الاتحاد السوفييتي وحرب حزيران

بقلم ازبيلا  غينور(*)

ترجمة/زهير عكاشة

 لطالما اعتبر التحذير الذي أرسله الإتحاد السوفيتي لمصر حول وجود تعزيزات عسكرية إسرائيلية، على الحدود السورية في مايو أيار من عام 1967 خطأ فاضحا، تسبب في حرب لم يكن الإتحاد السوفيتي يرغب فيها أو يتوقعها. هناك ثمة أدلة جديدة موجودة في وثائق سوفيتية، وأخرى تابعة لحلف وارسو ومن شخصيات معاصرة تفند هذه النظرية السائدة. تبين المؤلفة هنا أن هذا التحذير كان بمثابة تضليل متعمد كجزء من خطة صودق عليها على أعلى المستويات في القيادة السوفيتية، بهدف دفع مصر إلى ارتكاب فعل يؤدي بإسرائيل إلى توجيه ضربة لها. كان التدخل العسكري السوفيتي ضد المعتدي مخططاً لأن يلي الهجوم ومعدا له سلفا. يقول جوزيف تي في كتابه "ابنة الزمان"(1). "إن الحقيقة بالنسبة لأي شيء لا تكمن قطعا في كيفية سرد الإنسان لها، إنما تكمن في كل الحقائق الزمنية الصغيرة".

يجمع المعنيون بكتابة تاريخ الشرق الأوسط، على أن الشرارة الأولى التي اشعلت فتيل حرب عام 1967، كانت المعلومات الخاطئة التي غذى بها الإتحاد السوفيتي مصر في مايو أيار من عام 1967، حول التعزيزات العسكرية الإسرائيلية المزعومة على الحدود مع سوريا. إلا أن هناك أدلة جديدة دامغة، منها الخطاب السري الذي القاه ليونيد برجنيف بعيد الحرب مباشرة، تفند الإدعاء السائد وهو أن الإتحاد السوفيتي تورط بإشعال حرب لم ترغبها موسكو ولم تؤيدها، علما بان هذه الأدلة تضفي شكوكا حول النتيجة التي توصلت إليها دراسة حديثة بعنوان "لماذا ثبت أن السوفييت تصرفوا على نحو اقل أهمية من الطريقة التي رد بها المصريون"(2).

إن الرواية التقليدية للأحداث لم تفسر أبداً سبب إرتكاب الإتحاد السوفييتي ذلك الخطأ الجسيم، أو سبب سوء تقديراته. وقد عجز المعنيون بكتابة تاريخ الشرق الأوسط والحرب الباردة أيضاً عن شرح سبب الهلوسة السوفيتية، على النحو الذي وصفها رئيس هيئة الأركان المصرية بعد تفقده للجبهة السورية(3). ومن اجل التوفيق بين هذا الإستفزاز السوفيتي وبين الرأي المجمع عليه، وهو انه لم يكن لموسكو أي نية لإثارة الحرب، صدرت نظريات كثيرة مختلفة(4). أفضل هذه الروايات، هي تلك التي أدلى بها كارن بروتنتس مستشار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي(5)، والتي أشار فيها إلى أن نائب وزير الخارجية فلاديمير سيمنوف لم "يضبط نفسه". وكشف النقاب لرئيس مجلس النواب المصري انور السادات(6)، عن معلومات استخباراتية لم تكن مؤكدة بعد، عندما كان الأخير في زيارة لموسكو. وحسب روايات سابقة يمكن أن تكون المعلومات قد نقلت إلى السادات من قبل شخصية على مستوى أعلى، كرئيس مجلس السوفيت الأعلى نيقولاي بودغورني(7).

إن تأكيد بروتنس على "زلة لسان" سيمينوف، ما هي إلا آخر مثال على تواصل جهود موسكو ما بعد الإتحاد السوفيتي، لطمس الحقائق والمسؤولية عن الخطوة السوفيتية المصيرية. فلم يرد في الرواية الرسمية السوفيتية، أي ذكر على الإطلاق لأزمة عام 1967(8). وورد في روايات أخرى، أن المخابرات السوفيتية كانت حقا تمتلك معلومات دقيقة حول نية إسرائيل شن حرب على الدول العربية(9) وحتى بالتاريخ المفروض لشن هذا الهجوم(10). على الطرف الآخر، هناك رواية حديثة تقول نقلا عن رئيس قسم المخابرات الخارجية في الكي-جي-بي، اللفتنانت جنرال اليكسندر سخاروفسكي قوله، أن المخابرات السوفيتية شككت في دقة المعلومات، لكنها أصرت على أن من واجبها مشاطرة المصريين فيها(11).

كان الإتحاد السوفيتي والدول التي تدور في فلكه، اقل رضى عن مشاطرة المعلومات الإستخبارية مع حلفائهم المقربين من العرب كمصر وسوريا. وقد كشفت وثيقة عثر عليها المؤرخ ستيفن ميننغ في أرشيف المخابرات الألمانية الشرقية المعروفة بإسم "ستاسي" بعض أنشطتهم الفعلية. حدد بروتوكول هذا الإجتماع الذي جرى بين الكي.جي.بي، و ستاسي، في مقر مجلس الورزاء السوفيتي في الفترة الواقعة ما بين 10-15 ابريل نيسان من عام 1967 برنامجا معقدا من "الإجراءات الفعالة" لعام 1967، علما بان سخاروفسكي كان على رأس الوفد السوفيتي. اجاز الإجتماع الإستمرار في "عملية مارابو"، التي كان الهدف من ورائها تضخيم التوتر بين ألمانيا الغربية والدول العربية، ولاسيما (لفت الإنتباه) إلى التعاون السياسي-العسكري والإقتصادي بين المانيا الغربية واسرائيل عن طريق الشائعات و"الوثائق المصنعة"(12). كان لبعض ذلك، كما سيأتي تفصيله لاحقا، علاقة مباشرة بأزمة مايو. تظهر عملية مارابو بشكل تام، أن السوفييت دأبوا بشكل منتظم على تضليل حلفائهم العرب، الأمر الذي يبين أن هناك دافعاً جلياً وراء محاولاتهم الدؤوبة للتعتيم على هذه القضية التي فضحت ممارساتهم. هناك مثالاً أخراً على وجود جهود التعتيم، إذ قيل للمؤرخ السياسي الأمريكي ريتشارد باركر أثناء زيارته لموسكو في سبتمبر أيلول من عام 1990، أن السفير السوفيتي لدى إسرائيل عام 1967 ديمتري تشوفخين، الذي كان باركر يتمنى أن يجري معه مقابلة حول دوره في الأزمة قد مات(13). بيد أن تشوفخين كان في حقيقة الأمر حياً يرزق وكان قادرا على مقابلة صحفيين اثنين على الأقل بمن فيهم معدة هذه الدراسة، مع أن السفير لم يساهم كثيرا في توضيح هذه القضية(14).

إن محاولة بروتنتس إلقاء اللوم بنقل معلومات خاطئة لمصر على مجرد زلة لسان تفوه بها موظف واحد فقط، لا ينسجم أبدا مع معايير الإجراءات المعمول بها عند طبقة الموظفين السوفييت. فلو كان سيمنوف حقا معروفاً بمراجعته التقارير الإستخبارية قبل الإجتماعات (كالإجتماع مع السادات) ونقلها على أنها مجرد أقاويل(15)، ولو انه قام بذلك بمبادرة شخصية منه وليس وفقا لأوامر عليا، لما تم ضمه إلى الوفد المشارك في المفاوضات الحاسمة مع وزير الحربية المصري شمس بدران بعد أسبوعين من ذلك التاريخ(16). ولو كان الأمر كذلك حقا، لما كلف عام 1968 بترأس الوفد السوفيتي لأكثر المهمات حساسية، وهي محادثات سالت في هلسنكي التي وصفها احد الموظفين القدامى في وزارة الخارجية بقوله، "لم يحدث أن سافر وفد سوفيتي رفيع المستوى على هذا النحو للخارج"(17).

تعتبر محاولات التقليل من شأن التحذير الذي بلغ للسادات حقيقة راسخة، وهي انه في نفس الوقت الذي تم فيه نقل التحذير للسادات، كان هذا التحذير أيضا قد طرق الأبواب المصرية من خلال قناتين تقليديتين أخريين، وهما: احد رجال المخابرات السوفيتية "المقيم في القاهرة" الذي أوصل الرسالة للمخابرات المصرية(18)، ومن قبل السفير السوفيتي شخصياً. ففي مساء يوم 12 مايو أيار استطاعت جهة ما في أوروبا الغربية التقاط رسالة مشفرة موجهة من السفارة السوفيتية في القاهرة إلى وزارة الخارجية السوفيتية، جاء فيها، اليوم نقلنا إلى المصريين معلومات حول تعزيزات عسكرية إسرائيلية على الجبهة الشمالية تمهيدا لشن هجوم مفاجئ على سوريا، ونصحنا حكومة الجمهورية العربية المتحدة بإتخاذ الخطوات اللازمة(19).

وقد قال احد المسؤولين المصريين الذين كانوا قد شاركوا في ذلك الإجتماع خلال مؤتمر صحفي عقد بعد مرور 25 عاما على الحرب، لم يكن من عادة السفير السوفيتي توصيل مثل هذه المعلومات....لم يحدث شيء كهذا من قبل، فلماذا اختار السوفيت التصرف على هذا النحو؟، هل كان ذلك للتأكيد على خطورة الأوضاع، وإبعاد أي شك حول ضرورة الحاجة لإجراء مصري؟ يمضي هذا المسؤول المصري وهو صلاح بسيوني واصفا كيف أرسل وكيل وزارة الخارجية المصرية بعيد اجتماعه بالسفير ديمتري بوجداييف، تقريراً تحذيريا تضمن الإلحاح المتكرر للسفير السوفيتي على ضرورة أخذ الموضوع بجدية فائقة، على ضوء المخاوف السورية و على ضوء التقارير الواردة حول قيام إسرائيل بحشد 10-20 لواء على الحدود مع سوريا. غير أنه انسجاما مع محاولات التستر والتمويه السوفيتية – الروسية المشار إليها آنفاً، أكد أحد المشاركين الروس في نفس المؤتمر، أنه لم يتم العثور في أرشيف وزارة الخارجية على أية أدلة تثبت وجود مثل هذه الأوامر الصادرة لبوجداييف. وأضاف قائلاً، انه ما كان يسمح لأي من السفراء بنقل هذه المعلومات دون قرار من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي(20). لذلك فإن ظهور وثيقة الآن، تبين أن المكتب السياسي تبنى فعلاً مثل هذا القرار لهو أمر في غاية الأهمية. يروي بروتنس في مذكراته، كيف استدعى يوم الخامس من حزيران لمؤتمر الحزب الشيوعي، حيث أوعز اليه بإعداد خطاب حول أزمة الشرق الأوسط والحرب التي اندلعت تواً ليلقيه الأمين العام ليونيد برجنيف أمام اللجنة المركزية(21). يضيف بروتنس قائلاً للكاتبة الحالية: "قمت أنا وأحد زملائي بالإعداد لإجتماع طارئ لكامل الهيئة، واستدعينا مساءً لمقابلة برجنيف، حيث ابلغنا أن علينا في الصباح توزيع خطاب برجنيف على اللجنة المركزية بكامل هيئتها(22). ومع ذلك لم ينعقد الإجتماع إلا في العشرين من حزيران".

لم ينشر خطاب برجنيف أبداً، غير أن ميننغ استطاع العثور في مقر المخابرات الألمانية الشرقية في برلين على نسخة منه مترجمة مطبوعة على الآلة الكاتبة. مع أنه يجب أن ينظر إلى هذا الخطاب بحذر، على أنه أشبه باعتذار من قبل برجنيف حول دوره ودور زملاءه، فهو يفضح في حقيقة الأمر عدة حقائق خطيرة، احد تلك الجمل المذهلة تتعلق بالتحذير الموجه إلى مصر: أريد هنا أن الفت انتباهكم إلى أن تقارير وصلتنا في منتصف مايو، تفيد بأن إسرائيل تنوي توجيه ضربة عسكرية لسوريا ولدول عربية أخرى. قرر المكتب السياسي لفت نظر حكومتي الجمهورية العربية المتحدة وسوريا إلى هذه المعلومات(23).

يبدو أن الإشارة إلى قرار صادر عن المكتب السياسي، إنما تلغي الإدعاء القائل بأن الإتحاد السوفيتي قد تورط عن غير قصد، فيما وصف مؤخراً بالدور المحفز "لإندلاع الحرب"(24). فالتقليد المتبع في أعداد الوثائق السرية للغاية الخاصة بالمكتب السياسي، هو عدم الكشف عن أسماء المقدمين للإقتراح، وعن أية إشارة إلى كيفية صنع القرار(25).

