اثر الإنتفاضة على فكر اليمين الإسرائيلي

د.خالد شعبان

يعتبر الفكر السياسي لأية دولة هو النتاج المباشر للمتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تحدث في ذلك البلد، وأيضا بما يحدث في دول الجوار، وما الآراء والتصريحات التي تصدر من السياسيين والأكاديميين إلا من تأثرهم ببيئة وطنهم الداخلية، خاصة والبيئة المحيطة بهم بشكل عام. وتعتبر المتغيرات والأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية ....الخ، ذات اثر مباشر على الفكر السياسي، علماً بأن الأفكار والآراء تنمو خلال فترات الهدوء والسلم، ولكن هذا لا يمنع أن تتعدد الآراء وتنمو أيضا خلال الأزمات، وهو ما يتميز به الفكر السياسي الإسرائيلي.

من الملاحظ أن الأفكار التي صدرت حول إسرائيل ومستقبلها ظهرت خلال أزماتها المستمرة، وذلك منذ أن كانت جنيناً في رحم الصهيونية. ولذلك، فإن معظم الآراء والأفكار التي تتناول مستقبل إسرائيل وحدودها وجغرافيتها، وعلاقتها بالتسوية، حدثت خلال أزماتها  مع العرب والفلسطينيين. وتطبيقاً لذلك، فإننا نجد أن معظم مشاريع التسوية ظهرت بعد حرب 1948، وحملة سيناء 1956 وبعد حرب 1967، ثم الإنتفاضة الأولى 1987، ثم انتفاضة الأقصى 2000، وهي محور دراستنا، في محاولة لرصد التغيرات التي احدثتها هذه الإنتفاضة على أفكار وآراء اليمين الإسرائيلي.

أولا: الفكر السياسي الإسرائيلي:

تدور الأفكار السياسية الرئيسية للفكر الإسرائيلي، حول إيجاد دولة يهودية نقية، تضم جميع اليهود في العالم، ويعتبر عاملا الهجرة المتواصلة، واستمرار الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أهم أسس الفكر الإسرائيلي، وهما الهدفان اللذان تتحد حولهما السياسات اليسارية واليمينية اليهودية. ولكن الملاحظ أن اليمين واليسار يختلفان في التكتيك حول قضايا هامة تتعلق بالإستيطان، وهي قضايا تعود بالأساس إلى الأفكار والأيديولوجيا التي يعتقدها كل حزب في رؤيته للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ففي حين كان حزب العمل ينظر إلى الأراضي المحتلة لعام 1967 على أنها مناطق مدارة، وبالتالي ابتعد عن الإستيطان في الأماكن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية، فإن حزب الليكود اعتبر هذه الأراضي هي أراض محررة، ولذلك دعا أتباعه إلى إنشاء المستوطنات اليهودية في جميع المناطق الفلسطينية، وخاصة بالقرب من المدن الفلسطينية ذات الكثافة السكانية.

ويلاحظ المتابعون، لحركة النشاط الفكري الصهيوني كثرة المؤتمرات التي تعقد في مختلف الأوقات، والأفكار الكثيرة التي يتم تداولها في شأن جميع المجالات المتعلقة بإسرائيل، وبما أن المنظومة الحزبية الإسرائيلية هي حاضنة لجميع الأفكار سواء منها اليساري أو اليميني المتطرف، فيمكننا القول أن ما يطرح قد يطبق، ومن أهم المؤتمرات، مؤتمر هرتسيليا والذي يعقد سنويا منذ عام 2000، والذي يحاول أن يرسم مستقبل إسرائيل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وذلك في ضوء تعدد المتغيرات الدولية والداخلية، وفي ضوء تزايد المطالبة الدولية لعودة المفاوضات السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأثر كل ذلك على علاقة الإسرائيلي بدولته.

ثانياً: أفكار اليمين الإسرائيلي:

يدل مصطلح اليمين في هذه الدراسة على حزب الليكود والأحزاب اليمينية الدينية، وبالأحرى على مجموعة القوى الصهيونية التي تؤمن بأرض إسرائيل الكاملة وان الأراضي الفلسطينية هي أراضي يهودية محررة، والتي تضم احزاب المفدال، والحركات مثل كاخ وكهانا حي وغوش ايمونيم والإتحاد القومي وموليدت، وتكوما...الخ.

