يونيو 1999-مارس 2001جمال البابافي البرنامج الانتخابي لحزب إسرائيل واحدة الذي تزعمه ايهود باراك في عام 1999، ركز البند المتعلق بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية على مصير المستوطنات في ظل مفاوضات الوضع النهائي مع الجانب الفلسطيني، حيث جاء فيه: "بقاء غالبية المستوطنين في تجمعاتهم الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية وذلك في أي اتفاق سياسي سيتم التوصل إليه". وبعد فوز باراك برئاسة الوزراء، جاء في الخطوط العريضة لحكومته فيما يتعلق بالاستيطان: 1- ترى الحكومة في الاستيطان بكافة اشكاله، عملاً ذا قيمة اجتماعية وقومية وستعمل على تحسين قدرات المستوطنات للتغلب على الصعاب والتحديات التي تواجهها. 2- وفيما يتم تحديد مكانة التجمعات السكانية اليهودية في "يهودا والسامرة" وغزة في إطار التسوية الدائمة، لن تقام تجمعات أخرى ولن يمس بالمستوطنات القائمة. 3- ستعمل الحكومة على ضمان أمن السكان اليهود في "يهودا والسامرة" وغزة وتوفير خدمات بلدية وحكومية منتظمة اسوة بتلك المقدمة للتجمعات السكانية الأخرى في إسرائيل. تستجيب الحكومة لاحتياجات التطوير العامة في التجمعات السكانية القائمة. سيتم تطبيق المعايير الإجتماعية والاقتصادية على جميع التجمعات السكانية هناك(1). توضح هذه البنود الخاصة بالاستيطان أن حكومة باراك مضت في سياسة تثبيت الواقع الاستيطاني، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك على طريق تسمين المستوطنات القائمة، بتقديم الدعم الحكومي المنتظم لهذه المستوطنات من أجل تطويرها أسوة بالتجمعات السكانية اليهودية داخل إسرائيل. ويتيح رصد الأنشطة الاستيطانية لحكومة باراك، التي تسلمت من يونيو 1999 حتى مارس 2001، التعرف على السياسة الاستيطانية التي اتبعتها الحكومة خلال تلك الفترة، وفيما إذا كانت تلك السياسة تنطلق من رؤية باراك لمستقبل المستوطنات ضمن الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني، أم كانت سياسة استيطانية تعبر عن نهج إسرائيلي ثابت بغض النظر عن طبيعة الحكومة التي تتربع على قمة السلطة في إسرائيل. أولاً: الميزانيات عند تسلم باراك مقاليد السلطة في إسرائيل كانت الموازنة الخاصة بالاستيطان لعام 1999 قد أقرت من قبل الحكومة السابقة بزعامة بنيامين نتنياهو. ففي مطلع يناير من العام نفسه، أقرت حكومة نتنياهو الميزانية العامة لإسرائيل والتي تضمنت 1.5 مليار شيكل (نحو 400 مليون دولار في حينه) كنفقات تتعلق بانشطة استيطانية في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، (لم تكن كل هذه المبالغ منصوصاً عليها صراحة في الميزانية العامة، حيث كان الجزء الأكبر منها مدرجاً ضمن الميزانيات المخصصة لبعض الوزارات)، إضافة إلى مخصصات إضافية وضعت كنفقات بناء في الأحياء الاستيطانية شرقي مدينة القدس. ومن بين الأمور التي شملتها الميزانية المخصصة للانشطة الاستيطانية مايلي: - 28 مليون دولار تكلفة شق طرق التفافية جديدة. - 50 مليون دولار كتعويضات لاصحاب الأراضي المصادرة في جبل أبو غنيم. - 45 مليون دولار لوزارة الزراعة لتشجيع الاستيطان الجديد بما فيها 8 مليون دولار لمرتفعات الجولان، 5 مليون دولار لمنطقة القدس، 7 مليون دولار لقطاع غزة وجنوب الخليل - 2 مليون دولار كإعفاءات لمستثمرين ورجال أعمال. - 95 مليون دولار