"إلغاء حق المواطنة "قانون عنصري

عاطف المسلمي

 لدى النظر إلى طبيعة علاقة دولة إسرائيل بمواطنيها العرب، فإنه يستحيل وجود أية وثيقة قانونية تحدد شكل العلاقة بين الأغلبية اليهودية في دولة إسرائيل والأقلية العربية، وان الوثيقة الوحيدة التي يمكن الرجوع اليها في هذا الصدد  هي وثيقة الإستقلال التي يمكن اعتبارها وثيقة تاريخية يبين في الظاهر على الأقل موقف الدولة اليهودية من سكانها غير اليهود. وهذه الوثيقة ليس لها وزن قانوني ملزم ولا يمكن فرض ما جاء فيها على أي مواطن أو أية سلطة في إسرائيل(1).

لقد نصت وثيقة الإستقلال، على أن دولة إسرائيل تقيم المساواة التامة في الحقوق الإجتماعية والسياسية لمواطنيها جميعاً دونما فرق في الدين، العرق، الجنس، وتؤمن حرية الدين، الضمير، اللغة، التربية والثقافة(2)

ولكن على ارض التطبيق بدأ التمييز ضد الأقلية العربية منذ اليوم الأول لإعلان دولة إسرائيل، وجاء في عدة صور وفي جميع مجالات الحياة دون استثناء، إلا انه زاد من وتيرته في الآونة الأخيرة، وبخاصة عقب اندلاع الإنتفاضة الأخيرة، حيث ساءت العلاقات إلى ابعد مدى بين إسرائيل ومواطنيها العرب، سواء العلاقات الرسمية أو غير الرسمية، وسُجلت عمليات اقصاء للمواطنين العرب عن مؤسسات الدولة وإنقاص متواصل من حقوقهم، وظهر ذلك بعدة وجوه أبرزها عمليات التشريع المتزايدة والمتسارعة للقوانين في الكنيست والتي تشير إلى تحول نحو الأسوأ على الصعيدين الحقوقي والمدني بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل، وكان آخرها مصادقة الكنيست على إلغاء قانون المواطنة. وهذه التشريعات تقلص الحقوق الأساسية للمواطنين العرب في إسرائيل، يسجل كذلك سلسلة الإجراءات الإدارية القضائية ضد أعضاء كنيست من الأحزاب العربية وهي تشير إلى محاولة إسكات صوت الأقلية العربية المعارضة، يضاف إلى ذلك قرارات الحكومة ووزاراتها المختلفة التي تمس بشكل مباشر أو غير مباشر بحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، وتدخلات الأجهزة الأمنية وبخاصة الشاباك في التعليم العربي في إسرائيل، كل ذلك مصحوب بإزدياد كبير في حجم واشكال الكراهية والعنصرية والعنف ضد الأقلية العربية وقيادتها السياسية والدينية، وهذه الكراهية ناتجة في الأساس عن حملات التحريض المبرمجة التي تبث في الشارع اليهودي ضد العرب في إسرائيل. في ظل هذه الأجواء المسمومة جاء قانون إلغاء حق المواطنة، ليعكس بشكل لا يقبل التأويل الهجمة المنسقة والمبرمجة التي تشنها دولة إسرائيل بكافة مؤسساتها ضد الأقلية العربية بهدف تحجيم دورها والغاء تأثيرها(3).

أولاً: الكنيست يصادق على إلغاء المواطنة

في الـ31 من يوليو تموز الماضي (2003)، صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الثالثة على قانون (المواطنة) الذي يهدف إلى تقليص لم شمل عائلات أفرادها من سكان الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ومن المواطنين العرب في إسرائيل، وذلك بأغلبية 53 صوتاً مقابل معارضة 25، وطبقاً لمشروع قانون المواطنة الجديد، سيكون بمقدور وزير الداخلية الإسرائيلية أبراهام بوراز، منح المواطنة الإسرائيلية لمواطن فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة في حال إقتناعه التام بأن هذا الشخص يتضامن مع دولة إسرائيل-وقام هو شخصياً أو أحد أفراد عائلته بالتعاون مع إسرائيل، وساهموا في تعزيز أمن الدولة، كما يمكن لوزير الداخلية أو القائد العسكري لمنطقة الضفة الغربية منح مواطن فلسطيني التصاريح بهدف العمل أو تلقي العلاج الطبي أو زيارة أقارب أو لأي هدف مؤقت. ولن تزيد الفترة التي سيسمح فيها للشخص بالمكوث في إسرائيل عن ستة اشهر(4).

وسيعمل بهذا القانون لمدة سنة من تاريخ المصادقة عليه في إطار ما يُعرف "أمر الساعة"، أو ما يحتمه الوضع، الأمر الذي يعني انه سيتوجب على الكنيست المصادقة عليه كل سنة من جديد.