وتدل أفكار اليمين الإسرائيلي بشكل عام على أن ارض فلسطين هي جزء من الأرض اليهودية الكاملة، وذلك حسب الحق التاريخي والديني، حيث تمتد هذه الدولة من النيل إلى الفترات، أو حيث يصل آخر جنودها، وبالتالي فإن الأراضي الفلسطينية هي أراضي محررة، مما يعني حسب الفكر اليميني لليهود الحق الكامل في الإستيطان في أية بقعة مع إمكانية استخدام القوة العسكرية لخدمة هذه الأفكار، ومع ذلك فقد ترك اليمين وخاصة حزب الليكود الباب مفتوحاً لحلوله مع الفلسطينيين، الذين لم يعترف بهم، اشهرها الوطن البديل والترحيل أو إدارة شؤون حياتهم اليومية بمعنى الحكم الإداري الذاتي.

ويلاحظ في مرحلة ما قبل انتفاضة الأقصى، أي ما قبل سبتمبر 2000، أن حدثت تغيرات داخل حزب الليكود، حيث طالب عدد من أعضاء الحزب ومنهم مئير شطريت، وروني ميلو بقبول اتفاقات اوسلو، وقد ذهب ميلو بعيداً حينها، حيث كان من أوائل الذين طالبوا بالخروج من قطاع غزة، كما أن الحزب اتخذ قراراً في اجتماعاته التمهيدية استعدادا لإنتخابات الكنيست الرابعة عشرة 1996، بالإعتراف باتفاقيات اوسلو، وبإستعداد الحزب للإستمرار في العملية السلمية مع الفلسطينيين والدول العربية.

كما أدى توقيع حكومة الليكود والمفدال بزعامة بنيامين نتنياهو على اتفاقية الخليل 1997، إلى بداية النهاية لإنهيار فكرة ارض إسرائيل الكبرى، فالحزب الذي اعتبر الخليل ارض الآباء، قام بإعادة الإنتشار فيها وسمح بإيجاد سلطة فلسطينية، وقد أدى هذا إلى حدوث هزة عنيفة في اليمين الإسرائيلي، ورغم ذلك، فإن أفكار نتنياهو دارت حول نقاط أساسية، أو ما أمكن اعتباره الخطوط الحمر والتي تمثلت بـ: لا للدولة الفلسطينية، لا لحق العودة، عدم الإنسحاب من الأراضي، لا لوجود مؤسسات فلسطينية في القدس.

والملاحظ أن كل اللاءات السابقة تتوافق تماماً مع ما عرضه نتنياهو مراراً حول نقل المناطق ذات الكثافة السكانية إلى الفلسطينيين، بمعنى أن السيادة هي على السكان وليس على الأرض(1)،  مع عدم التنبيه على أن هذه الخطوات تعني إخلاء مستوطنات. فكل ما يريده اليمين هو حالة فصل عنصري تفرض أولا كترتيبات طويلة الأمد ثم حل دائم بعد فرض الأمر ديمغرافياً وجغرافياً من خلال الإستيطان(2). أما شارون فقد أعلن عن مجموعة أفكار عندما كان رئيساً للمعارضة ففي 23/10/2000، دعا إلى التوصل إلى تسوية من خلال مراحل طويلة الأجل، تستمر لعدة سنوات، وبعد ذلك يقوم كيان فلسطيني على 42% من مساحة الضفة الغربية، مع عدم إخلاء المستوطنات حتى المعزولة منها، واستمرار سيطرة إسرائيل على المعابر الحدودية مع مصر والأردن، بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل سوف تستمر في سيطرتها على المجالين البحري والجوي للكيان الفلسطيني، وهو يؤكد هنا أن السيادة هي لإسرائيل، كما يؤكد على أن الكيان الفلسطيني سيتمتع فقط بالحكم الذاتي.

أما بالنسبة للمفدال وإسرائيل بعليا، فقد كانت مشاركتهما في حكومة نتنياهو 1996 وبراك-1999، دليلا على تقبلهما لإتفاقية اوسلو، وذلك رغم رفضهما لوجود دولة فلسطينية، ورفضهما لحق العودة للفلسطينيين، أما تصورهما للحكم الذاتي فكان يستند إلى أسس اجتماعية وثقافية. أما باقي الحركات، مثل كهانا حي وكاخ ومجلس المستوطنات الإسرائيلي، فكانت ترفض اوسلو والنتائج التي أدت إليه(3).