كاستعادات ضريبية وكدعم وإعانات للمستوطنين(2). هكذا تسلم باراك مقاليد السلطة ولديه موازنة سخية لتنفيذ نشاطات استيطانية دون أية معوقات مالية. وفي أبريل من عام 2000، تم إقرار الميزانية العامة الجديدة لاسرائيل، وتم تخصيص 400 مليون شيكل (نحو 40 مليون دولار) أخرى للنشاط الاستيطاني خلال العام 2000 وتضمن هذا المبلغ نحو 200 مليون دولار للطرق الالتفافية ومن ضمنها شق 14 طريقاً استيطانياً جديداً بحيث يتم توزيع هذا المبلغ على النحو التالي: - 114 مليون شيكل لانهاء الشوارع التي تم البدء بشقها. - 57 مليون شيكل تحول لدائرة الأشغال العامة مقابل الأعمال التي نفذتها لشق شوارع إلتفافية سابقة. - 28.2 مليون شيكل تخصص لشوارع لم تشق بعد(3). وفي نهاية عام 2000، أعدت حكومة باراك مشروع الموازنة الإسرائيلية العامة لعام 2001، وتم فيها تخصيص مبلغ 1.2 مليار شيكل (نحو 290 مليون دولار) للانشطة الاستيطانية، وتوزعت هذه المبالغ في غالبيتها على الوزارات الإسرائيلية التي تشارك في النشاط الاستيطاني،وذلك كنوع من التضليل بحيث لا يتم معرفة المبالغ الحقيقية التي تم رصدها للنشاط الاستيطاني، غير أن حركة السلام الآن الإسرائيلية استطاعت في تقريرها الخاص بالاستيطان حصر المبالغ المخصصة للنشاط الاستيطاني للعام 2001 على النحو التالي(4):
وبذلك يتضح أن حكومة باراك قد استغلت ما بين 700-800 مليون دولار في تطوير وحماية المستوطنات وشق المزيد من الطرق الالتفافية. إضافة إلى نيتها التي كانت مبيتة لرصد مبلغ 290 مليون دولار للنشاط الاستيطاني وذلك ضمن الموازنة الجديدة لعام 2001، وهو مؤشر واضح على الأهمية التي أولتها حكومة باراك لموضوع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. هذا فيما يتعلق بالموازنة الرسمية والتي لا تعطي صورة حقيقية عن حجم الاستثمارات التي تتم في المستوطنات، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار مجموع الاستثمارات الخاصة والاموال التي تقدمها جهات خاصة تدعم النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية. ثانياً: الأفضلية القومية للمستوطنات عند تسلم باراك الحكم في إسرائيل، كان عدد المستوطنات التي تتمتع بأفضلية قومية (أ،ب) قد بلغ 123 مستوطنة تمثل 85% من إجمالي عدد المستوطنات في الضفة الغربية البالغ 145 مستوطنة، في حين لم يتجاوز عدد المستوطنات التي تمتعت بأفضلية قومية في عهد حكومة رابين 39 مستوطنة، حيث أضاف إليها نتنياهو 84 مستوطنة جديدة عند تسلمه السلطة في منتصف عام 1996. تتمتع المستوطنات ذات الأفضلية القومية بامتيازات خاصة. فالمستثمرون في هذه المستوطنات مؤهلون للحصول على منح تبلغ 30% من قيمة المشروع، وعلى قروض تصل نسبتها إلى 40% من قيمة الاستثمارات مع فائدة نسبتها 0.5% ترتفع إلى 6.1% إذا كانت مربوطة بالدولار، كما تحصل هذه المستوطنات على اعفاءات في ضريبة الدخل بنسبة 7%، وعلى قروض سكنية مدعومة حكومياً، وعلى تعليم مجاني للأطفال من سن 3 سنوات، بالإضافة إلى إمتيازات أخرى في مجال التعليم والاسكان والصناعة والزراعة والسياحة. وتقدر قيمة الاعفاءات من ضريبة الدخل على سبيل المثال بنحو 250 مليون شيكل سنوياً(5). في منتصف شهر نوفمبر 1999، أعلن باراك عن نيته إلغاء الافضلية القومية لعدد كبير من المستوطنات وتقديم الامتيازات فقط للمستوطنات المعزولة والمجاورة للمناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة (مناطق أ) والتي تعاني حسب رأيه من مشاكل أمنية صعبة. كما ستواصل المستوطنات القريبة من الخط الأخضر التمتع بهذه الامتيازات من أجل تعزيزها على ضوء المفاوضات حول التسوية الدائمة. وفي رسالة بعث بها مدير عام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، إلى رئيس هيئة الاركان الإسرائيلي شاؤول موفاز، قال كوتشك بأن أهم المستوطنات التي تعتبر معرضة للمشاكل بسبب اقترابها من المناطق (أ) هي: كرمي تسور، بيت حجاي، دوريم، تيلم، عطيرت، كوخاف يعقوب، فيسجوت، ايتامار، معالية ليفونة ومستوطنات أخرى(6). على الرغم من إعلان باراك هذا، فهو لم يقم بأي خطوة على الأرض تصب بهذا الاتجاه، حيث اتخذ وزير الإسكان الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر في نهاية شهر ديسمبر 2000 قراراً بتمديد سريان خارطة مناطق الافضلية القومية للمستوطنات كما كانت في فترة نتنياهو لسنة أخرى حتى نهاية عام 2001(7). وحتى انتهاء ولاية باراك ظلت المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تتمتع بنفس الامتيازات التي حصلت عليها في فترة نتنياهو على الرغم من ادعاء حكومة باراك بأنها قلصت الامتيازات التي تحصل عليها المستوطنات. ثالثاً: البناء في المستوطنات كانت المواقع الاستيطانية التي تمت إقامتها في فترة حكومة نتنياهو في طليعة المواضيع المطروحة أمام لجنة الاستيطان التي شكلها باراك برئاسته، حيث أعلن باراك في حينه أنه سيتم فحص مدى قانونية هذه المواقع. وقد اعتمدت اللجنة المذكورة ستة معايير لتحديد مصير هذه المواقع: 1- تاريخ الاقامة-التاريخ المقرر هو قرار تبكير الانتخابات في كانون أول 1998. 2- الجهة التي صادقت عليها-وزير الدفاع نفسه أو مساعدون وموظفون آخرون. 3- نوع الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها في كل موقع. 4- التوطين-هل يسكن في الموقع أفراد أم عائلات. 5- هل ارتكبت مخالفات بعد إقامة الموقع، مثل وضع كرافانات بعد صدور اوامر وقف العمل. 6- المشاكل المتعلقة بحراسة الموقع(8). وفي اتفاق عقد بين باراك وقادة المستوطنات في شهر اغسطس 2000، اتفق فيه الطرفان على إخلاء 11 موقعاً استيطانياً، وهي: موقعان يقطنهما مستوطنون، وهما مستفيه كرميم الذي اقيم في ايار 1999 كموقع فرعي لمستوطنة كوخاف هشاحر وموقع فعين دافيد الواقع على بعد نحو 2 كم من مستوطنة سويسا جنوب الخليل، وأربعة مواقع غير مأهولة هي تلال (804 و 827) قرب مستوطنة شافون راحيل، وتلال (51-52) وتلة (26) قرب مستوطنة كريات أربع. أما المواقع الخمسة الأخرى فقد تم الاتفاق على ضمها إلى المستوطنات القريبة منها، كما حدث في المواقع القريبة من مستوطنة ايتمار، التي اعتمد مخططها الهيكلي من قبل حكومة باراك ليصل إلى 6000 دونم، وهو عشرة أضعاف المخطط الهيكلي السابق للمستوطنة، أو تنقل المواقع إلى مكان قريب من المستوطنة المجاورة للموقع. كما تم الاتفاق بين الطرفين على اعتبار 19 موقعاً في عداد التجميد. وحول كلمة تجميد، جاء في الاتفاق أن الموقع مجمد من ناحية البنى التحتية والتخطيط ولكن مع ذلك "لن يكون هناك تراجع للخلف"، أي لن يكون هناك اخلاء للمواقع المجمدة(9). ووفقاً لحركة السلام الآن، فإن ما آلت إليه هذه المواقع وما حدث لها من تغييرات وما تم تنفيذه بشأنها من