فالإشارة العابرة لقرار المكتب السياسي من قبل برجنيف استهدفت في المقام الأول، استبعاد أي مسؤولية له وعن أي عواقب تنجم عنه، وتحميل كل أعضاء المكتب السياسي المسؤولية الجماعية. وفي ظل وجود الأغلبية الساحقة من أعضاء المكتب السياسي، لم يكن ممكنا لبرجنيف أن يخترع قراراً لم يتم تبنيه أبداً(26). علاوة على ذلك يوضح بروتنس، أن مسودة الخطاب التي أعدها استندت إلى وثائق حزبية جهزت لهذا الغرض(27). إن تأكيد برجنيف على أن المكتب السياسي هو الذي أصر على ابلاغ مصر وسوريا على النوايا العدوانية لإسرائيل (لم يشر بوضوح إلى التعزيزات العسكرية المزعومة)، لا يستبعد بحد ذاته أن تكون القيادة السوفيتية السياسية (بمعزل عن جهاز الإستخبارات)، قد صدقت الإدعاء. فلا يزال بعض المحللين الغربيين يتبنون هذه الرواية بناء على تأكيدات رئيس الوزراء أليكسي كوسيغن عن وجود "التعزيزات العسكرية"، للوزير بدران أثناء زيارة الأخير لموسكو في 25-28 أيار، وإعادة كوسيغن التأكيد من جديد على هذا الإدعاء يوم 19 حزيران أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة(28).

حتى قبل خطاب برجنيف المح الناطقون الرسميون بإسم الإتحاد السوفيتي وحلفاؤه، إلى أن قصة التعزيزات العسكرية لم تكن حقيقية. ففي 13 يونيو حزيران من عام 1967، أكد المندوب البلغاري الدائم لدى الأمم المتحدة، مملكوتار ابانوف وهو اعز أصدقاء  السفير السوفيتي نيقولاي فيدرنكو، أمام مجلس الأمن الدولي، أن صحة التعزيزات العسكرية أو عدم صحتها لا تعني شيئاً على الإطلاق، كون إسرائيل كما هو معروف قادرة علىتعبئة جيشها في غضون 24 ساعة(29). هناك من المسؤولين السوفييت لازالوا يتمسكون بهذه المساواة غير المألوفة بين الواقع والإحتمال، فقط من أجل تبرير كذبة. يقول مسؤول سوفيتي سابق: إسرائيل دولة في غاية التنظيم، لذلك فتعبئة الإحتياط بالنسبة لها لن يستغرق أكثر من 24 ساعة .... كان جيشها ولا يزال على أتم الجاهزية للهجوم والدفاع في آن واحد(30). لكن هل آمنت القيادة السوفيتية بمصداقية تحذيرها عندما أوصلته إلى المصريين في منتصف شهر مايو؟ ألمح بروتنس للكاتبة أن الإستخبارات السوفيتية ربما تكون سربت تلك التلفيقات للقيادة السياسية ويضيف "لا أنا ولا أنت نستطيع أن نؤكد أن المخابرات لا تقوم بتلفيق شيء ما". فهم باعتقادي قادرون على فعل أي شيء... وهم يحافظون جداً على أسرار لا يريدون إفشاءها لأي إنسان.... حتى لحكوماتهم"(31).  

لا شك أن الهدف من وراء ذكر العدد الكلي للقوات الإسرائيلية التي زعم أنها حشدت على الحدود مع سوريا (11 إلى 13 لواء، حيث يزيد هذا العدد عن عدد الجيش النظامي لدى إسرائيل)، ربما كان للتأثير على قادة الحزب الذين يفهمون معايير المفاهيم العسكرية السوفيتية، وليس بهدف الإلتزام بمعايير واقع الشرق الأوسط(32).

يستحيل أن تكون المخابرات السوفيتية، أو الإستخبارات العسكرية قد زودت القيادة السياسية بهذه المعلومات المزيفة دون علم بعضهما البعض، كون كل جهاز من الجهازين يشعر بالغبطة في تكذيب الآخر. كما لابد على ضوء النتائج الكارثية، أن يلقى تضارب هذين الجهازين في هذه المغامرة بدون دعم قيادات عليا نوعاً من العقاب. بيد أن ما حدث هو أن قائد المخابرات السوفيتية الكي. جي. بي. يوري أندربوف ووزير الدفاع أندريه غرشكو، تمت ترقيتهما إلى عضوية المكتب السياسي في أواخر حزيران 1967 بمعنى أن ذلك لم يتم بعد تلك الكارثة مباشرة فحسب بل أيضاً بعد وضوح نتائجها. قد يدعي البعض أن هذين الشخصين قد عينا حديثا في منصبيهما، غرشكو  في منتصف شهر أبريل وأندريوف في 19 مايو، وأنه لا يمكن لومهما على سوء أفعال ارتكبها سلفيهما. حقا لقد حاول غرشكو الإنحاء باللائمة في تضخيم حقيقة الإستعدادات العسكرية المصرية على وزير الدفاع السابق رديون مالينو فسكي الذي توفي يوم 31 مارس آذار(33). لكن غرشكو الذي كان لقبه الرسمي آنذاك النائب الأول لوزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة التابعة لحلف وارسو، قد شغل أيضا منذ نوفمبر 1966 بصورة غير رسمية مهام وواجبات وزير الدفاع مالينوفسكي الذي ألم به المرض(34). كما شغل اندربوف أيضا بصفته سكرتير اللجنة المركزية منصب القائم بأعمال رئيس الكي-جي-بي، مدة عام  على الأقل قبل أن يستغل برجنيف قصة هروب ابنة ستالين للغرب وينحي فلاديمير سينماستني من منصب رئيس الكي –جي-بي(35).

أصبح المعينون الجدد وهم غرشكو واندربوف ووزير الخارجية الجديد اندريه غرميكو، أصدقاء شخصيين لبرجنيف، وتمت ترقية الثلاثة إلى أعضاء كاملين في المكتب السياسي. على هذا الأساس من المستبعد أن يكون برجنيف قد ضلل من قبل أتباعه، بل الواقع انه كان مشاركا وليس ضحية لهذا الحدث. لدى البحث عن منطق ملموس للتحذير السوفيتي، هناك من إدعى بأنه كان نتيجة استقراء لتصريح إسرائيلي استفزازي لسوريا، نسب إلى رئيس الأركان الإسرائيلي اسحق رابين، تطرق فيه إلى امكانية توجيه ضربة صاعقة لإحتلال دمشق والإطاحة بنظام الحكم فيها. ففي تصريح تم الإدلاء به يوم 22 مايو أيار خلال استعراضه  القوات المصرية التي نقلت إلى سيناء، أشار عبد الناصر إلى وجود تهديد واضح جدا من إسرائيل صدر يوم 12 مايو، لا يمكن بعده الوقوف مكتوفي الأيدي"(36). لا يوجد هناك أي نصوص منشورة لمثل هذا التصريح الإسرائيلي الذي يمكن أن يكون قد أطلق عشية عيد الإستقلال، وهذه مناسبة يلتزم فيها بالتعتيم التام على كل كلمة يتفوه بها أي سياسي، علما بأن رابين انكر بشدة إدلاءه بهذا التصريح. حقيقة الأمر، أن التصريح المذكور نسب إلى وكالة يونايتد برس للأنباء التي أساءت تفسيره عندما نقلته عن المكتب الصحفي التابع للجيش الإسرائيلي يوم 11 مايو أيار من عام 1967(37).

هناك مصدر آخر من المصادر التي ورد فيها ذكر تهديد رابين، وهو ما أشير اليه في "الإجراءات الفعالة" المتفق عليها بين المخابرات السوفيتية والمخابرات الألمانية الشرقية ستاسي والتي تم التأكيد عليها قبل أزمة مايو على أنها تشكل احد عناصر عملية مارابو: ستتخذ الكي-جي-بي، إجراءات في دول عربية (الجمهورية العربية المتحدة والجزائر واليمن والعراق وسوريا)، تتعلق بوثائق وتصريحات شفوية أعدتها المخابرات الألمانية الشرقية تفضح سياسة ألمانيا الغربية والولايات المتحدة، ضد هذه الدول و تفضح أيضاً أمر ما تقوم به كل من ألمانيا الغربية وإسرائيل ضد مصالح عربية، بهدف إحداث أزمات حكومية فيها(38).

هذه العلاقة المزعومة بين التهديد الإسرائيلي الشفوي والتحذير السوفيتي، تتناقض تناقضا تاما مع ما نشر في مذكرات يفغيني بيرلن، التي نشرت بعد وفاته، والذي كان آنذاك عضواُ بارزاً في قسم الشؤون المصرية في وزارة الخارجية السوفيتية. يؤكد بيرلن لأول مرة خطيا أن سيمنوف زود السادات بالمعلومات حول تعزيزات إسرائيلية، على الحدود مع سوريا يوم 12 مايو أيار، وليس يوم 13 مايو كما تم التأكيد عليه قبلا(39). إقرار المكتب السياسي الذي كشف النقاب عنه مؤخرا، والذي لم يذكر برجنيف تاريخاً محدداً له، لابد أن يكون قد سبق ذلك. ولا يمكن أن يكون قد نجم عن التهديد الإسرائيلي المزعوم. إضافة إلى ذلك، هناك ما يؤكد أن السفارة السوفيتية في القاهرة أعدت يوم 11 مايو أيار روايتها حول استعدادات تم القيام بها في 11 مايو (بالتأكيد بأوامر من موسكو)، لحرب واقعة لا محالة بين مصر واسرائيل(40). وبما أن قرار تحذير مصر قد طرح على المكتب السياسي للمصادقة عليه، فمعنى ذلك أن هذا الأمر يحظى بأهمية تخطيطية استراتيجية بالغة الأهمية. فاختصاصات المكتب السياسي وسلطاته حسب مصدر داخلي، هي اتخاذ القرارات المتعلقة بالأعمال العسكرية واسعة النطاق فقط(41)، ولكن هل اتخذ قرار المكتب السياسي هذا عن وعي كامل، بأنه سيؤدي إلى حرب وبهدف تحقيق مثل هذه النتيجة؟ إذا ما أخذت طبيعة ومدى الإستعدادات العسكرية السوفيتية التي اتخذت قبل اشعال الإتحاد السوفيتي فتيل الأزمة، وفي ضوء ما أخذ يتكشف عنها من خلال شهود معاصرين، يتبين أن ذلك هو الذي حدث بالفعل(42). حاول بيرلن في مذكراته التقليل من شأن الخطوة السوفيتية: حدة التوتر تزداد في الشرق الأوسط يوما بعد يوم، وبوتيرة متسارعة والمعلومات والرسائل السرية التي أوصلناها للرئيس المصري، كانت رسالة عادية، وهي واحدة من عشرات الإتصالات التي نقلت اليهم(43). بيد أن هذا الوصف يتناقض مع ما صرح به بيرلن لباحثين في هيئة الإذاعة البريطانية بي .بي .سي، الذين كانوا يعدون عام 1967 فيلماً وثائقياً للصراع العربي-الإسرائيلي، (قال سمينوف وبحضور مترجم أنه لم يبلغ السادات من اجل معلوماته الشخصية، وإنما من أجل نقلها إلى عبد الناصر. وكان من المفترض أن يتخذ الجانب المصري خطوات مناسبة)(44). حسب تقدير السادات، فإن معلومات سمينوف حول حشد عشرة ألوية إسرائيلية على امتداد الجبهة السورية، كانت كافية لأن يهرول مسرعاً عائداً إلى القاهرة بعد منتصف ليل يوم 13 مايو أيار ليتوجه على الفور من المطار إلى مقر إقامة عبد الناصر لإبلاغه بالأمر، بيد انه وجد الرئيس في اجتماع مغلق مع عبد الحكيم عامر نائب الرئيس، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فعلم فيما بعد أن الإتحاد السوفيتي قد ابلغ عبد الناصر بالأمر عبر قنوات أخرى أيضاً(45). كانت التقديرات من وراء التحذير السوفيتي الحصول على نتيجة معينة، وقد اتخذت جميع الإحتياطات لضمان قيام مصر بكافة الخطوات "المناسبة والضرورية" التي نصحها بها الإتحاد السوفيتي، وتوقع أن تقوم بها. يبدو أن الدبلوماسي المصري بسيوني حاول التهرب من ذلك، عندما قال "الحقيقة أن التقرير وصلنا، ولا يهم أن كان بتعليمات أم لا"(46). وكما يؤكد خطاب برجنيف، لقد ابلغتنا حكومتي الجمهورية العربية المتحدة وسوريا فوراً، أنهما بصدد اتخاذ جميع الخطوات على الصعيد العسكري، وأن قواتهما وضعتا في حالة استنفار قصوى(47). تشير المعلومات السوفيتية الرسمية الأخيرة، بشكل لا لبس فيه أن القيادة السوفيتية كانت على علم مسبق بالإستعدادات للحرب(48).

يقول بيرلن، أنه قبل ثلاثة أسابيع من الحرب "أمر العديد من موظفي وزارة الخارجية بإعداد وثيقة تتضمن تقييماً لحرب بين إسرائيل ومصر، كما لو كانت هذه الحرب حدثت وانتهت بالفعل. مثل هذا الأمر لا يصدر إلا من قيادة الحزب فقط. و كان هناك رأي مجمع عليه بالتنسيق مع الكي-جي-بي، والإستخبارات العسكرية، وهو أن الحرب ستنتهي دون انتصار أي من الطرفين(49). في اشارة إلى أن أي تدخل سوفيتي ولو محدود سيقلب الموازين لصالح العرب لم يسهب برجنيف في خطابه إلى ماهية الإجراءات التي نصحت القيادة السوفيتية كلا من مصر وسوريا بإتخاذها. وكما حدث بالفعل فقد اتخذت مصر ثلاث خطوات: يوم 14 مايو، بدأت قواتها تتدفق على سيناء، يوم 16 مايو طلب من القوات الدولية ترك مواقعها على امتداد الحدود، يوم 22 مايو، أعلن عبد الناصر عن اغلاق مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. تجاهل برجنيف في خطابه الخطوة الأولى أما بالنسبة للخطوتين التاليتين، فقد حرص على التقليل من أي تواطؤ سوفيتي.

