الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر محور فيلادلفيا

جمال البابا

بدأ الشريط الحدودي الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المصرية، يدخل دائرة الإهتمام الإعلامي بعد قيام إسرائيل بهدم مئات المنازل الفلسطينية المحاذية له منذ بداية انتفاضة الأقصى، ثم صدور إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون عزمه الإحتفاظ بالسيطرة على هذا الشريط، بعد تطبيق خطته لفك الإرتباط عن قطاع غزة.

ويعتبر الخط الحدودي بين قطاع غزة ومصر بطوله البالغ 12.6 كم، جزءاً لا يتجزأ من الحدود الدولية بين مصر وفلسطين الإنتدابية والبالغة 210 كم، التي رُسمت طبقاً لمعاهدة 1906 بين الدولة العثمانية ومصر. هذه الحدود التي تمتد من نقطة على رأس طابا على الساحل الغربي لخليج العقبة جنوباً حتى رفح شمالاً، بالقرب من قرية تل الخرائب على ساحل البحر المتوسط،عند خط عرض
49.9-17-31 شمالاً وخط طول 20-14-34 شرقاً(1).

طبيعة المنطقة واستخدام الأرض فيها:

تعتبر المنطقة التي يمر فيها الخط الحدودي من المناطق الفقيرة نسبياً بمواردها الطبيعية، فالخط الحدودي يسير في منطقة شبه مستوية، يتدرج فيها الإرتفاع من الشمال إلى الجنوب، حيث تبدأ الحدود من نقطة صفر على شاطئ البحر في الشمال، وتسير بارتفاع تدريجي كلما اتجهنا جنوباً حتى تصل إلى ارتفاع نحو 90 متراً، عند نقطة التقاء الحدود بين قطاع غزة ومصر وإسرائيل، وتسود في هذه المنطقة تربة رملية إلى مختلطة، وهي في مجملها تربة فقيرة في مواردها العضوية وإنتاجية الأرض فيها محدودة.

وتتنوع ملكية الأرض في منطقة الشريط الحدودي داخل قطاع غزة، بحيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

1- ملكية خاصة: وتتركز في أقصى الشمال بالقرب من شاطئ البحر في منطقة المواصي، كما يتواجد هذا النوع من الملكية في منطقة الوسط، حيث التركز السكاني.

2- أراضي حكومية: وتتركز في المنطقة الشمالية، حيث تسيطر المستوطنات الإسرائيلية على الجزء الأكبر من هذه الأراضي.

3- أراضي بئر السبع، وتقع على طول الجزء الجنوبي من الشريط الحدودي وهي أراضي خاصة استقطعت من الأراضي الحكومية.

أما عن استخدام الأرض على طول الشريط الحدودي  داخل قطاع غزة، فيمكن وصفه على النحو التالي:

بعد تجاوز المنطقة العسكرية الواقعة مباشرة على طول الشريط الحدودي، والمعرّفة بالمنطقة الوردية باتجاه الشرق يبدأ الشريط الحدودي من شاطئ البحر في أقصى الشمال بمنطقة المواصي، التي تقع ضمن المنطقة الصفراء التي يقطنها عدد محدود من الفلاحين الفلسطينيين العاملين في مجال الزراعة، وهي منطقة زراعية تسير على امتداد الشريط الحدودي بطول لا يتجاوز كيلومتر واحد من الشمال إلى الجنوب، أي من شاطئ البحر باتجاه الداخل، وتخضع هذه المنطقة لترتيبات أمنية خاصة، حيث السيطرة الأمنية الإسرائيلية، والسيطرة المدنية الفلسطينية، مثلها مثل سائر المناطق الصفراء في قطاع غزة.

بعد هذه المنطقة وباتجاه الجنوب "الداخل" تأتي منطقة المستوطنات، حيث تقع مستوطنة "رفيح يام" ضمن المنطقة الإستيطانية "تجمع غوش قطيف"، التي تمتد من شاطئ البحر حتى مسافة 2 كم باتجاه الجنوب، وهي منطقة تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وعلى بعد 2 كم من شاطئ البحر، يأتي الخط الأزرق لينهي حدود المنطقة الإستيطانية، لتبدأ منطقة صفراء جديدة تمتد لمسافة 2كم من الشمال إلى الجنوب، وهي منطقة تمتاز بسيطرة الكثبان الرملية وخلوها تقريباً من التواجد السكاني، باستثناء بعض المنازل المتفرقة على أطراف الحي السكني الفلسطيني تل زعرب. والى الجنوب من هذه المنطقة مباشرة، أي في وسط الشريط الحدودي تبدأ المنطقة السكنية، والتي تمتد من تل زعرب في الشمال ملاصقة تماماً للمنطقة الأمنية "المنطقة الوردية"، بحيث تسير باتجاه الجنوب حتى حي السلام بمسافة تقدر بنحو 4.5 كم، وهي المنطقة ذات الإكتظاظ السكاني، والتي تمثل مشكلة أمنية كبيرة لجيش الإحتلال الإسرائيلي تحول دون سيطرته الكاملة على الشريط الحدودي، وفي هذه المنطقة تحديداً تتم عملية التجريف الجماعية للمنازل الفلسطينية، على طول الخط الحدودي بحجة توسيع هذا الشريط لتسهيل عملية السيطرة عليه.

