جمال البابا وعلى الرغم من الضغوط
التي مورست من قبل الإدارة الأمريكية على الجانب الفلسطيني من أجل إحراز اتفاق،
ولو في هيئة اتفاق إطار، فإن هذه الضغوط فشلت في تحقيق أي اتفاق، وتجلى الفشل أكثر
في أن هذه المفاوضات لم تتمخض عن شيء مكتوب يمكن الرجوع اليه. بعد هذا الفشل الذي مني
به الرئيس كلينتون شخصياً، وبعد قناعته بعدم إمكانية تحقيق اتفاق نهائي بين
الجانبين في فترة ولايته، مع أنه كان يأمل في تحقيق هذا الاتفاق، أراد الرئيس
كلينتون أن لا يغادر البيت الأبيض قبل أن يضع بصمة خاصة به على المفاوضات بين
الجانبين وعلى تاريخ منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا كانت دعوته للجانبين في شهر
ديسمبر 2000 إلى واشنطن حيث عرض عليهم مقترحاته التي تبدو للوهلة الأولى أنها وضعت بعد
التشاور مع الجانب الإسرائيلي كي تظل شيئا مكتوبا يورث للإدارة اللاحقة. ولهذا
السبب كان إصرار الرئيس كلينتون على أن يوافق الطرفان على هذه المقترحات قبل
الدخول إلى التفاصيل. و فيما يلي سنلقي الضوء
على ما جاء في هذه المقترحات بخصوص الأراضي والمستوطنات والقدس في محاولة منا
لقراءة ما يكتنفها من غموض ومخاطر على
الجانب الفلسطيني. أولاً : الأرض والمستوطنات
ونحن هنا بصدد التعرض لما جاء في مقترحات الرئيس كلينتون
بخصوص قضايا الأرض والمستوطنات، وما تعكسه هذه المقترحات من واقع يعبر عن طبيعة
الوضع الدائم لهذه القضايا في إطار حل دائم للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتعرف على
مدى اقتراب هذه المقترحات و مواقف الطرفين من تلك القضايا، حيث يقول الرئيس
كلينتون في مقترحاته حول ما يتعلق بالأرض والمستوطنات: "استناداً إلى ما سمعته، أعتقد أن الحل ينبغي أن يكون
بحدود أواسط التسعينات في المئة، بين 94-96% من أراضي الضفة الغربية في الدولة
الفلسطينية. الأراضي التي تضم من قبل إسرائيل ينبغي التعويض عنها بتبادل للأراضي
من 1 إلى 3 في المئة، بالاضافة إلى ترتيبات متعلقة بالأراضي مثل ممر آمن دائم. كما
ينبغي للطرفين أن يدرسا تبادل أراضي مستأجرة لتلبية احتياجات كل منهما، وتوجد
وسائل خلاقة للقيام بذلك ينبغي أن تعالج احتياجات ومخاوف الفلسطينيين
والإسرائيليين. ويتوجب على الطرفين أن يطوروا خريطة تنسجم مع المعايير التالية: -80% من المستوطنين في كتل -التواصل الجغرافي. -تقليص المناطق التي يتم ضمها إلى الحد الأدنى. -تقليص عدد الفلسطينيين المتأثرين بذلك إلى الحد الأدنى"
(1). هذه هي المقترحات التي تتعلق بموضوع الأرض والاستيطان مباشرة،
ولكن هناك نصوص على الرغم من أنها تندرج تحت بنود أخرى، فإن لها علاقة بموضوع
الأرض والسيادة عليها. فقد جاء في المقترحات الخاصة بموضوع الأمن ما يلي: "-أن وجوداً إسرائيلياً صغيراً سيبقى في مواقع ثابتة في
غور الأردن خاضعاً لسلطة القوة الدولية لمدة 36 شهراً اضافية. -بالنسبة لمحطات الإنذار المبكر، ينبغي على إسرائيل أن تحتفظ
بثلاث منشآت في الضفة الغربية…عرضة لاعادة النظر بعد 10 سنوات وأي تغيير في وضعها
يجب أن يتفق عليه بين الطرفين. -بالنسبة لاعادة الانتشار الإسرائيلي في حالة الطوارئ، أعتقد
أنه لا يزال عليكم أن تطوروا خريطة للمناطق والطرق ذات الصلة".(2) وبالنظر إلى هذه المقترحات وما جاء فيها من بنود تتعلق
بالأراضي مباشرة، يلاحظ أنها تقسم الأراضي الفلسطينية من حيث السيادة والصلاحيات
وطبيعة الاستغلال المحددة سلفاً إلى عدة أنواع يمكن اجمالها بالتالي: 1- أراضي
فلسطينية كاملة السيادة تتراوح ما بين 94-96% من مساحة الضفة الغربية. 2- أراضي سيتم
ضمها إلى إسرائيل "كتل استيطانية" تتراوح ما بين 4-6% من مساحة الضفة
الغربية. 3- أراضي
مستأجرة، ولكن لم تحدد مساحتها، ولكن بدون شك ستكون من الأراضي المخصصة للجانب
الفلسطيني. 4- أراضي مخصصة
لتواجد إسرائيلي ثابت، مع أنها محددة المدة (36 شهراً) ومحددة المكان بصفة عامة
(غور الأردن)، الا أنها غير محددة المساحة، ولكنها بالتأكيد ستكون على حساب
الأراضي المخصصة للجانب الفلسطيني. 5- أراضي مخصصة
لاقامة ثلاث محطات إنذار مبكر، مع عدم تحديد
الموقع والمساحة. 6- مناطق وطرق من المفترض أن تحدد، تكون مخصصة
للاستخدام الإسرائيلي في "حالة الطوارئ". ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا، لابد من الاشارة إلى بعض
المعطيات المساحية للضفة الغربية. فحسب المصادر الفلسطينية الرسمية تبلغ مساحة
الضفة الغربية 5844 كم2 (3) تشمل هذه المساحة جزءا من البحر الميت وهو
الجزء الشمالي الغربي الواقع ضمن أراضي الضفة الغربية طبقاً لحدود الرابع من يونيو
1967 بمساحة تبلغ نحو 197.3 كم2، اضافة إلى شمول هذه المساحة الاجمالية المنطقة الحرام في اللطرون بمساحة تقدر بنحو 64
كم2، وتشمل أيضاً القدس الشرقية بمساحتها البالغة 70 كم2.