مما ينبغي أن اقوله، هو أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة اتخذت سلسلة من الخطوات التي لم يتم دراستها حتى النهاية، فقد كانت مفاجأة تامة لنا حين طلبت حكومة الجمهورية العربية سحب القوات الدولية من خط الهدنة. في 19 مايو لم تتشاور حكومة الجمهورية العربية المتحدة معنا حول هذه الخطوة الأخيرة، التي قد تفسر في ظل تطور الوضع على أنها خطوة تصعيدية. ..( يوم 25 مايو) شرح لنا الرئيس عبد الناصر عبر سفيرنا، أن الوضع في الشرق الأوسط قد تحسن، نتيجة للخطوات الحازمة التي اتخذتها قيادة الجمهورية العربية المتحدة. في الوقت نفسه تم ابلاغ السفير، وكأمر واقع، أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة قد أغلقت مضيق العقبة بوجه السفن الإسرائيلية وبوجه السفن التابعة لدول أخرى، والتي تحمل مواد استراتيجية لإسرائيل. أعيد وأكرر بأنه لم يتم إبلاغ الحكومة السوفيتية مسبقاً  بهذه الخطوة الهامة التي أدت إلى نتائج خطيرة(50)".

تُرى، هل كانت الردود المصرية الأولية على التحذير السوفيتي (نقل قوات إلى سيناء وطرد القوات الدولية وإغلاق المضائق)، قد تمت بالتخطيط وبالتنسيق فعلا مع موسكو؟، يقول كبار المحللين الغربيين المعاصرين، أنهم وجدوا أدلة متضاربة(51). فردة الفعل السوفيتية على هذه الخطوات حدت بأحد الدبلوماسيين الأمريكيين لأن يعلق على ذلك يوم 26 مايو قائلا، يبدو في الأغلب أن الإتحاد السوفيتي كان على علم مسبق بالأزمة القادمة، لأن برجنيف طلب يوم 24 ابريل سحب الأسطول السادس من مياه البحر الأبيض المتوسط(52). يقول السفير الأمريكي في موسكو أنه طلب من مصدرٍ سوفيتيٍ موثوق، أن يجيب بصراحة عما إذا كان السوفييت على علم مسبق بالخطوة المصرية، أي إغلاق خليج العقبة، شعر المصدر بالحرج..... وبعد سكوت طويل رد بأنه يعتقد بأن عبد الناصر قد تصرف من تلقاء نفسه(53). أحد الدبلوماسيين السوفييت الذي طلب عدم ذكر اسمه، اعترف لصحيفة لي نوفيل ابزيرفاتور في أوائل يوليو تموز 1967، بأنه كان هناك نوع من التواطؤ، لقد وضع الرئيس عبد الناصر الجيش المصري على حدود سيناء مع إسرائيل بالإتفاق مع الإتحاد السوفيتي لمنع أي هجوم إسرائيلي على سوريا. أما بالنسبة للقرارين الخطيرين الآخرين، وهما الطلب بإخلاء القوات الدولية وإغلاق المضائق، فقد اتخذهما ناصر بمفرده ولم يبلغنا بهما إلا فيما بعد(54).

لازالت المصادر الروسية، متكتمة على هذا الأمر، لغاية الآن. لم يكن هناك أي رد فعل من قبل القيادة السوفيتية، ولا بأي حال من الأحوال على اغلاق مصر مضيقي العقبة وتيران لأنها لم تكن راغبة في ازعاج عبد الناصر كما يقول بيرلن في مذكراته. المثير للإهتمام أن بيرلن أفرط في استخدام أدلة قانونية (بما في ذلك احصائيات تجارية إسرائيلية)، كان السوفيت جاهزين لنشرها فور إعلان عبد الناصر كي يثبتوا أن اغلاق المضيق لا يشكل ذريعة شرعية لإسرائيل لشن الحرب. بيد أن بيرلن يدعي من ناحية أخرى أن السوفييت ما كانوا ليوافقوا على ذلك، لو أن عبد الناصر استشارهم في الأمر(55)، قبلها كان نائب وزير الخارجية جورجي كورنييكو الذي كان آنذاك عضواً بارزاً في قسم الشؤون المصرية في وزارة الخارجية السوفيتية، قد أعطى تفسيرات متضاربة، فهو من ناحية يدعي انه لم تجرِ أي مشاورات بين القاهرة وموسكو حول سحب القوات الدولية العاملة هناك، ولا حول مسألة اغلاق المضيقين، ونسب انعدام معارضة السوفييت لسحب القوات الدولية لكون "الوضع اخذ يتطور بسرعة كبيرة لدرجة أنه لم يسمح لآلة البيروقراطية السوفيتية كي تعمل على النحو المطلوب، ومن ناحية أخرى، فهو يعرض اعتبارات أيدلوجية وسياسية للتضامن بشكل عام...وليس فيما يتعلق بهذه القضية فحسب(56). غير أن التواطؤ السوفيتي مع الخطوات الأولية التي اتخذتها مصر يتضح بعد أن رأى عبد الناصر انه بات من الضروري جداً الحصول على موافقة سوفيتية على زيادة تصعيد الوضع وتوجيه ضربة وقائية لإسرائيل (من خلال زيارة بدران للكرملين في 25-28 مايو أيار). إن الخطة التي تتضمن إجراءين اثنين من الإجراءات المصرية الأولية، (سحب القوات الدولية وإغلاق المضائق)، كانت قد أرسلت إلى عبد الناصر من قبل المشير عبد الحكيم عامر، أثناء زيارته للباكستان في أوائل ديسمبر من عام 1966(57).  تألف الوفد المصري للباكستان من عبد الحكيم عامر، وشمس بدران، ورئيس المخابرات صلاح نصر، وكانوا قد وصلوا إلى هناك بعد أسبوع من محادثاتهم في موسكو مع القيادة العسكرية السوفيتية، وعلى رأسها وزير الدفاع غرشكو. في عام 1975 خلص المحلل الإسرائيلي في الشؤون الإقليمية افرهام تسور، بعد تحليله لوثائق عربية وسوفيتية وتقارير صحفية، أن غرشكو ورغم انه لم يشر مباشرة إلى هذه القضية خلال لقاءه بالضيوف المصريين، فقد وفر الحافز لتنفيذها(58).في 18 ابريل أبلغ عبد الناصر، كما يقول تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي، أي ، ايه، احد الدبلوماسيين المصريين الكبار، عن رغبته الخاصة بسحب القوات الدولية من سيناء وإغلاق المضائق(59). وبينما يسرد بن تسور أدلة مقنعة على تأليف غرشكو لخطة عامر، فقد يبدو أن تطويرها قد تم تبنيه كجزء من سياسة المكتب السياسي قبل قرار منتصف مايو الخاص بالبدء بتنفيذها. فحينما قام وزير الخارجية السوفيتي بزيارة مفاجئة للقاهرة في الأسبوع الأخير من مارس آذار، لم يتسرب للصحافة المصرية تفاصيل حول الزيارة، إلا شيء واحد وهو، أن غرميكو سيناقش أيضا مشاكل قوات حفظ السلام الدولية في غزة(60). غير انه في خضم الأزمة، أسر المسؤول الثاني في السفارة المصرية في موسكو، لنظيره الأمريكي هدف زيارة غرميكو للقاهرة وهو "منح عبد الناصر التزاما أقوى مما توقعه احد وهو ..أن غياب الموافقة السوفيتية على موقف الجمهورية العربية المتحدة بالنسبة للعقبة لا تعني كثيرا، كون السوفييت يدعمون ويؤيدون الجمهورية، بوسائل أخرى(61). ووفقا لأحد أعضاء الوفد المرافق لغرميكو آنذاك فإن غرميكو لم يحل أي مشكلة مهما بلغت بساطتها لأنه ما كان ينفذ قرار أو يبدي رأيا دون الحصول على موافقة المكتب السياسي أولا(62). في الواقع أبلغ غرميكو المصريين انه جاء ليس بصفته وزيرا للخارجية بل كونه عضو مرشح للمكتب السياسي .....فالعلاقات السوفيتية المصرية، كانت على قدر كبير من الأهمية لدرجة أنها ظلت ضمن اختصاص المكتب السياسي(63). رئيس بلدية موسكو نيكولاي يغورتشيف كان ثاني شخصية رفيعة المستوى تزور مصر (11-26 ابريل)، بدعوة من الإتحاد الإشتراكي العربي وهو حزب عبد الناصر، والمضيف كان نظير يغورتشيف رئيس الإتحاد العربي في القاهرة ورئيس أركان عبد الناصر. رفض يغورتشيف، في حديثه مع الكاتبة، مناقشة فحوى الوثيقة السرية التي قدمها للجنة المركزية، كما نفى فيما بعد صحة تقارير لاحقة، تحدثت عن تأييده لتقديم دعم عسكري مباشر لمصر وسوريا أثناء الحرب(64).

بيد أن الجدير بالإهتمام هو ما أشار اليه عبد الناصر يوم 26 مايو عندما قال: "لقد خولت من قبل اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الإشتراكي العربي بتنفيذ الخطة (نقل قوات إلى سيناء وسحب القوات الدولية وإغلاق المضائق)، في الوقت المناسب. وقد جاء الوقت المناسب حين تم تهديد سوريا بالإعتداء عليها(65). تم فصل يغور تشيف من عضوية اللجنة المركزية بعيد جلسة حزيران التي تعدي فيها على مجال اختصاص الأمين العام عندما سأل، عما إذا كانت هزيمة حلفاء الإتحاد السوفيتي العرب ستضفي شكوكا حول قدرته على الدفاع عن الأراضي السوفيتية(66). يؤكد برجنيف في خطابه أنه وبعد الخطوات المصرية: فعلنا أيها الرفاق في الأمم المتحدة كل ما هو مطلوب أن نفعله في سبيل تخفيف وطأة الضغط الذي تمارسه القوى العظمى الغربية على الجمهورية العربية المتحدة، فيما يتعلق بقضية حرية الملاحة في خليج العقبة، وفي سبيل إحباط خطط الإستفزاز العسكري ضد مصر(67).

حقيقة الأمر هي أن فيدورنيكو (الممثل السوفيتي في الأمم المتحدة)، عمل جاهدا على افشال كل اقتراح برفع الإغلاق (حتى في مجلس الأمن) لدرجة أن نظيريه الكندي والدانماركي أبلغاه، أنه يراودهما شعور بان الإتحاد السوفيتي يمارس لعبة تتيح تطور الأزمة إلى حد يرغم إسرائيل على التصرف(68).

هنا بدأت الأمور وكأنها بلغت ذروة التنسيق المسبق مع مصر، ثم ما لبثت أن أشرفت على التدخل بالكامل يوم 25 مايو، عندما وصل بدران إلى موسكو سعيا للحصول على موافقة موسكو على قيام مصر بتوجيه الضربة العسكرية الأولى لإسرائيل. وصف برجنيف مهمة بدران خلال خطاب القاه بعد شهر من ذلك، بأنها إقتصرت على مجرد "طلب مساعدات عسكرية كانت قد تقدمت به القيادة المصرية للجنة المركزية، وأنه تم قبول طلب تقديم موعد الإمدادات العسكرية المزمعة أصلا في 1968-1969، على أن يتم البدء بتسليمها في شهر حزيران(69). بيد أن مشاركاً حضر تلك الإجتماعات وهو بافل اكوبوف، وهو مسؤول في قسم الشؤون المصرية في وزارة الخارجية السوفيتية، نفى ذلك قائلاً: بالنسبة لطلب المصريين لم يتم اثارة القضية بتاتاً. وحسب روايته، فقد أطلع بدران القيادة السوفيتية على طلب عبد الناصر الموافقة على إجراءات وقائية...ضربات مسبقة تمنع إسرائيل من القيام بتوجيه الضربة الأولى، واستمر تبادل الآراء ليومين آخرين، جرى فيه نقاش حامي الوطيس إلى أن قبل عبد الناصر في نهاية المطاف برأي القيادة السوفيتية(70).

أوضح برجنيف في خطابه، أن القيادة السوفيتية بعثت يوم 26 مايو برسالة إلى عبد الناصر، "تحدثت فيها عن ضرورة بذل كل ما هو مستطاع لتجنب نزاع عسكري"(71). وقد يكون ذلك اشارة إلى المحادثات مع بدران التي صورها المتحدثون السوفييت فيما بعد، على أنها محاولة لإبعاد المصريين عن أي عمل عسكري.

أبلغ بوتتس الكاتبة، بأن كوسيغن قال "أن هذه المحادثات انتهت بردة فعل ممزوجة بالمرارة من قبل بدران الذي تلقى برقية من عبد الناصر يقول فيها، إذا لم يؤيدنا أصدقاؤنا السوفييت وعارضونا، فلن يكون أمامنا خيار(72). غير أن برجنيف نوه لدى تلقيه الرسالة المذكورة أن عبد الناصر أعرب عن موافقته التامة على الإعتبارات السوفيتية التي وردت فيها، وأوضح لسفيرنا، أن مصر لن تكون المبادرة للصراع المسلح(73).

