عبد الحكيم حلاسهيعتبر "حفظ السلم والامن الدولي" أحد المهام الرئيسة التي تقوم بها الأمم المتحدة، كما جاء في المادة الأولى من ميثاقها. ولهذه الغاية، يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك. وقد خُصص الفصل السابع من الميثاق (من المادة 39 إلى المادة 51) للاجراءات التي يجب اتخاذها في حالة وقوع نزاعات تهدد أو تخل بالسلم، وتُعطى الاولوية للطرق السلمية لإنهاء النزاع. وجاء في المادة 41، "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية". فإن لم تنجح الوسائل المشار إليها في المادة السابقة في إنهاء النزاع، يلجأ مجلس الأمن إلى اتخاذ خطوات أكثر تأثيراً، وهي ارسال بعثات عسكرية لمنطقة النزاع. وكما جاء في المادة 42، "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تفِ به، جاز له أن يتخذ بطريقة القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والامن الدولي أو لاعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريقة القوات الجوية والبحرية والبرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة". وتأخذ بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلم والامن تسمياتها من طبيعة المهمات الموكلة لها، ومن هذه التسميات: قوات المراقبة، قوات فصل القوات، قوات حفظ السلام، قوات الطوارئ، قوات الحماية الدولية…. وقد تدخلت الأمم المتحدة بارسال بعثات تابعة لها إلى مناطق النزاعات في أنحاء مختلفة من العالم بلغت نحو ستين بعثة منذ عام 1948 (عام توقيع ميثاق الأمم المتحدة). وكانت أولى المهام الخاصة بحفظ السلام التي أوعز بها مجلس الأمن لبعثة تحت إشرافه في المنطقة العربية، هي إرسال بعثة عسكرية (منظمة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة UNTSO) في يونيو 1948لمراقبة اتفاق الهدنة الموقع بين إسرائيل والدول العربية التي شاركت في حرب عام 1948، وهي لازالت متواجدة في المنطقة. ولا توجد قوات عسكرية جاهزة تابعة للأمم المتحدة، بل توضع قوات من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحت تصرف مجلس الأمن لتنفيذ مهام يقرها المجلس. وجاء في المادة 43 من ميثاق الأمم المتحدة: "يتعهد جميع أعضاء الأمم المتحدة في سبيل المساهمة في حفظ السلام والامن الدولي، أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقاً لاتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي ومن ذلك حق المرور". ولم تكلل جهود الأمم المتحدة دائماً بالنجاح، بل هناك نزاعات مازالت قائمة على الرغم من تواجد بعثات الأمم المتحدة فيها منذ زمن طويل. ففي المنطقة العربية على سبيل المثال، هناك "قوات المراقبة الدولية لفصل القوات" (UNDOF) ، وهي قوة مرابطة على مرتفعات الجولان منذ يونيو 1974 إثر حرب أكتوبر 1973 بين سوريا وإسرائيل، "وقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان"(UNIFIL)، وهي قوة متواجدة في جنوب لبنان منذ مارس 1978 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1978، "وبعثة الأمم المتحدة للمراقبة بين العراق والكويت" (UNIKOM) الموجودة على الحدود العراقية -الكويتية منذ ابريل 1991، "وبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء للصحراء الغربية" (MINURSO) الموجودة في المغرب منذ سبتمبر 1991 للتوسط في النزاع بين المغرب وجبهة البليساريو. مقابل ذلك وفقت الأمم المتحدة في بعثات أخرى في المنطقة العربية، ففي يونيو 1958 أُرسلت "جماعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في لبنان" (UNOGIL) لمنع سورية من التدخل في الشؤون اللبنانية لصالح أحد الفرقاء المتنازعين أثر وجود خطة لتعديل الدستور، وبعد عودة الهدوء إلى لبنان، انسحبت