حكومة شارون الثانية ومستقبل التسوية السلمية

د.خالد شعبان

جرت انتخابات الكنيست السادسة عشر (يناير 2003)، في ظل مستجدات إقليمية ودولية ومحلية جديدة، احتلت فيها عملية التسوية السلمية الأهمية الأولى في المعركة الإنتخابية، وباتت القضية الأمنية/ السياسية هي محور التفاعلات بين الأحزاب وجمهور الناخبين، وذلك رغم وجود قضايا الفساد والرشوة التي طغت على فترات زمنية متعددة، وطالت في تفاعلاتها بعض القياديين كشارون ومتسناع، إلا أن القضية الأمنية/ السياسية كانت ولازالت هي المحور الأساسي لإستقطاب اكبر قدر ممكن من أصوات الناخبين.

وقد أسفرت الإنتخابات عن فوز اليمين بقيادة الليكود، مما أدى إلى إثارة العديد من الأسئلة حول الأسباب التي أدت إلى عودة الليكود، رغم الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية المتدهورة التي يعيشها الشارع الإسرائيلي. وقد بات هذا الفوز يضع مجموعة من الأسئلة . فهل يعتبر انزياح الجمهور الإسرائيلي نحو اليمين حقيقة واقعة ومستمرة؟ وهل صحيح أن هذه الإنتخابات تؤكد توجه الرأي العام الإسرائيلي نحو التشدد في عملية التسوية مع الفلسطينيين؟

هذه الأسئلة تبعتها أسئلة كثيرة متعددة متنوعة حول إتجاه حكومة شارون إزاء  عملية التسوية، وماهية الآفاق التي تحملها هذه الحكومة، والتي تستند أساساً إلى رؤيا أمنية وليست سياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سيؤثر هذا الدور على تركيبة الحكومة الإسرائيلية، وهل ستظل عملية التسوية مرتبطة بالأمريكيين دونما اللجنة الرباعية، أو الإتحاد الأوروبي، هذا جزء من الأسئلة التي تحاول هذه الدراسة الإجابة عليها.

أولاً: إنتخابات الكنيست السادسة عشر

1-القوى المشاركة في الإنتخابات

جرت انتخابات 2003، حسب الطريقة القديمة (طريقة القوائم الإنتخابية وبطاقة انتخابية واحدة)، والتي كانت مطبقة قبل الانتخابات 1996، ولذلك برزت قضية أهمية التماسك الحزبي، ومحاولة كل حزب الحفاظ على وجوده، حيث تم عقد العديد من الإتفاقات الإئتلافية بين مجموعات عديدة من القوى السياسية.

وقد بلغ عدد القوى التي شاركت في الإنتخابات 27 قائمة حزبية، وهي بذلك تتوافق مع إحدى صفات النظام الحزبي في إسرائيل وهي التعددية الموصوفة بالتشرذم، كما أن كل قائمة لا تعني حزباً، فبعض القوائم يتكون من قوتين سياسيتين أو اكثر، فلدينا في هذه الإنتخابات قائمة العمل-ميماد، وقائمة الإتحاد القومي (موليدت، إسرائيل بيتنا، تكوما)، ومن أهم القوائم التي خاضت انتخابات الكنيست كانت قائمة الليكود، وذلك بعد أن نجح شارون في ضم الأمراء السابقين والأعضاء الذين خرجوا من الليكود سابقاً مثل دافيد ليفي ودان مريدور وروني ميلو، ومن القوائم التي جذبت الإنتباه قائمة حب إسرائيل برئاسة الراب كدوري والتي انشقت عن حركة شاس وقائمة إسرائيل أخرى التي دعت إلى نبذ السياسيين، كما خاضت الإنتخابات (4) قوى عربية.

 وغالبا ما تنفصل هذه القوائم بعد انتهاء الإنتخابات، أي أن بعض القوى تخوض الإنتخابات كل مرة بشكل مختلف، ويوضح الجدول التالي تعدد القوى المشاركة في الإنتخابات منذ الكنيست التاسعة:

عدد القوائم التي خاضت انتخابات الكنيست 1977-2003

الكنيست

عدد القوى المشاركة في الإنتخابات

عدد القوائم الفائزة

التاسعة 1977

22

13

العاشرة 1981

31

10

الحادية عشرة 1984

26

15

الثانية عشرة 1988

28

15

الثالثة عشرة 1992

25

10

الرابعة عشرة 1996

21

11

الخامسة عشرة 1999

32

15

السادسة عشرة 2001

27

13

والحقيقة التي يعكسها واقع التعددية هو واقع المجتمع الإسرائيلي المركب من عدة ثقافات وأجناس وأصول عرقية مختلفة، تتخذ كل منها مصلحة خاصة تختلف عن الأخرى، حيث تعبر كل مجموعة عن نفسها من خلال تنظيم أو حركة، ولذلك نجد عدداً كبيراً من القوى التي تشارك في الإنتخابات.

2- المعركة الإنتخابية

تنوعت القضايا التي تناولتها الأحزاب في برامجها ودعايتها الإنتخابية، وتعددت القضايا التي تأثر بها رجل الشارع مباشرة، والتي تنوعت إلى دولية مثل قضية العراق، إقليمية كعملية التسوية وإيجاد حل ما لإنتفاضة الأقصى، وكذلك اهتم الشارع الإسرائيلي بما يجري داخل الأحزاب خاصة قضايا الفساد وإنتشار الرشوة وهي القضايا المحلية، وفيما يلي أهم هذه القضايا:

أ- قضية العراق

دلت التحركات الأمريكية على أن هناك مواجهة عسكرية ضد العراق، وخشيت إسرائيل أن ينعكس ذلك عسكريا وسياسياً عليها. عسكرياً: خشيت إسرائيل أن تقوم العراق بضربها بصواريخ سكاد سواء بأسلحة تقليدية أو غير تقليدية، الأمر الذي اثار القلق في الشارع الإسرائيلي، وكانت هناك دعوات من اجل تأخير الإنتخابات إلى حين انتهاء التهديد العراقي. أما سياسياً: من خلال دفع إسرائيل الثمن الذي تطالب به الدول العربية وأوروبا كشرط لدعم قرار الحرب الأمريكي من اجل إسقاط صدام حسين، حيث لوحظت بعض الإشارات سواء الأوروبية أو العربية من اجل وجود ضغط أمريكي على إسرائيل من اجل الموافقة على تسوية أساسها الإنسحاب إلى حدود 1967، الأمر الذي دفع بقيادة الأحزاب جميعاً الأخذ بالرأي الداعي إلى أن على إسرائيل الرد إذا ما تعرضت لهجوم عراقي(1).

