شهيد الشيعة مقابل بطل السنة
تأليف: د. سلوى العمد إصدار: المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت الطبعة: الأولى 2000، 220 صفحة مراجعة: عبد الحكيم حلاسه هذا الكتاب ثمرة رسالة ماجستير تقدمت بها المؤلفة في أواخر العام 1987، حيث يسيطر عليه الأسلوب الأكاديمي المتخصص الذي يتطلب قراءة متعمقة. وتذكر الكاتبة بأن سبب اهتمامها بموضوع الشهادة في الإسلام هو ملاحظتها أثناء دراستها في بيروت عام 1979، "أن التنظيمات الفلسطينية من مختلف الخلفيات السياسية والايديولوجية كانت تركز في خطابها السياسي وفي عملياتها العسكرية على الشهادة". وتضيف "غير أن ما لفت انتباهي لهذه الظاهرة هو ملصقات ضحايا الحرب الذين امتلأت بصورهم شوارع بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية، فالأفراد الذين كانت تنعاهم التنظيمات الشيعية مثلا، حملت ملصقات نعيهم اسم القتيل مستبقاً بلقب 'الشهيد المظلوم'، فيما كانت ملصقات التنظيمات الفلسطينية وتنظيمات الحركة الوطنية اللبنانية ممهورة في الأغلب الأعم بعبارة: 'الشهيد البطل'"(1). وكانت الحرب الأهلية اللبنانية في تلك الفترة مشتعلة بمشاركة فصائل لبنانية وفلسطينية تتداخل فيها الانتماءات السياسية والمعتقدات الدينية والمصالح المتناقضة، وأوقعت هذه الحرب التي استمرت حتى عام 1990 الكثير من الضحايا. تنطلق الكاتبة من الفرضية أن هناك تمايزاً بين اعتقاد الشيعة والسنة حول الشهيد في الإسلام. "ففي التمايز بين تصور كل منهما للشهيد في الإسلام، ممثلا بشهيد كربلاء الحسين بن علي بن أبي طالب، يلحظ المرء تكثيفا –بنسبة ما- لصورة الرمز الاسلامي عامة في عقائد الجماعتين. غير أن هناك فارقاً بينهما في حقيقة أن ايديولوجيا أهل السنة ترى في الشهيد شخصية تاريخية بالكامل، لأن الشهيد في عقائدهم هو امتداد الشخص البطل التاريخي، فيما عقائد الشيعة تُحيل الشهيد إلى نظيره الميثولوجي ]الأسطوري[، الماثل في اساطير الأنبياء الأولين. ولذا يُلحظ أن مؤلفات الشيعة خاصة الشعبية منها غالبا ما تُرجع التاريخ الشخصي للإمام الحسين إلى التاريخ القدسي، الازلي والأول"(2). وانطلقت الكاتبة في تفسير هذا التمايز من الأحداث التاريخية المنبثقة عن الصراع على السلطة أولاً بين معاوية بن ابي سفيان وعلي بن أبي طالب، وثم بين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان والحسين بن علي بن أبي طالب، ثم مقتل الأخير في واقعة كربلاء واعتباره رمز الشهادة عند طائفة الشيعة، بينما السنة تعتبره شخصية تاريخية، "وكربلاء ليست إلا حدثاً وقع في مكان وزمان معينين". وتتطرق الكاتبة إلى الاختلافات والتشابهات العقائدية والسياسية بين أهل السنة والشيعة، وتعتبر الشيعة أول حركة معارضة ظهرت في الاسلام، والسنة يمثلون السلطة وانهم يتأقلمون مع نظم الدولة المركزية. الشخصية الرمز كانت موجودة عند العرب قبل الإسلام، وكان يصل حد تعظيمها إلى عبادتها، ومع قدوم الاسلام، تم إدخال معايير جديدة على هذا التراث. "ولقد تجلى هذا التحديد في صيغتي البطل والشهيد، وهما الصيغتان الأكثر رقياً من زاوية التنظيم المجتمعي"(3). وعن تعريف البطل في اللغة والاصطلاح تقتبس المؤلفة تعريف ابن منظور في (لسان