وتمتد الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب مسافة تتراوح بين 126-130 كم، ومن الشرق
إلى الغرب مسافة تتراوح بين 40-65 كم،مع الاشارة إلى أن المنطقة الأكثر ضيقاً
هي المنطقة الممتدة ما بين القدس في الغرب
والبحر الميت في الشرق بحيث لا تتجاوز 20 كم. ففيما يتعلق بالنوع الأول من الأراضي التي ستصبح تحت سيادة
الجانب الفلسطيني، والنوع الثاني من الأراضي الذي سيضم إلى الجانب الإسرائيلي،
وبخاصة في ظل عدم تقديم خارطة تحدد الأراضي والنسب، تثير الصيغة مجموعة من الشكوك
حول المساحة الحقيقية للأراضي التي ستنقل للجانب الفلسطيني والتي حددت بنحو 95%،
حيث تحتمل هذه الصيغة عدة تفسيرات واحتمالات، وبخاصة أنه لم يتم اعتماد مساحة
محددة متفق عليها للضفة الغربية، ويمكن حصر هذه الاحتمالات فيما يلي: الأول: تكون النسبة المذكورة من مساحة إجمالية للضفة الغربية
البالغة نحو 5844 كم2، وبذلك تعادل نسبة 95% ما قدره 5550 كم2، أما النسبة التي ستضم إلى إسرائيل فتبلغ 294 كم2. الثاني: بعد استثناء مساحة القدس الشرقية البالغة 70 كم2،
تعادل نسبة 95% نحو 5485 كم2، كما تعادل نسبة 5% التي ستضم لإسرائيل
نحو 289 كم2. الثالث بعد استثناء مساحة القدس والبحر الميت والمنطقة الحرام
في اللطرون، (تبلغ مساحة هذه المناطق الثلاث مجتمعة 331 كم2)، تعادل
نسبة الـ95% نحو 5237 كم2، أي ما يعادل 89.6% من المساحة الاجمالية للضفة
الغربية، أي أن المساحة الحقيقية التي ستضمها إسرائيل سوف تزيد على 10% من المساحة
الاجمالية للضفة الغربية على اعتبار أن منطقتي البحر الميت واللطرون سوف تضمهما
إسرائيل قبل احتساب النسب. الرابع: النسبة بعد خصم مساحة الكتل الاستيطانية (5%) ومناطق
اللطرون والقدس والبحر الميت، وتعادل الـ95% ما قدره 5000 كم2، أي ما
يعادل 85.5% من المساحة الاجمالية للضفة الغربية، أي أن المناطق التي ستظل تحت
السيادة الإسرائيلية ستصل إلى 844 كم2 وهي تعادل 14.5% من مساحة الضفة
الغربية. أما فيما يتعلق بالمساحة التي سيتم ضمها لإسرائيل ككتل
استيطانية والتي قدرتها المقترحات بـ 4-6% من مساحة الضفة الغربية، فيجب الاشارة
في هذا الصدد إلى أن عدد المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية وصل في نهاية
عام 2000 إلى نحو 197 الف مستوطن-منهم 7750 في مستوطنات قطاع غزة، يقيمون في 145
مستوطنة "رسمية" ونحو 30 موقع استيطاني غير رسمي (من وجهة نظر الحكومة
الإسرائيلية) وذلك في الضفة الغربية، اضافة إلى 18 مستوطنة في قطاع غزة. وفقا لروني شكيد المعلق السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت
الإسرائيلية، فإن إسرائيل، وفي إطار الكتل الاستيطانية، سوف تضم نحو 58 مستوطنة من
الـ145 مستوطنة المنتشرة في أراضي الضفة الغربية والتي يقطنها نحو 75% من عدد
المستوطنين، حيث من المفترض إخلاء نحو 87 مستوطنة واقعة في عمق الأراضي الفلسطينية
وبعيدة عن هذه الكتل.(*)
وهي موزعة على النحو التالي: 9
مستوطنات في منطقة جنين، 24 مستوطنة في منطقة غور الأردن، 12 مستوطنة في منطقة
نابلس، 18 مستوطنة في منطقة رام الله، 5 مستوطنات في منطقة بيت لحم، 15 مستوطنة في
منطقة الخليل ومن ضمنها مستوطنة كريات اربع.(4) وتتمثل الكتل الاستيطانية في ثلاث مناطق رئيسية هي منطقة
"أرييل" غرب محافظة نابلس، منطقة اللطرون وغرب مدينة رام الله، ومنطقة
غوش عتسيون إلى الغرب من مدينة بيت لحم. .** ولكن السؤال الذي يثار هنا، هل مجموع المستوطنين الذين يعيشون
في هذه الكتل الاستيطانية الثلاث سالفة الذكر يشكل 80% من عدد المستوطنين كما حددت
في أفكار الرئيس كلينتون؟. والاجابة على هذا السؤال أنه في أحسن الأحوال، لن تتعدى
نسبة المستوطنين في هذه الكتل عن 50% من العدد الاجمالي للمستوطنين في الضفة
الغربية، ومن ثم لا يمكن الوصول إلى نسبة 80% من عدد المستوطنين إلا إذا شملت هذه
الكتل مجموعة المستوطنات المحيطة بمدينة القدس ضمن مساحة الـ 4-6 % والتي يزيد عدد
المستوطنين فيها على 50 الف مستوطن، وأهم هذه المستوطنات معاليه أدوميم إلى الشرق
من مدينة القدس وجبعات زئيف وهار ادار إلى الغرب منها. وغني عن التعريف مدى
الخطورة في ضم هذه المستوطنات إلى إسرائيل، وبخاصة مستوطنة معاليه أدوميم نظراً
لموقعها الحساس في منطقة الخاصرة الفلسطينية بين القدس والبحر الميت وما لذلك من
أثر على التواصل الجغرافي الحقيقي بين شمال وجنوب الضفة الغربية إضافة إلى سيطرتها
على الحركة من وإلى مدينة القدس التي ستصبح عاصمة للدولة الفلسطينية. أما فيما يتعلق بالأراضي المستأجرة، فإن أفكار الرئيس كلينتون