ب- قضايا الفساد

التصقت قضايا الفساد في هذه الإنتخابات بالأحزاب الكبيرة، وبخاصة حزب العمل والليكود، وبرزت بشكل واضح في الإنتخابات التمهيدية لحزب الليكود، وكان الليكود قد شهد توجه عدد من أعضائه الخاسرين في الإنتخابات التمهيدية إلى مراكز الشرطة لتقديم شكاوى حول وجود شُبهة في شراء الأصوات، الأمر الذي أدى إلى تدخل المستشار القضائي للحكومة، ودلت تحقيقات الشرطة إلى وجود تجاوزات انتخابية، مثل عملية شراء الأصوات من خلال تقديم أموال نقدية، أو المشاركة في تكاليف الحملات الإنتخابية لأعضاء الليكود، أو إصدار منشورات بأسماء قائمة تحتوي على أسماء بعض مرشحي الليكود، أو وجود جماعات المافيا وإشرافها وتمويلها لبعض المرشحين(2).

ج-قضايا السلام والأمن

كانت انتفاضة الأقصى والسلام مع الفلسطينيين على سلم أولويات الأحزاب، وقد تباينت الأحزاب في طرحها للحلول السياسية للإنتفاضة، ففي الليكود كان هناك رفض لقيام الدولة الفلسطينية، ورفض للإنسحاب من المستوطنات من جانب واحد، أما حزب العمل فقد طرح متسناع قضايا عديدة منها إخلاء قطاع غزة مع احتمال إخلاء بعض الأحياء العربية في القدس واخلاء الحي الإستيطاني في الخليل، والدعوة إلى الإنفصال عن الفلسطينيين من خلال إقامة سياج بين الضفة وإسرائيل، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين مع الإستمرار في مكافحة (الإرهاب).

د-حكومة الوحدة

كانت حكومة الوحدة محل تباين الأحزاب، ولكنها كانت مطلباً جماهيرياً، ولذلك تمسك شارون بها ودعا إليها في كل مؤتمراته الإنتخابية، ولكن متسناع زعيم حزب العمل فاجأ الجميع في 14/1/2003 برفضه المشاركة في حكومة وحدة وطنية يرأسها شارون، وذلك بعد فضيحة الفساد التي إلتصقت بشارون وحزب الليكود.

3- الدولة الفلسطينية في البرامج الإنتخابية

كانت الدولة الفلسطينية عنواناً بارزاً في جميع برامج الأحزاب الإنتخابية، وذهبت الأحزاب مذاهب شتى في فهمها لمدلول هذا المصطلح، ولكن الإجماع الحزبي الإسرائيلي الصهيوني يفرغ دائما هذا المصطلح من مدلولاته السياسية، وذلك من خلال نقضه أركان مفهوم الدولة، وفيما يلي عرض لمواقف الأحزاب الصهيونية من الدولة الفلسطينية.

أ- الليكود(3): أكد الليكود من خلال مركز الحزب، وبرنامجه الإنتخابي لا للدولة الفلسطينية، ولكن للفلسطينيين أن يديروا حياتهم في إطار حكم ذاتي، وليس في إطار دولة، وبذلك فإن المواضيع الخارجية والأمنية الخاصة بالفلسطينيين في إطار الحكم الذاتي ستكون تحت السيادة الإسرائيلية. وللعلم فإن هذا الموقف يتناقض مع موقف شارون الذي أعلن قبوله بوجود دولة فلسطينية(*)، كما أعلن عن قبوله لرؤيا بوش، والتي تقوم على وجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وأكد على ذلك عدة مرات، ولكن الدولة الفلسطينية التي يقبل بها شارون مازالت مجهولة، وإنما هو يعبِّر دائماً عن هذا المصطلح ضمن العموميات السلمية التي يطرحها حول التسوية مع الفلسطينيين.

ب- العمل(4): دعا برنامج حزب العمل، إلى دولتين لشعبين تعيشان بسلام، إلا أن هذا المصطلح كان عمومياً، بمعنى أن الحزب لم يطرح حدود هذه الدولة، وهل تتمتع بالسيادة، كل هذه القضايا مجهولة، كما أن الحزب وضع شروطا من اجل الوصول إلى الدولة الفلسطينية المجهولة، منها: -القبول بتسوية نزيهة لمشكلة اللاجئين دون منح حق العودة. -الحدود تقرر في المفاوضات. - ضم الكتل الإستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل.

ج-شينوي(5): جاء مصطلح دولة فلسطينية في  برنامج شينوي مرة واحدة فقط، حيث يرفض الحزب قيام دولة فلسطينية، إلا بعد أن يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة، كما دعا برنامج الحزب الخارجي والخاص بعملية السلام إلى اجراء مفاوضات مع أوساط فلسطينية معتدلة (وليس عرفات) كما اشترط وقف ما أسماه (بالإرهاب) وقد دعا شينوي إلى إخلاء المواقع الإستيطانية غير القانونية، أما في إطار التسوية السلمية سيكون على إسرائيل إخلاء المستوطنات، وبالنسبة للمستوطنات الكبيرة فستكون موضوعاً للمفاوضات، ومن خلال هذه الشروط يلاحظ أن الدولة الفلسطينية عبارة عن كيان منقوص السيادة، ولا ذكر لحدود عام 1967.

د-الإتحاد القومي(6): رفض الإتحاد القومي وجود كيان سياسي بين البحر والنهر غير دولة إسرائيل، أما مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، فيتم حلها في إطار اتفاق بين الأطراف (لم يذكرهم)، ويقترح الإتحاد القومي فكرة التبادل السكاني بالإتفاق، حيث يتم اسكان اللاجئين في الدول العربية، وذلك مكان اليهود الذين قدموا إلى إسرائيل من الدول العربية.

هـ-إسرائيل بعليا(7): دعا الحزب إلى إقامة هيئة تنسيق خارجية برئاسة الولايات المتحدة، تكون مسؤولة عن إقامة إدارة ذاتية فلسطينية، ولإسرائيل حق النقض على مرشحي هذه الإدارة، كما أن الجهاز الإداري سيكون مسؤولا عن إدارة الحياة اليومية، اقتصاد، تعليم، إسكان، ثقافة…… وتكون إسرائيل مسؤولة عن قضايا الأمن والحدود، ويشترط في أعضاء الجهاز الإداري عدم ممارستهم للإرهاب، ومدته 3 أعوام، ومع نهايتها تجري إنتخابات ديمقراطية، تشرف عليها هيئة التنسيق، وذلك من اجل بناء جهاز سياسي ديمقراطي لا يدعم الإرهاب، وبعد قيام الجهاز الإداري ومن خلال العمل مع هيئة التنسيق يتم تفكيك مخيمات اللاجئين الموجودة في المناطق الفلسطينية، وإيجاد حياة ملائمة لهم، وتؤسس هيئة التنسيق صندوقاً دولياً لإقامة مشاريع، ومع نهاية الأعوام الثلاثة يمكن إجراء مفاوضات بين دولة إسرائيل ومندوبين فلسطينيين المنتخبين في مفاوضات بشأن اتفاق سلام دائم. الملاحظ أن البرنامج لا يأتي على ذكر دولة فلسطينية كلية، حيث أن النقاط الواردة فيه تتحدث عن إدارة ذاتية للسكان فقط.

