سمية السوسي أظهرت أول انتخابات تشريعية في شهر كانون الثاني سنة 1996، مشاركة واسعة للمرأة الفلسطينية في الانتخابات، وأشارت بعض التقارير أن نسبة مشاركة النساء في التصويت بلغت 85.7% وفي بعض المناطق تجاوزت نسبة النساء المسجلات للانتخابات نسبة الرجال. كما فازت في تلك الانتخابات خمس نساء ليشكلن بذلك 5.6% من اجمالي عدد أعضاء المجلس التشريعي الأول البالغ 88 عضواً، كما تم ولأول مرة ترشيح امرأة لمنصب رئيس السلطة الوطنية. وقام عدد من المؤسسات النسوية بحملات منظمة بهدف دعم النساء المرشحات. ودخلت قضية المرأة معظم برامج المرشحين في الانتخابات، إلا أن تلك التجربة كانت جديدة نوعاً ما على المجتمع الفلسطيني ولم يتم التحضير لها بالشكل الكافي الذي يضمن مشاركة أوسع للنساء في الانتخابات. كما كانت تلك الانتخابات نقلة بالنسبة للمجتمع الفلسطيني ما بين مرحلة النضال الثوري وتأسيس المجتمع الديمقراطي، ولم يتم في تلك الانتخابات تحديد موقف معين بشأن الكوتا النسوية وتم العمل وفق القانون الانتخابي الذي ساوى بين النساء والرجال، لكن المجتمع لم يكن يؤمن بهذه المساواة مما أدى إلى فشل عدد كبير من النساء في الفوز في تلك الانتخابات. وعلى الرغم من المشاركة الفعلية للمرأة في النضال الوطني وعملية إعادة البناء والتنمية والمشاركة في الأطر النقابية والسياسية المختلفة، إلا أنه تم استثناء النساء من المشاركة في مجالس الحكم القروي والمجالس المحلية برغم أهمية تلك المجالس وكونها من أكثر المؤسسات المجتمعية تأثيراً في حياة الأفراد والمجتمع وأن برامجها ومشاريعها تؤثر تأثيراً مباشراً في المجتمع المحلي. وأمام هذه الظروف والتحديات التي تواجهها المرأة في المجتمع الفلسطيني وكخطوة لتجاوز سلبيات الانتخابات الأولى، قامت المؤسسات والأطر النسوية ومؤسسات المجتمع المدني بمحاولة لضمان دور أكبر وأكثر فعالية للمرأة في الانتخابات الحالية المنوي عقدها خلال العام 2005. وطالبت تلك المؤسسات بكوتا خاصة للنساء بحيث يكون للمرأة 20% من العدد الكلي لأعضاء البرلمان و30% من قوائم الأحزاب والقوى السياسية. إضافة إلى اطلاق حملة توعية في صفوف النساء من خلال تعريفهم بالأنظمة الانتخابية المختلفة. وتم طرح الأمر على المجلس التشريعي لتعديل قانون الانتخابات بحيث يتضمن تخصيص 20% من مجالس الهيئات المحلية للمرأة، إلا أن لجنة الأمن والداخلية في جلستها بتاريخ 7/7/2004 قدمت ملاحظات على هذا الأمر وأشارت أن نظام الكوتا يتعارض مع أساس الانتخابات القائم على أن الترشيح لمجلس الهيئة المحلية حق يتساوى فيه الجميع ذكوراً وإناثاً وأن تخصيص كوتا للمرأة يتعارض مع هذا المفهوم ويوحي بالمحاباة. واعتبرت اللجنة في تقريرها أن تخصيص كوتا للمرأة في المجالس المحلية "أسهل الوسائل" للوصول إلى مقعد في مجلس الهيئة المحلية، بغض النظر عن قدرتها وامكاناتها وقد يؤدي إلى تقاعس المرأة ويثبط من همتها في تطوير ذاتها والتنافس الحر، وأن هذا النظام قد يفتح المجال أمام شرائح أخرى من المواطنين للمطالبة بتخصيص مقاعد لها في مجالس الهيئات المحلية، مثل الفلاحين، والعمال والشباب والمعاقين وغيرهم. وبرغم ذلك أوصت اللجنة بتخصيص مقعد واحد للمرأة التي تحصل على أعلى أصوات في حالة عدم تمكن أي من المرشحات من الفوز بمقعد في المجلس. أثار هذا القرار العديد من الخلافات بين النواب في المجلس التشريعي ما بين مؤيد ومعارض وأثار سخط المؤسسات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني، فقامت تلك المؤسسات بالحملة الوطنية لتطوير مشاركة المرأة السياسية ووضعت ضرورة تضمين الكوتا في القانون الانتخابي هدفاً رئيسياً لها، وعملت على إصدار مذكرة تطالب بالكوتا وتعديل النظام الانتخابي. وشكلت مجموعات ضغط على أعضاء المجلس التشريعي لضمان تصويتهم لصالح الكوتا النسوية. ونجحت تلك الحملة في كسب موافقة المجلس التشريعي على تضمين الكوتا النسائية، بالقراءة