جمال البابا يعتبر فوز اليمين الإسرائيلي، بأغلبية مقاعد الكنيست في انتخابات عام 2003 ببرامجه اليمينية المتطرفة، وتشكيل حكومة على أسس يمينية تحدياً كبيراً للعملية السياسية وسبل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. إن تسلم اليمين شبه المطلق للسلطة في إسرائيل، يعني وبدرجة كبيرة تجميد التسوية حسب اتفاقية اوسلو، وهو ما يمهد الطريق لسيناريوهات مستقبلية تتماشى مع الفكر الأيديولوجي اليميني، أو على اقل تقدير لا تتعارض معه. ومنذ البداية سواء قبل الإنتخابات أو بعدها كان العنوان الذي تتستر خلفه هذه السيناريوهات، هو الدعوة إلى القضاء على "الإرهاب"، كشرط أساسي لتحقيق السلام، وهو مبدأ زاد تثبيتا بعد تبنيه من قبل الولايات المتحدة، حيث عبر عنه الرئيس بوش في خطابه 24/6/2002، وكذلك جاء واضحا في الأفكار التي تناولتها خارطة الطريق. إن التركيبة اليمينية للحكومة الإسرائيلية انعكست بصورة واضحة على خطوط الأساس لهذه الحكومة والتي جاء فيها: 1- ضمان الأمن الشخصي والقومي. 2- إسرائيل دولة اليهود. 3- القدس عاصمة إسرائيل الأبدية. 4- العمل على زيادة الهجرة. 5- تنمية الإستيطان اليهودي. 6- رفض عودة اللاجئين. 7- عدم إزالة المستوطنات وخاصة الكتل الإستيطانية(1). من خلال الخطوط الأساسية لهذه الحكومة، يلاحظ أن موضوع الأمن والإستيطان يحظيان بأهمية واضحة في هذه الخطوط، وإذا أضفنا لهما موضوعي القدس ورفض عودة اللاجئين، مع الأخذ في الإعتبار البيئة الإقليمية المحيطة والمواقف الدولية، خاصة موقف الولايات المتحدة، يمكن فهم الصورة التي تتعاطى معها هذه الحكومة، فيما يتعلق بعملية التسوية والتي لن تشذ بأي حال من الأحوال عن أحد السيناريوهات التالية: 1- إتباع سياسة المماطلة وتمييع القضايا، بمعنى القبول ببعض الطروحات بشروط معقدة، ثم وضع العراقيل التي تحول دون تطبيق هذه الطروحات (خارطة الطريق). 2- أن تتمترس الحكومة خلف مواقفها وقراراتها والعمل على فرضها على ارض الواقع، رغم ما يطرح عليها من أفكار ومبادرات وفرض أمر واقع من خلال القوة، والذي من شأنه أن ينسف جميع الأفكار والمبادرات المطروحة. 3- في حالة تعرض الحكومة لضغوط داخلية أو خارجية يجعلها مضطرة للتعاطي بإيجابية مع المبادرات المطروحة، فإن الحكومة الإسرائيلية ستتعامل مع هذه الضغوطات من خلال محاولة المزج بين السيناريوهين السابقين، بمعنى الإقدام على خطوات تبدو في ظاهرها أنها متمشية مع المبادرات المطروحة، ولكن بما لا يتناقض مع ما تؤمن به هذه الحكومة، وبما لا يتعارض مع خطوطها الأساسية على المستوى الإستراتيجي. أما شارون وعلى المستوى الشخصي، فقد كان هدفه المركزي عند توليه رئاسة الوزراء، هو تثبيت مكونات الإحتلال والإستيطان في الأراضي الفلسطينية، مع إمكانية البحث في خيار الفصل السياسي مغلفاً بالصورة الأمنية يوصله في النهاية إلى فرض الحل الإسرائيلي الذي يؤمن شروط تسوية مرحلية لإسرائيل، وبما يحقق الأهداف الإسرائيلية العليا، ويجب أن يتم ذلك في إطار الحفاظ قدر المستطاع على إئتلافه الحاكم، وهو ما يدعوه إلى تبني صيغ ضبابية، حتى عندما يطرح مواضيع تتسم بالأهمية والحسم ليتم تسويقها داخلياً وخارجياً. لم تأت خطة فك الإرتباط التي طرحها شارون في مؤتمر هرتسيليا في 18/12/2003، من فراغ بل جاءت لتعبر عن أفكار شارون وخططه، التي أكد عليها في خطبه وتصريحاته على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، والتي يتضح منها أن لدى شارون خطة ذات ملامح أمنية تستند إلى تسوية مرحلية طويلة الأمد، وتأجيل النقاش في قضايا الحل النهائي. ولدى النظر إلى خطاب شارون، فإن الخطاب لم يشذ عن الهدف والخطط التي يريد تنفيذها، حيث جمع الخطاب بين الوضوح في بعض أجزائه والغموض في البعض الآخر، لتحقيق هدف دبلوماسي يرضى فيه المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة، فقد تحدث شارون عن تطبيق خارطة الطريق وإعادة تموضع القوات الإسرائيلية، وترتيب وضع البؤر الإستيطانية غير القانونية، كما احتوى الخطاب لغة التهديد والإبتزاز للجانب الفلسطيني، إما أن ترضوا بما أطرحه من حلول سياسية مع إمكانية تحسينها، أو سأفرض الحل الأحادي بالتنسيق مع الجانب الأمريكي. أما الرسالة الثالثة التي يحتويها الخطاب، فهي موجهه إلى المجتمع الإسرائيلي المأزوم، بهدف إقناع المواطن العادي بأنه صاحب رؤية سياسية تحقق الأمن والإستقرار للمجتمع الإسرائيلي، وفي المقابل يخاطب اليمين بقوله أنه ماض في خطة الفصل الأحادي الجانب، التي تلبي الشروط الأمنية وتمهد لحل إقليمي يحقق المصالح الإسرائيلية. أسباب إعلان الخطةعندما أعلن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت، عن فكرة فك الإرتباط، وما سماه خطوات من طرف واحد أمام الكنيست في مطلع شهر ديسمبر 2003 بمناسبة ذكرى بن غوريون، برر الإقدام على هذه الخطوة بالبعد الديمغرافي وخطره القادم على إسرائيل، حيث عبر عن ذلك من خلال اقتباسه لأقوال بن غوريون في عام 1949 حين قال، "لنفترض أننا تمكنا بالطريق العسكري أن نحتل كل غربي ارض إسرائيل، وأنا واثق من ذلك، فماذا سيحصل عندها؟ نقيم دولة واحدة، غير أن هذه الدولة سترغب في أن تكون ديمقراطية، وستكون هناك انتخابات عامة، ونحن سنكون أقلية، عندما وقفت مسألة وحدة البلاد دون دولة يهودية، أو دولة يهودية دون وحدة البلاد، اخترنا الدولة اليهودية بدون وحدة البلاد"(2). أما شارون فقد كان أكثر وضوحاً، حين أشار خلال جلسة لحزب الليكود في 23/2/2004، إلى أن الهدف من خطة فك الإرتباط من طرف واحد، هو توطيد الأمن، وذلك عبر الإستمرار في بناء الجدار الفاصل، وإعادة نشر الجيش الإسرائيلي فضلا عن وسائل أمنية أخرى، مضيفاً أن هذه الخطوة ستحول دون ممارسة ضغوط على إسرائيل من اجل التقدم السياسي مع الفلسطينيين، وسيضمن بقاء اكبر عدد من المستوطنات في أيدي إسرائيل، كما سيضمن أفضل الظروف الأمنية والإقليمية لإسرائيل إذا ما تم استئناف المفاوضات(3). وفي خطابه أمام الكنيست في 15/3/2004، عاد وأكد أن ما يقوم به يأخذ بعدا تكتيكيا بما لا يتعارض مع الأبعاد الإستراتيجية المنغرسة في فكره، حيث قال في خطابه "أنني لا اعتبر نفسي مع أولئك الذين يقدسون الوضع القائم، الذي يؤدي بالضرورة إلى خلق فراغ سياسي، بل اعتقد أننا ملزمون بتغيير الوضع الراهن". وأضاف "إن الفراغ السياسي سينبثق عنه مقترحات سياسية، ستضطر إسرائيل في ظلها تنفيذ خطوات بعيدة المدى تنطوي على تنازلات تحت وطأة الإرهاب"(4). ويبدو أن شارون قد اقتنع بتوصية المستوى الأمني الذي يرى في الجمود القائم وضعا غير مستقر، وهو وضع ضار جداً بإسرائيل، ويعتقد المستوى الأمني أن على إسرائيل أن تبادر في ظل شروط سياسية وعسكرية تعتبر مريحة لها، إلى خطة استراتيجية بعيدة الأثر واتخاذ خطوات دراماتيكية تحدث هزة في المحيط الإقليمي بمبادرة إسرائيلية(5). رغم أن شارون تطرق في أكثر من مناسبة لمبرراته لخطوة فك الإرتباط والإنسحاب من قطاع غزة، إلا أن هناك العديد من المتغيرات التي كان لها الأثر المباشر على خطوة شارون، لم يتطرق لها في سرده لمبررات الخطوة منها: 1- الصمود الفلسطيني واستمرار وتيرة المقاومة، مع تصاعد الحديث حول انعدام الأفق السياسي والفشل الأمني الذي خلق جدلا سياسياً في الساحة الحزبية، وجدلاً أمنياً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. 2- تزايد الأزمة الإقتصادية، واتساع المخاوف في حديث السياسيين والأكاديميين من أن إسرائيل مقدمة على أزمة ديمغرافية في المستقبل القريب. 3- حالة الجدل والتشويش التي تعرض لها مشروع بناء الجدار الفاصل، سواء من خلال مشاريع يسارية لتحقيق التسوية (وثيقة جنيف)، أو من خلال الضغط الدولي لتغيير مسار الجدار أو إيقاف العمل به. 4- تزايد تهم الفساد الموجهة ضد شارون وابنائه، مما انعكس مباشرة على شعبيته، ومن ثم فهو أقدم على خطوة غير تقليدية بهدف صرف الأنظار. بناء على ما تقدم يمكن فهم خطوة شارون لفك الإرتباط من طرف واحد في ثلاث اتجاهات: أولا: الإستمرار في بناء الجدار الفاصل بوتيرة حثيثة بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، بهدف التغلب على الجانب الأمني وقطف ثمار ذات أبعاد استراتيجية وإقليمية. ثانيا: تحقيق فصل شبه تام مع الجانب الفلسطيني، بهدف إبعاد شبح الخطر الديمغرافي. ثالثاً: إعادة انتشار للجيش الإسرئيلي في الأراضي الفلسطينية يقلل الإحتكاك مع السكان الفلسطينيين، مما يقلل الخسائر في صفوف الجيش ويحسن صورة إسرائيل في المجتمع الدولي. الإحتمالات والسيناريوهات المتوقعةمنذ إعلان شارون عن خطته فك الإرتباط، والإنسحاب من قطاع غزة، ظهرت العديد من الآراء والتصريحات في المستويين السياسي والأمني حول تفاصيل هذه الخطة وسبل تنفيذها على ارض الواقع، ففي أحاديث مغلقة أجراها شارون، تحدث عن نيته إخلاء كل المستوطنات في قطاع غزة، وعدد من مستوطنات الضفة الغربية، ويميل شارون إلى اتخاذ الخطوة مرة واحدة، أي إخلاء المستوطنات والإنتشار في خط امني جديد، وقد طرح شارون في حينه أربعة بدائل: - إخلاء مستوطنات قطاع غزة فقط. - إخلاء مستوطنات قطاع غزة، ومستوطنات متفرقة محدودة في الضفة الغربية. - إخلاء قطاع غزة وإخلاء أوسع في الضفة الغربية. - إخلاء قطاع غزة وما يسمى بديل الحد الأقصى، الذي تضمن إخلاء 17 مستوطنة في الضفة الغربية(6). أما على مستوى الجيش الإسرائيلي، فإن اوساط الجيش تفضل أن يكون الإنسحاب من قطاع غزة ضمن اتفاق وليس من طرف واحد، ويؤيد وزير الدفاع موفاز الفكرة بإخلاء المستوطنين من مستوطنات قطاع غزة، على أن يبدأ التنفيذ بعد سنة، ولكنه ينظر في إمكانية إبقاء قوات عسكرية في بعض مناطق قطاع غزة، ويفضل موفاز أن تكون خطة فك الإرتباط الحالية مركزة في المرحلة الأولى على إخلاء المستوطنات في قطاع غزة فقط، وبعد ذلك يكون هناك مجال لفحص ومناقشة انتشار الإستيطان في الضفة الغربية، لأن الوضع من وجهة نظره مغاير، حيث تحتاج إسرائيل إلى الإنتشار في حدود قابلة للدفاع عنها حتى تحقيق تسوية دائمة، ويؤيد موفاز تعزيز الكتل الإستيطانية الأساسية "غوش عتصيون، معاليه ادوميم، ارئيل، قدوميم، وكارني شمرون، ومنطقة ريحان وشكيد في الشمال". وصيغة موفاز تقول "بقدر حجم الكتل الإستيطانية يكون الأمن" بمعنى كلما كبر حجم الكتل الإستيطانية التي تسيطر عليها إسرائيل كلما كان أفضل لإسرائيل أمنياً(7). أما رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فلم يكونوا متشجعين للخطة منذ البداية، فقد قال رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون، "أن الخروج من غزة سيبث روح اسناد للإرهاب"، ولكنه أضاف بأنه في إطار رؤية شاملة على مدى أبعد ثمة فائدة استراتيجية للخطة (8). أما آفي ديختر، رئيس جهاز الأمن العام، فقال أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأن الخطة ستؤدي إلى إحساس الفلسطينيين بالنصر والى تشجيع "الإرهاب". أما رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية، اهارون زئيفي فقال، "إن الفلسطينيين يرون في خطة شارون لفك الإرتباط من طرف واحد انتصارا "للإرهاب". والأمر كفيل بأن يشكل عاملاً مشجعاً لتشديد أعمال "الإرهاب" في المستقبل. وبالرغم من التصريحات والنقاشات التي دارت في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، عن الخطة والتي وصلت إلى التباين في وجهات النظر سواء داخل الحكومة نفسها وحتى داخل حزب الليكود نفسه، أو داخل الأوساط الأمنية، إلا أنه يمكن القول أن هناك خطة شبه متكاملة لتصور شارون الإنسحاب من غزة وبعض مستوطنات الضفة الغربية، وتلقى قبولاً من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: - تؤكد الخطة على إنهاء الإستيطان في قطاع غزة، وتعزيزه في الضفة الغربية. - ستقوم إسرائيل، بإخلاء قطاع غزة، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية الموجودة فيه الآن، وستعيد انتشارها من جديد خارج القطاع، عدا انتشار عسكري في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر "محور فيلادلفيا". - ستشرف إسرائيل وترابط على الحدود الخارجية للقطاع من البر، وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع وستواصل القيام بعمليات عسكرية في المجال المائي لقطاع غزة. - يكون قطاع غزة منطقة منزوعة الأسلحة. - تحتفظ إسرائيل لنفسها بالحق الأساسي بالدفاع عن النفس، بما في ذلك القيام بخطوات وقائية، وكذلك بالرد من خلال استخدام القوة ضد التهديدات التي ستنشأ في المنطقة. - إذا نشأت الظروف الملائمة لإخلاء هذه المنطقة، تكون إسرائيل مستعدة لفحص إمكانية إقامة ميناء بحري ومطار في قطاع غزة، بشكل يتفق مع الترتيبات التي سيتم تحديدها مع إسرائيل(9). وفي مطلع شهر ابريل 2004، صرح شارون، بأن خطة فك الإرتباط ستتضمن خروجا من كل قطاع غزة، بإستثناء "محور فيلادلفيا"، وإخلاء أربع مستوطنات في "السامرة"، هي سانور، حوميش، غانيم، وكاديم. وقال شارون "إن إسرائيل لا تعتزم المس بالبنى التحتية للكهرباء والمياه في المناطق التي سيتم إخلاؤها، ولكن إذا ما استؤنفت العمليات الإرهابية بعد الإخلاء فسننظر في وقف هذا التزويد"(10). وفي تطور لاحق، وبعد عودته من الولايات المتحدة، عرض شارون خطته فك الإرتباط على إستفتاء منتسبي حزب الليكود يوم 2/5/2004، وكانت النتيجة أن عارض الخطة نحو 60% من المصوتين، مما اضطر شارون إلى وضع خطة معدلة حتى يستطيع تمريرها داخل حكومته بعد الإستفتاء بالرفض من قبل أعضاء حزب الليكود الذي ينتمي إليه. وبعد مداولات مطولة، اضطر شارون بعدها إلى اقالة بعض الوزراء من حكومته، عرض شارون خطته المعدلة على الحكومة الإسرائيلية، وتم التصويت عليها بالإيجاب، حيث أيدها أربعة وعشرون وزيراً وعارضها سبعة وزراء. والخطة الجديدة في مجملها إذا ما نفذت كاملة لا تختلف كثيراً عن الخطة الأولى، وإن كان هناك بعض الإختلاف في التأكيد على مبدأ المرحلية في التنفيذ، بحيث أن كل مرحلة تحتاج إلى مصادقة الحكومة في حينه، سواء من حيث العمل التحضيري لتنفيذ الخطة أو إخلاء المستوطنات التي قسمت إلى مجموعات بحث يتم البت في عملية الإخلاء أولاً، ثم أي المستوطنات التي ستخلى ثانياً. أما فيما يتعلق بمصير المستوطنين، الذين من المفترض أن يتم إخلاؤهم من قطاع غزة، فقد اعد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مخططاً للتعامل مع المستوطنين، حيث أوضح المخطط أن بإمكان المستوطنين الإختيار بين تعويض مالي- لم تحدد قيمته بعد- وبين الحصول على مساكن وأراضي زراعية بديلة. وحسب المخطط أيضا، فإن الإهتمام يركز على اسكانهم في ضواحي المدن، خصوصا في المناطق التالية: على حدود قطاع غزة، وعلى طول الحدود مع مصر، وفي النقب وفي الجليل والجلبوع وعلى طول خط التماس، ولم يتطرق المخطط إلى إمكانية نقل المستوطنين إلى مستوطنات في الضفة الغربية، حيث حذرت كل من الولايات المتحدة وأوروبا من مثل هذه الخطوة(11). الآثار الجيوبلوتيكية المترتبة على تنفيذ الخطة1- في قطاع غزة:لا بد من التأكيد أن الإنسحاب من قطاع غزة وإخلاء مستوطناته لا يمثل أي تغيير جذري في الإستراتيجية الإستيطانية لشارون، فمستوطنات قطاع غزة لم تكن لها أهمية استراتيجية منذ بداية الإستيطان الإسرائيلي في القطاع، فالكل يجمع على أنها أقيمت لاسباب سياسية من أجل المساومة وتحقيق مكاسب في أماكن أخرى. ولدى النظر إلى خريطة توزيع المستوطنات في قطاع غزة، يلاحظ أن هذه المستوطنات زرعت في مكانها لتحقيق مجموعة من الأهداف، منها: 1- التحكم في الطريق الرئيس في القطاع، وهو شارع صلاح الدين. 2- اعاقة الإتصال بين التجمعات السكانية الفلسطينية، من خلال السيطرة على الطرق العريضة الخاصة بالمستوطنات. 3- الحد من الإمتداد العمراني الفلسطيني، خاصة باتجاه الأراضي الحكومية. 4- السيطرة على مصادر المياه الجوفية. 5- فرض حالة تجعل الفلسطيني يشعر بأنه تحت السيطرة الإسرائيلية. وينتشر في قطاع غزة 19 مستوطنة إسرائيلية يقطنها نحو 7500 مستوطن، موزعة على النحو التالي: - ثلاثة مستوطنات في الشمال الغربي من القطاع هي: نيسانيت، ايلي سيناي، دوغيت، يقطنها نحو 920 مستوطن، وتسيطر على مساحة من الأرض تقدر بنحو 3083 دونم. - مستوطنة نتساريم: تقع على بعد 4 كم إلى الجنوب من مدينة غزة، وتسيطر على مساحة من الأرض تقدر بنحو 2200 دونم ويقطنها نحو 41 عائلة. - مستوطنات غوش قطيف: وهي عبارة عن كتلة استيطانية مكونة من 12 مستوطنة، تقع على طول الساحل من جنوب دير البلح حتى الحدود المصرية- الفلسطينية، ويقطنها نحو ستة آلاف مستوطن وتسيطر على نحو 11% من مساحة قطاع غزة. - المستوطنات الوسطى، وهي مستوطنات ايرز، كفار داروم، وموراغ، وتقع على المحور الأوسط لقطاع غزة على شارع صلاح الدين، وتسيطر على نحو 2880 دونماً ويقطنها نحو 350 مستوطناً. وحسب الخطة الإسرائيلية، فإن إسرائيل ستنسحب من قطاع غزة بما فيها المستوطنات سالفة الذكر، بحيث تعيد انتشارها خارج حدود القطاع بإستثناء (محور فلاديلفيا) ومستوطنة ايرز. بالنسبة "لمحور فلاديلفيا"، فقد أشارت الخطة إلى أن الجيش الإسرائيلي، سيظل مسيطرا على المحور بهدف السيطرة على الحدود المصرية- الفلسطينية، بحجة منع أي عمليات تهريب للأسلحة، ويمثل المحور المذكور مشكلة للجيش الإسرائيلي، من اجل السيطرة عليه. فعلى مدى السنوات الماضية حاول الجيش بوسائل متعددة السيطرة على هذا المحور من خلال حفر خندق على طول المحور ومن خلال عمليات تفجير، وأخيراً تم اقتراح حفر قناة مائية على طول المحور، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي يقر بأن عملية الدفاع عن محور ضيق بهذا الشكل ضد الهجمات الفلسطينية، سيكون في غاية الصعوبة، وهذا ما دفع الجانب الإسرائيلي إلى الإتصال والتنسيق مع الجانب المصري، في محاولة لإيجاد صيغة تساعد في عملية السيطرة على هذا المحور. أما على الجانب الآخر من الحدود، حيث تقع مستوطنة ايرز، التي تعتبر من المناطق الصناعية الهامة بسبب عدد المصانع الكبير الذي تحتويه إضافة إلى أنها توفر نحو 4000 فرصة عمل لعمال قطاع غزة، فقد أشارت الخطة إلى أن إسرائيل ستدرس الإبقاء على هذه المنطقة بشكلها الحالي في حال توفر شرطين: 1- توفير ترتيبات أمنية مناسبة. 