الإغتيال- حرب اسرائيل الجديدة

لجأت إسرائيل إلى أساليب جديدة، ضمن حربها المدمرة التي تشنها ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته، بهدف القضاء على انتفاضة الأقصى، والتي أشعل نار فتيلها شارون من خلال زيارته للحرم القدسي في 28/9/2000. وبعد تأكد الشعور لدى إسرائيل بأن الوسائل الحربية المستخدمة ضد الانتفاضة قد فشلت، اعتمدت أسلوباً جديداً سيثبت فشله لاحقاً، على الرغم من أنه طال عدداً من نشطاء وكوادر قيادية فلسطينية، وهو أسلوب الاغتيال من الجو والقنص والتفجير عن بعد وطرق الاستدراج والكمائن، ظناً منها أنها ستنجح في تحقيق الهدف الذي قامت بالتخطيط له وتصبو إليه. ولاحت أول إشارة على التغيير في الأساليب الإسرائيلية العدوانية، عندما أقدمت قواتها بأول عملية اغتيال يوم 9/11/2000، ضد الشهيد حسين عبيات، من بلدة بيت ساحور، قائد تنظيم "فتح" في منطقة بيت لحم، بواسطة إطلاق صاروخ من مروحية عسكرية على السيارة التي كان يستقلها. سارعت الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها باراك للتفاخر بتنفيذ العملية، وكذلك القادة الإسرائيليون العسكريون وعلى رأسهم رئيس الأركان شاؤول موفاز، وأكدوا أن ما حدث هو مقدمة لاغتيالات ستطال نشطاء آخرين. وذكرت مصادر إسرائيلية، بأن التعليمات لتصفية عبيات جاءت بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك والجنرال موفاز. وقال الجنرال اسحق إيتان، قائد ما يسميه الإسرائيليون المنطقة الوسطى "الضفة الغربية"، أن تصفية العبيات ليست العملية الأولى ولن تكون الأخيرة (1) . واستنكرت القيادة الفلسطينية هذا العمل الإجرامي بحق المواطنين الفلسطينيين، وأكد الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة، أن عملية الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحق المناضل الشهيد حسين عبيات، تشكل تصعيداً غير مسبوق من قبل قوات الاحتلال، وأنها تدفع بالوضع إلى مهاوٍ جديدة، وتزيد بشكل حاد من تدهور الأوضاع. كما حذرت حركة فتح في بيان لها يحمل رقم 18، الحكومة الإسرائيلية وجيش الاحتلال، من مغبة التمادي في ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة بحق شعبنا وأبناء حركة فتح (2).