ثالثاً: التطورات على فكر اليمين بعد انتفاضة الأقصى:

ينبغي التأكيد على أن انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000، بكل أحداثها ومجرياتها، أثرت بشكل كبير على المجتمع الإسرائيلي بكل فئاته وطوائفه، وخاصة على المستوطنين منهم، حيث اعتبر هؤلاء هم مصدر النزاع، وكذلك إخلاؤهم جزء من الحل، ولهذا برز صراع فكري بين المستوطنين وباقي سكان المدن الإسرائيلية الذين رأوا في المستوطنات والمستوطنين سببا لإستمرار الإنتفاضة وضربها لهذه المدن، وهو ما اثر على مستويات الهجرة إلى إسرائيل، وكذلك إلى انتقال عدد كبير من سكان المستوطنات للسكن في المدن الداخلية بعيدا عن المناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية، أو القريبة من المدن الفلسطينية.

ويمكننا أن نشير إلى  عدة ظواهر ارتبطت بانتفاضة الأقصى، ومنها:

1- لم تكن الإنتفاضة وكأنها مجرد ردة فعل لزيارة مشؤومة لشارون إلى المسجد الأقصى، بل كانت لحالة الإختناق والإحباط والقهر والإبتعاد عن معالجة المشكلات المتعلقة بالإحتلال(4).

2- كانت إدارة المفاوضات إسرائيليا عبثية وترسم على ارض الواقع معالم تسوية تؤدي إلى تقويض المشروع الوطني الفلسطيني، ولذلك فإن الإنتفاضة هي تدخل شعبي لتغيير مسار عملية السلام، وتوجيه رسالة إلى صانعي القرار. الفلسطيني والإسرائيلي والإقليمي والدولي للعمل على تحقيق المصير للشعب الفلسطيني (5).

3- دعم المجتمع الإسرائيلي لجميع الخطوات العسكرية الإسرائيلية المتخذة ضد الفلسطينيين والمؤسسة الفلسطينية(6) ، وقد استغل اليمين بشكل عام هذه المواقف لنشر الكراهية ضد الفلسطينيين والإستفادة من الخوف الكبير لدى الإسرائيليين(7)، ودعم مقولة أن المحادثات فشلت جراء رفض الفلسطينيين مقترحات باراك السخية(8).

4- تعاظم قوة اليمين الحزبية بشكل عام، واهم المؤشرات لذلك هي فوز شارون في انتخابات رئاسة الوزراء 2001، وفوز الليكود في انتخابات 2003 وحصوله على 38 مقعداً متقدماً على جميع الأحزاب الإسرائيلية وتشكيله للحكومة، بالإضافة إلى ذلك، فقد أدت انتخابات الكنيست عام 2003 إلى وجود أغلبية يمينية/ دينية، تحول دون وجود إمكانية لوجود حكومة ذات اتجاه يساري.

5- وجود شرخ في فكر اليمين وسياساته،حيث نجد الشيء ونقيضه، من دعوة لإيجاد دولة فلسطينية، أو عدم الإعتراف بالفلسطينيين، أو ايجاد دولة فلسطينية في سيناء، وكذلك برزت المقولات السياسية المرتبطة بالنواحي الأمنية، مثل دعوا الجيش ينتصر، وذلك في مواجهته للفلسطينيين في حملة السور الواقي 2002، وذلك في محاولة للقضاء على الإنتفاضة.

6- زعزعت الإنتفاضة أركان النظام السياسي الإسرائيلي، واستطاعت تحريك الساحة السياسية الإسرائيلية ولأول مرة في تاريخ إسرائيل نحو انتخابات مبكرة لمدة سنة ونصف، وإجراء انتخابات الكنيست ورئاسة الوزراء(9) ، بالإضافة إلى ذلك فإن الكنيست لم تستطع إكمال أية دورة كاملة.

