القمة العربية الدورية الأولى عمان 27-28 مارس 2001

ظلت القضية الفلسطينية دائماً السبب الرئيسي لإنعقاد مؤتمرات القمة العربية. ومن جديد أصبحت فلسطين على رأس جدول الأعمال في القمتين الأخيرتين اللتين عقدتا في القاهرة وعمان، وإستجابة لنداء الإنتفاضة الفلسطينية المستعرة ضد الاحتلال الصهيوني. فقدرنا كفلسطينيين أن تظل قضيتنا مرتبطة ببعديها العربي والإسلامي، ولذلك فإن الإنتقادات والإعتراضات والعبارات الغاضبة الموجهة إلى القمم العربية لا تعني أن الأمل الفلسطيني المعقود على الأمة العربية وقياداتها قد خاب، بل أنها تنطلق من الرغبة والتطلع من جانب الشعب الفلسطيني للوصول بهذه القمم إلى قمة الكمال في الأداء والإنجاز.(1)

وإذا كانت قرارات القمم العربية منذ إنطلاقها 1964 إلى 2000م تبقى دائماً حبراً على ورق، فذلك ليس بمحض الصدفة، بل لأن هناك ثمة خللاً في آليات عمل الجامعة العربية، ولأنها ليست مخولة بتنفيذ قرارات القمة العربية. وهي لا تعدو أن تكون مسجلة للقرارات التي يتم التوصل إليها. هناك إنفصام بين الحكومات العربية وبين أجهزة الجامعة العربية مما يجعلها غير قادرة على التحرك بمرونة في اقتراح وتنفيذ القرارات. ومن أجل أن تعمل الجامعة العربية، ينبغي لأجهزتها أن تتطور بحيث تتمكن من بلورة آليات التنفيذ، وهو ما أخذت تبدو ملامحه مؤخراً.

فعقب إندلاع إنتفاضة الأقصى في أواخر شهر أيلول الماضي، شهد الشارع العربي أحداثاً تكونت لُحمتها وتدافعت موجاتها من المحيط إلى الخليج، متلاطمة داخل صدر كل عربي. فكانت الهبة الجماهيرية موازية للإنتفاضة، وناشدت القادة العرب تقديم كافة سبل الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني الذي يضحي بدماء أبنائه من أجل نيل حقوقه المشروعة وتحرير القدس الشريف من الإحتلال الصهيوني. وإستجابة لضغط الشارع العربي كان إنعقاد قمة القاهرة الطارئة في 21-22 اكتوبر 2000م التي إتخذت جملة من التوصيات والقرارات في مقدمتها وقف إقامة أية علاقات مع إسرائيل وتحميل إسرائيل مسؤولية الخطوات والقرارات التي تتخذ في صدد العلاقات مع إسرائيل من قبل الدول العربية بما في ذلك إلغاؤها، إلى حين التوصل إلى السلام العادل والشامل، وكذلك إنشاء صندوقين أولهما صندوق القدس بمبلغ 800 مليون دولار، وثانيهما صندوق الإنتفاضة بمبلغ 200 مليون دولار لدعم أسر الشهداء، بالإضافة إلى عدد من التوصيات، منها المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في إطار الأمم المتحدة للتحقيق في الإعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والمطالبة بتشكيل محكمة جنائية دولية متخصصة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين. كما قررت القمة المذكورة ولأول مرة في تاريخها، إعتماد آلية الإنعقاد الدوري السنوي المنتظم للقمم العربية، وعقد أول قمة دورية في آذار 2001. وقد بادرت كل من المغرب وتونس وسلطنة عُمان وقطر إلى إغلاق المكاتب التجارية التي تبودلت مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، وسحبت جمهورية مصر العربية سفيرها من إسرائيل وجمدت المملكة الأردنية إرسال سفيرها الجديد إلى إسرائيل بينما إمتنعت موريتانيا عن تجميد علاقاتها مع إسرائيل.

هكذا إنعقدت قمة عمان في 27-28 مارس 2001 الذي يصادف الذكرى السادسة والعشرين لتأسيس جامعة الدول العربية، وذلك في أجواء تواصل الإنتفاضة الفلسطينية وتصاعدها وإستمرار إسرائيل في تصعيد عدوانها وتدميرها لمقدرات الشعب الفلسطيني.

