د. خالد شعبان جرت انتخابات السلطات المحلية العامة (الحكم المحلي) في إسرائيل، في موعدها المقرر لها في 28/10/2003، بعد أن تم رفض بعض الاقتراحات التي طالبت بتأجيلها، وذلك نتيجة لإجراء الانتخابات البرلمانية العامة في إسرائيل، والتي جرت في 28/1/2003، وبذلك فإن انتخابات السلطات المحلية حافظت على نظامها الدوري التي تجري خلاله، حيث أنه من المعلوم أن هذه الانتخابات تجري مرة كل خمس سنوات، وتجري الانتخابات حسب منح الناخب صوتين، الأول لاختيار رئيس البلدية أو السلطة المحلية، والثاني لاختيار أعضاء المجلس البلدي أو المحلي. وقد جرت الانتخابات وسط معركة انتخابية كبيرة، وقعت خلالها عدة حوادث عنف، سواء خلال الحملة الانتخابية أو بعد إعلان النتائج، جاء ذلك كردة فعل للعدد الكبير من القوائم الانتخابية التي تنافست، سواء على مقعد الرئاسة أو عضوية المجالس المحلية، ويضاف إليها قضايا دمج بعض السلطات المحلية العربية مع بعضها البعض. وقد جاءت النتيجة لتعبر عن قوة العائلية والحمائلية والطائفية في الوسط العربي، ومدى سيطرتها على الأحزاب. وما يزيد من القلق لدى الوسط العربي هو استمرار قوة العائلية والطائفية منذ الانتخابات السابقة 1998. وهو ما سينعكس سلباً على الحياة الجديدة السياسية لفلسطينيي 1948. وفي هذا التقرير سنتناول بالتحليل الانتخابات التي جرت في الوسط العربي في 28/10/2003، وانتخابات الاعادة في 7/11/2003 وانعكاساتها على المجتمع العربي الفلسطيني. أولاً: بيئة الانتخابات 1- دمج السلطات المحلية العربية جرت الانتخابات في ظل أجواء متوترة في بعض القرى العربية، وبخاصة تلك التي أقرت الحكومة دمجها مع قرى أخرى، وحسب الحكومة الإسرائيلية، فإن الهدف من الدمج هو توفير الوظائف والميزانيات، وكذلك منح أفضلية لسلطات محلية أكثر سكاناً. فمثلاً قرية يقل عدد سكانها عن 10 آلاف نسمة لا يحق لها قانوناً بناء مدرسة يتم فيها تدريس مواد تخصصية معينة، ولكن إذا تم دمجها فستصبح بلدة كبيرة، وبالتالي سيسمح لها بإنشاء المدرسة، كما أن عملية الدمج ستؤدي إلى توفير مصاريف من خلال وجود رئيس واحد لعدة مجالس محلية مع نائب واحد، بدلاً من وجود ثلاثة أو أربعة رؤساء وعدد كبير آخر من النواب. يذكر أن وزارة الداخلية الإسرائيلية أصدرت قراراً بدمج عدد كبير من القرى وتقليصها من 70 مجلس بلدي أو محلي إلى 38 مجلس بلدي أو محلي، وبعد ذلك تراجعت إلى محاولة دمج 46 سلطة محلية عربية، ولكنها في النهاية أقرت دمج 12 قرية عربية في 4 مجالس محلية فقط كمرحلة أولى. وقد أعلنت القرى العربية وهي في الغالب قرى درزية، نتيجة لهذا القرار الإضراب، وإلاحتجاج مقابل ديوان رئاسة الوزراء، كما أعلن المجلس الديني الدرزي فرض الحرمان على كل من يشارك في عملية الانتخابات للسلطات المحلية، كما أكدت اللجنة القطرية للمجالس المحلية العربية معارضتها لهذه الخطوة، مؤكدة أن خطة الدمج جاءت من أجل توفير ميزانيات دون الأخذ بالاعتبار الاحتياجات الخاصة للقرى العربية. وقد أثارت قضية الدمج مشاكل ومخاوف عديدة في الوسط العربي، والتي من أهمها قضية التجانس، فهناك قرى تتمتع بمستوى اجتماعي/اقتصادي عالي، وأخرى منخفض، وأخرى عدد سكانها أكثر من الأخرى، إلا أن الأهم هو وجود قرى عريقة اسمها محفور في التاريخ الفلسطيني وأخرى جديدة، وإذا ما حملت القرى المدموجة اسم القرى الجديدة، فإن ذلك سيؤدي إلى محو الاسم الأصلي من الذاكرة(1). ومثال على ذلك المجلس الإقليمي زيمر (اسم عبري) والذي يضم القرى العربية (يمة، بير السكة، ايتان، المرجة)، أو الاسم الجديد لمجموعة قرى بعد الدمج وهو (جايا) والذي يضم القرى العربية (يركا، أبو سنان، جت، يانوح، جولس)، ولذلك فإن قضية الدمج مرفوضة من الوسط العربي، ولأجل تمرير ذلك، فإنه تم من خلال قانون كنيست وقرار حكومة، حيث أقر القانون خفض عدد نواب الرؤساء في السلطات المحلية، بحيث لا يكون للسلطة المحلية التي يقل عدد سكانها عن 10 آلاف أي نائب، بينما تحظى التي يتراوح عدد سكانها بين 10-20 ألف بنائب واحد، وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية دمج القرى العربية التالية: أ- مجد الكروم، البعنة، دير الأسد. ب- يركا، حيث، أبو سنان، يانوح، جولس. ج- دالية الكرمل – عسفيا. د- باقة الغربية- جت(2).