المجموعة في ديسمبر من نفس العام. وفي يوليو 1963 أُرسلت "بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في اليمن" (UNYOM)، وبعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الفرقاء المتنازعين في الحرب الأهلية، غادرت في سبتمبر 1964 بعد أن استتب الأمن هناك. كذلك "قوات الطوارئ الدولية الثانية" (UNEFII) التي أرسلت بعد حرب أكتوبر 1973 إلى سيناء للفصل بين القوات المصرية والاسرائيلية، وانسحبت في يوليو 1979 بعد التوقيع على اتفاقية سلام بين مصر واسرائيل، و"قوات المراقبة الدولية لايران والعراق" (UNIIMOG) وهي قوات أرسلت في أغسطس 1988 بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار بين ايران والعراق، وكان هدفها مراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، وانسحبت في فبراير 1991 بعد التأكد من استقرار وقف إطلاق النار. وبعد العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 1956 والتي شاركت فيه قوات بريطانية وفرنسية واسرائيلية، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إرسال قوات الطوارئ الدولية UNEF1 للإشراف على إنسحاب القوات المعتدية. وانسحبت القوات البريطانية والفرنسية، ولكن القوات الإسرائيلية بقيت في قطاع غزة الذي كان تحت إدارة الحكومة المصرية. واشترطت إسرائيل عند انسحابها أن تتولى قوات الطوارئ الدولية السيطرة على قطاع غزة كونه أراضي غير مصرية. وأصدرت الجمعية العامة عدة قرارات تطالب فيها إسرائيل بسحب قواتها من قطاع غزة، الا أن إسرائيل أصرت على طلبها. فانسحب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة في 7/3/1957، وحاولت قوات الطوارئ الدولية تسيير أمور القطاع وطلبت من الاهالي التعاون لتحقيق ذلك، ولكن الأهالي لن يتجاوبوا مع قوات الطوارئ الدولية وطالبوا بعودة الإدارة المصرية. وتحت وطأة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية اضطرت قوات الطوارئ الدولية قبول عودة الإدارة المصرية إلى قطاع غزة وانسحبت إلى خارج القطاع على خطوط الهدنة. "كان دخول الحاكم الاداري العام (المصري) لقطاع غزة في الساعة 6.30 مساء 14 آذار 1957 نهايةً لمشاريع تدويل قطاع غزة"(1). وبقيت قوات الطوارئ الدولية في الأراضي المصرية إلى أن أمر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بمغادرتها في مايو 1967. وهناك قوات دولية عملت بتفويض من الأمم المتحدة، ولكن ليس تحت سيطرتها، مثل تلك التي رابطت في بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 (قوات في غالبيتها أمريكية وفرنسية وبمشاركة وحدة صغيرة انجليزية واخرى ايطالية) واضطرت هذه القوات إلى المغادرة بعد أن وقعت في صفوفها خسائر فادحة على أثر ضربات المقاومة اللبنانية. وكذلك القوات التي حاربت في الكويت إثر الاجتياح العراقي، وكانت بتفويض من الأمم المتحدة وليس تحت سيطرتها. بعد احتلال ما بقي من فلسطين عام 1967، نشطت القيادة الفلسطينية على الصعيد الدولي لتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني من خطر الإحتلال الاسرائيلي، وتقدمت دول شقيقة وصديقة إلى مجلس الأمن بطلب إرسال بعثة تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية الشعب الفلسطيني، وفشلت المحاولات بسبب معارضة اسرائيل، التي اعتبرت أن المناطق الفلسطينية التي احتلتها على أثر حرب عام 1967 ليست مناطق محتلة، بل مناطق متنازع عليها ولا سيادة لأحد عليها وبأنها استولت عليها في حرب دفاعية، ومن ثم يجوز وضع اليد عليها بشكل فعال. وقد أكد على هذا الموقف الإسرائيلي مؤخراً رئيس الوزراء أريئيل شارون في مقابلة صحفية "إذ اعتبر أن الضفة الغربية وقطاع غزة أراض متنازع عليها وأن مصر والأردن