التمثيل:

حضر القمة الأخيرة ستة عشر رئيساً وأربعة نواب رؤساء، ووزيرا خارجية بينما انخفض تمثيل دولة واحدة إلى مستوى وزير دفاع. فعلى مستوى الرؤساء حضر كل من الرئيس ياسر عرفات والرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة وأمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ورئيس جزر القمر آزالي أسوماني والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي والرئيس المصري حسني مبارك وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس اللبناني اميل لحود وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس الصومالي عبد القاسم صلاد حسن والرئيس السوداني عمر حسن البشير، والرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح،(2) والزعيم الليبي معمر القذافي الذي كان قد تغيب عن قمة القاهرة الطارئة معتبراً أن لا جدوى منها وأنها لن تتخذ التدابير الحازمة ضد إسرائيل. (3)

أما على مستوى نواب الرئيس فناب الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وكان قد ناب عن الرئيس في قمة القاهرة أيضاً بسبب مرض الشيخ زايد. (4) أما العراق فناب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم عن الرئيس صدام حسين في قمتي القاهرة الطارئة وعمان العادية نظراً للظروف العراقية الإستثنائية.(5) وناب عن الرئيس الموريتاني رئيس الوزراء شيخ العافية ولد محمد خونا، وكان قد ناب عنه أيضاً في قمة القاهرة وذلك بسبب موقفها من إسرائيل ورفضها منذ قمة القاهرة إغلاق مكتب التمثيل الإسرائيلي. أما رئيس الوزراء العُماني فهد بن محمود آل سعيد فناب عن السلطان قابوس وكان قد ناب عنه أيضاً في قمة القاهرة.

وعلى مستوى وزراء الخارجية حضر عن المغرب وزير الخارجية محمد بنعيسى، وكان الملك محمد قد حضر قمة القاهرة ولم تذكر أسباب تغيبه عن القمة العادية. وناب وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح عن قمتي القاهرة وعمان العادية ومن المعتقد أن خفض مستوى التمثيل الكويتي قد نجم عن تخوف الكويت من أي قرار ستصدره القمة بشأن العراق. (6)

أما على مستوى وزراء الدفاع فحضر عن السعودية الأمير سلطان بن عبد العزيز، وذلك بسبب موضوع العراق أيضاً، بينما كان ولي العهد الأمير عبد الله  قد حضر قمة القاهرة. (7) وبذلك يمكن القول أن مستوى التمثيل في قمة عمان لم يكن بالمستوى الذي تتطلبه قمة دورية هي الأولى في تاريخ القمم العربية والتي يفترض بها أن تؤسس لإلتزام عربي فعال.

إجتماع وزراء خارجية العرب:

سبق إنعقاد القمة إنعقاد إجتماع وزراء الخارجية العرب التقليدي 23/3/2001 الذي تتمثل مهامه في التحضير للقمة وإعداد مسودة القرارات والبيان الختامي. كما تم عقد إجتماع تحضيري آخر لوزراء الإقتصاد العرب لتحضير مسودات القرارات الإقتصادية للقمة حيث يلاحظ أن إهتماماً جدياً بدا واضحاً في هذه القمة بالتعاون الإقتصادي العربي والإسراع في تنفيذ المشاريع الإقتصادية العربية المشتركة. وقد مثل فلسطين في مؤتمر وزراء الخارجية وفد برئاسة السيد فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في م.ت.ف، وعضوية كل من د.نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الوطنية الفلسطينية والسيد ياسر عبد ربه وزير الثقافة والإعلام ود.صائب عريقات رئيس لجنة المفاوضات العليا الفلسطينية. وإستغرق إجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري يومين متتاليين 24-25 مارس 2001 ليستكمل ما بدأته قمة القاهرة في 21 أكتوبر 2000، وذلك على صعيدين، صعيد ما ظل عالقاً من قرارات، وصعيد ما هو مطلوب منها اليوم وفي المستقبل القريب من مواقف وقرارات حاسمة وفعالة. وإنتهى إجتماع الوزراء بالإجماع حول القضية الفلسطينية والتي  شهدت البنود المتعلقة بها بعض النقاشات الجدية بين الوفدين الفلسطيني والسوري حيث إقترح السوريون فقرة تؤكد على تلازم المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، وهو ما تحفظ عليه الوفد الفلسطيني لأن هناك إتفاقات مرحلية يجب التعاطي معها بينما يتم التلازم في حالة الدخول في مفاوضات الحل النهائي. وفي النهاية تم الإتفاق على فقرة تنص على تلازم المسارين السوري واللبناني وترابطهما مع المسار الفلسطيني تحقيقا للسلام الشامل.(8)

وفيما يخص دعم الإنتفاضة أوصى الوزراء بدعم ميزانية السلطة الوطنية بناء على إقتراح تقدمت به السعودية ودعوا المجلس الأعلى لصندوق الأقصى والقدس إلى الإستجابة لطلب السلطة الوطنية بصرف المبلغ الإضافي المطلوب لدعم ميزانيتها خلال الستة أشهر المقبلة.

كما وجاء في صيغة المشروع أن القادة العرب يرحبون بتخصيص جمهورية العراق مبلغ مليار يورو من مبيعاتها النفطية المصدرة بموجب مذكرة التفاهم لتأمين احتياجات الشعب الفلسطيني من الغذاء والدواء والمستلزمات الأساسية.(9)

وبينما إتفق الوزراء العرب على القضية الفلسطينية فقد إختلفوا فيما أسموه الحالة العراقية-الكويتية. ولم يتوصلوا لحل نهائي فيها وأحيلت القضية إلى القادة العرب.