إجراءات حتى تاريخ 18/8/2000 كان على النحو التالي: تم إخلاء أربعة مواقع فقط. وهي موقع مينرب كرميم قرب مستوطنة يتسهار وموقع مزرعة ماعون قرب مستوطنة ماعون وموقع نيف ايرز قرب مستوطنة (آش) وموقع مينرب شوفة قرب مستوطنة عالي، كما تم تجميد عشرة مواقع أخرى وهي مواقع جدعونيم، براخا(أ)، المزرعة الشمالية، التلة الشرقية، مينرب هاجيت، ماجين، ديفيد، تانا، جبل حمد، نوف كانا. وحسب حركة السلام أيضاً فقد تم في فترة باراك إضافة 41 منشأة جديدة(*) في عشرة مواقع، حيث وضعت منشآت ثابتة في ستة من هذه المواقع العشرة، وهو الأمر الذي يؤكد وجود الموافقة على أن تحول هذه المواقع إلى بؤر استيطانية دائمة وهذه المواقع هي: جفعوت علام قرب مستوطنة ايتمار جنوب غرب نابلس (موقع داخلي)، موقع مراخا(ب)، قرب مستوطنة براخا جنوب مدينة نابلس(موقع داخلي)، موقع ماريشاه قرب مستوطنة تلمون جنوب غرب رام الله، موقع التلة الشرقية قرب مستوطنة يتسهار جنوب غرب مدينة نابلس، وموقع هيوفيل قرب مستوطنة عاليه شرق طريق 60 في منتصف المسافة بين مدينتي نابلس ورام الله (موقع داخلي) وموقع 799 قرب مستوطنة شافوت في منطقة غوش عتسيون. كان الهدف من تعامل حكومة باراك مع هذه المواقع على نحوٍ لا يخضع لأية قاعدة هو إرضاء جمهور المستوطنين أكثر منه خدمة لهدف جغرافي أو استراتيجي حددته الحكومة(10). أما فيما يتعلق بعمليات البناء في المستوطنات، فقد أصدرت حكومة باراك عطاءات لبناء 3575 وحدة سكنية ضمن 21 عطاءاً موزعة على 16 مستوطنة وذلك على النحو التالي(11):
يلاحظ من الارقام الواردة في الجدول السابق أن الغالبية العظمى من عطاءات البناء كانت من نصيب المستوطنات المحيطة بمدينة القدس، فقد تم إصدار عشرة عطاءات لبناء 2809 وحدة سكنية في 6 مستوطنات محيطة بالمدينة وهي معاليه ادوميم، جفعات زئيف، بيتار عليت، افرات، هار أدار، جفعات بنيامين، وتمثل هذه الوحدات ما نسبته 78.5% من مجموع الوحدات التي تم إصدار عطاءات لبنائها في المستوطنات. كما يلاحظ من خلال الجدول السابق أيضاً أن المستوطنات القريبة من الخط الأخضر أو ملاصقة لطريق "عابر السامرة" وهي أربع مستوطنات، اريئيل، كرني شومرون، الفيه منيشه، الكانا، استحوذت على 689 وحدة سكنية من العطاءات التي اصدرتها حكومة باراك وتمثل 19.3% من مجموع العطاءات، في حين تمثل بقية الوحدات السكنية التي صدرت عطاءات ببنائها والبالغة 77 وحدة سكنية، 2.2% فقط من إجمالي العطاءات فقط، توزعت على 6 مستوطنات، 4 منها في مناطق داخلية في الضفة الغربية واثنتين في قطاع غزة. أما الوحدات السكنية التي بدأ البناء فيها في عهد حكومة باراك، فقد وصلت إلى 2830 وحدة سكنية. ووفقاً لتقرير حركة السلام الآن، توزعت هذه الوحدات على الإسكان الشعبي والاسكان الخاص(12). وحتى شهر 11/2000، وصل عدد الوحدات السكنية التي بدأت وزارة الإسكان الإسرائيلية ببنائها نحو 1264 وحدة سكنية، منها 1014 وحدة في لواء القدس، وبخاصة في مستوطنات بيتار، جفعات زئيف، معاليه ادوميم. وتمثل هذه البدايات من البناء التي قامت بها وزارة الإسكان 39% من مجموع البناء في المستوطنات. أما النسب الباقية فتتم من قبل اطر عامة وخاصة(13). كما يشير تقرير مؤسسة سلام الشرق الأوسط حول الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى إصدار وزارة الإسكان الإسرائيلية في الفترة من