2- اعتراف المجتمع الدولي، بشكل واضح، أن استمرار المنطقة الصناعية بشكلها الحالي لا يعني استمرار السيطرة الإسرائيلية في المنطقة. تجدر الإشارة إلى أن المنطقة بكاملها تقع داخل حدود قطاع غزة. وإذا لم يتوفر هذان الشرطان، فإن إسرائيل ستبحث بديلاً يتم من خلاله نقل السيطرة على المنطقة الصناعية إلى جهة فلسطينية أو دولية متفق عليها، أما فيما يتعلق بمعبر ايرز نفسه، فسيتم نقله إلى داخل الحدود الإسرائيلية. وبناءً على ما سبق، فإن تنفيذ الخطة الإسرائيلية سالفة الذكر في قطاع غزة بالشكل المعلن عنه، سيخلق واقعاً جيوبوليتكياً جديداً في القطاع يمكن تلخيصه بالتالي: 1- ستحقق الإنسيابية في حركة المواصلات داخل قطاع غزة سواء حركة الأفراد أو البضائع، مما سينعكس ايجابيا على الحياة الإقتصادية والإجتماعية والنفسية لسكان قطاع غزة. 2- ستظل إسرائيل متحكمة بشكل شبه مطلق بالحركة من داخل القطاع إلى خارجه وبالعكس سواء عن طريق المعابر، أو عن طريق محاولات التسلل عبر الحدود، حيث أكدت الخطة فيما يتعلق بالحدود أن "إسرائيل ستشرف وترابط على الحدود الخارجية للقطاع من البر، وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع، وستواصل القيام بعمليات عسكرية في المجال المائي لقطاع غزة. أما فيما يتعلق بالمعابر الدولية، فإن الخطة تدعو إلى الإستمرار بالعمل بالترتيبات القائمة اليوم، سواء في معبر رفح، أو في المعابر الدولية بين الضفة الغربية والأردن. 3- سيتسنى للجانب الفلسطيني إستغلال نحو عشرة ملايين متر مكعب من المياه العذبة، كانت تضخها المستوطنات، وبخاصة في منطقة "غوش قطيف"، ومستوطنات الشمال، حيث كانت إسرائيل تضخ جزءاً من هذه الكمية إلى إسرائيل، والجزء الآخر كان يستغل داخل المستوطنات نفسها. 4- عملية الإنسحاب من قطاع غزة، ستتيح للسلطة الفلسطينية استغلال نحو 20% من مساحة القطاع البالغة 365 كم2 في التنمية وخلق فرص عمل، وبخاصة وان معظم الأراضي المقامة عليها المستوطنات والأراضي المحاذية لها هي أراضي حكومية، مما سيساعد في تخفيف الضائقة السكانية ويخفف الضغط على الموارد. 2- في الضفة الغربية: أهم ما جاء في الخطة، بخصوص الضفة الغربية، يتعلق ببعض المستوطنات الواقعة شمالها، حيث جاء فيها، "سيتم إخلاء مستوطنات شمال الضفة الغربية، وهي: غنيم، كديم، حومش، سانور، ولن تحتفظ إسرائيل بتواجد عسكري دائم في المنطقة. كما ستعمل إسرائيل على تقليص عدد نقاط التفتيش ( الحواجز)، في الضفة الغربية. من الواضح في الخطة أن إسرائيل سوف تخلي فقط أربع مستوطنات، تقع جميعها في محافظة جنين، وتتوزع على النحو التالي: - مستوطنة كاديم: وهي مستوطنة مدنية يستوطنها نحو 500 مستوطن وتقع على بعد 3كم جنوب شرق مدينة جنين. - مستوطنة غنيم: وهي مستوطنة مدنية يستوطنها نحو 540 مستوطناً، وتقع على بعد 4 كم إلى الشرق من مدينة جنين وتحيط بها قرى وادي الضبع في الشمال وام التوت في الجنوب. - مستوطنة سانور: وهي أيضا مستوطنة مدنية يستوطنها نحو 450 مستوطناً، وتقع إلى الغرب مباشرة من طريق جنين-نابلس، وتحيط بها قرى عجة في الشمال، والرامة في الشمال الشرقي، والعطارة في الجنوب الشرقي، وسيلة الظهر في الجنوب. وتقع المستوطنة في منتصف المسافة بين نابلس وجنين. - مستوطنة حومش: وهي مستوطنة مدنية، يستوطنها نحو 250 مستوطناً، وتقع إلى الشرق مباشرة من طريق جنين-نابلس، وتحيط بها قرى بزارية من جهة الغرب وسيلة الظهر من الشمال الغربي، والفندقومية من الشمال الشرقي وبرقة في الجنوب. أما فيما يتعلق بالحواجز العسكرية، فيجب الإشارة إلى أن نحو 608 عائق وحاجز منتشرة في أنحاء الضفة الغربية، منها 457 حاجزاً ترابياً و95 حاجزاً إسمنتياً (مكعبات إسمنتية) 65 حفرة في الشوارع، إضافة إلى 56 حاجزا يتواجد عليها جنود إسرائيليون بشكل دائم(12). أما منطقة جنين وحدها فيوجد بها 25 من الحواجز سالفة الذكر منتشرة في كافة أرجاء المحافظة، وإذا ما نفذت الخطوة الإسرائيلية، فقد يترتب عليها أثار جيبولوتيكية يمكن تلخيصها بالآتي: - سيتم إخلاء ما بين 1800-2000 مستوطن يعيشون في أربع مستوطنات في محافظة جنين، إضافة إلى مجموعة الحواجز والعوائق التي تعيق حركة المواطنين. - سيتمكن مواطنو محافظة جنين من الحركة داخل حدود المحافظة بصورة أكثر سهولة، ولكن الإتصال بالمحافظات الأخرى سيظل تحت السيطرة الإسرائيلية، من خلال الحواجز الموجودة على مداخل هذه المحافظات. - رغم هذه الخطوة، فإن إسرائيل تحتفظ لنفسها بالحق في اتخاذ خطوات وقائية والرد ضد التهديدات التي ستنشأ في المنطقة، وهو ما يهدد القيمة الفعلية لهذه الخطوة. التوافق الأمريكي- الإسرائيلي: في خطابه الذي أعلن فيه عن خطوته فك الإرتباط، قال شارون ما نصه، "الخطوات من طرف واحد التي تتخذها إسرائيل في إطار خطة فك الإرتباط، ستكون بالتنسيق الأقصى مع الولايات المتحدة"، وأضاف "محظور علينا أن نمس بالتنسيق الإستراتيجي مع الولايات المتحدة"(*). في أول رد فعل أمريكي على خطاب شارون، أعلن مصدر في البيت الأبيض، أن البيت الأبيض لا يعارض خطوات أحادية الجانب تعزز خارطة الطريق(13). ومع أن موقف الإدارة الأمريكية في البداية، لم يكن متحمسا لخطة شارون، إلا انه بدأ بعد فترة وجيزة يبدي تفهماً لهذه الخطة، ورغم أن المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي شون ماكورماك، قد أكد في 13/2/2004 أن الموقف الأمريكي لم يتغير، إلا أنه يرى أن تفكيك المستوطنات من قطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى تحسين حياة الفلسطينيين ويؤدي إلى خفض المواجهات بين الجانبين. كما أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكية ريتشارد أرميتاج في نفس اليوم، أن انسحابا من قطاع غزة قد يكون خطوة في الإتجاه الصحيح، كما قررت الولايات المتحدة إرسال وفد رفيع المستوى إلى إسرائيل لإستيضاح بعض