احتلت هذه الأراضي في حرب عام 1948"(2). وبعد احتلال إسرائيل للأراضي العربية، فكرت الأمم المتحدة بتقديم الحماية لسكانها المدنيين، "وصدر قرار المجلس رقم 237 في 14 يونيو 1967 وبموجبه كَلف الأمين العام مدير مكتب الأونروا في اليونان لكي يتابع التنفيذ الفعال للقرار الذي أوصى “الحكومات المعنية بالاحترام الدقيق للمبادئ الانسانية” بشأن معاملة أسرى الحرب وحماية المدنيين وقت الحرب. وفشلت المهمة بسبب إدخال إسرائيل لليهود العرب ضمن دائرة القرار"(3). كذلك صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2443 لعام 1968 الذي يطالب بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، لكن إسرائيل قاومت تنفيذ القرار، متذرعة بالحجج سابقة الذكر. كما أن إسرائيل رفضت دوماً تدويل الصراع، فرفضت مؤتمر جنيف الدولي واعطاء مؤتمر مدريد الصفة الدولية، وعارضت أخيراً تشكيل لجنة تحقيق دولية في مؤتمر شرم الشيخ في 16 أكتوبر 2000، ثم وافقت على لجنة تم تشكيلها من قبل الولايات المتحدة هي لجنة ميتشل. ومن الاسباب التي تمنع إسرائيل الموافقة على مشاركة دولية في حل الصراع، هي القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية (مجلس الأمن والجمعية العامة) والتي لا تصب في صالح إسرائيل، حيث سيعني ذلك سابقة تجبر إسرائيل على تطبيق القرارات الدولية في حال إفساح المجال للمشاركة الدولية في حل الصراع. إن المرة الوحيدة التي وافقت فيها إسرائيل على تواجد دولي فوق أراضي تحت سيطرتها كانت قبولها "قوات المراقبين الدوليين المؤقتين في الخليل" (TIPH) بعد مذبحة قام بها أحد المستوطنين في الخليل عام 1994 ضد المصلين الفلسطينيين. وجاءت موافقة إسرائيل على مثل هذه القوة للتهرب من احتمال إرسال قوة حماية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، وذلك بعد أن أصدر مجلس الأمن القرار 904 لعام 1994، والذي "أكد على الحاجة إلى توفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني". وقد تم الالتفاف على ما جاء في قرار مجلس الأمن بواسطة اتفاقية الخليل الموقعة في القاهرة في 31/3/1994، من قبل رئيس هيئة الأركان سابقاً أمنون شاحاك ووزير التعاون الدولي الدكتور نبيل شعث. وجاء في الاتفاقية: "استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 904، إتفق الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني على اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في هذا الاتفاق. بمجرد التوقيع على هذا الاتفاق يبدأ تطبيق بنوده فوراً وتستأنف مفاوضات غزة واريحا كالتالي: أ-وجود دولي مؤقت في مدينة الخليل:1-بعد الوضع الاستثنائي الذي ساد مدينة الخليل إثر المجزرة سيتم نشر قوة دولية مؤقتة في مدينة الخليل، … وستساهم هذه القوة في إرساء الاستقرار في المدينة وتعبئة الجهود لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في مدينة الخليل، وبالتالي خلق شعور بالامان لدى الفلسطينيين في هذه المدينة. 2-سيطلب الطرفان من الدول المانحة مشاركة 160 عنصراً من النرويج والدنمارك وايطاليا في تشكيل هذه القوة، وستكون مؤلفة من مراقبين ميدانيين وموظفين وعاملين كما تم الاتفاق عليه. ويجوز إدخال التعديلات على تشكيل هذه القوة من قبل الدول المشاركة بموافقة الطرفين المعنيين. ولن تقوم هذه القوة بأي مهام عسكرية أو بمهام الشرطة"(4). كما حددت الاتفاقية أهداف وصلاحيات القوة. ولازالت هذه القوة متواجدة في مدينة الخليل، وهي تكتفي بكتابة التقارير ورفعها للدول المانحة وللجنة الارتباط الفلسطينية-الإسرائيلية ولا علاقة للامم المتحدة بها. إن تواجد هذه القوات لم يمنع القوات الإسرائيلية من مواصلة اعتداءاتها على الشعب والأراضي