جريوسالم بوست 13/4/2001 بقلم:ايتا برنس جبسون إلى أين تتجه أهم حركة إحتجاجية يسارية في مرحلة ما بعد أوسلو؟ظلت حركة السلام الآن منذ إنطلاقتها قبل 23 عاماً حريصة جداً على أن تبقى بمثابة حركة احتجاجية محضة، تكرس جل جهودها لاقناع الجمهور الإسرائيلي بأن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية مدمر من الناحيتين السياسية والثقافية. وبالتالي فإن أنشطة هذه الحركة، وإن لم يكلل أغلبها بالنجاح، تتركز بشكل مباشر وغير مباشر حول هذه القضية الوحيدة، وإن كانت تستعين بنشطاء الحقوق الإجتماعية الأصليين وبمشروع مراقبة الاستيطان المكلف برصد التوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة. وللتأكيد على أن مواقفها هي مواقف يهودية صهيونية، حافظت حركة السلام الآن منذ نشأتها على الابتعاد عن الأنشطة التي ترعاها منظمات عربية، كلجنة التوجيه العليا أو مجلس رؤساء البلديات، بينما رحبت في الوقت نفسه بضم عرب من إسرائيل إلى صفوفها، وإنما على أساس الغرض الذي أُسست الحركة من أجله. فعلى سبيل المثال، لم يشارك أي من العرب في السكرتارية الوطنية، وهي عبارة عن مجلس إدارة مهلهل يتألف من نشطاء نصبوا أنفسهم بأنفسهم ويقرر سياسات واستراتيجيات الحركة ويبت في الأمور الخاصة. بيد أن فريج العيساوي وهو محاسب من كفر قاسم وعضو في حركة ميرتس، انضم إلى عضوية السكرتارية ليصبح عضواً دائماً فيها، فضلاً عن أن للحركة موظفاً عربياً يعمل كمنسق للشبيبة. تشير الآراء السائدة على أن المشاكل التي يواجهها المواطنون العرب في إسرائيل ستزول بزوال الصراع العربي -الإسرائيلي. لقد وجهت لجنة التوجيه العليا قبل اسبوعين، دعوة إلى حركة السلام الآن لحضور الاحتفالات بيوم الأرض في سخنين، بيد أن الحركة ترددت في قبول الدعوة، لأن يوم الأرض بالنسبة للجمهور اليهودي، الذي دأبت حركة السلام الآن على مناشدته، هو يوم مرتبط بالتطرف والانفصالية. وفي السنوات الأخيرة، أخذت الاحتجاجات والمهرجانات بمناسبة يوم الارض تتطور إلى أعمال عنف تؤجج نار التوتر السائد بين العرب واليهود. واذا ما أُخذ المزاج السائد داخل الوسط العربي الذي تجلى عشية مداولات لجنة اور بعين الاعتبار ، فقد خشي نشطاء حركة السلام الآن تحول إحياء ذكرى يوم الأرض هذا العام إلى أعمال عنف وانشطة مناهضة لإسرائيل. يقول مدير عام حركة السلام الآن، موريا شلموظ "أعتقد أن سمعتنا الطيبة كحركة صهيونية مخلصة هي بمثابة رصيد استراتيجي، ونحن لا نريد المشاركة في العنف ولا في مظاهر استفزازية أو رسائل يستشف منها رائحة التطرف". بيد أن الأغلبية ترى أن أنشطة يوم الأرض تشير إلى نوع من الاحتجاج على مصادرة الأراضي، وهي القضية التي يتوجب على حركة السلام الآن اتخاذ موقفٍ منها، وبخاصة أن الزعامة في الوسط العربي طمأنت ممثلي الحركة أن هذه الأنشطة لن تتعدى النطاق السلمي غير العنيف، ولن ترفع أية أعلام أو يافطات تحمل عبارات مناهضة لإسرائيل هناك. لذلك قررت سكرتارية السلام الآن مبدئيا المشاركة بعد الاتفاق على تخفيف وتيرة الظهور الاعلامي، كما تقرر أن تتم مراقبة الأحداث على الارض، واذا ما طرأ أي نوع من أعمال العنف في المظاهرة، تتراجع حركة السلام الآن وتلغي مشاركتها. تناضل حركة السلام الآن جيداً في سبيل الحفاظ على تألقها السياسي مع أن هذه