جمال البابا عندما صدرت خارطة الطريق التي أعلنتها المجموعة الرباعية الدولية (روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة) اعتقد الجميع أن أملاً قد تجدد في حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، رغم تعرض الخطة إلى العديد من الانتقادات من الجانب الفلسطيني والعديد من التحفظات من الجانب الاسرائيلي، وقد راهن الجميع على أن المجتمع الدولي لديه القدرة على المضي في هذه الخطة إن توفرت النية لذلك، وهو ما كان يعارضه شارون الذي أصر على انفراد الولايات المتحدة بالمهمة وتحقق له ما أراد، مما أبقى الخطة قيد الادراج رغم المحاولات الخجولة للسير فيها. ولكن منذ تولي الرئيس محمود عباس منصب رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في يناير 2005، عادت أجواء التفاؤل تسود المنطقة وذلك بالعودة إلى العملية السياسية وبدء الحديث عن تنفيذه خارطة الطريق، وإزدادت هذه الأجواء تفاؤلاً بعد أن نجح الرئيس محمود عباس في التوصل إلى تفاهم مع الفصائل الفلسطينية حول عملية تهدئة مع إسرائيل. هذه الأجواء جعلت الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة وبعض الأطراف الدولية والاقليمية تتحرك بإيجابية تجاه الملف الفلسطيني-الاسرائيلي، بهدف العودة إلى العملية السياسية القائمة أساساً على خارطة الطريق التي أقرتها اللجنة الرباعية. خارطة الطريق والتزامات الأطراف الخطة في مجملها تحتوي على مقدمة وثلاث مراحل رئيسية، حيث ركزت المقدمة على المبادئ العامة التي استندت إليها الخطة والتي يجب أن تنتهي بتسوية النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، أما المراحل الثلاثة، فالأولى منها تستمر لمدة ستة أشهر، وتدور حول وقف "العنف والارهاب" واجراء اصلاحات سياسية وتحسين الوضع الانساني للفلسطينيين وتجميد النشاطات الاستيطانية، وتتمحور المرحلة الثانية، حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة والاستمرار في تنفيذ التزامات المرحلة السابقة، أما المرحلة الثالثة، والتي كان من المقترح أن تنتهي في عام 2005، فتتعلق بمفاوضات الحل الدائم وإنهاء الصراع وقيام الدولة الفلسطينية. هذه المراحل تحتوي على مجموعة من الالتزامات التي يجب أن تقوم بها الأطراف المعنية من فلسطينيين واسرائيليين ولجنة رباعية وكذلك الدول العربية، بطريقة متوازية أحياناً ومتتابعة أحياناً أخرى، ويمكن إيجاز هذه الالتزامات على النحو التالي: * فلسطينياً - اصدار بيان تؤكد فيه القيادة الفلسطينية حق إسرائيل في الوجود بأمن وسلام ووقف اطلاق النار وانهاء التحريض. - اعادة بناء الاجهزة الأمنية واستئناف التعاون الأمني والعمل بجدية ضد "العنف والارهاب"، وتفكيك البنى التحتية للمنظمات المسلحة. - اجراء اصلاحات سياسية من خلال البدء في عملية وضع مسودة دستور للدولة الفلسطينية، بحيث يتم اقراره في المرحلة الثانية من الخطة، تعيين رئيس وزراء او حكومة انتقالية تتمتع بالسلطات، يتم اجراء انتخابات حرة ومفتوحة تتوج بتشكيل حكومة اصلاح يكون على رأسها رئيس وزراء. - يلتزم الأداء الفلسطيني بالمعايير القانونية والادارية والاقتصادية التي وضعها فريق العمل الدولي الخاص بالاصلاح. - التوصل إلى اتفاق الوضع الدائم والشامل وإنهاء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي في العام (2005)، من خلال تسوية متفق عليها بين الأطراف. * اسرائيلياً - اصدار بيان تؤكد فيه القيادة الإسرائيلية التزامها برؤية الدولتين والمتضمنة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقادرة على البقاء، ووقف العنف ضد الفلسطينيين وانهاء التحريض. - لا