أكد جمال عبد الناصر في الحادي والثلاثين من مايو والأول من حزيران، لروبرت أندرسون وزير الخزانة السابق ومبعوث الرئيس الأمريكي جونسون، أنه سينتظر حين يتحرك الإسرائيليون(74). يقول اكويوف معلقا على المحادثات مع بدران، أول شيء علق عليه كوسيغين وجهر به بدون أي تكلف دبلوماسي، هو أننا أي الإتحاد السوفيتي لن نمنحكم موافقتنا على توجيه ضربة مسبقة لإسرائيل. هذا يتنافى مع سياستنا ومواقفنا، ستكونون في موقف المعتدي، وعندئذ لن نمد يد العون لكم، إذا ما بدأتم بالهجوم(75).

يؤكد التاريخ العسكري الروسي الحديث، أن الهجوم العربي لم يلغ بإلحاح من الإتحاد السوفيتي، بل أعيد إلى نسخته الأصلية كهجوم مضاد. خطط العرب للبدء بالهجوم، لكن بسبب اختلاف الآراء داخل قياداتهم ( وربما بسبب تأثير الإتحاد السوفيتي)، أرجئ تاريخ البدء بالأعمال الحاسمة. كان الخبراء السوفيت مع الرأي القائل بأنه في سياق الحرب المرتقبة فإن الطرف الذي سيبدأ الحرب سيلعب دوراً هاماً(76).

يقول اكوبوف، من المحتمل أن يكون كوسغين قد أبلغ المكتب السياسي لأن المسألة هي مسألة حرب وسلام، ومن الطبيعي أن تكون مشاركتنا قد نوقشت في المكتب السياسي(77).وبينما كانت المحادثات تجري مع بدران على قدم وساق، بعث كوسيغن برسالتين (لابد أن الموافقة عليهما قد تمت في المكتب السياسي)، إلى كل من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني، يطمئنهما أن الإجراءات التي اتخذها الجانب العربي هي ذات طبيعة دفاعية بحتة. لكنه حذر في نفس الوقت من انه إذا اعتدت إسرائيل وبادرت إلى عمل عسكري فإننا حينئذ سنقدم المساعدة.. للمعتدى عليهم(78).

لم يذكر برجنيف في خطابه إلا الرسالة التي بعث بها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول يوم 26 مايو والتي تضمنت تحذيراً موجهاً للحكومة الإسرائيلية من مغبة زيادة حدة التوتر وعدم تصعيد الأوضاع إلى حد "ترك كلمة الفصل للجيوش"، وهذا اصطلاح يبدو أنه مستخدم في مناقشات المكتب السياسي، لأنه مطابق للإصطلاح الذي استخدمه كوسيغن في رسالتيه اللتين بعث بهما للقيادة الغربية(79).

في الساعة الثانية وعشرة دقائق من صباح 27 مايو أيقظ تشوفخين اشكول ليسلمه رسالة كوسيغن، مؤكداً من جديد على الإدعاء السوفيتي الأصلي. طلبت من إشكلو وقف التصعيد ووقف حشد القوات على الحدود مع سوريا والبدء بمفاوضات مع الدول العربية(80).

عرض اشكول في سياق رده على ذلك لقاء القيادة السوفيتية، بيد أن هذا الأمر "ترك بلا دراسة"، كما يقول بيرلن الذي يمضي قائلا، بأن الإتحاد السوفيتي احتاج موافقة عبد الناصر أولا قبل اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي(81). وهذا يعني أن هناك تنسيقا وثيقاً بين السوفييت والقيادة المصرية "الذين حافظوا طوال العام الماضي......، على حوار مباشر ونفذوا بعض المهمات بشكل مباشر أيضاً(82). غير أن الأهم من ذلك كما يقول بيرلن هو أن موظفي وزارة الخارجية لم يتجرؤوا على إقناع القيادة باتخاذ رد أو حل بنّاء. كان يمكن أن نتلقى توبيخاً على ذلك لكن غياب الرد هو رد بحد ذاته(83).

ساد انطباع لدى البيروقراطية السوفيتية، أن القيادة راغبة في إثارة الأزمة لا في منعها. وكان هذا أيضا هو انطباع السفير الأمريكي في موسكو، الذي بعث في اليوم الأخير من زيارة بدران وبناء على تحذير من المستشار السياسي للسفارة المصرية ببرقية يقول فيها، أن الهدف السوفيتي يتجسد في تحويل الصراع العربي الإسرائيلي، إلى صراع بين الشيوعيين والمناهضين لهم حول السيطرة على الشرق الأوسط، وها هم السوفييت ينجحون. إذا انتصر عبد الناصر في هذه المعركة، فستكون نهاية الأنظمة الملكية ونهاية المصالح النفطية الغربية(84). بعد ذلك بسنوات أكد بيرلن أن ذلك كان هدف التطلعات السوفيتية الإستراتيجية: هنا يستطيع الإنسان أن يجزم بأن توزيعة القوى السياسية في الشرق الأوسط، كانت ستتغير بسبب الحرب، و ستسير الأحداث على غرار ما سارت عليه في مرحلة ما بعد حرب عام 1956، عندما اندلعت كل الثورات في العالم العربي وانهارت أنظمة الحكم الموالية للغرب وحلت محلها أنظمة حكم قومية(85).

إن الإختيار المصيري لنوايا القيادة السوفيتية، يكمن في حقيقة استعداداتها لعمل عسكري، والى أن يتم الإطلاع على أسرار الوثائق السوفيتية ذات الصلة المباشرة بهذا الموضوع، وهذا أمر بعيد الإحتمال، فلا يمكن تقدير مجال وفحوى الخطة العملياتية السوفيتية، إلا بإعادة تجميع هذا العدد المتزايد من الروايات المعاصرة التي يدلي بها المشاركون. هذا يعطي مؤشرا على التحركات العسكرية المعقدة والمدروسة التي سبقت وتزامنت مع الجهود الدبلوماسية والسياسية، التي كان الهدف منها دفع مصر إلى استفزاز إسرائيل، للقيام بتوجيه الضربة الأولى كي يتسنى للإتحاد السوفيتي التدخل ومد يد العون للجانب العربي ضد المعتدي.

يسرد مايكل أورن مصادر كثيرة تؤكد، أنه في عام 1966، وفي ظل حرمان مصر من نشر قوات كبيرة في سيناء، لجأ السوفييت إلى ابتكار خطة شاملة لعملية النشر هذه رمز لها بالإسم "الفاتح". وقد كشف النقاب أكثر عن استراتيجية الخطة التي أطلق عليها مصطلح "الدرع والسيف"، وهو شعار الكي-بي-جي، ومن أحد أهم أهدافها، أن تشكل طعما لإستدراج إسرائيل نحو شن هجوم على الجبهة(86).

إن ما يثير الإهتمام أكثر هو أن "الفاتح" أعدت أصلا في الوقت الذي وقعت فيه مصر على معاهدة دفاع مشترك مع سوريا التي استفزها تحذير مايو 1967. لم يتم فحص دور سوريا في إثارة السوفييت لأزمة 1967، على النحو المطلوب، لأن المصادر الروسية، ناهيك عن السورية- تلتزم جانب الصمت التام. وقعت المعاهدة المصرية-السورية في نوفمبر عام 1966، قبل مدة قصيرة من زيارة عبد الحكيم عامر لموسكو. بيد أن الإتحاد السوفيتي بدأ يضغط في سبيل إتمام المعاهدة بعد انقلاب 23 فبراير الذي زج بدمشق في أحضان الإتحاد السوفيتي ، وكان بمثابة اختبار للسياسة الخارجية النشطة التي وضع أطرها مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي بعد أسابيع قليلة من ذلك. تؤكد عقيدة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، على وحدة الإتجاهات الثورية الثلاثة الراهنة- الإشتراكية الدولية ونضال الشعوب المستعبدة في سبيل التحرر القومي والحركة العمالية(87).

في يوم 18 ابريل طار القادة السوريون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع الجديدين إلى موسكو على متن طائرة عسكرية سوفيتية. وفي 2 مايو أيار تم التوقيع على معاهدة بين سوريا والإتحاد السوفيتي(88). وكما جاء في توثيق ولتر لاكوير، فقد اقنع كوسيغن الرئيس عبد الناصر خلال زيارته للقاهرة في (10-18) مايو 1966، بان التوقيع على معاهدة دفاع مشترك بين القاهرة ودمشق (بضمانة موسكو) سيخدم جميع الأطراف المعنية(89).

تؤكد مهمة كوسيغن والخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب المصري يوم 17 مايو أيار، والذي أكد فيه على أهمية "الدور الذي تلعبونه في دعم كفاح الشعوب العربية في سبيل حل القضية الفلسطينية"(90). هذا دليل على أن المكتب السياسي كان يملك رؤية واضحة لما سيأتي. ففي تلك الإثناء كانت الخطة السوفيتية قد بدأت تأخذ شكلها على الأقل من الناحية السياسية، وقد تناسبت هذه الخطة مع التغيير الذي تم في شأن الإستراتيجية الفعالة ضد الولايات المتحدة.

يتذكر اليكسندر بوفين، أحد أعضاء مؤسسة اندربوف، قبل تولى الأخير رئاسة الكي –بي –جي، وكاتب خطابات برجنيف فيما بعد، أنه في "أواسط عام 1966، بدأ ينضج في القيادة السوفيتية نية ترسيخ الأقدام وتخويف الأمريكيين وحشرهم في المكان المناسب لهم(91). وقد تحدث عن هذا الإتجاه السفير السوفيتي في واشنطن آنذاك، اناتولي دوبرنين، حينما قال أن هذا الإتجاه انعكس في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الذي أولي اهتماما اكبراً بالعلاقات السوفيتية-الأميركية، وبالإنتقادات الموجهة للسياسة الأمريكية في فيتنام(92). يشير بن تسور إلى الإجتماعات التي جرت بين القادة العسكريين السوفييت والعرب وغيرهم من الوفود المشاركة في المؤتمر الثالث والعشرين، إلى أنه بعد تلك الإجتماعات مباشرة اندلعت أعمال العنف في جميع الدول التي شاركت في مؤتمر الحزب الشيوعي خلال فترات زمنية متقاربة نسبياً(93). يمكن استقراء الدور السوري والمفهوم الجديد للحزب الشيوعي السوفيتي من خلال الدعاية السوفيتية المباشرة حسب معاييرها المتبعة. عند ممارسة الدبلوماسية السوفيتية، لابد أن يرافق كل خطوة هامة من خطوات السياسة الخارجية عدد من الأعمال الدعائية كنشر المقالات والبيانات والتصريحات التي تدلي بها شخصيات هامة ومنظمات مستقلة تؤيد الموقف السوفيتي، وكذلك توجيه الدعوات لكبار الشخصيات لزيارة موسكو لكيل المديح والثناء على موقف الإتحاد السوفيتي، وكان يطلق على هذه العمليات المكلفة مفهوم التأمين الدعائي أو الدعم الدعائي (94). كانت هذه الحملة قد بدأت يوم 8 أيار في صحيفة ازفستيا التي كتبت ولأول مرة بان سوريا أصبحت محط الإستفزاز والإبتزاز العسكري الإسرائيلي(95). وفي نفس اليوم بعثت وكالة انباء تاس من دمشق ببرقية تذكر فيها ولأول مرة بأنه قد شوهدت في وقت متأخر من اليوم تعزيزات عسكرية إسرائيلية مشبوهة على الحدود مع سوريا(96). هذا التقرير الذي سبق زيارة كوسيغن للقاهرة لم ينشر إلا في صحيفة قرقيزيا المحلية، وكتبت أيضا صحيفة سوفستاكيا وعند عودة كوسيغن من زيارته للقاهرة في 21 أيار، أن حوالي "ثلث الجيش  الإسرائيلي قد نقل مباشرة إلى الحدود مع سوريا بعد استعراض عسكري جاب شوارع حيفا"(97).

في يوم 25 مايو أيار كان أول احتجاج سوفيتي رسمي على الحشودات العسكرية الإسرائيلية، وقد سلمه سمينوف إلى السفير الإسرائيلي في موسكو كاتريل كاتس. وكما يقول باركر "يبدو أن السوفييت كانوا ممتعضين من الحشودات العسكرية الإسرائيلية. لقد أحصت إسرائيل ثمانية تحذيرات سوفيتية قبل أن يضرب التحذير الأخير وتر الحرب(98). إن خير وصف لتلك الأحداث هو الذي قدمه سلمون شوارتس أحد الباحثين الأوائل في هذا الموضوع، الذي قال: أصبحت أسطورة الإستعدادات الإسرائيلية المحمومة لمهاجمة سوريا منذ صيف عام 1966، جزءا لا يتجزأ من الدعاية السوفيتية في الشرق الأوسط(99). كان ذلك حقا أسطورة، ففي صيف عام 1966، لم يكن حجم القوات التي كانت تتولى حماية الخط الدفاعي الإسرائيلي كله من بحيرة طبريا إلى أقصى الشمال يتعدى وحدة من المظليين مدعومة بوحدات مساعدة أخرى(100) رغم كثرة عمليات اطفاء الحرائق المتكررة هناك. لا شك بأن عملية التضليل في مايو 1967، لم تكن إلا مجرد تمرين روتيني، ما لبث أن خرج عن نطاق السيطرة، بيد أن هذا لا يتعدى نطاق التخمين وليس هناك تفسير بديل أفضل من التفسير الذي يقول: أن تكرار هذه التهم مضافاً اليه تزايد البيانات والتصريحات السوفيتية اللاذعة وتشجيع سوريا على القيام بعمل ما (الذي استثار حقا ردا إسرائيليا قويا بلغت ذروته يوم 7 ابريل)، كانت جزءا من تصعيد متعمد، بهدف تهيئة الأجواء لتجهيز مصر للمواجهة العسكرية التي يجري الإعداد لها ودفع إسرائيل إلى الهجوم على مصر أيضا.