7- تصاعد أفكار وطروحات إسرائيلية حول أن الصراع هو صراع وجود والحرب هي الحرب، وكذلك لا يمكن للفلسطينيين أن يحققوا أية أهداف سياسية من خلال استخدام القوة أو العنف، ولذلك نجد العمليات الإسرائيلية القائمة على إعادة احتلال مدن الضفة وتدمير المنازل في قطاع غزة، ومحاولة تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية مع حملة تحريض منهجية ومبرمجة ومستمرة يمكن أن نلخصها فيما يلي:

أ- التحريض الإسرائيلي ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات:

 كان قرار الحكومة الإسرائيلية في 11/9/2003 الداعي إلى إزاحة الرئيس ياسر عرفات من خلال طرق عديدة تراوحت بين إبعاده وقتله، نتيجة حتمية لحملة التحريض التي مارستها إسرائيل ضد ياسر عرفات، حيث تعددت أشكال وأنماط التحريض، سواء من اتهامه بالإرهاب أو انه يقود عصابة من الإرهابيين...الخ، ومع تعدد الأنماط والأشكال، فقد ظهر واضحاً أن ذلك يمثل سياسة إسرائيل، ونهجاً كاملاً اعتمدته حكومة شارون 2001-2003، وشاركت فيه المؤسسة العسكرية بمختلف قياداتها الأمنية والعسكرية، وقد أخذت عملية التحريض نوعاً من التدرج في التصريحات والإتهامات سواء من المستوى السياسي أو العسكري إلى أن وصلت إلى وصف الرئيس عرفات بالإرهاب، أو قائد الإرهابيين. أو ياسر عرفات هو عدو إسرائيل الأول، خطر على السلام واستراتيجية الإرهاب ويقود شعبه إلى كارثة، كذلك قامت بحصاره داخل المقاطعة في رام الله لمدة تقارب ثلاث سنوات، أدت في النهاية إلى إصابته ووفاته.

ب- مهاجمة المؤسسات الفلسطينية:

قامت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وبشكل عنيف وغير مسبوق، بمهاجمة الشعب الفلسطيني سواء قيادته أو مؤسساته، سواء أكان الهجوم من خلال التصريحات أو أعمال العنف والإرهاب، التي قادتها المؤسسة الإسرائيلية وهو ما يمكن اعتباره سياسة عامة اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يخالف ما جاء في الإتفاقات الموقعة بين الطرفين، وظهر واضحاً أن الهدف في هذه السياسة هو عدم تنفيذ الإتفاقات والحؤول دون قيام دولة فلسطينية، وخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في يوليو/2000، وقد ازداد هذا الوضع سوءاً بعد فوز شارون برئاسة الوزراء فبراير/2001، والذي رفض تطبق جميع التفاهمات الموقعة بين الطرفين، مما أدى لاحقاً إلى استمرار الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين، ومؤسساتهم الوطنية، إلى أن قامت إسرائيل بإحتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية تحت مسميات كعملية السور الواقي والطريق الحازم...الخ، فالواضح أن الحرب في فكر شارون ليس استمراراً للسياسة بوسائل أخرى، بل العكس السياسة هي التي تعمل الحرب وخاضعة لخدمة أهدافها، فلا يجب أن يكون العمل السياسي معوقاً أمام العمل العسكري(10).

ج- محاولة تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية:

كانت السلطة الوطنية الفلسطينية كمؤسسة حاكمة هدفاً للتدمير، من اجل تقويضها، وذلك من خلال تدمير المقرات الأمنية للسلطة الفلسطينية في كافة المناطق الفلسطينية، وقد سبق عملية التدمير عملية تحريض شاملة لهذه المؤسسات، وحسب داني نفيه وزير الصحة الإسرائيلي الحالي والتي وصف فيها السلطة أكثر من مرة بأنها تحولت إلى سلطة إرهابية، أن الهدف الأساسي كان تقويض السلطة، وذلك رغم المبادرات التي أعلنتها السلطة عن وقف لإطلاق النار، كما قامت السلطة في ذات الوقت باخراج بعض القوى الوطنية عن القانون، وقامت باعتقال بعض الأفراد، إلا أن استمرار الحصار الإسرائيلي الشديد المطبق على الأراضي الفلسطينية واستمرار بقاء الجيش في المدن الفلسطينية أدى إلى عدم قدرة الفلسطينيين على الحركة أو النشاط السياسي.