النقاط الواردة في الخطة(14). ومنذ تشكيل الوفد الأمريكي بدأت اتصالات مكثفة وزيارات مكوكية للوفد الأمريكي إلى إسرائيل والمنطقة، كان يقابلها زيارات مكوكية لوفد إسرائيلي إلى الولايات المتحدة، يلتقي خلالها مع أركان الإدارة الأمريكية، في محاولة لإقنعاعهم بخطة شارون الجديدة. وفي اللقاء الأول بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والوفد الأمريكي، برئاسة وليام بيرنز في مدينة القدس في 19/2/2004، عرض شارون على الوفد ما سماه توقعاته من الولايات المتحدة ردا على خطة فك الإرتباط في خمسة مجالات: - الموافقة على تعزيز السيطرة الإسرائيلية في الكتل الإستيطانية في الضفة الغربية، بحيث تصبح جزءاً من إسرائيل في أي تسوية دائمة في المستقبل، وهذه الكتل: غوش عتصيون، اللطرون، اريئيل، معاليه ادوميم(**). - الموافقة على دعم المسار المعدل لجدار الفصل، الذي سيكون اقرب إلى الخط الأخضر مثلما أقر في الخطة التي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية. - إعطاء حرية العمل لرد عسكري إذا ما استمر الإرهاب، من المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل. - اسناد سياسي لخطوات فك الإرتباط حيال الأسرة الدولية. - دعم اقتصادي لخطة فك الإرتباط، يتم فيه توسيع الإرتباط الإقتصادي الفلسطيني في المناطق بمصر والأردن، بحيث تقوم الولايات المتحدة بإقناع مصر والاردن بالقيام بدورهما في الخطة(15). وبعد هذه الجولة من المباحثات خرجت كونداليزا رايس مسؤولة الأمن القومي الأمريكي، في مطلع شهر مارس 2004، لتقول "أن الخطة فرصة تاريخية لإنهاء ثلاث سنوات من المأزق الذي تعيشه عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، ولبدء عملية إنهاء الإحتلال الإسرائيلي"(16). وكانت الولايات المتحدة قد وضعت شروطا أمام إسرائيل كي تقدم على تأييد خطة شارون لفك الإرتباط عن الفلسطينيين يمكن إيجازها فيما يلي: 1- تعارض الولايات المتحدة، أن تقوم إسرائيل بضم أي مناطق من الضفة الغربية. 2- ترفض الولايات المتحدة، فكرة الجدار الشرقي، المعد للفصل بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن. 3- تعارض الولايات المتحدة، النقل المنظم لمستوطنات كاملة أو مجموعات استيطانية تخلى من قطاع غزة لإسكانهم في الضفة الغربية، بهدف تكثيف الكتل الإستيطانية هناك. 4- أن تكون خطة فك الإرتباط جزءاً لا يتجزأ من خطة خارطة الطريق. في هذه الأثناء بدأ الحديث يدور عن زيارة متوقعة سيقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة، التي اشترطت كي تتم الزيارة أن يتم تنسيق كامل بين إسرائيل والولايات المتحدة بخصوص خطة فك الإرتباط. من هنا بدأت الزيارات المكوكية المتبادلة لوفود الطرفين، التي سبق الإشارة إليها لتنسيق الآراء، حيث قام الوفد الأمريكي بثلاث زيارات إلى إسرائيل، واجتمع مع أركان الحكومة الإسرائيلية، كما قام العديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة، خاصة مدير مكتب شارون فايسغلاس ووزير الدفاع شاؤول موفاز. بعد هذه الزيارات بدأ يظهر نوع من التناغم بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، حيث استطاع الجانب الإسرائيلي حسب مصادر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إقناع الإدارة الأمريكية، أن السلطة الفلسطينية بقيادتها الحالية غير قادرة على أن تكون محاوراًُ أو شريكاً في عملية السلام، وان الجانب الفلسطيني هو المتهم بحالة الجمود بشكل كامل(17)، رغم أن واشنطن تفضل أن تجد صيغة يتم من خلالها تنفيذ خطة شارون بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، خوفا من حدوث فراغ سياسي وأمني يؤدي إلى سيطرة منظمات متشددة على الأوضاع في قطاع غزة(18). وهذا ما صرحت به رايس في لقاء مع مسؤولين أوروبيين حين قالت، "أن الإدارة الأمريكية لا تجري محادثات مع إسرائيل لأنها ستقبل بالخطة فقط إذا نفذت بالتنسيق مع الفلسطينيين"(19). دخلت مرحلة المشاورات بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، مرحلة حاسمة في الزيارة الأخيرة التي قام بها دوف فايسغلاس وطاقمه إلى واشنطن في نهاية شهر مارس 2004، والتي على أثرها توجه وفد أمريكي يوم 29/3/2004، مكون من ستيف هادلي واليوت ابامز وبيرنز إلى الشرق الأوسط لإجراء مناقشات شبه نهائية مع الجانب الإسرائيلي(20). حتى الإجتماع الأخير سالف الذكر بين رايس وفايسغلاس، فإن الإدارة الأمريكية لم تعط وعدا للوفد الإسرائيلي، بالمكانة الخاصة للكتل الإستيطانية في الضفة الغربية، رغم أن الأخير أعرب عن استعداد إسرائيل الكامل لإخلاء قطاع غزة، بإستثناء محور الحدود المصرية الفلسطينية، وأربع مستوطنات معزولة أخرى في الضفة الغربية(21). وفي المقابل أعرب شارون عن ارتياحه عن سير المناقشات مع الجانب الأمريكي، حيث أكد أن الجانب الأمريكي يؤيد خطته وأنه تم تحديد موعد 14/4/2004 لزيارته إلى واشنطن وهو مؤشر على أن العديد من المواضيع تم تسويتها وأن زيارته ستضع اللمسات الأخيرة لتفاهمات الطرفين على خطة فك الإرتباط. في مطلع شهر ابريل، بدأت الأخبار تتحدث على موافقة الإدارة الأمريكية على إعطاء إسرائيل رسالة ضمانات مقابل خطة شارون لفك الإرتباط على أن تكون الصيغ المقدمة غامضة، ولكن يمكن لإسرائيل أن تقدمها على أنها اعتراف ضمني بالتجمعات الإستيطانية، وكذلك فيما يتعلق بموضوع اللاجئين على أن يكون باستطاعتهم العودة إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية فقط(22). زيارة شارون: يمكن القول أن التوافق الأمريكي-الإسرائيلي، وصل ذروته خلال زيارة شارون إلى الولايات المتحدة، التي بدأت في 13/4/2004، وكان شارون يتوقع من خلال هذه الزيارة بعد المشاروات المطولة التي عقدها وفود الطرفين الحصول على ما يلي: - أن تؤيد الولايات المتحدة بشكل علني خطة الفصل. - تتعهد الولايات المتحدة بمنع عرض أي مشروع سياسي بديل عن خارطة الطريق. - تؤيد الولايات المتحدة، حق إسرائيل بمحاربة الإرهاب، في المناطق التي