الفلسطينية. وخير دليل على ذلك ما تقوم به قوات الإحتلال والمستوطنين هناك أثناء انتفاضة الأقصى ضد المواطنين الفلسطينيين من قتل وقمع كما في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا ما دفع القيادة الفلسطينية لأن تنشط من جديد في محاولة لتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني جراء الانتهاكات الإسرائيلية. بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1322 في 7/10/2000، والذي يدين إسرائيل لاستخدامها المفرط للقوة، كما يطالبها كسلطة قائمة بالاحتلال، "أن تتقيد بدقة بالتزاماتها القانونية وبمسؤولياتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب"، شرع مراقب فلسطين في الأمم المتحدة د.ناصر القدوة بإجراء إتصالات مكثفة لصياغة مشروع قرار لمجلس الأمن يتبنى المطلب الفلسطيني بإرسال قوة حماية دولية للشعب الفلسطيني. وتقدم المراقب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة بطلب إلى مجلس الأمن في 25/10/2000، ببحث نشر قوة حماية دولية في الأراضي الفلسطينية والقدس. وعن تصوره حول القوة الدولية، قال مراقب فلسطين في مؤتمر صحفي أنه يفكر في "قوة عسكرية دولية، وليست قوة متعددة الجنسيات، تتكون من مراقبين مسلحين"(5). والجدير بالذكر أن هناك قوات متعددة الجنسيات مرابطة في شبه جزيرة سيناء المصرية منذ إنسحاب الجيش الإسرائيلي منها وتوقيع اتفاق سلام بين مصر واسرائيل، وغالبية هذه القوات أمريكية. وبسبب الرفض الأمريكي للصيغة الأولية لمشروع القرار الذي تقدم بها الجانب الفلسطيني إلى مجلس الأمن، تم إدخال تعديلات على مشروع القرار، تضمنت ذكر عدد القوة والتنازل عن تسليحها. "وزرع الفلسطينيون في الأمم المتحدة مشروع قرار يدعو لارسال قوة للأمم المتحدة قوامها 2000 فرداً لحماية المدنيين الفلسطينيين، ولا يشمل المشروع أية دعوة لمراقبين مسلحين، ويطالب بدلاً من ذلك بنشر مراقبين عسكريين غير مسلحين"(6). كما تم تحديد فترة بقاء القوة في وقت لاحق بستة أشهر. لقد أدخل الجانب الفلسطيني هذه التعديلات على مشروع القرار لتجنب الفيتو الأمريكي ولكسب تأييد أكبر عدد ممكن من أعضاء مجلس الأمن. وجرت مشاورات في أروقة مجلس الأمن بين الوفد الفلسطيني ووفود الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وبخاصة وفدي فرنسا وبريطانيا، للخروج بصيغة توفيقية. "وتقدم الفلسطينيون مجدداً في 12/12/2000 بصيغة معدلة لمجلس الأمن لمشروع قرار ينص على إرسال قوة حماية دولية. ولم يشر هذا النص إلى قوة من الفي مراقب كما طلب سابقاً، ويكلف كوفي عنان بتحديد العدد والمهمة"(7). وتقدم سفير فرنسا في الأمم المتحدة جان دافيد ليفيت بورقة مشتركة بين بلاده وبريطانيا إلى مجلس الأمن في 8/11/2000 يقترح فيها إرسال مراقبين دوليين غير مسلحين للأراضي الفلسطينية المحتلة، على أن تكون هذه القوة من العسكريين وليست من المدنيين، وعلى أن تكون مهمتها الرقابة وليس الحماية. مقابل ذلك اشترطت الدولتان موافقة إسرائيل على مشروع القرار كي تصوتا لصالحه. كما قالت "الولايات المتحدة، وهولندا، وكندا، أنهم لا يستطيعون التصويت لصالح القرار الذي وزعه الفلسطينيون بشأن حماية دولية دون موافقة إسرائيل"(8). وبعد ما يقارب الشهرين من المشاورات والمداولات وادخال العديد من التعديلات، عُرض مشروع القرار للتصويت في مجلس الأمن في 18/12/2000، وامتنعت عن التصويت كل من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، كندا، هولندا والارجنتين، وأيدت القرار كل من بنغلادش، جامايكا، ماليزيا، مالي، ناميبيا، تونس، اوكرانيا والصين(9). وبررت كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا عدم تصويتها لصالح القرار، بأنها ترغب