المهمة في غاية التعقيد. فخلال عقدين من عمرها كانت مهمة حركة السلام الآن في ظل وجود حزب العمل وحركة ميرتس والمعارضة اسهل، لأنه من الصعب جداً احتجاج الإنسان على ذاته من منطلق أن اليسار يغمد سيفه عندما يكون مشاركاً في السلطة. يعتبر حزب العمل من الناحية الرسمية جزءاً من الائتلاف العملاق وفيه شمعون بيرس مهندس اتفاقيات أوسلو، والذي يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة ارئيل شارون، الذي يتهمه انصار حركة السلام الآن بإشعال نار حرب لبنان، علماً بأن هذه الحكومة هي نفسها التي سمحت علناً ببناء وتطوير 70 وحدة سكنية في الأراضي المحتلة وبدعم حزب العمل، في ظل عجز المعارضة بزعامة يوسي ساريد وتومي لابيد عن ممارسة أي نوع من التصدي الفعال لذلك. ووسط هذا الضباب يقبع حمائم حزب العمل أمثال يوسي بيلين وكوليت أفيتال مشلولين لا حراك فيهم. في ظل هذه الظروف، تتشوش الخطوط الفاصلة بين النشاط البرلماني والنشاط الذي يخرج عن نطاقه، حيث تدعم حركة السلام الآن في هذا الوقت مبادرة هادفة إلى تشكيل ما يسمى "بميثاق الحمائم"، الذي يضم في طياته كافة تيارات اليسار الصهيوني سواء داخل البرلمان أو خارجه. يؤكد نشطاء حركة السلام في الغالب على أنهم "حركة سلام صهيونية" في محاولة واضحة ومقصودة، لتمييز أنفسهم عن الجماعات اللا صهيونية الراديكالية مثل "غوش شالوم" و"تحالف نساء من أجل سلام عادل". تعتقد يهوديت كيشت وهي نشيطة في مؤتمر المنظمات اليهودية وعضو في جماعة "محسوم" وتعني الحاجز، التي تركز اهتمامها على مراقبة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان على حواجز الجيش الاسرائيلي، أن حرص حركة السلام الآن على أن تكون حركة صهيونية هو أمر في غير محله، وتقول: "ما يهم في هذه المرحلة هو معارضة الإحتلال ومعارضة السياسة الإسرائيلية نحو المواطنين العرب في إسرائيل. هناك الكثير من الأعضاء في مؤتمر كبرى المنظمات اليهودية من يعتبر نفسه صهيونياً". أما جوديت كورن، وهي نشيطة سابقة في حركة ميرتس، فلا تتفق مع هذا الرأي وتقول: "إن حركة السلام الآن لا تمثل اليسار الراديكالي، فنحن أكثر وسطية وأكثر اعتدالاً". وترى أنه لابد من بقاء إسرائيل دولة يهودية، "ولأننا صهيونيون، يدرك الفلسطينيون والمواطنون العرب في إسرائيل أنه لا يروق لهم ما نقول، رغم أن هذه رسالتنا التي تمثل آراء أغلبية الإسرائيليين المعتدلين". لازال قرار حركة السلام الآن، بتكريس وقتها وتسخير جهودها وطاقتها ومصادرها في سبيل الكفاح من أجل المساواة لصالح المواطنين العرب في اسرائيل، يمثل تحولاً ملحوظاً عن دور الحركة التقليدي في وقت ينتقد فيه خصوم الحركة الايدلوجيين هذه الخطوة، واصفين إياها بأنها محاولة إنتهازية لوضع اطر مهمة جديدة، لأن إنهيار عملية اوسلو والانعدام التام للاتصالات مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة يوجب على الحركة انتهاج طريق جديد، وإلا فإنها ستزول. ترد البروفيسورة غاليا غولان، إحدى الأعضاء المؤسسين للحركة على ذلك قائلة: "هناك قضيتان وهما الاجحاف بحق المواطنين العرب في البلاد والحاجة إلى تسوية اقليمية مع الفلسطينيين. هاتان القضيتان منفصلتان لكنهما مرتبطتان ارتباطاً مباشراً. لقد طمست السياسة الإسرائيلية أي نوع من الاختلاف بين الفلسطينيين الذين هم