وفي 22 ابريل نيسان 1966، ألمح برجنيف في برلين وهو في طريقه لحضور اجتماع قادة الكتلة الشيوعية في كارلوفي فاري، إلى أن هذا التعاظم العسكري الإقليمي يقترب من تحقيق هدفه الكوني: توجيه ضربة إلى الولايات المتحدة عن طريق حليفتها إسرائيل. وابلغ نظيره الألماني الشرقي وولتر ألبريخت والبولندي فلادسوف غومو كان عن ضربة حاسمة، ستوجه قريبا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حتى ولو تمت التضحية بعبد الناصر(101). بعد تحذير منتصف مايو الذي نقل إلى مصر، أخذت الدعاية السوفيتية، تركز على زج الولايات المتحدة في أتون أزمة الشرق الأوسط بتحميل واشنطن مسؤولية ما تقوم به إسرائيل(102) والمتمثل بهجومها على سوريا، وذلك حسب الخطوط العريضة التي ارتكزت عليها عملية مارابو والتي كشف النقاب عنها مؤخراً.

كانت الكاتبة الحالية أول من نشر قبل ثلاث سنوات في مجلة (MERIA) التفاصيل الأولية المتعلقة بالإنزال البحري السوفيتي على الشواطئ الإسرائيلية بمساندة جوية والذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 حزيران، حيث استندت هذه التفاصيل إلى ذكريات أشخاص شاركوا في العملية(103).وردا على نشر هذه الحقائق باللغة الروسية مؤخرا، أضاف الكاتب اليكسندر كسلوف حقيقة لم تؤكد سابقاً، وهي أن قوة الإنزال تضمنت إضافة إلى قطع حربية أخرى عاملة، سفن تقل جنود من سلاح البحرية مجهزين تجهيزا جيدا(104).

بعد نشر النسخة الأصلية ظهرت أدلة أخرى موثقة ودامغة، تشير من بين أشياء أخرى إلى أن تخطيط هذه العملية بدأ قبل منتصف مايو 1967. وفي عامي 1966-1967، ثم التحدث عن هذا الموضوع، في أجزاء غير منشورة من مقابلات صحفية كثيرة أجراها فريق تابع لهيئة الإذاعة البريطانية بي  بي سي، لاعداد سلسلة توثيقية. يقول أحد عملاء المخابرات السوفيتية كي جي بي، الذي أقام في القاهرة في سياق نفيه نية موسكو التدخل في حرب يوم الغفران عام 1973 قائلاً: لم تكن هذه حرب عام 1967، التي كنا نصر فيها ونستعد للقيام بعمل حاسم(105). في هذا الجزء من المقابلة يوضح مسؤول وزارة الخارجية بيرلن قائلا "بالنسبة للإستعداد للغزو أقول نعم صدر الأمر، بيد انه لم يكن هناك أمر بقصف أو مهاجمة إسرائيل، لأن غرشكو ما كان قادراً على إصدار مثل هذا الأمر إلا بقرار من المكتب السياسي"(106).

كانت الإستعدادات لعملية إنزال محتملة أحد ملامح استعدادات حربية بحرية سوفيتية، في البحر الأبيض المتوسط، لم يسبق لها مثيل، وبلغت ذروتها في يناير 1967 عندما زار قائد سلاح البحرية غرشكوف مصر(107). وحسب معايير الإجراءات السوفيتية المتبعة فلابد لأي تحركات سوفيتية على هذا المستوى أن تحظى بموافقة المكتب السياسي:

"استدعاء جزئي أو كامل للإحتياط، نقل قوات كبيرة من مكان لأخر أو بالأحرى من نقطة عسكرية لأخرى، مناورات واسعة النطاق خاصة أنه لم يكن مخطط لها. نشر أو استخدام نوع من أسلحة الدمار الشامل، وضع القوات المسلحة السوفيتية في حالة تأهب وغير ذلك من الأمور(108)". بذلك كان يتعين على المكتب السياسي المصادقة على أول عملية واسعة النطاق، لنقل وحدات بحرية سوفيتية للبحر الأبيض المتوسط في نهاية شهر فبراير، حتى أنها بدأت بعد وقت قصير من زيارة عبد الحكيم عامر لموسكو وبعد زيارة غرشكوف لمصر(109). سحبت السفن من البحر الأسود، علماً بأن اثنين من المشاركين في عملية الإنزال المزمعة ذكرا أن 3 مايو هو تاريخ انطلاق الرحلة من بحر البلطيق إلى البحر المتوسط، و20 مايو من القاعدة القطبية للبحر المتوسط أيضاً(110). وقد تم إرسال غواصة نووية واحدة على الأقل وهي K131 من بحر بيرنس إلى البحر المتوسط عشية الأزمة، وبقرار من القيادة(111). تلقت غواصة نووية أخرى مرابطة في الأسكندرية أوامر بإطلاق صواريخ نووية على إسرائيل في حالة استخدام الأخيرة أسلحة نووية ضد العرب(112). تم أيضا إرسال سفن حربية سوفيتية تحمل أسلحة نووية إلى البحر الأحمر قبل بدء القتال، لأن موسكو كانت تخشى أن تقوم إسرائيل في حالة ما تحولت الحرب إلى غير صالحها إلى استخدام نوع من أسلحة الدمار الشامل التي لم تنف إسرائيل امتلاكها. وقد وصل هذا السرب من السفن يوم 8 حزيران إلى مسافة قريبة من الشواطئ المصرية على البحر الأحمر كنوع من الردع، وخاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على المدمرة الأمريكية ليبرتي(113). بعد وصول 10 سفن من البحر الأسود إلى البحر المتوسط يوم 31 مايو(114)، أصبح الأسطول السوفيتي يتألف من 20 قطعة حربية منها 10 غواصات، وقد وضعت جميعا في حالة تأهب قصوى يوم 1 حزيران(115)، حيث امهلت يوم 4 حزيران 12 ساعة للوصول إلى الإستعداد القتالي الكامل(116). أبلغ قائد وحدة ضبط الإشارة في الجيش الإسرائيلي عام 1967، الكاتبة أن وحدته استطاعت رصد رسائل من 43 سفينة حربية سوفيتية، لكنها لم تستطع فك شفرتها(117). وعلى أية حال، لم تكن هذه الإشارات تكشف أمر عملية الإنزال السوفيتية، كون أوامر الإنزال كانت توجه لقبطان السفن شفويا من على متن سفينة القيادة(118). بالنسبة للمترجمين العسكريين السوفييت الذين يتولون أمور الترجمة من الروسية إلى العربية المقيمين في السفارة السوفيتية في القاهرة، فقد نقلوا إلى الإسكندرية منذ 11 مايو، حيث كان من المفترض أن ينضموا إلى قوات الإنزال، للإتصال بعرب إسرائيليين(119). وحيث أن أجهزة الإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية لم تكشف أمر هذه الإستعدادات، سوى التي تبثها بالإشارات، فإن هذا يدحض المحاولات السوفيتية والروسية اللاحقة لعرض هذه العملية على أنها مجرد ردع محض. ونفس الشيء ينطبق على أمر رفع درجة حالة الإستعداد القصوى الذي تم توجيهه، كما يقول بيرلن، للقوات الجوية والبرية السوفيتية العاملة في القوقاز، وفي بحر قزوين، وجمعيها مناطق قريبة من الشرق الأوسط. ويدعي بيرلن: بما أن حالة الإستعداد القتالي قد رفعت في هذه المناطق، فمعنى ذلك وكما هو معروف من خلال الإستنتاجات التي تم التوصل إليها، أننا كنا إما على وشك المبادرة إلى خطوات عسكرية وإما لمجرد استعراض للقوة(120). مع ذلك ليس هناك أي دليل يثبت بأن الولايات المتحدة أو أي دولة غربية أخرى كانت على علم بذلك.

في يوم الأحد الرابع من حزيران، صدرت في أوكرانيا أوامر شفوية بنشر سرب من القاذفات الإستراتيجية في أقصى الطرف الجنوبي من الإتحاد السوفيتي، كي يتسنى لها الوصول إلى سيناء بأقصى سرعة، وإذا ما استثنى الأمر الأول، تكون جميع الأوامر قد صدرت من موسكو على الهاتف لتوفير الوقت الذي يستلزمه فك الشفرة، حسب ما قاله قائد سلاح الجو الجنرال احتياطي فاسيلي رشتنكوف: قبل ذلك بيوم واحد، كان الطيارون قد أوكلت اليهم أهداف في إسرائيل تم تحديدها مسبقاً، حددت لنا الأهداف التي سنضربها، حيث تم تأشيرها على الخارطة وكنا معنيين بشكل واضح بأنظمة الدفاع المضاد للطائرات وبأنظمة صواريخ هوك(121).

لا شك أن الإشارة إلى الصواريخ الأمريكية المضادة للطائرات التي بحوزة إسرائيل، ربما جاء بهدف ربط الخطط العملياتية السوفيتية بأحد أهم ما يثير قلق الإتحاد السوفيتي، وهو القدرات النووية الإسرائيلية. تم نشر بطارية صواريخ هوك لأول مرة عام 1965، حول مفاعل ديمونا النووي(122). وهنا يتذكر احد أفراد المخابرات السوفيتية الذي كان يقيم في إسرائيل قبل عام 1967 انه تلقى أوامر بفحص مدى مصداقية المعلومات المتعلقة بتقدم العمل الجاري في إسرائيل لإنتاج أسلحة نووية(123). ذكر اسم ديمونا على الأقل في مناسبتين، حيث كان المفاعل هدفا لصور جوية التقطتها طائرات استطلاع مصرية حلقت على ارتفاع شاهق لدرجة أن صواريخ هوك لم تحاول أو فشلت في اعتراضها.

كتب المؤرخ العسكري السوفيتي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الكولونيل فاليري يارمنكو يقول: إن عدم رد اسرائيل على ذلك دفع بعبد الناصر ورئيس اركانه المشير عبد الحكيم عامر، إلى اتخاذ قرار سري جداً بتدمير المفاعل النووي الإسرائيلي قبل تمكنه من انتاج أسلحة نووية. بدأت طلعات جوية تدريبية مكثفة بقصف حي لمجسم ضخم على هيئة مفاعل ديمونا وضع في الصحراء المصرية، في أوائل حزيران(124). يقول الدبلوماسي المصري تحسين بشير، في معرض دفاعه عن عبد الناصر آنذاك: لقد أساء تقدير الأمور جداً، بيد انه أراد إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية(125). يؤكد يارمنكو أن موسكو ظلت مراقبا سلبيا لهذه الأنشطة، لكنه يضيف، حسب رأي وزير الخارجية آنذاك فإن اندلاع حرب نووية في الشرق الأوسط سيكون في صالح الإتحاد السوفيتي(126). ونقل عن غروميكو قوله لأفراد حاشيته بعد 14 عاما من ذلك: لقد أصدر عبد الحكيم عامر، ذلك الشخص الحازم والعدواني، أمراً بقصف مفاعل ديمونا وأهداف أخرى هامة في الأراضي الإسرائيلية، لكن بتوصية منا تم إلغاء الأمر. إدعى غرميكو حسب صاحب مصدر هذه الرواية، وهو الدبلوماسي السوفيتي اوليغ غرنفسكي انه، لم يكن للقيادة السوفيتية آنذاك علم بنية المصريين القضاء على القدرات النووية الإسرائيلية، كل ما عرفناه هو وجود نية بتوجيه ضربة مفاجئة لمواقع هامة داخل الأراضي الإسرائيلية بشكل عام دون تحديد. ولهذا بعثنا برسالة لعبد الناصر، نصر فيها بحزم على عدم المبادرة للحرب. ولو كنا نعلم أن الهدف الرئيسي للهجوم هو القدرات النووية الإسرائيلية لما عملت على إقناع عبد الناصر بعدم تنفيذ الهجوم(127). مع ذلك يقول اكوبوف، أن بدران أفشى لكوسيغن بتفاصيل الأهداف المقترحة من قبل عبد الحكيم عامر حينما سأله كوسيغن عنها(128). وبما أن جميع الطلعات الجوية الإستطلاعية التجسسية في عمق الأراضي الإسرائيلية التي تمت في السنوات اللاحقة لصالح المصريين من قبل طائرات تجسس سوفيتية وكوادر سوفيتية(129)، فإنه من غير المعقول أن السوفييت لم يكونوا على علم بالمهمات المتعلقة بمفاعل ديمونا. يجدر في هذا السياق التنويه إلى أن الإتحاد السوفيتي قام في ابريل عام 1967 بتسليم المصريين 15 قاذفة سوفيتية من طراز سوخوي 7، بيد أنه لم يكن للمصرين الوقت الكافي للتدرب عليها جيدا(130). يشير تصريح غرميكو بالفعل إلى أنه كان هناك مصلحة سوفيتية حقيقية في القضاء على مفاعل ديمونا حسب ما ورد في رواية رشتنكوف.