2- الانتخابات العامة للكنيست كان لفشل الأحزاب والقوائم العربية في انتخابات الكنيست السادسة عشرة والتي جرت في 28/1/2003، في زيادة عدد مقاعدها، وبالتالي إلى ضعف أعضاء العرب في الكنيست وعدم تأثيرهم في مجريات الحياة السياسية والبرلمانية الأثر الكبير على مشاركة فلسطينيي 1948 في الانتخابات البلدية، حيث أكد عدد كبير منهم على أن الأحزاب فقدت هيمنتها على المجتمع العربي وأن العائلة أخذت تشق طريقها في التفوق على الأحزاب، وبخاصة بعد التشرذم والانقسام الحزبي غير المبرر، مع بروز الجانب الشخصي في علاقات الأحزاب العربية فيما يتعلق بتركيبة القوائم الانتخابية، الأمر الذي أدى إلى خسارة بعض القوى العربية لعدة مقاعد، وقد دفع هذا إلى التصويت إلى مرشحي العائلات. كما أن الأحزاب خرجت من معركة الانتخابات العامة منهكة مالياً، ولا تسمح لها ميزانيتها بخوض عمليتين انتخابيتين في عام واحد ، مما دفع بعضها إلى عدم خوض الانتخابات في بعض القرى، وبعضها دعم وأيد بعض أفراد العائلات، وهو ما مهد الساحة للعائلية والحمائلية أن تفوز بأكبر قدر ممكن من المجالس المحلية والبلدية. ثانياً: القوى المشاركة في الانتخابات تعتبر جميع القوى السياسية والتقليدية التي شاركت في الانتخابات تجسيداً للواقع الاجتماعي/ الاقتصادي/ السياسي الذي يعيشه فلسطينيو 48، والذي هو في حد ذاته نتاج لمرحلة سابقة تعود إلى بداية السبعينات، وأواخر التسعينات، وهي المرحلة التي نشطت فيها العائلية بشكل ملحوظ، وانحسرت الأحزاب السياسية، وإن دل على شيء فإنما يدل على عجز الأحزاب السياسية في تطوير ذاتها مع المتغيرات المحلية والإقليمية التي ظهرت، وخاصة الرفض الإسرائيلي للمساواة أو الاعتراف بهم كأقلية قومية، أو توقيع اتفاقية أوسلو ووجود سلطة وطنية فلسطينية، ومن أهم القوى التي خاضت الانتخابات: 1- الحركة الاسلامية: ظهرت الحركة الاسلامية كتيار قوي ساهم في حشد الطاقات منذ مطلع التسعينات وحققت انجازات متعاظمة تجاوزت في قوتها حركة حداش، وقد لاقت الحركة تأييداً في مجال عملها الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك أسهمت الحركة في تطوير وعي قومي سياسي قائم على مفاهيم الإسلام، وحاولت طرح نفسها كقوة سياسية في مواجهة القوى العلمانية وحاولت حشد المواطنين العرب ضد الممارسات السياسية العنصرية، كما يحسب للحركة تعاونها مع جميع الأطر السياسية الموجودة وعدم لجوء أفرادها إلى المواجهة مع الأطر الأخرى. 2- التجمع الوطني الديمقراطي: حامل راية التيار القومي والذي ظهر مع منتصف التسعينات، وهذا التيار معروف عنه نبذ العائلية والحمائلية الطائفية، كما حارب بشدة الأطر السياسية التي دعت إلى الأسرلة والاندماج في المجتمع الإسرائيلي ويعتبر د. عزمي بشارة رائد هذا التيار، والذي دعا إلى رؤية جديدة لفلسطينيي 48 والى مستقبلهم من خلال حل سياسي يكون مقبولاً عليهم. ورغم النجاح الذي حققه التجمع في انتخابات الكنيست، فإن التجمع ما زال غير قادر على التواجد في السلطات المحلية، فنجاحه في انتخابات السلطات المحلية السابقة اقتصر على رئاسة مجلس محلي واحد فقط، ويلاحظ أن التجمع يخوض الانتخابات في بعض المجالس المحلية العربية وليس في معظمها، أي يخوض الانتخابات في الأماكن التي يضمن فيها الفوز. 