د- صيغ الحل النهائي:

أما تصورات الحل النهائي فقد حملت في طبيعتها صيغاً تحريضية، فقد كان أهمها تصريح داني نفيه في 10/3/2002، حيث قال "يجب إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية، التي يشملها الحكم الذاتي لتدمير البنية التحتية للفلسطينيين، يجب هزم الفلسطينيين عسكريا، يجب على إسرائيل أن ترسم بشكل أحادي الجانب حدودها الأمنية وأن تجسدها وان تقوم بحماية المستوطنات في الضفة وغزة، أما المستوطنون وحركة ييشع فقد دعوا إلى احتلال كافة المناطق الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل مع فرض السيادة الإسرائيلية عليها، مع تفكيك السلطة الفلسطينية وطرد رئيسها(11).

هـ- القتل بدون محاكمة:

كنتيجة أساسية لعملية التحريض المستمرة ضد الشخصيات والمؤسسات الفلسطينية، قامت إسرائيل بعمليات اغتيال واسعة للقيادات السياسية والميدانية الفلسطينية، سواء في السلطة الفلسطينية أو للحركات الفلسطينية، نذكر منها على سبيل المثال، الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، والزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ احمد ياسين، وقائدها العام أيضا الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وقائدها العسكري الشيخ صلاح شحادة، وكذلك نذكر ثابت ثابت من قادة حركة فتح السياسيين، ورائد الكرمي احد قادتها الميدانيين، واغتيال محمود طوالبة من سرايا القدس، بالإضافة إلى الكم الكبير من الشهداء الذين سقطوا أثناء قصف الطائرات العسكرية بجميع أنواعها.

رابعاً: التحولات في أفكار شارون:

من الملاحظات على خطابات شارون ومن خلال تفحص وتحليل مضمون الخطابات، نجد تصريحات وأفكار شارون متباينة تصل إلى حد التناقض أحيانا، ففي حين أكد في خطابه الأول في الكنيست كرئيس للوزراء ورئيس لحكومة وحدة وطنية في 7/3/2001 على ما يلي:

- تعزيز امن إسرائيل من خلال الإستمرار في محاربة العنف.

- السلام يتضمن حلولاً وسطاً مؤلمة للطرفين، ولم يفصل في ذلك.

- عودة المفاوضات في حالة الهدوء(12).

ثم بعد شهر عاد شارون وأكد على خططه السابقة والتي طرحها في 1998، حيث أكد أن المساحة التي من الممكن منحها للفلسطينيين هي 42% ويمكن أن تكون أكثر قليلاً مع خطوط حمر أساسية، هي:

- عدم التخلي عن المستوطنات اياً كانت.

- جميع المستوطنات لها أهمية استراتيجية بما في ذلك نتساريم وكفار داروم.

- عدم التنازل عن القدس.

- عدم الإيمان بالفصل.

ومن خلال ذلك، يمكننا أن نستنتج أن أفكار شارون تدور حول:

- العمل على زيادة الهجرة إلى إسرائيل.

- العمل على تطوير النقب.

وما يجب التأكيد عليه، أن العامل الحاسم في اثر الإنتفاضة على الإسرائيليين، هي أفكار شارون وتصوراته ومعتقداته المستقبلية حول وجود إسرائيل بشكل عام، أي أن الصراع هو صراع وجود. وهو يتفق مع طرح اليمين، بأن قضية الصراع ليس وجود إسرائيل في أراضي 1967، بل وجود إسرائيل بشكل عام، أي أن الصراع هو صراع وجود(13)، فالواضح من خلال سياسات شارون أنه لا يرى في السلام استراتيجية صحيحة، فكما انه يحرض فهو يقتل ويدمر ويربط بين الإرهاب والسلطة الفلسطينية بشكل وثيق، والواضح أن شارون يخشى استراتيجياً من تغير جذري في معادلات وتحالفات وعلاقات الولايات المتحدة على ضوء المتغيرات الدولية، ولذلك فهو يعمل جاهداً لربط إسرائيل بالمعسكر المناهض للإرهاب، وتصوير إسرائيل على أنها الحليف الوحيد للأمريكيين في المنطقة، خاصة مع تعدد المتغيرات العالمية والتي أهمها رحيل بل كلينتون وقدوم جورج بوش كرئيس للولايات المتحدة وسياسة التغاضي عن ملف الشرق الأوسط، الذي اتبعته الإدارة الأمريكية في شهورها الأولى، وكذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك، حيث يمكننا القول أن كل شيء تغير في العلاقات الدولية، وخاصة أفكار التسوية المتعلقة بالصراع العربي/الإسرائيلي، وهو ما نجحت إسرائيل في استغلاله،حيث تبنت الولايات المتحدة جميع الأفكار والمقترحات الإسرائيلية بما فيها الضمانات والوعود التي منحها بوش لشارون والداعية إلى إسقاط حق العودة، وكذلك عدم العودة إلى حدود 1967.