وبما أن موسكو، كانت تتعامل مع الحرب المقبلة في سياق الحرب الباردة، فهي لم توفر جهداً في سبيل إظهار تلك الحرب على أنها صراع محلي ولتمويه مشاركتها فيها. كان هناك تحذير شديد من مغبة أي خسائر لأن خسارة أي طائرة سيكشف فورا أمر الطيران السوفيتي، ولمنع اكتشاف أمر أي تدخل جوي سوفيتي، فقد سحبت جميع الوثائق من الطيارين خشية سقوط طائرة واحتراقها في الصحراء(131). كان الهدف هو ترك الآخرين يفكرون ويخمنون من الذي سقط، ولماذا يا ترى هم هناك وما الذي حدث(132). يقول رشتنكوف: عملنا تحت العلم المصري. كان هناك مشاكل لوجستية تتمثل في إعادة طلاء الطائرات بالألوان المصرية لأنه "لم يكن احد يعرف ماذا ينبغي أن تشبه هذه الإشارات. وبما أن يوم الأحد كان عطلة رسمية، فقد كان من الصعب جداً الحصول على الطلاء والمصانع مغلقة فضلا عن أننا كنا بحاجة إلى وقت كي يتسنى جفاف الطلاء. وفي الواقع كنا نضع الألوان ونطير فوراً وكانت الطائرات الجديدة جاهزة للإقلاع أيضاً(133). عندما كانت المجموعة الأولى جاهزة في المطار للإنطلاق تلقى رشتنكوف أمرا بالإنتظار، إلى أن يتم إصدار أوامر أخرى(134). لم يكن بإستطاعة غرشكو في عامي 1967 و1973 إصدار الأمر بدون قرار من برجنيف(135). كما يقول بيرلن الذي كان يساوي بين المكتب السياسي والسكرتير العام(136).

كان على المكتب السياسي المصادقة على الإستعدادات والمراحل التمهيدية، منذ بدئها وحتى تنفيذها الفعلي، ولم تكن موافقته في منتصف مايو على نقل التحذير إلى مصر إلا استمرارا لهذا النهج، وكان ينبغي عليه أيضا المصادقة على خطوات علنية هامة قام بها برجنيف وهي مطالبة الولايات المتحدة يوم 24 ابريل في كارلوف فاري، بسحب أسطولها السادس من مياه البحر المتوسط. وقد تحقق ذلك عند بدء الحرب عندما سحب الإسطول السادس غرباً بهدف دحض الإدعاءات العربية بأن الطائرات الأمريكية تساعد في الهجوم الجوي الإسرائيلي. منذ ذلك الوقت ولغاية العاشر من حزيران، تمتع سلاح البحرية السوفيتية باحتكار الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط لتوفير أفضل الظروف التي ارادها برجنيف لتنفيذ التدخل المزمع.

لا يتسع مجال هذا التقرير لسرد كافة تسلسل الأحداث التي حالت دون تنفيذ العملية السوفيتية لصالح مصر في الأيام الأولى من الحرب، ولا لوقت الهجوم الإسرائيلي اللاحق على سوريا. ولكن ما ينبغي الإشارة اليه، هو أن خطاب برجنيف يؤكد لأول مرة في وثيقة سوفيتية رسمية أن الخطوة الأخيرة تمت بالفعل. ففي 10 حزيران، تلقت جميع السفن الحربية السوفيتية العاملة في البحر الأبيض المتوسط، بما فيها قاذفات الصواريخ أمرا بالتوجه بمرافقة الغواصات إلى الشواطئ السورية(137).  ومع انه لا يتوفر أي دليل مباشر على مشاركة برجنيف وغرشكو شخصيا في تخطيط عملية الإنزال البحري، فإن تأليفهما المشترك لهذا المشروع يبدو جلياً وواضحاً. فلننظر في الرواية التالية حول هذه العملية:

"الإنزال من البحر، سيكون بمثابة مفاجئة تامة، فك شفرة الخطة من قبل العدو قد يحكم عليها بالفشل. لذلك تتمثل المهمة الأولى بتأمين جانب السرية المطلقة، منعنا أي مراسلات تتعلق بالخطة. ولتطويرها تم تجنيد دائرة محكمة للغاية بعدد قليل جدا من الأشخاص. ولكي لا يتم الإفشاء عن نوايانا تمت عملية جمع المعلومات الإستخبارية على امتداد جبهة واسعة. مهمة تضليل الخصم جرت على قدم وساق على أساس أن العملية ستتم في مكان آخر"(138).

ينطبق هذا الوصف انطباقا كاملا على العملية السوفيتية في البحر الأبيض المتوسط عام 1967، حيث صدرت جميع أوامر الإنزال شفوياً. لم يكن أحد يعلم بموعد تنفيذ العملية إلا قباطنة السفن الذين لم يعلموا إلا ساعة التنفيذ، كما لوحظ سكونا تاماً في الإتصالات بالراديو فضلا عن استخدام التشويش. بيد أن هذه الفقرة تشير إلى عملية الإنزال في نوفر روسيك على شواطئ البحر الأسود، إبان الحرب العالمية الثانية، وقد اقتبست من مذكرات برجنيف التي تحدّث فيها عن خدمته كضابط سياسي في الجيش الثامن عشر، حيث حصل هو وضابط القيادة غرشكو على وسام تقدير على هذه العملية الناجحة(139).

يبدو أن رفيقي السلاح القدامى عادا عام 1967 إلى ذكريات الإنتصارات البطولية تلك. كان هناك ميل من جانب برجنيف إلى دمج الحربين في سياق واحد بدليل، استخدامه مصطلح "الخونة" في الخطاب الذي ألقاه في حزيران 1967، لوصف الهجوم الإسرائيلي، علما بأن هذا الوصف عادة ما كان يستخدم في الخطاب السياسي السوفيتي لوصف الهجوم الألماني على الإتحاد السوفيتي عام 1941(140). فعملية الإنزال لم تكن شيئاً جديدا، بالنسبة للقيادة العسكرية السوفيتية، ففي عام 1969، تم وضع خطة لتنفيذ مثل هذا الهجوم للإستيلاء على العاصمة الصينية بكين باستخدام قوات مظلية بعد سلسلة المناوشات على الحدود بين الصين والإتحاد السوفيتي(141).

بالنسبة لغرشكو فإن تصنيف يغور تشيف له كجندي فظ، قد نبع من الروايات التي تقول بأن عنجهيته وتقلبه وفظاظته ووقاحته بلغت حد اقتراح غزو أوروبا الغربية انتقاما لإنهزام الإتحاد السوفيتي في أزمة كوبا عام 1962. أخذ غرشكو يميل إلى نوع من الإعتدال بعد أن تمت ترقيته إلى منصب وزاري، لكنه لم يترك الحديث عن عظمة وقوة القوات المسلحة السوفيتية(142). وإذا نظرنا إلى تجارب غرشكو أيام الشباب وخدمته العسكرية، ابان الحرب الأهلية وبعدها وعمله في جيش سمينوف بديوني المشهور بسوء الصيت والسمعة، والمناهض للسامية، فعندئذ لا نفاجأ عندما نراه حتى بعد أن أصبح وزيراً يلوح بقبضته مهددا بالقضاء على الإمبريالية والصهيونية(143). يقول ضابط سوفيتي سابق كان في عام 1967، على وشك التخرج من الكلية الحربية. "في النصف الثاني من عام 1967، أخذت الأوضاع في الشرق الأوسط بالتدهور وأصبحت الحرب بين الدول العربية وإسرائيل واقعة لا محالة بل وشيكة. كانت نتيجة الحرب مقررة سلفا، كما توقع كل إنسان في الإتحاد السوفيتي، فلأجل منع الغرب من القدوم للدفاع عن إسرائيل، رفعت حالة التأهب القتالي ولكي يعي الضباط والكوادر ذو الرتب الرفيعة حقيقة الأمور، تلى عليهم بيان وزير الدفاع المارشال غرشكو الذي جاء فيه: الذكرى السنوية الخمسين لثورة أكتوبر الإشتراكية الكبرى ستكون آخر ذكرى لوجود دولة إسرائيل"(144).

ومع أن هدف تدمير إسرائيل، لم يكن هدفا رسمياً واضحاً في السياسة السوفيتية، فقد كثرت الحالات التي دلت على أن هذه الفكرة طغت على الفكر والخطاب السياسي السوفيتي، ولاسيما على عقول القادة العسكريين، ومن أحد الأمثلة على هذا التسييس، ما جاء في مذكرات ضابط سوفيتي أرسل إلى مصر بعد اندلاع الحرب بوقت قصير. لقد قرر العرب إعادة إنشاء فلسطين على المنطقة التي كانت محتلة من قبل إسرائيل. وتحقيقا لهذا الهدف نشر العرب وعلى رأسهم عبد الناصر قواتهم المسلحة معتمدين على مساعدة الإتحاد السوفيتي(145). وفيما كان السفير تشوفاخين يؤكد لإشكول أن نوايا الإتحاد السوفيتي سلمية، إذا لم تبادر إسرائيل للهجوم، فقد كان أكثر صراحة ووضوحاً مع رئيس الحزب الشيوعي الإسرائيلي د.موشيه سنيه، حينما قال له، لن تستغرق هذه الحرب أكثر من 24 ساعة، بعدها لن يكون هناك أي اثر لدولة إسرائيل(146).مع ذلك، يتذكر اكوبوف، أن زملاءه السياسيين كانوا يشككون في جدوى هذا الهدف: لو كنا حددنا هدف الهجوم وهو تحرير أراضي احتلت مسبقا لكنا قد قيمنا الأمور على نحو مختلف. نحن في وزارة الخارجية كنا نعتقد أن الجيش المصري غير قادر على تنفيذ عمليات من هذا النوع. أما العسكريين فقد ظنوا أن الجيش المصري يستطيع أن يؤدي المهمة(147). إن مصطلح، أراضي احتلت سابقا، ينطبق على كل اسرائيل ما قبل عام 1967، أو على الأقل تلك الأجزاء التي حددها قرار التقسيم عام 1947، للدولة اليهودية. لم تعترف السياسة الرسمية السوفيتية بخطوط الهدنة لعام 1947، كحدود بين إسرائيل وجيرانها العرب(148). وأن العودة إلى حدود التقسيم سيؤدي حتماً إلى إضعاف إسرائيل، وذلك ما يذكره بيرلن كنتيجة متوقعة للحرب، ولكنه يؤكد من ناحية أخرى انه لم يكن هناك ذكر للقضاء عليها قضاء تاما كما تنادي به بعض الرؤوس العربية الساخنة. مثل هذه النتيجة ستشكل حسب طريقة التفكير السوفيتية صفعة قاسية لهيبة الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الرئيس والتي كانت آنذاك تغوص أكثر فأكثر في الوحل الفيتنامي(149). كما أن هذه النتيجة ستكون بمثابة هدية مناسبة ليوم السابع من نوفمبر 1967، إذ أن اقتراب ذكرى الثورة يزود المبادرة السوفيتية بعنصري التوقيت والدافعية. لذلك، فإن هذه المبادرة تتطلب المزيد من التمحيص والتدقيق. تشير كثير من المراجع المستقاه من مصادر أخرى، إلى أن غرشكو لم يكن الوحيد الذي كان يسعى إلى إحياء ذكرى الثورة بعمل دراماتيكي كتوجيه ضربة للقوى الإمبريالية، كي يتوج القادة السوفييت بإنجاز لينيني تاريخي. برجنيف، حسب ما ذكره كاتب خطاباته "بدأ في أول مايو أيار 1967، بإبداء اهتمامه بالذكرى الخمسين. حيث التقينا في أول حزيران (قبل الحرب) في بيت غوركي الريفي، وعكفنا هناك على دراسة برنامج الإحتفالات(150).

يؤكد اجتماع منتصف أبريل بين المخابرات السوفيتية الكي جي بي والألمانية الشرقية ستاسي، على أهمية الإجراءات الفعالة، لإحياء اليوبيل الذهبي(151). وفي خضم أزمة الشرق الأوسط، قام موظفا سوفيتياً كان يعمل في الأمم المتحدة، ولم يذكر اسمه، بإفشاء هذا السر بطريقة غير مباشرة، وذلك بقوله أنهم لن يشاركوا في حرب عشية الذكرى الخمسين(152).

المثير للإستغراب هو أن توقيت وطابع ونجاح الهجوم الوقائي الإسرائيلي قد فاجأ السوفييت وحرف تدخلهم المزمع عن مساره، واثبط الكثير من الهمم خلال المناسبة الإحتفالية، لقد خبى الإهتمام بالإحتفالات بإندلاع حرب الأيام الستة(153) التي استوجبت تعتيماً شديدا لا زال مستمراً لغاية اليوم.

المصدر/  Middle East Review of  International Affairs [MERIA]

التاريخ سبتمبر 2003


 

الهوامش


 

(*) الكاتبة زميلة في معهد ترومان للأبحاث الخاص بتعزيز السلام، التابع للجامعة العبرية في القدس، ولها العديد من الكتب والمؤلفات، صدر منها "الروس قادمون: التهديد العسكري السوفيتي في حرب الأيام الستة.


 

(1)        Josephine Tey, The Daughter of Time (London: Arrow Books, 1997), p. 111.

(2)       Michael B. Oren, Six Days of War (New York: Oxford University Press, 2002), p. 55.