وكان هذا القانون قد مر بعدة مراحل من التشريع قبل المصادقة الأخيرة عليه، حيث صادق الكنيست في 18/6/2003، بأغلبية 47 عضواً مقابل معارضة 34 بالقراءة الأولى على هذا القانون المعروف بقانون الجنسية والدخول إلى اسرائيل، والذي قدمه وزير الداخلية ابراهام بوراز بإسم الحكومة، بناء على أمر سابق من رئيس الحكومة "ارئيل شارون"، يقضي بتعديل قانون الجنسية للحيلولة دون منح الجنسية الإسرائيلية تلقائياً لأي طفل يجري في عروقه "دم" فلسطيني، أو بكلمات أخرى لمن يولد لأب أو لأم من اصل فلسطيني(5).

وكانت لجنة الداخلية التابعة للكنيست قد ناقشت هذا القانون والإعتراضات المقدمة ضده من كتل اليسار، وبخاصة من النواب العرب الذين رأوا فيه قانوناً عنصرياً يضاف إلى سلسلة طويلة من قوانين التمييز الذي تمارسه حكومات إسرائيل بحق المواطنين العرب والتي زادت وتيرتها عقب أحداث أكتوبر 2000. وخلال المناقشات طالب عضو الكنيست احمد الطيبي، رئيس لجنة الداخلية يوري شتيرن بالإستقالة، واتهم الطيبي شتيرن بأنه حط من مكانة الكنيست وأوصلها إلى أدنى المستويات، كما حول لجنة الداخلية  إلى سوق. وجاءت إتهامات الطيبي هذه، بعد أن طالب بعقد جلسة للجنة بهدف طرح التحفظات الجوهرية لأعضاء الكنيست حول القانون، وانضم عضو الكنيست يتسحاك هرتسوغ من حزب العمل، إلى انتقادات الطيبي قائلاً، لقد صادقت اللجنة ببلاده مطلقة على قانون يعد غاية في الحساسية، وينطوي على تأثيرات بعيدة المدى(6).

وكان أعضاء الكنيست العرب وأعضاء المعارضة قد خرجوا من اللجنة احتجاجا على قرار رئيس اللجنة منع نقاش الإعتراضات التي قدمها الأعضاء العرب. ودار في اللجنة نقاش ساخن اتهم فيه الأعضاء العرب وأعضاء ميرتس وحزب العمل رئيس اللجنة "يوري شتيرن" من الإتحاد الوطني، بأنه يدوس على الإجراءات الديمقراطية في سبيل إرضاء الإتلاف الحكومي الذي يريد تمرير القانون قبل انتهاء الدورة الحالية للكنيست وبكل ثمن.

ويذهب القانون الجديد إلى ابعد مدى في تجاهل الحقوق الأساسية للمواطنين العرب في إسرائيل من خلال منعهم بشكل غير مباشر من التزاوج مع اخوانهم في الأراضي الفلسطينية، وبذلك بجعل هذا الإرتباط مكلف ومعقد بالنسبة للطرفين إلى ابعد الحدود، حيث ستواجه أية إمرأة فلسطينية يُعقد قرانها على شاب عربي في إسرائيل، صعوبة في الحصول على مواطنة دائمة، ناهيك عن صعوبة الحصول على المواطنة لأولادها، وكذلك الأمر لمواطنين فلسطينيين يرتبطون مستقبلاً بمواطنات عربيات في إسرائيل.

وحسب ادعاءات المحامية عدى لنداو، من مركز الدفاع عن حقوق الفرد، فإنه وفقاً للقانون الجديد سيكون بالإمكان طرد أولاد تزيد أعمارهم عن 12 عاماً أيضاً، في حال كان أحد ذويهم يعيش في إسرائيل، ولن يكون بإمكان أولاد لعائلات مختلطة (الوالد من مناطق السلطة الفلسطينية والأم مواطنة عربية من إسرائيل) مثلاً الحصول على المواطنة وسيمنعهم القانون الجديد من دخول المدارس الإسرائيلية والحصول على الخدمات الطبية.

وتهدف الحكومة الإسرائيلية عبر إقرار هذا القانون إلى تحديد لم الشمل للعائلات الفلسطينية تمشياً مع السياسة التي انتهجها وزير الداخلية السابق ايلي يشاي من حركة شاس والتي تمثلت بالقرار الذي اتخذه في شهر مايو/أيار من عام 2002، والقاضي بسحب الجنسية (المواطنة) من أربعة مواطنين عرب إسرائيليين ساعدوا فلسطينيين على تنفيذ عمليات إنتحارية داخل إسرائيل.

يذكر في هذا الصدد، أن القانون الإسرائيلي أتاح حتى الأن لمن يتزوجون من سكان مناطق السلطة الفلسطينية، منح حق المواطنة لأزواجهم أو زوجاتهم بعد عملية غير سهلة تستغرق أربع سنوات، وحسب آخر الإحصائيات، فقد وصل إلى إسرائيل نحو 130 الفاً في عملية جمع شمل العائلات، الأمر الذي اعتبره الوزير بلا حقيبة جدعون عزرا من الليكود بأنه "حق عودة زاحف"(7).