ويمكننا ايضاً أن نلحظ، أن أفكار شارون كانت قائمة على رفض أي اتفاق سياسي شامل وبدا ذلك من خلال لجان الوساطة الأمريكية الدولية  لتينيت، وميتشل، وزيني، أي أن شارون يدور في فلك استراتيجية اللا مخرج، وهو ما يعني استمرار الإحتلال، والعمل على اخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية.

ومع ازدياد العمليات الإستشهادية وتعدد أنواع وأنماط المواجهة الفلسطينية مع الإسرائيليين، وتعاظم قوة الهجمات الإسرائيلية العسكرية على الفلسطينيين، أصبح واضحاً مرة أخرى، أن شارون ليس له استراتيجية للخروج من النزاع العسكري، ولكن كان واضحاً أن لديه خطط سياسية تقدم على أسس أمنية لا تختلف في جذورها عما يعتقده من أفكار، ولكن أصبح هناك حديث عن إمكانية إزالة بعض المستوطنات(14)، وإن كانت هذه المستوطنات غير شرعية، حسب مفهوم شارون، أي أنها لم تحصل على تصريح حكومي من اجل البناء، وهو ما كان يعد بداية التغيير في أفكار وسياسات شارون حول مستقبل إسرائيل وعلاقتها بالفلسطينيين.

شارون وخارطة الطريق:

وقد كانت لرؤية بوش حول الدولتين وتنسيق المواقف الأمريكية/الإسرائيلية، الأثر الكبير على شارون وقبوله المشروط لخطة خارطة الطريق، ورغم ذلك فإن الفكر السياسي لشارون لم يتغير، حيث أن كل ما ورد عن شارون في موضوع الدولة الفلسطينية كان يدور فقط في العموميات، وقد أدرك شارون أن تلبية جميع متطلبات خارطة الطريق التي ستؤدي إلى اتجاه واحد وهو تدويل الصراع والعودة إلى خطوط العام 1967، وهي أمور يرفضها شارون ايديولوجياً وامنياً، ويبدو أن موافقته جاءت بعد ازدياد العمليات الإستشهادية، وكذلك ارتفاع عدد النازحين اليهود من إسرائيل إلى الخارج، والتي بلغت حتى نهاية 2003 ما عدده 760 ألف مستوطن. وقد جاءت موافقته ايضاً بعد فترة من التناقضات الفكرية والسياسية، وقد لوحظ ذلك في تصريحاته ومقابلاته، وقد أثار ذلك الدهشة لدى الكثير من مقربي شارون، وليس ادل على ذلك من تصريحه، الذي ذكر فيه، أن تسوية الصراع مع الفلسطينيين تتطلب تنازلات مؤلمة، والتي منها الإنسحاب من بعض المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية، مما أثار حفيظة اليمين الإسرائيلي، حيث أكد الوزير عوزي لانداو (الليكود)، أن أقوال شارون تتناقض مع قرارات مركز الليكود التي دعت إلى معارضة إقامة دولة فلسطينية، أما زعيم المفدال ايفي ايتام، فأكد أن تصريحات شارون مثيرة للقلق(15).

وأكد مركز الليكود رفض أفكار وتوجهات شارون، وأكد لا للدولة الفلسطينية، وان إدارة الصراع يجب أن تكون في إطار حكم ذاتي، كما يجب أن تكون جميع القضايا الخارجية والأمنية للحكم الذاتي الفلسطيني تحت مسؤولية إسرائيل، وهو ما يتوافق مع ما يطرحه حزبي الإتحاد القومي والمفدال، اللذين دعيا إلى رفض قيام كيان سياسي آخر بين البحر والنهر، ولا يوجد حق عودة للاجئين الفلسطينيين، وإنما هناك عملية تبادل سكاني مع عدم إخلاء المستوطنات، كما اقترح ايفي ايتام رئيس المفدال، إلى إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وسيناء، ومنح حكم ذاتي تحت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية(16).