3- حداش: أحد أهم الحركات الموجودة في الوسط العربي سواء سياسياً أو على مستوى الخدمات المحلية، وكانت مهيمنة على انتخابات السلطات المحلية حتى نهاية الثمانينات، وبعد ذلك بدأت بالتنازل عن بعض نفوذها للحركة الإسلامية، وقد شجعت حداش، في حينه على التعايش اليهودي/ العربي وذلك بصفتها حركة يهودية/عربية، وتشارك حداش في التنافس على مقاعد الرئاسة والعضوية في معظم إن لم يكن جميع المجالس المحلية والبلدية(3). 4- العائلة والحمولة: بعد سيطرتها في حقبة الخمسينات والستينات من خلال المختار بدأت تظهر العائلية والحمائلية بثوب جديد، وهو محاولة سيطرة أفراد أكاديميين ومهنيين ورجال أعمال على المجالس المحلية، وذلك لأهداف خاصة مستغلين بذلك انتمائهم العائلي. وتتميز التكتلات العائلية بالحصول على امتيازات خاصة الأمر الذي يؤدي إلى وجود الأمراض الاجتماعية، مثل الفساد والرشوة، وهذا إن استمر سيؤثر سلباً على الحياة السياسية لفلسطينيي 1948. ثالثاً: الانتخابات معطيات وأرقام يتكون الحكم المحلي في إسرائيل من 264 سلطة محلية، بما في ذلك المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتنقسم مؤسسات الحكم المحلي كالتالي: - 69 بلدية، 141، مجلساً محلياً، -54 مجلساً إقليمياً(يضم عدة قرى)، مجلسان محليان صناعيان، هما رمات حوفيف ومجدال تيفن. منها 77 سلطة محلية عربية، تتوزع كالتالي: - 10 بلديات، 65 مجلساً محلياً (منها مجالس في هضبة الجولان)، مجلسان إقليميان. جرت انتخابات في الوسط العربي في 54 سلطة محلية وبلدية. تنافس فيها على الرئاسة 233 مرشحاً. - أما على العضوية فقد تنافست عشرات القوائم المحلية بالإضافة إلى القوائم الحزبية. - بلغ عدد صناديق الاقتراع الاجمالي 5705 صندوق. - أصحاب حق الاقتراع الاجمالي 3.787.860 ناخباً. - نسبة المشاركة العامة 40 %. - نسبة المشاركة في الوسط العربي 80%. - التصويت للرئاسة من خلال بطاقة صفراء. - التصويت للعضوية من خلال بطاقة بيضاء. - الجولة الأولى للانتخابات كانت في 28/10/2003. - الجولة الثانية للانتخابات كانت في 7/11/2003.
رابعاً: نتائج الانتخابات: 1- شهدت الانتخابات في القرى التي تقرر دمجها توتراً، ففي بعض القرى توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع. وفي قرى أخرى كانت هناك مقاطعة بالإجماع، حسب ما ذكرناه سابقاً حول معايير الدمج، أكدته النتائج، حيث كان للقرى الكبرى الأثر الكبير في النتائج وحققت الفوز، وهو ما حصل فعلاً في انتخابات باقة الغربية/ جت، فرغم أن انتخابات الرئاسة لم تحسم في المرحلة الأولى، وإنما انتقل إلى المرحلة الثانية مرشحان من باقة الغربية فقط، كما أن التمثيل البلدي لسكان جت كان هزيلاً، حيث تم انتخاب 3 أعضاء فقط من أصل 15 عضواً هم أعضاء المجلس البلدي لباقة الغربية وجت. أما في التجمع القروي (جايا) لم يتم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في القرى الخمس المشاركة في هذا التجمع، ولم يتم فتح صناديق الاقتراع في بعض القرى. وفي الجولة الثانية فاز صالح أبو ريش، وذلك من خلال اتفاقية عقدت بين القوى السياسية لسكان تلك القرى، حيث تتم بالمبادلة مع محمد معدي. 2- أظهرت النتائج القوة التي تحظى بها حداش، وأنها القوة السياسية الأولى في المجتمع العربي الفلسطيني، وذلك بعد نجاح ممثليها بالفوز بـ 7 سلطات محلية، كما أنها دعمت مرشحين غير حزبيين بالوصول إلى رئاسة بعض المجالس المحلية، وكان أبرز فوز لها هو استمرار السيطرة على مدينة الناصرة، بالإضافة إلى رئاسة 7 مجالس أخرى (انظر الجدول). نتائج انتخابات السلطات المحلية (1993-2003)(4)
