عثمان حسين تقديم: يمور المشهد الفلسطيني بالعديد من القضايا الساخنة والمصيرية، والتي تشكل ملامح الواقع بكل أزماته المستعصية. فمن باب الهجمة الشرسة واللا أخلاقية لجيش الإحتلال على الشعب الفلسطيني وأرضه، إلى باب الأزمات الداخلية والتي هي إفراز طبيعي لواقع احتلالي قاسٍ. لا شيء يبدو في الأفق، وكل الخيارات متاحة أمام حكومة شارون اليمينية المتطرفة في ظل غياب المرجعية الدولية، وتفكك وضعف الأمتين العربية والإسلامية، ويبدو المشهد الفلسطيني محصوراً وبائساً وانعكاساً للمشهدين العربي والإسلامي. في هذه الإطلالة السريعة على بعض القضايا الفلسطينية الساخنة، نستطيع أن نتلمس ملامح واقعنا بحيادية ودون انفعال. باب القتل والإغتيالات مفتوح بلغ عدد الشهداء خلال النصف الأول من العام 2004 نحو 360 فلسطينياً، معظمهم من المدنيين، وأقدمت جرافات الاحتلال على تجريف مئات المنازل المسكونة على الشريط الحدودي في مدينة رفح، الأمر الذي دفع بآلاف السكان إلى العيش في خيام تعيد إلى الأذهان نكبة العام 1948. وفي اعقاب العملية التفجيرية في ميناء اسدود الإستراتيجي في 14/3/2004، اقر مجلس الوزراء المصغر شن هجمات كبيرة على قطاع غزة وقتل ناشطين كبار، وبعد اسبوع من هذا القرار، وفي 22/3/2004 تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من اغتيال الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس، واثنين من مرافقيه وبعد اقل من شهر، تم اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بنفس الطريقة في 17/4/2004 وعشرات العناصر المسلحة في قطاع غزة. وعلى خلفية تفجير الدبابة الإسرائيلية ومقتل طاقمها بالكامل في 11/5/2004 في حي الزيتون بغزة، قتلت قوات الإحتلال 27 فلسطينيا وجرحت 185 وانسحبت في 13/5/2004 من حي الزيتون، مخلفة وراءها دمارا هائلاً في كافة مرافق الحياة. عمليات تفجيرية وعشرات القتلى الإسرائيليين في ظل التهديدات والعمليات المتبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى خلفية الفعل ورد الفعل، نفذت المقاومة الفلسطينية 9 عمليات تفجيرية نوعية ضد جنود ومدنيين إسرائيليين، خلال النصف الأول من العام 2004، حيث بلغ مجموع القتلى نحو 55 قتيلا وعدداً غير معروف من الإصابات. الأذرع العسكرية لكل من فتح وحماس والجهاد الإسلامي أعلنت مسؤوليتها عن تنفيذ هذه العمليات. ففي 15/1/2004، قتل 4 جنود في عملية نفذتها إمرأة على حاجز "ايرز" العسكري، وفي 29/1/2004 قتل 10 إسرائيليين وأصيب 40 في عملية تفجيرية استهدفت حافلة في القدس الغربية، وفي 23/2/2004 قتل 8 إسرائيليين في تفجير حافلة في القدس العربية. وفي تاريخ 14/3/2004 قتل 10 إسرائيليين في عملية نوعية استهدفت ميناء اسدود، وفي 2/5/2004 قتل 5 مستوطنين وجرح أربعة إصابة اثنين منهم خطيرة جداً قرب مستوطنة كيسوفيم، وفي 4/5/2004 أصيبت ناقلة جند في محيط مستوطنة نتساريم بقذيفة آر بي جي أصابت من فيها بإصابات مباشرة، ولم يُعلن عن قتلى، وفي 11/5/2004 تم تفجير دبابة ومقتل 6 جنود في حي الزيتون بغزة، وفي 12/5/2004 قتل 5 جنود بتفجير دبابة في رفح، وفي 14/5/2004، قتل جنديان وأصيب أربعة في رفح بتفجير دبابتهم. خطة