أكدت على ضرورة دراسة الموضوع على أساس أن تلبي هذه الأراضي احتياجات ومخاوف
الطرفين. يبدو أن الرئيس كلينتون بهذه الصيغة وبايعاز إسرائيلي، أراد أن يترك
الباب مفتوحاً، وبخاصة فيما يتعلق بمحطات الإنذار المبكر وبعض المستوطنات مثل
كريات أربع وبيت إيل وايلون موريه، وربما التواجد الإسرائيلي في غور الأردن، على
أن يكون خيار الايجار لهذه الأراضي احتمالاً وارداً إذا رفض الجانب الفلسطيني هذا
التواجد كمقترح واجب التنفيذ. وفيما يتعلق بالوجود الإسرائيلي في غور الأردن والذي وصفه
الرئيس كلينتون بالصغير والثابت والخاضع لسلطة القوة الدولية، فجميع التوصيفات
الواردة هنا هي أوصاف نسبية تتيح لإسرائيل المطالبة بالمساحة التي تراها مناسبة
لهذا التواجد وأن تحدد الأماكن التي يتم فيها هذا التواجد وحجمه وطبيعته من حيث
المعدات والافراد. فكل هذه النقاط ستكون محل خلاف شديد بين الجانبين. وعلى الرغم من أن المقترحات دارت حول الصيغ العامة لهذا
التواجد فإنها حددت المدة التي يجب أن يظل خلالها التواجد الإسرائيلي في غور
الأردن، وهي مدة 36 شهراً بعد إتمام الانسحاب في مدة 36 شهراً سابقة، مع احتمالية
أن تكون المدة أقل ولكن بشرط حدوث تطورات اقليمية مواتية تحد من المخاطر التي تهدد
إسرائيل،. وعلى الرغم من أن هذه العبارة قد تكون ايجابية من حيث تقصير مدة الـ36
شهراً، فهي قابلة للتفسير السلبي من قبل إسرائيل بادعائها أن التطورات الاقليمية
ازدادت سوءا ومن ثم يجب أن يتم تمديد فترة هذا التواجد إلى أن تصبح التطورات
الاقليمية مواتية. أما البند الخاص بمحطات الإنذار المبكر، والتي حددتها
المقترحات بثلاث محطات وحددت المدة بعشر سنوات لا يتغير وضعها إلا بموافقة
الطرفين، فهذا يعني من ناحية عملية أن إسرائيل هي التي تحدد مدة بقاء هذه المحطات،
يضاف إلى ذلك أن المقترحات لم تحدد مساحة الأرض التي سوف تستغلها هذه المحطات. وفيما يتعلق باعادة الانتشار الإسرائيلي في حالة الطوارئ، كما
سماه الرئيس كلينتون، حيث جاء في المقترح "أن يتم تطوير خريطة لهذه المناطق
والطرق التي يحق لإسرائيل استخدامها داخل الأراضي الفلسطينية في هذه الحالة"،
فتكمن الخطورة في هذا الاقتراح اضافة إلى التعقيدات التي تكتنف تحديد مثل هذه
الطرق والمناطق، أن المقترح لم يكتف بالطرق، ولكن شمل المناطق أيضاً والخطورة تكمن
في أن إسرائيل في حالة اعلانها حالة الطوارئ المذكورة، لا تحتاج إلى إشعار الجانب
الفلسطيني بهذا الوضع، وانما فقط إلى اشعار القوات الدولية باستخدام إسرائيل
لمناطق وطرق داخل الدولة الفلسطينية! ويعني ما جاء في المقترحات من وجوب تطوير خريطة تنسجم مع
التواصل الجغرافي، توفير تواصل إقليمي بين أرجاء الدولة الفلسطينية، بغض النظر ما
إذا كان هذا التواصل حقيقياً أم صورياً. كما أن هذا البند ينطبق أيضاً على الأراضي
التي ستضم لإسرائيل والمناطق التي من الممكن أن يتم استئجارها، وهنا تكمن الخطورة،
فلا يمكن تصور خطورة الوضع إذا قامت إسرائيل باستئجار كريات أربع أو بيت إيل
وطالبت بأن يكون هناك تواصل جغرافي بين تلك المستوطنات وإسرائيل أو بين إسرائيل
وبين محطات الإنذار المبكر أو بين القدس ومعاليه أدوميم. في هذه الحالة، أي تواصل
جغرافي سيظل لأراضي الدولة الفلسطينية؟ كما أن المقترح الخاص بتقليص عدد الفلسطينيين المتأثرين من ضم
الكتل الاستيطانية لإسرائيل يكتنفه الغموض، فإن استخدام كلمة متأثرين ترك الباب
مفتوحاً لعدة احتمالات حول مصير التجمعات السكانية الفلسطينية التي تقع داخل هذه
الكتل، فالاحتمال الأول هو مطالبة إسرائيل بترحيل هؤلاء السكان إلى أراضي الدولة
الفلسطينية، وهو الاحتمال الأقرب إلى التصور الإسرائيلي، أما الاحتمال الآخر، فهو
بقاء هؤلاء السكان في أماكنهم ولكن هل يصبحون مواطنين إسرائيليين أم يظلون رعايا
للدولة الفلسطينية داخل إسرائيل، وفي هذه الحالة كيف سيتم التعامل مع حركتهم عبر
الحدود ومع شؤونهم المدنية؟ كلها أمور شائكة تحتاج إلى تفاصيل لا نهاية لها. وفي نفس الإطار أيضاً، فإنه إذا تم تحاشي هذه التجمعات
السكانية الفلسطينية بحيث تصبح خارج الكتل الاستيطانية مما سيضاعف أطوال الحدود في
هذه المنطقة ويؤدي إلى احتمالات اكبر للاحتكاك وإلى جهود اكبر للحفاظ على هذه
الحدود. كما أن عملية تحاشي التجمعات العربية سيجعل هذه الكتل عبارة عن أخطبوط
يمتد إلى عمق الأراضي الفلسطينية حتى يتم تحقيق نسبة 5% التي ستضم لإسرائيل. ويبدو المقترح "تقليص المناطق التي يتم ضمها إلى الحد