إلا أن الإسرائيليين مضوا في تنفيذ ما أعدو له سلفاً، فقاموا باغتيال الشهيد محمود المغربي، أحد كوادر حركة "فتح" في بيت جالا، بواسطة إطلاق النار عليه من بعد، وكان ذلك في اليوم التالي مباشرة لاغتيال الشهيد عبيات. ونفذت القوات الإسرائيلية عملية أخرى في 16/11/2000، واغتالت الشهيد يوسف عواد، من بيت أمر، كادر بارز في حركة "فتح"، وذلك حينما أوقفه الإسرائيليون عند حاجز إسرائيلي وأنزلوه من سيارة كان يستقلها برفقة آخرين، وأطلقوا النار عليه على مسمع ومرأى من زملائه. وتلبي ذلك جريمة بشعة أخرى في مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية في 22/11/2000 بحق أربعة مواطنين رفح كانوا في طريقهم إلى جامعة القدس المفتوحة في مدينة خانيونس بقطاع غزة، وهؤلاء الأربعة هم، جمال عبد الرازق، كادر بارز في حركة فتح من رفح، وعوني ظهير، ونائل اللداوي، وسامي أبو لبن، وجميعهم من حركة فتح، وذلك بقصف سيارتهم من مدفعية رشاشة من على ظهر دبابة متمركزة على حاجز خانيونس قرب مستوطنة "موراج". وفي 23/11/2000 نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية اغتيال الشهيد ابراهيم عبد الكريم بني عودة، من قرية طمون في نابلس، قائد الجناح العسكري لحركة "حماس" في المدينة، وذلك من خلال عملية تصفية مدبرة تمثلت بتفجير عبوة ناسفة وضعت بمسند كرسي القيادة بالسيارة التي كان يقودها. وأغتيل في 26/11/2000، أربعة شبان من كوادر حركة "فتح" في قلقيلية، قصي فيصل زهران، ومحمود يوسف العدل، ومحمد منصور عدوان، وزياد غالب سلمي، بواسطة كمين نصب لهم. كما كان هدفاً من أهداف الاغتيالات الشهيد أنور محمد حمران، من بلدة عرابة – محافظة جنين، وأحد قيادي حركة الجهاد الاسلامي، بحي الضاحية بمدينة نابلس الساعة الثالثة من بعد الظهر يوم 11/12/2000، بعد خروجه من مبنى جامعة القدس المفتوحة فرع نابلس، فأطلق عليه الرصاص بكثافة من موقع لقوات الاحتلال مقام على جبل جرزيم، وأصيب مباشرة في الرأس ومناطق أخرى من الجسم. كما اغتالت قوات الاحتلال يوم 12/12/2000 بعملية قنص الشهيد يوسف أحمد أبو صوي، من بلدة أرطاس، بمحافظة بيت لحم، والذي يعتبر كادراً بارزاً في حركة "فتح"، وأحد نشطاء الانتفاضة الأولى 87-93، وتم اغتياله في منطقة الخضر من قبل قناصة إسرائيليين كانوا يتمركزون على طريق الأنفاق، المؤدي من القدس إلى المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقدس مروراً بقرية بيت جالا، وذلك عندما كان عائداً من عمله إلى منزله. وفي 13/12/2000 أُغتيل الشهيد عباس عثمان أحمد العويوي، وهو من قادة الذراع العسكري لحماس، وذلك بإطلاق الرصاص الحي بكثافة عليه من موقع عسكري لقوات الاحتلال، يبعد 150م من مكان الاغتيال وسط الخليل. كما نفذت قوات الاحتلال بجنوب غزة عملية اغتيال الشهيد هاني حسين حسن بكرة، أحد قادة حركة "حماس" بالقرب من مستوطنة "كتسوفيم" لدى مروره أمام الحاجز الاحتلالي، المقام على مقربة من المستوطنة، حيث قام خمسة من جنود الاحتلال بفتح نيران أسلحتهم  نحو رأسه وصدره مما أدى إلى مقتله على الفور، وذلك بتاريخ 14/12/2000. وبمدينة نابلس، وفي 15/12/2000، نفذت قوات الاحتلال في اطار سلسلة الاغتيالات التي تنتهجها ضد الفلسطينيين، عملية اغتيال الشهيد سعيد طه محمد صالح الخاروف، أحد كوادر حركة الجهاد الاسلامي، في بلدة حوارة، حينما أطلقت مجموعة من قوات الاحتلال نيران أسلحتها الرشاشة باتجاه سيارته، بعد استدراجه بمكالمة هاتفية إلى الشارع الالتفافي لمستوطنة "يتسهار". ونفذت في 17/12/2000 عملية اغتيال الشهيد سامح عبد حسن الملاعبي، نشيط حركة "فتح" بمخيم قلنديا، بواسطة عبوة ناسفة  في جهاز نقال كان يستخدمه. وفي جريمة بشعة من جرائم الاغتيال التي تنفذها قوات الاحتلال، ما قامت به عندما أطلقت قذيفة دبابة، ووابل من العيارات النارية وبطريقة عشوائية يوم 20/12/2000، اغتالت بها رقيب أول في الدفاع المدني رفعت أبو مرزوق، والمساعد نضال أبو عون، وذلك داخل سيارتهما التي كانا يستقلانها عند مفرق الشهداء جنوب مدينة غزة. وأقدمت قوات الاحتلال في 1/1/2001 على اغتيال الشهيد د. ثابت أحمد ثابت، عضو اللجنة الحركية العليا لحركة "فتح"، وأمين سر الحركة في طولكرم، ومدير عام بوزارة الصحة، وذلك أثناء مغادرته منزله متجهاً إلى عمله. وبذلك أضافت قوات الاحتلال جريمة بشعة جديدة إلى سجل حكومة باراك الدموي عشية الاحتفال بالذكرى السادسة والثلاثين لانطلاقة الثورة الفلسطينية. وقال الرئيس ياسر عرفات، "أن التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وبخاصة سياسة الاغتيالات هي خطة من الخطط الإسرائيلية في التصعيد ضد شعبنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا وقياداتنا، وأضاف سيادته، "هي جزء مما أعلنه شاؤول موفاز رئيس الأركان الإسرائيلي، بأنه سيصعد وسيستمر كما هو ملحوظ على كافة المستويات وآخرها كان استشهاد البطل د. ثابت ثابت الله يرحمه (3). كما نددت منظمة الشبيبة الفتحاوية، اقليم جنين في بيان لها، بجريمة اغتيال د. ثابت أحمد ثابت، أمين سر حركة فتح في طولكرم، برصاص أفراد وحدات الموت الإسرائيلية، وأكدت المنظمة أن تلك الجريمة وكل الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، لن تنجح في إجهاض الانتفاضة، وإرهاب الشعب الفلسطيني، ومنعه من مواصلة النضال، وإنما تزيده إصراراً على الرد بقوة في الوقت والمكان المناسب على تلك الجرائم (4).