تنسحب منها. - الإعلان بأن إسرائيل لن تطالَب بالإنسحاب إلى الخط الأخضر، حتى في إطار التسوية النهائية بالمستقبل. - الإعلان بأن اللاجئين الفلسطينيين يستطيعون العودة إلى الدولة الفلسطينية في المستقبل، الأمر الذي سيفسر كرفض لـ"حق العودة" داخل إسرائيل(23). وفي اليوم التالي للزيارة، عقد الرجلان بوش وشارون لقاء قمة تبادلا فيه رسالتين عبَّر كل طرف عن وجهة نظره في خطة فك الإرتباط، والقضايا المرتبطة بها، ثم عقد الرجلان مؤتمراً صحافيا مشتركاً. ويمكن تلخيص موقف الطرفين خلال ما جاء في الرسالتين، والمؤتمر الصحفي على النحو التالي: الموقف الأمريكي: - ترحيب بخطة فك الإرتباط، التي أعدتها حكومة شارون، ووصفها من قبل الرئيس بوش بأنها خطة شجاعة. - تبقى الولايات المتحدة ملتزمة برؤية دولتين كما ورد في خارطة الطريق، وستبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لمنع فرض أي خطة أخرى. - تؤكد الولايات المتحدة، التزامها الثابت بأمن إسرائيل كدولة يهودية، بما في ذلك حدود آمنة يمكن الدفاع عنها. - تحتفظ إسرائيل بحقها في الدفاع عن نفسها بوجه الإرهاب، بما في ذلك التحرك ضد "المنظمات الإرهابية". - الترتيبات القائمة حول مراقبة المجال الجوي والمياه الإقليمية والمعابر في الضفة الغربية، ستبقى مطبقة بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة و/أو أجزاء من الضفة الغربية. - استقرار اللاجئين يكون في الدولة الفلسطينية المزمع اقامتها وليس في دولة إسرائيل. - من غير الواقعي أن تؤدي مفاوضات الحل النهائي إلى عودة كاملة إلى خطوط الهدنة عام 1949، وان أي اتفاق للوضع النهائي لا يمكن أن يتم إلا على أساس تغييرات يُتفق عليها تعكس الحقائق الجديدة على الأرض. وقد كرر الرئيس بوش في رسالته والمؤتمر الصحفي، ما جاء في خارطة الطريق فيما يتعلق بالتزامات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والتعاون الإقليمي في المنطقة(*). أما رسالة شارون التي وجهها إلى الرئيس بوش وسلمه إياها في اللقاء المشار اليه سابقاً، فقد جاءت لتؤكد على النقاط التالية: - أن خارطة الطريق كما تبنتها الحكومة الإسرائيلية، هي الصيغة الوحيدة القابلة للتطبيق بشرط أن ينفذ الجانب الفلسطيني ما يطلب منه طبقاً لهذه الخطة. - أن الإرهاب الفلسطيني المستمر، وعدم وجود شريك فلسطيني، هو الذي دفع إسرائيل إلى اتخاذ خطوة فك الإرتباط من طرف واحد، بهدف تحسين أمن إسرائيل واستقرار وضعها السياسي والإقتصادي. - أن خطة فك الإرتباط لم تتخذها إسرائيل، وفقاً لخارطة الطريق، أنما تمثل خطة إسرائيلية مستقلة ولكنها لا تتعارض مع خارطة الطريق. - سيتم تسريع بناء الجدار الفاصل، كما أقرته الحكومة الإسرائيلية بصفته سياجاً امنياً وليس سياسياً. - أي تقدم نحو التسوية في الشرق الأوسط يجب أن يكون طبقاً لخارطة الطريق فقط، وأن إسرائيل ستعارض أي خطة أخرى. مع تعهد إسرائيلي بالوفاء بالتزاماتها الواردة في خارطة الطريق(*). وبعد عودته إلى إسرائيل، عدد شارون في جلسة الحكومة الإسرائيلية، أهم الإنجازات التي يعتقد انه حققها خلال زيارته إلى الولايات المتحدة على النحو التالي: 1- الحفاظ على مبدأ خارطة الطريق، لن تجري مفاوضات تحت النار، الولايات المتحدة لن تتبنى أي خطة سياسية أخرى. 2- طالما لا يوجد وقف للإرهاب، وحل المنظمات الإرهابية واصلاحات شاملة في السلطة الفلسطينية، لن يكون أي مفاوضات سياسية. 3- اعتراف أمريكي بالحاجة الإسرائيلية إلى حدود قابلة للدفاع عنها. فقد اعترفت الولايات المتحدة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في كل مكان، بما في ذلك المناطق التي أخلتها أو ستخليها. 4- لن تكون أي عودة للاجئين إلى إسرائيل. 5- لن تكون عودة إلى حدود 1967، سواء لأن الكتل الإستيطانية ستبقى بيد إسرائيل أم بسبب حق إسرائيل في حدود آمنة وقابلة للدفاع عنها. 6- ليس فقط ستبقى الكتل الإستيطانية بيد إسرائيل، بل سيكون بوسع إسرائيل أن تبني فيها بحجم يتقرر على نحو مشترك مع الأمريكيين. 7- سيبنى الجدار وفقا للمسار الكامل الذي قررته الحكومة الإسرائيلية(24). الموقف الأوروبي: رغم بعض التصريحات الإيجابية التي صدرت من بعض الدول الأوروبية، فيما يتعلق بخطة شارون فك الإرتباط أحادي الجانب، إلا أن الموقف الأوروبي العام يمكن استيضاحه من خلال تعليق وزير الخارجية الإيرلندي الذي تترأس بلاده الإتحاد الأوروبي، بعد الإجتماع الوزاري للإتحاد الأوروبي، حيث أعلن الوزير الإيرلندي مجموعة النقاط حول الخطوة الإسرائيلية: 1- الإنسحاب يجب أن يكون من خلال تطبيق خارطة الطريق. 2- يجب أن تكون خطوة بإتجاه إقامة حل لدولتين. 3- يجب أن لا يتم نقل المستوطنين الذين سيُخلون من قطاع غزة إلى الضفة الغربية. 4- أن يكون هناك عملية نقل منظمة من خلال التفاوض والتسليم إلى السلطة الفلسطينية. 5- على إسرائيل تسهيل عملية إعادة إعمار غزة(25). وفي بيان القمة الأوروبية، التي عقدت في بروكسل في نهاية شهر مارس 2004، أكد الزعماء الأوروبيون على نفس النقاط السابقة مع تأكيدهم على عدم الإعتراف بأية تغييرات تجري من جانب واحد في حدود إسرائيل القائمة قبل حرب عام 1967(26). الأمم المتحدة: دعا دانيلو ترك مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، إسرائيل إلى تقديم جدول أعمال واضح لإقتراحها بشأن اجلاء المستوطنين والقوات من قطاع غزة، وقال انه لكي ينجح الإنسحاب، يجب أن يكون كاملا وتاما ويجري في إطار خطة خارطة الطريق، ويتم بالتشاور مع السلطة الفلسطينية. وأضاف ترك، أن هذا الإنسحاب يجب أن يكون في نهاية المطاف خطوة أولى من جانب إسرائيل تجاه إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، طبقاً لما ورد في قرارات الأمم المتحدة(27). وفي تطور آخر، دعا كوفي عنان الرئيس عرفات إلى التعامل بنوع من الإيجابية مع خطة شارون، واعتبارها خطوة بإتجاه إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط. الموقف المصري: يتميز الموقف المصري من الأحداث