الجيروسالم بوست 20/3/2001 ميراف وورمسر* مع اتضاح معالم الفوز الكبير الذي حققه أرييل شارون في الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة، صرح مروان البرغوثي، زعيم تنظيم فتح في الضفة الغربية قائلا: "نحن غير معنيين بشارون أو باراك أو بيريز..لا بد من أن يتحول الاحتلال إلى مشروع خاسر لهم..أن شارون هو الطلقة الأخيرة في جعبة الإسرائيليين، فليستخدموها، وسوف يدركون أنه لابد لهم من الرحيل عن أرضنا..". يعتقد البرغوثي أن لدى الفلسطينيين ما يكفي من القوة لالحاق الهزيمة بالخط الأكثر تشددا الذي يمثله شارون. والبرغوثي ليس هو الوحيد الذي يعتقد ذلك. فهو يعكس شعوراً عاماً لدى الزعماء الفلسطينيين في أنهم وحدهم هم الذين يتحكمون في مجرى الأحداث والتطورات السياسية على امتداد الرقعة الممتدة من نهر الأردن حتى البحر المتوسط. فثقة القيادة الفلسطينية في قدرتها على التحكم على هذا النحو، كبيرة جدا إلى حد أنهم لا يهتمون بالتطورات السياسية داخل إسرائيل. ويبدو هذا في مجالين اثنين: أولهما في اعتقادهم بأن لديهم من القوة ما يكفي لصنع وتحطيم كل حكومة إسرائيلية. فرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات غير معني أبداً فيما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يمينيا، وسطيا أو يساريا، لأنه على قناعة بأنه هو الوحيد القادر على التحكم في أمد الفترة التي سيظل فيها أي رئيس وزراء إسرائيلي في الحكم. أما في الثاني: فهو أنه طالما أن عرفات يعتقد أنه قادر وبسهولة على التأثير في مصير الحكومات الإسرائيلية، فهو لا يعتقد بضرورة تقديم اية تنازلات. ففي خطابه الذي ألقاه قبل بضعة أيام أمام المجلس التشريعي الفلسطيني، حدد عرفات شروطه للتوصل إلى تسوية سياسية مع إسرائيل وهي: الحصول على القدس، وحق العودة للاجئين. وكالعادة، تمترس عرفات في موقفه، ولم يجد في تنصيب شارون رئيسا للوزراء ما يدعوه إلى تغيير نبرته. بل أنه يفترض وبكل ازدراء أنه إذا لم تقم اية حكومة بتقديم ما يريد، فلديه من الوسائل الكافية لكسر ارادة تلك الحكومة أو إسقاطها. وهذه الوسائل مرنة. فهي تتمثل أحياً في العمليات الإرهابية، وتتمثل أحياً أخرى في رفض اية تنازلات ضخمة تتم المجازفة بتقديمها إليه. فعرفات لا يقيم أي وزن لما تسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية، ولا يتوقع المرء منه غير ذلك. فمهارات الحكم الديمقراطي ليست مجاله. ولذلك، كيف يمكن تفسير هذه الثقة التي لدى عرفات؟ إن عرفات يفكر استراتيجيا بينما لا تفكر إسرائيل الا كرد فعل. فعرفات هو تلميذ افضل المفكرين الاستراتيجيين السوفييت الذين آمنوا في أن القوة ليست أكثر الأمور أهمية. فالنصر إنما يأتي نتيجة تضافر القوة والدبلوماسية على نحو يؤدي إلى القضم التدريجي الذي من شأنه أن يؤدي إلى تداعي النواة السياسية للخصم، سواء كانت تلك النواة هي نقطة جغرافية أم رمزً سياسيً أم فكرة سياسية. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذه النقطة وهذا الرمز وتلك الفكرة، إنما تلتقي كلها لتصب في القدس التي تمثل ساحة المعركة الرئيسية في حرب عرفات. إن أساليب عرفات هذه ليست جديدة فهو قد انقلب سابقا على دولتين دخلهما مدعوا، فخرج من الأردن، بفعل التدخل العسكري الأمريكي والإسرائيلي. أما في لبنان، فما أن جاء عام 1977 حتى كان عرفات قد اصبح الحاكم الفعلي هناك، واخذ يمارس حكمه مما اصبح يعرف بدولة الفاكهاني في ضواحي بيروت. وكان عرفات يستخدم أسلوب إشاعة عدم الاستقرار والفوضى فيما حوله لكي يمسك بزمام المبادرة ويطوع مجريات الأحداث والسياسات في خدمة اهدافه. فهو لا يقوم أبدا بشن هجوم عسكري على خصمه، بل يقوض مضيفه من الداخل، وبخاصة في عاصمته، سواء كانت العاصمة هي عمان أم بيروت أم القدس. يراقب عرفات السياسات الإسرائيلية من خلال عدسة الحملة العسكرية. وهذا هو الذي يدعو البرغوثي إلى وصف فوز شارون على النحو الذي يقوم به قائد الميدان في تقدير كمية الذخيرة المتبقية لدى خصمه. فعلى الرغم من القوة القاهرة التي لدى إسرائيل، فإن عرفات ينظر إلى فوز شارون وإلى العملية الديمقراطية الإسرائيلية كشيئين ثانويين مقابل القوة والتأثير المدمر تدريجيا لأقواله وأفعاله. فعرفات يعتقد أنه قادر على التحكم في السياسات الإسرائيلية، من خلال بث الشلل في تلك السياسات واحباط مناورات شارون. وإذا ما لم يتراجع شارون، فإن عرفات سيظل يحفر من تحت اقدامه إلى أن يقوضه ويسقط حكومته. فعرفات إنما يسعى إلى تحويل الطابع الديمقراطي الإسرائيلي إلى مكمن ضعف لإسرائيل. في يناير الماضي، قام صديق لبناني لي بزيارة حي جيلو في القدس. وحين رأى اكياس الرمل في الشبابيك وجدران الكونكريت المقامة في وجه القناصة ومواقع الدبابات في الخنادق، قال لاهثا: "يا الهي، لقد احضرتم بيروت إلى القدس"! إن إسرائيل تواجه اليوم خيارا. هل ستعود ثانية لكي تكون سيدة بيتها وتجمع قوتها الحقيقية، أم أنها ستنحدر إلى المصير الذي انحدر إليه لبنان؟ فلنأمل أن البرغوثي وسيده قد أساءا تقدير ما تبقى من الإرادة الإسرائيلية! ترجمة: س.ح. |
|