(3)       Nadav Safran, From War To War (New York: Pegasus), p. 274n, quoting deposed Egyptian Minister of War Shams al-Din Badran at his trial, according to al-Ahram, February 25, 1968. Also Jerusalem Post, February 28, 1968.  The United Nations Truce Supervision Organization also "reported to the Secretary-General that there was no evidence of any Israeli build-up" [F.T. Liu, at the time Senior Advisor to UNTSO, in Richard B. Parker, ed., The Six-Day War: A Retrospective (Gainsville: University Press of Florida, 1996), p. 99.]

(4)       For a comprehensive overview of all these theories see Richard B. Parker, The Politics of Miscalculation in the Middle East (Bloomington: Indiana University Press, 1993), Chapter 1: "The Soviet Warning,"  pp. 3-20

(5)       Brutents is one of several Soviet officials active in 1967 who still vehemently defend the USSR against "American and Israeli writers [who] tried to prove that the Soviet Union blessed, so to speak, the events that led to the Six-Day War" and accuse them  of "attempts… to justify the provocative Israeli behavior by the actions of the Soviet side that on May 12 informed Nasser about dangerous concentration of Israeli troops on the border with Syria." See Karen Brutents, interview on CNN, August 1997; and Yevgeni Pyrlin, Trudny I dolgiy put' k miru (Russian: The Difficult and Long Road to Peace) (Moscow: ROSSPEN (Rossiiskaya Politicheskaya Entsiklopediya), 2002), p. 56.

(6)       Oren, op. cit.,  p. 54.

(7)       Galia Golan, Soviet Policies in the Middle East from World War Two to Gorbachev (Cambridge: Cambridge University Press, 1990), p. 58; Mohamed Heikal, 1967--Al-Intifijar (Arabic), Cairo, 1990, p. 447, cited in Parker, Politics, p. 6-7, p. 247 n.9

(8)       Maj. Gen. Vladimir A. Zolotaryov et al, Rossiya (SSSR) v lokal'nykh voynakh I vooruzhennykh konfliktakh vtoroy poloviny XX veka  (Russian: Russia (USSR) in Local Wars and Military Conflicts in the Second Half of the 20th Century) (Moscow: Institute of Military History, Ministry of Defense of the Russian Federation, 2000), p.181. This first official history of the Soviet involvement in local wars does not mention passing the information to Egypt at all, starting its chronology of the Middle Eastern crisis on May 18, 1967, with the removal of UNEF by Egypt.

(9)       A vague and sparse chapter in the official history of the Foreign Intelligence Agency of the Russian Federation on its website states: "In the [1960s], foreign intelligence received information about Israel's preparations for new aggression against Arab countries, including the date for it to attack Egypt and Syria in 1967. This intelligence was passed on to the leaderships of Arab countries, who, however, undervalued it and overvalued the military potential of their countries." <http://svr.gov.ru/history/stage09.htm>  (Russian), n.d.   Gromyko recalled years later that during the "worrying days of May 1967… our military was apprehensive that Israel any moment would attack Syria"; Oleg Grinevski,  "Atomnaja bomba I Blizhnij Vostok" (Russian: "The A-bomb and the Middle East"), Dipkur'er (supplement to Nezavisimaya Gazeta, Moscow), March 1 2001; Grinevski: Stsenarii dlya tret'ey mirovoy voyny (Russian: The Script for World War III) (Moscow: Olma-Press, 2002), p. 112.

(10)      The KGB "resident" in Israel in 1967 stated as recently as five years ago: "From the regularly incoming information it transpired that a war in the Middle East was approaching and could break out at the end of the 1966 or in the first half of 1967.… Our efforts and means were concentrated in gathering reliable secret information." Ivan Dedyulya: "Na Zemle Obetovannoy: dejatel'nost' sovetskoj rezidentury v Izraile v 60-x godax" (Russian: "In the Promised  Land: the Activity of the Soviet Residentura in Israel in the ‘60s"),  NVO (military supplement of Nezavisimaya Gazeta) Vol. 20, Moscow 1998.

(11)  .   Leonid Mlechin: Mossad: sekretnaya voyna (Russian: Mossad: The Secret War) (Moscow: Centrpoligraf, 2000), pp. 246-247.  According to this source, the KGB resident in Cairo warned about up to 12 brigades concentrated on the Syrian border.

(12)      MfS-S.d.M-1465, Protokoll ueber Verhandlung zwischen Vertretern des MfS der DDR und des KfS beim Ministerrat der UdSSR ueber gemeinsame aktive Massnahmen fuer das Jahr 1967 (German: Protocol of Negotiation between Representatives of the MfS of the GDR and the KGB at the Council of Ministers of the USSR over Common Active Measures for the Year 1967), pp. 8-9.

(13)      Parker, Politics, p. 21.

(14)      Isabella Ginor, "Adayin oneh bizehirut" (Hebrew: "Still Answering Cautiously"), Ha'aretz, July 5, 1991.

(15)      Parker, Politics. p. 248 n12. This characterization of Semynov was presented in 1992 during a conference on the 25th anniversary of the June War convened at the Center for the Study of Foreign Affairs at the Department of State's Foreign Service Institute by former Deputy Foreign Minister Georgy Korniyenko and Vitaly Naumkin of the Oriental Studies Institute. It also appears to conform with the attempts to downgrade the echelon involved in the disinformation incident and the motivation behind it

(16)  .   Pavel Akopov, transcript, p. 4.

(17)      Oleg Grinevski, Sekrety sovetskoy diplomatii (Russian: Secrets of Soviet Diplomacy), (Moscow: Vagrius, 2000), p. 6; Korniyenko was also a member of this delegation and so must have known the position of trust that was conferred on Semyonov.

(18)      Mlechin, op.cit.,  pp. 246-247.

(19)      Michael Bar-Zohar: Embassies in Crisis, (Englewood Cliffs, N.J.: Prentice-Hall, 1970), p. 1. In a telephone interview from his home in Tel-Aviv on November 1, 2002, Bar-Zohar confirmed this quotation and gave his source as "probably a British intercept."

(20)      Richard B. Parker, ed., The Six-Day War: A Retrospective (henceforth SDW), (Florida: University Press of Florida, 1996), pp. 37, 40, 42. This book presents the proceedings of the 25th anniversary conference (see note 16). In June 1967, Bassiouny was a special assistant in the office of Undersecretary Feki. The Russian participant quoted is Naumkin; a similar view was presented by Korniyenko.

(21)      Richard B. Parker, ed., The Six-Day War: A Retrospective (henceforth SDW), (Florida: University Press of Florida, 1996), pp. 37, 40, 42. This book presents the proceedings of the 25th anniversary conference (see note 16). In June 1967, Bassiouny was a special assistant in the office of Undersecretary Feki. The Russian participant quoted is Naumkin; a similar view was presented by Korniyenko.

(22)      Telephone interview with Brutents (Moscow), October 17, 2000.

(23)      Emphasis added. Der Rede Von L.I. Breschnev auf dem Juniplenum des ZK der KpdSU, Uber die Politik der Sowjetunion im Zusammenhang mit der Agression Israels im Nahen Osten, 20.06.1967 (German: The Speech of L.I. Brezhnev at the June Plenum of the CP of the USSR in Connection with the Israeli Aggression in the Middle East). SAPMO=NA ZPA IV 2/1/362. The authenticity of Brezhnev's reference to a Politburo resolution is confirmed by a Polish report of the same speech (AAN KC PZPR 2632), which was found and partly published by Uri Bar-Noi,  Notes from the Chaim Herzog Center for Middle East Studies and Diplomacy (Beersheba: Ben Gurion University), Vol. 6, May 2001. Bar-Noi, however, considers that Brezhnev's speech "does not shed light on the controversial information about concentration of Israeli troops,"and appears to attach no significance to the mention of the Politburo -- a conclusion disputed by the present writer.

(24)      Uri Ra'anan, "Not Just Six Days, Not Just a War," Bostonia (Boston University), Fall 2002. <http://www.bu.edu/alumni/bostonia/2002/fall/essays/raanan/raanan-02.html>   Ra'anan and Bar-Zohar (in Embassies in Crisis, p. 2) were among the first who pioneered the hypothesis of a deliberate disinformation maneuver on the part of the USSR.  However, Ra'anan suggested that the Soviets believed the Egyptian response would not cause an actual war, and Moscow could then take credit for preventing an Israeli attack on Syria that was never going to occur anyway.  "Soviet Global Policy in the Middle East," Naval War College Review, September 1971, pp. 25-26.

(25)   . Victor Israelyan, Inside the Kremlin During the Yom Kippur War (University Park, Pennsylvania: Pennsylvania State University Press, 1995), pp.29-30.

(26)      Kosygin was away for the UN General Assembly's extraordinary session and his meeting with President Johnson in Glassboro--where he was evidently constrained by collective instructions.  Johnson was very frustrated when "each time I mentioned missiles, Kosygin talked about Arabs and Israelis." Lyndon B. Johnson, The Vantage Point: Perspectives of the Presidency, 1963-1969 (New York: Henry Holt, 1971), p. 483.

(27)      Brutents, Thirty Years, p. 374

(28)      Parker, Politics, p. 130.

(29)      On  June 13, 1967. Solomon M. Schwarz, Sovetskii Soyuz i arabo-izrail'skaya voyna 1967 goda (Russian: The Soviet Union and the Arab-Israeli War 1967) (New York: American Jewish Workers' Committee, 1969), p. 72, quoting Security Council minutes S/PV, 1358 p. 147-150. On Tarabanov as a mouthpiece for Fedorenko, see Arthur Lall, The UN and the Middle East Crisis, 1967 (New York: Columbia University Press, 1968), p. 88.

(30)      Pyrlin, transcript, p. 5.

(31)      Telephone interview with Brutents

(32)      In a speech on May 22, 1967, Nasser said: "On 13 May we received accurate information that Israel was concentrating on the Syrian border huge armed forces of about 11 to 13 brigades. These forces were divided into two fronts, one south of Lake Tiberias and the other north of the Lake." Radio Cairo, May 22, 1967, quoted by BBC, May 24. Middle East Record (henceforth MER) 1967, p. 190. More detail on the "intelligence" provided by the Soviets was apparently disclosed to a U.S. Embassy official in Paris by a "well-connected Arab diplomat": "top secret Israeli plans for [an] 8 brigade ‘retaliation' attack on Syrian  frontier position" on May 15, which Nasser "had foiled" by moving troops into Sinai. Here too the purported scope of Israeli action is wildly disproportionate.  Department of State incoming telegram 023378, Embassy Paris to Secretary of State, secret, May 23, 1967

(33)      Arab sources quoted in MER, p. 17.

(34)      Al-Gumhuria and Al-Akhbar dailies in Arabic, both from November 26 1966, cited in Avraham Ben-Tzur, Gormim Sovietiim ve Milhemet Sheshet-Ha'yamim (Hebrew:  Soviet Factors and the Six-Day War) (Tel-Aviv: Sifriyat Poalim, 1975), pp. 161-162. According to a former GRU Major-General, Grechko was considered "acting" Minister of Defense as early as November 1960 when he hosted an Egyptian delegation headed by Marshal Amer. Sergei Krakhmalov Zapiski voyennogo attashe (Russian: Notes of a Military Attache), (Moscow: Rosskaya Razvedka, 2000), p. 76.

(35)      Vladimir Solovyov and Elena Klepikova: Zagovorschiki v Kremle (Russian: The Kremlin Plotters), (Moscow: Aktsionernoe Obschestvo ‘Moskovskii Tsentr Iskusstv', 1991), pp. 20-21. Andropov's promotion to candidate-member of the Politburo was the first for a KGB chief since Stalin's appointee, Lavrenty Beria

(36)      Nasser's speech at UAR Advanced Air HQ, May 25, 1967, cited in Walter Laqueur, The Road to War (London: Penguin Books, 1969), Appendix Three, pp. 371-376. This contention was repeated by Mahmoud Riad to Parker as late as 1989: "The proof of Israel's intentions, if any was needed, was a statement by Yitzhak Rabin...on May 12 threatening to occupy Damascus and overthrow the Syrian regime." Parker, Politics, p. 14, p.249 n35.

(37)   . MER, p. 187.

(38)      Protokoll, loc. cit

(39)      Pyrlin, Road, p. 56.

(40)      Aleksandr Khaldeev, "Nesostoyavshiisya Desant" (Russian: "The Landing That Did Not Occur"), Okna (Tel-Aviv), Sept.14, 2000

(41)   . Israelyan, op.cit., p. 192

(42)      Isabella Ginor, "The Russians Were Coming: The Soviet Military Threat in the 1967 Six-Day War," Middle East Review of International Affairs (MERIA) Journal, Vol. 4., No. 4 (December 2000).

(43)      Pyrlin, Road, p. 56.

(44)      Pyrlin, transcript, pp. 1, 4.

(45)      Anwar el-Sadat: In Search of Identity: an Autobiography (New York: Harper & Row, 1977), pp. 171-172.

(46)      Parker, SDW, p. 65

(47)      Brezhnev, Rede.

(48)      Zolotarev, p.182, citing I.I. Latynin, Opyt primeneniya boevykh takticheskikh grupp v lokal'nykh voynakh na Blizhnem Vostoke (1967-1991) (Russian: The Experience of Using Tactical Battle Groups in Local Wars in the Middle East (1967-1991), PhD dissertation, Moscow, 1997, p. 49

(49)      Pyrlin, transcript, pp. 5-6.

(50)      Brezhnev, Rede

(51)      Laqueur, op. cit., p. 97

(52)      Department of State Memorandum G/PM:RLGarthoff:pep:5-29-67, confidential. Brezhnev had spoken at a conference of Communist parties at Karlovy Vary, Czechoslovakia.