التي تجري في قطاع غزة بالخصوصية، نظرا للعلاقة الخاصة التي تربط قطاع غزة بمصر اقتصاديا وثقافيا ولوجستياً. فمصر تشترك مع قطاع غزة بشريط حدودي يبلغ طوله نحو 12.6 كيلومتر، ومصر تعتبر المنفذ الوحيد لقطاع غزة مع العالم الخارجي، إضافة إلى العلاقة التاريخية، وبخاصة فترة الإدارة المصرية لقطاع غزة في الفترة 1948-1967. لهذه الأسباب مجتمعة يحتل الموقف المصري من قضية فك الإرتباط أهمية خاصة، حيث يرى الجميع وجوب أن يكون لمصر دور بشكل أو بآخر في تنفيذ الخطوة الإسرائيلية لتحقيق نوع من الإستقرار في قطاع غزة. فالمطلوب من مصر اسرائيلياً، أن تقوم بحماية الشريط الحدودي الذي يربطها بقطاع غزة، والمساعدة في تدريب الشرطة الفلسطينية في مهمتها "مكافحة الإرهاب". كما تطمح الولايات المتحدة في أن تقوم مصر بدور مهم في تنفيذ خطة شارون والمساعدة في استتباب الأمن في قطاع غزة وعدم السماح للمنظمات الإسلامية من السيطرة على القطاع. ولكن السؤال المطروح، ما هو حجم الدور المصري الممكن لتنفيذ هذه الخطوة، هذا السؤال يذكرنا بالمفاوضات التي دارت بين الجانبين المصري والإسرائيلي برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، حيث طلب من بيغن بأن يوافق على وضع ضباط ارتباط مصريين في قطاع غزة، ولكن مناحيم بيغن رفض ذلك، لأنه لم يرغب بان تتدخل مصر في إنشاء الحكم الذاتي الفلسطيني، وسيعيق عمل السلطات الإسرائيلية في حالة معالجة أمور "طارئة" في قطاع غزة. ولكن على ما يبدو فإن الأمور حدث فيها نوع من التغيير، فشارون إذا كُتب لخطته النجاح، فإنه يريد دوراً مصرياً حقيقياً لضبط الأمن في قطاع غزة، وعلى طول المحور الحدودي بين القطاع ومصر. وبالرغم من أن هذا المحور يعتبر حدوداً فلسطينية مصرية إلا أن المعاهدة المصرية-الإسرائيلية الموقعة عام 1979، طبقت على هذا الجزء من الحدود ما يطبق على باقي الحدود المصرية-الإسرائيلية، وطبقا لنصوص المعاهدة فيحق للجانب المصري بتواجد شرطة مدنية على الجانب الغربي من الحدود ومسلحة بأسلحة خفيفة لأداء المهام العادية للشرطة داخل المنطقة المحدودة والمصنفة منطقة (ج). وحسب الخبراء فإن هذا النوع من القوات لا يستطيع حماية الحدود من عمليات التسلل والتهريب مما يستدعي بعض التغييرات والترتيبات الأمنية السائدة في المنطقة المذكورة. وقد علق الرئيس مبارك أمام شمعون بيرس أثناء زيارة الأخير للقاهرة بقوله، أن مصر ستعمل على منع التهريب من مصر إلى قطاع غزة(28). كما أكد الرئيس مبارك، أن انسحاب إسرائيل فجأة من قطاع غزة بدون تشاور مع السلطة الفلسطينية، سيؤدي إلى حالة من الفوضى، ودعا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتطبيق خارطة الطريق. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المستشار الألماني غيرهارد شرويدر، أكد الرئيس مبارك أن مصر "ترحب بالإنسحاب من غزة، لكننا نأمل أن يتم تنسيق هذا الإنسحاب مع الفلسطينيين، لأنهم هم من سيتولون حفظ الأمن فيما بعد"(29). كما وأكد الرئيس مبارك، في أكثر من مناسبة أن مصر مستعدة للمساهمة في تدريب أجهزة السلطة الفلسطينية، ولكن من سيتولى مسؤولية الأمن في قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل، هم الفلسطينيون أنفسهم، حيث أكد الرئيس مبارك ذلك في لقائه مع سيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي، أثناء زيارة الأخير للقاهرة في 11/3/2004، حين قال "قلت لوزير الخارجية الإسرائيلية، أننا سنحافظ على الأمن في الجانب المصري من الحدود مع السلطة الفلسطينية"، وأضاف الرئيس مبارك، "أن مصر لا تنوي إرسال قوات إلى قطاع غزة، وأبلغنا الفلسطينيون انه يجب عليهم المحافظة على الأمن في القطاع، وسيقتصر الدور المصري على تقديم النصائح للفلسطينيين في هذا المجال"(30). وفي تطور آخر، وبعد مشاورات مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، تقدم الجانب المصري بمقترح لم يكشف عن تفاصيله بعد، وإن كان ما رشح حوله، يؤكد أنه يركز على الجوانب الأمنية وضرورة أن تقوم إسرائيل بتشغيل الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن يكون الإنسحاب من قطاع غزة شاملاً وضمن خارطة الطريق. الموقف الفلسطيني: في رد فعله على خطة شارون، أكد الرئيس عرفات، انه ينظر إلى الخطوة بنوع من الريبة، خاصة أنها جاءت بتوقيت يتزامن مع التحقيقات الجارية ضد شارون، مع عدم رفضه لفكرة أي انسحاب إسرائيلي من أي ارض فلسطينية(31). أما رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع، فقد قال "إن الخطوات الأحادية التي يقترحها شارون بما في ذلك إقامة الجدار الفاصل، قد تدفع الفلسطينيين إلى التخلي عن جهود التوصل إلى تسوية للصراع، القائمة على أساس دولتين". وأضاف "إن على الولايات المتحدة، التي تعتبر الوحيدة القادرة على حل الصراع وتحقيق رؤية الرئيس بوش، في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، إجبار إسرائيل على الإستجابة للمتغيرات والمضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق"(32). وعقب اجتماعها المنعقد في 19/4/2004، عبرت القيادة الفلسطينية عن موقفها من خطة شارون ورسالة الضمانات الأمريكية لشارون، حيث جاء في البيان، "أن المطروح مما يسمى الإنسحاب من غزة، هو تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير من خلال إبقاء السيطرة الإسرائيلية على المياه الإقليمية والمعابر الدولية والأجواء مع إبقاء منشآت عسكرية إسرائيلية". وأضاف البيان، "أن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، تشكل إجحافاً بكافة مسائل مفاوضات الوضع النهائي، وأنها تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي". وشدد البيان على ضرورة "الإنسحاب الحقيقي من قطاع غزة، وليس الشكلي والإنسحاب المتزامن من الضفة الغربية، واعتبار ذلك جزءاً من خارطة الطريق وليس بديلا عنها". وحول الموقف الأمريكي من خطة شارون والضمانات التي حصلت عليها، أكدت القيادة الفلسطينية، رفضها أي انحراف