يونيو 1999 حتى ايلول 2000 رخصةً لبناء 3499 وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية(14). ولا تكتمل الصورة الخاصة بعمليات البناء، إلا عند الحديث عن الوحدات السكنية التي هي قيد البناء والتي قدرت بنحو 7120 وحدة سكنية، وهو رقم يفوق مجموع عدد الوحدات السكنية التي صادقت حكومة باراك على بنائها وعدد الوحدات السكنية التي أصدرت الحكومة رخصاً لبنائها والتي قد لا يكون البناء قد بوشر فيها فعلاً في عهد الحكومة نفسها. ويرجع هذا التفوق إلى سببين، السبب الأول: أن نسبة كبيرة من الوحدات السكنية التي هي قيد البناء ترجع إلى مصادقات سابقة خلال فترة حكومة نتنياهو. وكما أشار افرايم سنيه نائب وزير الدفاع في حكومة باراك أثناء جولة له في مستوطنات غوش عتسيون "إن نهج الحكومة هو تجميد البناء في المستوطنات ولكن البناء القائم هو الذي صودق عليه من قبل حكومات سابقة"(15). أما السبب الثاني فهو أن قسم البناء القروي في وزارة الإسكان الإسرائيلية يمنح ميزانية مالية خاصة للمستوطنات الخاضعة له لتنشر العطاءات بنفسها على أساس رخص البناء التي حصلت عليها في عهد حكومات سابقة. وعلى سبيل المثال، فإن 27 من بين 32 مستوطنة في المجلس الاقليمي "السامرة" تابعة لقسم البناء القروي. يتم البناء في هذا النوع من المستوطنات دون تدخل الحكومة شرط أن يتم ذلك وفقاً لخطط سارية المفعول. ويدور الحديث هنا عن 7000 وحدة سكنية كانت حكومات سابقة صادقت على بنائها(16). من خلال العرض السابق يتضح قيام حكومة باراك بعمليات بناء واسعة فاقت ما قامت به حكومة نتنياهو اليمينية، فخلال النصف الأول من عام 2000، قامت حكومة باراك بالبدء ببناء 1067 وحدة سكنية مقابل 545 وحدة في الفترة نفسها من عام 1999. ومنذ يناير حتى سبتمبر من عام 2000، تم البدء ببناء 1924 وحدة سكنية مقابل 1845 في عام 1998 و 1160 في عام 1997(17). رابعاً: الطرق الالتفافية أولت حكومة باراك أهمية خاصة للطرق الالتفافية، حيث خصصت جزءاً كبيراً من الميزانيات الخاصة بالنشاط الاستيطاني لاستكمال وشق المزيد من هذه الطرق. ففي أبريل 2000، اتخذت الحكومة قراراً بإنشاء 14 طريقاً التفافياً جديداً في الضفة الغربية بكلفة اجمالية تقدر بنحو 500 مليون شيكل، واستكمال الشوارع الالتفافية التي كان العمل جارياً فيها. والشوارع الاربعة عشر التي صادقت الحكومة على البدء في شقها هي: الون موريه- مخورا، التفافي زعترة، التفافي جسر صردا، شارع 80، التفافي حوارة، التفافي العروب، بيت ايل-عوفرة، كيدار-معاليه ادوميم، التفافي باقة الشرقية، شارع 45 (عنتون-مبشور ادوميم)، شارع 45(شيلو-الون)، التفافي الولجة. أما الطرق الالتفافية التي كانت قيد التنفيذ فهي: شكيد-نجهوت، التفافي نفي يكين، التفافي عين عريك، جفعات مزرحيت (شمال)، التفافي يتما، مفرق تفوح، يتمار-ارئيل، عالي زهاف-عابر السامرة، اشكلوت-عوفريم، مدخل افرات الشمالي، مفارق جبل الخليل(18). شارع الطوق: يعتبر شارع الطوق من أهم واخطر الطرق الالتفافية التي صادقت الحكومات الإسرائيلية على انشائها في الأراضي الفلسطينية لوقوعه في منطقة القدس، حيث أن الهدف الرئيسي من إنشاء هذا الطريق هو الحد من دخول السكان الفلسطينيين مدينة القدس أثناء حركتهم من مدينة بيت لحم إلى رام الله وبالعكس. كما سيلعب الشارع المذكور دوراً رئيسياً في ربط جميع المستوطنات