الأدنى"، أنه جانب صوري لا قيمة له، لأن المقترحات من البداية حددت نسبة
المساحة التي ستضم لإسرائيل فيما يسمى بالكتل الاستيطانية 4-6%، مع العلم أن مساحة
المستوطنات في الضفة الغربية لا تتجاوز 2%، بمعنى أن إسرائيل ستضم اليها ثلاثة
أضعاف المساحة الحقيقية لهذه المستوطنات. أما فيما يتعلق بمبدأ مبادلة الأراضي، فإن المقترحات اشتملت
على تبادل 4-6% من أراضي الضفة الغربية فيما يسمى بالكتل الاستيطانية مقابل 1-3%
من أراضي إسرائيل، إضافة إلى توفير ممر آمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ويبدو
واضحا أن هذا التبادل لا يستند إلى التساوي من حيث حجم الأراضي، ولم يشر من قريب
أو بعيد إلى التساوي من حيث القيمة، ويزيد من سوء المقترح ما رشح عن الجانب الإسرائيلي
من أن الأرض التي سيحصل عليها الجانب الفلسطيني في إطار هذا التبادل تقع على
الحدود المصرية الإسرائيلية وهي منطقة صحراوية جافة متدنية القيمة الاقتصادية،
اضافة إلى أن بعض الخرائط أظهرت أن هذه المنطقة لا تتصل مباشرة مع قطاع غزة، وهذا
يعني أن الدولة الفلسطينية سوف تصبح ثلاث مناطق جغرافية متباعدة وهو ما يزيد من
صعوبة التواصل الجغرافي وما له من آثار سلبية كبيرة. وفيما يتعلق بالممر
الآمن الذي يعتبر ضمن صفقة تبادل الأراضي، فلم توضح المقترحات إذا كان هذا الممر
بديلاً عن الفرق في نسب الأراضي المتبادلة، أي عبارة عن قطاع أرضي يعوض فارق نسبة
التبادل، أم سيكون مجرد مرور يتم الاتفاق على تفاصيله وآلياته لاحقا. ثانياً: قضية القدس
تعتبر القدس أكثر القضايا تعقيداً على طاولة المفاوضات
الفلسطينية - الإسرائيلية لما لها من أبعاد دينية واستراتيجية وأخرى اقتصادية. فما
الذي جاء في مقترحات الرئيس كلينتون حول المدينة وما الذي يترتب على هذه المقترحات
من تبعات؟ قال كلينتون: "لديّ احساس بأن الفجوات المتبقية تتعلق بصياغات أكثر
مما تتعلق بحقائق علمية" هذا ما قاله
الرئيس كلينتون عند بداية حديثه عن موضوعي القدس واللاجئين. أما عندما حدث مباشرة في موضوع القدس فقال: "المبدأ العام هو أن تكون المناطق العربية فلسطينية
والمناطق اليهودية إسرائيلية. وسينطبق هذا على البلدة القديمة أيضاً، وأحث الطرفين
على أن يطوروا خرائط لخلق الحد الأقصى من التواصل الجغرافي لكلا الطرفين. أعرف
أنكم ناقشتم بعض الصياغات، ويمكن أن تتفقوا على واحدة منها. وأضيف إليها صياغتين
أخريين تضمنان السيطرة الفعلية للفلسطينيين على الحرم، فيما تحترم معتقدات اليهود،
وفي ما يتعلق بكل من هاتين الصياغتين ستكون هناك مراقبة دولية لتوفير ثقة متبادلة. 1- سيادة فلسطينية على الحرم، وسيادة إسرائيلية على الحائط
الغربي والمساحة المقدسة لدى الديانة اليهودية الذي يعتبر جزءاً منها. سيكون هناك
التزام صارم من كلا الطرفين بعدم القيام بعمليات حفر أسفل الحرم أو وراء الحائط. 2- سيادة فلسطينية على الحرم وسيادة إسرائيلية على الحائط
الغربي وسيادة عملية مشتركة على قضية الحفريات أسفل الحرم ووراء الحائط اذ ستطلب
موافقة متبادلة قبل أن تجري أية عملية حفر" (6)
. قبل الحديث عن هذه المقترحات وما يكتنفها من اشكالات تتعلق
بصياغتها وامكانية تطبيقها على أرض الواقع. فلابد من الاشارة إلى بعض المعطيات
الخاصة بالمدينة. المقصود بمدينة القدس هنا، هو الشطر الشرقي من المدينة
الموحدة، والذي يقع بكامله داخل أراضي الضفة الغربية، بمساحته البالغة 70 كم2،
(قامت إسرائيل بتوسيعه من 6 كم2 في العهد الاردني إلى 70 كم2 وذلك بعد احتلاله
مباشرة في عام 1967 على حساب أراضي الضفة الغربية). ينتشر في هذه المساحة الجغرافية نحو أربعين حياً رئيسياً
تتفاوت من حيث المساحة وعدد السكان ومدى قربها وبعدها من مركز المدينة المتمثل
بالبلدة القديمة داخل الأسوار، ويبلغ عدد الأحياء الفلسطينية الرئيسية في المدينة
25 حياً بمساحة تقدر بنحو 45 ألف دونم، تمثل نحو 65% من مساحة المدينة ويقطنها
قرابة 200 ألف نسمة. أما الأحياء اليهودية التي أقيمت في المدينة بعد احتلالها عام
1967، فيبلغ عددها 15 حياً استيطانياً بمساحة تقدر بنحو 25 ألف دونم تمثل نحو 35%
من مساحة المدينة ويقطنها حالياً نحو 178 ألف مستوطن. وفيما يتعلق بالبلدة القديمة داخل الأسوار بمساحتها البالغة
871 دونم، فهي موزعة على الأحياء الأربعة الرئيسية، وهي الحي المسيحي (180 دونم)،
الحي الاسلامي (438 دونم)، الحي الأرمني (123 دونم)، الحي اليهودي (130 دونم). أما
من حيث عدد السكان المتواجدين داخل البلدة القديمة والذين يقدرون بنحو 36300 نسمة،