والظاهر بالنسبة لوجود الدولة الفلسطينية، أن هناك وجهتي نظر إسرائيلية/يمينية، الأولى تتعلق بالمستوى السياسي البراغماتي، والثانية المستوى الأيديولوجي التنظيري، ورغم تشابك وجهتي النظر، إلا أن أصحاب وجهة النظر الأيديولوجية هم الذين يصيغون الخطوط الأساسية للمستوى السياسي.

وقد شهد الموقف السياسي البراغماتي تغيراً مهماً، تمثل بوجود حكم ذاتي موسع بعد أن كان يؤمن بأنه لا شعب فلسطيني، ثم المصادقة على اوسلو، وصولا إلى الدولة المفتوحة في عهد نتنياهو وصولا إلى خطة فك الإرتباط من قطاع غزة.

أما اليمين الأيديولوجي فهناك رفض لـ:

- فكرة الدولة الفلسطينية في حدود 1967.

- تسوية النزاع على أسس الشرعية الدولية.

-تفكيك المستوطنات.

وقد ذهب احد المفكرين اليمينيين (نطاق دور –شاف) إلى القول أن وجود الدولة الفلسطينية سوف يضع كل المثل والأيديولوجية الصهيونية/ والدينية محل شك. وأشار على عقب وان هناك اضراراً سوف تلحق بالشعب اليهودي وإسرائيل والشتات وتدمير الحلم الصهيوني، وان وجود الدولة الفلسطينية سوف يؤدي إلى وجود تهديد مستمر لإسرائيل(17).

إلا أن شارون ومع تعدد أنماط المواجهة مع الفلسطينيين، عاد وطرح خطة جديدة ولأول مرة حول فك الإرتباط من غزة، وذلك في ديسمبر 2003(18)، وهي خطة فصل أحادي الجانب من قطاع غزة، وهي كما فسرها شارون إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة مع سيطرة كاملة على الحدود والأجواء والإقليم البحري، وقد أدى هذا إلى رفض يميني كبير لهذه الأفكار كما انسحب حزب المفدال من الحكومة، كما دعت ييشع إلى رفض أفكار شارون حول فك الإرتباط من غزة، مع عدم إخلاء أية مستوطنة.

ييشع بين خارطة الطريق وفك الإرتباط:

اعتبر المستوطنون خارطة الطريق مشروعاً يسارياً شبيهاً باتفاقات اوسلو، ولذلك تم رفضها، كما رفض المجلس أفكار شارون حول فك الإرتباط، ودعى إلى إجراء استفتاء شعبي حول فك الإرتباط، وقد أكد اوري اليتسور، رئيس تحرير جريدة المستوطنين "نكوداه"، أن خارطة الطريق هي مثل الجدار الفاصل وهي انتصار لليسار على صعيد الوعي، بحيث يقر اليمين والمستوطنون حقائق على الأرض، بينما يقرر اليسار حقائق على مستوى الوعي، فاليمين يبني بالأعمال واليسار يهدم بالكلمات(19).

وقد ناقش مجلس ييشع مشروع سياسي مناقض لخارطة الطريق تقوم على خطوطه السياسية على(20):

- التواصل الإقليمي بين الكانتونات الإسرائيلية المختلفة على طول وعرض الضفة الغربية.

- لن تكون هناك دولة فلسطينية.

- لن يتم اقتلاع المستوطنات.

- حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

- إدارة الفلسطينيين لحياتهم المدنية بأنفسهم.

- إدارة ذاتية للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية.

ويرى البعض أن المشروع الذي أعده المستوطنون يتضمن إقراراً واعترافاً منهم بأنه لا وجود لإسرائيل الكبرى، وان على الفلسطينيين أن يتسلموا جزءاً من الأراضي.

ومع إقرار الحكومة والكنيست لخطة فك الإرتباط، فقد ازدادت حدة المواجهة بين المستوطنين وانصار اليمين بشكل عام والحكومة الإسرائيلية، ففي حين تصر الحكومة على إقرار وتنفيذ الخطة، يحرص المستوطنون على دعوة سكان إسرائيل لمواجهة هذه الخطة التي تعد حسب المستوطنين انتصاراً لأيديولوجيا اليسار على ايديولوجيا اليمين، حيث دعا اليمين المتطرف الجيش على رفض الخدمة في الجيش، إذا ما دعى إلى طرد المستوطنين(21). كما أصدر الحاخامون فتوى للجنود تدعوهم إلى عصيان أوامر القادة العسكريين(22).