و-المفدال(8): أكد المفدال في برنامجه، أن إجراء أي مفاوضات مع الدول العربية أو السلطة الفلسطينية، يجب أن تجري تحت قواعد هامة منها انه في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط تكون دولة واحدة فقط وهي اسرائيل، ولن يكون فيها دولة فلسطينية، ولذلك يدعو الحزب إلى تعزيز الإستيطان في جميع أراضي إسرائيل بما فيها الضفة الغربية والقطاع، كما سيقوم المفدال بإلغاء وإبطال إتفاقات أوسلو من خلال القرارات الرسمية، ومعارضة حق العودة.

4- نتائج الإنتخابات

بلغ عدد من يحق لهم التصويت في الإنتخابات 4.7 مليون ناخب، شارك فيها 3.200.773 ناخب بنسبة (68.2%) وبلغ عدد الأصوات الملغاه 52.409، بينما بلغ عدد الأصوات الصالحة 3.148.364، كما بلغت نسبة الحسم 47225 صوتاً،  بينما بلغ عدد الأصوات المطلوبة للحصول على مقعد واحد 25137 صوتاً. وفيما يلي جدول يوضح توزيع الأصوات والمقاعد على القوائم التي شاركت في الإنتخابات:

القوائم التي خاضت الإنتخابات وعدد الأصوات والمقاعد التي حصلت عليها

إسم القائمة

عدد الأصوات

عدد المقاعد

الليكود

925279

38

العمل/ميماد

455183

19

شينوي

386535

15

شاس

258879

11

الإتحاد القومي

173973

7

المفدال

132370

6

يهدوت هتواره

135087

5

ميرتس

164122

6

التجمع الوطني الديمقراطي

71299

3

حداش

93819

3

شعب واحد

86808

3

القائمة العربية الموحدة

65551

2

إسرائيل بعلياه

67719

2

حيروت

34060

-

إسرائيل أخرى

6268

-

تسوميت

1881

-

حقوق الرجل

1336

-

الغضب

1000

-

التحالف الوطني

20188

-

محبة إسرائيل

5204

-

دعم

1867

-

عليه يروك

31230

-

ليدر

781

-

الخضر

11549

-

المركز

1904

-

المواطن والدولة

1479

-

لاهفا

1127

-

 وبهذا يبلغ عدد أعضاء اليمين في الكنيست الجديد (الليكود، الإتحاد القومي، المفدال) 53 عضواً، واليسار (العمل، ميرتس) 25 عضواً، المتدينون (شاس، يهدوت هتوراه) 16 عضواً، الأحزاب العربية (حداش، التجمع، القائمة الموحدة) 8 أعضاء، الوسط (شينوي، شعب واحد) 18 عضواً. ويبلغ عدد النواب المهاجرين 10 أعضاء، وبلغ عدد النواب الذين يعيشون في المستوطنات 9 أعضاء، أما عدد الأعضاء المتدينين الإجمالي فيبلغ 28 عضواً.

أ- تحليل النتائج

يجب التنويه هنا إلى أن جميع استطلاعات الرأي كانت قد أشارت إلى فوز الليكود، ولكنها لم تبين أن فوز الليكود سوف يكون كاسحاً، وسيحصل على مقاعد ضعف حزب العمل، ولقد أجمعت التحليلات على أن حزب العمل قد هزم نفسه بنفسه، وان اليسار في تراجع عام في إسرائيل، بعد ارتكابه جميع الأخطاء الممكنة سواء بإعتباره ليكود ب، نتيجة لاشتراكه في حكومة الوحدة تحت قيادة شارون، واشتراكه في تدمير ما وقع عليه من اتفاقات مع الفلسطينيين، و التصارع بين صقوره، قبل أن يكون هناك صراع بين حمائمه وصقوره، وهو ما أدى إلى ذهاب كم كبير من الأصوات إلى شينوي.

أما نجاح شارون فقد قام بخاصة على استخدام نقاط رئيسية هي:

-  وثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال زيارته المتعددة اليها.

-  الدعوة الدائمة إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية.

-  استخدام القوة المفرطة نحو الفلسطينيين.

ولكن بالنظر إلى القضايا الأساسية، فإن الجهود التي بذلتها حكومة الوحدة الوطنية السابقة من اجل القضاء على انتفاضة الأقصى واعادة الامن إلى الإسرائيليين من خلال العمليات العسكرية، باحتلال الضفة الغربية أو فرض الأطواق والحواجز وهدم المنازل والقصف البري والجوي….الخ. هذه الخطوات رغم فشلها فإنها كانت كافية للإسرائيليين من اجل أن يصوتوا ثانية لليكود، هذا الإنجاز المذهل حسب التحليلات الإسرائيلية هو لفاشل متمرس، وهي ليست بالأمر النادر في الديمقراطية الغربية(9).

ب- المهاجرون: يلاحظ في هذه الإنتخابات، أن أحزاب المهاجرين (الروس)، قد خاضت الإنتخابات من خلال ائتلافات متعددة، فحزب المهاجرين القوي "إسرائيل بيتنا"، خاض الإنتخابات مؤتلفا مع موليدت وتكوما وكونوا الإتحاد القومي، أما إسرائيل بعلياه بقيادة نتان شيرانسكي فضمت قائمته عدداً من مرشحي الفلاشا. أما الخيار الديمقراطي بقيادة رومان برونفمان، فقد ائتلف مع حركة ميرتس، بالإضافة إلى حزبين صغيرين لم يتجاوزا نسبة الحسم وهما حزب "مواطن ودولة" بزعامة اليكسندر تسهر وحزب "ليدر" بزعامة رودكو الكسندر.

وقد تميز تصويت المهاجرين الروس الجدد بشكل خاص بثلاثة ظواهر هي:

1- الإندماج السياسي: بمعنى مشاركتهم في الإنتخابات بصورة فعالة، سواء من خلال الترشيح أو عملية التصويت لأحزاب مختلفة توزعت بين اليمين واليسار.

2- ارتبط تصويت المهاجرين الروس بالبراغماتية، من اجل تحقيق مصالح آنية خاصة بهم.

3- دلت عملية تصويت المهاجرين الروس، على أن التوجه نحو اليمين هو الصفة الأساسية لجمهور الناخبين الروس.