يستحوذ الحي الاسلامي على النصيب الأكبر بواقع 26000 نسمة، والحي المسيحي بواقع
5650 نسمة، والحي الأرمني بواقع 2550 نسمة، ثم الحي اليهودي بواقع 2500 نسمة. وفيما يتعلق بالبلدة القديمة أيضاً ولكي تكون الصورة أكثر
وضوحاً فإن هناك تداخلاً جزئياً للسكان داخل البلدة وذلك على النحو التالي(7) : - يقيم 292 مسلماً في الحي اليهودي. - يقيم 635 يهودياً في الحي الأرمني. - يقيم 168 يهودياً في الحي الاسلامي. -يقيم 140 يهودياً في الحي المسيحي. - يقيم 1195 مسيحياً في الحي الأرمني. تتصف مقترحات الرئيس كلينتون بشأن القدس، كغيرها من المقترحات
بالعمومية على الرغم من تطرقها النسبي لبعض التفاصيل. ولكن الأساس الذي قامت عليه
هذه المقترحات هو الوضع القائم الذي فرضته إسرائيل من خلال سياسة الأمر الواقع، أي
أن المقترحات تحاول وضع حل عملي لقضية القدس أقرب إلى التصورات الإسرائيلية منه
إلى القرارات الدولية والموقف الفلسطيني الذي يستند اليها. فالمبدأ العام الذي قامت عليه المقترحات هو "أن المناطق
العربية ستؤول لفلسطين والمناطق اليهودية ستؤول إلى إسرائيل"، وفقاً لما قاله
كلينتون. ولدى تطبيق هذا المبدأ على الأراضي والأحياء في مدينة القدس والتي تقع
خارج البلدة القديمة فإن هذا يعني أن الجانب الفلسطيني سيسيطر على 25 حياً بمساحة
اجمالية تبلغ نحو 45 ألف دونم تمثل 65% من
مساحة المدينة. في المقابل فإن 15 حياً استيطانياً في المدينة ستصبح جزءاً من
إسرائيل بمساحة قدرها 25 ألف دونم تمثل 35% من مساحة المدينة. ولكن المشكلة تكمن (بعد إقرار المبدأ) في الفقرة التي ناشد
فيها الرئيس كلينتون الطرفين العمل على اعداد خرائط توفر الحد الأقصى من التواصل
الجغرافي لكليهما. إن هذه المناشدة من قبل الرئيس كلينتون تعني أنه على علم بمدى
التداخل بين الأحياء الفلسطينية واليهودية في المدينة وبخاصة فيما يتعلق بطرق
المواصلات، ورغم التداخل الواضح في كل أرجاء المدينة فإن الجزء الشمالي من المدينة
هو الجزء الأكثر تعقيداً في هذه المسألة، حيث يتركز 69% من إجمالي السكان
الفلسطينيين و71% من السكان اليهود. حيث يستخدم الطرفان نفس الطرق التي لا بديل
عنها في التنقل داخل المدينة أو التنقل إلى خارج حدود المدينة. ومن ثم فإن أي نوع
من التواصل الجغرافي لطرف من الاطراف سيكون على حساب الطرف الاخر، اضافة إلى أن
هذا النوع من التواصل يكون من الهشاشة بحيث لا يمكن الحفاظ عليه في ظل ظروف غير
عادية. أما في القسم الجنوبي من المدينة فعلى الرغم من التخلخل
السكاني، فإن عملية خلق تواصل جغرافي، وبخاصة بين الاحياء اليهودية، ستكون في غاية
الصعوبة ولن تتم الا على حساب التواصل الجغرافي الفلسطيني وبخاصة في حي جبل أبو
غنيم الذي يقع في أقصى جنوب المدينة،
والذي لا يمكن اتصاله بالقدس الغربية الا عبر أراضي أم طوبا وصور باهر وكذلك حي
جيلو في الجنوب الغربي الذي سيأتي اتصاله على حساب أراضي بيت صفافا وشرفات. من جانب آخر فإن الخطورة في عملية التواصل الجغرافي لا تقتصر
على داخل المدينة، وإنما تكمن أيضاً في عملية التواصل بين أراضي الضفة الغربية
ومدينة القدس العربية، وبخاصة في ظل المقترحات الإسرائيلية التي تشير إلى وجوب ضم
المستوطنات المحيطة بالمدينة من الشرق والشمال الغربي وهو ما يجعل هذا التواصل من
الهشاشة والضعف لدرجة أن هذه المستوطنات سوف تكون مسيطرة سيطرة كاملة على الحركة
الفلسطينية من المدينة وإليها. إن هذا الواقع الجغرافي في المدينة يجعل من عملية تقسيم
السيادة فيها بهذه الطريقة الفسيفسائية غاية في الصعوبة والتعقيد إضافة إلى خطر
هذا التقسيم على مستقبل المدينة وبخاصة من الناحية السياحية والتنموية التي يطمح
الطرفان إلى استغلالها أفضل استغلال. كما أن هذا التداخل يستدعي أن يكون هناك نوع من التنسيق وربما
التعاون، وبخاصة في المجال الخدماتي مثل الصرف الصحي والطرق والجانب الصحي، وهو ما
يستدعي تبني فكرة أن تكون المدينة مفتوحة وأن تكون حرية الحركة فيها مكفولة للجميع
دون معيقات سواء داخل المدينة أو الحركة منها وإليها. وفيما يتعلق بالبلدة القديمة وبأماكنها المقدسة، فإن تحقيق
مبدأ ما هو عربي سيؤول لفلسطين وما هو يهودي سيؤول لإسرائيل يعني أن الأحياء
الإسلامية والمسيحية والأرمنية ستؤول للسيادة الفلسطينية والحي اليهودي سيؤول للسيادة
الإسرائيلية، مع التأكيد على أن مشكلة التداخل السكاني المحدود داخل البلدة
القديمة ستطفو على السطح وبخاصة فيما يتعلق بالحي الارمني. أما القضية الأكثر تعقيداً وهي المتعلقة بالأماكن المقدسة في