المحيطة بمدينة القدس، سواء مستوطنات غوش عتصيون في الجنوب، أو مستوطنات شرق القدس وعلى رأسها معاليه أدوميم، أو مستوطنات شمال غرب رام الله، وبخاصة مستوطنتي جفعات زئيف وهار أدار. ووفقاً للمخطط الهيكلي للشارع الذي يبلغ طوله 15كم، فإنه يربط بين المحور (المخطط له) بيت حورون-ميشور ادوميم في الشمال والمحور الجنوبي بيت لحم-بيت ساحور، ويمر الجزء الاكبر منه في الأطراف الشرقية لنفوذ بلدية القدس. ويتكون الشارع من ثلاث مقاطع هي المقطع الشمالي بطول 4.5كم يبدأ من الشارع المخطط له رقم 45 (شارع بيت حورون-ميشور ادوميم) وسيمر جنوباً عبر المفترقات مع شارع عناتا وشارع رقم 9 وحتى المفترق مع شارع معاليه ادوميم، والمقطع الثاني هو المقطع المركزي الذي يبدأ من مفترق شارع جبل المشارف ويتواصل عبر نفق تحت جبل الزيتون حتى الإلتقاء مع الشارع الأمريكي بطول 6.1كم. أما المقطع الثالث وهو المقطع الجنوبي بطول 3كم، فيبدأ من مفترق شارع القطار ويتواصل جنوباً ويصل إلى مفترق شارع "هسرغيل" ثم يمتد باتجاه بيت ساحور وبيت لحم جنوباً(19). ووفقاً للمخطط الهيكلي للمشروع، فهو يحتوي على ثلاثة أنفاق "جبل الزيتون، أبو ديس، شارع القطار، كما يحتوي على ثلاثة جسور أهمها جسر وادي النار بطول 600 متر وارتفاع 115 متراً. ولأجل تنفيذ المشروع، قامت بلدية القدس بمصادرة 657 دونماً من أراضي العيسوية والطور وابو ديس والعيزرية ورأس العامود، ثم صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون القدس برئاسة حاييم رامون على التنفيذ بكلفة 900 مليون شيكل بعد الحصول على موافقة رئيس الحكومة ايهود باراك(20).
خامساً: المستوطنون عند تسلم باراك السلطة في إسرائيل، كان عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، باستثناء مدينة القدس نحو 176 الف مستوطن، 170 الف منهم في مستوطنات الضفة الغربية وستة الاف في قطاع غزة. وفي نهاية عام 2000 وصل عدد المستوطنين إلى نحو 199 الف مستوطن. وذلك بزيادة بنحو 23 الف مستوطن (تقدر الزيادة الناتجة عن النمو الطبيعي في عدد المستوطنين نحو 5.500 مستوطن على اعتبار أن معدل النمو الطبيعي يصل إلى 3% سنويا). ففي السنة الأولى، زاد عدد المستوطنين بنحو 14 الف مستوطن، وهو ارتفاع بنسبة 7.7%، وكانت معدلات النمو أكثر وضوحا في المستوطنات الاصولية، حيث بلغت نحو 37%. في مستوطنة ايتمار و23% في مستوطنة كريات سيفر، و18.3% في مودعين و16.3% في بيتار عيلليت و12% في الون شوفوت و7.12% في بيت ايل، وبالارقام المطلقة فقط، كانت الزيادة في مستوطنتي مودعين عيلليت في منطقة اللطرون وبيتار عيلليت في منطقة غوش عتسيون نحو 4500 مستوطن، وذلك في السنة الأولى لحكومة باراك، وهو ما يمثل 35% من مجموع الزيادة في عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية(22). ومن خلال صورة التوزيع الجغرافي للمستوطنين في الأراضي الفلسطينية في منتصف عام 2000، يلاحظ أن نحو 66.5 الف مستوطن يقطنون في المستوطنات المحيطة بمدينة القدس يمثلون نحو 30% من مجموع المستوطنين، كما يقطن في مستوطنات غرب نابلس نحو 50 الف مستوطن يمثلون نحو 25% من عدد المستوطنين، ونحو 30 الف مستوطن يقطنون في مستوطنات غوش عتسيون ومنطقة جنين، ونحو 45 الف مستوطن في مناطق داخلية يمثلون نحو 23% من عدد المستوطنين، أما قطاع غزة فلا يتجاوز عدد المستوطنين فيه 6600 مستوطن يقيمون في 18 مستوطنة. والجدول التالي يوضح توزيع المستوطنين في منتصف عام 2000(23).