ويقدر إجمالي أصوات اليهود الروس بـ23 مقعداً، ويدل تصويتهم في الكنيست الحالي على ما يلي(10):

الليكود: حصل على 7-9 أعضاء كنيست منهم. الإتحاد القومي: حصل على 4.5 أعضاء كنيست منهم. شينوي: حصل على 4 أعضاء كنيست منهم. إسرائيل بعلياه: حصل على عضوي كنيست منهم. ميرتس: حصل على عضو كنيست واحد  منهم. العمل: حصل على عضو كنيست واحد  منهم.

ح- ميرتس: تراجعت ميرتس بشكل كبير، وهو تراجع غير مسبوق، حيث تتكون ميرتس من أربع قوى (مبام، شينوي، راتس، الخيار الديمقراطي)، وهذا فشل لكل القوى السابقة، ويعود السبب الأساسي لذلك لابتعاد ميرتس عن الشارع الإسرائيلي، وكذلك ابتعادها عن خطها الأيديولوجي اليساري، بالإضافة إلى عدم وجود شخصيات جديدة على قائمتها الإنتخابية.

د-شينوي: حققت شينوي نجاحاً ملحوظاً، إذ قفزت من 6 إلى 15 مقعد، وهذا النجاح كان متوقعاً حسب استطلاعات الرأي، وذلك بعد انخفاض شعبية اليسار الإسرائيلي والعمل بشكل عام. وأهم أسباب فوز شينوي تركيزها على الطبقة الوسطى(11)، من المجتمع الإسرائيلي والأشكناز، والسفارديم، وتعكس أولوياتها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، الأمر الذي جعلها تستقطب أصواتهم من اليسار أو اليمين(12).

وبشكل عام وعلى الرغم من كثرة التحليلات التي تناولت الإنتخابات الإسرائيلية، سواء أسباب نجاح الليكود أو استمرار تدهور اليسار الإسرائيلي، فعلى ما يبدو، فإن القضية اعمق من ذلك بكثير، وهي ما يتعلق ببنية النظام الإسرائيلي، وبخاصة فيما يتعلق بالنظام (الحزبي، الإنتخابي)، وكنتيجة تتعلق ببيئتين مختلفتين:

الأولى، المجتمع الإسرائيلي واستمرار الهجرة اليهودية التي تتميز حاليا بطبيعتها الأيديولوجية اليمينية، والتي تؤدي بطبيعتها إلى انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين(13). والثانية، هي العلاقة مع الفلسطينيين. فحسب النتيجة السابقة يترتب عليها نتيجة أخرى وهي صعوبة التسوية مع الفلسطينيين، فمع إزدياد توجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين سيؤدي ذلك إلى تعقيد في عمليتي صنع واتخاذ القرار في الحكومة الإسرائيلية، وهو ما سيؤدي إلى الإستمرار في الوضع الراهن، أو إلى استمرار حالة عدم الإستقرار فيما يتعلق بعملية التسوية مع الفلسطينيين، والصراع العربي –الإسرائيلي بشكل عام.

ثانياً- حكومة شارون الثانية

1-تشكيل الحكومة الإسرائيلية

اتضح من نتائج الإنتخابات قدرة شارون على تشكيل الحكومات الإسرائيلية الجديدة بالصورة التي يريدها، ولكن من اجل ابراز دور القائد، وتنفيذ برنامجه الإنتخابي فقد عرض شارون على حزب العمل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهي الفكرة التي زادت في شعبيته في مقابل رفض متسناع، لأن حزب العمل سيؤدي إلى تسويق حكومته وافكاره دولياً(14). وسيؤدي إلى محاربة ابتزاز الأحزاب الصغيرة، وكذلك نفي الصفة اليمينية التي وصفت بها الكنيست السادسة عشرة، وقد عقد شارون عدة لقاءات مع متسناع وكذلك مع بيرس، كما أكد شارون انه مستعد لمنح حزب العمل اموراً كثيرة في مجالات كثيرة، ولكنه لم يوضح ماهيتها(15).

وبرز واضحاً منذ بداية مشاورات شارون الإئتلافية، أن برنامجه السياسي يقوم على خطاب بوش 24/6/2002 حول الدولتين، حيث اعتقد شارون أن هذا سيعزز التقدم في العملية السياسية، وكذلك سيزيد الضغط على حزب العمل للإنضمام إلى حكومة الوحدة(16). وفي هذا الإتجاه ابرز شارون بعض الخطط التي تسهم في تعزيز الأمن القومي لإسرائيل، كما دعا شارون حزب العمل إلى المشاركة في بلورة خطة طوارئ سياسية واقتصادية لإخراج إسرائيل من الوحل(17). ولكن حزب العمل ومتسناع أوضح بعد لقاءاته مع شارون انه لم يجد أية ارضية مشتركة مع شارون(18)، وبالتالي فقد رفض حزب العمل إجراءات مفاوضات إئتلافية مع شارون، كما أكد متسناع أن حزب العمل لن ينضم إلى حكومة يتزعمها شارون، إلا في حال حدوث تغيير جوهري في مواقف شارون(19)، وهو الأمر الذي دفع شارون إلى اتهام متسناع وحزب العمل بأنه العقبة أمام حكومة الوحدة(20).

2-خيارات شارون في تشكيل الحكومة

يمتلك شارون عدة احتمالات من اجل إعادة تشكيل الحكومة في حال إنسحاب إحدى القوى منها. ولذلك يمكننا القول، أن حزب الليكود سيكون مسيطراً على الكنيست الحالي، ولا يمتلك اليسار أية فرصة لإسقاطه، إلا إذا اتحد مع اليمين المتطرف، وهي حالة مستبعد حدوثها، والعكس صحيح، بمعنى أن اليمين بالإضافة إلى المتدينين لا يستطيعون إسقاطه، وذلك بسبب تعدد احتمالات تشكيل الحكومة، الأمر الذي يمنح شارون حرية اختيار القوى التي يفضلها في إئتلافه، واهم هذه الإحتمالات:

أ- حكومة يمينية دينية

يشارك في هذه الحكومة الليكود، والإتحاد القومي، المفدال وشاس، يهدوت هتوراه، حيث ترتكز هذه الحكومة على (69) عضو كنيست، لكن رغم هذا الكم الكبير الذي ترتكز عليه هذه الحكومة من مقاعد إلا أن سلبياتها اكثر من ايجابياتها، إذ أن الصفة الأولى التي ستلتصق بها هي كونها حكومة يمينية متطرفة، وبالتالي لن تكون مقبولة لدى الأمريكيين أو الأوروبيين، إذا أن الجهود الدولية ستتركز حول تعزيز العملية السلمية، بالإضافة إلى أن الحكومة اليمينية ستؤدي إلى هروب المستثمرين من إسرائيل، مما سيؤدي إلى استمرار الضائقة الإقتصادية.