العرب) وتستنتج منه "بأن 'البطل' يتفوق على أنداده من الشجعان، لأن النيل منه يكاد يكون أمراً مستحيلا"(4). وفي تعريف الشهيد، تذكر الكاتبة أن هناك فرقا بين الأديان السماوية في نظرتها للشهيد، "أن هناك تمايزاً في المضمون الديني للشهادة والشهيد في الإسلام من جانب، وفي المسيحية واليهودية من جانب آخر. ففيما رجحت المسيحية صفة الفادي والمخلِّص للشهيد، فإن الإسلام حدَّد شهيد الدين، بالمقاتل دفاعاً عن الأمة والعقيدة ومن أجل إعلاء كلمة الله. وهو أيضاً، البطل الذي تستنهض شهادته في الجماعة همة الدفاع عن وجودها إذا داهمها خطر شديد"(5). وهناك فئات من الشهداء. فأحاديث النبي (ص) لم تحصر الشهادة في شهيد المعركة، بل أشار بعضها إلى الغرق والمبطون والمريض والغريب المائت في ديار الغربة، على أنهم جميعاً شهداء"(6). ولكن في كتاب (الشهيد في الإسلام) لمفتي الجمهورية اللبنانية الأسبق الشيخ حسن خالد، هناك فتوى ترجح شهيد المعركة على فئات الشهداء الآخرين، لأن القرآن اظهر في أكثر من آية فضل المقتول في سبيل الدين. وورد عند المفتي خالد، ترتيب اصناف الشهداء على النحو الاتي: "شهيد الدنيا، وهو الذي يقاتل ويقتل لغرض دنيوي، شهيد الدنيا والآخرة، وهو من قاتل وقتل لتكون كلمة الله هي العليا"(7). وتلتقي مواقف السنة والشيعة من حيث المبدأ على المعنى اللفظي لكلمتي شهادة وشهيد كما وردتا أصلاً في القرآن، لكنهما يختلفان من حيث كثافة السعي لتحقيقها، "ففقهاء السنة عموماً، لا يحبذون طلب الشهادة كغاية في حد ذاتها، بل يحاربون هذا التوجه ويعدونه انتحاراً"، مقابل ذلك يرى الشيعة أن الشهادة عنصر من عناصر صدق الايمان الديني. "والافتراض الايديولوجي حول مضمون الشهادة عند السنة والشيعة يعكس افتراق الطرفين حول مجمل الحقيقة الدينية والاجتماعية فيما يتعلق بمسألة السلطان الزمني في الإسلام. فالسنة على سبيل المثال، يرجحون طابع البطولة حتى في فعل الاستشهاد ذاته، أي أنهم يميزون بين انجازات الشهيد في حياته وبين واقعة استشهاده. أما الشيعة، فإن الشهادة اتخذت عندهم طابع الطقسية والماثي، التي كُرست بمجملها للشهيد كرمز ومعنى بعد الموت"(8). "فالبطل في عقائد السنة شخصية تاريخية بالكامل، وهو بطل الفتوحات ورجل الدولة، والخليفة الذي به يناط تطبيق الشرع الديني. لذا تقترن صورة الرمز عند السنة بقادة كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الايوبي وغيرهم"(9). "أما الشيعة، فيرون استحالة كمال الدين بغير الأمام، ولهذا نراهم يشددون على الطابع الرسالي للدين، أي على طور الدعوة، وهو طور كان النبي محمد (ص) بنفسه قد قام فيه بدور الداعية إبان المرحلة المكية من الإسلام. لهذا احتاجت عقائد الشيعة إلى رمز عقدي يحمل في حضوره صفة الداعية والمحرض. ولما لم تجده هذه العقائد في شخص الحاكم التاريخي، أي الخليفة، بحثت عنه في الحضور الأيديولوجي للأمام الشهيد"(10). لا شك أن الكتاب إثراء للمكتبة العربية، وهو يناقش موضوعاً نادراً ما تم تناوله، والمؤلفة لا تنتمي إلى حركة اسلامية سياسية، وهذا ما ساعدها في تناول الموضوع دون تعصب. المراجع: 1- ص 13، 2- ص 33، 3- ص 70، 4- ص194، 5- ص195، 6- ص57، 7- ص61، 8- ص65،9- ص67، 10- ص68.
|
|