عن مبادئ وقرارات الشرعية، وعلى رأسها مبدأ الأرض مقابل السلام، وعدم مكافأة الإحتلال والإستيطان. وأكدت القيادة على ضرورة الحصول على توضيح مؤكد وخطي من الإدارة الأمريكية، ورفض الموقف الأمريكي المخالف للشرعية الدولية لأن ما حصل هو إلغاء للقرارات الدولية، وضد القانون الدولي، وضد الإتفاقات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي(33). من جهته وجه رئيس الوزراء الفلسطيني، رسالة خطية إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش، قال فيها "انه يأمل منه إعادة النظر في الضمانات الجديدة التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى الحكومة الإسرائيلية، حتى يمكن دفع عملية السلام، وتحقيق رؤية الرئيس بوش القائمة على حل الدولتين". وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني، على أن الضمانات الأمريكية لإسرائيل تتعارض مع القانون الدولي، ومبدأ الأرض مقابل السلام، كما تتناقض مع الضمانات التي قدمتها الإدارة الأمريكية السابقة للفلسطينيين، وبضمنها رسالة ضمانات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، والتي تعارض أية إجراءات أحادية الجانب تجحف بقضايا الوضع النهائي(34). على اثر ذلك، تلقى رئيس الوزراء الفلسطيني رسالة تطمينات من الرئيس الأمريكي جورج بوش، لم يكشف عن مضمونها، كما أن الموقف الفلسطيني شهد تطوراً إيجابياً تجاه خطة شارون بعد الإتصالات المصرية والتأييد الأوروبي للدور المصري، وبعد لقاءه مع الرئيس المصري حسني مبارك في 17/6/2004، حدد قريع الدور المصري في ثلاث مهمات محددة، الأولى تتعلق بتعزيز الحوار الوطني الفلسطيني وإيصاله إلى الحد الذي يتطلع إليه الجميع. المهمة الثانية، تتعلق بإعادة بناء وهيكلة قوات الأمن الفلسطينية. والمهمة الثالثة، أن تقوم مصر والدور العربية بدور في كسر الجمود في عملية السلام، وعدم إهمال خارطة الطريق التي لا بد عنها. وأكد السيد احمد قريع، أن نجاح المهمة المصرية مرتبطة بتوفير دعم من اللجنة الرباعية، وخاصة الولايات المتحدة، إضافة إلى توقف إسرائيل عن القيام بأية انتهاكات(35). الخلاصة: منذ حرب عام 1967، كان الهدف الإستراتيجي لليمين الإسرائيلي، ومن ضمنهم شارون تجنب الدخول في عملية سياسية جادة، فقد أدرك شارون أن النتيجة الحتمية لعملية سياسية جادة ستكون عودة إسرائيل إلى حدود 4 يونيو 1967، وفي احسن الظروف إجراء تعديلات طفيفة على هذه الحدود، وعندما أدرك شارون أن خارطة الطريق تمثل مشروعا جدياً لإنهاء الصراع برعاية دولية، بدأ في التفكير جدياً في تجاوز هذه الخطة، خاصة بعدما بدأت الأمور تتجه نحو الجمود السياسي والذي كان سببا رئيسيا فيه، عند ذلك فسر شارون التحول في موقفه من موضوع فك الإرتباط، باعتباره نتيجة لمخاوف من انه في غياب أي تحرك في اتجاه عملية سياسية (حسب الرؤيا الإسرائيلية) فإن المجتمع الدولي قد ينتزع المبادرة منه، ويفرض نوع من التسوية تدمر كل ما حققه في العقود الثلاثة الماضية. إن هذا التحليل لا يعني بالضرورة أن يقدم شارون حتماً على تنفيذ فك الإرتباط، فهناك العديد من المؤشرات التي تدل أن هناك نوع من المماطلة وعدم الجدية من قبل شارون تجاه عملية التنفيذ منها. - المدة الزمنية الطويلة المقرة لتنفيذ الخطة حتى نهاية عام 2005، مع أن خطوة من هذا القبيل يمكن تنفيذها في غضون شهرين إلى ثلاثة اشهر. دعوة أعضاء حزب الليكود إلى الإستفتاء حول الخطة، وكان من الأجدر دعوة المجتمع الإسرائيلي للاستفتاء ، بحيث ستكون النتيجة الحتمية مع الإنسحاب. عمليات التصعيد الإسرائيلية، في قطاع غزة خاصة اغتيال الشيخ احمد ياسين ود.عبد العزيز الرنتيسي، مؤشر على أن شارون غير معني بتنفيذ الخطة في فترة قريبة، وهي دعوة إلى المجتمع الفلسطيني إلى مزيد من الكره والمقاومة. سهولة حصول شارون على الضمانات الأمريكية المكتوبة مقدماً دون أن يقدم أي شيء ملموس على ارض الواقع قد يدفعه إلى مزيد من التغاضي عن تنفيذ الخطوة. هذا هو المخطط الإسرائيلي، فهل يوجد مخطط فلسطيني مضاد!
الهوامش (*) تنتهي الفترة الزمنية التي تغطيها الدراسة قبل تصويت الليكود على الخطة وذلك لدواعي بحثية. (*) انظر نص الخطاب في الملاحق. (**) خريطة ما يسمى بالكتل الإستيطانية، ولدت في عام 1974، في فترة الولاية الأولى لإسحق رابين ووزير دفاعه في حينه شمعون بيرس، ثم انتقلت الفكرة في عام 1977 إلى مناحيم بيغن ووزير دفاعه عيزر وايزمن،. كانت الفكرة أن يتم بناء ست إلى سبع كتل استيطانية كبيرة، يكون في مركز كل واحدة منها مدينة كبيرة وتكون قريبة من الخط الأخضر (بيت حورون، ارئيل، كرني شومرون، نفيه توفي، جلبوع، ثم اضيف لها معاليه أدوميم وغوش عتصيون). (*) مرفق نص إعلان الرئيس بوش الذي سلم إلى شارون، في باب وثائق. (*) نص رسالة شارون إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش في باب الوثائق. (1) خالد شعبان، مجلة مركز التخطيط –العدد 11،12، 2003. (2) هآرتس، 2/12/2003. (3) يديعوت احرونوت، 24/2/2004. (4) الأيام، 16/3/2004. (5) هآرتس، 8/2/2004. (6) يديعوت احرنوت، 27/2/2004. (7) هآرتس، 11/2/2003. (8) معاريف، 11/2/2003. (9) النص الكامل للخطة ضمن الملاحق. (10) يديعوت أحرونوت 2/4/2004. (11) القدس، 16/4/2003. (12) بتسيلم، 20/1/2004. (13) مكتب الرئيس- المعلومات. (14) القدس، 14/2/2004. (15) هآرتس، 22/2/2004. (16) القدس، 8/3/2004. (17) الإذاعة الإسرائيلية، 23/1/2004. (18) الأيام ، 18/2/2004. (19) معاريف، 27/2/2004. (20) هآرتس، 30/3/2004. (21) يديعوت احرونوت، 25/3/2004. (22) هآرتس، 1/4/2004. (23) القدس، 14/4/2004. (24) يديعوت احرونوت، 19/4/2004. (25) مكتب الرئيس، (المعلومات). (26) الأيام، 27/3/2004. (27) القدس، 19/3/2004. (28) هآرتس، 3/3/2004. (29) الأيام، 17/4/2004. (30) القدس، 13/3/2004. (31) القدس، 7/2/2004. (32) الأيام، 9/1/2004. (33) الأيام، 20/4/2004. (34) الأيام، 22/4/2004. (35) الأيام، 18/6/2004. |
|