ب- حكومة يمينية+ الوسط

وهي الأقرب إلى الصورة الحالية وتضم داخلها الليكود، شينوي، الإتحاد القومي، المفدال، وترتكز على (68) عضو كنيست، كان من الممكن أن ينضم اليها شعب واحد، إلا أن التوجهات الإقتصادية لوزير المالية حالت دون ذلك.

ج-حكومة علمانية ضيقة

وتضم خلالها الليكود والإتحاد القومي وشعب واحد وشينوي، وترتكز على (65) عضو كنيست وهي ذات احتمالات ضعيفة.

د-حكومة وحدة وطنية/علمانية

وتضم خلالها اللكيود وشينوي والعمل، وترتكز هذه الحكومة على (74) عضو كنيست، واحتملاتها قائمة ليشترط في تكوينها موافقة حزب الليكود على شروط العمل بشأن التسوية السلمية.

هـ-حكومة طوارئ

وهي حكومة تضم جميع القوى السياسية داخلها، ويشترط في حال حدوثها تعرض الأمن القومي لإسرائيل لخطر شديد.

3-حكومة شارون الثانية

نجح شارون في تشكيل حكومة طابعها العام يميني، وتستند على 68 عضواً، وتضم الليكود، وشينوي، والإتحاد القومي، والمفدال، وقد ضمت الحكومة 23 وزيراً، وتم توزيع الوزراء على القوى المشاركة بواقع وزير لكل 3 أعضاء كنيست. أما بالنسبة لليكود، فقد حاول شارون إجراء مفاوضات مع أعضاء كتلته حول توزيع الحقائب بطريقة يستطيع من خلالها عدم إيجاد اقطاب معارضة، حيث منح شالوم وزارة الخارجية بدلا من المالية، وبعد ذلك منح المالية لنتنياهو مع دعم كامل لجميع خططه الإقتصادية، وهو بذلك قد استقطب الدور المعارض لنتنياهو، إذ أن نتنياهو اصبح بحاجة إلى دعم شارون المستمر لجميع خطواته الإقتصادية من اجل تطبيق خطته الإقتصادية القائمة على الإستقطاعات من الميزانية.

وفيما يلي توزيع لأعضاء الحكومة الحالية:

الإنتماء الحزبي لحكومة شارون الثانية(21)

الإسم

الحزب

الوزارة

ارئيل شارون

الليكود

رئيس الوزراء

يهود اولمرت

الليكود

التجارة والصناعة، ونائب رئيس الحكومة بالوكالة

شاؤول موفاز

الليكود

وزير الدفاع

سلفان شالوم

الليكود

وزير الخارجية

بنيامين نتنياهو

الليكود

وزير المالية

إسرائيل كاتس

الليكود

وزير الزراعة

تساحي هنغبي

الليكود

وزير الأمن الداخلي

تسبي ليفني

الليكود

وزير الهجرة

داني نافيه

الليكود

وزير الصحة

ليمور لفنات

الليكود

وزير التعليم

جدعون عزرا

الليكود

وزير بدون حقيبة

نتان شيرانسكي

الليكود

وزير بدون حقيبة

موشيه شتريت

الليكود

وزير بدون حقيبة

عوزي لانداو

الليكود

وزير بدون حقيبة

طومي لابيد

شينوي

وزير العدل العدل

اليعزر زاندربرغ

شينوي

وزير العلوم والتكنولوجيا

يوسف بارتيسكي

شينوي

وزير البنى التحتية

يهوديت ناؤت

شينوي

وزير البيئة

افرام بوراز

شينوي

وزير الداخلية

افيغدور ليبرمان

الإتحاد القومي

وزير النقل

بيني ألون

الإتحاد القومي

وزير السياحة

أزفولون اورلاب

المفدال

العمل والرفاه

ايفي إيتام

المفدال

البناء والإسكان

وقد نالت حكومة شارون ثقة الكنيست بأغلبية 66 عضواً مقابل 48 آخرين، وتعتبر هذه الحكومة هي الحكومة اليمينية التاسعة منذ صعود الليكود إلى السلطة في عام 1977.

المشاركة في الإئتلافات الحكومية 1977-2003

ويبين الجدول التالي مدى انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين

رئيس الوزراء

الكنيست

نوع الحكومة

الحزب الحاكم

 

عدد القوى المشاركة في الإئتلاف

عدد الوزراء

عدد المقاعد

الحزب الحاكم

قوى الإئتلاف

مناحيم بيغن

1977

إئتلافية

الليكود

3

14

5

70

شامير

1981

إئتلافية

الليكود

4

17

3

60

شامير

1983

إئتلافية

الليكود

4

19

4

60

بيرس

1984

وحدة وطنية

العمل

8

25

7

102

شامير

1986

وحدة وطنية

الليكود

8

25

7

102

شامير

1988

وحدة وطنية

الليكود

4

26

3

90

شامير

1990

إئتلافية

الليكود

7

19

8

62

رابين

1992

إئتلافية

العمل

5

16

4

62

بيرس

1995

إئتلافية

العمل

4

15

6

58

نتنياهو

1996

إئتلافية

الليكود

6

11

7

66

باراك

1999

إئتلافية

العمل

6

12

11

73

شارون

2001

وحدة وطنية

الليكود

6

8

16

77

شارون

2003

إئتلافية

الليكود

4

14

9

68

4- خطوط أساس عمل الحكومة

يتبين من الإتفاقات الإئتلافية الموقعة بين الليكود والقوى المشاركة فيه، أن خطوطها العامة لا تختلف كثيراً عن الخطوط الأساس للحكومات السابقة، وبالتالي يمكن اعتبارها ثوابت الموقف الإسرائيلي، أو بالأحرى الخطوط الحمر لأية حكومة إسرائيلية قادمة، والتي أهمها:

1- ضمان الأمن الشخصي والقومي.

2- إسرائيل دولة اليهود.

3- القدس عاصمة إسرائيل الأبدية.

4- العمل على زيادة الهجرة.

5- تنمية الإستيطان اليهودي.

6- تعزيز قوة الجيش الإسرائيلي.

7- رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين.

8- عدم ازالة المستوطنات، وخاصة الكتل الإستيطانية.

وتحظى الثوابت السابقة بموافقة معظم الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية والدينية، ولكن الإختلاف بينها يدور حول الوسائل والأدوات للتوصل إلى الثوابت السابقة، والتي أصبحت اهدافاً مطلوبة لدى معظم الساسة الإسرائيليين.

كل ما سبق يتعلق بعلاقة إسرائيل ببيئتها الداخلية والخارجية، وبخاصة الإقليمية، والتي أهمها عملية التسوية مع الفلسطينيين، وكذلك تنمية العلاقات مع الدول العربية، أو التفاعلات مع القوى الأخرى وخاصة اليمينية التي تدعم الإستيطان أو توسيعه وعدم إزالة مستوطنات في حالة التوقيع على معاهدة سلام مع الفلسطينيين(22).