تتخذ الحكومة الإسرائيلية أية اجراءات تقوض الثقة، مثل الابعاد والهجمات ضد المدنيين وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وتدمير المؤسسات والبنية التحتية. - يقوم الجيش الاسرائيلي بالانسحاب تدريجياً من المناطق التي احتلها منذ 28 أيلول 2000. - تسهل الحكومة الإسرائيلية مهمة السلطة الفلسطينية في اجراء الاصلاحات، من خلال عدم تقييد الحركة والانتقال واتخاذ اجراءات لتحسين الوضع الانساني في الأراضي الفلسطينية. - تحويل الأموال الخاصة بالسلطة الفلسطينية وفق آلية يتم الاتفاق عليها. - تفكك إسرائيل على الفور المواقع الاستيطانية التي أقيمت منذ مارس 2001. - تجمد الحكومة الإسرائيلية جميع النشاطات الاستيطانية، بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات. - تطبيق الاتفاقات السابقة لتعزيز أقصى حد من التواصل الجغرافي، بما في ذلك اجراءات إضافية بشأن المستوطنات، تتزامن مع إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة. - التوصل إلى اتفاق الوضع الدائم والشامل وإنهاء الصراع الفلسطيني– الاسرائيلي في العام (2005) من خلال تسوية متفق عليها بين الأطراف.
* الالتزامات الدولية (اللجنة الرباعية) - دعم الرباعية لجهود تحقيق وقف اطلاق نار دائم وشامل والبدء بمراقبة غير رسمية تتطور لمراقبة رسمية. - مراجعة الوضع الانساني في الأراضي الفلسطينية وامكانيات النمو الاقتصادي وتقديم دعم مستمر من المانحين، بما في ذلك زيادة التمويل من خلال المنظمات غير الحكومية. - عقد مؤتمر دولي أول لاطلاق عملية تؤدي إلى اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة، مع الاستمرار في عملية الدعم والمراقبة. - عقد مؤتمر دولي ثاني لتثبيت الدولة المستقلة ذات الحدود المؤقتة، ويعلن من خلاله الاطلاق الرسمي لعملية تفاوضية تؤدي إلى حل دائم لقضايا الوضع النهائي في العام (2005). من خلال قراءة سريعة لالتزامات الأطراف ومدى توفر النية والقدرة لكل طرف منها في المضي في خارطة الطريق، يلاحظ أن الجانب الفلسطيني لديه النية والقدرة الآن على تنفيذ التزاماته الواردة في الخطة، وبخاصة بعد أن تم التغلب على قضية "العمل بجدية ضد العنف والارهاب" وذلك من خلال الاتفاق بين السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية على تهدئة شاملة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما أكدته السلطة والفصائل في آن واحد من خلال الاتفاق على ذلك رسمياً في اجتماع الفصائل في القاهرة الذي عقد في منتصف شهر مارس 2005. كما أن السلطة الفلسطينية بدأت فعلياً وبمبادرة ذاتية منذ عام 2003 في تنفيذ العديد من الاجراءات الواردة في الخطة مثل تعيين رئيس وزراء يتمتع بالصلاحيات، حيث تم تعديل القانون الأساسي الفلسطيني واستحداث منصب رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية، وتم تعيين محمود عباس كأول رئيس وزراء في السلطة الوطنية الفلسطينية. كما قامت السلطة الفلسطينية عام 2005 بإجراء انتخابات رئاسية حرة وبدأت في إجراء انتخابات بلدية في العديد من التجمعات السكانية كمرحلة أولى تتبعها ثلاث مراحل أخرى، كما وقامت السلطة الفلسطينية بتحديد موعد الانتخابات التشريعية وسن قانون ينظم هذه الانتخابات. وعلى صعيد الاصلاحات الادارية والقانونية والاقتصادية قامت السلطة الفلسطينية بسن مجموعة من القوانين والتشريعات التي تنظم عمل السلطة التنفيذية وتقر وترسخ مبدأ الفصل بين السلطات، هذا ناهيك عن اعادة ترتيب بعض الأجهزة الأمنية ونشر قوات فلسطينية على طول حدود قطاع غزة مع إسرائيل، كل هذه الخطوات لاقت قبولاً واستحساناً من المجتمع