في اعطاء مباحثات الطرفين فرصة. وقد تزامن تقديم مشروع القرار مع تواجد وفدين من الطرفين في واشنطن للتفاوض. أما هولندا وكندا فكررتا مواقفهما بأنهما لا ترغبان بفرض الأمر على إسرائيل. وعبرت السلطة الوطنية عن أسفها لرفض مجلس الأمن الطلب الفلسطيني بإرسال قوة حماية دولية، وقال نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس ياسر عرفات، "أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية خاصة في حماية الشعب الفلسطيني وأن عدم ارسال المراقبين الدوليين لا يخدم عملية السلام وسيشجع إسرائيل على الاستمرار في عدوانها، وعلى مجلس الأمن أن يأخذ في الاعتبار قرارات الجمعية العامة والقانون الدولي لحماية الشعب الفلسطيني"(10). تجددت الجهود الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة لنفس الغرض بناءاً على طلب تقدمت به الدول العربية، حيث ناقش مجلس الأمن في 15/3/2001 إمكانية إرسال قوة حماية دولية للشعب الفلسطيني. وكانت الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني قد وصلت حداً غير مسبوق، بعد أن تعرضت مواقع أمنية وصناعية ومدنية فلسطينية للقصف بالصواريخ، وارتكاب المخابرات الإسرائيلية جرائم اغتيالات ضد عناصر فلسطينية. كما تم في هذه الفترة انتخاب اليميني المتطرف زعيم حزب الليكود اريئيل شارون لمنصب رئيس الوزراء. وفي ظل الظروف المستجدة أصبح ارسال قوة حماية دولية أمراً ملحاً لتفادي وقوع المزيد من الضحايا وإنقاذ فرص الحل السياسي. وقدمت مسودة مشروع قرار جديد لمجلس الأمن، كما "قدمت أربع دول أوروبية هي بريطانيا، فرنسا، ايرلندا، والنرويج، مسودة قرار بديل لمشروع قرار يؤيده الفلسطينيون. واغفل نص مشروع القرار الأوروبي أي ذكر للمراقبين. لكن دبلوماسيين قالوا بأن واشنطن مازالت تعترض على عدة نقاط في هذا المشروع، منها الإشارة إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. لكن مندوبين أمريكيين اعترضوا أيضاً على فقرة تسلط الضوء على مقتل الفلسطينيين في الاشتباكات. وتعرب مسودة القرار الأوروبي الذي يتضمن شيئاً من لغة القرار الفلسطيني، عن استعداد المجلس للعمل بشكل فوري بناء على موافقة الطرفين لانشاء أي نوع من الآلية لحماية المدنيين"(11). في مقابل المجموعة الأوروبية، تبنت الموقف الفلسطيني في مجلس الأمن كل من بنغلادش، جامايكا، كولومبيا، سنغافورة، تونس، موريشيوس ومالي. ودعمت الصين هذه المجموعة، بينما وقفت روسيا موقفاً محايداً. تم تقديم مشروع القرار للتصويت بصيغته الفلسطينية في 28/3/2001، غير أنه سقط نظراً لاستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده، وأيد القرار كل من بنغلادش، كولومبيا، جامايكا، مالي، موريشيوس، سنغافورة، تونس، روسيا والصين، بينما امتنعت عن التصويت كل من بريطانيا، فرنسا، ايرلندا والنرويج، ولم تشارك اوكرانيا في التصويت. وقد علق الجانب الفلسطيني على نتيجة التصويت بقول د.صائب عريقات وزير الحكم المحلي: "من المؤسف، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الحملة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والاتهامات الموجهة ضد السلطة الوطنية من قبل اسرائيل، تتصرف الولايات المتحدة بطريقة توفر الحماية لقوة الإحتلال بدلا من توفيرها للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الإحتلال"، وأضاف قائلاً "سوف نستمر في سعينا لتحقيق وتفعيل ميثاق جنيف الرابع لأنه لا يعقل أن يستمر العدوان والتنكر للاتفاقات الموقعة"(12). يشار هنا إلى أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تهدف إلى حماية المدنيين وقت الحرب، ولا يوجد إعلان حرب من أي طرف ضد الطرف الآخر في الصراع القائم الان، لذلك من