ومن خلال ملاحظة الخطوط الأساسية للحكومة الجديدة نجد أن، قضايا الأمن والسلام والإستيطان تحتل المراكز الأولى، كما احتلت عملية التسوية مركزاً متقدماً في خطوط الأساس، رغم أن بعض القوى المشاركة في الإئتلاف ترفض الإتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، ولذلك فإن قضية الأمن كانت الأبرز، وتقدمت على قضية السلام وقضية الدولة الفلسطينية، مع تأكيد الحكومة على سعيها للسلام مع الفلسطينيين، وهي بحد ذاتها أمور متناقضة بين مبادئ الأحزاب وبين الخطوط الأساسية للحكومة. ففي البند الأول، تؤكد الوثيقة أن الهدف الرئيس هو دعم أمن اسرائيل والسعي نحو الإستقرار الإقليمي. والشيء الغامض هو التناقض بين مواقف بعض القوى المشاركة في الإئتلاف الحاكم، وما جاء في البند (2-6) بأن عمل الحكومة السياسية سيوجه وفق المبادئ التي عرضها رئيس الحكومة على الجمهور قبل الإنتخابات، ومنها المبادئ الواردة في كلمة شارون في مؤتمر هرتسيليا 4/12/2002، وقبل مفاوضات فعلية بشأن تسوية سياسية، وفي حال اشتمالها على إقامة دولة فلسطينية، يعرض الموضوع على الحكومة للتداول والحسم. ففي خطاب هرتسيليا طرح شارون ولأول مرة علناً الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية، إذ قال: "إسرائيل ستسمح بإقامة دولة فلسطينية في حدود غير نهائية في مساحة مناطق "أ" و"ب"(23)، ولكن حسب خطوط الأساس فإن وجود الدولة هو بحاجة إلى اعتراف القوى المشاركة في الإئتلاف، ولكن الخطوط الأساس تخلو من أي تطرق للحل السياسي مع الفلسطينيين.

أما بالنسبة للإستيطان فقد كانت الأمور متناقضة، ففي بند الإستيطان أكد أنه لن تقام في فترة ولاية الحكومة مستوطنات جديدة، ولكن مع ذلك فإن الحكومة ستلبي الإحتياجات الجارية للنمو في المستوطنات، وذلك تعبير عن المصطلح الشائع الذي يعني تسمين المستوطنات من خلال زيادة المنازل فيها.

ثالثاً: افاق عملية التسوية

1- أداء شارون

يعتبر نجاح اليمين في الفوز بأغلبية مقاعد الكنيست حسب برنامج متطرف، وتشكيل الحكومة على أسس يمينية اكبر تحدٍ لعملية التسوية سواء مع الفلسطينيين، أو سبُل حل الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث يعني هذا الأمر تجميداً لعملية التسوية حسب اتفاقية أوسلو، وبالتالي فإنه يمهد الطريق لسيناريوهات مستقبلية متباينة، الجيد فيها يهدد الإستقرار في المنطقة. وتؤكد التصريحات الأولية سواء بعد الإنتخابات أو بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية على الدعوة إلى القضاء على (الإرهاب) كشرط أساس لتحقيق السلام، وهو ما وافقت عليه الولايات المتحدة، الأمر الذي يعد تأقلماً بين الموقفين، بل يعتبر تبنياً أمريكياً للموقف الإسرائيلي، وهو ما عبر عنه بوضوح خطاب بوش 24/6/2002، وكذلك الأفكار التي تناولتها خطة خارطة الطريق، والتي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية بشروط.

وحسب الخطوط الأساسية للحكومة، والخطوط الأساسية للأحزاب، والبيئة الدولية (الموقف الأمريكي)، يمكن القول أن مسلك حكومة شارون حول عملية التسوية يتمركز حول سيناريوهين:

أ-اتباع حكومة شارون سياسة تمييع القضايا، وتسويفها، بمعنى أنها تقبل ولكنها في ذات الوقت لا تطبق ولا تنفذ، إلا بعد فترة زمنية طويلة، الأمر الذي سيفقد بعض الإتفاقيات قيمتها ويؤدي إلى تعزيز عدم الثقة بين الطرفين والعودة إلى عدم الإستقرار.

ب-تمسك الحكومة الإسرائيلية بمواقفها وقراراتها وأفكارها ومحاولة تطبيقها رغم ما تطرحه الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية من حلول، ومن الواضح أن لشارون سياسة أمنية تتمثل في إعادة إحتلال الضفة الغربية وغزة، وازالة كل اثر لأية اتفاقية مع الفلسطينيين، وخاصة أوسلو، ومحاولة إملاء حلول بالقوة على الفلسطينيين، والدليل على ذلك عمليتا السور الواقي والطريق الحازم، وهو تطبيق لمبدأ صريح عند شارون أن ما لا يأتي بالقوة يأتي بقوة اكبر(24).

كما أن إعلان شارون عن قبول ما جاء في خطاب بوش 24/6/2002، كان موافقة عن أمور كان شارون يتحدث بها في الأماكن المختلفة، وهي عبارة عن خطة للتسوية على مراحل، طرحها شارون على البيت الأبيض(25)، ومنها كذلك موافقة حكومة شارون المشروطة على خارطة الطريق، مما يعني أن عودة المواجهة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي سوف تكون أسرع مما كان يتصور.

يلاحظ أن نتيجة كلا النمطين السابقين هي عدم الإستقرار والسبب الأساسي لذلك هو الحكومة الإسرائيلية. وسياساتها وتركيبة الإئتلاف الحكومي، ودور رئيس الوزراء في هذا الإئتلاف.

2-دور الحكومة

اتضح مأزق التسوية السلمية مع إجراء المفاوضات الإئتلافية وتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما أوضحه شارون في خطابه لنيل الثقة على حكومته في الكنيست 27/2/2003، حيث أكد أن أساس الإتفاق سوف يكون بطرق سلمية، ومن دون التنازل عن أمن إسرائيل وأمن مواطنيها. أما بالنسبة لموضوع الدولة الفلسطينية، فقد اعتبر اقامتها بشروط مقيدة في إطار عملية سلمية هو محل خلاف بين القوى المشاركة في الإئتلاف الحاكم، واكد شارون على تفهمه لمواقف هذه القوى،حيث قال انه قبل مفاوضات فعلية بشأن اتفاق سياسي في حال اشتمل على إقامة دولة فلسطينية، فإنه سيتم عرض القضية على الحكومة واتخاذ القرار السياسي فيها(26).