الدولي. ولكن على الجانب الاسرائيلي تبدو الأمور أكثر تعقيداً خاصة إذا لم تتوفر النية لتنفيذ الالتزامات المطلوبة، فعلى صعيد التفكيك (الفوري) للمواقع الاستيطانية التي أقيمت منذ مارس 2001 والتي تقدر بـ 70 موقعاً استيطانياً، اضافة إلى تجميد جميع النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات، يبدو جلياً أن النية الإسرائيلية غير متوفرة لتنفيذ هذه الالتزامات، والدليل على ذلك أن الحكومة الإسرائيلية ما زالت تضخ الأموال إلى المستوطنات لمزيد من البناء والتوسع، وحسب حركة السلام الآن في تقريرها الصادر في 1/2/2005 يوجد اليوم ما يقارب 3500 وحدة سكنية استيطانية جاري اقامتها في أنحاء الضفة الغربية، وأن مناقصات صدرت لبناء 662 وحدة خلال العام 2004، كما كشف التقرير أن العديد من المواقع الاستيطانية أصبح بمثابة مستوطنات ثابتة، حيث تم توسيع 12 موقعاً من أصل 125 موقعاً وبشكل كبير، ويجري العمل لتوسيع 15 موقعاً آخرين(1). كما أن التقرير الذي أصدرته المحامية الإسرائيلية تاليا ساسون وبتكليف من رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون حول المواقع الاستيطانية أكد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مولت هذه المواقع الاستيطانية التي يطلقون عليها غير القانونية من موازنات الدولة وبعلم من الوزارات ومجلس الوزراء نفسه(2). ورغم أن الحكومة الإسرائيلية قررت تفكيك 24 موقعاً استيطانياً مع أن هناك شكوكاً تكتنف امكانية التنفيذ، إلا أن عدد المواقع الاستطاينة الواجب تفكيكها من قبل الحكومة الإسرائيلية وطبقاً لخارطة الطريق هي 70 موقعاً وليس 24 موقعاً(3). أما الموضوع الآخر والذي يدل على عدم نية إسرائيل وجديتها في تنفيذ التزاماتها، فهو العمل الجاري والدؤوب في بناء الجدار الفاصل والذي تصر إسرائيل على الاستمرار في بنائه رغم الموقف الدولي المعارض ورغم تعارضه نصاً وروحاً مع خارطة الطريق، هذا النشاط الاستيطاني تدركه المجموعة الدولية وتدرك مدى خطورته على فرص العودة لعملية سياسية حقيقية في المنطقة، وهو ما دعا الرئيس جورج بوش في 8/3/2005 إلى دعوة إسرائيل وقف كل النشاطات الاستيطانية حتى يتسنى اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة حسب قوله(4). * خارطة الطريق وفك الارتباط منذ البداية وبقراءة سريعة لأفكار شارون حول طبيعة التسوية مع الفلسطينيين والقبول المشروط بخارطة الطريق من قبل الحكومة الإسرائيلية، تبدو الأمور أقرب إلى أن هذه الحكومة لن تنفذ خارطة الطريق بدون أن تتعرض لضغوط جدية من الولايات المتحدة والعالم، لأن أكثر ما يزعج إسرائيل في هذه الخطة هو الصبغة الدولية التي صبغت بها، كذلك الفترة الزمنية المحدودة التي يجب خلالها إنهاء الصراع، ناهيك عن الالتزامات الأمنية التي يجب أن تقوم بها إسرائيل، وبخاصة تفكيك المواقع الاستيطانية وتجميد جميع الأنشطة الاستيطانية، والدخول في مفاوضات الوضع النهائي في فترة زمنية محدودة. وفي جلسة لحزب الليكود في 23/2/2004 أشار شارون إلى أن الهدف من خطة فك الارتباط من طرف واحد، هو توطيد الأمن، وذلك عبر الاستمرار في بناء الجدار الفاصل، وإعادة نشر الجيش الاسرائيلي فضلاً عن وسائل أمنية أخرى، مضيفاً أن هذه الخطة ستحول دون ممارسة ضغوط على إسرائيل من أجل التقدم السياسي مع الفلسطينيين، وسيضمن بقاء أكبر عدد من المستوطنات في أيدي إسرائيل، كما سيضمن أفضل الظروف الأمنية والاقليمية لاسرائيل إذا ما تم استئناف المفاوضات(5). كما أن خطة شارون السياسية تتعارض في مجملها مع خارطة الطريق حيث تستند خطته على النقاط التالية: - عدم إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين حول قضايا المرحلة النهائية ولو في المستقبل المنظور. - تأجيل انشاء الدولة الفلسطينية قدر المستطاع. - تنفيذ ما تبقى من الجدار الفاصل رغم الاعتراضات الدولية على ذلك. - البقاء أكبر فترة ممكنة في المناطق الفلسطينية التي احتلت بعد انتفاضة الأقصى. يبدو واضحاً وللأسباب السابقة أن الحكومة الإسرائيلية تصب اهتمامها في المرحلة المقبلة على تنفيذ خطة فك الارتباط التي جاءت لتعبر عن أفكار شارون وخططه التي أكد عليها في تصريحاته وخطبه على مدى السنوات الثلاث الماضية، والتي يتضح منها أن لدى شارون خطة ذات ملامح أمنية تستند إلى تسوية مرحلية طويلة الأمد وتأجيل النقاش في قضايا الحل النهائي، وهو ما يتعارض مع ما تطرحه خارطة الطريق، حيث أعلن شارون ذلك صراحة حين أعلن عن خطة فك الارتباط في مؤتمر هرتسيليا في 18/12/2003 حين قال "إن خطة فك الارتباط لا تعتبر جزءاً من خارطة الطريق ولكنها لا تتعارض معها". هذا الموقف مارسه شارون على الأرض بعد عودته من قمة العقبة التي عقدت في 4/6/2003 بحضور الملك عبد الله والرئيس جورج بوش، والتي قال فيها شارون أنه سيعمل على إخلاء فوري لمواقع استيطانية "غير قانونية" في الضفة الغربية، وحسب صيغة أقواله، فإن البعض اعتقد أنه بمجرد عودته سيصدر الأوامر للجيش لإخلاء هذه المواقع، إلا أن الممارسة على الأرض أثبتت أن شارون لم يقدم على إخلاء حقيقي لأي من هذه المواقع. وفي هذا الإطار أيضاً أعلن دوف فايسغلاس المستشار الأول لرئيس الوزراء الاسرائيلي خلال مؤتمر في معهد القدس الجامعي في مدينة القدس "بعد تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة وأربع مستوطنات شمال الضفة الغربية، يمكننا أن نستأنف عملية السلام، بما يتطابق مع خريطة الطريق". وأضاف، "أن إسرائيل لا تحضر في هذه المرحلة لأي مبادرات أخرى أحادية الجانب". وحول مفاوضات الوضع الدائم قال فايسغلاس" أعتقد أن في إمكاننا أن نبدأ مفاوضات مع الفلسطينيين حول الوضع النهائي للأراضي المحتلة قبل نهاية ولاية جورج بوش". (تنتهي ولاية بوش الثانية في تشرين الثاني 2008)(6). إن الحدث الأهم في المرحلة الذي يسلط الأضواء بصوره أوضح على الموقف الاسرائيلي من خارطة الطريق هو قمة شرم الشيخ التي عقدت في 8/2/2005 والتي حظيت بدعم أمريكي تمثل في زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة قبل يومين من انعقاد القمة، حيث لم تستطع هذه القمة إلزام الحكومة الإسرائيلية على وضع قدمها للسير على خارطة الطريق، بحيث لم يتم التوصل إلى أي اتفاق "رسمي" يلزم حكومة شارون تنفيذ التزاماتها المترتبة عليها في المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق، وفي المقابل أصر شارون على أنه ماضٍ في خطته فك الارتباط وتمسكه بالنهج التفاوضي القائم على اجراءات بناء الثقة ذات المدخل الأمني، تاركاً لنفسه مرجعية مدى الالتزام بهذه الاجراءات من عدمه، أشار شارون إلى خارطة الطريق بصفتها هدف مشروط غير محدد التوقيت ويعتمد على الأداء ولا يعتمد على الوقت. حتى الموقف الاسرائيلي من وقف اطلاق النار جاء غامضاً، بحيث تحدث الجانب الاسرائيلي عن مقابلة الهدوء الفلسطيني بهدوء على أساس الاشتراطية وليس التبادلية. ورغم أن ما حققه شارون في قمة شرم الشيخ لا يعتبر من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية كافٍ، ولكن يجب على السلطة الفلسطينية أن تتخذ خطوات حاسمة تجاه المنظمات الفلسطينية فهذا سيلفان شالوم وزير الخارجية الاسرائيلي يقول: "أن وقف اطلاق النار من جانب الفصائل الفلسطينية المسلحة غير كاف وطالب السلطة الفلسطينية بالتحرك بشكل حاسم