محيط الحرم القدسي، فالقضيتان اللتان أوردهما الرئيس كلينتون في مقترحاته تثيران
مجموعة من الاشكاليات، الاشكالية الأولى المتعلقة "بالحائط الغربي والمساحة
المقدسة لدى الديانة اليهودية الذي يعتبر جزءاً منها". فالحائط الغربي يبلغ
طوله 485 متراً، ويضم بالاضافة لحائط البراق (المبكى) الذي يبلغ طوله 58 متراً،
كلاً من باب المغاربة، والنفق الذي تم فتحه في عهد نتنياهو الذي يصل إلى أسفل
الحرم القدسي الشريف، مع الاشارة إلى أن الجزء الشمالي من الحائط الغربي يمر أسفل
بيوت الحي الاسلامي، كما يضم الحائط الغربي ما يسمى قاعات قوس ولسون التي يقوم
اليهود بالصلاة فيها إضافة إلى الساحة التي تقع مقابل حائط المبكى التي أقامتها
إسرائيل بعد احتلال المدينة عام 1967. (8) أما فيما يتعلق بالحفريات أسفل الحرم فإن الصيغتين الخاصتين
بأسفل الحرم تؤكدان على أن السيادة أسفل الحرم مشتركة للطرفين مع الاقرار بمبدأ
الحفريات ولكن بموافقة الطرفين، وهذا يعني أيضاً أن تظل إسرائيل مسيطرة على نفق
الحشمونئيم الذي افتتحه نتنياهو عام 1996. كما أن الفقرة التي
أشار إليها الرئيس كلينتون والتي تتعلق باحترام معتقدات اليهود والتي ربطها
بالسيطرة الفعلية للفلسطينيين على الحرم، تفسح المجال للتفسير الإسرائيلي أن للشعب
اليهودي رابطة تاريخية ودينية بالحرم الشريف. وبذلك يظل الباب مفتوحاً لمطالبة
إسرائيلية بتجسيد هذه الرابطة التاريخية. وفيما يتعلق بالبلدة القديمة أيضا،ً فإن مبدأ التواصل
الجغرافي وفقاً لهذه المقترحات يجب أن يتحقق للأماكن التي ستخضع للسيادة
الإسرائيلية (الحي اليهودي- الحائط الغربي) على الرغم من أن هذه الأماكن ليس لها
اتصال مباشر بالقدس الغربية ولا يتحقق لها التواصل الجغرافي الا من خلال الحي
الأرمني ومن ثم إلى القدس الغربية أو من خلال مدينة داود إلى الجنوب مباشرة من
البلدة القديمة وهي التي تطالب بها إسرائيل إضافة إلى مطالبتها بجبل الزيتون إلى
الشرق من البلدة القديمة خارج الاسوار. ثالثاً: الموقف الفلسطيني
الرسمي من مقترحات كلينتون
من خلال العرض السابق يتضح جلياً أن مقترحات الرئيس كلينتون
تتبنى ما يسمى بالحلول الوسط التي ستأتي بالضرورة على حساب الجانب الفلسطيني،
وتلبى إلى درجة كبيرة المطالب الإسرائيلية، ومن ثم كان للجانب الفلسطيني قائمة
طويلة من التحفظات والاستفسارات قدمها للرئيس كلينتون، تتركز في جزء منها على
المبادئ التي قامت على أساسها هذه المقترحات، والجزء الآخر على التفاصيل الواردة
فيها، والتي يكتنفها كثير من الغموض واحتمالية التفسيرات المتعددة، مما يخدم
بالضرورة الجانب الإسرائيلي. فبعد تسلم الجانب الفلسطيني مقترحات الرئيس كلينتون ودراستها،
كان الموقف الفلسطيني الأول يتصف بالتحفظ ثم تقدم إلى الموافقة المشروطة بضرورة أن
يقدم الجانب الأمريكي تفسيرات واضحة لقائمة طويلة من الاستفسارات الفلسطينية، وهو
ما عبر عنه الرئيس عرفات عقب عودته إلى أرض الوطن بعد لقائه بالملك الأردني عبد
الله الثاني في 7/1/2001 حيث قال "ان الجانب الفلسطيني ما يزال ينتظر
التفسيرات والتوضيحات الأمريكية بشأن كافة المواضيع المتعلقة بتقدم عملية السلام"(9). كما أشار الرئيس عرفات في وقت سابق
وبعد لقائه بالرئيس المصري حسني مبارك في 1/1/2001 إلى مقترحات الرئيس كلينتون
بقوله "إننا وجهنا رسالتين هامتين إلى الرئيس كلينتون، وقلنا فيها أننا على
استعداد للتشاور معه حول البنود التي وضعها ولكن لا تكون هي الأساس الوحيد"(10). وتوضح الرسالتان الشكوك الفلسطينية الكثيرة حول مقترحات
كلينتون، اضافة إلى ما تمثله تلك المقترحات من تجاوز صريح للشرعية الدولية. فالرسالة الأولى الموجهة من الرئيس عرفات إلى الرئيس كلينتون
بتاريخ 26/12/2000، أوضح فيها الرئيس عرفات الموقف الفلسطيني من القضايا الرئيسية
التي تمثل قضايا الحل النهائي. حيث تشير الرسالة إلى ما يلي: 1- تعود القدس بحدود الرابع من حزيران 1967 للسيادة
الفلسطينية وهي العاصمة المنشودة للشعب الفلسطيني، وأن تكون السيادة على الحرم
الشريف بأكمله هي سيادة فلسطينية مع التعهد بعدم القيام بأي حفريات أو تنقيب تحته
أو في محيطه وتوفير الضمانات الدولية لذلك. 2- في موضوع الأرض، يجب أن يكون الأساس هو الانسحاب إلى حدود
الرابع من حزيران 1967، وأن أية تعديلات يجب أن تكون متبادلة بالقيمة والمثل وفي
أضيق حد وبما لا يمس الوحدة الجغرافية ومصالح السكان الفلسطينيين، وهذا يتحقق من
خلال دراسة الخرائط وتحديدها بدقة. 3- في موضوع الأمن، يستعد الجانب الفلسطيني لايجاد آلية