المستبعد أن تجد فكرة تفعيل اتفاقية جنيف على الأراضي الفلسطينية تأييداً دولياً. على الرغم من النتائج السلبية التي منيت بها المساعي الفلسطينية لارسال قوة حماية دولية، فهي مازالت مستمرة، ويتم طرحها بشكل مكثف في المحافل الدولية. ففي اجتماع للجنة فلسطين المنبثقة عن دول عدم الانحياز المنعقدة في 2/5/2001 في جنوب أفريقيا، طالب الرئيس ياسر عرفات بدعم الطلب الفلسطيني بإرسال قوة حماية دولية. وقد شكلت لهذا الغرض مجموعات من الوفود للقيام بزيارات لشرح الموقف الفلسطيني من هذه القضية. ويلاقي المطلب الفلسطيني بإرسال قوة حماية دولية تأييداً عربياً واسلامياً، ففي بيان صادر عن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في القاهرة في 19/5/2001، طالب البيان بتوفير قوة حماية دولية للشعب الفلسطيني، كما عبرت العديد من الدول العربية والإسلامية عن مطالبتها وتأييدها لارسال قوة حماية دولية. من جهة أخرى تضمن تقرير لجنة ميتشل فقرة حول قوة الحماية الدولية اشترط فيها موافقة الطرفين على نشر قوة حماية دولية(13)، أي موافقة الطرف الإسرائيلي على الطلب الفلسطيني. ويبدو أن المطروح الآن هي قوة أوروبية للمراقبة وليس للحماية، فقد جاء في خبر انفردت بنشره جريدة القدس في 6/6/2001: "باشر مراقبون دوليون من الاتحاد الأوروبي مهمات خاصة تتمثل بمراقبة وقف إطلاق النار من جانب الفلسطينيين في مدينة بيت جالا. وعلم أن هؤلاء المراقبين سيمكثون أياماً وربما أسابيع في محافظة بيت لحم من أجل مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار باتجاه مستوطنة جيلو". وقد أكد الرئيس ياسر عرفات على وجود المراقبين الأوروبيين في 10/6/2001 أثناء مؤتمر صحفي في رام الله مع مسؤول الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، إذ قال: "المفتشون الأمنيون الاوروبيون يعملون في عدة مناطق، وتم ترتيب هذه العملية مع موراتينوس بالاتفاق مع الإسرائيليين، وفي نفس الوقت نتابع مع بعضنا كيف نحافظ على وقف إطلاق النار وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 28/9/2000"(14). من جانبه قال سولانا أثناء مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الإسرائيلي بيريس في القدس في نفس اليوم "أن أربعة ممثلين اوروبيين يقومون حالياً بمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، وأن الاتحاد الأوروبي لا يريد أن يقوم بشيء لا يوافق عليه الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني"(15). من المؤكد أن عدد المراقبين يدل على محدودية عملهم، إذ لن يكون باستطاعتهم مراقبة ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من الانتهاكات في جميع المناطق، والمطلوب هو زيادة عددهم وتمكينهم من الانتشار في الأراضي الفلسطينية التي تتعرض للانتهاكات الاسرائيلية، كما أن تواجد هؤلاء المراقبين يدل على احتمال تبلور دور أوروبي سيتم الحكم عليه بمدى ما تبديه من مواقف حيادية تسهم في دفع المفاوضات إلى الامام وفي خلق توازن للدور الأمريكي المنحاز لإسرائيل. المراجع : 1 -حسين أبو النمل: قطاع غزة 1948-1967، ص 169 2-القدس، 9/5/2001. 3-عبد الله الاشعل: اشكالية التكييف القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة. السياسة الدولية، عدد 114، أكتوبر 1993،ص 95. 4-راجع نص الاتفاقية في جريدة القدس العربي، 1/4/1994. 5-القدس، 28/10/2000. 6-الحياة الجديدة، 18/11/2000. 7-الحياة الجديدة، 13/12/2000. 8-الأيام، 1/12/2000. 9-القدس، 20/12/2000. 10-القدس، 20/12/2000. 11-الحياة الجديدة، 26/3/2001. 12-القدس، 29/3/2001. 13- انظر تقرير لجنة ميتشل كملحق في المجلة. 14-القدس، 11/6/2001. 15-القدس، 11/6/2001. |
|