لنزع أسلحة تلك الفصائل فوراً وبشكل نهائي" وأضاف شالوم "يجب أن تفكك مصانع انتاج صواريخ القسام، وتصادر الأسلحة غير المشروعة وتمنع التهريب وتحاكم الارهابيين المعروفين"(7). أن هذا المطلب سيظل سيفاً مشهوراً في وجه الجانب الفلسطيني كلما تم الحديث عن العودة إلى خارطة الطريق، تحت حجة أن خارطة الطريق تنص على ضرورة تفكيك البنى التحتية "للارهاب". * الموقف الفلسطيني يتمثل الموقف الفلسطيني من العملية السياسية الجارية ومن خارطة الطريق في محتوى الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمود عباس في قمة شرم الشيخ، حيث جاء في الخطاب "ما أعلناه اليوم بجانب أنه يمثل تنفيذاً لأول بنود خارطة الطريق، التي أسستها اللجنة الرباعية، فهو أيضاً خطوة أساسية هامة توفر فرصة جديدة كي تستعيد عملية السلام مسارها وزخمها". وأضاف الرئيس محمود عباس "ان تكثيف جهودنا لتنفيذ الاستحقاقات سيقودنا إلى التزام آخر من التزامات خارطة الطريق، ألا وهو استئناف مفاوضات الوضع النهائي بهدف إنهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ العام 1967، وحل جميع قضايا الوضع النهائي حسب المرجعيات المذكورة في خارطة الطريق"(8). وقبل مؤتمر شرم الشيخ فإن مجموعة الخطوات التي أقدم عليها الرئيس محمود عباس تنسجم تماماً مع خارطة الطريق دون انتظار الجانب الاسرائيلي، وهو يقصد من وراء ذلك إرسال رسالة واضحة للعالم مفادها، أن الفلسطينيين نفذوا وهم في سبيل تنفيذ ما عليهم من استحقاقات تضمنتها خارطة الطريق، ومن ثم يجب على إسرائيل والعالم مطالبتها بجملة من الاستحقاقات المطلوبة منها ضمن ترتيبات خارطة الطريق. يبدو واضحاً أن الجانب الفلسطيني يدرك المخططات الإسرائيلية في المرحلة القادمة خاصة فيما يتعلق بنظرتها لخارطة الطريق، وبخاصة نظرة رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون نفسه ففي مقابلة مع صحيفة الأهرام المصرية قال الرئيس عباس "نحن نؤكد أننا نرفض الدولة ذات الحدود المؤقتة التي يفكر فيها شارون لأننا نعرف أنها حل مرحلي طويل الأمد قد يؤجل الصراع لسنوات طويلة، بالإضافة إلى ذلك فإن الدولة ذات الحدود المؤقتة لم ترد بصفة اجمالية في خارطة الطريق وإنما بصفة خيار وهذا الخيار نحن نرفضه"(9). هكذا يبدو واضحاً أن الجانب الفلسطيني متمسك بضرورة أن يتحمل العالم، وبخاصة اللجنة الرباعية وعلى رأسها الولايات المتحدة مسؤولياتهم والضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها الواردة في خارطة الطريق والالتزام بالجدول الزمني للخطة والدخول بأسرع وقت ممكن في مفاوضات الوضع النهائي. * الموقف الأمريكي- الدولي منذ انتخاب الرئيس محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، بدأت الرسائل الأمريكية سواء المباشرة وغير المباشرة تدل على أن هناك نوعاً من الرضا والاهتمام لهذا التطور الهام على الساحة الفلسطينية، وهو ما عبر عنه الرئيس بوش عبر التهنئة الحارة التي أبداها للرئيس ابو مازن ودعوته لزيارة البيت الأبيض، وبدأت التصريحات الأمريكية تأخذ منحاً ايجابياً تجاه ضرورة العودة إلى العملية السياسية وضرورة العودة إلى تطبيق خارطة الطريق، وأن الأجواء اصبحت إيجابية للسير بهذا الاتجاه. فقد أعلن الرئيس بوش في بروكسل خلال زيارته لأوروبا العديد من المبادئ للحل في الشرق الأوسط أقرتها خارطة الطريق، مثل ضرورة أن تقوم إسرائيل بتجميد الاستيطان ووجوب أن تقوم السلطة الفلسطينية بعملية إصلاح، وأن تؤدي عملية السلام في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية متصلة الأراضي في الضفة الغربية، حيث قال "إن دولة مبعثرة الأراضي