شارون والإنسحاب من قطاع غزة اثارت خطة شارون لتفكيك المستوطنات المقامة على أراضي قطاع غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، جدلاً واسعاً على المستويات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، ورغم أن خطة فك الإرتباط الأمني التي أعلنها شارون لم تنتقل بعد إلى أية مرحلة تنفيذية على الأرض، إلا أن الحكومة الإسرائيلية باشرت بالفعل فحص شكل المرحلة المقبلة التي ستلي الإنسحاب من قطاع غزة، والتي تقف في مركزها قضية فك الإرتباط الإقتصادي مع الفلسطينيين، حيث سيعتمد تطبيق هذه الخطة على كل من مصر والأردن. وفي مطلع مارس 2004، تحركت الدبلوماسية الإسرائيلية باتجاه البيت الأبيض، وجرت محادثات مع مسؤولين أمريكيين تمحورت حول الحصول على دعم دولي لخط الحدود الذي ستنسحب إليه إسرائيل، وفحصت المحادثات موقف الإدارة الأمريكية بشأن تجميع المستوطنين في كتل استيطانية كبيرة في الضفة الفلسطينية تحت سيطرة إسرائيل وفي إطار التسوية الدائمة كما تراها تل أبيب. وفي الأول من مايو 2004، عرض شارون خطته على أعضاء حزب الليكود في استفتاء عام، إلا أن نتائج الإستفتاء جاءت مخيبة لتطلعات شارون، وتم رفض الخطة بواقع 59.5% مقابل 39.7% أيدوها. وفي ضوء نتائج الإستفتاء، ألغى شارون زيارته المقررة إلى واشنطن، وأعلن في 9/5/2004 انه سيقدم مبادرة بديلة لمجلس الوزراء في غضون ثلاثة أسابيع. وفي نفس الشهر اضطر شارون للتراجع عن اعتزامه إجراء تصويت في حكومته حول خطته المعدلة/ المقلصة للإنسحاب من غزة، بعد أن تبين له انه عاجز عن تأمين أغلبية تؤيد حتى مجرد الإنسحاب من ثلاثة مستوطنات فقط في القطاع. وفي 4/6/2004، اقال شارون اثنين من وزرائه لتمرير خطته المقلصة، وفعلاً أقرت الحكومة الإسرائيلية في 5/6/2004، خطة شارون المقلصة وأجّلت حسم موضوع إخلاء المستوطنات لتسعة اشهر، على أن يتم استكمال الإنسحاب في نهاية أيلول من العام 2005. ميدانياً، وحتى لا تبدو إسرائيل منسحبة تحت ضغط المقاومة الفلسطينية، فإنها واصلت عملياتها في قطاع غزة بشكل محموم، وكانت رفح ضحيتها الكبرى، حيث أقدمت على تنفيذ عملية عسكرية تحت اسم "قوس قزح"، بدأت في 18/5/2004 وانتهت في 23/5/2004، قتلت خلالها 73 فلسطينيا في تل السلطان وحي البرازيل وأصابت وجرحت مئات المدنيين وجرفت مئات المنازل المسكونة وشردت آلاف السكان إلى العراء بدون مأوى. جدار العزل العنصري ومحكمة لاهاي أعلنت السلطة الفلسطينية يوم 23/2/2004، يوماً وطنياً ضد الجدار، وذلك مع بدء محكمة العدل الدولية في لاهاي جلساتها للنظر في شرعية الجدار الذي يتوغل في عمق الضفة الغربية، حيث تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين في أنحاء الأراضي الفلسطينية المختلفة. وفي 25/2/2004 اختتمت محكمة لاهاي مداولاتها العلنية بإنتقادات شديدة اللهجة وجهتها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لإسرائيل. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، طلبت في كانون الأول الماضي من محكمة العدل الدولية أهم الهيئات القضائية التابعة للأمم المتحدة ومقرها لاهاي، أن تصدر رأياً استشارياً في الإنعكاسات القانونية للجدار العازل الذي تقيمه إسرائيل على أراضٍ فلسطينية، ولدى انتهاء الجلسات لم يعط رئيس المحكمة القاضي الصيني شي جيويونغ أي موعد لإصدار القرار، إلا أن مصادر في المحكمة قالت أن القضاة يدركون أن المسألة مستعجلة. وكانت الخارجية الإسرائيلية، قد أعلنت قبل انعقاد محكمة لاهاي بيومين "أن الجدار الذي تبنيه إسرائيل يمكن تحويل مساره في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين"، وقال سيلفان شالوم: " أن السياج هو إجراء امني مؤقت لا يتضمن مغزي سياسي ويمكن تفكيكه"، وذلك على الرغم من أن الفلسطينيين والعديد من المراقبين والمحللين، يؤكدون بأنه وسيلة لإبتلاع الأرض الفلسطينية وترسيخ وقائع جديدة للمستقبل. وعلى غرار ما هو موجود في الضفة الفلسطينية، شرعت قوات الإحتلال في الخامس من مايو 2004، بإقامة جدار فصل عنصري في قطاع غزة يصل بين مفرق المطاحن غرباً وخط التحديد الفاصل بين قطاع غزة والخط الأخضر شرقاً على طول طريق كيسوفيم لتقسيم القطاع إلى قسمين بحجة تأمين حركة المستوطنين. الجدار الجديد تطلّب مصادرة آلاف الدونمات الزراعية جنوب مدينة دير البلح في المنطقة الواقعة بين بلدة القرارة ودير البلح بطول 5 كيلومترات. أزمة حركة فتح مع حلول ذكرى انطلاقة حركة فتح للعام 2004، طُرحت من جديد الأسئلة القديمة حول أزمة هذه الحركة، وتبدو أسئلة هذا العام أكثر أهمية، إذ أن التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، وسّعت الفجوات وزادت التناقضات في الحركة. ويعترف قادة وكوادر ونشطاء حركة فتح، على اختلاف مواقعهم بوجود الأزمة في حركتهم، والتي تتمثل في صراع الأجيال وغياب المؤسسات القيادية (اللجنة المركزية والمجلس الثوري) وغياب البرنامج المتلائم مع تغيُر المرحلة ووجود الفساد التنظيمي والسياسي والمالي. ويوجه الجيل الجديد في الحركة سهام نقده إلى الهيئة القيادية الأولى للحركة "اللجنة المركزية"، التي تمسك في يدها مفتاح التغيير ولا تستخدمه، حفاظا على مصالح أعضائها كما تقول قيادات الجيل الشاب. ويذكر أن المؤتمر العام الأخير للحركة (الخامس انعقد في العام 1989)، والذي في ضوئه تم فرز أعضاء اللجنة المركزية حسب النظام الداخلي للحركة والذي ينص على انعقاد المؤتمر العام كل خمس سنوات. لكن اللجنة المركزية تدافع عن نفسها وترد على الإتهامات الموجهة إليها، بما هو أقسى منها قائلة، أنها وإن قبلت النقد فإنها ترى في نغمة الإتهام جزءاً من الحرب الإسرائيلية المعلنة عليها معتبرة أن هناك محاولة لتجاوزها من قبل من يحملها المسؤولية عن الأزمة، وهي التي سقط ثلثا أعضائها شهداء ويخضع رئيسها اليوم للحصار في مقره. وتعزو اللجنة المركزية الأزمة في فتح، إلى المرحلة وتعقيداتها، حيث جرى انتظار نتائج عملية اوسلو كي يتضح لها معالم الطريق، لكن العملية انهارت مع انهيار مفاوضات كامب ديفيد العام 2000. اجتماعات المجلس الثوري انتهت اجتماعات المجلس الثوري لحركة فتح، الذي استمر لأربعة أيام متواصلة منذ 25/2/2004 إلى 28/2/2004، وخرج المجتمعون بصيغة بيان ختامي متفق عليه وعدد من القرارات تتعلق بالحياة التنظيمية للحركة. واهمية انعقاد دورة المجلس الثوري لا تكمن فقط بالإتفاق على ما صدر عن