وتعقيباً على أساليب الاغتيال التي تنتهجها إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين، ذكرت مجلة "تايم الأمريكية"، الصادرة في 8/1/2001، أن إسرائيل تستخدم، أفضل وأحدث الوسائل التقنية، المتوفرة لديها في تنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية، التي تستهدف قادة وناشطي "انتفاضة الأقصى"، وأن جنود وعناصر فرقة النخبة "شلداغ"، وتعني بالعربية نوعاً من الطيور الجارحة يطلق عليه "القاوند"، وفرقة الكوماندوز البحري (الفرقة 13)، والتي اغتالت أمين سر حركة فتح ثابت ثابت، هم الذين ينفذون عمليات الاغتيال، بالاستعانة بطائرات صغيرة دون طيار بواسطة وسائل تقنية متطورة أخرى، استخدمت في تعقب أجهزة الهواتف الخلوية الموجودة في حوزة المستهدفين بعمليات التصفية (5).

وعلى الرغم من كافة الاستعدادات والأساليب التي تستخدمها قوات الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فإنها تمنى بالفشل في حالات عدة، مثلما فشلت يوم 11/1/2001، في محاولة اغتيال أمين سر حركة "فتح" في إقليم شمال غزة، يزيد حويحي، الذي تعرض لإطلاق النار لدى خروجه من منزله، ولكنها أخطأت الهدف. وتستمر إسرائيل في أعمال القرصنة الجوية واغتالت بهذه الطريقة الشهيد مسعود حسين عياد، الذي يعمل ضابطاً في قوات أمن الرئاسة الـ 17، بواسطة صاروخين أطلقا من مورحية عسكرية إسرائيلية  على سيارته، عند مفرق جباليا شمال مدينة غزة، في طريقه إلى عمله يوم 13/2/2001. كما اغتالت رقيب أول خالد أبو حرب من طولكرم ويعمل في الشرطة البحرية، بعد نصب كمين له على طريق طولكرم – نابلس، وباغتته بوابل من الرصاص، مما أدى إلى استشهاده، وكان ذلك في 14/2/2001. وأقدمت مجموعة متعاونة مع الاحتلال، باغتيال ملازم أول أنور مصطفى مرعي، من بلدة قراوة بني حسان، بمحافظة سلفيت، ويعمل في المخابرات العامة، بعد أن هاجموه في منزله وانهالوا عليه طعناً بالسكاكين (6) وذلك في 16/2/2001. وفي مخيم بلاطة في نابلس، تم اغتيال الشهيد محمود مدني، وهو عضو نشط في حركة "حماس"، بواسطة  وحدة خاصة اخترقت مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في 19/2/2001. وكانت هناك محاولة لفرق القتل الإسرائيلية، للقيام بعملية اغتيال لأحد الكوادر الناشطة في الانتفاضة، وأحبطتها الجماهير الفلسطينية في مدينة جنين، حيث استولت كتائب شهداء الأقصى على عتاد وذخيرة وأدوات قتالية، تعود لفرق القتل الإسرائيلية، التي ردت على أعقابها بعد اكتشاف أمرها وإيقاع  إصابات في صفوفها، فيما كانت مروحية احتلالية تحلق في السماء لاسنادها (7). وفي 24/3/2001، تم اغتيال رقيب أول أسامة حسن سليم من قوات الأمن الوطني، بواسطة قناصة إسرائيلية، متمركزة في محيط مستوطنة "كفار داروم" في دير البلح.

وبعد استعراض بعض الأساليب، التي تتبعها إسرائيل في تصفية الكوادر الفلسطينية، ثمة دليل على أن حكومات إسرائيل المتعاقبة، انتهجت منذ احتلال الحركة الصهيونية لفلسطين عام 1948، أسلوب التصفية الجسدية، والإعدام  للشخصيات السياسية والقيادات التنظيمية والأمنية والعسكرية الفلسطينية، في إطار سياسة الإرهاب المنظم، الذي تقوم به وتنفذه إسرائيل وأجهزتها الأمنية والعسكرية، للنيل من إرادة الشعب الفلسطيني والقضاء على جذوة مقاومته، باغتيال عناصر قيادية فاعلة ومؤثرة في مسيرته الكفاحية ضد الاحتلال، وتطبق هذه السياسة حالياً ضد كوادر قيادية في انتفاضة الأقصى فاغتالت حتى نهاية شهر مارس 2001، نحو 26 كادراً بأساليب مختلفة.

وتدرك إسرائيل، التي تدعي  أنها تريد السلام مع الفلسطينيين، أن اغتيال هؤلاء القادة، والناشطين، سيؤدي إلى تصعيد خطير في الأحداث، والدفع باتجاه الرد الانتقامي، كما إنه لن يؤثر على إرادة الشعب الفلسطيني الذي يظل قادراً على إقرار القيادات المناضلة.

 

اعداد / معين الطناني

المراجع:

1- صحيفة الحياة الجديدة 2/12/2000 .

2- الأحداث الفلسطينية - العدد 71 .

3- الأحداث الفلسطينية - العدد 73.

4- الأحداث الفلسطينية – المصدر السابق.

5- صحيفة الحياة الجديدة 9/1/2001 .

6- مجلة الرأي - العدد 38 .

7- مجلة الرأي – المصدر السابق.

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م