لن تنجح"(10). وفي مناسبات سابقة وبعد وتوليه الولاية الثانية قال الرئيس بوش، أنه سيكرس الكثير من الوقت والجهد من أجل إحلال السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وإن العام 2005 سيشهد انطلاقة في عملية السلام بين الجانبين، وأنه مؤمن بذلك وسيعمل على ذلك(11). هذا الموقف الأمريكي من تنشيط عملية السلام والعودة إلى خارطة الطريق يقابله اصرار اسرائيلي على تنفيذ خطة فك الارتباط كأولوية أولى، ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية استطاعت من خلال الاتصالات الحثيثة مع الادارة الأمريكية أن تقنعها أن خطة فك الارتباط تمثل نقطة هامة على طريق العودة إلى المفاوضات السياسية والتي تفضلها إسرائيل كما أسلفنا على خارطة الطريق. يبدو أن الحل المرحلي طويل الأمد الذي ينادي به شارون بدأ يجد صداه لدى الادارة الأمريكية ولكن بشكل لا يتعارض تماماً مع خارطة الطريق، بمعنى المضي قدماً في خارطة الطريق دون الالتزام بالمواعيد والمراحل الواردة في الخطة وهذا ما يريده شارون الذي أكد أن تنفيذ خارطة الطريق يعتمد على الأداء وليس على المواعيد. إن قبول الولايات المتحدة لخطة فك الارتباط الإسرائيلية أصبح أمراً شبه منتهي على أن تتم بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني، وهو ما أكدته اللجنة الرباعية في اجتماعها الأخير في 1/3/2005 على هامش مؤتمر لندن، حيث جاء في بيان اللجنة أنها "ترحب بموافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة الانسحاب من قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية وتعيد التأكيد على أن الانسحاب من غزة يجب أن يكون كاملاً وتاماً وبصورة تتماشى مع خارطة الطريق بوصفه خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية الحل القائم على دولتين، إسرائيل وفلسطين، يعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمان"(12). إن المؤشرات الداخلية المتمثلة في الموقف الاسرائيلي الذي سبق شرحه والموقف الفلسطيني الذي يحقق العديد من النقاط الايجابية من خلال الالتزام والأداء الاصلاحي والمسؤولية والمؤشرات الخارجية المتمثلة بالموقف الأمريكي والتقارب الأمريكي الأوروبي والتعاون المتوقع بينهما والذي أشارت إليه رايس، هذه المؤشرات تدل على أن المضي قدماً في خارطة الطريق أصبح لا مفر منه وإن كان سيواجه معيقات اسرائيلية عديدة ومتكررة، مما سينعكس على الأولويات الواردة في الخريطة والجدول الزمني او المدة الزمنية التي ستنفذ فيها الالتزامات. كما أن تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من الخطة، المتمثلتين في إيقاف "العنف" وتوحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية والاصلاح الاقتصادي من الجانب الفلسطيني وتفكيك البؤر الاستيطانية ووقف النشاط الاستيطاني والانسحاب إلى حدود 28/9/2001 من الطرف الاسرائيلي، سيكون أقرب إلى التحقيق وإن كانت كل خطوة على طريق الخطة ستواجه بالمطلب الاسرائيلي بضرورة تفكيك البنية التحتية "للمنظمات الارهابية" وعدم الاكتفاء بالتهدئة، إلا إذا اقتنع الجانب الأمريكي بأن تهدئة جدية من قبل الفصائل الفلسطينية كافية للاستمرار في الخطة. أما على صعيد قضايا المرحلة النهائية، فيبدو أن الجانب الفلسطيني بحاجة إلى مجهودات كبيرة لاقناع الولايات المتحدة وأوروبا بضرورة الضغط على إسرائيل للدخول في مفاوضات المرحلة النهائية التي لا يخفى موقفها من هذه القضايا على أحد، والمتمثل بتأجيل بحث هذه القضايا إلى أطول فترة ممكنة، وستقوم إسرائيل بالعديد من المناورات وتضع العديد من العراقيل للوصول إلى هذا الهدف. الهوامش |
|