وبالتالي فإن القضية أصبحت برمتها في يد الإئتلاف الحكومي أي اصبح الأمر كله بيد مجموعة من المتطرفين في حكومة شارون سواء من وزرائه الليكوديين أو من الإتحاد القومي والمفدال. والواضح، أن أي تقدم في العملية السلمية سيكون مرهونا بموافقة الحكومة، التي يدعم فيها أغلبية الوزراء عدم إقامة دولة فلسطينية، أو إخلاء المستوطنات، هو ما سيؤثر سلباً على تقدم المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبالتالي فإن هذا يطرح سؤالاً حول قدرة شارون على الإستجابة لمتطلبات خطة خارطة الطريق.

3-خطط شارون

يتضح من خلال تحليل مضمون الخطب والتصريحات التي القاها شارون منذ انتخابات 2001 التي أوصلته إلى رئاسة الوزراء وحتى الآن أن شارون لديه خطة ذات ملامح أمنية واضحة، وهي الخطة التي على أساسها خاض انتخابات 2001، وهي تسوية مرحلية تقام في نهايتها دولة على 42% من أراضي الضفة، بدون حدود نهائية. وحسب شارون، فإن هذه الدولة هي دولة مجردة من السلاح تماما، فيها قوات شرطة فقط، فيما تسيطر إسرائيل على حدودها الخارجية وعلى المجال الجوي(27).

وتأجيل النقاش على قضايا الحل النهائي. ويبدو أن تمسك شارون بمواقفه، وبخاصة في اقناع الأمريكيين بخططه بعد فشل الخطط الأولى مثل ميتشل، تينيت، زيني، قد ساعد شارون في تفهم الأمريكيين بل وتبنيها(28) بصورة مطلقة، والدفاع عنها في المحافل الدولية، سواء في الأمم المتحدة أو الإتحاد الأوروبي.

4-خارطة الطريق

يبدو أن افكار شارون حول خارطة الطريق، والقبول المشروط بها جاء بعد نتيجة مؤداها أن إسرائيل لن تنفذها، وذلك لان شارون يعتقد أن الرئيس الأمريكي بوش سيكون مشغولاً في الإنتخابات الأمريكية، ولا يرغب في التصادم مع اليهود، وبالتالي فإنه لن يطلب من شارون تجميد الإستيطان وإطلاق سراح الأسرى… وتلبية جميع متطلبات خارطة الطريق التي ستؤدي إلى اتجاه واحد وهو تدويل الصراع والعودة لخطوط 1967(29)،  وهي أمور يرفضها شارون أيديولوجيا وأمنياً، واذا كان الأمر كذلك، فلماذا وافق شارون على خارطة الطريق؟

إن موافقة حكومة شارون على خارطة الطريق جاءت بعد فترة من التناقض عاشها شارون، في تصريحاته ومقابلاته، وقد أثارت الدهشة لدى الكثيرين، وليس أدل على ذلك من تصريحات شارون التي ذكر فيها، أن تسوية الصراع مع الفلسطينيين تتطلب تنازلات مؤلمة والتي منها الإنسحاب من بعض المستوطنات، واقامة دولة فلسطينية، وهو ما أثار حفيظة شركائه في الإئتلاف الحاكم، وكذلك الوزراء من الليكود، حيث أكد الوزير عوزي لانداو (الليكود) أن أقوال شارون  تتناقض مع قرارات مركز الليكود التي نصت على معارضة إقامة دولة فلسطينية. أما إيتام (المفدال) فأكد، أن تصريحات شارون حول التخلي عن المستوطنات (شيلو، بيت أيل) والتي ذكرها شارون نصاً في تصريحاته، مثيرة للقلق. ولكن ينبغي التذكير أن هذه الحكومة بتركيبتها الحالية لن تتخلى عن شيلو وبيت ايل(30).

ويلاحظ أنه بعد الإعلان عن قبول إسرائيل بخطة خارطة الطريق، استمرت التناقضات لدى شارون، ولذلك حامت الشكوك حول هذه الموافقة، وذلك بسبب المواقف الإيديولوجية التي يتبناها، وحول نواياه الفعلية،  هل يتجه نحو تعزيز العملية السلمية؟ أم ماذا؟

على ما يبدو فإن شارون دفع حكومته إلى اعتماد خارطة الطريق كوسيلة تكتيكية فقط، لأنه لا يستطيع أن يواجه بوش في هذه الفترة بالذات، خاصة بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق، ولكنه بعد ذلك سيعمل على نسف خارطة الطريق، حيث أكد شارون انه وافق على الخطة رغماً عنه، ولكونها أهون الشرين(31)، وهو تتناقض في تصريحات شارون، وكذلك قوله في ذات الموضوع فإنه من غير المنصف الإستمرار في احتلال 3.5 مليون فلسطيني(32)، ولكنه يعود بعد فترة زمنية بسيطة ليقول انه أسيء فهمه(33). وقوله في مطلع اغسطس 2003، انه لم يمنح الفلسطينيين حتى الآن أي شيء(34). وهو مما يجعل من الصعب تصديق شارون. هذا الأمر إنعكس على الوزراء، الذين ذكروا انهم لم يعودوا يفهمونه، ولا يفهمون الخطط التي يتقدم بها(35).

ولكن موافقة أعضاء المفدال والإتحاد القومي وبعض وزراء الليكود على الإستمرار في حكومة شارون بعد المصادقة على خارطة الطريق، يؤكد انه لا إمكانية لتنفيذها ولا يصدقون أن إنقلاباً دراماتيكياً قد طرأ على موقف شارون من الفلسطينيين(36)، حيث أن العارفين بأمور شارون وتاريخه السياسي يعرفون انه لم يكن ولا يتوقع منه أن يكون مثابراً نحو السلام، وأنه لا يبحث عن مبرر للعودة إلى الطريق الجديد الذي دفعه إليه بوش ليعود إلى أحضان رفاقه المستوطنين.

ولكن هذا لا يمنع أن تقوم الحكومة الإسرائيلية، بالسعي نحو الإستمرار الشكلي للمفاوضات على كافة القضايا، ومن الممكن أن يكون هناك إنجاز على بعض القضايا المرحلية، مثل إطلاق سراح بعض الأسرى، إعادة انتشار الجيش من بعض المدن الفلسطينية….الخ، ولكنها في ذات الوقت سوف تقوم بتعزيز الإستيطان في الضفة الغربية والقطاع، وتقوم بالإعتقالات ومصادرات الأراضي. إن استمرار حالة التناقض في آراء وتصريحات شارون، تؤكد انه مصاب بداء البطش الزائد وبالرغبة في الإحتلال، إنه ذات شارون الذي يجيد اللعب على الحبال، فهو حمامة وديعة حيناً، ويتحول إلى وحش مفترس أحياناً أخرى كثيرة (37)، ليجعل من الصعب وضع آفاق وتصورات لعملية التسوية في عهده، سواء اكانت حكومة يمينية متطرفة أو حكومة وحدة موسعة.