مواطنون في دولة إسرائيل وبين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الإحتلال. ليست هذه هي الرسالة التي نود توجيهها. فنحن نريد أن نوجه للمواطنين العرب رسالة الاندماج في دولة إسرائيل. ولكن إذا عوملوا بنوع من الريبة وقمعت مظاهراتهم بالعنف وواصلنا مصادرة أراضيهم، فحينئذ نكون قد ألقينا بهم في أحضان السلطة الفلسطينية". تشعر جوديت كورن منذ مدة أن على حركة السلام الآن المشاركة في دعم وتعزيز المساواة لصالح المواطنين العرب في الدولة، وتضيف: "لقد أصبحت بفضل انشطتي المهنية والسياسية على إدراك تام بمدى محدودية الفهم اليهودي لما هو عربي هنا. اليسار لا يعي مدى العزلة والظلم والتمييز الذي يعيشه المواطن العربي في إسرائيل يومياً. لقد حاولت إثارة هذا الموضوع مع سكرتارية الحركة، بيد أن افكاري لاقت معارضة شديدة". يعترف المتحدث بلسان حركة السلام الآن ديدي رامز أن القضايا التي لها علاقة بالمواطنين العرب في البلاد نادرة، وأن وجدت قلَّما يتم مناقشتها. وحسب اعتقادي، فإن هذا خطأ فادح. لقد تسببت أحداث الشغب الأخيرة في أكتوبر الماضي في مقتل 13 من المواطنين العرب. ومن أجل تصحيح ذلك الخطأ عقدت قيادة السلام الآن اجتماعاً طارئاً للسكرتارية بعد ليلة من انقضاء عيد الغفران. كانت اجواء الاجتماع مشحونة بالتوتر كما يقول شلوموط. "كان الناس غاضبين على الشرطة وعلى الحكومة وعلى العرب أنفسهم. لا أحد كان يريد حدوث ما جرى. بيد أن هناك شيئاً واحداً كان واضحاً للحضور هو أنه لم يعد بالامكان التغاضي عن المشاكل". تقول غولان، "كانت أحداث أكتوبر مرعبة، بحيث أنه إذا لم نفعل شيئاً في سبيل تغيير هذا الوضع الذي يتسم بعدم المساواة والعنصرية التي تستشري في المجتمع الإسرائيلي، فسنشهد تزايد عدد أولئك الذين سيبدأون في المطالبة بالحكم الذاتي أو حتى بالاستقلال. كان من الاحرى أن يكون أول يوم للأرض قبل 20 عاماً بمثابة الضوء الاحمر الذي يشير إلى وجود خلل ما. ولكن يظل التأخر أفضل من عدم الاكتراث". لقد بدأت حركة السلام الآن في إقامة وتطوير نوع من العلاقات غير الرسمية مع المنظمات العربية والشخصيات السياسية البارزة، ثم تطورت إلى وسيلة إستراتيجية. شارك نشطاء السلام في ما يسمى بمخيمات السلام التي نصبت على طول الخط الأخضر وعرضه عشية عيد المظلة "هسكوت"، كما انضم عدد منهم إلى الجماعة التي أشرفت على تنظيم المظاهرة في حيفا بعد انتهاء العيد. نظم كورن وغيره من نشطاء حركة السلام الآن جولة سياحية شملت قرى جت والمثلث غير المعترف بها، مثل قرية الزبيدات وعين هود، حيث التقوا هناك بالوجهاء والشخصيات السياسية. يقول كورن "تحدثنا معهم وطرحنا مواقفنا كحركة سلام صهيونية بوضوح وأصغينا إلى مشاكلهم. كانت الزبيدات أول محطة توقف فيها وفد السلام الان، التي هي إحدى 40 قرية عربية غير معترف بها منتشرة في شتى أرجاء إسرائيل. طريق القرية الرئيس وعرة غير معبدة ولا توجد على جانبيها أية إشارات دالة. ويبدو مظهر القرية للوهلة الأولى وكأنها كومة من الأكواخ الاسمنتية التي تفتقر إلى المجاري والكهرباء وخطوط المياه الجارية. ويريد السكان الذين عاشوا على هذه البقعة أجيالاً عديدة الاعتراف بهم كحي من أحياء قرية بسغات تفعون أملاً في الحصول على الخدمات البلدية مثل مدارس الأطفال.
ترجمة: ز.ع.
|
|