3- خسرت الحركة الإسلامية الجنوبية بعض المجالس المحلية، إلا أنها حافظت على مقعدها الرئيسي في مدينة أم الفحم، وخسرت مجلس محلي جلجولية، كما خسرت موقع الرئاسة في طمرة، بعد امتناعها عن دعم موسى أبو رومي مرشحها في الانتخابات السابقة(5). كما أن الحركة الإسلامية الشمالية خسرت معظم المجالس المحلية التي كانت بقيادتها، الأمر الذي يعكس استمرار الأزمة التي تعيشها الحركة بعد خسارتها في انتخابات الكنيست ويحسب لها فوزها في تل السبع. 4- حصل التجمع الوطني الديمقراطي على رئاسة مجلس زيمر، وبذلك يحافظ على فوزه برئاسة أحد المجالس، بالإضافة إلى الحصول على تمثيل في 8 مجالس محلية أخرى. 5- غاب الحزب الديمقراطي العربي والحركة العربية للتغيير عن رئاسة المجالس المحلية، ولم تحقق أي فوز يذكر، وهي تكرر بذلك خسارتها السابقة، حيث لم تحصل في الانتخابات السابقة أيضاً على أي من رئاسة أحد المجالس المحلية. 6- حصل المرشحون المستقلين المدعومين من العائلة على أغلبية مراكز الرئاسة، وأعضاء المجالس المحلية، مما يبرز أحد مظاهر التيار الاجتماعي في الوسط العربي، كما يبرز الأزمة التي تعيشها الأحزاب السياسية في مواجهة العائلة، وبدا واضحاً للجميع أن التوازن بين الأحزاب والعائلة والحمائلية يميل لصالحها، ويمكن أن نعزو ذلك إلى عجز الأحزاب عن تطوير برامج وآليات عمل حول تطور القرية العربية، كما أن تركيز الأحزاب حول القضايا الوطنية والقومية أدى إلى تعزيز العائلية في الوسط العربي. وبالإجمالي فإن النتائج تدل على مظاهر سلبية يعيشها المجتمع العربي الفلسطيني منها:- 1- عدم التماسك الاجتماعي ووجود فئات متعددة وطوائف أدت إلى بروز مظاهر غير ديمقراطية من خلال عملية التصويت، أو وجود مرشحين غير مؤهلين. 2- عدم قدرة الأحزاب على تمويل الحملات الانتخابية بسبب خوضها لانتخابات الكنيست في مطلع العام، وارتفاع نسبة تكاليف الحملة الانتخابية أدى إلى عدم خوض الأحزاب للانتخابات في مناطق معينة، الأمر الذي أدى إلى فوز مرشحي العائلات، بالإضافة إلى دعم بعض الأحزاب(6) والحركات لبعض أفراد العائلات، الأمر الذي سيؤدي إلى سيطرة العائلة على الأحزاب. 3- ارتفاع عدد المتنافسين سواء على مقاعد الرئاسة أو مقاعد العضوية، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على استمرار التشرذم والانقسام الذي يسود المجتمع الفلسطيني. 4- ارتفاع تكاليف الحملة الانتخابية أدى إلى أن تصبح العلاقة بين الناخب والمرشح هي الحفاظ على المصالح الخاصة والمادية. 5- استمر وضع المرأة في التدهور، ففي كل عملية انتخابية يثبت المجتمع الفلسطيني أنه مجتمع ذكوري، إذ لم تسفر الانتخابات عن فوز أية مرشحة، لسبب بسيط وهو عدم خوص النساء المنافسة على منصب الرئاسة، كما أن عدد المتنافسات على مناصب العضوية كان ضئيلاً جداً. - لم تشمل الانتخابات الحالية ما يقارب من (17%) من فلسطينيي 1948 الذين يعيشون في القرى غير المعترف بها، والذين يقدر عددهم بنحو (80) ألف مواطن ينتشر معظمهم في النقب، إذ يعيش أكثر من (60) ألف مواطن في ما يقارب من 60 قرية غير معترف بها، كما لم تجرِ الانتخابات في بعض المدن والقرى العربية نتيجة لإجراء الانتخابات قبل فترة بسيطة مثل مدينة الطيبة.
الهوامش: |
|