خلاصة:

الملاحظ أن انتفاضة الأقصى أثرت بشكل كبير وواضح على الفكر السياسي الإسرائيلي، وخاصة أفكار اليمين، الذي يؤمن بأرض إسرائيل الكاملة والتي من أهم مؤشراتها إقامة المستوطنات في معظم هذه الأراضي ودعم الهجرة، نجد أن هذا الفريق أو جزءاً كبير منه يعترف بالفلسطينيين كشعب محتل، وبالتالي إلى وجود أراضي محتلة، وانه لا يمكن الإستمرار في السيطرة عليهم، وانتهاء بقبول صيغة الحل الإقليمي، وذلك من خلال القبول بخطة فك الإرتباط.

إن تأزم العمل العسكري الإسرائيلي بمعنى فشله في القضاء على المقاومة الفلسطينية، واستمرار الإنتفاضة في التأثير على المجتمع الإسرائيلي بالشكل العام، واستمرار شارون في تأكيده على أن السلام يتضمن تنازلات مؤلمة وانه على الفلسطينيين أن يديروا شؤون حياتهم، وهو ما جاء بخطة فك الإرتباط التي هي عبارة عن خطوط أمنية تقوم على الإنسحاب من جانب واحد، أي أنها على طريق الحل المفروض والإملائي على الفلسطينيين، ورغم ما تشكله هذه الخطة من نهاية ايديولوجيا ارض إسرائيل الكاملة، وتقارب كبير بين شارون والحل الذي نادى به اليسار (حل الوسط الإقليمي)، جاءت كنتيجة هامة لإستمرار الإنتفاضة وتحقيقها لنوع من توازن الرعب مع الجانب الإسرائيلي وبدا واضحاً للجميع أن المعادلة التي يحتكم إليها الطرفان هي ضعف القوة الإسرائيلية وقوة ضعف الفلسطينيين.

المراجع


 

(1) ايليا زريق، الديمغرافيا والترانسفير، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 55، صيف 2002، ص45.

(2) د.جمال زحالقة، في ظل الإنتفاضة -  قراءة في الحالة الإسرائيلية، Arabs48.org.il

(3) انظر برنامج حزب المفدال

(4) كريم أبو حلاوة، انتفاضة الأقصى، الثقافة شكل من أشكال المقاومة، www.qodsway.com.

(5) جميل هلال، انتفاضة الأقصى – الأهداف المباشرة ومقومات الإستمرار، مجلسة الدراسات الفلسطينية، العدد 44، خريف2000، ص26-29.

(6) شاي فيلد مان، اإنتفاضة إجمالي- اولي –استراتيجا- العدد الأول يناير، فبراير،2001   ، ص134.

(7) د.امنون كابليوك، إسرائيل وانتفاضة الأقصى، قضايا إسرائيلية –مدار العدد الأول، شتاء 2001 ص12.

(8) سليم تجاري، ريما حمامي، انتفاضة الأقصى، الخلفية والتشخيص، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 42/46، شتاء/ربيع 2001، ص9.

(9) د.اسعد غانم، تداعيات الإنتفاضة إسرائيليا، قضايا إسرائيلية-مدار العدد الأول، شتاء 2001، ص6.

(10) د.جمال زحالقة، مرجع سابق ذكره.

(11) يديعوت احرونوت 15/1/2002.

(12) هآرتس 8/3/2001.

(13) د.عزمي بشارة، الدمار الاسرائيلي وبناء الذات الفلسطينية، مجلة العرب الكويتية، كانون ثاني 2004، www.alarabimag.com

(14) زئيف شيف، خطة شارون، هآرتس 28/6/2002.

(15) يديعوت احرونوت، 25/4/2002.

(16) ديانا بحور، مقابلة مع ايفي ايتام، يديعوت احرونوت، 25/4/2002.

(17) سعيد عياش، المشهد الإسرائيلي، almash-had.com

(18) يديعوت، 19/12/2003، وثيقة خطة شارون.

(19) د.خالد شعبان، المستوطنون وخارطة الطريق، مجلة مركز التخطيط الفلسطيني، العدد 9-10، يناير/ يونيو 2003، ص65.

(20) القدس، 30/5/2003.

(21) انظر اليمين في Arabs48.com

(22) شلومو غازيت، معالم المتمرد، معاريف، 25/10/2004.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م