المجلس، وإنما في توحد الكادر الحركي خلف القرارات وتطبيقاتها على ارض الواقع. اجتماعات المجلس الثوري هذه المرة عقدت في ظل تباينات وخلافات قوية وجدية بين تيارين داخل فتح، الأول يريد إبقاء وضع الحركة على ما هو عليه تنظيمياً وسياسياً وأمنياً مع إجراء بعض أشكال التجميل، والثاني يرغب في إحداث تغيير جذري يبدأ بإحياء الديمقراطية الداخلية، وإعادة تشكيل الهيئات القيادية في حركة فتح وتطعيمها أكثر بالقيادات الشابة والتخلص من قيادات لم تعد مقبولة على قطاعات واسعة من قواعد فتح. الإختبار الذي تواجهه حركة فتح، وهو في قدرتها على أن تعمل كجسم واحد موحد وفق آلية لفض الخلافات على أسس ديمقراطية تضمن وصول الحركة إلى مؤتمرها السادس وبما يعيد إليها فاعليتها وحيويتها ويؤهلها للقيام بواجباتها، باعتبارها حزب سلطة. القمة العربية بين الإرجاء والإنعقاد في الثالث عشر من فبراير الماضي, أعلن مصدر رسمي أن تونس قررت استضافة القمة العربية السادسة عشرة يومي 29 و30 آذار المقبل، في العاصمة تونس. وعلى خلفية القرار التونسي بدأ مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في الثالث من مارس الماضي، ببحث القضايا الواردة على جدول أعمال قمة تونس المزمع عقدها، لاسيما المبادرة الأمريكية للإصلاح الديمقراطي في المنطقة، والمسماة مشروع الشرق الأوسط الكبير، إضافة إلى الملفين الساخنين الفلسطيني والعراقي لكن وزراء الخارجية العرب، اختتموا مؤتمرهم في اليوم التالي دون اتفاق بشأن المبادرة الأمريكية مع تركيزهم على عدد من الثوابت المتعلقة بالقضيتين الفلسطينية والعراقية. وعلى مدار يومين متتاليين اختتم مجلس الجامعة العربية اجتماعاته في الرابع والعشرين من مارس بالموافقة على مشروع بيان ختامي للقمة العربية المنوي عقدها، وأكد مشروع البيان الختامي على جملة من القضايا العربية المؤجلة وعلى رأسها مشروع إصلاح الجامعة العربية وإحالته إلى قمة الجزائر في العام 2005. وفي السادس والعشرين من الشهر نفسه، نفى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ووزير خارجية تونس الحبيب بن يحيى الشائعات التي راجت حول احتمال أرجاء القمة بعد تخفيض عدد من الدول العربية لمستوى مشاركتها في القمة، وقال عمرو موسى في مؤتمر صحفي مشترك مع الوزير التونسي: "هذا الموضوع انسوه، لأن القمة بدأت ونحن في القمة". إلا أن وزير الدولة التونسي للشؤون الخارجية حاتم سالم، أعلن في اليوم التالي أن تونس قررت أرجاء القمة بعد أن ظهر تباين في المواقف حول اقتراحات قدمتها تونس، وتعتبر أنها جوهرية وبالغة الأهمية بالنسبة إلى التطوير والتحديث والإصلاح في بلداننا العربية. وفي الأيام القليلة التي تلت قرار إرجاء القمة العربية، شهدت مصر نشاطاً دبلوماسياً عربياً مكثفاً، بهدف تجاوز أزمة إرجاء القمة والدعوة إلى قمة بديلة. وبعد شهرين من المشاورات نجحت تونس في عقد القمة السادسة عشرة، وذلك في 22/5/2004. وفي اليوم التالي اعتمدت القمة العربية في جلستها الختامية بياناً ختامياً تضمن بشكل خاص ولأول مرة في بيان صادر عن قمة عربية، إدانة للعمليات العسكرية التي تستهدف مدنيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. |
|