خارطة باراك الاستيطانية: يقصد بخارطة باراك الاستيطانية تسليط الضوء على الاتجاهات التي سارت فيها الأنشطة الاستيطانية لحكومة باراك والاعتبارات التي ساهمت في توجيه هذه الأنشطة ضمن تصور يحقق أهدافاً محددة ومدروسة. ومن أجل فهم هذه الاعتبارات وما تخدمه من أهداف يجب تسليط الضوء على قضيتين أساسيتين اولهما تصورات باراك لمصير المستوطنات في التسوية الدائمة مع الجانب الفلسطيني، وثانيهما خطة الفصل أحادية الجانب التي حاول باراك وضع تصور كامل لها، آخذين في الاعتبار الوضع الميداني للمستوطنات. يضاف إلى ذلك اعتبارات أخرى تتعلق بالائتلاف الحكومي وموقف المعارضة من سياسة الحكومة في قضية المستوطنات. ففي خارطة الحل النهائي التي قدمها جلعاد شير في مفاوضات طابا في يناير 2001، اقترحت الحكومة الإسرائيلية ضم 5% فقط من مساحة الضفة الغربية، بحيث تقلصت المطالب الاقليمية الإسرائيلية بشكل ملحوظ عما تم طرحه في قمة كامب ديفيد الثانية. فقط تخلت إسرائيل عن مطالبتها باستئجار أراضٍ في وادي الأردن، وعلى امتداد الخط الأخضر في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية باتجاه كريات اربع، كما لم يشترط الجانب الإسرائيلي السيطرة على الطرق والممرات الواصلة إلى كدوميم وشافي شومرون في منطقة نابلس وشيلو وايلي وعوفرا شرق منطقة رام الله. كذلك لم تعد المنطقة الواقعة شرق مستوطنة معاليه ادوميم نحو وادي الأردن مشمولة ضمن الأراضي التي تطالب بها إسرائيل(24). ولعل الملاحظة الرئيسية على هذه الخارطة، إضافة إلى أنها قلصت المساحة التي طالبت إسرائيل باستقطاعها من الضفة الغربية، هي أنه أصبح من المستحيل تنفيذ عنصر هام من عناصر تصور باراك لمصير المستوطنات، وهو ضم ما لا يقل عن 80% من المستوطنين في الضفة الغربية إلى إسرائيل. فالخارطة الجديدة تقلص هذه النسبة إلى 65% فقط، على اعتبار أن الخارطة تحتم إخلاء ما لا يقل عن 85 مستوطنة تضم ما لا يقل عن 35% من عدد المستوطنين في الضفة الغربية(25). أما فيما يتعلق بخطة الفصل وتأثيراتها على توجهات حكومة باراك الاستيطانية، فعلى الرغم من الصعوبة البالغة في تطبيق خطة الفصل على الصعيد الميداني، فقد كانت حكومة باراك تضع هذا البديل كإحتمال وارد ولو لفترة قد تكون طويلة نسبياً. وعلى الرغم من عدم وجود خارطة إسرائيلية متفق عليها للفصل، فإن الاهداف الرئيسة للفصل تتمثل في منع الاحتكاك وجعل الغالبية العظمى من المستوطنات تحت السيطرة الإسرائيلية، وهو ما يتطلب عدم تعارض خطة الفصل مع تصورات باراك لمصير المستوطنات في الحل النهائي. لذلك فإن خطة الفصل تتشابه إلى حدٍ كبير مع الخارطة التي قدمها الجانب الإسرائيلي للجانب الفلسطيني في مفاوضات كامب ديفيد، أي أن تنفيذ خطة الفصل لا يتعارض مع تصورات باراك لمصير المستوطنات في الحل النهائي، بل تترك مجالاً للمناورة بكونها أكثر اتساعاً من الخارطة التي قدمها الجانب الإسرائيلي في لقاء طابا، حيث نصت خطة الفصل على ابقاء السيطرة الإسرائيلية على التكتلات الاستيطانية التالية: محيط القدس، مجمع اريئيل- كارني شمرون، مجمع كريات سيفر غرب رام الله، مستوطنات قريبة من الخط الاخضر، مستوطنات سلفيت جنوب غرب نابلس، هار أدار شمال غرب القدس، بيت حورون