القمة:

إستغرق إجتماع القمة يومين 27-28 مارس 2001 إنتهت بالمصادقة على مسودة البيان الختامي المقدم من وزراء الخارجية العرب، حيث قرأ الدكتور عصمت عبد المجيد البيان صباح يوم 28 مارس 2001.

وقد تضمن البيان 52 فقرة خصصت (12) فقرة منها للشؤون الإقتصادية و(12) فقرة للقضية الفلسطينية و(7) فقرات للنزاع العربي الإسرائيلي بشكل عام، إضافة إلى قضايا أخرى. وفيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فلم يخرج البيان عما جاء به بيان القمة السابقة بإستثناء القرار المالي المتمثل في صرف مبلغ وقدره 15 مليون دولار من القرض الحسن الذي إعتمد بقيمة 60 مليون دولار تدفع على أربعة أشهر. وإستجابة لطلب السلطة الوطنية الفلسطينية، كلف المجلس الأعلى لصندوق الأقصى والقدس بصرف مبلغ بقيمة 180 مليون دولار لدعم ميزانية السلطة للأشهر  الستة القادمة، كما أدانت القمة إستخدام الولايات المتحدة "الفيتو" في مجلس الأمن ضد مشروع القرار حول حماية الشعب الفلسطيني. وإحتوت الفقرات الأخرى تصميم العرب على دعم الإنتفاضة ووضع كافة إمكانياتهم لتحرير الأرض الفلسطينية، والمطالبة بإنعقاد مؤتمر أطراف إتفاقية جنيف الرابعة، وإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني. (10)

وفيما يخص الشأن العراقي- الكويتي ونظراً لعدم نجاح القمة في تسوية الخلافات العراقية- الكويتية فقد أصدرت القمة ما عرف بإسم "إعلان عمان" حول الحالة العراقية-الكويتية وأوكلت للملك الأردني عبد الله بمتابعة القضية.

ردة الفعل على القمة:

على المستوى الفلسطيني، بدا أنه كان هناك رضى عاماً عن نتائج القمة حيث أعرب الرئيس ياسر عرفات عن أمله في أن يجتمع القادة العرب قريباً في القدس الشريف. وفي تصريح للصحافيين عقب إختتام القمة، أعرب الرئيس عرفات عن إرتياحه "لهذه الروحية الطيبة التي شملت هذه القرارات المباركة". (11)

وأشار السيد ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وزير الثقافة والإعلام،  إلى أن القمة حققت نجاحاً كاملاً سواء على صعيد القرارات أو على صعيد النتائج، وقال إن "القرارات التي كنا نأمل أن تخرج عن القمة جرى تبنيها في البيان. (12)

كما أشار د.نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي إلى أن القرارات الصادرة عن القمة تؤكد موقفاً عربياً قوياً إلى جانب الشعب الفلسطيني وإنتفاضته  وقال "لم يكن مطلوباً من القمة إصدار قرارات جديدة وإنما تعويض الخسارة في المصداقية العربية الناجمة عن عدم تنفيذ قرارات القمة السابقة وهو ما يعني تجسيد إلتزام العرب بتنفيذ ما تم إقراره وهذا ما تم في هذه القمة. (13)

أما في اسرائيل، فكان هناك عدم إرتياح من القمة، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيرس "أن البيان الختامي للقمة العربية يشكل عقبة أمام عملية السلام وهو يعمق العداء بين الطرفين من خلال محاولة إملاء سياسة أحادية الجانب بدل العودة إلى المفاوضات بين طرفين متساويين يتوصلان إلى حل مشترك. العالم لا يستطيع أن يقبل تفسير القمة لصيغة الأرض مقابل السلام والذي يقضي بأن تقدم إسرائيل الأرض دون أن تحصل على السلام. (14)

على الصعيد الشعبي العربي إختلفت الردود إختلافاً كبيراً عن تلك التي أعقبت قمة القاهرة الطارئة في أكتوبر 2000م حيث إتسمت ردة الفعل الشعبي خلال وبعد القمة بالهدوء الذي إكتنفته بعض المسيرات هنا وهناك.

 

اعداد / نهى قاسم

 

المراجع

1.         القدس 27/3/2001

2.         القدس 26/3/2001

3.         الشرق الاوسط 12/10/2000

4.         القدس 26/3/2001

5.         القدس  26/3/2001

6.         الأيام 27/3/2001

7.         الأيام27/3/2001

8.          الحياة الجديدة 26/3/2001

9.          الحياة الجديدة 26/3/2001

10.        الحياة الجديدة 29/3/2001

11.       الأيام 29/3/2001

12.       الأيام29/3/2001

13.       الأيام29/3/2001

14.       المصدر السياسي 29/3/2001

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م