط يحقق لها هدفين جيوبوليتكيين رئيسيين:

الأول: كسب المزيد من الوقت لفرض المزيد من الحقائق على الأرض، هذه الحقائق التي ستكون الأساس الجيوبولتيكي لأي حل نهائي قادم، وإقناع الاسرائيلييين بأن إخلاء قطاع غزة كان مقابل تعزيز الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية.

الثاني: تأجيل أي عملية تفاوضية جدية مع الجانب الفلسطيني تعتقد إسرائيل أنها في غير صالحها في الوقت الراهن، رغم قناعتها بأن قدرتها على الاستمرار في هذا النهج لن تدوم طويلاً ومن ثم فإن الإقدام على خطوات أحادية الجانب سيؤجل عملية التفاوض خاصة على المواضيع الاستراتيجية أطول فترة ممكنة، وهذا ما أشار إليه موفاز بوضوح حين قال "لست واثقاً بتاتاً من أنه يمكننا التوصل إلى سلام مع القيادة الحالية للفلسطينيين، يتوجب علينا الانتظار للجيل القادم. والحد الأقصى الذي يمكن أن نتوقعه في هذه الأثناء هو ربما التوصل إلى اتفاق مرحلي آخر. أما بالنسبة إلى قيام دولة فلسطينية أو اتفاق دائم لا أرى إمكانية أن يتحقق ذلك في السنوات القريبة القادمة"(17).

الهوامش:


(*)  أرقام وزارة الداخلية الإسرائيلية تصل إلى 244 ألف مستوطن.


(1) هآرتس، 12/2/2005.

(2) الأيام، 16/4/2005.

(3) هآرتس، 30/8/2005.

(4) عرب 48 (نت)

(5) المرجع السابق

(6) السلام الآن، 7/5/2005.

(7) السلام الآن، 7/2/2005.

(8) بتسيلم، 2/2/2005.

(9) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

(10) هآرتس، 20/1/2004.

(11) The foundation of Middle East Peace- September- October 2005

(12) الأيام، 6/9/2005.

(13) يديعوت، 21/3/2005.

(14) معاريف، 16/9/2005.

(15) الأيام، 5/7/2005.

(16) هآرتس، 30/10/2005.

(17) يديعوت، أحرونوت، 30/11/2005.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م