خاتمة:

ظهر واضحاً في هذه الإنتخابات أن هناك تراجعاً في قوة اغلب الأحزاب وتزايداً في قوة الليكود، وهي بذلك تظهر أن هناك توجهاً في النظام الإسرائيلي نحو العودة إلى نظام الحزب المسيطر، وهي التي كانت سائدة في حكم (الماباي-المعراخ-العمل) 1949-1977، وبعد ذلك بدأت فترة نظام الحزبين والذي برز فيه تعاظم قوة الأحزاب الصغيرة وقدرتها على ابتزاز الأحزاب الكبيرة، والتي أدت إلى ظهور تجربة قانون الإنتخاب المباشر(1996-2003) لرئيس الوزراء وفشله، وبدا واضحاً في هذه الإنتخابات أن الإسرائيليين ومعظم القطاعات الإنتخابية وخاصة الشرقية والدينية اتجهت إلى الليكود. أما العمل فيعتبر الخاسر الأكبر، ومسلسل خسارته مازال مستمراً منذ إنتخابات 1996، مروراً بعام 1999، رغم فوز باراك برئاسة الوزراء فيها، إلا أن مقاعد العمل كانت 34 مقعداً، ثم هبطت إلى 26 مقعداً، إلى أن وصلت في 2003 إلى 19 مقعداً فقط.

ويلاحظ من حراك الأصوات في هذه الإنتخابات أن هناك توجهاً نحو الأحزاب اليمينية، حيث حصلت على (53) مقعداً، ومن ثم يمكن القول أن النظام السياسي يتحرك نحو اليمين، وهو تعبير عن الواقع السياسي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي.

وقد أشارت الإنتخابات الإسرائيلية، إلى ظاهرة جديدة وهي عودة القيادة السياسية في شخص شارون، حيث يعتبر شارون أول رئيس وزراء يتم إعادة إنتخابه، وذلك بعد مناحم بيغن الذي تم إنتخابه عام 1977، وأعيد انتخابه عام1981، مما أضفى على شارون مؤهلات القيادة السياسية، هذه القيادة التي افتقدت بعد اغتيال رابين، الأمر الذي أدى إلى إجراء عدة انتخابات في فترة زمنية قصيرة، حيث لم تبرز شخصية يمكن وصفها بأنها قائد سياسي، أو تتحلى على الأقل بمواصفات الرجل الدبلوماسي أو رجل الدولة الذي يتبنى موقفاً وبرنامجاً للعمل. ويبدوا أن هذا الأمر قد تلمسه الناخب الإسرائيلي في  شارون، فرغم الجمود في العملية السلمية وكثرة القتلى الإسرائيليين في عهده مع انتشار لبعض قضايا الفساد، إلا أن شارون يعتبر رجل مواقف، وخاصة إقالته لوزراء شاس، وتمسكه بالدولة الفلسطينية بمفهومه الخاص، ودعوته المحببة للشارع الإسرائيلي وهي الدعوة الدائمة إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية، بالإضافة إلى سياسة الصمت التي اتبعها مع خصومه، وهي السياسة التي انتهجها منذ 2001 حتى يجني ثمار إسقاطات منافسيه والتي مهدت له الطريق للحكم مرة أخرى.

ورغم هذه الصفات التي يمتلكها شارون، إلا أن آفاق عملية التسوية في عهده ما زالت غير مشجعة، وذلك بسبب تمسكه بالمشروع الأمني قبل السياسي، وكذلك تصريحاته المتعددة والمتباينة حول عملية التسوية، والتي تضع شكوكاً حول توجه شارون، هل هو نحو المحافظة على حكومته أو الإستمرار في عملية التسوية، وكأن الجمع بين الطرفين شيء مستحيل، وهو ما يضع شكوكاً، أولاً حول استمرار هذه الحكومة، وثانيا حول مصير العملية السلمية في ظل هذه الحكومة. والنتيجة لذلك أن حالة عدم الإستقرار ستظل الصفة السائدة في العلاقات والمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل هذه الحكومة.

الهوامش : 


(*) انظر في ذلك، الأيام –المشهد الإسرائيلي 11/6/2003. وانظر نتائج اجتماع مركز الليكود في 11/5/2002، حيث قرر رفض إقامة دولة فلسطينية، خلافاً لطلب شارون.


(1) إيتان غليكمان، الخطر العراقي على إسرائيل صغير،يديعوت ،2/1/2003.

(2) الأيام، 20/12/2002.

(3) الأيام، المشهد الإسرائيلي، 7/1/2003.

(9) جدعون سامت، شارون بديلا لشارون، هآرتس، 29/1/2003.

(10) د.مسعود إغبارية، المهاجرون الروس الجدد وانتخابات 2003 في إسرائيل، قضايا إسرائيلية-مدار، العدد 94، شتاء 2003، ص27/30.

(11) آرييه شبيط، دولة انتخابات، ترجمة علاء حليحل، مدار-سلسلة اوراق اسرائيلية، العدد 13، 2003، ص78.

(12) سيفر بلوتسكر، لليمين در، يديعوت احرونوت، 29/1/2003.

(13) للمزيد انظر، اشر اريان واخرون، الأنزياح نحو اليمين، مدار-سلسلة اوراق اسرائيلية، العدد 14 آذار 2003.

(14) شالوم يروشالمي، كابوس شارون، معاريف، 20/1/2003.

(15) يوسي فيرتر، خيارات شارون المحدودة، هآرتس، 24/1/2003.

(16) هارتس، 31/1/2003.

(17) معاريف، 4/2/2003.

(18) الأيام، 5/2/2003.

(19) الأيام، 11/2/2003.

(20) هآرتس، 19/2/2003.

(22) ألوف بن، المستوطنات والخريطة سيعقدان الإئتلاف، هآرتس،5/1/2003.

(23) يديعوت احرنوت، 27/2/2003.

(24) ياعيل باز- ميلماد، اليسار يجب أن يفرح، معاريف، 27/6/2002.

(25) الوف بن، شارون وافق على أفكاره، هآرتس،5/7/2002.

(27) ناحوم برنياع، شمعون شيفر، مقابلة مع شارون، يديعوت احرنوت، 27/11/2002.

(28) الوف بن، شارون وافق…م.س.ذ.

(29) الوف بن، راهنوا شارون/ هآرتس، 9/1/2003.

(31) يوري إفنيري، 26/5/2003.

(32) القدس، 28/5/2003.

(33) القدس، 29/5/2003

(34) يديعوت، 5/8/2003.

(35) يوسي فيرتر، شارون الإحتياج إلى حزب العمل، هآرتس 29/5/2003.

(36) عوزي بنزيمان، لم يغادر أي واحد منهم، هآرتس، 1/6/2003.

(37) حمي شيلف، صيغة شارون، معاريف،13/6/2003.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م