(53)      Department of State incoming telegram 029229, Embassy Moscow to Secretary of State, secret, May 27, 1967; the source is identified as "Voslensky," probably Mikhail Voslenski, a historian and interpreter who later defected to the West

(54)      Cited in Joseph Govrin, The Six-Day War in the Mirror of  Soviet-Israeli Relations--April-June 1967 (Jerusalem: Hebrew University, Soviet and East European Research Centre Research Paper No. 61, December 1985), p. 10.

(55)      Pyrlin, Road, p. 59

(56)   . Parker, SDW, p. 114. Georgy Korniyenko, The Cold War: Testimony of a Participant (Moscow: Institute of International Relations, 1994), pp. 129-33, cited in translation by James. F. Leonard; Parker, SDW, p. 72.

(57)      Testimony of Shams Badran at his trial.  Al-Ahram, February 25, 1968, cited in Ben-Tzur, op.cit., p. 165.

(58)      Ben-Tzur, op.cit., p. 169. While Ben-Tzur's study was published only in Hebrew and drew little direct attention outside Israel, its thesis has been endorsed by leading Israeli actors at the time such as Maj. Gen. Meir Amit, then Head of the Mossad, who cited it both at the 25th anniversary conference and in an interview with the present writer, August 9, 2002

(59)      Oren, op.cit., p. 40

(60)      Tanjug (Yugoslav Press Agency), cited in  Laqueur, Road, p. 53; Moshe A. Gilboa,  Shesh Shanim, Shisha Yamim (Hebrew: Six Years, Six Days) (Tel Aviv: Am Oved, 1968), p. 86.

(61)      Department of State Incoming Telegram 029479, Ambassador Moscow to Secretary of State, confidential, May 28, 1967. Ambassador Llewellyn Thompson qualified the credibility of this information, pointing out the source's "dislike of both Nasser and the Soviets."

(62)      Akopov, transcript, p. 16.

(63)      Mohammed Heikal, The Sphinx and the Commissar (New York: Harper & Row, 1978), p. 169.

(64)      Telephone interview with Nikolai G. Yegorychev (Moscow), November 11, 2000; Christopher Andrew and Oleg Gordievsky, KGB, No location, Nota Bene, 1992 (Russian translation of same title in English, London: Hodder and Stoughton, 1990), p. 503; Yefim Segal and Zinovi Dubrovski, "Ne dolzhny Molchat'" (Russian: "Must Not Keep Silent"),  Novosti Nedeli, Tel Aviv, March 2, 2000.

(65)      Laqueur, op.cit., pp. 98-99.

(66)      Aleksandr Bovin: XX vek kak zhizn' (Russian: The XX Century as a Life) (Moscow: Zakharov, 2003), p. 160.

(67)      Brezhnev, Rede.

(68)      Department of State incoming telegram 027005, US Mission UN to Secretary of State, confidential, May 25, 1967

(69)      Brezhnev, Rede.

(70)      Akopov, transcript, pp. 4-8, 10-11.

(71)      Brezhnev, Rede.

(72)      Telephone interview with Brutents

(73)      Emphasis added. Brezhnev, Rede

(74)      Embtel 1517, (Lisbon), Robert Anderson to President Johnson, June 2, 1967, NSF, NSC History, Box 18, LBJL, cited in Avner Cohen: Israel and the Bomb (New York: Columbia University Press, 1998), p. 26; p. 412S n27

(75)      Embtel 1517, (Lisbon), Robert Anderson to President Johnson, June 2, 1967, NSF, NSC History, Box 18, LBJL, cited in Avner Cohen: Israel and the Bomb (New York: Columbia University Press, 1998), p. 26; p. 412S n27

(76)      Emphasis in the original. Zolotarev, op.cit., pp. 182-3, citing Latynin, Experience

(77)      Akopov, transcript, loc.cit

(78)      Kosygin message to Wilson, May 27, 1967, reproduced in Department of State Outgoing Telegram 204008, to American Embassy Moscow from Secretary of State Rusk, Secret, May 28, 1967.

(79)      Brezhnev, Rede.

(80)      Ahron Bregman and Jihan El-Tahri: The Fifty Years War (London: Pengiun & BBC Books, 1998), p. 76.

(81)      Pyrlin, transcript, pp. 6-7, 28

(82)      Department of State incoming telegram 029479, American Embassy Moscow to Secretary of State, confidential, May 28, 1967

(83) .    Pyrlin, transcript, pp. 7, 9

(84) .    Department of State incoming telegram 029479, American Embassy Moscow to Secretary of State, confidential, May 28, 1967.

(85)      Pyrlin, transcript, p. 27.

(86)      Oren, op.cit., p. 65; sources listed in p. 346 n10

(87) .    Mir Pasha Zeynalov: Nezabyvaemye vstrechi s predsedatelem Arafatom (Russian: Unforgettable Meetings with Chairman Arafat) (Moscow: Realii, 2002), p. 27

(88)      Ben-Tzur, op.cit., p.86; Gilboa, op.cit., p. 85.

(89)      Laqueur, op.cit., p. 62.

(90)      Pravda, May 18, 1966

(91)      Bovin, op.cit., p. 134

(92)      Anatoli F. Dobrynin: Sugubo Doveritel'no (Russian: In Strict Confidence) (Moscow: Avtor, 1997), p. 134. Dobrynin mistakenly dates the congress in May.

(93)      Ben-Tzur, op.cit., p. 72, n13.

(94)      Israelyan, op.cit., pp. 99-100.

(95)      V. Kondrashov, interntional commentary, Izvestia, May 8, 1966, cited in Schwartz, op. cit., p. 24

(96)      Schwartz, op.cit., p. 25.

(97)      Schwartz, op.cit., p. 25. Sovietskaya Rossiya, as noted by Ben-Tzur, was considered to be Brezhnev's personal organ. op.cit., p. 73, n14.

(98)      Parker, Politics, p. 11; Gilboa, op.cit., p. 85

(99)      Schwartz, op.cit., p. 63.

(100)    Personal communication from Gideon Remez, a paratrooper then stationed at sector headquarters

(101) .  Erwin Wiet: Ostblock intern: 13 Jahre Dolmetscher fuer die polnische Partei- und Staatsfuehrung (German) (Hamburg: Hoffman und Campe), 1970, p. 165. Weit, Gomulka's interpreter, understood that Brezhnev was alluding to the war against Israel, into which  "Nasser was tempted by the Soviets."

(102) . Theodore Draper: Israel and World Politics: Roots of the Third Arab-Israeli War (New York: Viking, 1968), pp. 54-55, quoting several such blasts in the flagship Soviet organs Pravda and Izvestiya between May 16 and 22.

(103)    Ginor, MERIA

(104)    Professor Kislov, Head of the Center for Research of Peace Problems in Moscow, was in 1967 "stationed in the Middle East." He makes this statement "based on personal observation," but disputes the present writer's contention that Moscow pre-planned an operation against Israel, and holds that it was to be implemented only "in dire necessity to stop Israeli aggression." A.K. Kislov, "Ne v ladakh s faktami" (Russian: "The Facts Don't Add Up"), USA & Canada Journal, (Moscow: Russian Academyof Sciences, USA & Canada Institute), Vol. 12, No. 396, December 2002, p. 94. This is an afterword to Isabella Ginor, "'Shestidnevnaya voyna' 1967 g. i pozitsiya SSSR" (Russian: "The ‘Six Day War' and the Position of the USSR"), loc.cit., pp. 76-91

(105)    Vadim Kirpichenko, transcript, p. 28.

(106)    Emphasis added. Pyrlin, transcript, p. 10

(107)    MER, pp. 10, 22. A visit by the Soviet Minister of Fisheries in March also included meetings with top Egyptian commanders.

(108)    Israelyan, op.cit., p. 192

(109)    MER, p. 10.

(110)    Captain (ret.) Yuri Khripunkov, personal communication to author, July 2001;  Fleet Admiral (ret.) Ivan M. Kapitanets: Na sluzhbe okeanskomu flotu 1946-1992: zapiski komandujuschego dvumja flotami (Russian: In the Service of the Ocean Fleet 1946-1992: the Notes of the Commander of Two Fleets) (Moscow: Andreevski Flag, 2000), p. 174

(111)    Valeri Mustyats: "Oshibka ekipazha" (Russian: "The Crew's Mistake"), Duel (Moscow) #41(132), October 12, 1999.

(112)    Yehudit Yeheskeli, "Hikinu lifkuda lishlo'ah til atomi al Yisrael" (Hebrew: "We Awaited the Order to Launch an Atomic Missile at Israel"), Yediot Aharonot  (Tel Aviv), May 8, 1992. When contacted by the present writer a decade later, the source (a former crewman on this submarine, K-125 of the Pacific fleet) retracted his version, claiming that the reporter had misunderstood him (she, however, recorded the interview and stands by its accuracy). The source's name is withheld here as he also professed  fear for the safety of his family, despite their present domicile in Israel--which, if well-founded, indicates the even farther-reaching extent of the Russian cover-up.

(113)    Zolotarev, op.cit., pp. 186-187. This move was confirmed to the present writer by Kapitanets. Telephone interview (Moscow), January 11, 2003.

(114)    List in Turkish attached to secret Israel Foreign Ministry memo, Minister in Ankara D. Laor to Deputy Director General Y. Tekoa, June 1, 1967.

(115)    Zolotarev, op.cit., p. 185

(116)    Kapitanets, Service, p. 175.

(117)    Interview with Brig.-Gen. (ret.) Yoel Ben-Porat (Ramat Hasharon), March 8, 2002.

(118)    Kapitanets, Service, p. 176; Khripunkov, personal communication to present writer

(119)    Khaldeev, loc.cit.

(120) . Pyrlin, transcript, pp. 10-11

(121)    Col. General Vasily V. Reshetnikov, Commander of the Second Corps of the Strategic Air-Force in 1967, transcript, pp. 5-8; biography at <http://wwii-soldat.narod.ru/reshetnikov.htm>

(122)    Avner Cohen, op.cit., p. 269

(123)    Dedyulya, loc.cit.

(124)    Valeri Yaremenko, "Yadernaya voyna na Blizhnem Vostoke byla by na pol'zu SSSR," (Russian: "Nuclear war in the Middle East Could Have Been Beneficial for the USSR"), Vremya Novostei (Moscow), June 5, 2002

(125)    Parker, SDW, p. 250.

(126)    Yaremenko, loc.cit.

(127)    Grinevski, "A-bomb"; Script, pp. 112-113

(128)    Akopov, transcript, p. 5.

(129)    Isabella Ginor: "'Under the Yellow Arab Helmet Gleamed Blue Russian Eyes': Operation Kavkaz and the War of Attrition, 1969-70," Cold War History (London: Frank Cass), Vol. 3, No. 1 (October 2002).

(130) . Anonymous: "Poslevoennaya voyna Sukhogo" (Russian: The Sukhoy's Postwar War), Kommersant-Daily (Moscow), July 31, 1999.

(131)    Reshetnikov, transcript, p. 4. "Race" is clearly a translation error which appears in the transcript but was corrected to "raids" in the BBC documentary film, which reflects Reshetnikov's audible words in Russian

(132)    Ibid., p. 10

(133)    Ibid., p. 4.

(134)    Ibid., p. 6

(135) . Ibid., p. 8

(136)    Pyrlin, transcript, p. 10.

(137) . Brezhnev, Rede.

(138) . L.I. Brezhnev, Vospominaniya, (Russian: Memoirs) (Moscow: Izdatel'stvo Politicheskoy Literatury), 1982, pp. 69-70

(139)    Grechko was Brezhnev's immediate superior, according to Grechko's biography in Nikolai Zen'kovich: Samye zakritye ludi: Entsiklopediya biografiy (Russian: The Most Classified People: Biographical Encyclopedia) (Moscow: Olma-Press, 2002), pp. 117-120.

(140)    Brezhnev, Rede.

(141)    Brutents, Thirty Years, p. 263.

(142)    Yegorychev, interview; Israelyan, op.cit.,  pp. 27-28.

(143)    Biography of Grechko at <http://www.hrono.ru/biograf/grachko.html>. According to Zen'kovich, loc. cit., Grechko was Budyonny's personal protégé

(144)    Vladimir B. Rezun, affidavit to present writer, Bristol (UK), January 13, 2001

(145) . Vladinir A. Ryabukhin, "V Egypte" (Russian: "In Egypt"), in I.V. Shishchenko, ed., Smolyane-Internatsionalisty (Russian: Internationalists of Smolensk Region) (Smolensk: Smyadyn', 2000), p. 177.

(146)    Kol Ha'Am (Hebrew, Tel Aviv; MaKI organ), #14, p. 9, cited in Ben-Tzur, p. 237.

(147)    Akopov, transcript, p. 38.

(148) . Mikhail P. Popov: Tridtsat' sem' let na Blizhnem Vostoke (Russian: Thirty-Seven Years in the Middle East), Moscow, MGIMO, 2002, p. 20. 

(149)    Pyrlin, Road, p. 54

(150)    Bovin, op.cit., p. 160

(151)    Protokoll.

(152)    "Roundup of gossip and attitudes in the UN," Walt Rostow to President, Top Secret, June 8, 1967, National Security File, NSC Histories "Middle East Crisis," Vol. 4, Tabs 128-130. The name and position of the Soviet source were sanitized in the declassified version of this document.

(153)    Bovin, op.cit., p. 160


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م