ثانياً: المبررات أمنية والهدف عنصري

شرح رئيس لجنة الداخلية التابعة للكنيست النائب يوري شتيرن، موافقته على طرح هذا القانون لمصادقة الكنيست بالقول "في الحرب مثلما في الحرب" منذ مسيرة أوسلو تضاعف عدد طلبات جمع شمل العائلات ومن واجبنا أن نحمي مواطني إسرائيل. وهذا إيحاء بأن المعيار الأمني هو العامل الرئيسي الذي يقف وراء تعديل هذا القانون، وقد اعتمدت لجنة الداخلية في طرحها لهذا القانون على معطيات قدمتها لها الأجهزة الأمنية تكشف النقاب عن تزايد عدد اسهامات ذوي الهويات الزرقاء في العمليات الإنتحارية التي ينفذها فلسطينيون من أراضي السلطة الفلسطينية في إسرائيل، وحسب المعطيات التي عرضتها المخابرات على اللجنة، فقد إستُخدم على الأقل 20 من حمَلة الهويات الزرقاء (حظوا بها بعد زواجهم من مواطنات إسرائيليات) كمعاوني إرهاب في الإنتفاضة. وعدد النائب شتيرن عدة عمليات إرهابية ساهم فيها موطنون فلسطينيون حاصلون على الهويات الزرقاء، ومنها على سبيل المثال العملية في مطعم "مصا" في حيفا التي نفذها أحد سكان جنين، حصل على هوية زرقاء لان أمه عربية-إسرائيلية. وادعى شتيرن بأن 11% من اجمالي عرب إسرائيل المتورطين في الإرهاب جاءوا من الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل في إطار جمع شمل العائلات. وذهب النائب ايهود ياتوم بأن 11 من اصل 18 عملية إرهابية كان لأصحاب الهويات الزرقاء دور فيها هي عمليات إنتحارية(8).

إلا انه لا مجال لتبرير هذا القانون فقط بتعابير تتعلق بالأمن، فتبريره وارد أيضاً بصفته جزء من الجهود المتواصلة التي تبذلها حكومات إسرائيل للحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية صرفة يجسد فيها الشعب اليهودي حقه في الوجود على خلفية الشروط القائمة في المنطقة. ففكرة الدولة اليهودية الخالصة مبررة سواء لأسباب أمن وسلامة الجمهور أو لأسباب هوية ثقافية. وهي تتضمن سيطرة الدولة اليهودية على الهجرة اليها. بما في ذلك الحرص على وجود أغلبية يهودية بوسائل شرعية. والحفاظ على ثقافة يهودية مميزة أمام الإنفجار الديمغرافي العربي من داخل الحدود وخارجها.

ثالثاً: ردود أفعال على القانون

أعربت الأحزاب العربية في الكنيست عن غضبها الشديد من المصادقة على القانون، ووصف ممثلو كتلة التجمع الوطني الديمقراطي القانون بأنه عنصري يرمي إلى الحد من تزايد عدد المواطنين العرب داخل إسرائيل، ولو كان ذلك على حساب انتهاك حق المواطن في إنتقاء شريك أو شريكة حياته. وقال عضو الكنيست احمد الطيبي من حزب الجبهة الديمقراطية-الحركة العربية للتغيير، إننا بصدد زواج مليون مواطن، سنقدم التماساً إلى محكمة العدل العليا لإلغاء هذا القانون الأسود من كتاب القوانين.

كما قدم مركز "عدالة" المركز القانوني للأقلية العربية في إسرائيل في 3/8/2003، التماساً إلى المحكمة العليا ضد هذا القانون، والذي يأتي مكملاً لسياسة التمييز العنصري ضد الأقلية العربية في الداخل، وقد قدم الإلتماس (لم يبت فيه حتى الآن) المدير العام لمركز عدالة المحامي "حسن جبارين" والمحامية اورنا كوهين من المركز، وذلك نيابة عن عائلات عربية تضررت جراء هذا القانون العنصري ونيابة عن نواب الكنيست العرب ولجنة المتابعة لقضايا المواطنين العرب في إسرائيل. وجاء في الإلتماس أن هذا القانون هو أول قانون يسلب الحقوق القانونية للمواطنين منذ سن القوانين الأساسية للدولة، وهو يسلب هذه الحقوق على خلفية عرقية واضحة، كما قال مركز عدالة في التماسه "أن هذا القانون لا يمنح الحقوق لمجموعة معينة بسبب إنتمائها العرقي وإنما يستخدم الإنتماء العرقي بشكل واضح من اجل المس بالحقوق الممنوحة لجانب من المدنيين على أساس عرقي أو قومي."

وأشار الإلتماس إلى عدم سريان مفعول القانون على المستوطنين الإسرائيلين في المناطق الفلسطينية المحتلة وإنما يسري على مجموعة عرقية واحدة أي الفلسطينيين، ما يعني انه يهدف إلى المس بالمواطنين العرب من سكان إسرائيل فقط، لأنهم هم من يتزوجون من مواطنين ومواطنات من الضفة الغربية وقطاع غزة.

 الهوامش:


(1) دراسات فلسطينية العدد الثاني ربيع 1990.

(2) المصدر السابق.

(3) موقع شبكة Arabynet.net، 30/7/2003.

(4) المصدر السابق.

(5) المصدر السابق.

(6) القدس، 30/7/2002.

(7) يديعوت احرنوت، 1/8/2003.

(8) المصدر السابق.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م