إلى الغرب من رام الله (26). من خلال العرض السابق للنشاط الاستيطاني لحكومة باراك وما حكمه من اعتبارات يمكن استخلاص الاتي: - تركزت معظم المصادقات الصادرة عن حكومة باراك، سواء تلك الخاصة ببناء وحدات سكنية جديدة أو نشر عطاءات بناء في المستوطنات التي ستصبح ضمن تصورات باراك للحل النهائي جزءاً من اسرائيل، مع التركيز بالدرجة الأولى على المستوطنات المحيطة بمدينة القدس والتي تمثل في حقيقتها أخطر المستوطنات على التواصل الاقليمي للكيان الفلسطيني. - كانت عمليات البناء الفعلي التي جرت في عهد باراك أكثر انتشاراً بحيث شملت ما لا يقل عن 61 مستوطنة، بعضها في عمق الأراضي الفلسطينية وخارج الكتل الاستيطانية التي خطط باراك لضمها. والدليل على ذلك أنه مع نهاية ولاية باراك، كان هناك ما يزيد على 7000 وحدة سكنية قيد البناء، وكانت الحجة الوحيدة لحكومة باراك هي أن البناء إنما يتم استناداً إلى مصادقات سابقة. - شكل استرضاء المستوطنين جزءاً من السياسة الاستيطانية لباراك، حيث ابقى على خارطة الأفضلية القومية التي أقرتها حكومة نتنياهو على الرغم من عدم اتفاقها مع تصوراته لمصير المستوطنات في الحل النهائي. - يبدو النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية محكوماً بقواعد ثابتة هي استمرار الدعم والبناء والتوسع بغض النظر عن السياسة التي تعلنها الحكومات المختلفة. وهذا ما يؤكده الكم الهائل من البناء الذي حدث خلال فترة باراك، والذي فاق في معدلاته حركة البناء في فترة حكومة نتنياهو. وتَأَكد هذا التوجه من خلال ما تعلنه حكومة الوحدة الوطنية الحالية بزعامة ارئيل شارون في ردها على تقرير ميتشل وقولها بضرورة تلبية حاجات النمو الطبيعي للمستوطنات على الرغم من وجود نحو 20.000 وحدة سكنية خالية حالياً في المستوطنات، وذلك وفقاً لمعلومات الاستخبارية الأمريكية(27). المراجع: 1. هآرتس بالانجليزية 7/7/1999. 2. جفري ارنسون، تقرير حول المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، مارس 1999. 3. جفري ارنسون، تقرير حول المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة 6-8/2000. 4. حركة السلام الآن، تقرير الاستيطان، نوفمبر 2000. 5. يديعوت أحرونوت، 8/12/2000. 6. معاريف، 11/11/1999. 7. يديعوت أحرونوت، 29/12/2000. 8. هآرتس، 11/1/1999. 9. هآرتس، 15/10/1999. 10. حركة السلام الآن، الاستيطان في فترة باراك، 21/12/2000. 11. حركة السلام الآن، الاستيطان في فترة باراك،21/12/2000. 12. حركة السلام الآن، الاستيطان في فترة باراك، 21/12/2000. 13. هآرتس، 4/12/2000. 14. مؤسسة سلام الشرق الأوسط، مارس-أبريل 2001. 15. معاريف، 15/8/2000. 16. هآرتس، 23/1/2000. 17. هآرتس، 12/9/2000. 18. هآرتس، 11/4/2000. 19. هآرتس، 6/4/2000. 20. كول هاعير، 13/4/2000. 21. هآرتس، 6/4/2000. 22. هآرتس، 11/12/2000. 23. هآرتس، 21/7/2000. 24. جفري ارنسون، الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي المحتلة، مارس-أبريل 2001. 25. جفري ارنسون، الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، مارس-أبريل 2001. 26. هآرتس، 25/4/2000. 27. هآرتس، 15/5/2001. (*) يعادل المبلغ المذكور نحو 290 مليون دولار. (*) المقصود بكلمة منشأة، أي مبنى تمت اقامته في الموقع سواء كان متحركا (كرفان) أو مبنى ثابتاً.
|
|