بعد هذه المنطقة، وباتجاه الجنوب تظهر منطقة صفراء ثالثة تمتد لمسافة تقدر بنحو 4 كم، تتسم معظمها بالطابع الزراعي وذات تواجد سكاني بسيط، ويخترقها شارع صلاح الدين "الجزء الشرقي منه" ليربط قطاع غزة بمعبر العودة "رفح" البري.

أما على الجانب الغربي من الحدود، أي الجانب المصري، فإن المنطقة هناك تتسم بالطابع الزراعي، وبخاصة بعد نقل سكان مخيم كندا الفلسطينيين إلى الجانب الشرقي من الحدود داخل قطاع غزة، فلم يتبق إلا بعض التجمعات السكانية المتناثرة على الجانب المصري من الخط الحدودي.

الترتيبات الأمنية على جانبي الشريط الحدودي:

الترتيبات الأمنية السائدة على طول الشريط الحدودي سواء على الجانب الفلسطيني أو الجانب المصري، جاءت إفرازاً لمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية واتفاقية طابا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إضافة إلى الترتيبات والإجراءات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي، بغض النظر عن النصوص الواردة في هاتين الإتفاقيتين.

- فطبقاً لمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية الموقعة في واشنطن في 26/3/1979، فقد جاءت المادة الثانية من هذه المعاهدة لتنص على أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الإنتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس، ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخر، بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي.

وجاء في الملحق الأول الخاص بالإنسحاب الإسرائيلي، وترتيبات الأمن في المادة الثانية منه تحت عنوان (تحديد الخطوط النهائية والمناطق)، حيث أوضحت هذه المادة المناطق التي سيتم إنشاؤها وتنظيمها في سيناء وعلى جانبي الحدود الدولية بين الطرفين، بما فيها حدود قطاع غزة مع مصر، حيث قسمت سيناء والمنطقة المحيطة بالحدود، إلى أربعة مناطق لكل منها ترتيبات أمنية وعسكرية خاصة. واهم ما يفيدنا في هذا المجال ما جاء من نصوص خاصة بالمنطقتين "ج" و"د".

فيما يتعلق بالمنطقة "ج"، وهي المنطقة الملاصقة للخط الحدودي من جهة الغرب، أي على الجانب المصري، فقد جاءت أهم الترتيبات الأمنية في هذه المنطقة على النحو التالي:

- بعد أن نصت المادة على تحديد المنطقة المذكورة وحصرها بين المنطقة "ب" في الغرب والحدود الدولية وخليج العقبة في الشرق، أكدت المادة على أن تتمركز في هذه المنطقة قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية فقط.

- تتولى الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة.

أما المنطقة "د" الواقعة إلى الشرق من الحدود الدولية، أي داخل الأراضي الإسرائيلية، وامتداد المنطقة في قطاع غزة(*). فقد نصت المادة على أن تتواجد في هذه المنطقة قوة محدودة من أربع كتائب مشاة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية ومراقبي الأمم المتحدة.

- لا تتضمن القوة الإسرائيلية في المنطقة "د" دبابات أو مدفعية أو صواريخ، فيما عدا صواريخ فردية ارض/جو.

- تتضمن العناصر الرئيسية لكتائب المشاة الأربع حتى 180 مركبة أفراد مدرعة من كافة الأنواع وإجمالي حتى 4000 فرد(2).