الأولى للقانون بتاريخ 31/8/2004، لكن المجلس عاد وسحب تلك الموافقة في القراءة الثانية للقانون بتاريخ 21/10/2004 بفارق صوت واحد، حيث صوت 18 نائباً بالضد و17 بالموافقة، وكان هذا الأمر بمثابة ضربة للحركة النسوية التي رأت في هذا القرار اجحافاً شديداً بحق المرأة وانتكاسة في مسيرة الديمقراطية. وبدأت تلك المؤسسات بإصدار بيانات تدين القرار. كما ناشدت الحملة الوطنية لتطوير مشاركة المرأة في الانتخابات الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات استخدام صلاحياته الدستورية لمنع تمرير هذه السابقة الخطيرة. واعتبرت الحملة أن هذه الخطوة جاءت نتيجة تحرك مجموعة من أعضاء المجلس التشريعي ممن يشكلون التيار التقليدي المستند إلى فهم سطحي للديمقراطية، للمطالبة بشطب تلك المادة التي تتيح للنساء فرصة مضمونة للمشاركة في مواقع القرار بالحد الأدنى. تواصلت الحملة الوطنية في فعالياتها إضافة إلى العديد من البيانات والمواقف التي اتخذتها كافة الأطر النسوية والمؤسسات المعنية بالموضوع إلى أن عقدت جلسة المجلس التشريعي بتاريخ 1/12/2004، حيث تم اعادة التصويت على القرار السابق المتعلق بشطب الكوتا النسائية وأيد المجلس اقتراحاً قدمه النائب برهان جرار، الذي كان أحد الذين ساهموا بشطب الكوتا، وكان اقتراحه والذي صوت لصالحه 36 نائباً وعارضه 6 نواب وامتنع 5 عن التصويت يعطي المرأة أكثر من 20%. وكانت المادة التي وافق المجلس على إضافتها تنص على "يجب ألا يقل حجم مشاركة المرأة في المجالس المحلية أو البلدية عن مقعدين كحد أدنى، حيثما كان هناك ترشيح للنساء". وتم بالقراءة الثالثة إقرار الفقرات الخاصة بالكوتا من قانون الانتخابات، انتظاراً لإقرار بقية مواد قانون الانتخابات، وقد لاقى هذا الأمر ترحيباً لدى كافة المؤسسات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني والقوى الديمقراطية، ورأت فيه عودة للتمييز الايجابي لصالح المرأة في قانون الانتخابات البلدية والمحلية واعتبرته خطوة على طريق افساح المجال أمام تعزيز دورة المرأة وتوسيع مشاركتها في الحياة السياسية والمجتمعية. الكوتا وانتخابات المجالس المحلية بالضفة الغربية التي جرت بتاريخ 24/12/2004: قبل اعتماد مبدأ الكوتا كان عدد المرشحات للمجالس المحلية بالضفة الغربية حوالي 90 مرشحة، وعندما فتح باب الترشيح مرة أخرى أمام النساء بعد اقرار الكوتا أقدمت 152 امرأة على الترشيح، لشعورهن بأن فرصهن بالفوز أصبحت أكبر، كما أن هذا التغيير كان محفزاً للعائلات والأحزاب على فرز مرشحات من النساء لتثبيت مواقع لهن من خلالهن، طالما أن الفوز لاثنتين أصبح مضموناً. وكانت نتيجة الانتخابات المحلية التي جرت في 26 موقعاً في الضفة الغربية، فوز 50 مرشحة من أصل 139 مرشحة، فازت 31 منهن بكفاءتهن الذاتية وحصلن على الأصوات اللازمة التي أدت لفوزهن بتلك الانتخابات، 19 سيدة فزن من خلال قانون الكوتا وبفروق بسيطة بينهن وبين المرشحين الذكور في تلك المناطق. هذه النتيجة جاءت لتظهر مكانة المرأة الحقيقية ووضعها في المجتمع وأكدت على أن إقرار الكوتا أعطى للنساء دفعة أكبر للمشاركة في الانتخابات، حيث بلغت نسبة فوز النساء نحو 17% وهي نسبة تقارب ما كانت تطالب به مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية. وهذه النسبة تفتح الآفاق أمام النساء للترشيح في الانتخابات المحلية في قطاع غزة، وكذلك في انتخابات المجلس التشريعي المزمع عقدها خلال هذه السنة.
الهوامش: 1- الأيام، 26/6/2004. 2- الأيام، 8/7/2004. 3- الأيام، 25/10/2004. 4- الأيام، 30/10/2004. 5- الأيام، 1/11/2004. 6- الأيام، 6/11/2004. 7- الأيام، 2/12/2004. 8- الأيام، 27/12/2004. 9- القدس، 25/12/2004. 10- الطريق، مجلة نصف شهرية- تصدر عن تحالف السلام الفلسطيني- العدد الرابع عشر- تشرين ثاني – نوفمبر 2004. 11- صوت النساء، 16/12/2004 – السنة الثامنة – العدد 205. |
|