للتعاون الأمني تستند إلى تواجد قوات دولية وبمشاركة أمريكية على الحدود بين
الدوليتين والحدود الدولية الأخرى
باستثناء المعابر الدولية. تكون مهمة هذه القوات الاشراف على تنفيذ الاتفاقات تحت
سلطة مجلس الأمن. وهذا يلغي الحاجة إلى أي وجود إسرائيلي مقترح في غور الأردن. 4- يتحقق الأمن من خلال الانسحاب الإسرائيلي التام والسريع
وجلاء المستوطنين، مع استعداد دولة فلسطين للتنسيق مع جميع الدول المحيطة وفق
الأنظمة الدولية المتبعة فيما يتعلق بالملاحة الجوية. 5- يجب حل قضية اللآجئين حلاً عادلاً وفقاً للقرار 194 بما
يكفل إقرار حق العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، مع إعطاء اللاجئين
الفلسطينيين المقيمين في لبنان الأولوية وفق جدول زمني متفق عليه، وانشاء صندوق
دولي للتعويضات، وقيام إسرائيل بدفع التعويضات المطلوبة منها واساساً التعويضات عن
الأراضي والممتلكات الفلسطينية التي وضعتها إسرائيل تحت تصرف صندوق أملاك
الغائبين. 6- يجب أن يحتوي الاتفاق المقبل على خرائط تفصيلية للحدود
والأرض بما فيها القدس والممر الذي سيربط بين قطاع غزة والضفة الغربية تحت السيادة
الفلسطينية. 7- ضرورة وجود آلية متكاملة لتنفيذ أي اتفاق ضمن جدول زمني
محدد مع توافر اشراف وضمانات من الأمم المتحدة. 8- يجب أن يغطي الاتفاق
جميع الأمور التي تتعلق بقضايا حيوية مثل المياه والتعويضات عن الخسائر
الناجمة عن الاحتلال واطلاق سراح جميع المعتقلين. أما الرسالة الثانية وهي الرسالة الأكثر تفصيلاً والتي أعدها
الفريق الفلسطيني المفاوض، فقد تضمنت عدداً كبيراً من الملاحظات حول مقترحات
الرئيس كلينتون، وبينت العديد من المخاطر والثغرات التي تكتنف هذه المقترحات وأهم
ما جاء في هذه الرسالة
(11)
: إن المقترحات الأمريكية الأخيرة كما
قدمت دون توضيحات لا تلبي الشروط المطلوبة لتحقيق سلام دائم، فهذه المقترحات من
شأنها تقسيم الدولة الفلسطينية إلى ثلاث كنتونات منفصلة الأمر الذي سيهدد حيوية
الدولة، كما تؤدي إلى تقسيم القدس الفلسطينية إلى عدد من الجزر غير المتصلة ببعضها
أو ببقية فلسطين، وفيما يتعلق بقضية اللاجئين فإن المقترحات تجبر الفلسطينيين على
التنازل عن حق العودة. كما أن هذه المقترحات لا تقدم ترتيبات أمنية فاعلة بين
فلسطين وإسرائيل، ولا تتناول عدداً من الأمور الأخرى ذات الأهمية للشعب الفلسطيني.
ومن هنا فإن العرض الأمريكي يبدو وكأنه يتجاوب للمطالب الإسرائيلية بينما يتجاهل
الحاجة الفلسطينية الأساسية، وبالتحديد دولة قابلة للبقاء. كما جاء في الرسالة أن
المقترحات الأمريكية تمت صياغتها بعبارات عامة تفتقر في بعض الحالات إلى الوضوح
والتفصيل، وكان بالأحرى أن توضع التفاصيل والآليات والجداول الزمنية لإنهاء الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي باتفاق يستند إلى ضمانات تنفيذ دولية واضحة وفعالة. بالاضافة
إلى هذه التوضيحات العامة، فإن الرسالة احتوت على استعراض لأهم المخاطر والثغرات
التي تكتنف المقترحات وكان من أهمها: * فيما
يتعلق بموضوع الأرض: - إن عدم اقتران المقترحات بخرائط يجعل باب التفسيرات مفتوح على
مصراعيه وبخاصة من الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بنسب الأراضي ومواقعها. - أن الجانب الفلسطيني يرفض استخدام الكتل الاستيطانية كمبدأ تفاوضي. - يجب أن يتم التعويض عن أية أراض يتم ضمها بأراضٍ مساوية بالقيمة
والمساحة. * فيما
يتعلق بالقدس: - يبدو المقترح الخاص بالقدس أنه يعترف ضمناً بالسيادة الإسرائيلية تحت
الحرم. - يتعدى تعريف مصطلح الحائط الغربي حائط المبكى المقدس لدى اليهود. - سيؤدي تطبيق مبدأ ما هو فلسطيني لفلسطين وما هو يهودي لإسرائيل إلى
أن تصبح الأحياء الفلسطينية داخل المدينة عبارة عن جزر متناثرة دون تحقيق الحد
الأدنى من التواصل الجغرافي. - يجب أن تظل المدينة مدينة مفتوحة مع ضمان حرية الجميع للوصول اليها. * فيما
يتعلق باللاجئين: - المقترح الأمريكي يعكس تبنياً كاملاً للموقف الإسرائيلي حيث أن حق
العودة سيكون مرهوناً لتقديرات إسرائيل. - يشكل الاعتراف بحق العودة وإتاحة حق الاختيار للاجئين مطلباً
سابقاً لانهاء الصراع، وهو ما يؤكده
القرار 194. - لم يقدم المقترح الأمريكي أية ضمانات بأن حق اللاجئين بالتعويض واستعادة
أملاكهم سيطبق. * موضوع
الأمن - تعتبر مدة انسحاب الجيش الإسرائيلي والمستوطنين والتي حددتها
المقترحات بثلاث سنوات مدة طويلة ويمكن
اختصارها بسنة واحدة فقط. - لا يوجد أي مبرر لتواجد قوات إسرائيلية في غور الأردن، أو حق إسرائيل