أما اتفاقية طابا الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في واشنطن بتاريخ 28/9/1995، فقد جاء في المادة السادسة منها تحت عنوان "ترتيبات أمنية في قطاع غزة"، وفي الفقرة السادسة منها تحت عنوان "الحدود المصرية" ما يلي:

"منطقة القواعد العسكرية على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، كما رسمت على الخارطة المرفقة رقم (2) بالخط الأزرق، وظلت باللون الأحمر الوردي (تقدر مساحتها بـ770 دونم)، سوف تكون تحت السلطة الإسرائيلية، وسوف تبقى (قرية الدهانية قرية يعيش فيها بعض العملاء لإسرائيل وعائلاتهم) جزءاً من منطقة القواعد العسكرية، إلى حين إعلان عفو عام عن مواطني القرية واتخاذ التدابير لحمايتهم وبعد أن يتحقق ذلك، فإن قرية الدهانية سوف تصبح جزءاً من المنطقة الصفراء".

هكذا يلاحظ أن المعاهدة المصرية الإسرائيلية واتفاقية طابا الفلسطينية-الإسرائيلية، قد نظمت التواجد الإسرائيلي في الشريط الحدودي في قطاع غزة، والذي تفضل المصادر الإسرائيلية على تسميته "محور فيلادلفيا" وهو الاسم الرمزي للمنطقة على خرائط الجيش الإسرائيلي، إلا أن الجيش الإسرائيلي يتصرف وفقاً لرؤيا خاصة به بغض النظر عن الإتفاقات والمعاهدات، فالجيش الإسرائيلي من ناحية ميدانية يقسم الشريط الحدودي إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول، وهو الأهم والأخطر بالنسبة لإسرائيل، وهو القسم المقابل لمدينة ورفح ومخيمها، وتتركز فيه عمليات المقاومة الفلسطينية والتي تدعي إسرائيل أن معظم الأنفاق تصل بين هذا الجزء والجانب المصري من الحدود. أما القسم الثاني، فيمتد من شمال مدينة رفح حتى شاطئ البحر، وهو خاضع بشكل كامل للسيطرة الإسرائيلية. ويأتي القسم الثالث جهة الجنوب، حيث يمتد من مدينة رفح حتى نقطة التقاء الحدود بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة عند معبر "كريم شالوم".

وتحت حجج أمنية، طورت سلطات الإحتلال الوسائل المتبعة لحماية الخط الحدودي، مع بداية الإنتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، في مواجهة ما يسمى عمليات التهريب. ثم زادت من هذه الوسائل مع انطلاق انتفاضة الأقصى، حيث تم وضع كتل إسمنتية ضخمة بارتفاعات كبيرة، ثم شرعت سلطات الإحتلال بإقامة جدار حديدي بارتفاع ثمانية أمتار على امتداد ثلاثة كيلومترات، إضافة إلى العديد من الدشم العسكرية المصفحة والدوريات والأجهزة الإلكترونية متعددة الأغراض. وفيما يتعلق بخطة فك الإرتباط المعدلة التي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية في 6/6/2004، فقد جاء فيها بند خاص بالشريط الحدودي تحت عنوان "محور فيلادلفيا"، جاء فيه ما يلي:

منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر: "تواصل دولة إسرائيل الإبقاء على وجود عسكري على طول خط الحدود بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا)، وهذا الوجود هوحاجة أمنية حيوية، في أماكن معينة يحتمل أن يكون لازماً توسيع مادي للمنطقة التي يجري فيها النشاط العسكري. وفي السياق، ستنظر الحكومة في إمكانية إخلاء هذه المنطقة، وإخلاء هذه المنطقة سيكون مشروطاً، ضمن أمور أخرى، بواقع امني وبمقدور التعاون المصري في خلق ترتيب مصداق آخر".

هذه نبذة عن الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، والذي يتضح من خلالها أن إسرائيل هي صاحبة الكلمة العليا في السيطرة على هذا الشريط، سواء من خلال نصوص المعاهدات والإتفاقات المبرمة، أو من خلال الممارسات الإسرائيلية ميدانياً، وذلك نظراً للأهمية الخاصة لهذا الشريط، كونه الحدود البرية الوحيدة لقطاع غزة مع دولة غير إسرائيل. وبالتالي فإن استمرار السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة لا تكتمل إلا بتحقيق سيطرة إسرائيلية كاملة على هذا الشريط، سواء بسيطرة مباشرة أو بدور مصري فعال.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المناطق الأمنية في سيناء طبقا للمعاهدة المصرية -الإسرائيلية

الهوامش


(*) انظر الخريطة المرفقة


(1) محمد محمود الديب، حدود فلسطين، معهد البحوث والدراسات العربية-1979.

(2) المعاهدة المصرية الإسرائيلية-مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1979.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م