في نشر قواتها في حالة الطوارئ خاصة في ظل تواجد قوات دولية. - لا تحتاج إسرائيل إلى أكثر من محطة إنذار مبكر واحدة لتلبية احتياجاتها
الاستراتيجية. - الترتيبات الخاصة بالتدريبات العسكرية في الأجواء الفلسطينية ستنتقص من
السيادة الفلسطينية. * مواضيع
أخرى - يغفل المقترح الإشارة إلى المياه والتعويض عن الأضرار الناجمة عن
الاحتلال، والبيئة والعلاقات الاقتصادية المستقبلية. - تأتي نهاية الصراع فقط بعد معاهدة سلام نهائية ومفصلة. هكذا يبدو جلياً أن الموقف الفلسطيني من خلال الاستفسارات
التي قدمت للرئيس كلينتون، قد وضع نصب عينيه المصالح الوطنية العليا للشعب
الفلسطيني، مدركاً ضرورة أن تتطابق أي مقترحات للحل النهائي مع قرارات الشرعية
الدولية، وهذا يتحقق من خلال مقترحات تقوم على أساس هذه الشرعية وتتضمن كافة
التفاصيل الدقيقة والخرائط الواضحة. وعلى الرغم من القائمة الطويلة من الاستفسارات الفلسطينية فإن
الرئيس كلينتون لم يرد على هذه الاستفسارات بصورة رسمية، وحتى في خطابه الذي ألقاه
أمام مؤسسة "منبر السياسة الإسرائيلي" في نيويورك يوم الأحد 7/1/2001،
أي قبل أسبوعين من انتهاء ولايته، فهو لم يقدم إضافات كثيرة لما جاء في مقترحاته،
باستثناء موضوع الدولة الفلسطينية وموضوع القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية. فقد
أشار الرئيس كلينتون في خطابه إلى أن الخطوط العريضة التي اقترحها، تصور تسوية
تستجيب للحاجات الأساسية لكل طرف، ان لم يكن لأقصى رغباتهما، وبأنها تسوية مبنية
على أساس وطنين سيدين مستقلين، أمن، سلام وكرامة للإسرائيليين والفلسطينيين على حد
سواء. وأكد الرئيس كلينتون أن هذه الخطوط العريضة لن تبدأ بالاجابة عن كل سؤال،
وانما تقلص الأسئلة وتقتصرها على تلك التي تحتاج إلى أجوبة. وفيما يتعلق بالدولة الفلسطينية فقد عبر الرئيس كلينتون عن
اعتقاده أنه لن يكون هناك حل حقيقي للنزاع من غير دولة فلسطينية ذات سيادة قادرة
على البقاء، تتكيف مع متطلبات الأمن الإسرائيلي والوقائع الديموغرافية، ويجب أن
تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح. وفيما يتعلق بمدينة القدس، فقد أكد الرئيس كلينتون بوجوب أن
تكون المدينة مفتوحة وغير مقسمة، مع ضمان حرية الوصول والعبادة للجميع، على أن
تشمل المدينة عاصمتين لدولتين معترف بهما دولياً. وأخيراً لابد من الاشارة إلى أن الرئيس
كلينتون كان قد أكد للوفدين الفلسطيني والإسرائيلي خلال عرض مقترحاته عليهما في
23/12/2000 بأن هذه المقترحات ستغادر البيت الأبيض بمجرد مغادرته له، وبأن الإدارة
الأمريكية الجديدة لن تكون ملزمة بتبني هذه المقترحات. غير أنه مما لاشك فيه أن
هذه المقترحات ستظل ملقية بظلالها على عملية السلام في الشرق الأوسط وعلى الإدارة
الأمريكية الجديدة، بخاصة وأنها صادرة عن رئيس الولايات المتحدة، الراعية الأولى
لعملية السلام. المراجع
* يشير شكيد إلى ان
إسرائيل تقترح نقل مستوطنة كريات أربع للسيادة الفلسطينية وتقوم إسرائيل
باستثمارها لمدة 30 سنة.
** في تقرير نشرته
مؤسسة سلام الشرق الأوسط مرفقا بخريطة توضح فيه تصورها لمقترحات الرئيس كلينتون
فيما يتعلق بالأراضي والمستوطنات إن مساحة الأراضي التي ستسلم للجانب الفلسطيني
تبلغ نحو 86.5% من مساحة الضفة الغربية تضم 47 مستوطنة يقطنها 13.7% من إجمالي عدد
المستوطنين، وتبلغ مساحة المنطقة الأمنية في غور الأردن نحو 7.5% من مساحة الضفة
الغربية، تضم 20 مستوطنة يقطنها 2.7% من عدد المستوطنين، اما المنطقة التي ستضم
لإسرائيل فتبلغ مساحتها 6% من مساحة الضفة الغربية تضم 63 مستوطنة يقطنها 83.6% من
إجمالي عدد المستوطنين. وحسب الخريطة المرفقة في التقرير فإن مساحة الـ6% التي ستضم لإسرائيل هي عبارة عن سبعة كتل
استيطانية وهي: كتلة ريحان شمال غرب الضفة الغربية وكتلة سلفيت جنوب طولكرم وكتلة
اريئيل جنوب غرب نابلس وكتلة عوفريم جنوب غرب كتلة اريئيل، وكتلة اللطرون وكتلة
المستوطنات المحيطة بمدينة القدس حتى مشارف مدينة اريحا، وكتلة غوش عتسيون غرب بيت
لحم!!!!. (5)
(1) صحيفة الأيام
30/12/2000
(2) صحيفة الأيام، مصدر سابق
(3) وزارة التخطيط
والتعاون الدولي – الأطلس الفني – الجزء الأول – 1997.
(4) صحيفة يديعوت
29/12/2000
(5)
Report on Israeli settlements in the occupied territories. A
bimonthly publication of the Foundation for
(6) صحيفة الأيام
30/12/2000
(7)
صحيفة جيروسالم بوست، 28/8/2000.
(8) زئيف شيف – هآرتس –
26/12/2000.
(9) وكالة الأنباء
الفلسطينية وفا 7/1/2001
(11) صحيفة الأيام 2/1/2001 |
|